أثر المنابع الثقافيّة والحركيّة على الاجتهاد الفقهي
عند الدكتور عبد الهادي الفضلي
حسين منصور الشيخ*
* كاتب من السعودية.
مقدّمة
مع بدايات القرن الهجري الثاني أُسِّسَت العديد من العلوم الإسلامية التي مثّلت حينها ضرورةً لبناء المجتمع المسلم معرفيًّا ومدنيًّا. وقد ترافق تأسيس هذه العلوم مع انفتاح المجتمع المسلم على معطيات الحضارة اليونانية عن طريق ترجمة تراثها الفكري والعلمي.
ولعلّ من أبرز ما ساهم في تقعيد وتنظيم تلكم العلوم: الإفادة من المنطق الأوروسطي الذي شكّل في حينها -ولقرون متطاولة- المنهج العلمي للبحث والدراسة، والأساس في تبويب العلوم وتقسيم مسائلها وآلية الاستدلال فيها.
ومن شواهد تأثُّر العلوم الإسلامية بالآلية المنطقية والعُقَلائية في التبويب: التقسيم الحالي لأبواب الفقه، إذ يُقسَّم إلى: عبادات، وعقود، وإيقاعات، وأحكام.
وقد بُوِّبَت هذا التبويب اعتمادًا على التقسيم الثنائي القائم على الترديد بين الإيجاب والنفي، فالأحكام الفقهية: إمّا متعلّقة بالآخرة أو لا، فالأولى هي أحكام العبادات، والأخرى: إمّا أن تحتاج إلى عبارات لفظية محدّدة أَوْ لَا، فالثانية هي: الأحكام، والأولى: إما أن يُشترط فيها وجود طرفين أَوْ لَا، فالأولى: العقود، والثانية: الإيقاعات. ويمكن تمثيلها بالتشجير التالي:
وهذا النوع من التقسيم، كما يظهر، عقلي بحت لم يُبْنَ اعتمادًا على الواقع الفقهي واستجابة لطبيعته التشريعية. إذ من المفترض أن تُبحَثَ مسائل الزواج، مثلًا، وهي من المسائل المتعلّقة بالأسرة في الباب ذاته الذي تُبحث فيه مسائل الطلاق، ولكنّ، لأنّ الزواج لا ينعقد إلَّا بطرفين، يُبحَثُ في العقود، بينما الطلاق، لأنه ينعقد بطرفٍ واحد، يُبحَث في باب الإيقاعات.
ولم ينحصر التأثُّر بالتبويب، وإنما طال العديد من آلية الاستدلال ومعالجة المسائل الفقهية.
ولا غرابة في ذلك، وبخاصّة مع بدايات تأسيس هذه العلوم، إذ لا منهج علميًّا متداولًا سوى المنطق الأوروسطي في حينها، فلا يمكن عزل العلوم عن ظروف نشأتها وتكوُّنها.
وكان تأثُّر هذه العلوم نابع من تأثُّر رجالاتها بالثقافة اليونانية الوافدة، وكذلك بسبب هيمنة بعض العلوم على بعض، كما هي الحال مع علم الكلام الذي كان لحداثة نشأته مقارنةً مع كثير من العلوم الإسلامية، وكذلك نظرًا لحالة الشحن الكلاميّة المتبادلة بين الفرق الإسلامية دور في هيمنته على مجموعة من مسائل علم الأصول، مثلًا.
ولذلك تتأثر النتائج العلمية بالمنهج الذي عُولجت به، وكذلك تتأثّر بالثقافة التي ينتمي إليها المتخصّص، وإن كان العلم يحتكم إلى مجموعة من القواعد والأسس العلمية التي فترق بها عن بقية الحقول العلمية الأخرى.
وهذه الأخيرة هي محور الدراسة التي تعالج دور المنابع الثقافية والحركية في الاجتهاد الفقهي لدى الدكتور عبدالهادي الفضلي (رحمه الله)، وذلك انطلاقًا من نقاط رئيسة ثلاث، هي: تأثُّر الفقيه بالخلفية الثقافية التي ينتمي إليها في معالجة المسألة الفقهية، وشواهد على بعض المنابع الثقافية وأثرها في الاجتهاد الفقهي عند العلامة الفضلي، وأخيرًا، دور المنابع الحركية في الاجتهاد الفقهي عند العلامة الفضلي.
أولًا: الحضور الثقافي وأثره في الاجتهاد الفقهي
لكل علمٍ من العلوم قواعده وأسسه التي تُبنى من خلالها مسائله وقضاياه، وكذلك مجموعة المعارف والعلوم التي يرتكز عليها في التأسيس لتلكم المسائل والاستدلال على صحّتها.
ولكنّ هذه الأسس وتلكم المعارف لا تعطي المعالجة والنتيجة ذاتها لدى كل باحث ومختص في الحقل العلمي الذي ينتمون إليه، وإنما لكلّ مختصّ أدواته وآليات معالجته وطرقه التي قد تعطي نتائج مغايرة لمختص آخر عالج المسألة نفسها، تصل في بعض حالاتها إلى درجة التضادّ. وما ذلك إلَّا لمجموعة من العوامل، لعلّ من أبرزها: الخلفية الثقافية التي يرجع إليها كلٌّ من المختصّين.
وهو أمرٌ ينطبق على جميع العلوم تقريبًا، بما فيها علم الفقه، فقديمًا قسّموا الفقهاء إلى: فقيه ذوقي يلتمس في معالجة المسائل الفقهية الذوق العرفي والفقهي، وآخر صناعي يتوسّل القواعد الفقهية والأسس العلمية بآلية وحَرْفية مبالغة، فيعالج المسألة صناعيًّا.
وهي من النقاط التي يثيرها الدكتور الفضلي في أكثر من مناسبة، فيذكر -أثناء حديثه عن ظهور المعاني من النصوص الشرعية- أهمية الرجوع إلى العرف لتحديد مفهوم النصّ، ذلك أنّ «الذي يتحكّم في هذا الفهم العرفي هو ما يمتلكه الفقيه من ذوق أدبي يوقفه على نكت التعبير ودقائق التركيب اللفظي، كما أنّ الذي يحكّم فيه هو ما يحمله الفقيه من حسٍّ اجتماعي يدرك به عرفيات النص التي يضيفها الاستعمال الاجتماعي على مغزاه ومؤدّاه التي هي فوق القواعد، والتي هي من نتائج الطريقة الاجتماعية العرفية في التعامل مع الصياغات الكلامية ودلالاتها، ومن هنا نُعِتَ هذا الفقيه بالفقيه الذوقي»[1].
ثمّ يضيف الدكتور الفضلي معلّقًا: «ومن الواضح أنّ الفقيه الذوقي هو الأقرب إلى طبيعة وواقع فهم النصوص الشرعية»[2].
وهي نقطة يعيد الحديث عنها أثناء تناوله مشكلة التعارض بين الأحاديث، فيذكر أنّ من عوامل استطاعة الفقيه فكَّ التعارض بينها: «مستوى فهم وثقافة الفقيه ومدى سلامة منهجه عند التعامل مع النص، ويعتمد هذا اعتمادًا كبيرًا على التالي:
1) فهم اللغة العربية: تاريخها وعلومها وآدابها وبخاصّة النحو والدلالة والمعجم.
2) دراسة النص في إطار ظروفه التي ولد فيها.
3) دراسة النصّ مرتبطًا بالواقع التطبيقي له كمادّة تحمل حكمًا شرعيًّا.
4) وأعني بهذا النظرة إلى الفقه الإسلامي كنظام حياة وُظِّفَ لتنظيم علاقات الإنسان بالله وبالمجتمع والدولة.
5) الذوق الأدبي والفني لإدراك النكت العلمية والدقائق الفنية في النص.
6) التعامل مع النص كمفردة من مفردات الكلام الاجتماعي، لا وحدة خاضعة للتحليل الكلامي أو الفلسفي.
إن اختلاف المستوى بين الفقهاء من حيث الفهم والثقافة عامل آخر ومهم من عوامل حصول التعارض»[3].
وتطبيقًا لهذه الفكرة التي يعرضها الدكتور الفضلي، يذكر بعض الأمثلة لتأثُّر الفقهاء نظرًا للخلفية الثقافية التي ينتمون إليها، ومن الأمثلة على ذلك حديثه عن تأثُّر الشريف المرتضى في وضعه لكتابه (الذريعة إلى أصول الشريعة)، الذي يُعدّ من أوائل الكتب الأصولية الإمامية، بما سبقه من تجارب وبما لديه من ثقافة، يقول الدكتور الفضلي بعد استعراضه للمصادر الأصولية السنّية التي رجع إليها: «وأمرٌ طبيعي أن تكون نسبة المراجع السنية فيه أكثر من المراجع الإمامية؛ لعدم وجود مؤلّفات في أصول الفقه الإمامي غير مختصر أستاذه الشيخ المفيد، فلا غنى له حينئذٍ عن أن يستفيد في التبويب لمواد أصول الفقه، ومسالك البحث فيها فنيًّا من تجارب سابقيه. وأيضًا لا غرابة أن نجده يتأثَّر بالجوّ الفكري المهيمن آنذاك على المؤلّفات الأصولية، حيث طُبِعَت بطابع احتواء علم الكلام لعلم الأصول، وبخاصّة أنه من أعلام المتكلّمين والمؤلّفين فيه»[4].
وفي مثالٍ ثانٍ، يذكر الشيخ الفضلي في إحدى محاضراته قصّة الاختلاف حول تحليل اقتناء جهاز (الراديو) بدايةَ دخوله الأسواق العراقية، فيقول حول هذه القصّة: «كان من المجالس المميّزة التي حضرتها آنذاك، بخصوص مسألة اقتناء الراديو مجلس المرجع الديني الشيخ محمد رضا آل ياسين (رحمه الله) الذي يعدّ من أبرز مراجع الحوزة الدينية في ذلك الوقت. وكان حضوري برفقة سماحة الوالد، وكان ذلك في مجلس الإفتاء الذي يشرف عليه الشيخ آل ياسين. وفي ذلك المجلس أشار الشيخ إلى أنه قد ورده استفتاء حول جواز اقتناء الراديو، وسأل طلابه أعضاء مجلس الإفتاء عن رأيهم، فتنوّعت آراؤهم بين المؤيِّد والمعارض والبين بين. وكان يناقش صاحب كلّ رأي، ما دفع بأكثرهم إلى التوقّع بأن الشيخ سيفتي بجواز اقتناء الراديو في نهاية المطاف. وبسبب ذلك اندفع أحد المؤيّدين للإفتاء بالحرمة وخاطب الشيخ بشيء من الحدّة وأنه يجب أن يفتي بالحرمة لئلَّا يشيع استعمال أمثال هذه الأجهزة في النجف وبين أيدي المؤمنين المتدينين. وهنا كان للشيخ محمد رضا آل ياسين موقف حازم تجاه مثل هذه المواقف المتشدّدة، إذ خاطب ذلك الطالب بأنه لن يفتي بالحرمة، ويجب أن يُعطى هذا الموضوع ما يتناسب وحكمه الشرعي، شارحًا رأيه بأن الراديو يعدّ من قبيل الوسائل العادية المستعملة بصورة يومية، ففي حال كان استعمالها في الوجه المحلّل، كان اقتناؤها محلّلًا، وإن كان الاستعمال في المواد المحرّمة، فهو محرّم»[5].
ثمّ يعلّق الدكتور الفضلي على هذه الحادثة بقوله: «وتعليقًا على هذه القصة، نجد أن الروحية التي تعامل بها الشيخ محمد رضا آل ياسين قد ترجع في جانب كبير منها إلى الخلفية الفكرية والتربوية التي نشأ عليها الشيخ، فهو من الكاظمية، وأهالي الكاظمية غالبًا ما يتردّدون على بغداد كما يتردّد أهالي بغداد على الكاظمية. ومن يعيش في العاصمة تكون فرصته في الانفتاح على الأجواء العالمية وما يرافق ذلك من تنوّع فكري وثقافي أكبر، ولا يبعد أن يكون لذلك مدخليته في فهم الموضوعات وإعطائها الحكم الذي يتناسب ومتغيّرات العصر»[6].
