شعار الموقع

فلسفة الدين عند إقبال .. الأصول والمرجعيات

نعيمة إدريس 2019-06-06
عدد القراءات « 664 »

فلسفة الدين عند إقبال..

الأصول والمرجعيات

الدكتورة نعيمة إدريس*

* كاتبة وباحثة من الجزائر، البريد الإلكتروني: Dris_naima@yahoo.fr

 

 

 

مدخل

عُرف الدين والسلوك المتدين منذ وجود الإنسان ألوانًا وطقوسًا مختلفة، لهذا اعتبره علماء الاجتماع ظاهرة اجتماعية لازمت الإنسان منذ وجوده إلى يومنا هذا. فاتجاه النفس إلى الاعتقاد في الله أو في أي شيء آخر على أنه خارق له قدرات غير محدودة أمر معروف في تاريخ الإنسان وعلاقته بالأديان الوضعية أو السماوية؛ إذ الإيمان بهذه القوة وردّ الحوادث الطبيعية والبشرية إليها، أمر طبيعي عند معظم البشر.

والمتأمّل في تاريخ الفكر الفلسفي عامة، وفي جانبه الدّيني خاصة، يجد بأنّ الفلسفة قد خصّت ومنذ نشأتها فكرة أو مبحث الألوهية بالاهتمام الأكبر خاصة مسألة البحث في العلّة الأولى، وكل ما يتعلق بها من قسم الإلهيات لكونه يبحث عن علّة العلل التي هي مصدر هذا الوجود.

ولم يتوقّف البحث في هذه المسألة عند الفكر اليوناني بل توسّعت وتعمّقت دائرة البحث في العصور الوسطى مسيحيةً كانت أم إسلاميةً، وليس عصر الفلسفة الحديثة استثناء على الرغم مما يعرف به، من كونه عصرًا تحوّل فيه الفكر الإنساني من البحث حول الدين إلى البحث حول الطبيعة والإنسان. على النقيض من ذلك ظلّ ومازال الدين مسألة جوهرية موجهة لتفكير الفلاسفة المحدثين من بيكون، ديكارت، هوبز، مرورًا بباسكال، واسبينوزا، باركلي، هيوم، وكانط.

الاستقراء المتأني لنصوص هؤلاء الفلاسفة يكشف أن اهتمام الفلسفة الحديثة بالدين لا يقل عن اهتمام فلسفة العصور الوسطى، وإن كان هذا الاهتمام من طبيعة مختلفة وتحكمه طرق ورؤى فلسفية جديدة أدَّت إلى ظهور «فلسفة الدين» بما تحويه من أسئلة ومضامين، تُسائل وتُحلّل وتنتقد كل ممنوع ومقدّس، فهي بحث عقلي غير مقيّد بالمسلّمات الدينية على نحو قبلي، بحث لا يتحرّك نحو هدف مرسوم مسبقًا، وإنّما يجتهد عبر المقارنات والنّقد إلى تأويل يشبع العقل ويحل إشكالات الواقع الراهن.

والمتفق عليه أن «فلسفة الدين» برزت كمبحث فلسفي ونسقي منظم مع كانط في كتابه «الدين في حدود العقل»، ولا شك في أنّ لهذا المبحث إرهاصات قبل ذلك حيث كان للفلاسفة السابقين نظرات وتحليلات فلسفية لبعض الموضوعات الدينية، لكنّها لا ترقى لتشكّل فلسفة للدين متكاملة العناصر والأركان، ومحكمة المنهج تعتمد على العقل وحده ومبرأة عن الانحياز أو الدفاع اللّاهوتي أو العقائدي، وهو بالضّبط ما فعله كانط مع فلسفة الدين، لا سيما أنّه فحص الحقائق الدينية فحصًا عقلانيًّا حرًّا وحلّل نقديًّا الدين من حيث هو دين وتجنّب طرق اللّاهوت وأغراضه.

هذه المحاولة الرائدة نجد ما يماثلها منهجًا وجدةً وابتكارًا وشمولية في عالمنا الإسلامي وتحديدًا في القرن العشرين مع الفيلسوف محمد إقبال والذي أثار في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام» بفصوله الستة الكثير من المسائل الدينية بمنهجية جديدة، حيث ناقش إشكالية تجديد التفكير الديني التي تعد قضية ملحة وعاجلة في عالمنا الإسلامي، معتمدًا على أفكار فلسفية جد متخصصة في محاولة منه محاربة الجمود على القديم في الدين لأنه ضار في كل شيء ولأنه يسد منافذ الإقدام الروحاني، وبالتالي الجمود لا يخدم الدين الذي هو في أرفع مراتبه ليس إلَّا سعيًا وراء حياة أعظم كما يقول. هذا الكلام يتقاطع مع فلسفة الدين في نقاشها وتحليلها ونقدها لكل ما يتصل بالقضايا الدينية.

من جهة أخرى إن الثقافة المعاصرة الغربية الطابع والتي يطغى عليها التحليل العلمي والمادي، الذي كثيرًا ما يسبّب الحرج في طرح مسائل ذات صلة بالدين، الأمر الذي يفرض علينا أن نعجّل في معالجة مثل هذه المسائل خاصة في الشرق الإسلامي، الذي تأذّى كثيرًا من الثقافة الغربية المفتقدة للإيمان بالله، ففيلسوفنا محمد إقبال يعوّل كثيرًا على دور الدين في إعادة توازن شخصية الإنسان المعاصر، بل وشفاء علل الإنسانية اليائسة، وأكيد يعول عليه في إحياء أمتنا الإسلامية، لكن الدين الذي لا يختزل في الشعائر أو الكهنوت، وإنما الدين الذي يسعى إلى التجربة الروحية التي تسمو بصاحبها نحو حياة أرفع وأعظم.

محاولة إقبال الرائدة التي قدّمها في القرن العشرين في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام» عالج من خلالها الكثير من المسائل الدينية بمنهجية لا يمكن وصفها إلَّا بالمنهجية الفلسفية بكل امتياز، الأمر الذي يخول لنا أن نعدّ هذا الكتاب من أمهات المصنفات في فلسفة الدّين أو الفلسفة الدينية.

وفي بحثنا هذا نحاول التطرُّق لأهم القضايا التي تتطرَّق إليها عادة فلسفة الدين، وعلى رأسها الألوهية والنبوة، في محاولة لكشف الجديد الذي قدمه محمد إقبال بعيدًا عن التقليد، لكن المؤكد أن إقبال يستلهم موقفه وفهمه لهذه القضايا من فهمه الشخصي للقرآن الكريم.

أولًا: القرآن عند إقبال

وُلد محمد اقبال في 9 نوفمبر 1877في سيالكوت، الواقعة في ولاية البنجاب بالهند، الوالد التّقي هو المعلم الأوّل لمحمد إقبال، ربَّاه تربية إسلامية، ثم ذهب به إلى مكتب تحفيظ القرآن في سيالكوت حيث يبقى جالسًا حتى يستقبل الفجر فيصلي خلف أبيه، ثم يتلو القرآن.

وقد حرص أبوه[1] على ألَّا تكون قراءة إقبال كلمات تُلقى وآيات تُتلى، فقال له: «يا بني، إقرأ القران كأنه نزل عليك»، وفي ذلك يقول إقبال: «ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست، ومن بحره ما نظمت»، وما يلاحظ هنا أن النشأة الفكرية لمحمد إقبال ارتبطت بكتاب الله.

يشكّل حضور الدين وكل المسائل ذات الصلة حضورًا محوريًّا في فكر إقبال، لذا نجده خصَّ كل القضايا التي لها علاقة بالدين بالتحليل والنقاش، وبديهي أنه أفرد اهتمامًا خاصًّا للإسلام، لذا نجده يصدر مقدمة كتابه الشهير «تجديد التفكير الديني» بالحديث عن القرآن الكريم في أول جملة وأول سطر، وفي هذا دلالة على جوهرية الدين عنده.

يقول إقبال: «القرآن الكريم كتاب يعنى بالعمل أكثر مما يعنى بالرأي»[2]، وهذا من الأهداف التي سعى إقبال إلى توضيحها وتمنى تحقيقها في حياة المسلمين، حتى ينتقلوا من حضارة الرأي أو القول بلغة طه عبد الرحمن إلى حضارة الفعل، لكن كما أشار بنفسه أن هذا يصعب تحقيقه؛ لأن هناك أناس بحكم مزاجهم من العسير عليهم أن يتمثلوا عالمًا جديدًا ليستأنفوا الحياة على نسق يستلهم الرياضة الباطنية التي هي الهدف الأسمى للدين[3].

ومن الأحداث اللافتة في حياة إقبال وعلاقته بالقرآن، التي من خلالها رسم رؤيته للإسلام وللدين، هذا الموقف الذي عاشه ويذكره قائلًا: «تعوّدت أن أقرأ القرآن بعد صلاة الصبح كل يوم فكان أبي يراني فيسألني ماذا أصنع؟ فأقول: أقرأ القرآن، وظلّ على ذلك ثلاث سنوات متتاليات يسألني سؤاله فأجيبه جوابي، وذات يوم قلت له: ما بالك يا أبي تسألني نفس السؤال وأجيبك جوابًا واحدًا، ثم لا يمنعك عن إعادة السؤال من غد؟ فقال: إنما أردت أن أقول لك يا ولدي: اقرأ القرآن كأنما أُنزل عليك، ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست، ومن درره ما نظمت»[4].

