شعار الموقع

أبعاد الجمال والجلال في الحب الصوفي ..

ميلود حميدات 2019-06-22
عدد القراءات « 1277 »

أبعاد الجمال والجلال في الحب الصوفي..

مقاربة جمالية تحليلية

الدكتور ميلود حميدات*

* جامعة الأغواط - الجزائر، البريد الإلكتروني: hfarouk18@hotmail.fr

 

مقدمة

إن الكلام عن الجمال يجرّنا إلى المعرفة الذوقية؛ لأن الجمال من الموضوعات العصيّة عن التعريف، فالجمال تدركه بالحدس وتختبره بالممارسة، ويرتبط الجمال بالجلال الذي هو مظهر من مظاهر الجمال أيضًا في صورة من صور تجلّيه.

ولعل الذين أفردوا لموضوع الجمال والجلال نصيبًا من الدراسة والاهتمام هم المتصوفة الذين يدخل في مجال اهتمامهم؛ لأنه موضوع حدسي يتمّ التعرّف عليه بمنهج عرفاني.

وقد تناول المتصوفة الجمال والجلال، فرأوا أن الجمال في آيات الله الطبيعية وفي مخلوقاته، ولذلك تمثّلوا ذلك وطلبوه في المحبة، وتوسّموه من خلال جمال المرأة والغزل الصوفي، كمنطلق لحقيقة الجمال المطلقة، أن يتجلّى الجمال الإلهي في الجلال، ويدرك من خلال الحب الإلهي كحب نهائي ومطلق يصل إليه الصوفي بعد مجاهدة ومكابدة.

إنه حب الله بذاته وصفاته، متحرّر من أية غاية أو مصلحة، سوى رضا الله ونيل محبته، فهو حب منزّه يتطلّع من خلاله العبد إلى التدرج في الدرّجات، والرِّقي وطيّ المسافات، لتحقيق التواصل مع فيض الرحمات الإلهية.

لقد جعل المتصوفة من المحبة وسيلة للترقّي من حب العبد لأخيه، ومن الحب الإنساني معراجًا نحو الحب الإلهي الذي هو غاية كل متصوف.

القسم الأول: مفهوم الجمال والجلال

أ- مفهوم الجمال

ما هو الجمال؟ من السهل أن تصف شيئًا أو موضوعًا بأنه جميل لأن العين تستمتع به، أو الأذن تستلذه أو العقل يستحسنه، ولكن من الصعب تعريف الجمال في حدّ ذاته، وإنما تقاربه فقط من موضوعاته فيُعرف الجمال من الجميل، والحُسن من الحَسن، واللذّة من اللذيذ، والطّيبة من الطيّب وهكذا..

«إن مفهوم الجمال قريب متداول يفهمه الجميع، ويتعاملون معه ولكن التعريف به بعيد المنال، وهذا ما دفع بعض الكتّاب والفنانين إلى التصريح بصعوبة ذلك، وبُعده عن الإمكان»[1]

ما دام موضوع الجمال من الوجدانيّات فإننا ندركه بالحدْس أي بالمعرفة المباشرة، وبالتالي يصعب إخضاعه للتعريف. وإنما الجمال تجربة ذوقية تُعرف بشكل مباشر كالأحوال الشعورية، والتجارب النفسية والمدركات المعنوية. فالنفس تتعرّف على الجمال كما تَسعد بالحب وتتألّم من الحزن، وتسعى إلى الخير، وتنفر من الشر، وتدرك الحق والصواب وتبتعد عن الباطل والخطأ.

فقد بحث فلاسفة اليونان عن حقيقة الجمال، فاعتبره أفلاطون في عالم المُثل، وما الواقع إلَّا انعكاس له، فحقيقته في عالم المعقول، وهو مرادف لكمال الشيء وتناسقه واتّزانه.

كما أدرك فلاسفتنا ذلك، فالجمال عند الغزالي هو ما يُحرّك النفس ويُثير المشاعر، ويسعدها ويغبطها لما يحسّه الانسان بجوارحه، أو يدركه بقلبه، والجمال فيه لذّة وحُسن، والحُسن تحقيق الشيء لكمال صورته الظاهرة أو الباطنة[2]. ومنه فالجمال حسي ومعنوي، يدرك بالحواس والعقل أو بالذوق والقلب.

والجمال الداخلي أو الباطني أعظم من الجمال الخارجي الظاهري، ويتدرّج الناس في إدراكهم للجمال، لاختلاف قدراتهم واهتماماتهم، فكلٌّ مُيسَّر لما خُلق له.

كما اختلف الفلاسفة في طبيعة الجمال إلى اتجاهين، اتجاه ذاتي يجعل من الجمال تقدير تطلقه الذات على الموضوع، وبالتالي فالجمال ذوق ذاتي وموقف إنساني من الأشياء، واتجاه موضوعي يجعل من الجمال صفات تتوفّر في الشيء الجميل، وأن الموضوع الجميل يفرض نفسه على الذات، بما يتوفّر عليه من معطيات الجمال[3].

