شعار الموقع

من التنوع إلى المشترك الإنساني ..

محمد محفوظ 2019-06-22
عدد القراءات « 1010 »

من التنوُّع إلى المشترك الإنساني

من أجل تعزيز المشترك الإنساني

محمد محفوظ

الإنسان في الإسلام

وفق الرؤية الإسلامية التوحيدية، فإن ماهية الإنسان وطبيعته، قد تحدّدت في العلم الإلهي قبل الوجود الإنساني العيني؛ إذ يقول تبارك وتعالى {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[1].

فالطبيعة الواقعية للإنسان محدّدة قبل الوجود العيني للأفراد؛ إذ يقول تبارك وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[2]. فهذه الآية القرآنية الكريمة، توضّح وتخبر عن وجود للإنسان سابق على وجوده العيني، وتم فيه أخذ العهد بالإيمان لبني الإنسان جميعًا. ووفق الآيات القرآنية الكريمة فإن الماهية الإنسانية تتقوم بعنصر أساسي هو عنصر شهادة الربوبية واعتراف الإنسان المطلق بألوهية الخالق ووحدانيته كما توضّح الآية القرآنية الكريمة السالفة الذكر. فالإيمان بوحدانية الخالق وألوهيته هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولكن هذه الحقيقة الفطرية الراسخة في الوجود الإنساني، لا تتحقّق بالنسبة إلى آحاد الإنسان إلَّا بالاختيار والجهد الإرادي الحر. وحينما يذهب الإنسان بعيدًا في اختياره، فإن هذا الإنسان يضحى {كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[3]. ويقول عز من قائل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}[4]. فالإنسان -كما يقرّر الراغب الأصفهاني- يحصل له من الإنسانية بقدر ما يحصل له من العبادة التي لأجلها خُلق، فمن قام بالعبادة حق القيام فقد استكمل الإنسانية، ومن رفضها فقد انسلخ من الإنسانية.

«فالإنسان في التصور الإسلامي لا يبدع ماهيته كما تعتقد الفلسفة الوجودية، وإنما هو يحقّقها من خلال جهده الإرادي بإخراجها من طور القوة والكمون إلى طور الفعل والظهور» على حدِّ تعبير الدكتور لؤي صافي.

والإنسان حين يعتقد ويؤمن بالحكمة الإلهية لوجوده {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[5]، فإنه سيعمل ويكدح ويسعى لأجل تحقيق غاية هذا الوجود التي من خلالها يرتقي لتحقيق ماهيته الإنسانية. فإنسانية الإنسان لا تتحقّق صدفة، وإنما هي بحاجة إلى تربية وتهذيب، وعمل وكفاح، واتصال دائم بالحقيقة المطلقة وهو الباري عز وجل. وبمقدار التصاق الإنسان بخالقه، عبر عبادته العبادة الحقة، والالتزام بتشريعاته ونظمه المختلفة في مختلف جوانب الحياة، بالقدر ذاته يقبض الإنسان على إنسانيته، ويتخلّص من كل رواسب ونزعات الشر والابتعاد عن الطريق المستقيم. والإرادة الإنسانية هي حجر الزاوية في مشروع تحقيق إنسانية الإنسان. أي إن الرغبة المجرّدة، لا تحقّق ما يصبو إليه الإنسان. وإنما ذلك بحاجة دائمًا إلى إرادة وعزم وتصميم لمحاصرة وضبط أهواء الإنسان وشهواته، والتدرّج في مدارج الكمال الإنساني. وبمقدار ما يتخلّى الإنسان عن نزعاته ونزواته الشريرة، يرتقي في مدارج الكمال، ويقترب من الصورة التي أرادها الله سبحانه وتعالى للإنسان.

لذلك نجد الآيات القرآنية الكريمة، تمتدح الإنسان الذي لا يخضع إلى شياطين الإنس والجن. قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}[6].

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[7].

فالرؤية الإسلامية وضعت الإنسان في أشرف المراتب. فالباري عز وجل وضع فيه أشرف المخلوقات وهو (العقل)، واختاره لخلافته في الأرض؛ إذ يقول عز من قائل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[8].