هذا الحدث أكثر ما لفت انتباهي في سيرة محمد إقبال، منه قد نُدرك تشكُّل الدافع القوي لتأليفه «تجديد التفكير الديني»، فهذا الحوار الذي ظلَّ يدور بين أب وابنه لمدة ثلاث سنوات، ليس بالحوار العادي، مدلولاته بعيدة وعميقة، فلو قرأنا القرآن كما لو أنه أنزل علينا لاختلف أمرنا كثيرًا.

قراءة إقبال المتميزة أثبت الزمن فاعليتها، الزمن الذي كشف عن شخص فاعل، مجدّد، جاء بنظرة جديدة للدين ودوره في حياة الإنسان، نظرة تأسست على فهم ذاتي، وعلى الاستلهام من الرياضة الدينية الشخصية باعتبارها معيار صدق، فكان المفكر المجدّد في زمن كانت الأمة الإسلامية تعيش ظروفًا صعبة على كل المستويات، ظروف يشحّ فيها الإبداع والتجديد إلَّا عند إقبال وأمثاله.

القرآن ليس كلامًا يُتلى وفقط، وإنما يجب أن يفجّر طاقات متعدّدة، وعلاقات متنوّعة، أو بما أسماه إقبال «الرياضة الدينية». إن الهدف الرئيس للقرآن هو أن يوقظ في نفس الإنسان شعورًا أسمى بما بينه وبين الخالق وبين الكون من علاقات متعدّدة، لقد كان هذا المنزع التعليمي للقرآن هو الذي جعل غير المسلمين أمثال الشاعر جوته يصفون الدين الإسلامي بوصفه قوة مهذبة مؤدبة[5].

تأملات إقبال في القرآن الكريم جعلته يقف على عديد الحقائق التي مكّنته من الكشف عن عمق وشمولية النظرة القرآنية، الأمر الذي جعله يُقارن الإسلام بأديان أخرى كالمسيحية، ليقف على فاعلية الدين الإسلامي التي تنبع من الذات، ولكن دون أن تفصل هذه الذات عن عالم الطبيعة أو المادة.

يقول إقبال: «لقد واجهت النصرانية في أول عهدها المعضلة نفسها -(يقصد معضلة علاقة الدين بالحضارة المادية)- فكانت أعظم ما عنيت به أن تبحث عن مستقر للحياة الروحية قائم بنفسه... والإسلام يقرّ هذه النظرة تمامًا، ويُكملها بنظرة أخرى هي أن النور يضيء هذا العالم الجديد المتجلي ليس غريبًا عن المادة بل هو متغلغل في أعماقه»[6].

والذي يفهم من هذا أن الإسلام رغم سعيه نحو الروح إلَّا أن السعي لا يتحقق إلَّا بالتعامل مع المادة، وهما في الأصل ليسا متناقضين وهو السعي نفسه الذي قامت به المسيحية لكن رأت الحل في إقصاء ونفي المادة وهنا نقطة الاختلاف.

القرآن الكريم يحمل معنى التجدُّد، ويُبصِّرنا بحقيقة التغيُّر الذي ينشده إقبال، والذي غاب عن المسلمين ففضلوا النظر العقلي على العملي مفضلين اجترار ما قاله السلف، دون أن يساهموا بدورهم في الحضارة الراهنة وتركوا الأمر لغيرهم ليقودوا حضارة اليوم التي تفتقد للإيمان؛ لذا يؤكد إقبال أن «الجمود على القديم ضار في الدين كما هو ضار في أية ناحية أخرى من نواحي النشاط الإنساني، فهو يقضي على حرية الذات المبدعة ويسد المنافذ الجديدة للإقدام الروحاني، وهذا هو السبب في عجز الطرق التي أنتجها صوفية القرون الوسطى عن تخريج أفراد لهم قوة الابتكار على كشف الحق»[7].

في إشارة إقبال لعجز الطرق الصوفية على الدفع بالمسلم قدمًا نحو الإبداع رغم ما للصوفي من مجاهدة روحية أو رياضة دينية لتمثّل الحقيقة، إلَّا أن التقليد والجمود حالا دون ذلك، معظم صوفية العصور الوسطى في عالمنا الإسلامي كرسوا الاستسلام إلى الواقع السلبي والسكون فيه مبتعدين عن المجتمع، مفضلين التضرُّع والدعاء لله لينقذ المسلمين مما يعانون من فتن وضعف أطمع الأعداء فيهم.

لكن لا يفهم من هذا الكلام رفض إقبال للتصوف فهذا موقف نقدي فقط، لأن تقديره للتصوف معروف، بل إن إقبالًا يعول كثيرًا على ما يسميه الرياضة الدينية التي بإمكانها عمل الكثير شريطة أن تلتحم بالواقع ومتطلباته، لأن «الدين وهو في جوهره الحياة الواقعة فهو الطريقة الجدية الوحيدة للبحث في الحقيقة، والدين بوصفه نوعًا من رياضة عالية رفيعة يصحّح أفكارنا في فلسفة الإلهيات أو يجعلنا على الأقل نشك في الحركة العقلية البحتة التي تكون هذه الأفكار»[8].

إن الإسلام بفضل عقيدة التوحيد، تمكّن من أن يوحّد بين طرق المعرفة ويخلق تكاملًا بينها، الطريق العقلي مهم وضروري لكن لا يجب أن نثق في الحركة العقلية ثقة عمياء كما تفعل الحضارة الغربية، مصادرنا الدينية بإمكانها فعل الكثير، خاصة في إدراك مباحث الميتافيزيقا أو فلسفة الإلهيات.

إقبال يعوّل كثيرًا على الدين كمنهج يوصله إلى الحقيقة، لكن بشرط أن يتم الالتفات إلى الاتجاه التجريبي للقرآن، أو كما يقول: «وإنه لأمر عظيم حقًّا أن يوقظ القرآن تلك الروح التجريبية في عصر كان يرفض عالم المرئيات بوصفه قليل الغناء في بحث الإنسان وراء الخالق»[9].

والذي يعنيه إقبال بالاتجاه التجريبي للقرآن، العلوم التجريبية التي قامت على دعوة القرآن العملية التجريبية التي خدمت المسلمين، وكانت سببًا في النهضة الأوروبية لاحقًا، بعد أن تراجع المسلمون عن فهم القرآن كما يجب واستدرك العالم المسيحي خطأه في رفض العالم الحسي.

الجانب العملي للدين يترجم الهدف الأسمى منه، الذي هو تحقيق صلاح الإنسان وهدايته وتدبيره لنفسه وتكيُّفه مع معاشه ومع غيره، مرامٍ أساسية للدين تُحقّق حفظ الإنسان من كل النواحي، وبديهي لن تتحقّق هذه المقاصد إلَّا إذا تضمّنها الدين نفسه وبيَّن السبل إلى تجسيدها. يقول إقبال: «وإذا كانت غاية الدين وهدفه الأسمى في تكيُّف الإنسان وهدايته في تدبيره لنفسه، وفي صلاته بغيره، فقد أصبح من الجلي أن الحقائق التي يشتمل عليها الدين ينبغي ألَّا تبقى غير مقررة، فما من أحد من الناس يُقامر بالإقدام على عمل ما على أساس مبدأ خلقي مشكوك في قيمته»[10].

هذه الرؤية الإيجابية الفاعلة للدين وللدين الإسلامي تحديدًا التي تشبَّع بها إقبال ونافح عنها، لم تأتِ صدفة، فالفضل كل الفضل يُردّ إلى مدرسة الإيمان التي كانت مرّبيًا له ومرشدًا، بل هي مصدر قوّته ومنبع حكمته، إيمان إقبال ليس مجرّد عقيدة أو تصديق بسيط، بل هو مزيج اعتقاد وحب، فقد كان شديد الإيمان بالإسلام ورسالته، مقتنعًا أن الإسلام هو الدين الخالد، بل إن إقبالًا يُرجع الفضل في تكوين شخصيته وتماسكه أمام مغريات الحضارة الغربية، وتماسكه أمام المادة لاتصاله بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي يخصّص الحديث عنه عندما يتعرّض للنبوة بالنقاش والتحليل.

لقد كان محمد إقبال شديد الاعتداد بهذا الإيمان، كثير الاعتماد عليه، يعتقد أنه هو قوّته وميزته، وأنه أعظم قدرًا من العلم والعقل، كذلك المعلومات والمحفوظات لا تساوي هذا الإيمان البسيط، فهو يقول: «لم يستطع بريق العلوم الغربية أن يُبهرني ويُغشي بصيرتي وذلك لأنني اكتحلت بإثمد المدنية»[11].

ولم يزل محمد إقبال إلى آخر عهده بالدنيا، يغوص في بحر القرآن، فيخرج بعلم جديد وإيمان جديد، وكلما تفتّحت دراسته ازداد إيمانًا بأن القرآن الكريم هو الكتاب الخالد الأزلي والعلم الأبدي وأساس السعادة.

إيمان إقبال وحبه للإسلام كانا مصدرًا للشعر الرقيق، والعلم العميق، والحكمة الرائعة، والشخصية الفذة، أي الدين الذي يدفع بصاحبه قدمًا، يقول: «وتزيد الحياة الدينية في طموح الإنسان إلى الاتصال المباشر بالحقيقة القصوى، وهنا يصبح الدين مسألة تمثل شخصي للحياة والقدرة، ويكسب الفرد شخصية حرة لا بالتحلل من قيود الشريعة، ولكن بالكشف عن أصلها البعيد في أعماق شعوره»[12].

وانطلاقًا من هذه المبادئ فهم إقبال القرآن الكريم، وأقبل على دراسته والاهتداء به في حل مشكلات العصر.