إذن الشعور بالجمال شعور إنساني راقٍ يعبّر عن حاجة من الحاجات الإنسانية الأساسية، كالحاجة إلى الهواء للتنفس، والماء والأكل للحياة وغيرها من الحاجات، فكذلك الشعور بالحُسن يغبط النفس ويسعدها. فالإحساس بالجمال يحقّق للنفس السعادة، والنفوس الزكية تطلب الجمال في الأشياء الحسية، أو الموضوعات المعنوية، وتتوق إلى الأشياء التي تتوفّر فيها معالم الجمال.

إذ يُلتمس الجمال في الوجود المادي والمعنوي، في الطبيعة والإنسان وجمال الموجودات، وإلى مصدر الجمال وأصله وواهب الوجود، وإلى ما ينتجه الإنسان من قول وفعل وحركات، وما فيها من تناسق وانسجام وجماليات. وقديمًا قال أرسطو بأن إنتاج الجمال يأتي من محاكاة الطبيعة وما فيها من جمال طبيعي.

ومنه نستنتج أن الجمال نوعان جمال طبيعي (إلهي) ليس للإنسان يد فيه، وجمال اصطناعي إنساني من إنتاج الانسان وإبداعه، وهو مادي ومعنوي.

والفرق واضح بين الأصل والتقليد، فالجمال الطبيعي جمال مبدع من عدم وهو جمال إلهي خالص لا يجاريه ولا يوازيه ولا يماثله أي جمال، أما الجمال الاصطناعي أو الفني فيأخذ مادته من الجمال الطبيعي أو الإلهي ويركب جمالية جديدة.

أما العلاقة بين التصوف والجمال فعلاقة متأصّلة؛ لأن التصوف يربط علاقته بأصل الجمال ومبدع الوجود علاقة العبد بالمعبود، وترقيًا في العبادة والمحبة والسجود، ليتحقّق له ما يبتغيه من فيض محبه الله ورضاه، فيلتقي الجلال والجمال في واهب الوجود.

والتصوف يعمل على الاتصال بأصل مبدع الجلال، وخالق الجمال، إذ يلتقي الجمال والجلال في ذاته وصفاته، ومخلوقاته وآياته، إذ يلتمس الجلال والرهبة في قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[4].

ويتجلّى الجمال والرحمة في قوله: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.﴾[5] ويجتمع الجلال والجمال، الترغيب والترهيب، الخوف والرجاء في قوله: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[6].

ب- مفهوم الجلال

يحيلنا مفهوم الجلال إلى العظمة والهيبة والروعة، إنه شكل من أشكال الجمال عندما يصل منتهاه، ويحقّق مبتغاه من القوة والإبهار، فتشعر النفس بالغبطة والسرور، والرهبة والحبور.

والتصوف كما قلنا تعلّقٌ وحبٌّ لأصل الجمال، ومنبع الكمال، ومصدر الجلال، الذي هو الخالق، «وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال والثياب والهيئة، ويبغض القبيح وأهله، ويحب الجمال وأهله»[7].

لذلك يصبغ ما ينتجه من أقوال وأفعال وأحوال بصبغة الجمال، فالتصوف قدّم نفسه دائمًا على أنه طريق وسلوك نحو الجمال، وينطبق عليه القول: كن جميلًا وتصرف جميلًا لا ترى الوجود جميلًا فحسب، وإنما تصير جميلًا وتصل إلى أصل الجمال.

فالصوفي يُسبّح باستمرار بجمال وجلال الله، سواء في الذكر أو في الصلاة، ويسعى إلى ذلك بإخلاص العبادة، والمعرفة المباشرة، وهذا سرّ ذوقي عندهم، «فإنك إذا ذكرت الرحمن، أو سمعته من غيرك، وجدت وذقت منه مجموع صفات الجلال، من الكبرياء والعظمة والقدرة والعزة والتعالي وشدة البطش والقوة؛ وإذا ذكرت الرحيم أو سمعته من غيرك، وجدت وذقت منه مجموع صفات الجمال، من الرحمة والكرم والعطف والسلام والنعمة»[8].

كما يرتبط مفهوم الجلال بالجمال، حيث تطرّق الفلاسفة اليونان لمصطلح الجلال فاعتبره أرسطو عنوانًا للمثل الأعلى أو النموذج الأمثل، أي الكمال الذي لا ينقصه شيء، وبالتالي ما يحدثه من شعور بالرضا لجماله، وفي الوقت نفسه بالرهبة والعظمة لكماله وجلاله.

ويدرك المتصوفة علاقة الجلال بالجمال، إذ يقول الشيخ ابن عربي:

إن الجمال مهوب حيث ما كان

لأن فيه جلال الملك قد بانا

الحُسن حليته واللـطف شيمته

لذاك نشهده روحًا وريحانا

فالقلب يشهده يسطو بخالقه

والعين تشهده بالذوق إنسانا[9]

إذ يجعل ابن عربي من الجلال أثرًا من آثار الجمال عندما يتميّز بالرهبة والعظمة والإبهار والهيبة، ويفسّر ذلك بالآية الكريمة: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا﴾[10]. ومنه يفسّر ابن عربي أن الجلال تمثّل للجمال الإلهي المطلق الذي لا يضاهيه أي شيء[11].