فالوضع القيمي للإنسان يتميّز بشكل نوعي عن بقية المخلوقات، كما أن الباري عز وجل منحه تكريمًا لا يضاهيه أي تكريم؛ إذ سجّل في محكم التنزيل {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[9].

فالإسلام لا يعتبر الإنسان بوجوده موجودًا عاصيًا ومذنبًا، بل ينظر إليه بوصفه موجودًا فطريًّا مهما احتجبت وتلوثت تلك الفطرة فيه نتيجة الغفلة والنسيان والذنوب. وهذا هو مقتضى قول الباري عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[10]، والأديان والرسالات والتشريعات السماوية، جاءت لتظهير هذه الحقيقة المغروسة والموجودة في جوهر الوجود الإنساني.

«من هنا، دعانا الإسلام وقبل كل شيء إلى استحضار تلك المعرفة المغروسة في أعماق نفوسنا، وبسبب أهمية تلك المعرفة في رسم السعادة الإنسانية، فإن الإسلام خاطب الإنسان بوصفه صاحب عقل لا صاحب إرادة فقط، فإذا كان التمرّد على الله وهو الذنب الأكبر عند المسيحية ناشئًا من الإرادة، فإن الغفلة تشكّل الذنب الأكبر في الإسلام، والتي تكون نتيجتها عدم قدرة العقل على تشخيص الطريق الذي رسمه الله للناس، ولأجل ذلك، فإن الشرك من أعظم الذنوب التي لا تُغتفر، وهو بعبارة أخرى يساوي إنكار التوحيد»[11].

فالرؤية الإسلامية للإنسان قائمة وبشكل جوهري، على أن الإنسان بعقله وإرادته وقلبه وبكيانه كلّه، لا بد أن يكون عبدًا حقيقيًّا ومخلصًا لله سبحانه وتعالى، يأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ويسلّم تسليمًا مطلقًا للواحد الأحد.

وإن هذا التسليم ليس ضربًا من ضروب الجبر، بل نتيجة طبيعية للإيمان والرضا بما قدَّر الله سبحانه وقضى.

والإنسان حين يكون متّصلًا بالله تعالى، وملتزمًا بشريعته، فهو يتحرّر من كل الضغوطات الداخلية والخارجية، ويصبح رأسماله الحقيقي هو كرامته الإنسانية. فالحاجة مهما كانت، لا تقوده إلى الذل وامتهان الكرامة.

فالكرامة الإنسانية والشعور العميق بها، هي وليدة العبودية لله وعدم الخضوع لأي حاجة قد تذل الإنسان، وتخرجه عن مقتضيات الكرامة والعزة.

الدين والإنسان.. أية علاقة؟

ثمّة حقيقة أساسية ينبغي أن ننطلق منها، حينما نود الحديث عن طبيعة العلاقة بين الأديان والإنسان. وهذه الحقيقة هي أن الأديان السماوية بكل أنظمتها وتشريعاتها، جاءت من أجل خدمة الإنسان وسعادته. بمعنى أن الالتزام بتشريعات الدين وأنظمته تفضي على المستويين العام والخاص إلى سعادة الإنسان واستقراره على جميع المستويات. ولا يمكن بأيِّ حال من الأحوال أن نتصور الدين الذي أنزله الباري عز وجل بمعزل عن الإنسان ومصالحه النوعية.

فالعلاقة جدُّ وطيدة وعميقة بين تشريعات الدين ومصالح الإنسان الخاصة والعامة. فهي تشريعات تصون الإنسان وتحمي حقوقه ومكاسبه؛ لذلك نجد أن القرآن الكريم أنكر على أهل الكتاب تنازلهم عن حقوقهم المشروعة وحرياتهم الإنسانية التي ولدوا عليها، ورضوا بالعبودية لرهبانهم وأحبارهم الذين تبوؤا سلطة التشريع بدل الحق جل وعلا.

وفي هذا يقول ربنا سبحانه وتعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[12].

فالأديان جاءت من أجل تحرير الإنسان من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، لذلك نجد القرآن الحكيم يدعو أهل الكتاب كافة ليتحرّروا من هذه الأغلال والعبودية لغير الله، وأن يُفردوا الله وحده بالعبادة والخضوع؛ إذ قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[13].