ثانيًا: الله (الذات) والصفات في فلسفة إقبال

هذا فيما يخص علاقة إقبال بالقرآن الكريم، لكن أيّ دين وأيّ كتاب مقدس لا بد أن يدور ويتمحور حول إله يعبد، فما هو تصوّر إقبال لله؟ إقبال نهل من الدرس القرآني الكثير كما سبقت الإشارة، لكن كان لدرس الفلسفة حضورًا قويًّا أيضًا عنده.

يطلق إقبال اسم «الذات» على «الله»، فما تعليله لذلك، ومن أين استقى هذه الفكرة، هل استوحاها من مصادره الإسلامية القرآن خاصة، أم تعود إلى دراسته للفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية؟

كما نعلم (الله والصفات) مبحث أخذ حيّزًا كبيرًا من المناقشات في تاريخ الفكر الفلسفي الإسلامي، وأفضى إلى جدال عميق بين الفرق الكلامية والفلاسفة وعلماء الدين. وبإيجاز نجم عن هذا الجدال التعطيل والتجسيد لذات الله، وكلاهما يرفضه إقبال؛ لأن فكرة التجسيد تجعل من الله شيئًا من الأشياء، كما أنه لا يستسيغ تلك المفاهيم المعنوية التي بلورها الفلاسفة المثاليون التي تجعل الذات الإلهية فكرة مجردة غير مستقرة في الذهن.

ولهذا نجد إقبال يطلق على «الله» اسم «الذات الأولى» ليتخذ موقفًا يجعل من الذات الإلهية تسمو على التجسيد والتجريد في آن واحد، مؤكدًا على وجود الله، الذي له صفة الكمال ويعلو على كل عقل.

وجد إقبال في كلمة الذات ما يمكّنه من تحقيق أهدافه الفلسفية التجديدية. ولكي يقرب أفكاره إلى فهم الناس قال بإمكانية تصوّر الذات الإلهية على نحو الذات الإنسانية، ويظهر ذلك صراحة في قوله: «وإذا كانت حياتنا الشعورية في الوقت نفسه هي نقطة البدء الوحيدة لكل معرفة، فإنا لا نستطيع أن نتجنب القصور في فهم الحقائق على ضوء تجربتنا الداخلية ذاتها، وتصوّر الذات الإلهية كالذات البشرية أمر لا مفر منه، وبخاصة في فهم الحياة؛ لأن الحياة لا يمكن فهمها إلَّا من داخل النفس»[13].

وهنا نرى إقبالًا يخرج عمَّا كان مألوفًا في التراث الكلامي والفلسفي الإسلامي، كما يبدو تأثُّره ببعض الفلاسفة الغربيين، فإطلاق اسم الذات على الله وتصورها على أنها تتصف بصفات البشر، أراد منه أن يقرّب مفهوم الذات الإلهية من الأذهان، وهذا التصوّر للذات الإلهية ينبغي فهمه على أنه يعبر عن أن الوجود الإلهي وهو وجود روحي، حيث يتَّصف بالدوام والبقاء والخلق، وبهذا النوع من التفسير فإن محمد إقبال يتجاوز النظرة السلبية للوجود الإلهي التي قدَّمتها التفسيرات العقلية والتي تصف الذات وصفًا تعطيليًّا جامدًا[14].

يضرب إقبال لنا عديد الأمثلة من الفلسفة الإسلامية التي اكتفت بالتجربة الشعورية الظاهرة بدل الباطنية، فراحت تسلب الذات الإلهية الصفات التي توجد في البشر، من ذلك تصوُّر حياة الله على مثال حياة البشر «الذي حدا بابن حزم الأندلسي المسلم، إلى التردد في نسبة الحياة إلى الله، فقال في براعة لبقة: «إن الله ينبغي أن يسمّى حيًّا، لا لأنه حي بحياة كباقي البشر، بل لأن القرآن وصفه بذلك»[15]. هذا كان المخرج لابن حزم لأنه لم يغص في أعماق التجربة الدينية واكتفى بالظاهر.

كذلك بالنسبة لصفة التغيُّر، الفلاسفة اعتبروها صفة نقص بالنسبة للذات الإلهية مما أدَّى إلى أن تُتصور الذات الإلهية «على أنها جمود مطلق، وحيدة راكدة، مجرّدة من البواعث، وعدم مطلق. لكن التغيّر بالنسبة للذات الخالقة لا يمكن أن يكون معناه النقص، وكمال الذات الخالقة ليس في أنها ركود نتصوره آليًّا على النحو الذي يكون ابن حزم قد تأثَّر فيه بأرسطو، وإنما كمال الذات في الأصول الشاملة، لقوتها الخالقة وبصيرتها المبدعة التي لا حد لمداها»[16]، أي الله المحرك الذي لا يتحرك بالمعنى الأرسطي، هو الذي حجب عن المسلمين صفة التغيّر بالمعنى الذي لا يمس الكمال الإلهي.

والكلام نفسه يُقال عن صفة النهائية للذات الإلهية، فإن إقبالًا يقرّ بأن هذه الذات لا يمكن تصورها متناهية بمعنى التناهي المكاني، لأن طبيعتها غير قابلة للتقدير الكمي كالذات الإنسانية المحدودة بالبدن، ولكن لا نهائية الذات تبدو في لا نهائية إمكاناتها، وهي قدرتها على كل شيء كالقدرة على الخلق مثلًا فتلك لا نهائية في الكيف لا في الكم[17]، هذا يقودنا للحديث عن أهم الصفات الإلهية عند إقبال.

1- وحدانية الله (صفة الوحدانية)

يتضح رأي محمد إقبال في وحدانية الله بصورة لا جدال فيها، في ذلك التمييز الذي وضعه بين صفات الذات الإلهية وصفات الذات الإنسانية والعلاقة بينهما، فيما يخص وحدانية الله ينطلق إقبال من الإسلام، حيث يرى أن القرآن لكي يؤكد وحدانية الذات الأولى يطلق عليها اسم الله، وقد استدل على ذلك بسورة الإخلاص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.

ومن هذه السورة يعتبر أن الفرد الكامل هو يختلف عمَّا سواه بوصفه ذاتًا فريدة لا نظير لها، ويجب أن نتصوره بريئًا من الميل إلى التوالد المضاد له، وهذه الخاصية من خصائص الذات الكاملة التي هي عنصر من أهم العناصر اللازمة في مفهوم الذات الإلهية كما صورها القرآن[18].

إن شرح إقبال لهذه السورة يطابق شرح المفسرين، حيث اعتبر سورة الإخلاص هي سورة فقه التوحيد التي يبدو من خلالها أن الله هو الواحد المقصود بالحوائج والمصمود إليه فيها ليقضيها وفق حكمته، وأنه هو الواحد الذي لا نظير له ولا شبيه له في تصور أحد.

ويربط إقبال فكرة الوحدانية بمعنى الفرد، فإذا كان الإقرار بالوحدانية لا جدال فيه، فإن تأمّل معنى الفرد وفهم المعنى التام الذي يحمله لفظ الفرد يثير صعوبة كبيرة في أذهان الناس. وتحليل إقبال لمعنى الفرد يستخدم فيه مقاربات أخرى بهدف المقارنة والنقد.

من ذلك ذكره للفيلسوف الفرنسي برغسون في كتابه «التطوّر المبدع» الذي يقول: «يمكن أن يقال في الفردية: إنه بينما نجد الميل إلى تحقيق الفردية ماثلًا في كل شيء في الوجود ونجد الميل إلى التوالد يعارضها دائمًا، فلكي تكون الفردية كاملة يجب ألَّا يمكن لأي جزء منفصل بجسم من أي يعيش مفترقًا عنه، ولكن هذا يجعل التوالد أمرًا مستحيلًا، فأي معنى للتوالد سوى بناء جسم عضوي جديد بواسطة جزء انفصل عن جسم عضو قديم؟!»[19].

الفردية البرغسونية نجدها توحي بأنها متجدّدة وذلك بحسب عامل التوالد الذي ينشأ عنه شيء آخر منافٍ للأصل ومتغيّر عنه، ولكن هذا يتعارض مع وصف الذات الكاملة أن تكون ذاتها وخارج ذاتها كقولين متعارضين ومتناقضين، وهو وصف يقف ضد صفة الكمال المطلق.

من هنا يرى إقبال أن صفة الفرد لا يجب أن تفهم في سياق ما نعيشه في الواقع؛ لأن تجسيد صفة الفردية يمنحها ضعفًا، بل تعدّد الآراء يجعلها متباعدة حسب تصوّرات الناس، ولأن المحسوس درجة من درجات التجلي الإلهي، نجد لها تشبيهًا حسيًّا واقعيًّا يجعلها بارزة أكثر، وهذا أقوى دليل على أن الإحساس أحد مسالك المعرفة المتعدّدة الموصلة للحقيقة المطلقة[20].

2- العلم الإلهي

يضع إقبال تمييزًا بين العلم الإنساني والعلم الإلهي حيث اتجه إلى القول: إن العلم الإنساني نسبي مرتبط بملكات الإنسان، والتي مهما بلغت من قوة على إدراك الأشياء ومعرفتها فإنها ستظل متناهية؛ وذلك لأن العلم الإنساني يقوم على أمرين اثنين هما: الذات العارفة من جهة والموضوع المعروف من جهة أخرى.