أما ابن قيم الجوزية فيرى أن معرفة الله تكون بذلك الجمال والجلال لدى الخواص من العباد، إذ «من أعزّ أنواع المعرفة معرفة الله سبحانه وتعالى بالجمال، وهي معرفة خواص الخلق، وكلهم عرفه بصفة من صفاته، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجماله وجلاله سبحانه، ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ويكفي في جماله أنه في كل جمال ظاهر أو باطن في الدنيا أو الآخرة فمن آثار صنعه، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال»[12].

كما يقسّم ابن القيم إدراك جمال الخالق إلى أربعة أوجه هي: «جمال الذات، جمال الصفات، جمال الأفعال، جمال الأسماء»[13].

لذلك جاء في الحديث: «إن الله جميل يحب الجمال»[14]. وعليه يعرف الله تعالى بالجمال، الذي لا يماثله فيه أحد، ويطاع ويعبد بالجمال الذي يحبّه من الأقوال والأفعال والأخلاق، فيحب من عبده أن يجمّل لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة، وجوارحه بالطاعات، وبدنه بالطهارة، وإظهار النعم والخيرات[15].

هكذا يصبح مفهوم الجمال والجلال أقرب إلى الأذهان، وخاصة عند المتصوفة الذين اجتهدوا في ربطه بالمحبة، التي تبدأ بمحبة العبد للعبد، لأنها أساس الإيمان مصداقًا للحديث النبوي: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[16]. ثم تجد منتهاها في محبة الله وإخلاص العبادة له، ليصل العبد الى مقام رضا الله فتتفتح له أبواب السعادة، ويغمر بالبركات، ويزود بالكرامات، وينال أعلى الدرجات.

القسم الثاني: المرأة وتحقّق الجمال/ الغزل الصوفي

التعلّق بالمرأة كمثال للجمال الانساني أمر عرفته كل الحضارات، وتناولته كل الفلسفات، وذلك لأن المرأة عنوان الرغبة الجسدية وأصل اللذة الجنسية، التي هي من أعظم اللّذات الإنسانية، إلَّا أنها قصيرة لا تدوم، كما يرى الغزالي أن هذا الدافع طبيعي في الإنسان، وقد وُجد لسببين في اعتقاده أولهما: أنها لذة محسوسة يمكن قياس عليها لذة غير محسوسة هي لذات الآخرة، لأنها من أعظم الشهوات. وثانيهما: أنها مقصودة لبقاء النسل، وحفظ بقاء النوع الإنساني واستمرار الوجود[17].

والمرأة عنوان الخصوبة والعطاء والتناسل، ومنبع لاستمرار الحياة بالتوالد كما تتبع لذة الجنس لذات أخرى تتولّد منها، وهي لذة الأمومة والأبوة والبنوة، ومنه تنشأ العواطف والمشاعر كالحب والعشق، والعطف والحنان والرحمة، بل من علاقة الرجل بالمرأة من خلال الترابط أو الزواج تنشأ الأسرة، وبالتالي العواطف والأخلاق من مودة وتعاون وتضامن وغيرها من الفضائل.

وهي من آيات الجمال التي خلقها الله للإنسان، وجمال المعنى يستمد من قوله: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[18].

وقد ضرب الله لعباده مثلًا من الجمال الأنثوي الخالص في الجنة، حيث أكّد القرآن أنه من أعظم نعم الجنة ولذّاتها للصديقين، وعباد الله المخلصين، الحور العين، وهو الجمال الأسمى، وقد ذُكرت الحور العين أربع مرات في القرآن الكريم، وهي قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾[19]، وقوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾[20]، وقوله تعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَام فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾[21]، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ﴾[22]، كما ذُكرت بدون حور في قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾[23].

وكلها آيات تأتي على ذكر جمال نساء الجنة، ليتمتع به المخلصون من عباد الله الصالحين، وهو وصف للجمال من جهة حسية ومعنوية، كلون البياض والنقاء، والقوام المتناسق والبهاء، والعيون الكبيرة والصفاء، وطهارة النفس والحياء، والتزام التعفّف والوفاء، وهي صفات سامية وقيم جميلة تعبر عن جمال ثواب الله.

لقد تناول التصوف المرأة تناولا خاصا، وخصّ الجمال الأنثوي من خلال الغزل الصوفي الذي هو حب مستمد من الحب الإلهي، الذي هو متعدّد الأوجه فهو حب للألوهية من جهة، ولتجلياتها عبر أشكال موجودات العالم أيضًا من جهة أخرى؛ ومن هنا كان أيضًا يجمع بين الحب الالهي والروحاني والطبيعي، ما دامت كل مراتب الكون الطبيعية والروحية مجالًا للأسماء والمعاني الإلهية.

ولذلك يعتبر الصوفي أن حب المرأة جزء من الحب الكلي، وفق نظرة عرفانية تتجاوز المحسوس الى آفاق الحب الروحية، وتجلياته الشعورية العالية، متسامين في حبهم العفيف من عالم الأرض إلى عالم السماء، متّخذين من رمزية صور الجمال الحسية الإنسانية، أدوات ترقّي إلى عوالم إلهية مفعمة بالروحانية، والسمو والجمال والتعالي.

