شعار الموقع

الشيخ محمد رضا المظفر العالم والمصلح والمجدد

ليث العتابي 2020-04-28
عدد القراءات « 1105 »

الشيخ محمد رضا المظفر

العالم والمصلح والمجدد

ليث العتابي*

* كاتب وباحث من العراق.

تقديم

إن الكلام عن قضايا العلم والتجديد والإصلاح كلامٌ طويلٌ بطول عمر الإنسان، تشعّبت مناهله، وكثرت موارده، وتنامى إليه اللغط، وتضاربت به الأهواء، فكان في صعودٍ وهبوط، ما بين إفراطٍ وتفريط.

ونحن إذ نتكلّم عن قضايا الإصلاح لا بدّ لنا أن نتكلّم عن روادها والداعين لها ومنظريها ألا وهم العلماء والمصلحون والمجددون، لهذا الفكر الخلّاق، والذي يهدف للنهوض بالأمة الإسلامية من مهاوي الردى إلى العلى، ومن الانغلاق إلى الانفتاح، ومن التمسّك بالماضي بكل ما به من مساوئ وأخطاء إلى الحاضر مع تصحيح الأخطاء والاستفادة من الإرث الحضاري النافع كدافع للتطور والانطلاق.

لذا فلا بد لنا من انطلاقة جديدة لفهم الإصلاح والتجديد، وذلك لإعادة السمو والعزة والمنعة والتقدم للإسلام كدين ومنهج متكامل للحياة.

إن من أهم الطرق التي يجب علينا اتباعها في هذه الانطلاقة، هي الرجوع إلى علماء الإسلام من مجددين ومصلحين الذين كان لهم الدور الريادي في نهضة المسلمين بأنحاءٍ متعدّدة، والتي منها: الحفاظ على هذا الدين، ونشر العلم والمعرفة الخالصة، وهداية الناس؛ لننهل من تجاربهم ما يفيدنا، ويغنينا عن الوقوع في الأخطاء، ويجنّبنا إعادة الأخطاء -إن وجدت- ويؤرّخ لعلمائنا بما يضمن أن نحفظ تراثهم، ونعرّف الأجيال بهم، ونفخر بإنجازاتهم.

شأن المصلحين في كل زمانٍ ومكان أن يُعفى ذكرهم وتُصادر جهودهم، أو تُختزل من قِبَل جماعة ما ولغاية ما.

أما الافتخار بهم وبما قاموا به من جهود فلا يستبعد كثيرًا عالميًّا. أما عربيًّا فبعيدٌ وهم أحياء، وأقل بُعدًا وهم أموات.

رحم الله الشيخ محمد رضا المظفر عاش ومات وهو في كلتا الحالتين كان مجهول القدر، لم يُنصف في حياته، ولم يُنصف بعد موته أبدًا، إذ لم يعطَ حقّه، ولم يُعرّف بنتاجه، ولم يحتفَ به كما احتفي بمن هم أقل منه بكثير.

إن المنهج الإصلاحي والتجديدي للشيخ محمد رضا المظفر كان له في خارج العراق مكانة وتقدير واستيعاب وفهم أكثر من مكانته في داخل العراق، وهذا مما يؤسف له، ويحتاج إلى وقفات جادة، فالشيخ محمد رضا المظفر -على سبيل المثال- وجملة من علماء العراق لهم مكانة كبيرة وعظيمة خارج العراق، ولا ذكر لهم داخل العراق!

إن هذا حقًّا لشيء عجاب، يحتاج إلى التوقف عنده، لمعرفة أسبابه ومسبباته، ولماذا يقع مثل هكذا حيف على علمائنا؟

في هذه المطالعة سنحاول الوقوف عند الجهود العلمية والإصلاحية للشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله)، وبما نستطيع، وقدر الإمكان، نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى تأدية حقّه، فهو وبحق صاحب فضل على كل طالب حوزة، وعلى كل طالب علوم دينية، ما دام الكل يدرس كتبه ويطالع مؤلفاته، ويستفيد من تجاربه.