ولذلك فإن الذات الإنسانية تواجه الموضوع المدرك كحد متميّز عن الذات العارفة، التي تعلمه بالقياس إلى الموضوع المدرك الذي يواجه الذات العارفة، وعليه فإن العلم الإنساني علم نسبي، وهذا العلم لا ينصب على العلم الإلهي المطلق والمحيط بكل شيء من حيث هو فعل من أفعال الإدراك مقرر غير قابل للتجزئة، فيه يحيط الله مباشرة في «آن» من «آنات» الزمن مجرد التاريخ كله على اعتباره نظامًا لحوادث معينة[21].

وقد بدا ذلك واضحًا في قوله: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[22].

ويختلف محمد إقبال عن الفلاسفة الذين سبقوه حول قضية العلم الإلهي المطلق، إذ كان موقفهم منها يوحي بأن العالم عالم مغلق وأن المستقبل أمر مقرر وتقدير سابق غير قابل للتغيير لنمط معين من الحوادث، فهو يشبه قضاء وقدرًا أعلى، هذا الفهم لا يقبله إقبال ويرفضه؛ لأن العلم الإلهي عنده قوة حية مبدعة، وينبغي تصور ذلك لتفسير خلق الله المستمر للأشياء وعلاقته بمخلوقاته.

3- الإرادة الإلهية

يرجع إقبال ويطلق صفة المطلقية على الإرادة الإلهية ويرى عدم محدوديتها، وذلك جلي واضح في استشهاده دائمًا من القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[23]، وهنا نرى أن الروح القرآنية توضّح دائمًا وتُؤكد بصورة قاطعة على القدرة الإلهية ومُطلقيتها.

هذا ما دفع بإقبال إلى القول بأن القرآن يصوّر الطبيعة تصويرًا واضحًا بوصفه علمًا يتألف من قوى يتعلّق بعضها ببعض، وعلى هذا فهو يعتبر قدرة الله المطلقة وثيقة الاتصال بحكمته الإلهية، كما يرى أن قدرة الله غير المتناهية لا تتجلى في وصف ما هو متعسّف صادر عن الهوى وإنما في التواتر المطّرد، مبيّنًا أن قدرة الله المطلقة وصلتها الوطيدة بحكمته وإرادته التي شاءت أن يكون الكون تابعًا لنظام مدبر محكوم بقوانين دقيقة، جاءت مفصلة في القرآن[24].

وتتّصف الذات الإلهية بصفات عقلية أخرى بحتة مثل الخلق والقدرة والقدم والخلق معًا في تصوّر واحد، فالعالم حادث والله ليس كذلك. كما يميل إقبال إلى القول بفكرة الخلق المتصل التي حاول الأشاعرة إثباتها، وذلك لسببين هما: إنها أقرب إلى روح القرآن وإلى العلم الحديث. وأما صفة القدم فإنها تستدعي القول بحدود الزمان والمكان، وهذا ما استدعى انتباه الصوفية والمتكلمين في آن واحد، وهو ما تؤيده الآيات القرآنية أيضًا.

الملاحظ فيما تقدّم من رؤية إقبال التجديدية للدين من خلال فهمه الذاتي للقرآن، والذي ترجمه في تقديم رؤيته لله والصفات، حاد عن المألوف في التراث الفلسفي. إقبال يثبت الصفات للذات الإلهية التي هي نفسها موجودة عند الإنسان، ويعطي تبريرًا أو تفسيرًا خاصًّا به، تفسيرًا تأثر فيه بفهمه الخاص إلى جانب ما عثر عليه من مؤيّدات في قراءته للفلسفة الغربية التي تدعم تجربته الشخصية في الرياضة الدينية.

ثالثًا: أدلة وجود الله

لإثبات الذات الكلية يعود إقبال إلى التاريخ وإلى ماضي الفلسفة وحاضرها، ليناقش مضمون الأدلة وقيمتها حتى يوصلنا إلى المسلك الطبيعي والحقيقي الذي على أساسه لا يترك أي شك في قيمتها[25]، وهذه الأدلة لا ينقدها مباشرة، بل يعرضها للتحليل المنطقي ليتّخذ منها موقفًا وهي من الفلسفة المدرسية.

الدليل الكوني:

ويُعرف كذلك بالدليل الطبيعي وهذا طبعًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾[26]، ويقوم هذا الدليل الكوني على العليّة، وهو معروف عند الفلاسفة والقدماء، وهو عند إقبال -كما عند غيره تمامًا- قائم على أساس النظر إلى الكون على اعتبار أنه معلول (مخلوق) متناهٍ وأن لكل معلول علّة، ولما كانت العلل لا تتسلسل إلى ما لا نهاية إذن: لا بدّ الانتهاء إلى علّة أولى[27].

لكن هذا الدليل يرفضه إقبال، ويبرّر ذلك بأنه كلما كانت العلة والمعلول متضايفين فتناهي المعلول بالضرورة لا يُعطينا إلَّا علة متناهية أو سلسلة غير متناهية من علل متناهية، ثم نجد أن الوقوف عند هذه السلسلة عند حد معين، وكذا الارتفاع بعلة من العلل إلى مقام علة أولى هو إهدار لقانون العلة نفسه، ولا يمكن أن يقال في العلة التي يُحيل إليها الدليل أنها واجبة الوجود؛ لأنه في علاقة العلة بالمعلول لا بدّ أن يكون كل من الطرفين واجبًا بالنسبة إلى الآخر، فهذا الدليل يقوم على أساس الانتقال من المعلول المتناهي إلى علّة غير متناهية.

الدليل الغائي

يرى إقبال أن هذا الدليل ليس أفضل من سابقه، فهو يقوم على تقصّي الموجودات وما يوجد بينهما من تنظيم وإحكام، والذي يستنتج منه وجود موجود عالم بنفسه لا نهائية لعقله وقدرته. وهذا الدليل عند إقبال يزوّدنا في أحسن صورة بوجود مخترع لا بوجود خالق. وحتى لو افترضنا أن هذا الدليل يوصلنا إلى خالق للمادة، فهذا الخالق يكابد المتاعب في تشكيله للمادة.

وهذا شبيه تمامًا بما يعمل عليه الصانع من البشر، وليكن الفنان مثلًا، وهذا ما يؤدّي إلى القول بتماثل غاية الفن مع غاية الطبيعة. إقبال ينفي هذا التماثل لأن الصانع من البشر لا يستطيع أن يتم صنعته إلَّا إذا انتقى مواد صُنعه وعزلها عن مواضعها وعن علاقتها، أما الطبيعة فهي تُؤلف نظامًا من أجزاء يتوقّف بعضها على بعض[28]. قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾[29].

الدليل الوجودي

يُعتبر هذا الدليل من أشهر الأدلة في الفلسفة الوسيطة ينسب إلى القديس آنسلم، استعاره عديد الفلاسفة وطوّروه، ويعرضه إقبال على النحو الذي عرضه ديكارت قائلًا: «إن القول بأن صفة ما تنحل في طبيعة شيء أو في مفهومه يُساوي القول بأن هذه الصفة تصدق على هذا الشيء، وأنه يُمكن أن تُوطد وُجودها فيه، ووُجوب الوُجود داخل في ماهية الله أو في مفهومه وعلى هذا يمكن بحق أن تُؤكّد صفة الوجود الواجب لله وأن الله موجود». هذا دليل يقيم الحقيقة انطلاقًا من التصوُّر الذهني لأسبقية الماهية على الوجود.

ويُضيف ديكارت إلى هذا الدليل دليل الكمال كما يعلق إقبال: «إذن يستحيل أن تكون الصورة الذهنية للكمال التام مستمدة من القدم... إذن لا بد أن تكون ألقيت إليه بواسطة كائن طبيعته أكثر جمالًا. والذي يعنيه هذا الدليل هو أن العقل الإنساني يتمثّل فكرة الكمال التي جاء بها ديكارت، التي لا بد لها ما يقابلها في الوجود الخارجي، ولذلك فوجودها في الذهن له ما يبررها في الخارج، وهذا ما يجعلنا نؤمن بوجود الكائن الكامل وهو الله»[30].

إن موقف إقبال هو الرفض لجميع هذه الأدلة العقلية، وهو موقف الفيلسوف كانط نفسه الذي أشاد به إقبال في معرض حديثه. ويهدف إقبال إلى وضع العقل وبراهينه في دائرة المحدود الذي لا يرقى إلى معرفة الحقيقة النهائية، وفي الوقت نفسه تقديم البديل الذي يرى فيه المسلك الصحيح لإدراك الحقيقة، وهي التجربة الدينية أو الصوفية، ويظهر ذلك في فلسفته التي تأخذ بمبدأ التأويل الروحي للحقيقة، فمعارضة إقبال للأدلة على وجود الله إنما تكشف مرة أخرى علّة مسار فلسفته وطبيعة الحقيقة التي يسعى اليها.

رابعًا: النُبُوّة عند محمد إقبال

تحدث إقبال عن الله والصفات، لكن نجد لمبحث النبوة عنده أهمية، فالإسلام يقوم على القرآن وعلى عقيدة التوحيد ولكن على النبي محمد عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء أيضًا، وهذا يعني ختم الرسالة، وفهم هذه الفكرة حسب إقبال يجعلها تحمل بُعدًا جوهريًّا، أي قطعية الإنسان بكل إمكانية لتجدّد الوحي، وكيف ينعكس ذلك على وعي الإنسان كدافع إلى السعي إلى الكمال، ووضع قدراته العقلية في اتصال عملي، وخلق المنهج البديل للسيطرة عليه بدل انتظار وحي جديد، إذن ما معنى النبوة عند محمد إقبال؟

تناول محمد إقبال النبوة في محاضرة بعنوان «روح الثقافة الإسلامية» حيث استهلها بقول لولي صالح عبدالقدوس الجنجوهي إذ يقول: «صعد محمد النبي العربي إلى السماوات العلى ثم رجع إلى الأرض، قسمًا بربي لو أني بلغت هذا المقام! لما عُدت أبدًا».