كما استطاع المتصوفة أن يرْقوا بالحب العذري، والغزل العفيف، إلى حب أسمى وأعظم هو حب الخالق من خلال مخلوقاته. وأن يرْتفعوا بصورة المرأة من كونها متاع حسي ومرغوب جنسي، وكونها جميلة ومطلوبة لجمالها، إلى أفق قُدسي، باعتبارها عنوان العطاء، ومثال الجمال والنقاء، وصورة مثلى للخير والسناء، وتجلي لجمال الخلق الإلهي والبهاء، ورمزًا للوجود ومصدرًا للحب والسخاء.

وفي هذا السياق من السمو بالمرأة واعتبارها شقيقة الرجل في الإنسانية، وأنهما سواء في الخلق وفي المسؤولية أمام الله، بل العالم الإنساني لا يتأسّس بدونها، فهما مجتمعان يضمنان بقاء واستمرار جنس البشر، إذ تأتي هذه الأبيات لابن عربي:

إن النساء شقائق الذكران

في عالم الأرواح والأبدان

والحكم متّحد الوجود عليهما

وهو المعبر عنه بالإنسان

وتفرّقا عنه بأمر عـارض

فصل الإناث به عن الذكران

من رتبة الإجماع يحكم فيهما

بحقيقة التوحيد في الأعيان

وإذا نظرت إلى السماء وأرضها

فرّقت بينهما بلا فرقـان

انظر إلى الإحسان عين واحدا

وظهوره بالحكم عن إحسان[24]

ويرفع ابن عربي من قيمة المرأة ومكانتها في المجتمع، فهي والرجل من حيث الإنسانية واحد، كما يؤكّد ابن عربي على عظمة الأدوار التي تؤدّيها المرأة، ويفرد لها مساحات كبيرة في مؤلّفاته، ويبرز مكانتها المرموقة ويدافع عنها، بل يبرّر نقائصها الطبيعية والبيولوجية، بأنها لا تنقص من إنسانياتها شيئًا، وهو موقف متقدّم له أسبقية زمنية وفكرية لدعاة حقوق الإنسان.

ولا شك أنه موقف جمالي أيضًا، ويدلّ على العلاقة الحميمية التي تربط ابن عربي بالمرأة في أدوارها المختلفة فهو يُبجّلها أمًّا، ويُعزّها أختًا، ويَعشقها حدَّ الشعر حبيبةً، ويحترمها زوجةً ويدلّلها بنتًا، ويقدّرها شيخةً ومعلمةً، ويذكرها حتى مريدة أو طالبة علم، وكل ذلك أكّدته تجارب ابن عربي مع المرأة وأرّخ له في كتبه، فقد جاء على لسانه أنه تتلمذ على شيخته فاطمة بنت المثنى، وكانت أمه نور تزوره عندها، وقد شجّعته على خوض طريق التصوف على عكس أبيه[25].

كما هام حبًّا، فأنتج شعرًا وألّف ترجمان الأشواق في حبيبته نظام، واعتبر الحب الإنساني طريقًا إلى الحب الإلهي.

القسم الثالث: الحب الإلهي وتحقّق الجلال

لقد ارتبط مفهوم الحب الإلهي في تراثنا الإسلامي بالصوفيّة، لكن مفهوم الحب الإلهي لم يكن إبداعًا صوفيًّا خالصًا، وإنما متجذر في الشرع الإسلامي؛ لأن المفهوم أول ما ورد في النصوص الشرعية، أي القرآن الكريم والحديث الشريف، حيث خاطب الحق عباده المؤمنين في عدد من الآيات بلفظ المحبة، فقد جاء في القرآن الكريم حب الله للصابرين في قوله تعالى: ﴿والله يُحِبّ الصَابِرين﴾[26] ثم أكّد محبته لصفات أخرى لدى عباده كالإحسان في قوله: ﴿والله يُحبُ المحْسِنينَ﴾[27] وعن التقوى في قوله تعالى: ﴿فَإنّ الله يُحبُ المتَقينَ﴾[28] وعن التوبة والطهارة في قوله: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[29].

ثم جاءت كلمة المحبة لقوم يأتي بهم الله، إذا بدَّل المؤمنون دينهم، بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[30]، ويبيّن الحق بالطريقة نفسها الصفات التي يكرهها في عباده، حيث يحْرم محبته عن الظالمين، والمفسدين، والكافرين، والمختالين والمعتدين... وهم المتصفون بالصفات السيئة والرذائل، والعجيب.

لقد تكرّرت صيغة (إن الله يحب) و(إن الله لا يحب) في القرآن الكريم بالعدد نفسه، أي 16 مرّة، وإذ يدل ذلك على الاتّساق والتوازن، وهي لمحة جمالية من جهة، ومن جهة أخرى حدّدت الفضائل التي يحُبها، والرذائل التي يكرهها الله في عباده، وهي بذلك تحدّد الطريق الذي يجب أن يسلكه المؤمن لينال محبة ربه.