فالإنسان وفق الرؤية الربانية هو أكرم المخلوقات حيث نفخ فيه من روحه، وهو الوحيد من مخلوقاته جل وعلا الذي اختاره ليكون خليفته في الأرض، وكرّمه بالعقل وهداه السبيل، وعلّمه البيان وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.

وعلى هذا فإن جميع القيم والتشريعات الإسلامية، جاءت من أجل تحرير الإنسان وحمايته وتكريمه والسمو به في مدارج الكمال والرقي المادي والمعنوي.

وفي سياق بيان دور الأديان في بناء الإنسان، نودّ أن نثير النقاط التالية:

1- حينما نريد أن ندرس التجربة الدينية في حياة الإنسان المعاصر، من الضروري التفريق والتمييز بين مستويين، وهما:

أ‌- المستوى المعياري: وهو مجموع القيم والمبادئ الخالدة، وهي العابرة لحدود الزمان والمكان. ولا مشكلة لدينا على هذا المستوى؛ إذ إننا نعتقد وبشكل جازم أن الباري عز وجل لم يشرع للإنسان القتل والعدوان وممارسة الكراهية بكل مستوياتها وأطوارها، فالأديان السماوية كما أنزلها الله هي منبع الخير المطلق.

ب‌- المستوى التاريخي: وهو مجموع الجهد البشري والدين كما هو معيش.

ويبدو أن كل الإشكالات المتعلّقة بين أهل الأديان التوحيدية الثلاثة، تستوطن هذا المستوى. وينبغي أن تتّجه كل الجهود الحوارية نحو صياغة علاقة إيجابية بين أهل هذه الأديان، بعيدًا عن إكراهات وعبء التاريخ.

وعلى أهل هذه الأديان في هذه اللحظة التاريخية الحساسة أن يتّخذوا موقفًا صريحًا وواضحاً تجاه الظواهر الثلاث:

1- ظاهرة الحركة الصهيونية في التجربة الدينية اليهودية، وهي الحركة التي اغتصبت أرض فلسطين، وهجّرت وقتلت شعب فلسطين، وكل ذلك تم بغطاء ديني توراتي.

2- ظاهرة الاستعمار ونزعات السيطرة والهيمنة التي سادت المجال الحضاري الغربي، واستفادت من الغطاء الديني المسيحي، وصولًا إلى ظاهرة المحافظين الجدد في التجربة الدينية المسيحية.

3- ظاهرة الغلو والتطرّف والإرهاب الديني في التجربة الدينية الإسلامية. وهي الظاهرة التي عاثت في أصقاع الأرض فسادًا وقتلًا، وعملت كل هذه الجرائم بتفسير وغطاء ديني إسلامي.

إننا نعتقد أن بذل الجهود الثقافية والدينية لرفع الغطاء الديني عن كل هذه الظواهر سيساهم في خلق السلم الإنساني والدولي.

2- إن التعايش بين أهل الأديان اليوم بحاجة إلى التأكيد على المقولات التالية:

أ‌- ضرورة الانتقال في عملية الحوار من النطاق اللاهوتي إلى النطاق الثقافي الذي يبني حقائق التسامح والحرية واحترام الآخر وجودًا ورأيًا في الفضاء الاجتماعي.

ب‌- الاهتمام الجاد بمسألة حقوق الإنسان، فالاختلاف الديني لا يشرع بأي حال من الأحوال انتهاك حقوق الإنسان.

إننا نعتقد أن انفتاح الثقافات الدينية المعاصرة على ثقافة حقوق الإنسان، سيفضي إلى المساهمة في بناء عالم أكثر عدالةً وتسامحًا وحرية.

3- إن تنمية القيم الروحية في المجال الإنساني المعاصر، يتطلّب ضمن ما يتطلّب إلى أن تتبنى المؤسسات الدينية في كل الأديان مقولات بناء النظام السياسي المرن والديمقراطي.

فالأنظمة السياسية المنسجمة مع خيارات شعوبها الثقافية والسياسية، هي الأقدر على تنمية القيم الروحية في المجتمع.