إقبال يدرج النبوة ضمن التجربة الدينية، لكنه يبرز الاختلاف بين «الوعي النبوي» و«الوعي الصوفي»، يقول: «لعله من العسير أن نجد في الأدب الصوفي كله ما يفصح في عبارة واحدة منه عن مثل هذا الفرق بين الوعي النبوي والوعي الصوفي، فالصوفي لا يريد العودة من مقام الشهود وحتى حين يرجع منه –ولا بد أن يفعل- فإن رجعته لا تعني الشيء الكثير بالنسبة للبشر بصفة عامة، أما رجعة النبي فهي رجعة مبدعة، إذ يعود ليشق طريقه في موكب الزمان ابتغاء التحكم في ضبط قوى التاريخ وتوجيهها على نحو ينشئ به عالمًا من المثل العليا جديدًا»[31].

من خلال هذا القول نجد أن إقبالًا يبرز الهدف النهائي لكل من الوعي الصوفي القائم على الوحي، ويسعى إلى التغيّر وإبداع حياة جديدة بقيم سامية، وينطلق منه لتبرز غايات محدّدة ليست متعلقة بالإنسان كفرد وإنما كتوجّه يغيّر مسار الإنسان والتاريخ من خلال وضع نقاط ارتكاز جديدة ثابتة لا يمكنها أن تتغيّر؛ لأنها تعبّر عن الحقيقة المطلقة الثابتة.

أما الوعي الصوفي فهو ينشده لكي يصل إليه، وعمل الصوفي يبقى فرديًّا، في حين أن عمل النبي ينتقل إلى المجتمع، كما يؤكد هذا في قوله: «فمقام الشهود عند الصوفي غاية تقصد لذاتها، لكنه عند النبي يقظة لما في أعماقه من قوى سيكولوجية تهز الكون هزًّا، وقد قدّر لها أن تغيّر نظام العالم الإسلامي تغييرًا تامًّا».

يعرف محمد إقبال النبوة على أنها «ضرب من الوعي الصوفي ينزع ما حصّله النبي في مقام الشهود إلى مجاوزة حدوده، وتلمس كل سانحة لتوجيه قوى الحياة الجمعية توجيهًا جديدًا وتشكيلها في صورة مستحدثة، فالمركز المتناهي من شخصية النبي يغوص أغوارًا لا نهائية، ليطفو بقوة جديدة تقضي على القديم وتكشف عن توجيهات جديدة للحياة»[32].

يوضح إقبال طبيعة الوحي باعتباره الصلة القائمة بين الله والنبي، ويرى أنه ظاهرة عامة من ظواهر الوجود، فالظواهر البيولوجية والفسيولوجية في عالمي الحيوان والنبات إنما تستمد اتجاهها من الإلهام الذي يوجّه الحياة كلها في اتجاهها الخلّاق. والقرآن نفسه يستعمل الوحي لعوالم مختلفة، كقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾[33].

مما سبق نجد أن إقبالًا يعتبر النبوة ظاهرة طبيعية أملتها المراحل التطورية للبشرية، ففي طفولة البشرية كانت القوى الروحانية تتطوّر أحيانًا إلى ذروة الوحي النبوي لتوجيه الناس وتحقيق مصالحهم. فالنبوة -التي هي ثمرة القوى الروحانية الفطرية- كانت وسيلة للاقتصاد في التفكير وتمييز النافع من الضار، وذلك خلال مرحلة مبكرة من مراحل تطوّر الإنسانية احتكم فيها الإنسان إلى العاطفة والغريزة، لكن حدثت نقلة في حياة الإنسانية مع مولد العقل الاستدلالي وظهور ملكة النقد والتمحيص.

ولقد كان مولد هذه الملكة مع مبعث نبي الإسلام، فهو يقول: «إن نبي الإسلام يبدو أنه يقوم بين العالم القديم والعالم الحديث، فهو من العالم القديم باعتبار مصدر رسالته وهو من العالم الحديث باعتبار الروح التي انطوت عليها»[34].

ورسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، صلة وصل بين الطورين أو العالمين، عالم الفطرة وعالم العقل. فهو من عالم الفطرة باعتبار مصدر رسالته وهو الوحي، وهو من العالم الحديث، عالم العقل، باعتبار مضمون رسالته، يعني ما احتوته رسالة الإسلام والنص القرآني دعوة صريحة إلى استعمال العقل، وحثّ على النظر في الكون. ويقول -تحت عنوان «إن حسن سيرة الأمة المسلمة من التأدب بالآداب المحمدية»-:

أنت كم في فروع المصطفى

فتفتح في ربيع المصطفى

فنظرة من روضه فالتمس

وسنا من خلقه فاقتبس

لعظيم الخلق من شق القمر

رحمة عمت ونور للبشر[35]

أما عن فهم إقبال للنبوة فهو يتعلّق في إحدى جوانبه بما قدّمه «الفارابي» من قبل، وذلك محاولة منه للتوفيق بين الفلسفة اليونانية والدين الإسلامي، حيث يرى الفارابي بأن الإنسان مهما بلغ من درجة الكمال في تفكيره واستخدام قوة المتخيلة فهو يقبل في يقظته عن العقل الفعال جميع الجزئيات الحاضرة والمستقبلة وما يحاكيها من المحسوسات، كما يقبل بدوره جميع المعقولات المفارقة وسائر الموجودات، فيكون له بما قبله من الأشياء المعقولة نبوة بالأشياء الإلهية، فهذه هي المرتبة النهائية الكاملة والتي يمكن للإنسان بلوغها بقوة المتخيلة[36].

من هنا نجد تشابهًا بين الفارابي وإقبال، كلاهما يجعل النبي شخصًا يختلف عن غيره، هذا الاختلاف عند الفارابي نتيجة تفاوت القوة المتخيلة، أما عند إقبال نتيجة تفاوت المستوى الذي تبلغه التجربة الدينية، والفارابي يُبقي باب النبوة مفتوحًا لأنه مكتسب، في حين نجد إقبالًا يركز على ختم النبوة.

إن عقيدة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين تحمل: انتهاء الوصاية على الإنسان في قيادته، وليس معنى ذلك إحلال العقل محل الرسالة، بل معناه أن وقت الخوارق قد انتهى أمره، وأن على الإنسان أن يحصّل كمال معرفته بوسائله الخاصة، مع التأكيد على حاجة المسلمين إلى التمسك بتعاليم السنة[37].

يقول إقبال في «رموز اللاذاتية» تحت عنوان «الرسالة»:

بالرسالات بدا تكويننا

شرعنا منها ومنها ديننا

ذاك من هدي إليه من يريد

حلقة منها حوالينا يشيد

فالنبي الروح فينا والعصب

شرعه حبل وريد الأمة[38]

قيمة ختم النبوة

إن تناول إقبال لفكرة النبوة لم يكن تناولًا فلسفيًّا بقدر ما أراد تأكيد الأبعاد الثقافية والعملية لها، يقول مبرزًا الهدف من تحليل فكرة النبوة: «بل بالأحرى إني أريد أن أركّز انتباهكم في بعض الآراء السياسية في ثقافة الإسلام لنرى ما في ثناياها من حركة فكرية، ولنلمح بصيصًا من الروح التي عبّرت عنها هذه الأفكار»[39].

إقبال على هذا المستوى لا يريد أن يكون لفكرة النبوة معنى نظري يمكن الوصول إليه بالطريقة الاستدلالية، لأنه يؤدّي بنا إلى اعتبارها مسألة مجرّدة عن الواقع، بل يريد لها أن تكون أساسًا لبناء وعي فردي وجماعي؛ لأن أبعادها الفكرية وقيمتها تغرس في الأفراد، فالنبوة والإيمان مرتبطان بحقيقة الألوهية، فلا معنى للكلام عن أحدهما في غياب الآخر.

وقيمة ختم النبوة عند إقبال تظهر في فسح المجال للعقل الاستدلالي، وهنا يشير إقبال إلى أهم معاني ختم النبوة حين يؤكد أن «مولد الإسلام -كما أرجو أن أتمكن من إثباته لكم بعد قليل إثباتًا تطمئنون به- هو مولد العقل الاستدلالي»[40]، حيث إن مبعث نبي الإسلام كان إيذانًا بمولد العقل الاستدلالي، وكذا بانقضاء مرحلة التعويل على وسائل المعرفة التي لا تعتمد الإدراك الحسي مرجعًا لها، فالنبوة في حياة البشرية لم يعد لها أي دور، فكل أدوارها أدلة في المرحلة السابقة، حين قادت الإنسان وهيَّأته إلى مرحلة لا تعود فيها الحاجة إلى نبي، فالنبوة الجديدة أدركت الحاجة إلى إلغاء النبوة ذاتها[41].

وهكذا ينص إقبال على أن النبوة في الإسلام تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدًا إلى الأبد على زمام يقاد منه، وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو، وأن مخاطبة القرآن للعقل وحثه على التجربة على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة.