ونختم الأمثلة بمثالٍ ثالثٍ وأخير، وذلك أثناء حديثه عن السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) وإفادته من انفتاح المجتمع النجفي على الثقافات المعاصرة وأثر ذلك على تطوير الدرس الأصولي، إذ يقول حول ذلك: «عندما انفتحت الدراسة الحوزوية في النجف الأشرف على نظريات ونتائج العلوم الاجتماعية الحديثة، أفاد منها العلماء المتطلّعون لتطوير مناهج الدراسة في الحوزة العلمية لتكون بمستوى مقتضيات المعاصرة.
وعوامل هذا:
- قراءة الدوريات العلمية.
- قراءة الكتب والدراسات في العلوم الحديثة.
- إنشاء كلية الفقه وإدخال أكثر من علم من العلوم الاجتماعية في برنامجها الدراسي، أمثال: علم الاجتماع، وعلم النفس، والتربية وأصول التدريس، والتاريخ الحديث، والفلسفة الحديثة، وعلم القانون من خلال نظرية الالتزام، وتاريخ الأدب العربي.
وكان من أولئك العلماء الحوزويين المتطلّعين للتطوير، وهم قلة جدًّا، أستاذنا الشهيد الصدر»[7].
ثمّ يضيف الفضلي: «كانت العوامل المشار إليها فيما تقدّم قد هيّأت لأستاذنا المفكر المربي أن ينطلق في تطوير الدرس الأصولي ليضعه في موضع المعاصرة المطلوبة له»[8]، ويعدّد بعدها مجموعة من النواحي التي جدّد فيها الشهيد الصدر أصوليًّا، وهي:
- تجديده في تصنيف المواد الأصولية.
- تجديده في إضافة عنصر التطبيق الأصولي.
- تجديده في توسيع دائرة علاقة الأصول بالعلوم الأخرى[9].
ثانيًا: الدكتور الفضلي: منابعه الثقافية وأثرها على اجتهاده الفقهي
لا تُعَدُّ مسألة انفتاح الباحث ضمن حقل معرفيٍّ مّا على معطيات الحقول العلمية الأخرى والإفادة منها خلَلًا منهجيًّا بقدر ما هي إثراء لذلكم الحقل وتجديد فيه في أحيانٍ كثيرة، وهي نقطة يضيء عليها عالم الأحياء الألماني آرنست ماير في كتابه «هذا هو علم البيولوجيا»، إذ يقول بهذا الشأن: «إن الإلمام بما يجري خارج مجال تخصّص الفرد كثيرًا ما يكون هو العامل الحاسم في إحراز تقدّم معرفي. وفي أحوال كثيرة تظهر توجّهات جديدة للبحث عندما يخطو المتخصّص خطوة إلى الخلف تخرجه من دائرة تخصّصه، لكي يرى هذا التخصّص جزءًا من محاولة كبرى لتفسير عالم الأحياء بكل تباينه المدهش»[10].
ولذلك يُحسب للدكتور الفضلي إفادته العلمية من الحقول التي طرقها أثناء تناوله للمسائل الفقهية، ويمكن الإضاءة على مجموعة من الشواهد، وذلك انطلاقًا من العناوين التالية:
1) اهتماماته اللغوية وحضورها في البحث الفقهي:
منذ أن التحق الدكتور الفضلي مدرِّسًا في كلية الفقه التابعة لجمعية منتدى النشر بالنجف الأشرف، انشغل بالدرس اللغوي، فكان مدرّسًا للنحو والصرف العربيين، ووضع في ذلك كتابيه: «مختصر التصريف»، و«مختصر النحو». كما أنه يحمل شهادتي الماجستير والدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، ويضاف إلى ذلك نشره للعديد من الدراسات والكتب اللغوية.
وقد أفاد كثيرًا من الدرس اللغوي في معالجة المسائل الفقهية، ويعود ذلك إلى بدايات كتاباته الفقهية، ففي بحثه المنشور بمجلّة النجف، العدد 7، عن شهر ذي القعدة 1382ﻫ الموافق لشهر نيسان/ أبريل 1963م، عن المضاربة ودورها في تداول وتوزيع الثروة، يقول –مقارنًا بينها وبين الشركة كعنوانَيْنِ فقهيَّيْنِ متغايرين-: «في لغة العرب، لا يقتصر (باب المفاعلة) على معنى المشاركة المشار إليه، وإنما يعمّ صدور الفعل من طرف واحد أيضًا، كما في أمثال: المسارعة، والمتابعة، والموافقة، والمطاوعة، والمسالمة، وما شاكلها»، ثمّ يعقّب مستفيدًا من هذه المعلومة الصرفية بقوله: «الشركة معاملة بذاتها، لها مقوّماتها وخصائصها التي تفترق بها عن المعاملات الأخرى، وأن المضاربة معاملة أخرى غيرها، تتميّز بمقوماتها وخصائصها أيضًا؛ لأنّ مجرّد الالتقاء بينهما من وجه –وهو الاشتراك في الربح هنا– لا يتأتى مبرّرًا لاعتبار إحداهما نوعًا من الأخرى»[11].
وفي مثالٍ ثانٍ، أثناء حديثه عن دلالة الكلمة في دروسه الأصولية، وبحثه عن حروف الجرّ ودلالاتها في النصوص الشرعية، يقول: «في ضوء ما انتهينا إليه من أنّ حروف الجرّ لا تحمل معنى، ولكن لها وظيفة، يرجع لاستفادة المعنى الذي وظّفت (إلى) في الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾، لتقوم بإبراز الوضوءات البيانية أيضًا. ولأنّ الوضوءات البيانية دلّت على أن الابتداء في غسل اليد من المرفق لا تحمل (إلى) في الآية على الغاية والانتهاء، وإنما تحمل على معنى (مع) أو على معنى بيان الحدّ»[12].
ويفيد من درسه اللغوي في دروسه الفقهية، فيقول الفضلي معلّقًا على آلية المعاملة المعاطاتية وما يُشترط فيها من الإيجاب والقبول: «إنّ التحليل اللغوي لمفاد عبارتَي: (قبلتُ) و(رضيتُ) يُثبِتُ أنّ مفادهما إخباري لا إنشائي؛ لأنّهما وسيلة لإظهار ذلك الميل النفسي إلى الشيء المعروض. ذلك أنّ الموجِبَ عندما يقول: (بعتك هذا الكتاب) –مثلًا– إنه ينشئ البيع، وعندما يقول القابِل: (قبلتُ البيعَ) أو (رضيتُ بالبيع)، يخبر عن قبوله لذلك الإنشاء ورضاه به، ولهذا لا يصحّ تقديم القبول إذا كان بلفظ (قبلتُ) أو (رضيتُ)؛ لأنّ الإخبار لا يكون إلّا عن شيء واقع، فلا بدّ من سبق الإيجاب ليكون الإنشاء، ثمّ يأتي الإخبار بقبول ذلك المنشأ»[13].
وفي بيانه لحقيقة الغناء، يذهب الدكتور الفضلي إلى أنّ تحديد ذلك لم يرد في النصوص الشرعية، ذلك أنها «لم تعرِّف مفهوم الغناء بما يكشف عن حقيقته ويحدّد ماهيته، ويرجع هذا –فيما أقدِّر– إلى أنّ ظاهرة الغناء من الظواهر الاجتماعية التي تختلف باختلاف المجتمعات، وتتطور سعةً وضيقًا بتغيُّر ظروفها زمانية ومكانية»[14].
ولذلك ينتقد محاولات الفقهاء في بيان حقيقته انطلاقًا من النصوص الشرعية؛ لأنها لم تعرِّفه، ما يجعل أمر تحديده عائدًا إلى العرف العربي، أي: الرجوع إلى معاجم اللغة.
وهو الانتقاد نفسه الذي وجهه إلى الفقهاء، حينما عرّفوا القضاء انطلاقًا من النصوص الشرعية، فيما كان المفترض بهم اللجوء إلى العرف العربي من خلال مراجعة المعاجم اللغوية. يقول الفضلي حول هذه الفكرة: «ويبدو لي أنّ الذين عرّفوا القضاء بأنه: ولاية حكم أو ولاية على الحكم، قصدوا التفريق بينه وبين القضاء في المذاهب الإسلامية من حيث إنه في الفقه الجعفري لا يصحّ إلّا بالجعل الشرعي من قِبَل المعصوم. وإلّا فالولاية من لوازم القضاء الشرعي؛ لأنها سلطة أو صلاحية يمنحها الشرع للقاضي ليوظفها في محالها المنصوص عليها، وليصحّ بها قضاؤه»[15].
ثمّ يعلّق الفضلي بقوله: «فالأقرب إلى طبيعة القضاء أن يعرَّف بالتعريف اللغوي؛ لأنّه مستمدّ من واقع طبيعة القضاء كمحاكمة وحكم، ولأجل أن يختصّ التعريف بالقضاء الإسلامي، يقيّد بقيد الشرعية»[16].
وقريبٌ من هذه المعالجة، يناقش الفضلي مسألة ولاية المرأة، وعدم دلالة ﴿قَوَّامُونَ﴾ على عدم أهلية المرأة للولاية، إذ يقول في ذلك: «كلمة ﴿قَوَّامُونَ﴾ ليست حقيقة شرعيّة ولا مصطلحًا فقهيًّا. ومن هنا، لا بُدَّ من تحديد المراد منها من خلال الاستعمالات اللغوية الاجتماعية... ونستفيد من هذا: أنّ القوامية لا تعني القيمومة التي فهم منها المستدلّون التسلُّط والتصرُّف، وإنما تعني إناطة مسؤولية رعاية مصالح النساء وتدبير شؤونهنَّ بالرجال، ومن أظهر مصاديق تلك الرعاية وذلك التدبير: وجوب إنفاق الرجل على زوجته... ونخلص من كل ذلك إلى: أنَّ القوامية غير القيمومة، وأنّ الآية الكريمة لا إطلاق فيها ولا عموم، وعلى هذا، لا يتمُّ الاستدلال بها ولا يصحّ»[17].
وفي مثالٍ أخير، يشير الفضلي إلى نقطة مهمّة، وهي الآلية التي يقترحها في قراءة النصوص الشرعية ذات العلاقة بالأحكام الفقهية، التي يطغى عليها الأساليب الإنشائية في التعبير، وهي خلاف القضايا المنطقية ذات الصبغة الخبرية، إذ يقول حول هذه الفكرة: «يأتي قصر المنطقي القضية على الجملة الخبرية التامّة، لأنها موضوع المنطق الذي يبحث فيه باعتباره الوحدة الأساسية في الاستدلال، فارقًا واضحًا بينه وبين اللغوي الذي يبحث الجملة مطلقًا: خبريةً وإنشائية. وفي الفقه؛ لأنّ النصوص الشرعية التي يتعامل معها الفقيه أكثرها أساليب إنشائية، يأتي الفارق بينها أكثر وضوحًا»[18].
2) الإلمام التاريخي الواسع
منذ بواكير الدراسات التي نشرها الدكتور الفضلي، كتابه القيّم (من البعثة إلى الدولة)، الذي تتلخّص فكرته في ربط مجريات الدعوة المحمّدية منذ بداياتها الأولى في مكّة المكرّمة إلى وصولها لمرحلة الدولة في المدينة المنوّرة، وبيان ترابطها، وتمهيد كل مرحلة سابقة بالمرحلة التي تليها.
وعند مطالعة مقدمة الكتاب، نجد لدى العلامة الفضلي إلمامًا جيدًا بالتاريخ الإسلامي، ما أهّله إلى وضع مجموعة من الملاحظات المهمّة، فكان كتابه نموذجًا للمنهج المقترح في تدوين السنة النبوية، بحيث لا تكون مجرّد سرد للأحداث دون تحليل وتفسير لها، ودون رابط عضوي بينها.