فلنرفض جميعًا كأهل أديان سماوية، كل أنظمة الجور والعسف والهيمنة، حتى تصوغ القيم الروحية المبثوثة في الأديان السماوية -كما أنزلها الله سبحانه وتعالى- حقائق المحبة والسلام في حياة الإنسان فردًا وجماعةً.

4- إن أحد وجوه الأزمة التي تنعكس سلبًا في مجالات الحياة المختلفة، هي تضاؤل النزاهة الأخلاقية والعملية لدى شريحة معينة من أهل الدين. فلم يمتثّل هؤلاء مثل الدين الحقيقية تمثّلًا كافيًا، كما أنهم لم يكونوا أمناء على حقوق مجتمعاتهم وأمتهم برغم كل الدعاوى التي صدروا عنها أو صدرت عنهم.

ويعبّر عن هذه الحقيقة الدكتور فهمي جدعان بقوله: إذ إنه يؤسفني جدًّا أن أصرّح بأن أغلبية الناس وأكاد أقول جميعهم، بإطلاق -ومن بينهم مفكرون ومثقفون كبار-، وإن كانوا يفاخرون دومًا بأنهم يحتكمون إلى العقل ويسلكون وفقًا لتوجيهات العقل، إلَّا أنهم في أغلبية الأحوال يتحرّكون بنوازعهم ورغباتهم وإيراداتهم وأهوائهم ولا يستخدمون العقل إلَّا من أجل الوصول إلى هذه الأغراض بأدق الطرق وأحكمها وأكثرها ضبطًا وإحكامًا. ويستوي في ذلك الأخيار والأشرار. وهذه هي قضيتنا مع العقل. إنه أداة بالغة الخطر، ولكنه أداة لا يستطيع أحد الاستغناء عنها، وكي تُؤتي ثمارها الإنسانية الطيبة لا بد من إحاطتها بسياج من القيم العالية، ولا بد من تحريرها من رغباتها وأهوائها المضادة للموضوعية ولخير الإنسان وكرامته، ولا بد بشكل خاص من أن نحول دون تحوّل هذه القوة إلى سلاح ضارب يقضي على معاني الإنسانية فينا وعلى حساسيتها الجمالية، ويدمّر قيم الحرية والكرامة والعدالة في عالم الإنسان.

وثمّة مدارس وتجارب دينية عديدة، حاولت من خلال محطات تجربتها وآفاقها وممارساتها، أن تقدّم إجابة أو إجابات على الأسئلة الوجودية التي تعترض الإنسان الفرد والجماعة في مسيرته الإنسانية. وهذه التجارب الدينية هي في تقديري، إحدى الإجابات التي قدّمتها الحالة الدينية الإنسانية كوسيلة من وسائل السلم والسلام. حيث إن السلم الذاتي والانسجام الداخلي وارتفاع وتيرة الإيمان في نفس الإنسان، هي أحد المداخل الرئيسة لإنجاز مفهوم السلام في الحياة العامة.

ولعل التجارب أو المدارس العرفانية الإسلامية والمسيحية هي أحد نماذج ذلك، «وهذا العرفان المدروس (على حدِّ تعبير كتاب الأسس النظرية للتجربة الدينية – قراءة نقدية مقارنة لآراء ابن عربي ورودلف أتو)، ربما تختلف مفرداته، فيتم توظيف المفاهيم والأفكار التي تشرح بتفصيل أو بإجمال سير العارف العملي في أعماق الأنفس والآفاق، وهو ما يسمى بالعرفان النظري، الذي يمثل محيي الدين بن عربي عماده وركنه.

وإذا استهدفنا من العرفان النظري هذا دراسةً وتدوينًا وتعليماً، الحصول على تصورات عقلية لظواهر غير عقلية كما يقول أصحابها، فليس ذلك بالأمر السلبي أو المحال، فبالإمكان خلق مفردات ونحت مصطلحات وابتكار سياقات لفظية للتعبير عن حالات روحية عميقة، وهو أمر يتصاعد في عسره كلما تعمّق الإحساس وغاص في دهاليز الروح، وهو إن دل فإنما يدل على نضوج عقلي وثراء لفظي.