وكان من نتاج مولد العقل الاستدلالي مع مبعث نبي الإسلام أن اتَّجه الإنسان صوب الواقع المحسوس، وتخلَّى عن النظر إلى السماء، وهي السِّمة الغالبة على الثقافات القديمة التي كانت مزيجًا من بعض الآراء الدينية وبعض الأفكار الفلسفية، ويرى إقبال أننا إذا ما تتبّعنا بعض ما خلَّفه روح القرآن في المسلمين سنرى يقظة شاملة كان من نتائجها تنشيط الحركة العلمية التي امتدت إلى أماكن مختلفة من العالم الإسلامي.

كما لاحظ إقبال الآثار السلبية التي خلَّفتها الفلسفة اليونانية على المسلمين لكنهم ثاروا عليها في نقدهم منهج التفكير اليوناني القائم في أغلبه على المنطق الصوري[42].

إذن على ضوء ما تقدَّم نجد تأكيد إقبال على ختم النبوة الأمر الذي حرَّر العقل الإنساني وفسح أمامه المجال.

ختام النبوة وتكريم النوع الإنساني

من أبرز ثمار فكرة ختم النبوّة -كما يؤكد لنا إقبال- أنها تولّد فينا اعتقادًا بأن أي سلطة شخصية تدَّعي لنفسها الاتصال بمصدر فوق الطبيعة قد انتهى عهدها من تاريخ البشرية إلى الأبد. فلا نبي، ولا بابا، ولا دجّال، ولا بهاء. لا أحد يستطيع أن يدّعى لنفسه سلطة روحية مستمدّة من صلة خفية بالله بعد ختام النبوة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فختام النبوة معناه من الناحية العملية لم يعد هناك فرصة لشخص ما أن يخدع الناس بأنه نبي جديد، ولا أن يُؤول الختام بأنه الخاتم، ليفسح لنفسه مكانًا مزيّفًا بين الأنبياء والمرسلين.

فعقيدة ختم النبوة أعطت للإنسان مكانة كبيرة، حين فسحت أمامه مجالًا للبحث وأرشدته إلى مصادر المعرفة.

ختم النبوة والقضاء على فكرة المخلص

إن الهدف أيضًا من ختم النبوة القضاء على فكرة ظهور أبناء زاردشت الذين لم يظهروا بعد، وهي فكرة في العقيدة المسيحية ترى في عودة المسيح أمرًا يؤكّده الإنجيل الرابع.

هنا نقف على مبدأ من مبادئ الإسلام وهو مبدأ الحرية الإنسانية في متابعة النظر والكشف عن أسرار الكون لأن عهد المعجزات قد ولَّى، يقول زكي نجيب محمود: «لقد كان للشاعر الفيلسوف محمد إقبال ملاحظة جديرة بالنظر، أوردها في كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام، مؤداها أن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا بد أن يكون خاتم الأنبياء وأن تكون رسالته أخر الرسالات»[43]>

إن نظرية ختم النبوة بالنسبة لإقبال تحمل دلالات عدة، من حيث إنها دعوة إلى إعمال العقل والتأمّل والنظر والإيمان بقدرة الإنسان للوصول إلى الحقيقة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تكريم الإنسان والرفع من مكانته، كذلك التنبيه إلى الأباطيل والأكاذيب التي تقول برجعة أبناء زاردشت الموجودة في الديانات القديمة والقضاء على فكرة المخلص.

إن الحديث عن الله والصفات وختم النبوة يقودنا حتمًا للحديث عن التجربة الدينية عند إقبال والتي أفضت به إلى الاهتمام بالمسائل الدينية السابقة كما أفضت بداهة إلى مشروعه في تجديد التفكير الديني في عالمنا الإسلامي.

خامسًا: الرياضة الدينية عند إقبال

إن البحث في الرياضة الدينية بوصفها مصدرًا للعلم الإلهي أسبق في التاريخ من تناول غيرها من ضروب التجربة الإنسانية، والقرآن يسلم بأن الاتجاه التجريبي مرحلة لا غنى عنها في حياة الإنسان الروحية، فإنه يسوي في الأهمية بين جميع ضروب التجربة الإنسانية باعتبارها مؤدية إلى العلم بالحقيقة.

فعناية القرآن بالطبيعة ليست شيئًا أكثر من الاعتراف بأن الإنسان يمتّ بصلة للطبيعة، وهذه الصلة وسيلة للتحكم في قوى الطبيعة، ينبغي أن تستخدم لغرض أنبل يؤدي إلى تحرّر حركة الحياة الروحية في رقيها وتساميها لا بمجرد رغبة في التحكم، ولكي نكفل إدراك الحقيقة إدراكًا كاملًا ينبغي أن يكمل الإدراك الحسي بإدراك آخر هو ما يصفه القرآن بالفؤاد أو القلب.

والقلب نوع من علم الباطن أو البداهة يصفه الشاعر الرومي في عبارة: «إنه يتغذى بأشعة الشمس، ويصل بيننا وبين الحقيقة، غير تلك الوجوب المتأخرة لإدراك الحواس».

والقلب قوي ثري، هو مما يتحدث به لا يكذب أبدًا، ولا ينبغي أن نعده قوة خاصة خفية فما هو إلَّا أسلوب من أساليب الحقيقة ليس للحس أي دخل فيه، وهو مجال حقيقي وواقعي ككل ضرب آخر من ضروب التجربة، وإن وصف رياضة القلب بأنها روحانية أو أنها من خوارق الطبيعة، ووضع تفسيرات لها ضرورة فرضتها الحياة.

وهناك دلالة على أن الرياضة الدينية الإنسانية كانت منذ أقدم العصور، وتغلغل سلطانها في تاريخ البشرية إلى حدٍّ يجعل من العسير علينا أن نعدّها مجرّد وهم لا غير.

من جهة أخرى تناول الرياضة الدينية بالنقد والتمحيص ليس فيه شيء من عدم الاحترام لها، فالإسلام كان أول من تناول الظواهر الروحية بالنظر النقدي[44].

إذن مما تقدّم يتّضح أنه ليس هناك أسباب تجعلنا نقبل المستوى العادي للتجربة الإنسانية على أنه حقيقة ونرفض غيره باعتباره غامضًا، فحقائق الرياضة الدينية حقائق كغيرها من حقائق التجربة الإنسانية، وكل هذه الحقائق تتساوى مع غيرها في قدرتها على التوصل إلى المعرفة، و في هذا يقول إقبال: «إن أول مسلم أدرك معنى تصوّف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ابن خلدون الذي تناول بالنظر النقدي الظواهر الروحانية»[45].

كذلك يؤكد إقبال أن أول ما يلاحظ على هذه التجربة أنها رياضة تصل إلى النفس مباشرة، فهي لا تختلف عن غيرها من مستويات التجارب الإنسانية التي تمدنا بالمعرفة، كذلك أن هذه الرياضة لا تقبل التحليل لأنها تمثل حالة الصوفية لحظة من الاتصال الوثيق بذات أخرى فريدة سامية تفنى فيها الحياة الشخصية الخاصة[46]، هي أشبه بالشعور منها بالعقل، وما يعلنه الصوفي من تفسير لفحوى شعوره الديني يبلغ إلى الناس على شكل صور أو قضايا[47].

وما يمكن قوله أن التجربة الصوفية هي تجربة فريدة وخاصة بالنبي، لا يمكن نقل شعور الصوفي إلى الناس بل يمكن أن يبلغ فكره لهذه التجربة بشرحها، ومحتويات الشعور الديني لا يمكن الاطلاع عليها، وعلى هذا يرى محمد إقبال أن الدين وإن كان يبدأ بالشعور لما يحدث في تاريخه أن اعتبر نفسه أمرًا شعوريًّا لا غير، بل كان يبذل جهدًا موصولًا في عالم الفلسفة العقلية.

إقبال لا يُغفل الحديث عن التصوف المسيحي، حيث كانت مشكلة التمييز بين مثل هذه الرسالات والتجارب التي ربما كانت من قبيل المعجزات الإلهية حقًّا وبين غيرها مما استطاع الشيطان بخبثه أن يُزيّفها، ومشكلة التصوف المسيحي -كما يقول- هي مشكلة كل تصوف[48].

على ضوء ما قيل يمكن أن نخلص إلى أن الحالة الصوفية باعتبارها متفردة تظل متصلة بالتجربة العامة لكن سرعان ما تتلاشى، وإن كانت تخلق في النفس إحساسًا عميقًا، فالصوفي والنبي كل منهما يعود إلى مستوى التجربة وإن كانت العودة مختلفة، كذلك إن مجال التجربة الصوفية من حيث إنه السبيل إلى المعرفة لا يقل عن أي مجال من مجالات التجربة الأخرى.

سادسًا: تناغم العقل والإيمان في فلسفة إقبال

إن النقاش في المسائل الدينية أثار عديد القضايا في محاضرات إقبال التي فرضت نفسها فرضًا، منها هل الدين يقوم على التسليم فقط أي الإيمان، أم لآليات الاستدلال الفلسفي حضور في المسائل الدينية؟

من هنا حاول فيلسوفنا أن يقدّم وجهة نظره حول علاقة الفلسفة بالدين أو موقع الإيمان من العقل، وهي الإشكالية التقليدية التي تطرّقت إليها كل الفلسفات الدينية، أو كما اصطلح عليها المتكلمون بعلاقة العقل بالنقل.