في مقدّمة كتابه يقول الفضلي مدوِّنًا بعض ملحوظاته على كتب السيرة النبوية: «لم تؤرِّخ كتب السيرة -وبخاصّة القديمة منها- لكل حوادث الدعوة الإسلامية في مختلف مجالاتها وأدوارها تأريخًا يجمع شتى صورها ويستوعب جميع تفصيلاتها، ويستعرض كل جوانب الحادثة الواحدة، ويربط بين الحادثة والأخرى في الأسباب والنتائج، يسلسل بين الحوادث في مواقعها من الزمن والأعوام، كشأن ما نلمسه في بعض التاريخ الحديث، وربما كان المؤرخون القدامى يُعذَرون في ذلك بحكم طبيعة تطوّر الدراسات التاريخية، ولا سيّما وهم نتاج بيئات لها خصائصها وألوان نشاطاتها المحدودة.
وظاهرة ثانية نلمسها في تاريخ السيرة هي عنايته بالجانب الجهادي (العسكري أو الحربي) من حياة الدعوة الإسلامية أكثر من عنايته بالجوانب الأخرى، ولعلّ طبيعة حياة العرب حينذاك تبرّر طغيان هذه الظاهرة.
وظاهرة ثالثة نراها في تاريخ السيرة أيضًا، هي أثر شخصية المؤرّخ والعوامل التي صاغتها والمجال الذي دوّن فيه وقائع السيرة، والعوامل التي من وراء قلمه.. أثر كل أولئك وتأثيره في محتوى العرض وفي أسلوبه»[19].
كما أنّ العلامة الفضلي التزم المنهج العلمي في كتابة مقرّراته الدراسية في العلوم الشرعية، فكان من بين أهمّ ما يتناوله في المقدّمة العلمية لأيٍّ من تلكم المقرّرات: سرده لتاريخ العلم ونشأته، بل إنه يتناول مجموعة من مسائل تلكم العلوم بالبحث التاريخي، كما هي الحال مع الأبواب الفقهية التي حرص على بدئها بذكر تاريخ تلكم العبادة أو تلكم المعاملة.
ولا شكّ أن يظهر أثرُ هذا الإلمام التاريخي الواسع في المجالات العديدة التي طرقها وقرأ حولها. ويمكن ذكر بعض الشواهد الدالة على ذلك:
أثناء حديثه عن ريادة الشيخ المفيد في تأسيس المدرسة الأصولية الإمامية، يقارن بين نشأة المذهب الإمامي الفقهي وبين بقية المذاهب الفقهية الإسلامية، فيُظهر أسبقية المذهب الإمامي، وذلك انطلاقًا من الإلمام التاريخي المتتبّع، فيقول الفضلي -حول مدرسة الصحابة-: «بدأت بمدرسة الرأي، وكان رائدها ورئيسها الخليفة عمر بن الخطّاب، وبعد وفاته وتبريز ابنه عبد الله فقيهًا من فقهاء المسلمين المشار إليهم، تركّزت على يديه مدرسة الحديث، وسارت المدرستان جنبًا إلى جنب، واتخذت مدرسة الرأي الكوفة مركزًا لها عن طريق عبد الله بن مسعود الذي كان يعدّ أبرز تلامذة عمر بن الخطّاب، وأبرز من تبنّى منهج وفكر مدرسة الرأي، وأخذت طابعها الواضح على يد إمام المذهب أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي.
أما مدرسة الحديث، فاتخذت من المدينة المنوّرة مركزًا لها، واشتهر من أعلامها الفقهاء السبعة: سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار، وانتهت رئاسة هذه المدرسة إلىٰ إمام المذهب مالك بن أنس، وعن طريقه انتشرت في البلدان الإسلامية»[20].
وانطلاقًا من هذه الفكرة يشير الفضلي إلى نقطة مهمّة في المقارنة بين المدرستين الأساس (أهل البيت والصحابة)، ففي الوقت الذي تمتدّ فيه أولاهما امتدادًا طوليًّا محافظة على الخطّ والمنهج نفسه، «ما يثبت لنا قدمها، وسلامتها من التغيير منهجًا ومادة، نجد المذاهب السنية تسير خلافًا لذلك، فالمذهب الظاهري يرفض الرأي ومتطوراته من قياس واستحسان وما إليهما،... والمذهب الحنفي يتمسك بالرأي إلى أبعد الحدود التي بعدت به كثيرًا عن الحديث (السنة). والمذاهب السنية الأربعة الأخرى جمعت بين الرأي والحديث مع ميل إلى الحديث أكثر من قبل المذهب الحنبلي، وأكثر منه من قبل المذهب السلفي،... ومعنى هذا أن مذهب الصحابة تشعّب إلى هذه المذاهب مع ما بينها من الاختلاف في المنهج. ومن الطبيعي أن الاختلاف في المنهج يبعّد أن تكون الفروع امتدادًا تامًّا للأصل»[21].
كما أنه أثناء الحديث عن خُمس فاضل المؤونة، يقدّم العلامة الفضلي بحثًا تاريخيًّا عن المؤونة، فيشير الفضلي إلى أن الواقع الاجتماعي اليوم تغيّر فيما يرتبط بتموين المنزل من قبل عامّة الناس، فيقول: «من المفيد أن أشير إلى منشأ التعبير بفاضل المؤونة، أي من أين جاء هذا التعبير؟، إذ يرتبط هذا التعبير بواقع اجتماعي كان الناس يعيشونه في عصر صدور النصوص الشرعية، وهو أن الناس كانوا يمتارون قوت سنتهم من الطعام ومستلزماته، كالحطب وخلافه يدخرونه ميرةً، ومنه أخذ تعريف الميرة بأنها الطعام يدخره الإنسان. وكذلك تعريف المؤونة بأنها ما يخزنه الإنسان من مواد غذائية، كالرز والبر والتمر والزيت والسمن وما إليها. وله -أيضًا- سُمّي مكان ادخار الطعام مخزن الميرة، ومخزن المؤونة،... فالنصوص الشرعية التي قالت: على المسلم أن يخمس ما فضل من مؤونته، تعني أن يخمس الباقي مما ادخره من ميرة السنة. أما الآن وحيث تغيّر الوضع الاجتماعي وتغيّرت معه أساليب المعيشة، ولم يعد ادخار الميرة مألوفًا، ينظر المسلم إلى الموجود عنده من المواد الغذائية ومستلزمات طهيها كالنفط والغاز والفحم يوم نهاية سنة الدخل فيخمسه»[22].
وفي تعريفه لمصطلح (الاجتهاد) الفقهي، يناقش الفضلي إحدى الفقرات الواردة في بعض تعريفاته، فيقول معلِّقًا: «يبدو أن التعبير عن الاجتهاد بتحصيل الحجّة على الحكم، جاء من واقع الأعمال الفقهية الاستدلالية التي قام بها الفقهاء بدءًا من كتاب (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي الذي هو شرح استدلالي لكتاب (المقنعة) للشيخ المفيد، وحتّى يومنا هذا، حيث تركّزت في معظمها على شرح المتون الفقهية، فعمل الشيخ الطوسي في (التهذيب) –مثلًا– هو البحث عن دليل فتوى الشيخ المفيد في (المقنعة) الذي هو متن فقهي.
بينما المطلوب –هنا– هو أن ننظر إلى وظيفة المجتهد من واقعها، لا من واقع الأعمال التي يقوم بها الفقهاء. وواقع وظيفة الاجتهاد هي: البحث في النص الشرعي الكتاب والسنة لاستنباط الحكم منه»[23].
3) الاطلاع على مناهج البحث العلمي الحديثة
مارس الدكتور الفضلي الكتابة المنهجية منذ بواكير مشاركاته العلمية، فكتب: «التربية الدينية»، و«خلاصة المنطق»، و«مبادئ أصول الفقه»، و«مختصر التصريف»، و«مختصر النحو».
وقد اتّسمت كتاباته الأولى بالمنهجية الحديثة التي أفادها من اطّلاعه الخاص على مناهج البحث الحديثة، ولعلّ لالتحاقه مبكّرًا بكلية الفقه، ومن ثمّ التزامه الدراسة الأكاديمية في جامعة بغداد دورًا في انفتاحه على المنهجية العلمية الحديثة في البحث والتبويب والتقسيم.
ولقد كان لتجربته الواسعة هذه أثرها على درسه الفقهي، وذلك ما يطالعه القارئ لتراثه في شواهد عدة، منها:
من المقترحات التي يذكرها العلامة الفضلي: تخليص الفقه وأصوله من هيمنة القواعد المنطقية، ويقترح بدلًا من ذلك اتخاذ المنهجية العلمية الحديثة التي تنسجم وطبيعة علم الأصول وعلم الفقه، وممّا يذكره حول هذه الفكرة: «إنّ اللغة التي تستعمل مادةً لتصوُّر المنطق هي اللغة العلمية، ومن الممكن قولبة أساليب اللغة العلمية وفق متطلّبات الصور المنطقية، ولكن من غير الممكن قولبة اللغة الاجتماعية في تحاور أبناء المجتمع وفق قوانين المنطق؛ لأنها سابقة عليها، ولأنها تخضع في وضع أساليبها وتطوُّرها للسنن الاجتماعية لا القوانين العلمية»[24].
وفي أثناء حديثه عن مصطلحي الإطلاق والتقييد الأصوليين، يقول الفضلي حولهما: «إنّ الأصوليين يصرحون وينصّون على أنّ الإطلاق والتقييد ليس لهم فيهما اصطلاح خاصّ، وإنما أخذوهما من العرف الاجتماعي بما لهما من معنًى لغوي عرفي، وكذلك الألفاظ التي يطلق عليها المطلق، التي هي أسماء الأجناس وأخواتها، هي الأخرى يقولون بأنها مفاهيم عرفية، فكان المفروض منهجيًّا أن تعرف وتفسَّر هذه المفاهيم من خلال الفهم العرفي لها، ولكنّ التزام الأصوليين بالمنهج الفلسفي فرض عليهم أن يعرفوها تعريفًا فلسفيًّا بما أوقعهم في المفارقة المذكورة»[25].
ومن المفردات التي نادى العلامة الفضلي بدراستها وفق طبيعتها المنهجية: شرط الحياة في مرجع التقليد، وذلك بقوله: «عند قيام السيرة العقلائية، لا أرى بحاجة إلى أن نعتمد معطيات الفلسفة، كما جاء في بعض كتب الفقه الاستدلالية؛ لأنّ التشريع اعتبار، أمره بيد معتبره، فمتى استفدنا من السيرة المتّصلة بزمان الحضور جواز التخيير أغنتنا عن الرجوع إلى غير ذلك»[26].
وعندما يعدّد الفضلي شروط العقد في المعاملات، يشير إلى ما يذهب إليه بعض الفقهاء من ضرورة إيقاعه بالعربية، اعتمادًا على قاعدة القدر المتيقّن من الروايات، وهي معالجة عقلية صرفة، فيما يذهب العلامة الفضلي إلى عدم اشتراطه، اعتمادًا على سيرة العقلاء القائمة على إجراء كل مجتمع عقوده بلغته التي يتعامل بها[27].
من الملحوظات المهمّة التي ذكرها العلامة الفضلي مبكّرًا على المدوّنات الفقهية: ما ذكره بخصوص التبويب الفقهي، فاقترح منهجًا جديدًا للبحث الفقهي، وذلك في دراسة منشورة في مجلّة «الإيمان» النجفية في عددها المزدوج الخامس والسادس لسنة 1383ﻫ/ 1963م، إذ يقول هناك: «إن الذي أقترحه حول المنهج يدور حول جوانب، هي:
1- حول طريقة التبويب: إن الطريقة القديمة المتبعة في تبويب الفقه تقوم في عامّة مؤلفاته ومدوناته المتقدّمة على أساسٍ من تقسيمها -على ضوء تقسيمه- إلى أربعة أقسام، هي:
1. العبادات.
2. العقود.
3. الإيقاعات.
4. الأحكام.
والشيء الملاحظ -هنا- وجود الاستطراد بكثرة ربما تذهب إلى حدّ بجامعية الباب ومانعيته، أما متى حاولنا مماشاة متطلّبات الأوضاع الاجتماعية للمسلمين بغية تيسير فهم الفقه لديهم، فالمقترح مراعاة المناهج الحديثة في التبويب، أمثال: أن يبوّب الفقه إلى:
1. أحكام الفرد، ويراعى فيه أصنافه، وهي: الطفل، والرجل، والمرأة.