الأسس المهمة نحو التجديد

إن لكل عمل خطة، ولكل عامل طريق يسير عليه وتجربة مفيدة يستفيد منها ومضرة يبتعد عنها، وتجارب الآخرين حياة تضاف لحياة الفرد الواحد، فإن لم يحدد الإنسان أهدافه ويعرف مبتغاه فحياته عبث، إما دعاة الإصلاح فهم أولى بتحديد أهدافهم، ووضع الأسس الدقيقة والحقيقية والواقعية لكل ما يخدم الناس ويسير نحو إصلاحهم.

وهنا ما دمنا مع المصلح الإسلامي الشيخ محمد رضا المظفر، سنوضح أبرز أسس الإصلاح التي حدّدها وسار عليها ونبّه لها وهي:

1- التخطيط والاستشراف المستقبلي.

2- التأليف والكتابة.

3- بناء المؤسسات الرصينة.

4- تخريج جيل يقود مسيرة التجديد والإصلاح.

5- نشر أسس الإصلاح بالطرق المفيدة والدائمة.

هاجس وتطلع

إن الهاجس المناهجي كان يؤرّق الشيخ محمد رضا المظفر، إذ كانت كتب حوزوية كثيرة من أمثال (الحاشية) و(الشمسية) و(كفاية الأصول) غزيرة الحواشي، صعبة المطالب، تذهب بالطالب يمينًا وشمالًا، حواشيها وشروحها أكثر صعوبة من متونها -في مجمل الأحيان- والفائدة منها قليلة مقارنة بما يُقرأ من أجلها كمًّا.

لذا عزم الشيخ المظفر على تقليل الهوّة، والسعي إلى وضع كتب تعتمد منهجية جديدة ومفيدة، كتب تعطي فائدة أكبر، سهلة القراءة، سهلة الحفظ، يسيرة التناول، فكان وبحق أن ظهر الإبداع المناهجي على يده (رحمه الله) في أروع صوره، تجلَّى ذلك وبحق في رائعتيه (الأصول) و(المنطق).

إن لكل كتاب من هذين الكتابين ميزاته التي جعلت منه منهجًا حوزويًّا لا يستغنى عنه في كل الحوزات الإمامية قاطبة، ولا يعني ذلك أن نغفل حق كتاب (عقائد الإمامية) أو كتاب (الفلسفة الإسلامية) ولا حتى كتاب (السقيفة) أيَّ حق من الحقوق، فلقد كان لكتاب (عقائد الإمامية) مكانته التي تجلّت في تلخيصه للرؤية العقائدية الإمامية وبأسلوب بسيط في كتيّب صغير جامع ومانع.

أسس الانطلاق

إن لكل فكرة ناجحة أسس سببت ذلك النجاح، وعوامل ساعدتها في الارتقاء والديمومة، وسنحاول الوقوف على جملة من الأسباب التي جعلت منهج الشيخ محمد رضا المظفر يتسم بتلك الديمومة والبقاء، والتي منها:

1- الإخلاص.

2- السعي الدؤوب من دون كلل ومن دون ملل رغم النقد والحسد، ورغم الصعوبات.

3- الإيمان الحقيقي بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

4- العصامية.

5- العلمية.

6- الموسوعية.

7- الانفتاح على الثقافات الأخرى.

8- الرؤية الإصلاحية الدقيقة.

9- التخطيط المنهجي الصحيح.

10- النظر إلى النتائج من دون تشاغل بالمقدمات أو الجزئيات، أو الأمور الجانبية.

الاستشراف المستقبلي في فكر الشيخ المظفر

لقد تمثّلت رؤيته الاستشرافية بما يمكن أن نجمله في أمور هي:

أولًا: تأسيس جمعية منتدى النشر، التي أسسها (رحمه الله) مع ثلة من العلماء في عام 1354هـ، وهم كلٌّ من:

1- الشيخ محمد جواد الحجامي - عميدًا.