كان إقبال من أكثر مفكري المسلمين إحاطة، ومن أشدهم ابتكارًا، في الوقت نفسه كان واسع المعرفة بمذاهب الفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية، كما كان على دراية بالمبادئ الأساسية في العلوم الطبيعية والبيولوجيا والعلوم الاجتماعية، فأمدته هذه المعرفة بمادة خصبة صاغها بعبقريته فلسفة صافية جمعت بين النظرة العلمية وما تتسم به من دقة وضبط وتحديد وارتباط وثيق بالواقع، وتركيز على التخصّص الدقيق، جعلته عظيمًا عبقريًّا بمقدار العطاء والإنجاز الذي أثمرته موهبته هذه من نظريات واكتشافات أسهمت في تغيير الحياة المادية والفكرية في العالم الإسلامي المعاصر، إلى جانب النظرة الإيمانية الروحية الصوفية، بما تتضمنه من انطلاق وإفساح لآفاق النفس، وتحليق في عالم المطلق[49]. وبالجمع بينهما في تلاحم فعّال ظهرت عبقرية محمد إقبال الفذة، وعظمته الحقيقية، وبرز في الميدانين: ميدان العقل وميدان الوجدان، ميدان العلم وميدان الإيمان[50].

مبدئيًّا نقول: تُعد فلسفة محمد إقبال من الفلسفات الحية المفتوحة، فهي ليست من طراز الفلسفات الساكنة المغلقة على نفسها، وهذا واضح من خلال انتمائه إلى ثلاثة أحياز روحية تمثل بحق منابع آثاره العظيمة، وهي حيّز القارة الهندية، وحيّز العالم الإسلامي، وحيز الفكر الغربي. فهو مسلم كشميريُّ الأصل مثقف بالقرآن، وبالفيانتا، وبالتصوف العربي والفارسي، وفي الوقت نفسه متضلّع في الفلسفة الغربية، مطّلع على مشاكلها المعقدة. قرأ وفهم كانط وبرجسون ونيتشه وغيرهم، ونحت ممراته الخاصة التي قادته شيئًا فشيئًا إلى أرضه الفلسفية الروحية التي لا تشبهها أرض أخرى[51].

لقد عمل إقبال على إعادة التوازن المفقود في زماننا بين الدين والدنيا، وبين الروح والمادة، وكان القصد من وراء ذلك إصلاح الفكر الديني في العصر الحديث فنقطة البداية في دعوته التجديدية تعلن وتعبّر عن الإيمان، من هنا كانت فلسفته فلسفة إسلامية تتضمن دعوة لبعث جديد للأمة الإسلامية في أرجاء العالم كله، من مشرقه إلى مغربه، وهذه الفلسفة الإسلامية بالأساس منطلقة من الفكر الإسلامي الأصيل الذي يعبّر عن أبعاد لا نهاية لها. أبعاد قابلة للثراء بحيث يستطيع هذا الفكر الإسلامي أن يستوعب كل الثقافات والحضارات على مر العصور.

إن أهم مبادئ هذه الفلسفة الجديدة اعتمادها على المصادر الإسلامية الأصيلة والتصوف الإسلامي، وهو المفهوم الذي يُطلق عليه خودي= Ego =الأنا» أو «الذاتية» الإلهية والإنسانية.

ولا يطعن في هذه الفلسفة تأكيدها على وجود الذات والشخصية والفردية كما يظن البعض. إذ إن هذا التأكيد لا يعني دعوة للأنانية بقدر ما يعني أن الذاتية تعبير عن الروح المُنشئ الخلَّاق الذي أودعه الله تعالى في الإنسان.

فكرة الذاتية عند إقبال لا تعني الأنانية أبدًا، والدليل على ذلك هو أنه بالرغم من تأكيده على وجود الشخصية والذاتية لكل فرد، يؤكد باستمرار في كتاباته الفكرية والشعرية على أنه يوجد نوع من التناسق والانسجام والتناغم والتوافق بين هذه الوحدات أو الفرديات، فكل فرد يُعدّ قطعة في بناء الوجود الكبير الشامل، يدخل فيه ويتعاون مع مكوناته، فهو منفصل ومتّصل في آن واحد، منفصل إذا نظرنا إليه في حد ذاته، ومتّصل إذا نظرنا إليه في علاقته بالآخرين كالأواني المستطرقة في انفصالها واتصالها في آن واحد، أو كما يُمثِّلُ له إقبال بـ«شَمْعِ اُلْحَفْلِ» الذي هو وحيدٌ ورفيقٌ في الوقت نفس[52].

إن فلسفة إقبال باعتراف كبار المستشرقين أنفسهم قد أسهمت في تيار الفلسفة العالمية بكثير من الآراء القيّمة، وأهم هذه الآراء في الذاتية، حيث قضى بواسطتها على الانشقاق والازدواج اللذين كانا يوجدان في الأذهان والمبادئ الفلسفية وخاصة الإسلامية منها ما بين الجسد والروح، ذلك الانشقاق الذي تعدّى المناقشات في المجالس والندوات الفكرية إلى صميم الحياة الإسلامية وفرَّق القوم إلى شيع[53].

من هنا نجد محمد إقبال قد ثابر في فلسفته وجهاده مدة ثلاثين سنة متتابعة، شاهد خلالها بأم عينه ثمرات أعماله ونتائج دعوته، مئات من المثقفين الجدد ممن تخرجوا في أوروبا كادوا يزيغون عن جادة الصواب ويضلون عن سواء السبيل لولا فلسفة إقبال وشعره وافتتانهم بحكمة تلك الفلسفة، فالذين لم يؤثّر فيهم وعظ المشايخ ومقالات المحققين من العلماء، والذين ما كانوا ليلتفتوا إلى دعوة المصلحين من الزعماء لاغترارهم بأباطيل الغرب وولوعهم بزخارفه تأثروا بآرائه وأفكاره من حيث لا يشعرون.

وربما يعود هذا النجاح لخطاب إقبال التجديدي لتنوّع مصادر معرفته، فكما رأينا أن إقبالًا نهل من منابع الدين والفلسفة والشعر الكثير، هذه ثلاثية ترسم ملامح إقبال المفكر المسلم الشاعر والفيلسوف.

من جهته يؤكد على وجود مباحث مشتركة بين الدين والفلسفة والشعر، لكن هذا الأخير تجربة شخصية مجازية مبهمة وغير محدّدة، ولا يمكن اتخاذه منهجًا أو متكأً معرفيًّا رغم أهميته، والدين معروف عنه القول بالإيمان والتسليم، وأنه يفوق الشعر وقدرات العقل.

ومع ذلك يتساءل إقبال: «فهل من الممكن إذن أن نستخدم في مباحث الدين المنهج العقلي البحت للفلسفة؟ إن روح الفلسفة هي روح البحث الحر، تضع كل سند موضع شك، ووظيفتها أن تتقصّى فروض الفكر الإنساني التي لم يمحصها النقد إلى أغوارها، وقد تنتهي من بحثها هذا إلى الإنكار، أو إلى الإقرار في صراحة بعجز التفكير العقلي البحت عن إدراك كنه الحقيقة القصوى، أما جوهر الدين فهو الإيمان، والإيمان كالطائر يعرف طريقه الخالي من المعالم غير مسترشد بالعقل»[54].

هل يستنتج من كلام إقبال استغناء البحث في الدين عن المنهج العقلي، بما أن الإيمان يحلق بصاحبه كالطائر ويجد طريقه دونما حاجة إلى مرشد حتى وإن كان هذا المرشد هو العقل، بما أن هذا الأخير كثيرا ما يقر بعجزه عن اكتناه الحقيقة القصوى ؟

إقبال يؤكد أن الدين أكثر من مجرد الشعور؛ لأن هذا الأخير يجب أن يكون مشبعًا برضا النفس، والنفس لا ترضى حتى تقنع، أي إيمانها يجب أن يستند إلى علم ومعرفة، أي العقل حاضر في المعرفة الدينية والتاريخ يثبت ذلك، الفرق الدينية والكلامية والمتصوفة يحضر عندها العقل حضورًا جوهريًّا بمسافات بين القرب الشديد والبعد النسبي وما إلى ذلك[55].

من هنا كانت محاولة إعادة بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديدًا محاولة تجمع بين المأثور وجديد المعرفة الإنسانية، يقول إقبال: «ولقد حاولت في هذه المحاضرات التي أعددتها بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديدًا آخذًا بعين الاعتبار المأثور من فلسفة الإسلام، إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطوّر في نواحيها المختلفة. واللحظة الراهنة مناسبة كل المناسبة لعمل كهذا»[56].

كلام منطقي ينمُّ عن خبرة ومعرفة لا يُقصي مصادر المعرفة التي تثري الخبرة الإنسانية، وهذا ما يذكره القرآن نفسه، النظرة الشمولية المتكاملة مكَّنت إقبال من أن ينوّع من مصادره ووسائله، فلا يتحرّج في أن يلجأ إلى فيلسوف أو صوفي أو عالم أو شاعر، فالمقام له ضرورته.

وفيما يخصّ علاقة الدين بالفلسفة يؤكد إقبال أن الدين ليس أمرًا جزئيًّا، وليس فكرًا مجردًا فحسب، ولا شعورًا مجردًا، بل هو تعبير عن الإنسان كله، ولهذا يجب على الفلسفة عند تقديرها للدين أن تعترف بوضعه الأساسي، ولا مناص لها من التسليم بأن له شأنًا جوهريًّا في التأليف بين ذلك كله تأليفاً يقوم على التفكير[57].

أما عن الفلسفة اليونانية فإنه يقول: «إن الفلسفة اليونانية –على ما نعرف جميعًا- كانت قوة ثقافية عظيمة في تاريخ الإسلام، ولكن التدقيق في درس القرآن الكريم وفي تمحيص مقالات المتكلمين على اختلاف مدارسهم التي نشأت ملهمة بالفكر اليوناني، يكشفان عن حقيقة بارزة هي: أن الفلسفة اليونانية مع أنها وسعت آفاق النظر العقلي عند مفكري الإسلام غشت على أبصارهم في فهم القرآن»[58].