وقد استمد المتصوفة من ذلك المنهج الذي يسلكونه لتحقيق محبة الله، وتجنّب عقابه، وجعلوا من تلك الصفات مقامات يرقى اليها المتصوف، وخاصة الصبر والإحسان، والتقوى والتوبة وغيرها.

أما الأحاديث التي تناولت المحبة فكثيرة وكانت تؤكّد ما جاء في القرآن الكريم، وتشدّد على أنه لا يؤمن المسلم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فأسّست للمحبة بين العباد.

ومن خلال ما سبق جاء تأكيد القشيري على أن: «المحبة حالة شريفة شهد الحق سبحانه بها للعبد، وأخبر عن محبته للعبد، فالحق سبحانه يوصف بأنه يحب العبد، والعبد يوصف بأنه يحب الحق سبحانه»[31].

إن الكلام عن محبة الله لعباده تعني الطاعة والتحلّي بالفضائل، كما هو جلي في الآيات الكريمة، وفي الوقت نفسه التخلّي عن الرذائل، ولكن هل يمكن أن تكون علاقة المحبة متبادلة، أي إن يحب العبد ربه كما يحب الله عبده؟

بطبيعة الحال لا يوجد تكافؤًا فيما بينهما، فإن حب الله للإنسان ليس كحب الإنسان لله، فهناك دائمًا الجانب الأعظم والأعلى في هذا الحب وهو الله تعالى، وهناك العبد والمعبود، الخالق والمخلوق، وقد ورد في القرآن الكريم ﴿لَيْسَ كَمِثْلهِ شَيْء﴾[32]، فقد نزّه الله ذاته عن التشبيه، أو أن يوصف بما يوصف به البشر، ومنه يُفهم من محبة الله لعباده في رضاه عليهم، ومحبتهم إياه في طاعته والالتزام بأوامره.

لأن ما ينطبق على مستوى السلوك الإنساني وضمن الحدود البشريّة لا يصح اعتماده على المستوى الإلهي، فمصطلح حب الله يُفهم في هذه الحدود بين المطلق والنسبي، بين الخالق والمخلوق، وهو ما أدركه منظرو التصوف حيث يقول القشيري: «وليست محبة العبد له سبحانه متضمّنة مَيلًا، ولا اختطاطًا، كيف وحقيقة الصمدية مقدّسة عن اللحوق والدرك، والإحاطة»[33].

فالإنسان ليس بيده سوى الطّاعة التي يجب عليه أن يقدّمها لله تعالى. فإذا كانت دعوة الحق إلى المحبة، فليبادر الإنسان إلى تحقيق محبة الخالق بطاعة أوامره والقيام بها على أكمل وجه. فمحبة الله رحمة مهداة لعباده ينبغي أن تُذكر، ونعمة مسداة يجب أن تُشكر، وذلك لتحقيق العبودية لله والخضوع لأوامره، والرضا بقدره.

وكما أكّدت الآيات حب الله لعباده المخلصين الملتزمين بالفضائل، أكّدت آيات أخرى أمر الله لعباده بأن يُحبّوه، في قوله تعالى: ﴿قُل إنْ كُنتُم تُحبّونَ الله فاتّبِعُوني يُحبِبْكُم الله﴾[34]، وقوله أيضًا: ﴿ومِن النَاسِ مَن يتّخِذ مِن دُونِ الله أنْدَادًا يُحِبُونهَم كَحُب الله والذِين آمَنُوا أشَدّ حُبًّا لله﴾[35]. إذن محبة الله هي في طاعة العباد له، والامتثال لأوامره وتجنّب نواهيه.

لقد جعل الصوفيّون مكانة مهمّة للحب الإلهي في فلسفتهم، باعتباره أرقى أنواع السلوك الذي يجب على المتصوف التزامه، إذا أراد أن ينجح ويترقى في مراتب التصوف، ولذلك أفردوا في مؤلّفاتهم مجالات واسعة لشرح أو تعريف الحب الإلهي ومنزلته عندهم، ولعلّ ذلك ممّا ميّزهم عن غيرهم من الفرق الإسلامية، حيث تنوّعت النصوص الصوفية في الحب الإلهي، بين النثر والشعر، وسنتطرّق لنماذج من ذلك.

لذلك عُدّت المحبة من مقامات الصوفية العالية، التي يتطلّب تحقيقها ترّقٍ في المراتب ومجاهدات كثيرة، حتى يهب الله عبده تلك الدرجة. قال أبو طالب المكي: «إن المحبّة أكمل مقامات العارفين... وهي إيثار من الله تعالى لعباده المخلصين... فالمحبة تكون هبة من الله تعالى لأصفيائه من الأولياء، وهي أكمل أنواع المقامات التي يحقّقها المؤمن، وكل مؤمن بالله فهو محب لله، ولكن محبته على قدر إيمانه، وكشف مشاهدته، وتجلّي المحبوب له على وصف أوصافه»[36].

يعلم الإنسان أنّ الله يراه وهو يعمل، ويسجّل عليه أعماله، فمن عمل صالحًا بتقرّبه لله حظي بحبّه، ويجب على الإنسان أن يرد هذا الحب بالإخلاص لله تعالى، عن طريق الحب أيضًا؛ لأن الحب هو شكل من أشكال التعبير عن الشكر، والله هو أحق ما يجب على الإنسان أن يشكره على نعمه الكثيرة التي منحها للإنسان، وأهمّها نعمة الإيمان.

