شعار الموقع

إشكالية تعريب المصطلحات في الأنثروبولوجيا

مرقومة منصور 2019-06-05
عدد القراءات « 975 »

إشكالية تعريب المصطلحات

في الأنثروبولوجيا

الدكتور مرقومة منصور*

 

*         أستاذ محاضر بجامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم، الجزائر.

 

 

مقدمة

تعتبر الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) أو الإناسة من التخصصات المهمة في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية، والتي بدأت تأخذ طريقها إلى الجامعة الجزائرية ولو بشكل محتشم بعدما عاشت سنوات من التغييب.

وباعتبار تخصصي في هذا الميدان، فقد قمت بتحضير رسالة ماجستير في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لدى جامعة قسنطينة، باللغة الفرنسية تحت إشراف السيدة كلودين شولي أستاذة التعليم العالي بجامعة الجزائر، ونظرًا للقانون المعمول به في الجامعة الجزائرية، اضطررت إلى ترجمة ذلك إلى اللغة العربية مما جعلني أواجه صعوبات جمة في ترجمة وتعريب بعض المصطلحات.

وعليه أرغب في تقديم هذه التجربة المتواضعة، ووضع كل ذلك محل التساؤل حول العديد من المصطلحات مثل: (anthropologie, ethnologie, acculturation, communauté, monographie...) وغيرها، والتي يمكن أن تقابلها بالعربية مصطلحات عديدة يجب ضبطها والاتفاق عليها نهائيًّا، على الأقل بالنسبة للجزائر، ولما لا، المغرب العربي أو الوطن العربي.

إشكالية المصطلح:

 يأخذ مشكل تعريب المصطلحات العلمية في الجزائر أشكـالا متعددة، ويطرح أسئلة عديدة، فهو يمثل في الوقت الراهن وجهة نظـر مركزية لملاحظة وتحليل صيرورة الثقافة وصيرورة المرجعية العلمية، خاصة في ميدان العلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام، والأنثروبولوجيا بشكل خاص، إذ من الملاحظ في السنوات الأخيرة، أن هذا التخصص بدأ يعرف طريقه إلى الجامعات الجزائرية.

وعلى العكس من ذلك، فالأنثروبولوجيا قد قطعت شوطًا كبيرًا في الغرب، والذي نأخذ عنه مناهجها أو على الأقل مبادئها الأساسية، مما يطرح بطبيعة الحال، إشكالية تعريب المصطلحات، ويكمن المشكل هنا في إيجاد المصطلح المقابل باللغة العربية.

ولنذكر على سبيل المثال لا الحصر المصطلحات التالية:

فالمصطلح الفرنسي «anthropologie» يعني حرفيًّا: «علم الإنسان، ولما كان الهدف النهائي لمعظم الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية –وخاصة علم النفس وعلم الاجتماع- دراسة الإنسان أيضًا، صارت الأنثروبولوجيا كعلم مستقل في حاجة إلى تعريف أدق. فهي ذلك الفرع من دراسة الإنسان الذي ينظر إلى الإنسان من حيث علاقته بمنجزاته.

ومع ذلك فالأنثروبولوجيا تعني في معظم أجزاء أوروبا ببيولوجيا الأجناس أو الأنثروبولوجيا الطبيعية. وذلك نتيجة الانشطار الذي حدث في علم الأنثروبولوجيا الشامل، ويختلف عن هذا وذاك تمام الاختلاف مفهوم الأنثروبولوجيا الذي كان مستخدمًا في الفلسفة قديمًا، حيث كان يدل على علم النفس»[1].

ويمكن ترجمة مصطلح الأنثروبولوجيا إلى العربية بـ: علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا أو الإناسة أو النياسة باعتبارها مرادفًا للإثنولوجيا، والتي هي في حقيقة الأمر جزء من الأنثروبولوجيا، فهذه مصطلحات عديدة لمفهوم واحد.

ومصطلح «ethnologue» يقابله في العربية: عالم الأجناس البشرية أو النيّاس (بفتح النون وتشديد الياء) أو الأناس (بفتح الألف وتشديد النون) كما أشار إلى ذلك حسن قبيسي حيث يقول: «اختلف فهم النياسة، فضلًا عن موضوع أبحاثها، باختلاف البلدان والمدارس الفكرية، بل إنه اختلف أحيانًا باختلاف الاختصاصيين. وكان للباحثين، حسب مواطنهم ومذاهبهم، أن يستعملوا كلمتي نياسة وإناسة دون تفريق بينهما، لإطلاق التسمية أو عدم إطلاقها على بحث واحد»[2].

وبعض المذاهب والمناهج الأنثروبولوجية مثل: «le fonctionnalisme» هل يمكن ترجمته بالوظيفوية أم الوظيفية. و«le structuralisme» هل هو البنيوية أم البنيانية، لأنه عندما ترجمت «l’anthropologie structurale» لمؤلفها ليفي ستروس، فهناك من ترجمها بالأنثروبولوجيا البنيوية، وهناك من ترجمها أيضًا بالأنثروبولوجيا البنيانية.

إشكاليات أخرى يمكن طرحها بالنسبة لمصطلحات أخرى ذات استعمالات واسعة، وهي من الأهمية بمكان في حقل العلوم الاجتماعية و الإنسانية.