2. أحكام الأسرة.
3. أحكام المجتمع.
4. أحكام الدولة»[28].
وبعد هذا المقال بأكثر من 30 عامًا، رجع المؤلّف إلى مناقشة الفكرة من جديد بصورة موسّعة أكثر نضجًا واستيعابًا في كتابه الفقهي «دروس في فقه الإمامية»، حيث أشار هناك إلى أهمية إعادة النظر في تبويب علم الفقه، إذ يقول: «استمدادًا من الواقع التطبيقي الذي يعيشه الإنسان المسلم، ومما يقرّره المنهج العلمي الحديث من وجوب مراعاة الحاجة إلى الفقه في عالم الحياة المعاشة للمسلم، وبغية أن تترابط موضوعاته ترابطًا عضويًّا وفق ما لها من أهداف، رأيتُ أن أقسّمه إلى الأبواب التالية:
1. أحكام العبادات.
2. الأحكام الفردية.
3. أحكام الأسرة.
4. الأحكام الاجتماعية.
5. أحكام الدولة.
6. أحكام الحقوق المالية العامّة.
7. أحكام المعاملات الاقتصادية.
ويشمل قسم أحكام العبادات أمثال: الطهارة، الصلاة، الصوم، الاعتكاف، الحج، العمرة، الزيارة... إلخ.
ويندرج في باب الأحكام الفردية أمثال: أحكام التكلّم، أحكام الاستماع، أحكام القراءة، أحكام اللباس، أحكام الزينة، الرياضة البدنية، أحكام البصر، أحكام الأكل، أحكام الشرب، أحكام السكن، أحكام الالتزامات (النذر والعهد واليمين)... إلخ.
ويدخل في قسم الأسرة أمثال: الزواج، الطلاق، الخلع والمباراة، الظهار، الإيلاء، اللعان، الرضاع، الحضانة، التربية، النفقة، الولاية، الميراث... إلخ.
وفي الأحكام الاجتماعية أمثال: الرقابة الاجتماعية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، التكافل الاجتماعي، تولي الأمور الحسبية من قبل عدول المؤمنين، المنشآت الاجتماعية الخيرية... إلخ.
وفي أحكام الدولة أمثال: رئاسة الدولة، الجهاز الحكومي، أجهزة الإدارة المحلية، الوظائف الاجتماعية للدولة، الوظائف الدولية للدولة، الدفاع، الجهاد... إلخ.
وفي الحقوق المالية العامّة أمثال: الزكاة، الخمس، الكفارات المالية، الصدقات العامّة، الأوقاف العامّة، ردّ المظالم، النذور المالية، التبرّعات الخيرية، الأنفال، الخراج... إلخ.
وفي المعاملات الاقتصادية أمثال: التجارة، الزراعة، الصناعة، الملكية، الصرافة والمصارف (البنوك)، الشركات، المضاربة، القرض، الحوالة، الكفالة، الإجارة... إلخ»[29].
وعندما يتناول الفضلي موضوع البنوك، يستعرض مجموعة من الخطوات التي يراها منسجمة مع المنهجية العلمية الحديثة التي يتبنّاها، مبتعدًا عن المنهج الفلسفي، فيقول حول ذلك: «في مجال تحديد موضوع البنك وتشخيصه، على الباحث اتباع الخطوات التالية:
1. الرجوع إلى أنظمة البنوك التجارية المدونة، تلك البنوك التي يتعامل معها المسلمون، سواء كانت قائمة في البلاد الإسلامية أو في خارجها.
2. الرجوع إلى نماذج من أوراق المعاملات المعقودة بين البنوك والعملاء.
3. الرجوع إلى القرارات البنكية الصادرة عن إدارات البنوك ومجالسها بشأن المعاملات المصرفية.
4. الرجوع إلى الكتب والرسائل المؤلفة في الموضوع، وكذلك البحوث والمحاضرات التي تُعنى بهذا الشأن.
وموجب هذا يعود إلى أن مفاهيم المسائل والقضايا المصرفية بعدُ لما تدخل دائرة الفهم العرفي وتستقر في أذهان الناس حتى يصبح فهمها ميسورًا لكل أحد، ليصح الاعتماد على الفهم العرفي والإرجاع إليه. ويعود هذا إلى أنها بعدُ لما تنتشر وتشيع في أوساطنا الاجتماعية الانتشار والشيوع اللذين يحققان لها فهمًا عرفيًّا يعتمد عليه عند الرجوع إليه. وأؤكد على هذا؛ لأن اتباع المنهج الفلسفي -كما هو معروف مما صدر من الكثير منهم- عند عدم القدرة على تشخيص الموضوع أو عدم وضوحه، أو لأجل الاحتياط بغية أن يتيقن الباحث من دخول الموضوع واحدًا من المحتملات، يأخذون بالمنهج المذكور، فيعفون أنفسهم من عناء محاولة التحديد، مكتفين بطرح كل المحتملات، ومحاولة معرفة حكم كل واحد من هذه المحتملات التي تردد الموضوع بينها حسب اعتقاد الباحث»[30].
ولهيمنة المنهج الكلامي في معالجة بعض المسائل الأصولية، يعدّد العلامة الفضلي أبرز الفروق بين المنهجين، ليتَّضح لدارس الأصول الفارق بينهما، يقول حول ذلك: «لتجلية الفرق بين المنهج الكلامي والمنهج اللغوي الاجتماعي الذي ينبغي اتباعه في علم الأصول نقول:
- إنّ المنهج الكلامي –لأجل أن يصل إلى أنّ الكلمة أو الجملة أو الأسلوب موضوع لهذا المعنى– يعتمد علائم الحقيقة التي منها التبادر، فمتى تبادر المعنى عند سماع اللفظ إلى الذهن فإنه المعنى الحقيقي، أي إنّ اللفظ موضوع له.
- بينما يعتمد المنهج اللغوي الاجتماعي استقراء النصوص الشرعية في تطبيقاتها على مواردها، وملاحظة الاستعمال الاجتماعي الراهن.
ونحن –هنا– حيث نبحث عن دلالة الألفاظ التي عنونت بألفاظ العموم عندما نرجع إلى أهل اللغة –وهم العرب– ونلاحظ طريقتهم في الفهم والإفهام، أي أسلوبهم في الاستعمال من حيث اللفظ والدلالة، وفي مجال التطبيق خاصّة نراهم يفرقون بين نوعين من هذه الألفاظ، أو قل: إنهم يصنفونها إلى مجموعتين، هما: مجموعة تفيد الاستغراق بنفسها، ومجموعة لا تفيد الاستغراق إلّا بمساعدة قرينة السياق»[31].
4) الانفتاح على الثقافة المعاصرة
يشير الشاعر السيد مصطفى جمال الدين، وهو من رفقاء درب العلامة الفضلي، إلى حالة الانفتاح الثقافي الذي عاشته النجف الأشرف أيام دراسته العلمية، فيشير إلى تنوّع الكتب والمجلّات التي كان يقرؤها جيله من طلبة الحوزة العلمية، وذلك في قوله: «إن النجف التي عشناها مدينة قارئة، تتصل -رغم انغلاقها- بالعالم الخارجي عن طريق الكتب والصحف والمجلاّت التي تردها بانتظام، ومن مختلف البلدان، كَـ(العرفان) و(البرق) من لبنان، و(ألف باء) و(مجلة المجمع العلمي) من دمشق، و(المقتطف)، و(المقطّم)، و(الهلال)، ثم (الرسالة)، و(الثقافة)، و(الكاتب المصري) من مصر.
كما صدرت في النجف نفسها صحف ومجلاّت ليست على الشكل المتحفّظ الذي يعيشه مجتمعها، كمجلة (النجف) التي صدرت في العشرينيات»[32].
وعندما يبدأ الإنسان مسيرته العلمية متسلّحًا بالتنوُّع الثقافي والعلمي، يُلازمه ذلك طوال هذه المسيرة المباركة، فتظلّله هذه المعارف وتنير له كثير من مسالكه وتفتح له العديد من المغالق. وهذا ما يظهر من كتابات ومؤلّفات العلامة الفضلي، حيث الاطلاع الواسع والغزير، والمنفتح على العديد من الثقافات والمعتقدات والأيديولوجيات. وهو ما ينعكس تاليًا على المادة التي يبحث فيها وحولها، إذ يحاول استيعاب ما كتب حولها وما تناولها من دراسات وأبحاث. وهي الملازمة التي يظهر أثرها على إنتاجه العلمي، بما في ذلك آراؤه الاجتهادية. إذ يمكن تبيّنه من الشواهد التالية:
عند تناوله لموضوع سنّ اليأس عند المرأة، يعالج الفضلي اختلاف سنّ يأس المرأة القرشية (60 عامًا) عن غير القرشية (50 عامًا)، وينطلق في بيان الاختلاف الوارد في الروايات من الواقع الميداني، ويقول في ذلك: «في ضوء أن ظاهرة الحيض من الظواهر الصحية البدنية للمرأة، وينشأ من واقع تكوينها الجسماني الطبيعي لا طريق إلى معرفة شؤونها تفصيلًا إلَّا عن طريق الدراسات الميدانية، أمثال القيام بعمل استبيانات والاستفادة من نتائج إحصاءاتها.
وبقرينة ما أفادته التقارير العلمية من خلال الدراسات الميدانية التي قام بها باحثون علميون من أن مدة سن الإخصاب -التي هي سن الحيض- تختلف باختلاف العوامل، أمثال: المناخ والوراثة والسلالة، نستطيع أن نقول: إن القرشية في الرواية ذكرت من باب المثال لبيان تأثير عامل السلالة، لا لخصوصية في القرشية ذاتها.
ويؤيده مساواة النبطية لها في الستين كما ورد في المروي الذي أشار إليه الشيخ المفيد، والنبط -كما هو معلوم تاريخيًّا- سلالة من السلالات البشرية.
وفي هديه، يكون التحديد بالستين بيانًا لأعلى حد تصل إليه سن الإخصاب، وتكون الخمسون بيانًا للغالب.
وبهذا يتم الجمع بين الروايات... في بيان أكثر مدة الحيض بالثمان والعشر حيث حمل الفقهاء الثمانية على الغالب والعشرة على أنها الحد الأعلى»[33].
وقريبًا من هذه المعالجة، يتناول الفضلي مسألة اجتماع الحيض مع الحمل، إذ يرجع إلى ما تثبته التقارير الطبية، فيقول جامعًا بين مؤدى الروايات وما تثبته التقارير الطبية: «إن القول بالاجتماع مفاده جواز أن تحيّض المرأة الحبلى من غير نظر فيه إلى بيان وقت الحيض عند الحامل. وإن القول بعدم الاجتماع ناظر إلى بيان الغالب من حال المرأة الحبلى من أنها لا تحيض، فليس فيه شمول يستوعبه بنفيه. وإن القول بانقطاع الحيض عند استبانة الحمل لا ينافيه أيضًا؛ لأن بيان وقت مجيء الحيض لم يحدّد فيه المجيء بما قبل الاستبانة أو عندها أو بعدها. وعلى هذه المؤديات تحمل الروايات، ولا تعارض بينها كما ذهب إليه بعضهم. ولا حمل على التقية؛ لأن الإفتاء برؤية المرأة الدم أثناء الحمل لا يثير سخط الحاكم المتسلط. فليس كل ما يوافق المذهب السني الرسمي يحمل على التقية؛ لأن التقية معناها الخوف من وقوع المفتي تحت طائلة ظلم الحاكم وجوره. والنتيجة: جواز اجتماع الحيض والحمل»[34].
أثناء تِعداد شروط المعاطاة في المعاملات، يذهب الفضلي إلى عدم اشتراط التلفّظ في المعاملة، ويذهب إلى قبول أيّ مؤشّر يُستدل به على التراضي بين طرفي المعاملة، وذلك لأنها «ظاهرة اجتماعية عامة وقديمة قدم المجتمعات البشرية توارثتها مجتمعًا بعد آخر، ولو حاولنا معرفة واقعها من خلال الدراسة الميدانية، لرأينا أن الناس مسلمين وغير مسلمين، يتعاملون مع المعاطاة بترتيب جميع الآثار الشرعية أو القانونية أو العرفية التي ترتب على المعاملة المالية المشروعة»[35].