2- السيد يوسف الحكيم - عضوًا إداريًّا.

3- السيد موسى بحر العلوم - عضوًا إداريًّا.

4- الشيخ هادي حموزي - عضوًا إداريًّا.

ثانيًا: مشروع إصلاح المنبر الحسيني (كلية الوعظ والإرشاد): إن تأسيس كلية الوعظ والإرشاد كان هدفه إصلاح المنبر الحسيني من كل الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وتهذيب ثقافة الخطباء. وتذكر التواريخ أنها أُلغيت بعد شهر واحد لشدة الهجمة التي شنّت عليها.

ثالثًا: تأسيس كلية الفقه، التي أسسها الشيخ المظفرـ وقد تدرجت ليُعترف بها، ولتكون منارًا ليومنا الحاضر، إذ مرّت بمراحل مهمة:

1- بعد سنة من تأسيسها اعترفت وزارة المعارف العراقية بها، وذلك عام 1378هـ/ 1958م.

2- اعتبرت شهاداتها عالية تطبق عليها القوانين والأنظمة فيما يتعلّق بخريجي المعاهد العالية، ودرجتها العلمية البكالوريوس، وأجازتها اللغة العربية والعلوم الإسلامية.

3- بتاريخ 29 ديسمبر 1962م وبرقم (20383) تم الاعتراف بمستوى كلية الفقه ومعادلتها بالكليات الشبيهة بها مثل كلية الشريعة والتربية والآداب.

رابعًا: تأليف جملة من الكتب التي أسست لمنهج حوزوي جديد، وهذه الكتب هي:

1- المنطق.

2- أصول الفقه.

3- عقائد الإمامية.

4- الفلسفة الإسلامية.

خامسًا: تخريجه وإجازته لثلة من الطلبة، الذين كان لهم الأثر الكبير في التجديد والإصلاح، وسنذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض الأسماء، والتي منها:

1- السيد محمد تقي الحكيم.

2- السيد مصطفى جمال الدين.

3- الشيخ أحمد الوائلي.

4- الشيخ محمد حسن آل ياسين.

5- الشيخ عبد الهادي الفضلي.

6- الشيخ محمد مهدي الآصفي.

7- الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

وقفات مع الكتب التي ألفها

إن النشاط العلمي والكتابة والتأليف تشكّل جزءًا مهمًّا من رسالة الشيخ المظفر إضافة إلى تطلعاته الحركية الإصلاحية على كافة الأصعدة، فكانت كتاباته تتمتع بجمال التعبير وروعة العرض والتنسيق[1].

وهنا لا بدّ من أن نقف عدة وقفات تُعرّف بالكتب التي ألّفها الشيخ المظفر، ومن ثم الكلام عن ميزات تلك المؤلفات من غيرها:

أولًا: كتاب المنطق

لقد تميّز كتاب (المنطق) الذي ألّفه الشيخ المظفر بأنه قد اختصر الكثير، في سبيل تحقيق الفهم للكثير من المطالب، إذ قد حدّد فيه القواعد المنطقية، مميّزًا لها عن غيرها، بدون أيّ إبهام أو زيادة لما لا يتعلّق بحريم المطالب المنطقية.

وتميّز الإبداع في تلك المقدّمة الممهّدة للمنطق، وكذلك في الكليات الخمس، وفي موضوع الموجّهات، ثم الإبداع الأروع الذي تجلّى في توضيح (الصناعات الخمس) بأسلوب قلَّ نظيره.

إن كتاب المنطق الذي ألّفه الشيخ المظفر يقع في ثلاثة أجزاء، وهو من الكتب المقرّرة في الدراسة الحوزوية، له ميزة السير المنهجي التدرجي، والخطة التعليمية تصاعديًّا ممّا يميّزه على كثير من كتب المنطق الأخرى.

