شعار الموقع

النص القرآني .. المكانة والحجية

باسم البحراني 2019-06-04
عدد القراءات « 739 »

النص القرآني.. المكانة والحجية

 

باسم البحراني*

 

* كاتب من السعودية.

 

 

الكتاب: النص القرآني.. المكانة والحجية.

المؤلف: الشيخ فيصل العوامي.

عدد الصفحات: 253 قطع كبير.

المطبعة: دار الأثر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان.

الناشر: مركز القرآن والعصر.

الطبعة: الأولى 1436هـ - 2015م.

 

حاملًا معه اهتمامًا كبيرًا بالقرآن الكريم فكرًا وتفسيرًا، من خلال إلقاء المحاضرات ودروسه التي عمل من خلالها على تكريس الفكر والثقافة القرآنيتين في المجتمع، ومن خلال كتاباته ومؤلفاته ودراساته القرآنية، يُقدِّم لنا سماحة العلامة الدكتور الشيخ فيصل العوامي كتابه الحديث (النص القرآني، المكانة والحجية) كأحد نواتج هذ الاهتمام القرآني المتواصل حتى عُرِف كأحد أبرز المهتمين بالشأن القرآني في منطقة الخليج العربي.

الكتاب الذي صدر عن (مركز القرآن والعصر) يمثِّل الجزء الأول من سلسلةٍ قرآنيةٍ مكوّنةٍ من أربعة أجزاء يعمل المؤلف على كتابتها، ويراد لها أن تُؤهِّل الدارس لأن يصل «إلى رتبةٍ علمية تؤهله للعمل في البحث التفسيري وكتابة الدراسات العلمية القابلة للنشر». وكما ذكر الشيخ العوامي فإن هذه السلسلة المنهجية في علم التفسير ستتولى البحث في أربعة محاور والتي يمثِّل المحور الأول هذا الكتاب الذي نحن بصدد عرضه الآن وهذه المحاور هي على النحو التالي:

1. النص القرآني المكانة والحجية.

2. دراسات في علوم القرآن الكريم.

3. مناقشات للمناهج التفسيرية.

4. المنهج في تفسير القرآن الكريم.

وسيفرد المؤلف «لكل محور كتابًا مستقلًا، يُعنَى بالتعرّض لعمدة المسائل المبحوثة في إطاره، مع إدخال عنصر الجدل والمناقشة في طيات البحث بالقدر المناسب لإعانة الطالب على فهم المطلب بشكل أدق وطبيعة الاستدلال عليه، ولتجعل منه مُهيَّأً لممارسة النقد وصناعة الأفكار، ولذلك ينبغي أن يُركِّز المدرِّس على المنهجية النقدية أثناء الدرس مع التوسّع خارج المتن...»، ويضيف المؤلِّف بأنه «ينبغي أن يُعطى كل كتاب في سنة دراسية مستقلة».

ووعد المؤلِّف بأنه «سوف يُلحق هذا المنهج بمنهج آخر أكثر عمقًا وسعةً، يهدف لتهيئة الطالب على الممارسة التفسيرية الجادة، ومناقشة مستحدثات الفكر والثقافة بلغة قرآنيةٍ محكمة».

وجاء هذا (الكتاب/ المنهج) في أربعة فصول على النحو التالي:

- الفصل الأول: مفهوم الوحي.

- الفصل الثاني: المكانة العلمية للنص القرآني.

- الفصل الثالث: المكانة العملية للنص القرآني.

- الفصل الرابع: القرآن الكريم وملابسات الحجية.

في الفصل الأول من الكتاب ناقش الشيخ العوامي مفردة الوحي على اعتبار أن القرآن الكريم هو المصداق الأجلى من مصاديق الوحي، ولهذا فإن جميع ما سيُدرَس حول القرآن هو في الحقيقة دراسة للوحي أو لمفردة من مفرداته. كما أنه يعتبر ممرًّا لتحديد الطريقة السليمة للتعامل مع القرآن الكريم، فمتى ما كان تشخيصنا للموقف الصحيح من الوحي واضحًا فإن هذا سيكون له أثره في طريقة التعامل هذه. ثم إن الفهم الصحيح للقرآن الكريم مبتنٍ على تحديد تصوّرٍ دقيق لموضوع الوحي.