ثمّ يعلّق الفضلي على النتيجة التي ذهب منتقدًا الآلية التي يتّبعها الفقهاء في معالجة هذه المسائل، وذلك بقوله: «إن الطريق المنهجي السليم لمعرفة إرادات وقصود المتعاملينَ هو الاستفسار منهم مباشرة، إما شفهيًّا أو تحريريًّا، بواسطة ما يعرف حديثًا ﺑالاستبانة أو الاستبيان الذي من خلال ما يدوّن فيه من أجوبة يتبين الباحث معرفة ما أراد معرفته. وهذا لم يحدث من الفقهاء الذاهبين المذهب المذكور، فلم يُذكر أنهم قاموا بحملة استفسارات من الناس عمّا يقصدونه أثناء تعاملهم بالمعاطاة، هل هو الإذن بالتصرّف أو التملك والتمليك. ولازم هذا أن الفقهاء درسوا هذه المسألة في إطارها النظري بعيدًا عن إطارها التطبيقي.
ومن ناحية نظرية، حيث أنهاهم الدليل الذي اعتمدوه إلى أن العقد هو نتيجة التعاقد اللفظي، لا تكون المعاطاة -على هذا- عقدًا. ولأنها جارية بين الناس ولم يحصل ردع من الشارع المقدّس عنها، فلا توجيه شرعيًّا لهذا اللون من التعامل إلاّ بأن يقال: إنها إذن في التصرف،... فالمسألة نظريًّا هي هكذا، ولكنها تطبيقيًّا غيره تمامًا، وذلك أن الناس من غير شك في ذلك -لأنه مشاهد ومعروف بالوجدان- يقصدون من المعاطاة ترتيب جميع آثار العقد اللفظي»[36].
وهناك نقطة يعيد الفضلي الحديث عنها أثناء تناوله لشرعية بعض وسائط البيع الحديثة، كالهاتف والإنترنت وآلة البيع الذاتي، إذ يرى «أن الإبانة عمّا في النفس من الرضا بالبيع هو لازِمَةُ الإيقاع، أي: إن الإيقاع يدل عليها ضمنًا. فالمقصود من استعمال الوسيلة كالكتابة وأمثالها ليس إبراز وإظهار الرضا، وإنما المقصود بها إيقاع المعاملة، ومن وجودها يفهم الرضا. وهذا ما يدركه كل متعامل؛ لأنه من الظواهر الاجتماعية العامة التي تعرف عن طريق الممارسة والمشاهدة. وهذا يسلمنا إلى التوسع بصيغة العقد إلى ما يشمل القول والفعل وما يقوم مقامهما من إشارة أو كتابة»[37].
وهذه النتيجة النهائية التي يذهب إليها العلامة الفضلي كان لازمها قبول جميع معاملات البيع الحديثة، فما دام «لم يرد في النصوص الشرعية ما يدل على حصر إيقاع العقد والإبانة عن الرضا في التلفظ والنطق، ولم يرد عنه المنع من الكتابة يكون جواز التعامل بالمراسلة كما هو المعروف الآن في عصرنا هذا مشروعًا. ويدخل تحت عنوان الكتابة: ما يعرف بالبرق (تلغراف Telegraph)، وهو جهاز لنقل الرسائل من مكان إلى آخر بعيد بوساطة إشارات خاصة. والتلكس Telex وهو الرسالة بواسطة طباّعة بُعدية. ومثله الفاكس Fax، والبريد الإلكتروني E-mail»[38].
ومن الأمثلة أيضًا: ما يذكره الفضلي بخصوص التفريق بين القرضين: الاستهلاكي والإنتاجي، إذ يرى حرمة الأول وحلية الثاني، وذلك نظرًا لدوره الإنتاجي في تحريك المال وتداوله بين الناس، وهو ما يبيّنه شارحًا هذا الرأي: «وبعكسه -القرض الاستهلاكي- القرض الإنتاجي، فإن الأموال التي تؤخذ عن طريقه تستعمل للإنتاج والاستثمار بما يأتي عاملًا فاعلًا في حركة تداول المال بين الناس عن طرق التجارة والصناعة والزراعة وما إليها. ومن البديهيات العقلية: إن المعلول يدور مدار علته وجودًا وعدمًا، أي إن وجدت علّته انوجد، وإن عدمت انعدم. وعلّة تحريم الربا -كما أفادت الروايات المذكورة- هي منعه من تداول المال عن طرق المعاملات المشروعة، والقرض الإنتاجي -كما هو معلوم- عامل مهم وقوي من عوامل تداول المال. وعليه: فبدل أن يكون الربا سببًا لمنع تداول المال صار سببًا لتداوله.
ومعنى هذا: إن علة التحريم انحسرت، أو قل انعدمت، وعلى أساس من البديهية المشار إليها: إن انعدام العلة -هنا- يستلزم انعدام المعلول، وهو التحريم. والنتيجة: هي حرمة القروض الاستهلاكية، وإباحة القروض الإنتاجية»[39].
ثالثًا: الفضلي منابعه الحركية وأثرها على اجتهاده الفقهي
يبدأ الإنسان في تعرّف محيطه الخارجي بصورة تدريجية، فيتحسّس ما حوله من ظواهر طبيعية وكونية متسائلًا حول العديد من هذه الظواهر، إلى أن يبدأ تدريجيًّا أيضًا في إدراك العديد من الظواهر الاجتماعية، ومن ثمّ الفكرية والأيديولوجية، وذلك بناءً على يتعقّله من أطروحات حولها، وما ينفتح عليه من تساؤلات وما يقدّم له من إجابات.
ومع هذا الكمّ الهائل من المعلومات وتصارع الأيديولوجيات، لا يستطيع الإنسان إلّا أن يتّخذ أمامها موقفًا محدّدًا يؤمن به ويناضل من أجله، وبخاصّة عندما يتبنّى مشروعًا يسعى للوصول إلى تحقيقه، كما هي الحال مع علامتنا الدكتور عبد الهادي الفضلي، الذي كان أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وسبق ذلك انتماؤه إلى مجموعة من الجمعيات والمؤسسات الثقافية والعلمية التي كانت تحمل مشروعًا إصلاحيًّا نهضويًّا.
وهي نقطة يشير إليها في إحدى محاضراته التي عنونَها بـ(تعدُّد السبُل)، إذ يشير هناك إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يقف محايدًا دون أن تحديد موقعيته وموقفه ممّا يحيط به من أحداث ومما يُعرَض أمامه من أفكار ومبادئ وأيديولوجيات، فلا بدّ من أن يحدّد السبيل الذي يريد أن يسلكه، فيقول مبيّنًا محورية هذه الفكرة: «إنّ تعدُّد السُّبُل من أهمّ موضوعات الساعة اليوم التي هزّت العالم هزًّا عنيفًا ولا تزال. فكلّ ما نجده الآن من اضطراب ومن عدم استقرار في هذا العالم، ومن ضحايا تذهب في سبيل الحق أو في غير سبيله، ومن دماء تُراق في سبيل إعلاء كلمة الله أو في هذا السبيل، كلها نابعة من هذا الموضوع، ذلك أنه موضوع له أهميته الكبيرة الآن، وفي هذا الظرف العالمي المعيش»[40].
ولذلك، لا يمكن إغفال مواقفه المبدئية وأثرها على حركية الاجتهاد لديه، فإن لها حضورها، كما أنّ لتعدّد المنابع الثقافية دورًا وأثرًا في اجتهاده الفقهي. وكما تناولنا في نقطتها الثانية تلكم المنابع، من المهم بيان هذه المبادئ، وذلك ضمن العناوين التالية:
1) إيمانه بالإسلام نظامًا شاملًا للحياة
يشير العلامة الفضلي في أكثر من مناسبة، ومنذ كتاباته التأسيسية الأولى، أن الإسلام: نظام إلهي شامل للحياة، وقد عبّر عن ذلك في مناسبات عدّة، فيقول في إحداها: «إنّ الرؤية التي يقدّمها الإسلام –نظريًّا وتطبيقيًّا– في التعامل مع الحضارات الإنسانية تضع الإسلام نظامًا وفكرًا له القدرة على قيادة الحياة على هذه الأرض، بمرونة وصلاحية عالية، تعطي للإنسان الأمل في أن يعيش بسعادة وكرامة وهبتها له السماء، ودون مِنَّة من نظام أو قوّة مسيطرة، كما هي الحال مع بقية الأنظمة والحضارات الأخرى»[41].
وانطلاقًا من هذا المبدأ، يدعو الدكتور الفضلي إلى «أن تكون الشريعة الإسلامية اليوم هي مصدر التشريع الأول، ولأنّ يكون بالشكل الذي يمهّد لكونه النظام العامّ لحياة المسلمين ولرفاهية العيش لديهم. وهذا لا يتأتّى إلّا بعدما يؤمن المسلمون أن الدين الإسلامي يمثّل نظامًا شاملًا للحياة، وعلينا أن نعمل سويًّا لئلّا يكون ديننا الإسلامي منحصرًا في أداء الصلاة والصلاة والصوم والزكاة والخمس فحسب، بل يجب أن يكون نظامًا شاملًا لجميع جوانب الحياة الإنسانية»[42].
وانطلاقًا من إيمانه بهذه الشمولية، يستنكر الفضلي اقتصار المادة الفقهية التي يتناولها الفقهاء على المسائل الفردية العبادية، فيقول –بعد استعراض المادة الفقهية في أهم المتون الفقهية لدى المسلمين-: «إنّ التدوين الفقهي –منذ البداية– كان مقتصرًا على الفقه الفردي، وأعني به الفقه الذي يرتبط بأفعال المكّلف باعتباره فردًا، لا مجتمعًا ودولة، ذلك أنّ الأحكام المذكورة تهتمّ بتنظيم علاقة الفرد بالله تعالى، كما في الصلاة والصوم والحج، وعلاقة الفرد بنظيره الإنسان الآخر كما في المعاملات، أمثال: البيع والإجارة، وكما في الأحوال الشخصية... إنّ هذا يدفعنا إلى إثارة التساؤل حول هذا التضييق في مساحة المبحوث فيه من المواد الفقهية، ذلك لأنّ الفقه الإسلامي هو نظام حياة المسلمين، والمفروض فيه أن يتناولها من جميع جوانبها وأطرافها، فلا يترك جزئية من جزئيّاته إلّا ووضع لمساته عليها، سواء كانت عبادية تنظّم علاقة الإنسان بالله تعالى، أو معاملية تنظّم علاقة الإنسان بنظيره الإنسان، أو اجتماعية تنظّم علاقة الإنسان بمجتمعه، أو اقتصادية تنظّم علاقة الفرد والمجتمع والدولة بالثروة والمال، أو سياسية محلية تنظّم علاقة المواطن بدولته، أو دولية تنظّم علاقة الدولة الإسلامية بالأخريات من الدول»[43].
وبعد استعراضه للأسباب التاريخية التي حصرت المادة الفقهية في واقعها الحالي، يشير الفضلي إلى أهمية توسيع هذه المادة لتشمل كافة جوانب الحياة، وذلك لمجموعة من العوامل، يعدّدها في خمسة عوامل، هي:
1) انفتاح المسلمين على الثقافة القانونية الغربية.
2) اعتماد الكثير من الدول الإسلامية للقوانين الوضعية المتأثرة بالقوانين الغربية.
3) انبثاق الحركات الإسلامية الداعية إلى إقامة الحكم الإسلامي في بلاد المسلمين بديلًا عن حكمهم بالقوانين الوضعية الدخيلة.
4) قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وصدور دستورها الإسلامي.
5) انفجار الثورة الثقافية في إيران التي كان من نتائجها الكم الهائل من إحياء التراث الإسلامي[44].