نقرأ في أول كتابه الإهداء الذي كتبه الشيخ المظفر إذ يقول: «إلى أعزائنا الذين وهبنا لهم زهرة حياتنا، ومن ينتظرهم الغد قدوة صالحة، إلى الشباب الديني المتحفّز، إلى طلابنا: أهدي هذا السفر، لأنه لكم، وهو من وحي حاجتكم، والأمل أن تحقّقوا حسن الظن بكم، على ما عاهدتم عليه مدرستكم من الجهاد، لترفعوا راية العلم والدين بأقلامكم ومقاولكم، في عصرٍ انغمس بالمادة فنسي الروح، وانجرف بالعاطفة فأضاع الأخلاق، إليكم يا أفلاذ القلوب أهدي هذا المجهود المتواضع»[2].

ثانيًا: كتاب أصول الفقه

بعد أن كانت المتون الصعبة، والحواشي المثخنة بالعبارات الفلسفية تنهك طلبة العلوم الدينية، حتى ليعدّ من حَصَلَ فهمًا فيها -بأجمعها- عالمًا بحق، وبالخصوص تلك الحواشي التي كانت تأخذ الطالب بعيدًا وبعيدًا عن المتن وبعيدًا عن المراد العلمي فيها.

وهذا «ما نراه من تداخل للكثير من العلوم في علم الأصول، ممّا سبّب كثرة التقسيمات والتفريعات في داخله يومًا بعد يوم لعلوم ومناهج أخرى اندكت فيه كعلوم اللغة، والبلاغة، والفلسفة، وعلم الكلام، مما يُصَعّب على طالب العلم استيعاب كل ذلك، بل إن كل هذا يؤدي إلى تأخيره، ويشتّت تفكيره في تفريعات، وحواشي، وشروحات تضر أكثر ممّا تنفع، بل قد لا تنفع أبدًا في بعض الأحيان، وكل ذلك مخالف لأصل العلم والذي يراد منه حفظ قواعد معينة تفيد في استنباط الحكم الشرعي. لذا فإن تطوير أدوات الاجتهاد المتمثّل بالمناهج الدراسية أمر مهم، وضرورة ملحة، فنحن نقدر ونحترم ونبجل جهود علمائنا في تأليفهم للكتب، وتركهم للآثار العلمية المفيدة وبالخصوص الكتب التي أصبحت مناهج دراسية، لكن من المهم أن نعلم أنه ليس كل كتاب قيّم هو صالح للتدريس، وليس لأننا نحب ونبجّل ونقدّس الشخص الفلاني فلا بدّ أن ندرس كتبه، بل القضية قضية تطوّر معرفي، وكيف نطوّر معرفتنا لنكون أهلًا لمنصب أو درجة الاجتهاد، وهذا ما دعا إلى رفع الأصوات بأن يكون هناك تجديد في المناهج الدراسية الدينية، فإن هذه الكتب التقليدية قد درسها آلاف الطلبة ولم يجتهد منهم عشر العدد، أليس هذا خلل يحتاج إلى الإصلاح»[3].

لقد منهج الشيخ المظفر كتابه الأصولي وفق منهج علمي سلس قلَّ أن تجتمع هذه الخصال بكتاب ما، صنّفه في سنة 1957م/ 1376هـ وكتب في مقدمته ما نصه: «وضع هذا الكتاب لتبسيط أصول هذا الفن للمبتدئين يعينهم على الدخول في بحره العميق عندما يبلغون درجة المراهقين، وهو الحلقة المفقودة بين كتاب معالم الأصول وبين كفاية الأصول، يجمع بين سهولة العبارة والاختصار، وبين انتقاء الآراء الحديثة التي تطوّر إليها هذا الفن»[4].

ثالثًا: الفلسفة الإسلامية

بعد أن كانت الفلسفة مخيفة من جانب، وصعبة الفهم من جانب آخر، يتخوّف الكل منها، فكنا نسمع -مثلًا- أن فلانًا قد جنّ لأنه قرأ الفلسفة، فينصح بعدم قراءتها خوف الجنون، وتعامل كأنها ضرب من السحر، بل المضحك المبكي أن نسمع بأن الفلسفة أشبه بالنبوة لا ينالها إلَّا من ولد لذلك فقط، فهي علم يولد للشخص المراد فقط، وليس بالعلم الكسبي مطلقًا.