وهذا العرفان النظري يخضع –هو الآخر– لنظام التعليم ونقل الأفكار وانتقالها طبيعة، ومن ثم فأحد أهداف هذا العرفان هو تكوين تصورات نظرية عقلية عن تجارب روحية، تماثل الدور الذي يلعبه علم النفس أحيانًا. لكن السؤال البارز هنا، والذي كان محط خلاف بين المشتغلين بالعرفان، هو هل أن جذب السالك إلى هذا الطريق يكون عبر خلق تصورات نظرية عن التجربة، أم أن ذلك لا يتم إلَّا بأسلوب عملي ربما يكون قائمًا على ممارسات طقسية وذكرية، أو على أنواع تربوية تهذب النفس وتصفيها؟».

ولقد جذبت هذه التجارب العديد من الشخصيات، وأضحت مدخلًا هامًّا من مداخل اكتشاف مخزون ومكنون القيم الروحية في الديانات التوحيدية الكبرى. وذلك لأن حجر الأساس في هذه التجارب، هو الاندفاع القلبي -الطوعي- الاختياري الذي يدفع الإنسان صوب التفاعل الخلاق على صعيد القناعات والمسلك مع قيم الدين ومثله العليا. وتطهير الباطن أو توفير المقدمات الروحية هي الشرط الشارط للانخراط في هذا المسلك أو التجربة الدينية العرفانية.

فالعلاقة بين الدين والإنسان، علاقة عميقة ودائمة. ولا يمكننا أن نتصور أن تكون القيم الدينية في موقع مضاد للإنسان وجودًا ومصلحة. فدائمًا قيم الدين ومبادئه مع الإنسان، ووظيفتها الأساسية هي الحفاظ على الإنسان في مختلف المستويات والدوائر.

وفي المحصلة النهائية، الأديان جاءت من أجل خدمة الإنسان، لكي يعيش حياة سعيدة ومستقرة؛ لذلك قرّر الفقهاء أن أحكام الشرع تدور مع المصلحة وجودًا وعدمًا.

مختلفون ولكننا متساوون

في سياق التوجّس والتوتّر، الذي يسود العلاقة بين المختلفين، لأسباب دينية أو مذهبية أو قومية أو إثنية، تبرز حالة العداء النفسي تجاه المختلف، والتي تأخذ أبعادًا وصورًا عديدة، وقاسمها المشترك هو نبذ الآخر المختلف، ووصمه بكل الصفات والخصائص السلبية سواء على مستوى الاعتقاد والتصور، أو السلوك والممارسة.

ولا ريب أن حالة العداء والعداوة، من الحالات التي تحتاج إلى معالجة واعية ودقيقة، لأنها حالة نفسية سلبية ضد الآخر، بحيث تستهدف نفيه ونبذه، ورفضه في نفسه أو موقعه أو مصالحه، وتتحرك هذه الحالة العدائية بطريقة تدميرية، متوحّشة على مستوى القول والموقف وعلى مستوى الشعور والفكر، وعلى مستوى الحياة بمختلف تفاصيلها ودوائرها.

لهذا تكثر الصور والأساليب المستخدمة، في ذمّ الآخر، وتسفيه آرائه ومعتقداته والعمل على إبقائه في دائرة النبذ والقتل الاجتماعي والمعنوي.

وإذا أردنا أن نكتشف حجم وفداحة العداء النفسي والاجتماعي، الذي بدأ يستشري في مجتمعاتنا ضد الآخر الديني أو المذهبي أو القومي، فلنتصفح صفحات الإنترنت ونطّلع على بعض المواقع الإلكترونية المتخصّصة في تعميق حالة العداء بين المختلفين، وشحن النفوس تجاه المغايرين. واستخدم في سبيل ذلك كل المفردات وعمليات الشحن النفسي والتعبئة الاجتماعية التي تقشعر لها النفوس والأبدان.

لأنه حينما تتحوّل الاختلافات العقدية أو الفكرية إلى حالة من الضيق النفسي والمشاعر الحاقدة، حينذاك تتحوّل هذه الحالة إلى خطر يهدّد مجتمعاتنا، ويوفّر كل أسباب الصدام لأي سبب من الأسباب.