«monographie» مثلًا، ترجمت حرفيا بـ«مونوغرافيا» ثم بـ«دراسة أحادية أو دراسة وافية»[3]. أم هي مبحثة أحادية أو مبحثة فقط. و أظن أن المصطلح الأخير مبحثة (بفتح الميم وتسكين الباء و كسر الحاء)، هو الأقرب إلى «الدراسة الوافية» ويعني «البحث والتدقيق»[4].

«Acculturation» وتعني «التثقف من الخارج، وهي عملية التغيّر من خلال الاتصال الثقافي الكامل، وتعني أيضًا الاتصال الثقافي»[5]، وهي أيضًا مثاقفة أو تثاقف وتعني: «تمثّل فريق بشري، كليًّا أو جزئيًّا، للقيم الثقافية لفريق بشري آخر»[6].

ومصطلح ثقف (بفتح الثاء و كسر القاف وفتح الفاء) أو ثقف (بفتح الثاء وضم القاف وفتح الفاء)، يعني صار حاذقًا، وتثاقفًا أي تغالبًا في الحذق[7]. يعني ذلك الأخذ بالجيد من الثقافة وترك السيئ منها. بينما تفسر كلمة «acculturation» باللغة الفرنسية بما يلي: Processus par lequel un groupe entre en contact avec une culture différente de la sienne et l’assimile totalement ou en partie»[8] دون الإشارة إلى كلمة قيم (valeurs)، وهنا أيضًا إشكال في ترجمة المفهوم.

مصطلح «communauté» يقابلها في العربية: متحد، مجمع، تجمع، طائفة، وحدة. ومنها أيضًا الجالية، وهي كما يلاحظ، مصطلحات عديدة، كما يجب أن يضاف إليها كلمة أخرى للدلالة فيما إذا كانت دينية، عرقية، سياسية...، مثل:

la communauté musulmane, la communauté internationale...

هذه بعض من المصطلحات ذات المقابلات العربية العديدة. فالإشكالية لا تكمن بطبيعة الحال في إيجاد المقابل العربي للمصطلح الفرنسي أو الإنجليزي، لأن اللغة العربية غنية بمفرداتها ويمكنها وصف أدق التفاصيل، ولكن تكمن في الاصطلاح (الاتفاق) على أحد المصطلحات واعتماده بشكل رسمي ونهائي، حتى توظف المفردات العربية بشكل مفيد.

يحيلنا ذلك على سؤال أعمق هو: بِمَ يتعلق الأمر في عملية التعريب؟ ونحو أيّ هدف تتجه هذه العملية؟ يظهر أن الجواب هنا لا يمكن إلَّا أن يتأرجح بين قطبين أو بين تصورين للتعريب كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد اسليم، الأول هو التعريب – الترجمة، ويتمثّل في الرغبة في قول الشيء نفسه بالعربية كما هو عليه في الفرنسية، بمعنى أنه يهدف أساسًا إلى جعل الأداة اللغوية العربية تدمج جميع المعطيات الجديدة -اللغوية والثقافية بالمعنى الواسع للكلمة- التي دخلت إلى الوسط الاجتماعي عن طريق اللغة الفرنسية، أي تعريب مكتسب أجنبي.

أما القطب الثاني فهو التعريب – الإقلاب، يُعنى به الترجمة غير المباشرة أو المتصرفة أو الملتوية، التي تتم بطريقة أو أكثر من الطرق التالية: التحوير/ التبديل، التكييف/ التقريب، المعادلة/ المقابلة. وهو يترجم إرادة قول الشيء الواحد باللغة العربية مختلفًا عمَّا هو عليه في اللغة الفرنسية، أي إرادة الإحالة على معطيات ثقافية مختلفة عن المعطيات التي أدخلتها اللغة الفرنسية.

ويبدو أن التعريب يستمد دلالته الكبرى من هذا التصور الذي بقدر ما يعبّر عن إرادة للاختلاف تكثر المطالبة به، وهو إعادة تعريب حقيقية بمعنى أنه عودة إلى الذات والأصالة، غير أنه يتعين معرفة أين توجد تلك الأصالة المبحوث عنها، أفي الماضي ما قبل الاستعماري أم في قيم الحاضر؟[9].

 

 

 

 

 

 

 



[1] إيكه هولتكرانس، قاموس مصطلحات الإثنولوجيا و الفلكلور، ترجمة: د. محمد الجوهري و د. حسن الشامي، الطبعة الثانية، 1973، مصر: دار المعارف، ص. 49.

[2] جاك لومبار، مدخل إلى الاثنولوجيا، ترجمة: حسن قبيسي، الدار البيضاء، المغرب. بيروت، لبنان: المركز الثقافي العربي، 1997، ص9.

[3] سهيل إدريس، المنهل، قاموس فرنسي – عربي، بيروت: دار الآداب، الطبعة الثامنة عشر، 1997.

[4] المنجد في اللغة و الأعلام، الطبعة الواحدة والثلاثون، بيروت: دار المشرق، 1991.

[5] إيكه هولتكرانس، مرجع سابق، ص 73-74.

[6] سهيل إدريس، مرجع سابق.

[7] المنجد، سابق.

[8] Petit Larousse grand format, 1995.

[9] جيلبير غرانغيوم، اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي، ترجمة: محمد اسليم، إشكالية التعريب في المغرب العربي، موقع أنترنيت. www.siteavie.com/aslim/sul2.htm