من الناحية التاريخية «ترجع الخلفية التاريخية للبحث الفقهي حول مسألة مزاولة الفلسفة ودراستها إلى القرون الأولى من التاريخ الإسلامي... فقد قامت بعض التيارات البارزة عبر تاريخ الفكر الإسلامي بمجابهة التفكير الفلسفي والوقوف في وجهه. ونظرًا لكون الغالبية العظمى لهذه المجابهات قد طرحت من قبل أشخاص يعتبرون أنفسهم كعلماء دين أو قادة مذهبيين في عصرهم، فكانت تُمارس هذه المعارضة والمواجهة لمزاولة الفلسفة ودراستها باسم الدين وتحت عنوان إبداء الرأي الفقهي؛ وقد بلغ الأمر بهؤلاء إلى حد الإفتاء في بعض الموارد بارتداد الفلاسفة وتكفير القول بالمنهج التعقلي. وتتألف الجبهة المناهضة للتفلسف ودراسة الفلسفة وحتى المنطق من التيارات الأساسية التالية:

1- التيار الكلامي الأشعري.

2- التيار الأخباري عند الشيعة.

3- تيار العرفان والتصوف.

4- التيار التفكيكي»[5].

إن القارئ لكتاب الفلسفة الذي ألّفه الشيخ محمد رضا المظفر، ولو حُذف منه العنوان على سبيل المثال، فلن يصدق القارئ أن الذي بين يديه هو كتاب فلسفة، أي ذلك العلم المخيف.

لقد صوّر البعض الفلسفة وكأنها معارضة للدين، أو أنها علم محرّم، ولا أدري إلى أيّ شيء استندوا من آية أو رواية، فقد حرّم ابن تيمية الحراني الفلسفة لكونها تهدم بنيان الدين في نظره، وحرّمها آخرون لهذه الدواعي وغيرها.

والعجب العجاب على كل من يَدرس الأصول ويُدرّسها وهي التي بنيت على الفلسفة، بل أغلب عبارتها فلسفية، ثم يُحرّم الفلسفة!

ثم إن هناك من يحرم العرفان، وهل هذا التحريم هو للمصطلح بما هو مصطلح، أم هو للمحتوى الذي يتناوله؟

أقول: يا من حرمتم الفلسفة، هل عندكم جواب مقنع لذلك التحريم؟ أم أن الأيديولوجيا هي الحاكمة هنا أيضًا؟ الظاهر ذلك مع شديد الأسف!

رابعًا: كتاب عقائد الإمامية

كتاب رائع في مضامينه، مختصر في أبحاثه، موجز في كلامه، يمثّل رائعة عقائدية تختصر عقائد الشيعة الاثني عشرية بصورة سهلة ويسيرة ومفيدة.

مع شديد الأسف أننا نجد مثل محمد عابد الجابري وغيره ينتقدون كتاب (عقائد الإمامية)، وينتقدون المذهب الشيعي ككل من خلال هذا الكتاب. إن محمد عابد الجابري -على سبيل المثال- يحكم على مذهب كامل اتّصف بالقدم والعراقة وغني بتراثه الفكري والكلامي والعقلي والفلسفي من خلال كتيب صغير، وأنا أشك أن الجابري قد اطّلع عليه كاملًا أو قرأه القراءة الصحيحة، علمًا أن الشيخ المظفر قد كتبه للبسطاء من أتباع المذهب الشيعي، وللذين لا يعرفون المذهب الشيعي، وذلك لكي يتعرّفوا إلى هذا المذهب بأبسط أسلوب ممكن.

من هم هؤلاء ليحاكموا تراثًا عريقًا قام على التشارك والتكامل ليختزلوه هذا الاختزال الظالم.