لهذا يسجّل لنا القرآن الكريم أول حالة عداء حدثت في الوجود بين إبليس وآدم، من جرّاء حالة نفسية تمثّلت في الحسد والكبر، تلبَّست إبليس، وحوّلته إلى رافض للامتثال لأمر الباري عز وجل؛ إذ يقول تبارك وتعالى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[14].

فحينما يشعر الإنسان بأنه أفضل من الآخر المختلف دينًا أو أخلاقًا أو أصلًا اجتماعيًّا، فإن هذا الشعور الاستعلائي يقوده إلى الكثير من المهالك والمآزق.. وهي التي قادت إبليس إلى الطرد من الجنة؛ إذ يقول تعالى، ونتيجة لاستعلاء إبليس وشعوره بأفضليته على آدم: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[15].

فنحن نختلف مع غيرنا، وغيرنا يختلف معنا، وشعور أحدنا بأنه الحق المطلق، وممارسته جرّاء هذا الشعور ممارسات نابذة وطاردة إلى الآخر المختلف باسم تلك العناوين المختلف عليها، هي ذاتها النزعة الاستعلائية التي تقود إلى العداء والعداوة بين الإنسان وأخيه الإنسان.

نحن نعترف بوجود اختلافات بيننا، ولكن هذه الاختلافات لا تعطي أفضلية لأحد على أحد؛ لأننا جميعًا نمتلك أدلة وبراهين على ما نعتقد ونؤمن، وكلنا ينشد الحق والحقيقة.. والطريق إليها يتطلّب المزيد من الحوار العلمي - الموضوعي، بعيدًا عن نزعة الاستعلاء والعداء، وبعيدًا عن لغة التحريض والشتائم. فنحن مختلفون ولكننا متساوون في الحقوق والواجبات.

ولا يجوز لأي طرف أن يستخدم عناوين الاختلاف كمبرّر للاستعلاء أو العداء أو التحريض.

لهذا فإن تطهير النفوس جميعًا من الأحقاد وسوء الظن ووساوس الشيطان ومفردات الكراهية، هي الخطوة الأولى في مشروع إدارة اختلافاتنا مهما كان حجمها بصورة حضارية ومنسجمة وقيم الإسلام العليا القائمة على الرحمة وحسن الظن والحرية والمساواة. فلا يجوز لأي أحد منا، وباسم حماية الإسلام والعقيدة، أن ينتهك قيم الإسلام ويتجرّأ على مبادئ العقيدة الإسلامية.

فالإسلام لا يحمى بزيادة وتيرة الكراهية بين الناس، والعقيدة لا تُصان بإطلاق الأحكام جزافًا بحق الآخرين. فالإسلام يُحمى بالوعي والحكمة وتجسيد مثله وأخلاقه.

والعقيدة تُصان بطاعة الله وطلب رضوانه {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[16].

فالرؤية الإسلامية لا تؤسّس لأي أحد، ممارسة الحقد والعداوة والبغضاء بسبب الاختلافات الدينية أو الفكرية أو السياسية.

وأي ممارسة لهذه الصفات هي تجاوز على قيم الإسلام، ولا يُطاع الله من حيث يعصى.. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[17].

فما يتم تداوله في مواقع الإنترنت تجاه بعضنا البعض كمواطنين، يعدّ كارثة أخلاقية وإنسانية؛ لأن المواد التي يتم تداولها تشحن النفوس، وتصوّر الآخر وكأنه الشيطان المتحرّك، الذي لا عمل له إلَّا الإساءة إلى الآخرين.

فتعالوا جميعًا نرفع أصواتنا ضد الإساءات المتبادلة، التي تغذي الأحقاد، وضد عمليات التحريض التي تصورنا وكأننا أعداء بعضنا بعضًا. فالاختلافات في الدائرة المذهبية أو القبلية أو المناطقية لا تشرّع لأحد إذكاء نار العداوة بين أبناء المجتمع والوطن الواحد.

فحالة العداء بين المواطنين المفتوحة على أحقاد التاريخ والتباساته وتشابكاته، تُنذر بكوارث اجتماعية حقيقية. ولا سبيل أمامنا إلَّا الوقوف بحزم ضد كل من يحاول أن يبذر بذور العداء بين المواطنين لاعتبارات مذهبية أو قبلية أو مناطقية.

