شعار الموقع

الوحدة الإسلامية في فكر الدكتور الفضلي ..

وسام عباس السبع 2019-06-06
عدد القراءات « 596 »

الوحدة الإسلامية في فكر الدكتور الفضلي..

محاضرات تُعالج أسس الاجتماع ومفاعيل الهدم في المجتمع الإسلامي

وسام عباس السبع*

 

* باحث من البحرين.

 

 

 

الكتاب: الوحدة الإسلامية أسس البناء ومفاعيل الهدم في المجتمع المسلم.

تحرير: حسين منصور الشيخ.

الناشر: مركز آفاق للدراسات والنشر بسيهات - 2016.

الصفحات: 232 صفحة.

القطع: متوسط.

 

مرة أخرى يجتهد الباحث حسين منصور الشيخ في إعادة اكتشاف نصوص المفكر الراحل الدكتور عبد الهادي الفضلي، الذي رفد المكتبة العربية والإسلامية بعطائه العلمي الخصب، وللمؤلف رحلة حميمية وطويلة مع العلامة الفضلي الإنسان والفكر والنصوص. عُرف الفضلي كواحد من أبرز العلماء الذين سخّروا حياتهم وجهودهم في إغناء الفكر الإسلامي بالمصنفات، وشغلتهم أسلمة المعرفة، وشَكَّلَ هاجس «المنهج» في الدرس الشرعي أولوية في سلّم اهتماماتهم، وطبع اشتغالاتهم العلمية، وانعكس على ما تركوه من تراث علمي غزير ومتنوّع.

من هنا برز للعلامة الراحل 17 مقررًا دراسيًّا في الفقه والأصول والحديث والرجال ومناهج البحث وغيرها من المجالات (ص 9)، وإلى ذلك، فالفضلي أيضًا كان مثقّفاً يُدرك -برؤية واضحة وشعور عميق بالمسؤولية- أن رسالته الاجتماعية ودوره النهضوي يتعدّى عطاء القلم، ويتّسع باتّساع الهموم الكبيرة التي يعيشها المجتمع المسلم بكل مآزقه وتعقيداته وظروفه السياسية والاجتماعية، من هنا انفتح الفضلي على المجتمع عبر فضاء الكلمة المنطوقة مدركًا أهمية الوقوف على خطوط التماس مع المجتمع واستيعاب حجم ما يمور به من تغيّرات وتحدّيات، فوقف خطيبًا في المحافل الفكرية، وخاطب الجماهير في المناسبات الإسلامية كي يستكمل وظيفته ودوره الذي بدأه بالقلم ولم يتوقّف عنده.

ويُبرهن الفضلي مرّة أخرى في هذه المحاضرات التي كان يحرص على إلقائها بين حين وآخر، في بيئات متعدّدة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية والبحرين على رحابة المساحة التي كانت تشغل ذهن الرجل معرفيًّا، ومقدار ما يعيشه المجتمع من تعطّش وحاجة لهذا النوع من الطرح المتزن في معالجة الكثير من القضايا التي لا يمكن إلَّا أن تكون في صلب اهتمامات الناس وليس على الهامش، ولا هي من الترف النظري الذي يحلو للكثير من المثقفين الانسياق له والارتهان به والوقوع في فخ إغراءاته.

وساهم بدوره الفكري وحيويته الاجتماعية في تنشيط الحركة الثقافية الجماهيرية في المنطقة، وذلك من خلال مشاركاته الثقافية الموسمية، وبخاصة في شهر رمضان المبارك، حيث عُرف محاضرًا رئيسًا في معظم المواسم الثقافية في الفترة بين 1411هـ - 1420هـ (1990 – 2000م).

وقد تمكّن المحرّر من جمع عدد كبير من هذا التراث الصوتي، ومن ثم تصنيفه إلى موضوعات محدّدة، إذ شكّل الكتاب تحريرًا لأربع محاضرات حول مفهوم الوحدة الإسلامية من منظور قرآني، كان الدكتور الفضلي قد ألقاها في مناسبات مختلفة.