في هذا الصدد يقول الأستاذ إدريس هاني: «لم تعكس تلك المحاولات، أي إلمام بالتاريخ أو الفكر الشيعيَّين، كما تدلّ على ذلك مصادره المعتمدة. نعزو تلك المحاولة التي لم تحقّق النجاح المطلوب إلى الهاجس السياسي والأيديولوجي الساكن بقوة في أعماق مشروع الجابري... وحينما نعود إلى جملة المصادر التي اعتمدها الجابري في تناوله للفكر الشيعي، وهي العملية التي ستكشف، ليس فقط عن عجز في الاستيعاب، بل وهو الأخطر من ذلك، عن عجز في الفرز بين مختلف الفرق الشيعية... نجد اعتمادًا بسيطًا على ما لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة مصادر، في مقابل ذلك... نجد مادة مصدرية غنية، تتعلّق بجملة من المؤلفات ذات المنزع السلفي أو السني الأشعري...»[6].

لقد صنف الشيخ المظفر هذا الكتاب عام 1363هـ، بأسلوب بسيط وسلس، لينتفع به المبتدئ والمتعلّم والعالم على حدٍّ سواء، وهو في الأصل محاضرات دورية ألقيت في كلية منتدى النشر الدينية، كان القصد منها أن تكون ممهّدًا للأبحاث الكلامية العالية من جانب، وللردّ على الشبهات التي أثارها بعض الكتّاب كأحمد أمين المصري وأمثاله.

عن هذا الكتاب دوّن الشيخ المظفر في مقدمته قائلًا: «أمليت هذه المعتقدات، وما كان القصد منها إلَّا تسجيل خلاصة ما توصلت إليه من فهم المعتقدات الإسلامية على طريقة آل البيت (عليهم السلام). وقد سجّلت هذه الخلاصات مجرّدة عن الدليل والبرهان، ومجرّدة عن النصوص الواردة عن الأئمة فيها على الأكثر؛ لينتفع بها المبتدئ والمتعلّم والعالم، وأسميتها (عقائد الشيعة)، وغرضي من الشيعة الإمامية الاثني عشرية خاصة... لتدرأ كثيرًا من الطعون التي أُلصقت بالإمامية، ولا سيما أن بعض كتّاب العصر في مصر وغيرها لا زالوا مستمرين يحملون بأقلامهم الحملات القاسية على الشيعة ومعتقداتهم، جهلًا أو تجاهلًا بطريقة آل البيت في مسالكهم الدينية، وبهذا قد جمعوا إلى ظلم الحق وإشاعة الجهل بين قراء كتبهم والدعوة إلى تفريق كلمة المسلمين، وإثارة الضغائن في نفوسهم والأحقاد في قلوبهم، بل تأليب بعضهم على بعض... ولا يجهل خبير مقدار الحاجة -اليوم خاصة- إلى التقريب بين جماعات المسلمين المختلفة ودفن أحقادهم، وإن لم نستطع أن نوحّد صفوفهم وجمعهم تحت راية واحدة. أقول ذلك وإني لشاعر -مع الأسف- أنّا لا نستطيع أن نصنع شيئًا بهذه المحاولات مع من جربنا من هؤلاء الكتّاب، كالدكتور أحمد أمين وأضرابه من دعاة التفرقة، فما زادهم توضيح معتقدات الإمامية إلَّا عنادًا، وتنبيههم على خطئهم إلَّا لجاجًا. وما يهمنا من هؤلاء وغير هؤلاء أن يستمروا على عنادهم مصرّين، لولا خشية أن ينخدع بهم المغفّلون، فتنطلي عليهم تلك التخرّصات، وتورّطهم تلك التهجّمات في إثارة الأحقاد والحزازات. ومهما كان الأمر، فإني في تقديمي هذه الرسالة أملي أن يكون فيها ما ينفع الطالب للحق، فأكون قد ساهمت في خدمة إسلامية نافعة، بل خدمة إنسانية عامة...»[7].