كما ينبّه إقبال إلى مسألة غاية في الأهمية، كانت قراءة بعض علماء الإسلام للقرآن بعد أن نهلوا من الفلسفة اليونانية وانبهروا بها، فجاءت قراءتهم قاصرة، من ذلك أنهم حصروا المعرفة في أداة العقل رغم أن القرآن يعد السمع والبصر من أجلّ نعم الله على عباده، بل يسألهما الله في الآخرة عمَّا فعلا في الدنيا، وهذه النظرة التي تقدر المعرفة الحسية غابت عن فلاسفتنا المتأثرين باليونان الذي احتقروا عالم التجربة الحسية والنوافذ المؤدية إليه.

خاتمة

من الصعب أن يضع الباحث خاتمة تخصّ فلسفة الدين عند إقبال، وهو يشعر أن البحث يخطو خطواته الأولى في ظل تشعُّب وعمق ما كتب إقبال، فإعادة التفكير في الدين أو إعادة بنائه إذا لزم الأمر -كما ذكر إقبال بنفسه[59]- ليس بالأمر الهيِّن وسط التحديات المتعدّدة للدين وخاصة الدين الإسلامي.

وقد شهد إقبال محاربة الإسلام في قارته ومحاربة الدين عمومًا تمهيدًا لبسط نفوذ الإلحاد، كما شهد انبهار الشباب المسلم ونزوعه ونحو الحضارة الغربية، الأمر الذي حذّر من عواقبه، رغم أنه لا ينكر أنه استفاد من هذه الحضارة خاصة على مستوى الدراسات الدينية وفلسفة الدين تحديدًا.

من جهة أخرى إقبال كان يدرك حجم التحديات وثقل المسؤولية، لكنه لم يستسلم كما فعل صوفية العصور الوسطى، بل اجتهد وقدّم مشروعًا لقي من الأصداء والنجاح الكثير كما لقي من النقد.

ودون الدخول في تفاصيل أخرى نقول: إن إقبالًا فيلسوف مجدّد بما تحمله لفظة التجديد من دلالة أنها تعني إعادة القديم الأصيل الذي وجده في القرآن الكريم، والذي اجتهد في فهمه ونهل من نوره كثيرًا، مقدمًا رؤى وتفاسير جديدة لم تكن مألوفة، وهذا ما قصد به عندما شدّد على التغيير والابتعاد عن الجمود الضار.

فلسفة الدين عند إقبال تقوم على العقل والموضوعية في التفكير الديني والاستلهام من الرياضة الدينية، ومن نفحات الشعر الصوفي، هذه التوليفة التي تميّز إقبال دون غيره، والتي قلَّما تتوفر في شخص أو فرد أو ذات واحدة اجتمعت في إقبال بشكل متناغم، يصعب إدراكه خاصة على غير المطّلع على مشارب المعرفة عنده من علوم الدين والفلسفة والشعر والآداب والتصوف واللغات وغيرها.

فلسفة الدين لإقبال نهلت من الأصل الإسلامي ونافحت عن القرآن وعن خاتم الأنبياء، فهي فلسفة إسلامية بالدرجة الأولى، لكن كان للمرجعية الفلسفية الغربية الحضور دون تبعية لها.

وفوق ذلك يشدّد إقبال على أن دور الدين يفوق دور الفلسفة، الدين الذي ليس عقيدة أو كهنوتًا أو شعيرة من الشعائر، هو وحده القادر على إعداد الإنسان العصري إعدادًا خُلقيًّا، يؤهّله لتحمّل التبعة العظمى التي لا بد من أن يتمخَّض عنها تقدم العلم الحديث، وأن تلك النزعة من الإيمان تجعله قادرًا على الفوز بشخصيته في الحياة الدنيا والاحتفاظ بها في دار البقاء[60].

المؤكد أن محمد إقبال ناقش إشكالية تجديد التفكير الديني التي كانت ولا زالت قضية ملحة وعاجلة في عالمنا الإسلامي في عهد إقبال وحتى يومنا هذا، قدّم إقبال محاولته معتمدًا على أفكار فلسفية جدّ متخصصة، في محاولة منه محاربة الجمود على القديم في الدين لأنه ضار في كل شيء ولأنه يسد منافذ الإقدام الروحاني، وبالتالي الجمود لا يخدم الدين -كما قال- الذي هو في أرفع مراتبه ليس إلَّا سعيًا وراء حياة أعظم.

ولكي تتّضح أفكار إقبال أكثر يفضل إجراء دراسات تأصيلية له، وأخرى مقارنة خاصة مع الشخصيات التي تأثر بها كثيرًا سواء الإسلامية أو الغربية والتي وردت في ثنايا مؤلفاته كنصوص يدعم بها موقفه أو يعرضها بهدف نقدها وتجاوزها، المنهج المقارن سيكشف الكثير من المقاربات والحقائق التي ستكشف مدى أصالة وعبقرية إقبال.

 

 



[1] نجيب الكيلاني، إقبال الشاعر الثائر، بيروت: مؤسسة الحياة، ط3، 1980، ص 15.

[2] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة: عباس محمود، دار الهداية: ط2، 2000، أول المقدمة، ص 3.

[3] المصدر نفسه، ص 3.

[4] أبو الحسن علي الحسيني الندوي، روائع إقبال، دمشق: دار ابن كثیر، ط م، 2006م، ص 52.

[5]إقبال، تجديد التفكير الديني، ص 17.

[6] إقبال، تجديد التفكير الديني، ص17.

[7] المصدر نفسه،ص216.

[8] المصدر نفسه، ص 217.

[9] المصدر نفسه، ص 23 .

[10] المصدر نفسه، ص 8.

[11] أبو الحسن الندوي، روائع إقبال، دمشق: دار الفكر، ط1، 1975، ص 29-31.

[12] تجديد التفكير الديني، ص 214.

[13] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني، ص71.

[14] زيتوني الشريف، محمد إقبال وشذرات من فلسفته الإحيائية، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 2010، د.ط، ص70.

[15] تجديد التفكير الديني، ص 74.

[16] تجديد  التفكير الديني، 75.

[17] زيتوني الشريف، محمد إقبال وشذرات من فلسفته الإحيائية، ص75.

[18] تجديد التفكير الديني، ص 79.

[19] المصدر نفسه، ص79-78.

[20] المصدر نفسه، ص76-75.

[21] المصدر نفسه، ص93.

[22] سورة يونس: 61.

[23] سورة الحديد: 29.

[24] الشريف الزيتوني، محمد إقبال وشذرات من فلسفته الإحيائية، ص81.

[25] أحمد فؤاد عبد الرحمن، المثالية الإسلامية في شعر إقبال، مجلة الأمة، العدد 3، ص41.

[26] سورة فصلت: 53.

[27] حسن حنفي، محمد إقبال فيلسوف الذاتية، بيروت: دار المدار الإسلامي الطبعة الأولى 2009، ص492.

[28] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني، ص37.

[29] سورة الملك: 3.

[30] المصدر نفسه، ص 39.

[31] المصدر نفسه، ص147.

[32] تجديد التفكير الديني، ص148.

[33] سورة النحل: 68.

[34] المصدر نفسه، ص149.

[35] محمد  إقبال، الأسرار والرموز، ترجمة: عبدالوهاب عزام، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة د.ط، 2012، ص96.

[36] أبو نصر الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، تحقيق: ألبير نصري نادر، بيروت: دار المشرق، ط 5، 1985، ص115.

[37] محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، القاهرة: مكتبة وهبة، ط4، 1971، ص455-454.

[38] محمد إقبال، الأسرار والرموز، ص119-120.

[39] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني،  ص148.

[40] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني، ص 149.

[41] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني، ص149.

[42] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني، ص152-153.

[43] زكي نجيب محمود، تجديد الفكر العربي، القاهرة: دار الشروق، ط 9، 1993، ص310.

[44] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني، ص24- 25.

[45] المصدر نفسه، ص27.

[46] المصدر نفسه، ص 28.

[47] المصدر نفسه، ص30.

[48] المصدر نفسه، ص 32-34.

[49] عثمان أمين، رسالة محمد إقبال، مجلة إقباليات، العدد الرابع 2004، ص41.

[50] محمد كمال جعفر، النبض والحيوية في الفلسفة الدينية لإقبال، ضمن كتاب (محمد إقبال: قصائد مختارة ودراسات)، إعداد وتقديم: د. خالد عباس أسدى، الناشر: القاهرة مكتبة مدبولي، د. ط، د. س، ص: 37.

[51] مانويل فايشر، محمد إقبال وعلاقته بالثقافة الغربية، مجلة: فكر وفن، العدد 32 خاص بإقبال، 1979م، ص:5.

[52] عاطف العراقي، العقل والتنوير في الفكر العربي المعاصر، القاهرة: دار قباء، د. ط، 1998، ص35.

[53] عثمان أمين، رسالة محمد إقبال، مجلة إقباليات، العدد الرابع، ص44.

[54] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني، ص 7.

[55] المصدر نفسه، ص 8.

[56] المصدر نفسه، 4.

[57] المصدر نفسه، ص 9.

[58] المصدر نفسه، ص10.

[59] انظر: تجديد التفكير الديني، ص 15.

[60] المصدر نفسه، ص 222.