ولأن الكتاب عبارة عن منهج دراسيٍّ فإن مناقشة موضوعات الكتاب جاء على شكل دروس في كل فصل من فصوله، كما أن المؤلف وضع في نهاية كلِّ درس مجموعة من الأسئلة الخاصة بذلك الدرس (الموضوع).

وفي الفصل الأول الخاص بالحديث عن الوحي ناقش الشيخ العوامي عدة موضوعات في سبعة دروس، يمكن إجمالها في: مفهوم الوحي: الضرورة العلمية، تحرير لمفهوم الوحي، الوحي الإلهي، الوحي التشريعي، صور الوحي التشريعي.

فبعد تحريره لمفهوم الوحي لغةً واصطلاحًا وتعداده لبعض مصاديق الوحي «ما جاء على نحو البناء التكويني، وذلك بأن يودع الباري جلّ وعلا مجموعةً من التعليمات والأوامر في مخلوقاته حتى لا يمكن لتلك المخلوقات أن تتحرّك وتستجيب للحياة إلَّا باتّباعها». وأما المصداق الثاني «منها ما جاء على نحو الإلهام الباطني، وذلك بأن يوصل الله سبحانه وتعالى بعض التوجيهات حتى تنقدح في عقل الإنسان فجأةً ومن حيث لا يشعر، ويكون فيها تجاوز لمشكلةٍ أو حل موضوع عصيب أو إضاءة لأفق من الآفاق وما شابه...»، والمصداق الثالث «ما جاء على سبيل الوحي الإلهي إلى ملائكته لتدبير شؤون الكون» لينتقل الحديث بعدها عن الوحي التشريعي الذي «هو إبلاغ الله سبحانه وتعالى المعصومين من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) أحكام الشريعة وسبل الهداية وألوان المعرفة بطرقٍ خفية غير معتادة للبشر غالبًا»، وقد أخذ هذا النوع من الوحي تارةً صورةً مباشرة كالإسماع المباشر أو الرؤيا الصادقة، أو من وراء حجاب، أو الوحي عبر ملكٍ من الملائكة.

أما ثاني فصول الكتاب فتحدّث المؤلف فيه عن (المكانة العلمية للنص القرآني)، والذي حاول الشيخ العوامي أن يبيِّن لنا المكانة العلمية من خلال كلام القرآن عن نفسه، ومن خلال حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديث الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) عن القرآن الكريم. فجاء هذا الفصل في ستة عشر (درسًا).

استعرض المؤلف في هذا الفصل جملة من الآيات التي تحدّثت عن القرآن، والتي أشار المؤلف إلى أنها سارت في ثلاثة خطوط، الخط الأول من الآيات وهي التي تحدّثت عن الطبيعة الذاتية للقرآن (العظمة، الحكمة، مبين).

أما الخط الثاني فهي التي تحدّثت عن المستوى التأثيري للقرآن والذي تركّز في أربعة محاور (البصائر، الهدى، الشفاء، الرحمة).

أما الخط الثالث فهو المتعلِّق بالموقف الإنساني تجاه القرآن الكريم، فكان الحديث عن ثلاثة محاور وهي: الإيمان والتعقّل والاتّباع.

أما فيما يخصّ حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد استعرض المؤلّف (معتبرة السكوني) لأهميتها ولشموليتها كما يقول، وحاول أن يُوضِّح ما تتضمنه من معانٍ خاصةً تلك المتعلِّقة بموضوع مكانة القرآن الكريم.

وتابع ذلك في الحديث عن القرآن الكريم في كلام الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) مكتفيًا بحديثين عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وهي صحيحة ابن سنان التي تحدّث فيها عن المحتوى العلمي للقرآن الكريم، والأخرى صحيحة سَمَاعة التي تحدّث فيها عن الصفات العلمية للقرآن الكريم.

من الملاحظ أيضًا أن المؤلّف قام بمناقشة سند كل الروايات المذكورة لإثبات مدى اعتبارها من هذه الناحية قبل مناقشته للمتن.

كما يلحظ كذلك تعرُّض الشيخ العوامي للجوانب اللغوية كمقدمة للغوص في معاني هذه الروايات وإيضاح جملة العلاقات الموجودة في هذه النصوص والمتعلّقة بالنص القرآني. كمناقشته لمفهوم (الهدنة، الفتنة، مادة شَفَعَ،...) على سبيل المثال.