يتكوّن الكتاب من فصول خمسة، الأول منها تمهيدي يحتوي على دراسة تحليلية موجزة حول أهم عناوين الوحدة الإسلامية كما يقدّمها الدكتور الفضلي سبيلًا لبناء المجتمع المسلم، وذلك في عناوين ثلاثة كان أولها حول موقعية الوحدة في المجتمع الإنساني، وبخاصة منها الوحدة في مفهومها الإسلامي، فيما كانت الوقفة الثانية مع معالم الإسلامية، إذ تناولت مفاهيم: المبدئية، والفطرية، والمرونة في تقبّل صور الوحدات المغايرة، وكذلك توزيع المسؤولية تجاه الذات والآخر. وفي العنوان الثالث كان الحديث حول ما عرضه الفضلي من معوقات وحلول أمام مشاريع الوحدة، منها: التمذهب في صورته السلبية، والمسؤولية المتبادلة بين النخبة والجمهور، والعامل الخارجي، والمرحلية في إنجاز المشروع، وأخيرًا تعدّد المشاريع الاجتماعية التي تعزّز حالتي: التكافل والوحدة الاجتماعيين.

وفيما يتعلّق بالفصول الأربعة اللاحقة، كان أولها حول «الإسلام وبصائر الوعي»، استعرض فيه الدكتور قيمة الحضور الديني في المجتمع الإنساني انطلاقًا من الآية القرآنية الكريمة: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [سورة يوسف 108]، إذ تناولها في عناوين ثلاثة: بين الدين سبيلًا وبقية السبل، ووظيفة الدين في الواقع الاجتماعي، ولوازم المسؤولية الإنسانية، حيث ختم هذه الأخيرة بالإشارة إلى أن من لوازم الموقعية التي وهبها الله تعالى للإنسان: الوحدة بين أطياف المجتمع، حيث تمثّل هذه الفكرة تمهيدًا للفصول اللاحقة.

وكان الفصل الثاني بعنوان : «الوحدة الإسلامية: دراسة في الأسس والمنطلقات» الذي دار حول المحورين التاليين: «التجربة الإنسانية في تحقيق الوحدة»، حيث ناقش فيه الشيخ الفضلي بعض صور الوحدة تاريخيًّا منتهيًا إلى أفضلية الرؤية الإسلامية من بين تلك التجارب. و«من أسس الوحدة»، إذ استعرض فيه المحاضر أساس العقيدة عنصرًا رئيسًا من مقومات الوحدة الإسلامية، بالإضافة إلى المسؤولية الاجتماعية والترابط الإنساني، خاتمًا الحديث بالإشارة إلى بعض من أسباب الفرقة في الواقع الإسلامي.

الفصل الثالث هو محاضرة بعنوان: «الوحدة الإسلامية بين النظرية والتطبيق»، توزّع الحديث فيها على محاور ثلاثة، أولها: معالم الوحدة الإسلامية نظريًّا، وهو ما يمثل المعالجة النظرية لمفهوم الوحدة إسلاميًّا، وكان المحور الثاني حول موانع تحقّق الوحدة، والمحور الأخير كان عرضًا لبعض المقترحات في سبيل مشروع الوحدة الإسلامية.

وجاء الفصل الرابع والأخير حول «الأمة ومشاريع التقسيم»، استعرض فيه العلامة الفضلي مفهوم الوحدة بين الإقليمية والعالمية، لينتقل بعده لمناقشة النظرة الإسلامية تجاه التعددية البشرية، ومن ثَمّ بعضًا من خصائص الأمة الإسلامية، حيث تأتي الوحدة بين أطيافها وتنوّعاتها في مقدمة تلك الخصائص. وأخيراً: الأمة الإسلامية وحالة الانقسام.

يكتسب طرح الدكتور الفضلي الذي غادرنا عام 2013م أهمية بالغة، وهي بمثابة استشراف حصيف لمغبة التخلي عمَّا دعا إليه المحاضر، وذلك قبل أن ينزلق العالم أكثر فأكثر في أوحال الاقتتال المذهبي الذي يدكّ أمن مجتمعاتنا اليوم، حاصدًا أرواحًا بريئة في حروب مجنونة في أكثر من بقعة من بقاع العالم.

العودة إلى هذا الكتاب هو بمثابة خارطة طريق قدّمه المحاضر ومحرّر الكتاب للمأزق الحالي الذي تمرّ به المجتمعات المسلمة، وتَذَكُّرٌ مُخَلِّص لما يتوجب اليوم على علماء الدين والقائمين على أمر الخطاب الديني أفرادًا ومؤسسات من مسؤولية جسيمة في إحياء هذا النوع من الطرح الوفاقي الحريص على أمن البشر ووحدة المجتمعات، انطلاقًا من وصايا الدين الإسلامي الذي أرسى دعائم السلام في منظومة تشريعية متكاملة بعيدة عن القراءات المشوهة للنصوص الدينية، التي كان من نتائجها المروعة ما يعانيه اليوم أكثر من بلد عربي مسلم.