فالدين يحتضننا جميعًا وإن تعدّدت مدارسنا الفقهية، والوطن يستوعبنا جميعًا وإن تعدّدت قبائلنا وعشائرنا، والوطن لنا جميعًا وإن كنا في مناطق وجهات مختلفة.

طبيعة التنوّع وقانون الوحدة

التنوّع والتعدّد في الآراء والقناعات والميولات ظاهرة أصيلة وراسخة في حياة الإنسان الفرد والجماعة، ولا يمكن أن نتصوّر حياة إنسانية بدون هذه الحقيقة. فإذا تشابه واتّحد الناس في اللون، فهم مختلفون ومتنوّعون في القناعات الدينية والثقافية. وإذا تشابه الناس في القناعات الدينية والثقافية، فهم متعدّدون في القوميات والإثنيات.

وهكذا تصبح حالة التعدّد والتنوّع، حالة طبيعية في الوجود الإنساني. ولكن هذه الحالة الطبيعية قد تتحوّل إلى عبء على استقرار الناس وأمنهم حينما لا يتم التعامل مع هذه الحالة الطبيعية بعقلية استيعابية، تبحث عن سبل لإدارة هذه الحالة، دون توسّل أساليب عنفية وقسرية لاستئصالها.

فالتعامل الإنساني الخاطئ مع هذه الحقيقة الإنسانية هو الذي يحوّلها من مصدر جمال وحيوية للوجود الإنساني إلى فضاء للتناحر والتقاتل، ومن منبع للخير المعرفي والاجتماعي إلى مبرّر للنبذ والاستئصال وتغييب المختلف.

وبفعل هذه الممارسة الخاطئة والقاتلة في آن، تجاه هذه الحقيقة الملازمة للوجود الإنساني، تنشأ ظاهرة تصنيف البشر وتوزيعهم ضمن دوائر انتمائهم التقليدية. وبفعل هذا التصنيف الاجتماعي تبرز الفروقات والتمايزات الحادّة بين أبناء المجتمع الواحد، وتزداد الحواجز النفسية بينهم، وتتغذى الإحن والأحقاد.

فيصبح لدينا وتحت سماء الوطن الواحد والمجتمع الواحد، مجموعة من المجتمعات، لكل مجتمع عالمه الخاص ورموزه الخاصة وهمومه واهتمامه الخاص، مع انعزال وقطيعة تامة مع المجتمع الخاص الآخر.

وهكذا تتحوّل التعدّدية الدينية والمذهبية والقومية، من حالة طبيعية في الوجود الإنساني، إلى مصدر للشقاء والتباغض والإحن المفتوحة على كل احتمالات الخصومة والنزاع.

لهذا فإننا نفرّق بين ظاهرة التنوّع والتعدّد في الوجود الإنساني، التي نعتبرها ظاهرة صحيّة وحيويّة وذات آفاق ثرية على أكثر من صعيد، وبين خلق الحواجز بين الناس وتصنيفهم التصنيفات الحادة على أساس انتماءاتهم التاريخية والتقليدية، والتي نعتبرها ظاهرة مرضية، ومؤشّر على فشلنا في إدارة تنوّعنا بطريقة سلمية وحضارية.

فنحن مع احترام كل أشكال التنوّع في الوجود الإنساني، والذي نعتبره جزءًا من الناموس الرباني، ولكننا في الوقت ذاته لا نرى أن ظاهرة تصنيف الأفراد اجتماعيًّا بفعل انتماءاتهم التاريخية ظاهرة صحية، بل نعتبرها من الظواهر التي تساهم في تمزيق مجتمعاتنا وخلق الإحن والبغضاء بين أطرافه وأطيافه. ولن نتمكّن من إنجاز هذه المعادلة التي تحترم التنوّع الإنساني ومقتضياته، دون أن نمنع أن تبرز ظاهرة التصنيف الاجتماعي، التي توزّع الناس وتفصل بينهم شعوريًّا واجتماعيًّا، على أساس انتماءات لا كسب حقيقي للناس فيها.