خامسًا: كتاب السقيفة

ألَّف الشيخ المظفر هذا الكتاب في عام 1952م، وأشرف على طباعته المجمع العلمي الثقافي لمنتدى النشر في المطبعة الحيدرية، في مدينة النجف الأشرف.

سادسًا: حاشية على كتاب (التجارة) للشيخ الأنصاري

وهي عبارة عن تعليقات تقع في قسمي البيع والخيارات، وقد وضّح فيها الشيخ محمد رضا المظفر آراء الشيخ مرتضى الأنصاري، مع عرض لمناقشات العلماء لآراء الشيخ الأنصاري، وقد أعدّه للطبع الشيخ جعفر الكوثراني العاملي عام 1404هـ.

سابعًا: بحوثه ومقالاته

عرف الشيخ المظفر بإنتاجه المعرفي الغزير، وكانت له مقالات وبحوث وكتابات، نشرت جملة منها في صحف ومجلات متفرّقة، منها:

1- أحلام اليقظة: مجموعة محاضرات فلسفية ركّز فيها على دراسة ملا صدرا بأسلوب حوار قصصي، نشر في مجلات: (العرفان)، و(الهاتف)، و(الدليل) و(الفكر).

2- فلسفة ابن سينا: وهو بحث تناول ترجمة ابن سينا ونقد بعض آرائه، نُشر قسم منه في مجلة (البذرة) العدد الخامس، في الذكرى الألفية لابن سينا.

3- صدر المتألهين سيرته وفلسفته: نُشر في مقدمة كتاب الأسفار الأربعة.

4- المُثُل الأفلاطونية: نشر في مجلة البذرة.

5- الشيخ الطوسي: نُشر ملخّصه في مجلة النجف الأعداد (4 - 5 - 6 - 7) السنة الثانية 1958م.

إلى جانب بحوث ومقالات أخرى تصل مجموعها إلى ما يقارب الـ(40) بحثًا ومقالًا متنوعًا.

ثامنًا: تقديماته للكتب:

قدَّم الشيخ المظفر للكثير من الكتب والمؤلّفات والتي قاربت الـ(20) كتابًا.

تاسعًا: مخطوطاته وكتبه غير المطبوعة:

أما ما بقي مخطوطًا من تراثه الثَّرِّ فيمكن إجماله في:

1- بحوث في علم الكلام.

2- رسالة عملية في ضوء المنهج الحديث[8].

3- تاريخ الإسلام في السيرة[9].

4- النجف بعد نصف قرن.

5- مذكراته[10].

6- تتمة أحلام اليقظة.

7- ديوان شعره[11].

8- المواريث.

بهذا يكون الشيخ المظفر قد قدّم تجربة فكرية وإصلاحية تستحق العناية والبحث، مصطفًّا مع أولئك المصلحين الكبار الذين أسهموا في نهضة الأمة وتقدُّمها.

 

 

 



[1] محمد مهدي الآصفي، مدرسة النجف، ص 63.

[2] الشيخ محمد رضا المظفر، المنطق، ص 5.

[3] ليث العتابي، الأدوات المعرفية، ص95.

[4] محمد رضا المظفر، أصول الفقه، ج1، ص 4.

[5] علي رضا أعرافي، الفلسفة: بحث فقهي في دراسة الفلسفة، ص 26 - 27.

 

[6] إدريس هاني، محنة التراث الآخر، ص 75 - 76.

[7] الشيخ محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية، مقدمة المُحقق، ص 13 - 15

[8] أنهى منها مقدمة في أصول الدين وبعض كتاب العبادات.

[9] كتبه بألفاظ الروايات والأحاديث .

[10] دوّن فيها تاريخ الحركة الإصلاحية في النجف وتأسيس المنتدى وكلية الفقه وبقايا من مشروعه الثقافي.

[11] جمعه محمد رضا القاموسي.