ولذلك يستنكر الفضلي على مجموعة من الفقهاء بعض ما يصلون إليه من عدم وجود نصوص شرعية تفيد مشروعية الدولة فقهيًّا، إذ يستدلّ على وجود ذلك من خلال الأدوار التي مارسها نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ يعدد هذه الأدوار في النقاط التالية:
1) إنشاء ديوان إدارة أموال الصدقات، والرسائل الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكتّاب النفوس، والعهود.
2) تهيئة الدور لتعليم القرآن الكريم والأحكام الشرعية.
3) إبرام المعاهدات وإقامة العلاقات بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى، والجماعات والقبائل المجاورة.
4) بعث الرسل والوفود إلى الدول الأخرى وقبائل العرب.
5) تجهيز الجيوش للدعوة إلى الإسلام وللدفاع عن الوطن.
6) تعيين الأمراء والعمّال في البلدان التابعة للدولة الإسلامية.
7) تعيين القضاة.
8) القيام بشؤون الحِسبة[45].
ثم يعلّق معقّبًا على هذه الأدوار بقوله: «وإذا قارنَّا هذا الكيان السياسي بالدول غير الإسلامية التي كانت قائمة آنذاك، كدولة فارس ودولة الروم، لا نرى فارقًا من حيث التنظيمات إلّا في حدود الاختلاف في الواقع المدني بين العرب، حيث كانوا أممًا عشائرية وأمّية، والفرس والروم فقد كانوا أممًا متمدّنة من حيث العمران. وهذا يدعونا –وبكل ثقة وأمانة– أن نطلق على الكيان السياسي الإسلامي عنوان: (دولة)؛ لأنه متوفّر على عناصرها ومتوافر على شروطها»[46].
وانطلاقًا من هذه الرؤية، يضع العلّامة الفضلي تصوّرًا مغايرًا لمرجع التقليد، إذ يضع من بين شروطه: «الكفاءة الإدارية»، ذلك أن «إدراك توفّر هذا الشرط في المرجع الديني، والانطلاقة إلى التماس توفّره بوعي، وتحقيق وجوده في الواقع العملي بحرص وجدّية مطلب ضروري، والأدلّة التي يستدلّ بها على لزوم توفر هذا الشرط هي أدلّة ولاية الفقيه عقليةً ونقليةً»[47].
ولبيان مراده من الكفاءة الإدارية، يضع الفضلي مجموعة من المهام التي يراها ضمن وظيفة المرجع الديني الشرعية، وهي:
1) تعيين الوكلاء في الأطراف والبلدان.
2) جباية الحقوق المالية الشرعية.
3) توزيع الحقوق المالية وتوظيفها فيما يخدم الإسلام ويحقّق المصلحة للمسلمين.
4) الإشراف على الحوزات العلمية إداريًّا وعلميًّا.
5) الإفتاء أو الحكم في تحديد الموقف من القضايا العامّة التي على الدين أن يقول كلمته فيها.
ثمّ يعلّل ذكر هذه المهام، بقوله: «ويرجع هذا إلى أنّ مرجع التقليد عندنا –نحن معاشر الإمامية– يقوم بوظيفة النيابة العامّة عن الإمام (عليه السلام) الذي هو رأس المسلمين والمسؤول الأول عن إدارة شؤونهم وتسيير قضاياهم الشرعية»[48].
وانطلاقًا من هذه الرؤية، يفرّق الفضلي بين نوعين من الفقهاء، وهما: «المجتهد المفتي، وهو من تتوفّر فيه الشروط التي ذكرها الشيخ الجناتي وما ذكرناها في رسالتنا في التقليد، والمجتهد المدرّس الذي له القدرة على البحث الخارج، ولكن في حدود المقارنة بين الأقوال، والموازنة بين أدلتها وترجيح ما ينهيه إليه البحث. وعليه، فليس كل من يباحث الخارج هو مجتهد إفتاء،... وعلى الأمة إذا أرادت أن تختار المجتهد للإفتاء والمرجعية في التقليد أن تتأكد من تأهله بالشروط المطلوبة، أي إنه فوق مستوى مجتهد الترجيح وبمستوى رتبة الإفتاء ومركز المرجعية»[49].
2) طرح المشاريع العلمية المنسجمة ومبدئية شمول الإسلام
منذ بداياته النجفية الأولى، ارتبط العلامة الفضلي بالجمعيات والمؤسسات الثقافية النشِطة في حينها، ولا يخفى تأثير هذه البدايات على طبيعة المعالجات التي يقدّمها العلّامة في مؤلّفاته ودراساته البحثية. ولذلك نجده لا يكتفي بالمعالجة النظرية البحتة، وإنما يقترح مجموعة من البرامج والمشاريع التي من شأنها خدمة الفكرة التي يقدّمها بديلًا للواقع الفعلي.
ومن ذلك ما ذكره عن أنواع الاجتهاد، إذ قسّمه إلى: فردي وجماعي، مبيّنًا حاجة الأمة إلى الأخير منهما بصورة ملحّة، وذلك ببيانه الذي يقول فيه: «إنّ حدوث الثورة الصناعية في الغرب أحدث تطوُّرًا ضخمًا في الحياة من حيث التمدُّن، وذلك بتطوُّر الآلة، وتبع هذا التطوُّر المدني تطور في الحضارة، وتمثّل هذا بوضوح في وجود المؤسسات المالية، أمثال: البنوك والشركات، وفي تطوُّر عالم الطب وتطوُّر أجهزة العلاج الطبي وأدواته، وتطوُّر وسائل الإعلام ووسائط المواصلات ووسائل الاتصالات.
وكل هذه وأمثالها لا بدّ من أن يقول الفقه الإسلامي كلمته فيها، وأن تدخل تشريعاته كأنظمة لها ارتباط مباشر بواقع حياة الناس، ذلك لأن الفقه هو نظام حياة المسلمين ينظّم علاقاتهم على مختلف أنماطها ومختلف مستوياتها ومختلف شؤونها فرديةً واجتماعية وسواهما.
وقد لا يتأتّى هذا بسهولة عن طريق الاجتهاد الفردي، بسبب ما يتطلّبه تنقيح الموضوع تنقيحًا واضحًا يجعله في متناول الفقيه بيسر ليبحث –بدوره– عن حكمه فيما لديه من نصوص وقواعد أفيدت من عمومات وإطلاقات النصوص، ذلك للفرق بين البحث الفردي والبحث الجماعي، ففي البحث الفردي يقوم الفرد بإعداد كل ما يرتبط بموضوع بحثه، ولأن طاقته كفرد طاقة محدودة، ووقته محدود، وقدراته العلمية والفنية أيضًا محدودة يعسر عليه البحث بحثًا منتجًا نتائج تبعّد كل ما يسببه اختلاف الفتاوى في القضايا العامّة من حرج للناس ومن شلل لحركة الأعمال والمال»[50].
وكان ما ذكره أعلاه بمثابة تمهيد، ليقدّم مشروعه فيما يتعلّق بحركة الاجتهاد التي يطمح أن تصل إليها الحالة الإسلامية، وذلك بقوله: «إنّ مجال الاجتهاد الجماعي ومحله القضايا العامة التي مرّت أمثلتها في هذا النص. والذي يقوم بالاجتهاد الجماعي –عادةً– الهيئات الفقهية والمؤسسات الفقهية.
ويتحقّق هذا الاجتهاد في الواقع الموضوعي عن طريق: البحث الجماعي المشترك، أو إعداد البحوث في المسألة من قبل أكثر من فقيه، ثم عقد مجلس أو ندوة لمناقشتها، والخروج من ذلك بفتوى جماعية يتمّ الاتفاق عليها من قبل الجميع، أو الخروج بفتوى الأكثر مع الموافقة عليها من الجميع. وتصبح الفتوى إلزامية في حق جميع المسلمين أو المواطنين بتبني الدولة لها، ذلك أنّ من خصائص أحكام الدولة: الإلزام، كما هو معروف»[51].
ولبيان مشروعية الاجتهاد الجماعي، يشير الفضلي إلى أنّ «(آية النفر) لم تتعرّض لكيفية ممارسة الاجتهاد، فلم تعرب عن لزوم اقتصار المجتهد على الاجتهاد الفردي، كما أنها لم تشر إلى أنّ له أن يمارس الاجتهاد الجماعي. وهذا يعني: أنه يمكن أن يكون فرديًّا ويمكن أن يكون جماعيًّا؛ لأنّ كلًّا منهما يصدق عليها أنه اجتهاد.
والاقتصار على الجانب الفردي منه إنما هو من باب الأخذ بأظهر المصداقين، اتباعًا للوضع المألوف للاجتهادات الأخرى في العلوم الأخرى في تلكم العصور.
مع أنه –في الواقع– هو نوع من تلاقح وتلاقي وتوافق اجتهادات فردية عند مسألة واحدة؛ لأن هناك ضرورات اقتضت ذلك، بسبب تطورات أوضاع أمور الناس وشؤونهم حضاريًّا ومدنيًّا. والمسألة –لحداثتها– لا تزال موضع بحث، وهي معروضة أمام فقهائنا للتوسُّع في دراستها والانتهاء إلى ما ينتهي إليه من نتائج»[52].
وكمقدّمة للاجتهاد الفقهي، يقترح العلامة الفضلي «دراسة بعض العلوم التي تعدُّ علومًا مساعدة للدارس والباحث في مجال التخصص. وقد اصطلح على هذه العلوم: المقدمات والمبادئ. ومقدمات علم الفقه هي:
- علوم اللغة العربية.
- علوم القرآن.
- علوم البلاغة.
- علوم الحديث.
- التاريخ الاجتماعي لعصر التشريع.
- الحياة الاجتماعية المعاصرة للفقيه.
- علم المنطق.
- علم أصول الفقه.
- القواعد الفقهية»[53].
وبعض ما ذكره العلامة الفضلي أعلاه يدرسه طالب الحوزات العلمية في صورتها التقليدية، وبعضها من اقترحاته التطويرية، كما هي الحال: مع علمي الحديث والرجال. وكذلك دراسة التاريخ الاجتماعي لعصر التشريع، الذي أراد منه: «أن يدرس الباحث الفقهي حضارة ومدنية العصر الذي صدرت فيه النصوص الشرعية، فيتعرف المجتمع العربي آنذاك في مختلف أطواره العرفية وتقاليده الاجتماعية وشتى شؤون حياته المعاشية، ليعرف بهذا القرائن المعنوية (قرائن المقام) وما إليها مما له مدخلية مباشرة أو غير مباشرة في إلقاء الضوء على تفسير محتوى النص وبيان مؤداه. وبخاصة أن أكثر النصوص الحديثية هي أجوبة لأسئلة عن واقع كان يعيشه السائل ويعايش أحداثه.
وقد لا نصل إلى تحديد أمثال: الأوزان والمكاييل ووحدات القياس الأخرى والعملات النقدية، وبعض المفاهيم الاجتماعية التي كانت تسود عرف ذلكم العصر إلَّا بهذا»[54].
كما أنّ دراسة الحياة الاجتماعية المعاصرة للفقيه، من اقتراحات العلامة الفضلي التطويرية، وقد أراد بها: «أن يتعرّف الفقيهُ الحضارةَ والمدنية للعصر الذي يعيش فيه ويقدّم له نتائجه الفقهية من آراء وفتاوى.
ذلك لأن الفقه هو النظام الشامل والقانون العام لحياة الإنسان المسلم، فإذا لم يعرف الفقيه حياة المسلم الذي يريد أن يقدّم له فقهه في جميع أبعادها وأنماطها وأطوارها الاجتماعية حضارية ومدنية، لم يعد فقهه قادرًا على تنظيم حياة المسلم المعاصر له»[55].
ومن المشاريع العلمية التي يقترحها العلامة الفضلي في مجال الاجتهاد الفقهي: تأليف وجمع الأحاديث وفق تصنيفات من شأنها المساهمة في عملية الاستنباط الفقهي، ومن ذلك ما اقترحه حول وضع مجموع بالأحاديث الإدارية التي تتميّز عن الأحاديث التشريعية، إذ إن الأولى صادرة لوضع تشريعات محدودة ضمن ظروف معينة، بينما صدرت الثانية عن المعصوم بخصوص تشريعات ثابتة. وذلك أثناء حديثه عن مشكلة التعارض بين الأحاديث، فقد يكون التعارض ناشئ عن طبيعة الحديثين المتعارضين: أحدهما تشريعي، والآخر إداري.