وعلى المستوى المعرفي من الطبيعي أن يلتزم الإنسان الفرد والجماعة إلى منظومة عقدية وفكرية واجتماعية؛ لأن الإنسان بطبعه يبحث عمَّن يشترك معه ويتشابه معه في فكرة أو انتماء أو أي دائرة اجتماعية أو معرفية، لكي يلتقي معه، ويحوّل الاشتراك في الدوائر المعرفية والاجتماعية إلى شبكة مصالح تُديم العلاقة وتطورها أفقيًّا وعموديًّا.

لهذا فإننا ننظر من هذه الزاوية المعرفية إلى حقيقة الانتماء الفكري والاجتماعي نظرة طبيعية وصحية. ولكن هذه الظاهرة الصحية والطبيعية قد تتحوّل إلى ظاهرة سلبية ومرضية حينما يتحوّل الانتماء إلى مبرر للاعتداء على حقوق الآخرين المادية أو المعنوية، فتتحوّل هذه الظاهرة إلى ظاهرة سلبية حينما أمارس التعصّب بكل صنوفه، بحيث أرى شرار قومي أفضل من خيار قوم آخرين، يتحوّل الانتماء إلى ظاهرة مرضية.

لهذا فإننا نعتقد أن التصنيف العقدي أو الفكري أو الاجتماعي في حدوده الطبيعية ظاهرة صحية، ومستساغة معرفيًّا واجتماعيًّا. ولكن هذه الظاهرة تتحوّل إلى ظاهرة سلبية حين يتّصف أهل هذا الانتماء بالصفات والممارسات التالية:

1- الانغلاق والانكفاء والديماغوجي في النظر إلى الأمور والقضايا، بحيث لا يتّسع عقل الإنسان إلَّا لمحيطه الخاص، ويمارس نرجسيته المرضية تجاه قناعات وانتماءات الذات.

2- التعصُّب الأعمى للانتماء الخاص ونبذ كل المساحات المشتركة التي تجمعه مع أبناء المجتمع والوطن.

3- ممارسة الاعتداء على الحقوق المادية أو المعنوية على الآخرين بدعوى خروجهم عن الانتماء الصحيح أو ما أشبه ذلك.

حين تتوفّر هذه القيم والممارسات (الانغلاق المرضي – التعصّب الأعمى - الاعتداء على الحقوق) تتحوّل هذه الظاهرة الإنسانية الطبيعية إلى ظاهرة سلبية ومرضية. وفق هذه الرؤية المعيارية نتعامل مع ظاهرة التصنيفات في المجتمعات العربية.

فهذه الظاهرة تتوالد باستمرار بحيث ينتقل التصنيف من العنوان الكبير إلى العنوان الصغير ويستمر في سياق دوائر صغيرة عديدة، بحيث يهدّد هذا التصنيف المرضي نسيج المجتمع والوطن.

ولا خيار أمامنا للعودة بهذه الانتماءات إلى حالتها المعرفية والطبيعية والمقبولة اجتماعيًّا، إلَّا ببناء وعي اجتماعي وطني جديد، لا يحارب الانتماءات التقليدية للإنسان؛ وإنما يشبعها لدى كل إنسان دون أن ينحبس فيها، يحترم خصوصياته دون أن يتحوّل هذا الاحترام إلى مبرر لبناء كانتونات اجتماعية مغلقة.

 

 

 

 



[1] سورة الأنعام، الآية 101.

 

[2] سورة الأعراف، الآية 172.

 

[3] سورة الفرقان، الآية 44.

 

[4] سورة التين، الآية 4-5.

 

[5] سورة الذاريات، الآية 56.

 

[6] سورة سبأ، الآية 20-21.

 

[7] سورة الأنعام، الآية 112.

 

[8] سورة البقرة، الآية 30.

 

[9] سورة الإسراء، الآية 70.

 

[10] سورة التين، الآية 4.

 

[11] راجع كتاب: قلب الإسلام من أجل الإنسانية، قيم خالدة، تعريب داخل الحمداني، ص 14.

 

[12] سورة التوبة، الآية 31.

 

[13] سورة آل عمران، الآية 64.

 

[14] سورة الأعراف، الآية 11-12.

 

[15] سورة الأعراف، الآية 13.

 

[16] سورة الأعراف، الآية 23.

 

[17] سورة آل عمران، الآية 118 -120.