ويدخل الإنسان في حال المحبة التي يصفها الطوسي بأنها هي حال «لعبد نظر بعينه إلى ما أنعم الله به عليه، ونظر بقلبه إلى قرب الله تعالى منه وعنايته به، وحفظه ومكافأته له، فنظر بإيمانه وحقيقة يقينه إلى ما سبق له من الله تعالى من العناية والهداية، وقديم حب الله له، فأحب الله عزّ وجلّ»[37].

يقول الطوسي: إن أهل المحبة في ثلاثة أحوال: الحال الأوّل هو محبّة العامة، وهذا ناتج من إحسان الله إليهم وعطفه عليهم. والحال الثاني وهو يتولّد من نظر القلب إلى غناء الله وجلاله وعظمته وعلمه وقدرته، وهذا النوع من الحب يصل إليه الصّادقون والمتحقّقون. أما النوع الثالث من الحب فهو محبّة الصديقين والعارفين، تولّدت من نظرهم ومعرفتهم بقديم حب الله تعالى بلا علّة، فكذلك أحبّوه بلا علّة[38].

إن الحال الثالث من تصنيف المحبين عند الطوسي ينطبق تمامًا على الصوفيّ؛ لأن الصوفي إذا أحب الله، فإنه لا يحبه لغرض بنفسه، فهو قد هجر الدنيا بما فيها، وتحوّل إلى حال الزهد، ولم يبقَ له في هذه الدنيا ما يحبها، فكان حبّ الله هو البديل الأسمى له، ومن كان سعيه لله فقد أمن على نفسه في الدنيا والآخرة.

لذلك فالمحبة عنصر مهم في التجربة الصوفية لأنها تقوم بها، فلا تصوف بدون محبة، ومحبة الله هي أساس التصوف وسرّه، ويعتقد الصوفية أنهم أقرب في عبادتهم إلى التوحيد الذي هو أساس الإسلام، والتوحيد يتطلّب محبة الله، وصفاء النفس وإخلاص النية لله.

كما يتكلّم الغزالي عن المحبة مبيّنًا حقيقتها وأسبابها وشروطها، إذ لا تحصل المحبة إلَّا بالإدراك والمعرفة، وعليه فالإنسان يحب ما يحقّق له لذة حسية أو معنوية، كما يحب نفسه وكل ما يرتبط بها، كما يميل بطبعه إلى محبة الحسن والجمال، ولكن المستحق للمحبة هو الله، وذلك هو الحب الحقيقي؛ لأنه هو حب الأصل[39].

ويركّز المتصوفة على الحديث الذي يعتبرونه أساسًا في بناء علاقة التقرّب والتعبّد ونيل محبه الله، حين يستقيم العبد ويعمل لأجل ذلك، حتى يقرّب الله عبده ويصطفيه بكرمه وجوده، ويغدق عليه من خيره ونعمه، فيصير عبدًا من عباده الصالحين الذين إذا دعوا الله أستجاب لهم، واذا سألوه أعطاهم، وإذا تمنوا عليه أبرّهم، ومنطوق الحديث عن أبي هريرة إذ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ ممّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته»[40].

كما يؤسّس التصوّف على المحبة التي تبدأ بين العبد ومخلوقات الله، لتترقّى بتصفية القلب من غير الله، وتحليته بذكر الله للوصول الى محبة الخالق، التي هي أصل كل محبة عند المتصوفة، لذلك لقد تركوا تراثًا مهمًّا في العشق الإلهي، والوجد وفيض المحبة، إذ تذوب الفواصل بين النسبي والمطلق، وتختصر المسافات، وتتحقّق المقامات.

إذ يعبّر الصوفي عن ذلك المقام، فيقول الحلَّاج مثلًا:

رأيت ربي بعـين قلبي

فقلت: من أنت؟ فقال: أنت

فليس لأيـن منـك أين

وليس أيـن بحـيث أنت

وليس للوهم منك وهـم

فيعلـم الوهـم أين أنت

أنت الذي حوت كل أين

بنحو لا أيـن فأين أنت؟

فـفي فنائي فنى فـنائي

وفي فنائي وجـدت أنت

أشار سرّي إلـيك حتى

فنيت عني ودمـت أنت

أنت حياتي وسـرّ قلبي

فحيـثما كنتُ كنتَ أنت[41]

ويتنافس المتصوفة في حب الله، والتعلّق به، إذ سئلت رابعة العدوية (ت185ﻫ) ما حقيقة إيمانك قالت: «ما عبدته خوفًا من ناره، ولا حبًّا لجنّته فأكون كالأجير السوء، بل عبدته حبًّا له وشوقًا إليه، وقالت في معنى المحبة نظمًا:

أحبك حـبّين: حب الهـوى

وحـب لأنـك أهـل لـذاكا

فأما الذي هو حب الهـوى

فشغلي بذكـرك عمَّا سـواكا

وأمـا الذي أنت أهـل لـه

فكشفك لي الحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي

ولكن لـك الحمد في ذا وذاكا»[42]

ويقول: ابن الفارض (576/ 632ﻫ) في أبيات خيالية مفعمة بالجلال والجمال، متجاوزة نطاق الزمان والمكان، تذوب رقّة وعاطفة وأحلامًا.

ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا

سرّ أرقّ من النسيم إذا سرى

وأباح طـرفي نظـرة أمَلْتُه

فغدوت معروفًا وكنت منـكرا

فدهشت بين جمـاله وجلالـه

وغدا لسان الحال عني مخـبرا

فأدر لحاظك في محاسن وجهه

تلقى جميع الحسن فيه مصـورا

لو أن كل الحسن يكمل صورة

ورآه كـان مهـللا ومـكـبرا[43]

كما يقول سمنون المحب أبياتًا جميلة في الوجد:

هبني وجدتك بالعلوم ووجدها

من ذا يجدك بلا وجود يظهر

أيقظتني بالعلم ثم تركتني

حيران فيك ملددًا لا أبصر

يا غائبًا والدهر يبرز عزّه

ما لاح منك صغيره قد يبهر

قد كنت أطرب للوجود مروعًا

طورًا يغيبني وطورًا أحضر

أفنى الوجود بشاهد مشهوده

يفني الوجود وكل معنى يحضر

وطرحتني في بحر قدسك سابحًا

أبغيك منك بلا وجود يظهر[44]

المتأمّل للشعر الصوفي يدرك أن الجمالية موجودة في الغرض والموضوع والرمزية، على الرغم من أن الصوفية لم يكونوا شعراء بالفطرة، ومع ذلك كان الكثير من شعرهم جميل لأنهم استخدموا الشعر للتعبير عن تجربة حقيقية عاشوها، لذلك كان صادقًا، ووصف الحال والمآل، وعبّر عن مذهبهم بأجمل الأقوال.

وإن كان الصوفية يحذرون من سوء فهم لتلك الأشعار لأن فيها ما هو مباشر مفهوم، ومنها ما هو غامض مبهم، وهناك إشارات وتجلّيات لا يعرف حقيقتها إلَّا أصحابها؛ إذ «فيها ما هي مشكلة، وفيها ما هي جليّة، ولهم فيها إشارات لطيفة، ومعانٍ دقيقة، فمن نظر فيها فليتدبرها حتى يقف على مقاصدهم؛ ورموزهم؛ حتى لا ينسب قائلها إلى ما لا يليق بهم... لأن لكل مقام مقالًا، ولكل علم أهلًا»[45].

خاتمة

لقد بيّنا أن التصوف يربط علاقته بأصل ونبع الجمال، وبالتالي تصبح أفعال التصوف سعيًا إلى الجمال وتعلّقًا به، ومنه ينتج الجمال من الأفعال والأقوال التي يصنعها المتصوفة في مجاهداتهم ومكابداتهم. كما ينتج الجلال من الجمال حين يبلغ درجة من الرهبة والقوة والإبهار.

لذا يتدرّج المتصوفة من حب المحسوس إلى حب المعقول، ومن المحبة الحقة لكل الموجودات، يتحقّق حب مُوجد الوجود، حين تتقلّص الحدود، ويترقّى الصوفي في الصعود، بعد أن يلتزم العهود، ويمنح الجود ويبذل الجهود، للوصول إلى عالم الشهود، ويحقّق ما كان به موعود، فالتصوف في حدّ ذاته يتأسّس على المحبة الحقّة، التي هي حب الله، الذي تنتج منه كل أنواع الحب الأخرى.

لقد تدرّج الصوفية من الحب الحسي للموجودات، إلى الحب المطلق الذي هو حب موجد الوجود، ولا يتحقّق ذلك إلَّا إذا أخلص الإنسان في حبه، وعمّر قلبه بالفضائل وصفّى نفسه من الرذائل.

ويحصل أن يلتمس الجمال والجلال في المحبة الحقّة، وكما ذكرنا في البداية لقد أردنا أن نثبت وجود جمالية ترتبط بالمحبة في التجربة الصوفية.

ونعتقد أننا أشرنا إلى أن التصوف يؤسّس على تمثُّل الجمال والسعي إلى الجلال، وقد أكّدنا على أن الخطاب الصوفي خطاب جمالي بامتياز؛ لأنه يمثّل في اعتقادنا اجتهادًا في البحث عن الحقيقة بطلب الجمال والجلال، والبحث عن الحق دومًا طريق صعب، طويل محفوف بالمخاطر، كما يبقى وارد جدًّا في أي اجتهاد الإصابة أو الخطأ.

المصادر والمراجع

القرآن الكريم:

موسوعة السنة النبوية:

1.    ابن عربي، الفتوحات المكية، تحقيق وتقديم: عثمان يحيى، 4 أجزاء، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ب ت.

2.    ابن عربي، الفتوحات المكية، دار صادر، بيروت، ب ت.

3.    ابو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، 4 أجزاء، عالم الكتب، دمشق، ب ت.

4.    أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق: عبد الحليم محمود وآخرون، مؤسسة مطابع دار الشعب، القاهرة، 1989.

5.    أبو طالب المكّي، قوت القلوب، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1961.