يقول العلامة الفضلي حول هذه الفكرة: «عدم التفرقة بين الحديث التشريعي والحديث الإداري قد يوقع في الاعتقاد بأن هناك تضاربًا بين الحديثين اللذين وردا على موضوع واحد، أولهما تشريعي والآخر إداري، واختلف في الحكم عليه، كأحاديث المتعة، حيث التشريعية منها تحلّلها، والإدارية تحرّمها.
وكأحاديث حدّ السرقة، فالتشريعية توجبه، والإدارية تسقطه، وعند علمنا بأنّ أحدهما المعيّن تشريعي والآخر إداري يرتفع التعارض الموهوم.
إنّ عدم التفرقة بين الحديث التشريعي والآخر الإداري جرّ إلى إيجاد تعارض لا أساس له. والذي ينبغي أن يُعْمَلَ لحل هذه المشكلة هو تدوين قوائم كاملة للأحاديث الإدارية المنبثّة في كتب الحديث وموسوعاته من خلال إحصائيات وافية، لتكون تلكم القوائم المرجع في هذا المجال»[56].
وفي سياق الموضوع ذاته، أثناء الحديث عن مشكلة التعارض، يشير العلامة الفضلي إلى أنّ من أسبابها ظاهرة الوضع في الحديث، وللحدّ من تأثير هذه الظاهرة، يقترح مشروعًا حديثيًّا آخر، فيقول: «إنَّ إفراز الأحاديث الموضوعة في قوائم تخصُّها، تحلّ مشكلة التعارض الموهوم المسبّبة عن عدم التمييز بين الحديث المعتبر والآخر الموضوع»[57].
كما أنه، بعد الحديث عن محدودية المادة الفقهية المبحوثة واقتصارها في العديد من المتون على الجوانب العبادية البحتة، يقترح العلامة الفضلي إدخال المواد التالية:
1) «إدخال الفقه الاجتماعي بأنماطه المختلفة إلى جانب الفقه الفردي في برامج الدراسات الفقهية الحوزوية.
2) التطوير في إعداد الرسائل العملية بإدخال جميع المسائل المستحدثة ضمن الرسالة وفي موضعها المناسب لها.
3) إنشاء مكتبة فقهية متخصّصة في كل مركز من مراكز الدراسات الفقهية الكبرى، وفتح فروع لها في المعاهد التابعة لها.
4) إنشاء مركز خاص للبحوث الفقهية، يقوم بالأعمال التالية:
- فهرسة الكتب والموسوعات الفقهية فهرسةً تفصيلية.
- تحقيق التراث الفقهي تحقيقًا علميًّا متقنًا.
- إعداد البحوث والسائل الفقهية.
- إعداد التقارير للموضوعات الجديدة، أمثال: البنوك المالية، وبنوك الدم، وبنوك المعلومات، والشركات المالية، وقضايا الطب، ومستحضرات الأدوية العلاجية، ومستحضرات مواد التجميل، وإلخ..، لكي تقدّم إلى الفقهاء المجتهدين لدراستها والإفتاء فيها وحولها.
5) الاستمرار بإصدار مجلات البحوث الفقهية المتخصّصة والإكثار منها.
6) إصدار نشرات تُعنى بشؤون وأخبار عالم الفقه والفقهاء.
7) إصدار موسوعة فقهية دورية، يعاد النظر في تدوينها ومن ثم طبعها كل خمس سنوات على الأكثر.
8) إنشاء دور نشر للإنتاج الفقهي.
9) استمرار وجود المجامع الفقهية الراهنة وإنشاء أخرى مماثلة لها، لتقوم بالأعمال التالية:
- عقد المؤتمرات الفقهية.
-إقامة الندوات الفقهية.
-إلقاء المحاضرات الفقهية.
- إعداد اللقاءات الفقهية.
10) إنشاء مراكز للإعلام الفقهي.
ومن المفيد أن أذكر هنا الإضافة الجديدة في عالم الاجتهاد، وممارسة الاستنباط، وهي: أخذ ومراعاة أثر الزمان والمكان في الاجتهاد عنصرًا أساسيًّا من عناصر الاجتهاد»[58].
3) الآراء الفقهية المنسجمة وروحية الإسلام في تحرُّر الإنسان وحفظ كرامته
يتحدّث الدكتور الفضلي عن دور التشريع الإسلامي في حفظ كرامة الإنسان، وأن ذلك يعد من أسسه المهمة، وينطلق من الآية الكريمة: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾[59]، إذ يقول حولها: «إن هذا المسؤول هو في محلّ تكريم وتشريف، ولا يُتصوَّر بحال أن خضوع الإنسان لخالقه فيما فرضه الله عليه من تشريعات يتنافى والكرامة التي وهبها الله له. وهذه الآية الكريمة يمكن عدّها حاكمةً على التشريعات الإسلامية من حيث عدم وجود تشريعات في الفقه الإسلامي تؤدّي إلى هدر كرامة الإنسان أو تحطّ من مكانته. فكرامة الإنسان محفوظة في جميع أحكام التشريع الإسلامي بموجب هذه الآية الكريمة. ولذلك يمكننا -ملخَّصًا- أن نقول بأن الإنسان في موقعيته في هذه الحياة هو مسؤول كريم»[60].
وانطلاقًا من هذا المبدأ، يعالج العلامة الفضلي بعض المسائل ذات الحضور الإسلامي الواسع اليوم، ومن أبرزها: مسألة الصلح مع إسرائيل، ومعها مسألة العمليات الاستشهادية التي ينفّذها المسلمون المقاومون للمحتلّ الأجنبي.
إذ يصرّح العلامة الفضلي –بعد تناول القضية الفلسطينية تاريخيًّا وسياسيًّا– بوجوب «العمل من أجل استرجاع أرض فلسطين بكاملها، كما لا يجوز التعامل مه هذه الدولة التي تمثّل القاعدة الاستعمارية للدول الغربية. وموقف إيران من رفض السلام نابع من هذه الشرعية؛ ذلك أنّ إسرائيل مغتصبة لأرض إسلامية هي للمسلمين عامّة، وبإجماع فقهاء المسلمين كافّة»[61].
وأثناء حديثه عن العمليات الاستشهادية، وما يعرف تاريخيًّا لدى المسلمين بالتضحية والفداء، يقول، رضوان الله عليه: «قد أكّدت النصوص الشرعية المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) أن من يقتل في سبيل الله شهيد، تُرتَّب عليه أحكام الشهيد، من حيث عدم التغسيل والتكفين والتحنيط،... ولا فرق في ذلك بين أن يكون في زمن الحضور أو الغيبة. وإذا قتل فيه جرى عليه حكم الشهيد في ساحة الجهاد مع الكفار على أساس أنه قتل في سبيل الله»[62].
ثمّ يعقّب بقوله: «إنّ التضحية بعنوان الدفاع عن الحق لإسقاط سلطان جائر لم يرتدع عن جوره وظلمه تدخل تحت عنوان: الجهاد الدفاعي، الذي يتحقّق بإحدى وسيلتين: تجهيز الجيش، أو التضحية المنفردة»[63].
مفرِّقًا بين التضحية والانتحار، إذ عدّ الأخير بأنه: مجرد «قتل الإنسان نفسه عن عمد»، بينما التضحية: «بذل النفس في سبيل الله دفاعًا عن الحقّ. وعلى هذا فالفرق بينهما واضح، وهو أن الانتحار غاية، بينما التضحية وسيلة إلى غاية»[64].
الخاتمة: النتائج والتوصيات
النتائج
1) تأثرت العلوم الإسلامية بدءَ تأسيسها بالمنطق الأوروسطي، ما جعل المنهجية العقلية في معالجة مسائلها وتبويبها هي الغالبة. وهي المنهجية التي لا تراعي –في العديد من أمثلتها– طبيعة العلوم وتطبيقاتها الخارجية، ما يدعو إلى إعادة النظر في هذه المنهجية واستبدالها بمنهجية تنسجم وطبيعة كل علم وحقل معرفي.
2) كما تتأثر نتائج العلوم بمنهجية المعالجة داخل كل علم، تتأثر أيضًا بالخلفية الثقافية والمبدئية التي ينطلق منها كل متخصّص داخل الحقل العلمي الذي تخصّص فيه.
3) يتدخّل فهم الفقيه للغة العربية -في نحوها وصرفها ودلالتها ومعالجة مفرداتها، وهي لغة النصوص الشرعية– في معالجة تعارض الأدلة التي يواجهها في بحث مسائله الفقهية. كما تتدخّل دراسته للنصّ في إطار ظروفه التي ولد فيها، وكذلك آلية ربطه للنص بالواقع التطبيقي. ومما يؤثّر على آلية فكّ تعارض الأدلّة: نظرة الفقيه إلى التشريع الإسلامي وحدود صلته بواقع الحياة المعاصرة، ويضاف إلى ذلك: تذوّقه الأدبي والفني للنصّ الشرعي، والتعامل مع النص كمفردة من الكلام الاجتماعي.
4) من الفقهاء الذين بيّن العلامة الفضلي تأثّرهم فقهًا وأصولًا بالجانب الثقافي: الشريف المرتضى، حيث بيّن تأثّره بالأجواء الكلامية التي هيمنت زمنًا على المسائل الأصولية، وبخاصّة أنه من متكلّمي الإمامية، والشيخ محمد رضا آل ياسين الذي كان لانفتاحه الثقافي أثر على بعض الفتاوى الخاصّة بمستحدثات المسائل، والشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي كان لثقافته المعاصرة أثر على تحديث الدرس الأصولي الإمامي في النجف الأشرف.
5) لاهتمامات العلامة الفضلي اللغوية أثرها على اجتهاده الفقهي، ومن أمثلة ذلك: ترجيحه للرأي الفقهي في عَدّ المضاربة بابًا فقهيًّا مستقلًّا عن الشركة، وعدم صحّة تقديم القبول في المعاملات الفقهية على العرض من قبل البائع، مثلًا، لكون صيغتي القبول والرضى إخبار، ولا يكون الإخبار إلّا عن شيء واقع. وإفادته المعنى اللغوي لـ(قوّامون) من الاستعمالات اللغوية الاجتماعية، ومن ثمّ اعتماده في مسألة ولاية المرأة، وتفريقه بين الاستعمالين: الإخباري والإنشائي في النصوص الشرعية، وبخاصّة أن معظم النصوص التي يتعامل معها الفقيه إنشائية، ما يتطلّب معالجة تختلف عن الإخبارية، ومن ذلك الابتعاد عن المعالجة المنطقية، وهي معالجات تختصّ في معظمها بالجمل الإخبارية التي لا يواجهها الفقيه كثيرًا.
6) يظهر أثر الإلمام التاريخي الواسع عند العلامة الفضلي في تأكيده أصالة المذهب الإمامي، وبخاصّة مع المقارنة مع بقية المذاهب الإسلامية الأخرى، ويظهر ذلك أيضًا في معالجته لمفهوم المؤونة أثناء الحديث عن خُمس فاضل المؤونة، وفي نقده لبعض تعريفات الاجتهاد الفقهي وبيان خلفيات تلكم التعريفات.
7) من شواهد تأثر اجتهاد العلامة الفضلي باطلاعه على مناهج البحث الحديثة: معالجة الإطلاق والتقييد في النصوص الشرعية معالجة عرفية؛ لأنهما في الأصل مفهومان عرفيان، وتناول مسألة تقليد الميت ابتداءً بناء على السيرة العقلائية؛ لصلتها بالتشريع الذي هو أمر اعتباري، وليس أمرًا عقلائيًّا بحتًا، كما يقترح العلامة الفضلي تبويبًا فقهيًّا ينسجم وطبيعة الأحكام الفقهية، وذلك في تبويب سباعي يشمل المسائل الفقهية ضمن الأبواب التالية: أحكام العبادات، والأحكام الفردية، وأحكام الأسرة، والأحكام الاجتماعية، وأحكام الدولة، وأحكام الحقوق المالية العامة، وأحكام المعاملات الاقتصادية.