كما يمكن ملاحظة التساؤلات والإشكالات التي يطرحها المؤلّف إزاء هذه الروايات محاولًا إعطاء إجابات وردود، وكأنه بذلك يستنطق المعاني المخبوءة في طيات هذه الأحاديث. حيث نجده يتساءل «ماذا تعني كلمة حرمات؟ وماذا يعني أنها لله سبحانه؟ وكيف ليس مثلهن شيء؟»، كما نجد تساؤلاته: «لكن لماذا وجب التعظيم لكتاب الله سبحانه وتعالى؟... ما معنى هذه النسبة، وما معنى أنه حكمته ونوره؟».

بعد مناقشة هذه الروايات انتقل الشيخ العوامي إلى ثالث فصول الكتاب الذي ناقش فيه (المكانة العملية للنص القرآني)، ويقول المؤلّف في مقدمة هذا الفصل: «تولى الفصل السابق الكشف عن المكانة العلمية للنص القرآني، أي ما يمثّله القرآن من علمٍ ومعرفة، وطبيعة مميزاته العلمية.

أما هذا الفصل -أي الثالث- فيُعنى بالحديث عن المكانة العملية، أي الموقعيَّة الخاصة للكلام الإلهي بين سائر الكلام، والآثار الواقعية للالتزام، بمعانيه ومفاهيمه».

وجرى مناقشة هذا الجانب في ثلاثة موضوعات (دروس) وهي: بين نوعين من الكلام، وآثار العلاقة بين الكلامين، نحو فكر قرآني. وفي ثنايا هذا الفصل تعرَّض المؤلّف للعديد من التساؤلات والإشكالات التي تطرأ على عقل المفكِّر مستفزةً إياه ومحفزّةً له للمبالغة في مزيد من التأمل بهدف إعطاء رؤية واضحة تنظِّم العلاقة بين المعارف المستنتجة في الإطار البشري والقيم القرآنية ببعديها الثابت والمتغيّر».

ومن التساؤلات التي ذكرها الشيخ العوامي: ماذا يعني القرآن بالنسبة لنا؟ وما هي أصول العلاقة بين القيم والمفاهيم القرآنية وما يبدعه العقل البشري من فكرٍ وثقافة؟ وما هي النسبة الصحيحة بين الفكر القرآني والفكر الإنساني؟ وهل يمكن لنا فرز نموذج متميّز من الثقافة نطلق عليه (الثقافة القرآنية)؟ وهل هذه التساؤلات تشي بنوعٍ من التحفّظ على بعض النماذج الثقافية المتداولة؟».

ومن أجل تصحيح الكثير من المفاهيم وبالذات ما يُشكِّل منها خلفية ومنطلقًا للعديد ومن المواقف المتصلة بحياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، واحتواء الكلام الإلهي على أصول الفكر والمعرفة وأسس الحياة الاجتماعية دعا الشيخ العوامي إلى التأكيد على التأسيس لعلاقة وطيدة بين الكلامين الإلهي والإنساني وذلك بالاهتمام بالفكر القرآني.

لينتهي بنا المطاف إلى رابع فصول الكتاب الموسوم بـ(القرآن الكريم وملابسات الحجية)، والذي ناقض فيه وعلى مدى أحد عشر موضوعًا (درسًا) خمسًا من الإشكالات، والتي يمكن إجمالها في التالي: القراءات الشاذة، البسملة، القراءات المتعددة، تاريخ جمع القرآن، مشكلة التحريف.

ويقول المؤلف في مقدمة هذا الفصل: «لا خلاف بين جميع الفرق الإسلامية في حجية الكتاب، فقد تسالمت بأجمعها على أن القرآن الكريم حجة بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، وإنما وقع الخلاف في التفاصيل خصوصًا عند بعض المتعقلين الذين تعاملوا مع النص القرآني بمنهجٍ تأويلي»، ومع التسليم بقطعية صدور النص القرآني، وتحقق تواتره، «مع ذلك هناك بعض الإشكالات والملاحظات استعان بها البعض للتشكيك في تواتر النص القرآني، وسيُعنى هذا الفصل بمناقشتها تباعًا، بهدف إظهار تمامية التواتر على نحو مطلق».

وفي هذا الفصل استعرض المؤلّف هذه الإشكالات، وناقش أهم أدلة القائلين بها والرد عليها بأسلوب علمي رصين.