6.    ابن قيم الجوزية، الفوائد، دار الريان للتراث، ط1، القاهرة، 1987.

7.    أبو نصر السراج الطوسي، اللمع، تحقيق وتقديم: عبد الحليم محمود وآخرون، دار الكتب الحديثة، دار المثنى، القاهرة- بغداد، 1960.

8.    الحسين بن منصور الحلاج، الديوان، تحقيق: كامل مصطفى الشيبي، وزارة الاعلام العراق، 1974.

9.    نجم الدين كبرى، فوائح الجمال وفواتح الجلال، تحقيق: يوسف زيدان، دار سعاد الصباح، ط 1، الكويت، القاهرة، 1993.

2) المؤلفات:

10.  أرنولد ألن نيكلسون، التصوف، بحث في تراث الإسلام، تأليف جمهرة من المستشرقين بإشراف: توماس أرنولد، تعريب: جرجيس فتح الله، دار الطليعة، ط3، بيروت 1978.

11.  جوزيف شاخت وآخرون، تراث الإسلام ترجمة: حسين مؤنس وآخرون، عالم المعرفة، عدد 12، ج 2، الكويت، 1978م.

 

 

 

 



[1] انظر: صالح أحمد الشامي، الظاهرة الجمالية في الإسلام، ج 1، بيروت- دمشق: المكتب الاسلامي، ط 1، 1986.

 

[2] ينظر: أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، دمشق: دار الكتب، ب ت،ج 4، ص 256-257.

 

[3] ينظر: صالح أحمد الشامي، مرجع سابق، ص 26.

 

[4] سورغافر، آية: 22.

 

[5] سورة التوبة، آية: 22.

 

[6] سورة فصلت، آية: 53.

 

[7] ابن قيم الجوزية، الفوائد، القاهرة: دار الريان للتراث، ط1، 1987، ص250.

 

[8] نجم الدين كبرى، فوائح الجمال وفواتح الجلال، تحقيق ودراسة: يوسف زيدان، الكويت - القاهرة: دار سعاد الصباح، ط 1، 1993، ص 201.

 

[9] ابن عربي، الفتوحات المكية، بيروت: دار صادر، ب ت، ص 540.

 

[10] سورة الأعراف، آية: 143.

 

[11] ابن عربي: مصدر سابق، ص 540.

 

[12] ابن قيم الجوزية: مصدر سابق، ص 248.

 

[13] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

 

[14] رواه مسلم في صحيحه برقم: 131، عن ابن مسعود.

 

[15] ينظر: ابن القيم، مصدر سابق، ص 253.

 

[16] حديث صحيح،  رواه مسلم والبخاري، عن أنس بن مالك.

 

[17] ينظر: الغزالي، الإحياء، ج 3، ص 85.

 

[18] سورة الروم، آية: 21.

 

[19] سورة الدخان، آية: 54.

 

[20] سورة الطور، آية: 20.

 

[21] سورة الرحمان، آية 74.

 

[22] سورة الواقعة، آية: 22.

 

[23] سورة الصافات، آية: 48.

 

[24] ابن عربي، الفتوحات المكية، تحقيق وتقديم: عثمان يحيى، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ب ت، ج 3، ص87.

 

[25] ينظر: ابن عربي، الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج2، ص248.

 

[26] سورة آل عمران، آية: 146.

 

[27] سورة آل عمران، آية: 134.

 

[28] سورة آل عمران، آية: 76.

 

[29] سورة البقرة، آية: 222.

 

[30] سورة المائدة، آية: 54.

 

[31] أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق: عبد الحليم محمود وآخرون، القاهرة: مؤسسة مطابع دار الشعب، 1989، ص 519.

 

[32] سورة الشورى، آية: 11.

 

[33] القشيري، مصدر سابق، ص 520.

 

[34] سورة آل عمران، آية: 31.

 

[35] سورة آل عمران، آية: 36.

 

[36] أبو طالب المكّي، قوت القلوب، القاهرة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1961م، ج1 ، ص 50.

 

[37] الطّوسي، الّلمع في تاريخ التصوّف الإسلامي، ضبطه وصحّحه: كامل مصطفى الهنداوي، بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 2001، ص 54.

 

[38] ينظر: المصدر والصفحة نفسها.

 

[39] أبو حامد الغزالي، الإحياء، مصدر سابق، ج4، ص 257-258.

 

[40] حديث صحيح، رواه البخاري عن أبي هريرة، تحت رقم 6137.

 

[41] الحسين بن منصور الحلاج، الديوان، تحقيق: كامل مصطفى الشيبي، العراق: وزارة الاعلام، 1974، ص 26.

 

[42] الغزالي، الإحياء، مصدر سابق، ج 4، ص 266-267.

 

[43] أرنولد ألن نيكلسون، التصوف بحث في تراث الإسلام، تأليف جمهرة من المستشرقين بإشراف توماس أرنولد، تعريب: جرجيس فتح الله، بيروت: دار الطليعة، ط3، 1978، ص336.

 

[44] الطوسي، اللمع، مصدر سابق، ص 321.

 

[45] المصدر السابق، ص 327.