8) ومن شواهد حضور ثقافته المعاصرة في اجتهاده الفقهي: معالجته لمسألة اختلاف سنّ اليأس عند القرشية عن سنّ اليأس عند غيرها بأنه راجع إلى الوراثة والسلالة، وهو ما تقرّه التقارير الطبية، وكذلك رأيه الذي يذهب فيه إلى اجتماع الحمل والحيض عند المرأة، وصحّة أنواع البيوع الحديثة عن طريق: الهاتف والفاكس والإنترنت وآلة البيع الذاتي.
9) انطلاقًا من نظرة العلامة الفضلي للإسلام كنظام شامل للحياة، يستنكر قَصْرَ المادة الفقهية على مسائل العبادات وبعض المعاملات الفردية، ويرى ضرورة شموليتها لجميع مناحي الحياة، مستلهمًا ذلك من التجربة النبوية التي نظّم فيها نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) المجتمع المسلم ضمن مهام وأنظمة أشبه بالدولة الحديثة، ما يفرض حضورًا للتشريعات التي تتناسب وهذه الرؤية. ولأهمّية موقع المرجعية الدينية، يضع لها العلامة الفضلي مجموعة من التصوُّرات التي تنسجم ورؤيته لشمولية النظام الإسلامي.
10) يقترح العلامة الفضلي مجموعة من المشاريع النهضوية تتعلّق بتطوير عملية الاجتهاد الفقهي، منها: الانفتاح على الاجتهاد الجماعي، وبخاصّة ما يرتبط بقضايا الأمة والمجتمع وتطويره من خلال العديد من المؤتمرات واللجان الفقهية التخصّصية، وبخاصّة مع ما تشهده الحياة المعاصرة من تعقيدات وتطورات سريعة مهمّة وذات طبيعة جديدة، كما أن العلامة الفضلي يقترح مجموعة من المواد الممهِّدة لعلمية الاستنباط الفقهي، منها: دراسة علمي الرجال والحديث، والقواعد الفقهية، والتاريخ الاجتماعي لعصر التشريع، والحياة الاجتماعية المعاصرة للفقيه. ومن المشاريع المقترحة: وضع مجاميع حديثية خاصّة بالأحاديث الإدارية المختلفة عن الأحاديث التشريعية، وكذلك مجاميع بالأحاديث الموضوعة.
11) ومن آراء العلامة الفضلي المنسجمة والروح المبدئية المخلصة للإسلام ولكرامة الإنسان: رأيه الصريح في ضرورة التخلُّص من المحتلّ الأجنبي، بما في ذلك العدوّ الصهيوني ووجوب استرجاع كامل أرض فلسطين المحتلة، وإفتاؤه بصحّة العمليات الفدائية، وتفريقه بينها وبين العمليات الانتحارية.
التوصيات
1) للمنهجية الحديثة في التبويب ومعالجة المسائل العلمية دورها في الخروج بنتائج تعالج متطلّبات الحياة المعاصرة، وكذلك تساهم في تجسير العلاقة بين معطيات الدرس الشرعي ومخرجات الدرس الأكاديمي الحديث، ما يحقّق تكاملًا منشودًا بين الحوزة والجامعة. ما يتطلّب جهودًا جادة في تحديث المقرّرات الدراسية وفق هذه المنهجية، ليتعوّد الدراس عليها، ولتكون مدار الدرس والتدريس، ما يسرّع في تطويرها وتراكم التجربة حولها.
2) أفاد العلامة الفضلي من اهتماماته اللغوية في تطوير الدرس اللغوي، ويمكن توسيع الإفادة من التخصّصات العلمية في رفد ما يخدم عملية الاجتهاد الفقهي، ويمكن تطبيق ذلك بأن تضع الجامعات الإسلامية مسارات علمية، يتخصّص كل مسار في رفد الدراسات الفقهية بالمادة والمعالجة التي تطوّر من الرؤية حول الموضوعات التي يدرسها الفقهاء ولها جوانب علمية أخرى.
3) اقترح العلامة الفضلي تبويب الفقه تبويبًا سباعيًّا، شملت بعض تلكم الأبواب المادة الفقهية المبحوثة ضمن المتون التقليدية، فيما تفتقد الأبواب الأخرى إلى مادة فقهية مدوّنة بصورة مستقلة، وإنما متناثرة، سواء في كتب الفقه ضمن أبواب لا تتبعها من الناحية المنهجية، كما هي الحال مع أحكام الغناء مثلًا، أو أنها مبثوثة ضمن المصادر غير الفقهية، كما هي الحال مع بعض القيم الأخلاقية، من قبيل: التجسس والنميمة والغيبة، التي تعدّ أحكامًا فقهيًّا لكونها ضمن دائرة المحرّمات، مثلًا. ومن المهم أن تتبنى المؤسسات البحثية تناول هذه العناوين بالبحث والدراسة الفقهيين، بحيث تتراكم هذه الدراسات، لتشكّل مجموعًا فقهيًّا معاصرًا، يلبي جزءًا كبيرًا من متطلّبات المعاصَرة.
4) اقترح العلامة الفضلي مجموعة من المشاريع البحثية من شأنها تطوير وتيسير عملية الاجتهاد الفقهي، منها: وضع مجاميع حديثية للأحاديث الإدارية الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، وكذلك وضع مجاميع حديثية للأحاديث الموضوعة، ومن المهمّ أن تجد هذه المشاريع طريقها إلى النور.
[1] الدكتور عبد الهادي الفضلي، الوسيط في فهم النصوص الشرعية، بيروت: مركز الغدير، ط2، 1426ﻫ - 2005م، ص 73.
[2] الدكتور عبدالهادي الفضلي، المصدر السابق، ص 74.
[3] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية، بيروت: مركز الغدير، ط2، 1426 – 2005م، ج2/ 569.
[4] الدكتور عبد الهادي الفضلي، المصدر السابق، ج1/ 68 – 69.
[5] الحضارة الإسلامية بين دواعي النهوض وموانع التقدُّم، محاضرات الدكتور عبد الهادي الفضلي، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، 2013م، ص 182.
[6] المصدر السابق، ص 183.
[7] الدكتور عبد الهادي الفضلي، أصالة الاجتهاد عند الشهيد الصدر، بيروت: المركز الإسلامي الثقافي، ط1، 1437ﻫ - 2016م، ص 68 – 69.
[8] الدكتور عبد لهادي الفضلي، المصدر السابق، ص 71.
[9] انظر: المصدر السابق، ص 71 – 77.
[10] آرنست ماير، هذا هو علم البيولوجيا، ترجمة: د. عفيفي محمود عفيفي، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، عدد 277، يناير 2002م، ص 13.
[11] الشيخ عبد الهادي الفضلي، المضاربة ودورها في تداول وتوزيع الثروة، مجلة النجف، العدد 7، السنة 5، ذو القعدة 1382ﻫ - نيسان 1963م، ص 48 – 49.
[12] عبدالهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية، مصدر سابق، ج2/ 185.
[13] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في فقه الإمامية، بيروت: مركز الغدير، ط2، 1435ﻫ - 2014م، ج3/ 168.
[14] الدكتور عبد الهادي الفضلي، بحوث فقهية معاصرة، بيروت: مركز الغدير، ط1، 1435ﻫ - 2014م، ص 135.
[15] الدكتور عبد الهادي الفضلي، المصدر السابق، ص 225 – 226.
[16] الدكتور عبد الهادي الفضلي، المصدر السابق، ص 226.
[17] الدكتور عبد الهادي الفضلي، المصدر السابق، ص 251 – 252.
[18] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية، مصدر سابق، ج2/ 145.
[19] الدكتور عبد الهادي الفضلي، من البعثة إلى الدولة، بيروت: دار المحجّة البيضاء، ط2، 1437ﻫ - 2016م، ص 19 – 20.
[20] الدكتور الفضلي، الشيخ المفيد مؤسس المدرسة الأصولية الإمامية، أعمال مؤتمر ألفية الشيخ المفيد - قم، الدراسة رقم 117، 1413ﻫ - 1371ﻫ. ش، ص 5 - 6، بتصرّف واختصار.
[21] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في فقه الإمامية، مصدر سابق، ص 121، مع بعض التصرّف.
[22] الدكتور عبد الهادي الفضلي، مبادئ علم الفقه، بيروت: مركز الغدير، ط2، 1431ﻫ - 2010م، ج2/ 272 - 273.
[23] الدكتور عبد الهادي الفضلي، التقليد والاجتهاد، بيروت" مركز الغدير، ط2، 1426ﻫ - 2005م، ص 185 – 186.
[24] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية، مصدر سابق، ج2/ 153.
[25] الدكتور عبد الهادي الفضلي، المصدر السابق، ج2/ 411.
[26] الدكتور عبد الهادي الفضلي، التقليد والاجتهاد، مصدر سابق، ص 154.
[27] انظر: الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في فقه الإمامية، مصدر سابق، ج3/ 164.
[28] الدكتور عبد الهادي الفضلي، قضايا وآراء، بيروت: دار الزهراء، ط1، 1414ﻫ - 1993م، ص 59.
[29] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في فقه الإمامية، مصدر سابق، ج1/ 278 - 279.
[30] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في فقه الإمامية، مصدر سابق، ج5/ 37 – 38.
[31] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية، مصدر سابق، ج2/ 313 - 314.
[32] السيد مصطفى جمال الدين، الديوان، بيروت: دار المؤرّخ، ط1، 1415ﻫ - 1995م، ص 21.
[33] الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في فقه الإمامية، مصدر سابق، ج2/ 139 – 140.
[34] الدكتور عبد الهادي الفضلي، المصدر السابق، ج2/ 150، مع اختصار وتصرف يسيرين.
[35] الدكتور عبد الهادي الفضلي، المصدر السابق، ج3/ 191.
[36] عبدالهادي الفضلي، المصدر السابق، ج3/ 191 – 192.
[37] عبدالهادي الفضلي، المصدر السابق، ج4/ 166.
[38] عبدالهادي الفضلي، المصدر السابق، ج4/ 167.
[39] عبدالهادي الفضلي، المصدر السابق، ج5/ 251 – 252.
[40] الدكتور عبد الهادي الفضلي، الإسلام والتعدُّد الحضاري، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، 2014م، ص 89.
[41] عبدالهادي الفضلي، المصدر السابق، ص 117.
[42] عبدالهادي الفضلي، الحضارة الإسلامية، مصدر سابق، ص 154.
[43] عبدالهادي الفضلي، التقليد والاجتهاد، مصدر سابق، ص 260.
[44] انظر: عبدالهادي الفضلي، المصدر السابق، ص 262 – 263.
[45] انظر: دروس في فقه الإمامية، ج5/ 107 – 110.
[46] المصدر السابق، ج5/ 110.
[47] عبدالهادي الفضلي، التقليد والاجتهاد، مصدر سابق، ص 114 – 115، مع تصرّف يسير.
[48] المصدر السابق، ص 108 – 109.
[49] المصدر السابق، 270 – 271.
[50] المصدر السابق، ص 215.
[51] المصدر السابق، ص 218.
[52] المصدر السابق، ص 225.
[53] دروس في فقه الإمامية، مصدر سابق، ج1/ 63.
[54] المصدر السابق، ج1/ 73.
[55] المصدر السابق نفسه.
[56] دروس في أصول فقه الإمامية، مصدر سابق، ج2/ 552.
[57] المصدر السابق، ج2/ 555.
[58] عبدالهادي الفضلي، التقليد والاجتهاد، مصدر سابق، ص 264 – 265.
[59] سورة الإسراء، الآية: 70.
[60] الدكتور عبد الهادي الفضلي، الوحدة الإسلامية أسس البناء ومفاعيل الهدم في المجتمع المسلم، مركز آفاق للدراسات – سيهات، ط1، 1437ﻫ - 2016م، ص 77.
[61] عبدالهادي الفضلي، بحوث فقهية معاصرة، مصدر سابق، ص 314.
[62] المصدر السابق، ص 327 – 328.
[63] المصدر السابق، 329.
[64] المصدر السابق، ص 333.