شعار الموقع

الخطاب الإسلامي المعاصر من الانغلاق إلى الانفتاح

عبد الله الثبيتي 2004-10-14
عدد القراءات « 549 »

كما أن المذاهب والاثنيات والمدارس والتيارات في جميع مناحي الحياة،‏والأعراق بكل أشكالها وألوانها، ليست خيراً ‏خالصاً ‏جلها،‏فهي ـ في جانبها الإيجابي ـ ليست شراً ‏محضاً ‏كلها. ولكن الشر كل الشر في التمترس المُعمى والمقيد لحركة صاحبه داخل أحدها، بحيث لايرى أبعد من شركها المثبّت بأوتاد مغروزة حوله بقوة، موهمة إياه بأن ذلك «منطاد» تحليق ممتع أو مظلة نجاة مضمونة!! وما ذلك الشرك. وأوتاده المغروزة إلا حواجب رؤية، فوق أنها موانع حركة لمن تلتف حوله وتحيط به! وهو لايتحرك بأكثر مما تسمح به المسام الشديد الضيق بين حبالها المشدودة والملتصقة بقوة. ولايرى أبعد من ذلك أيضاً ، إذن أين جانب الإيجاب المتأتي منه الخير في هذه المدرسة والإثنية أو ذلك التيار والعصبية؟! سؤال مرفوع وجوابه الحاضر هو: إن بعض أطراف حبال تلك الشبكة خالية من العقد وطليقة الرؤوس في اتجاه الفضاء الرحب للحياة، وما على المنطلق من أسر تمترس التمذهب إلا أن يمدها ويمد إليها أطرافاً مثلها طليقة في مذاهب ومدارس كثيرة أخرى، واصلاً كل إيجاب بكل صنوله، وهو هنا لايتمتع بلذة الحرية التي لاتوصف من كل أشكال الاستعباد «اللامشروع» وكل ألوان الأسر القاتل فحسب، وإنما يخلخل شباك التعصب ويحل عقدها، فيقضي على بؤر التوتر مشعلة فتن إنساننا على كرته الأرضية!!

كما أنه ـ هنا ـ لايطلق «أسرى أنفسهم المتعصبة» فقط، بل فوق ذلك يؤسس لخيمة بمستوى الكوكب، ظليلة لكل بني الإنسان الذين لاعصبية في دواخلهم، ليس لأنهم لايحملون أرواح نفي الآخرين فحسب، وإنما ـ مع ذلك ـ هم في ظل خيمة تتسع ـ بما لايقاس ـ لما هو أكبر من حجم جميع أحياء العصر ـ‏لأنها صنعت بإرادة وحدانية مقتدرة ـ خيمة نقية الهواء مفتوحة الأروقة لكل نسيم عليل مصفى ومعطّر ينساب إليها في سلاسة من كل جانب، بل وتسمح ـ باتساعات انفتاحاتها وسهولة تعددات فتحها ـ لكل الخيرات أن تدلف إليها ـ من أبواب السماء المفتوحة ـ بشكل متدفق من أروقتها ذوات الانفتاحات المتّسعات. فينساح عامّاً كل دواخلها! ولكل الخيرات أن تنبثق من أراضيها الخصبة المعطاءة: «كوكبنا الفسيح» يشيع كل ذلك عامّاً دواخلها، فينعم ساكنوها بتلك الخيرات الوفيرة والمتجددة، «دون حكر أو حرمان» وإنما رخاء وسعادة يعودان بمردوداتهما على الجميع إسعاداً بشكل يتضاعف طردياً ‏على الجميع وللجميع. وبشكل متجدد لاانقطاع لتكاثره،‏ولا توقف لتجدده.

وكما يحق للسائل أن يسأل: «أليس هذا التوجه هو طريق اللامنتمي؟» فإنه يحق لنا أن نجيبه بـ: «كلا، لأن اللامنتمي أسير مذهب اللامنتمين».
ثم من حق سائل آخر أن يسأل: «أليست هذه هي عين العولمة التي يروّج لها بشكل صارخ ومتسارع الآن؟» ومن حقنا أن نجيبه بـ: «لا، لأن العولمة ـ المحروص على تعميمها الآن ـ تكاد تكون ذات صبغة واحدة، ولهذا وغيره فهي وقتية. أما ما عنيناه فهو محتوٍ لكل ألوان طيف كوكبنا الإيجابية الجميلة ومتفرعاتها المتجددة. ولهذا فهو دائم التجدد والوجود».
أما التمذهب والتعصب ـ لأي مدرسة أو إثنية،‏ومعه الترابط الوشائجي للمصالح المادية المتبادلة الزائلة فإلى زوال واندثار، لأن الخلاف ـ‏الفارط لعقود شركاء هذه وتلك ـ‏سيحل بقوة وأحيان بسرعة غير متوقعة،‏لسبب جوهري لايمكن صده ولا حتى مواجهته لمدة طويلة، ألا وهو تناقض كل هذه السلبيات مع طبيعة فضاء الحياة الرحب الفسيح الذي فطره الله ـ سبحانه ـ‏مزوداً إياه بسنن وقوانين جعلته يتسع للجميع..‏فالبدار البدار، وإلا أبقيت نفسك ـ ولامكان ـ خارج خيمة الجميع العملاقة. لذلك فإن أمام الخطاب الإسلامي المعاصر مهمة الإقلاع من أسر الانغلاق إلى رحابة الانفتاح، ومن الدوائر الضيقة إلى الدوائر الواسعة.

* محاضر بجامعة الملك فهد للتبرول والمعادن/ السعودية.