شعار الموقع

المرأة بين سلطة الواقع وسلطة الايديولوجيا

عبد الرحيم حامد الله 2004-10-14
عدد القراءات « 472 »
كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة/المغرب
23ـ24 فبراير/ شباط 2000

قد لانجد قضية أسالت الكثير من المداد عبر التاريخ الحديث والمعاصر،‏وشغلت عقول الفلاسفة والعلماء والمفكرين والباحثين مثل قضية المرأة. إن الإنسان (ذكر، رجل/ أنثى، إمرأة) منذ بدأ يعي علاقته بأخيه الإنسان ككائن بيوثقافي، والأسئلة حول هذه العلاقة تطرح عليه وتحفزه على إعمال العقل والنظر والتأمل لتقديم الإجابات عنها،‏أو على الأقل اقتراحها. حتى الدين، بل الدين قبل كل أصناف الإنسان أعلاه،‏منذ استحكام العلاقة بين السماء والأرض، قد بسط مذهبيته حول قضية المرأة بشكل سليم من كل التناقضات والفجوات،‏مكنه من نيل النصيب الأوفر في رسم معالم وحدود المسألة النسوية بإطلاق.
إن قضية المرأة قضية حيوية وكبيرة وخطيرة من حيث المنطلق‏(السند المرجعي) والفهم والطرح والمعالجة، إذا ما قارناها بقضايا ومشكلات أخرى معاصرة من قبيل: «العولمة»، «معركة الحضارة»، «مشكلة الهوية»، «مشكلة البيئة»، «الثورة المعلوماتية»، «مشكلة الثقافة»،‏«الثورة العلمية».. وما إلى ذلك.
لقد استطاعت قضية المرأة أن تجمع حولها مختلف الأقلام المتنافرة،‏كل قلم منها ـ‏بحسب منطلقاته وأهدافه‏ـ يسعى إلى أن يجد له موقعاً ‏ضمن خارطة البحث والدراسة.
إن كل معالجة لمسألة المرأة لاتستطيع الفكاك من أسر الواقع والايديولوجيا،‏على اعتبار أنهما المحددان الرئيسان لتحرك الوعي،‏إما في اتجاه إظهار المرأة منزهة من كل النواقص التي لحقتها ورفع الظلم عنها،‏أو في اتجاه اقصائها إقصاء كاملاً لايستثنى منه إلا الجسد/ الشهوة.

حول هذه الحمى، طلعت علينا «مجموعة البحث في العلم والثقافة» يومي 23ـ24 فبراير/ شباط 2000 بندوة دولية يحملها عنوان: «المرأة بين سلطة الواقع وسلطة الايديولوجيا» بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة محمد الأول/ وجدة، شارك فيها ثلة من المفكرين والباحثين وهذه الندوة هي الثالثة لـ «مجموعة البحث في العلم والثقافة» بعد ندوة: «العلم والثقافة،‏أية علاقة؟» بتاريخ 6ـ7 مارس/ آذار 1996، والتي صدرت في شكل كتاب عن بيت الحكمة للترجمة والنشر. وجدة/ المغرب. ثم ندوة: «إشكالية التواصل الحضاري بين الشرق والغرب» بتاريخ 18ـ19 مارس/ آذار 1998.

الورقة الأولى: المرأة: مقاربة حضارية د. مصطفى المرابط

استهل الدكتور المرابط هذه الورقة بالإقرار أنه لايمكن فصل موضوع المرأة عن الاختلالات الحضارية التي نتجت عن علاقتنا مع الغرب. فمنذ اتصالنا به أصبح التعدد في المرجعية سمة بارزة ومميزة لتاريخ مجتمعاتنا. إن هذا التعدد ليس ثمرة التعايش والتثاقف والتلاقح، إنما هو نتيجة العنف والصراع مع ما يصاحبهما من أدوات القهر والغلبة والإخضاع. وليس جديداً إذا سجلنا أننا نعيش ـ منذ مدة ـ مرحلة غلبة وهيمنة نظام قيم المنظومة الغربية،‏وتراجع مذهل لنظام قيمنا، فنظام القيم الغربي هو الذي يؤطر ويتحكم في تطور الظاهرة الاجتماعية ناهيك عن الظواهر الأخرى الفكرية منها والسياسية والاقتصادية. في هذا الإطار يمكن فصل طبيعة السجالات التي تميز مجتمعاتنا في موضوع مثل موضوع المرأة.
إن البحث والتفكير في مثل هذه الإشكالات ـ‏حسب الأستاذ المحاضر ـ يحيلنا على الواقع، لإثارة الأسئلة مجدداً حول مسألة التعدد الحضاري: هل هناك حضارة واحدة تشمل الإنسانية جمعاء متحدة الأصول والغايات والمنطلقات والأسباب؟ أم حضارات متعددة لكل أصولها ومقاصدها؟
إن هذه الأسئلة في اعتقاد المحاضر مدخل ضروري لفهم المنظومة القيمية التي تؤطر ثقافة المرأة وواقعها المجتمعي. فالنموذج الغربي في المسألة النسائية يقدم خارج خصوصياته كعنوان كوني يشكل أفقاً ‏ومطمحاً لكل مجتمعات البشرية،‏فلا غرو بعد ذلك أن يصبح نموذج المرأة الغربية معياراً ‏تفصل عليه مجتمعات أخرى نسختها،‏وقاموساً ‏يعاد من خلال انتاج المسألة النسائية.
يرى صاحب المقاربة الحضارية أن استنطاق ثوابت المنظومة المتعلقة بمسألة المرأة يكشف عن طبيعتها وهويتها: فعملية المسح والكشف التاريخي التي قام بها كثير من الباحثين في علوم التاريخ للحضارة الغربية، منذ اليونان إلى اليوم،‏تكشف عن نظام ثابت يتحكم في الثقافة التي تؤطر مسألة المرأة: وضعيتها، موقعها، دورها، حقوقها وواجباتها. هذا الثابت يتمثل في أن الرجل فكر وعقل وقوة ونشاط، والمرأة جسد جنسي، عواطف سلبية. ينتج عن هذا أن الرجل متفوق والمرأة دونية. لكن تعميم هذا الثابت على المرحلة التاريخية الأخيرة من القرن العشرين، قد يبدو متناقضاً ‏ـ‏من وجهة نظر المحاضر ـ على اعتبار أن هذه الفترة الأخيرة عرفت انقلابات جذرية على مستوى وضعية المرأة وشخصيتها، وبروز حركات نسائية قوية لتنمية وإيقاظ الوعي النسائي فيما يخص شخصيتهن أو حقوقهن. غير أن تاريخ هذه الحضارة يعلمنا أن عند كل أزمة انعطافية يتعرض فيها ثابت من الثوابت للخطر، نجد أن هذه المنظومة تعمل على إيجاد منفذ أو إطار يستوعب ويمتص التحولات الحاصلة،‏فيضحي بالظاهر من أجل انقاذ الثابت. يتخلى عن الخطاب المنطوق، ليكون إطاراً ‏تتمظهر فيه تلك التحولات لتحتمي في الخطاب المسكوت.
ختاماً إذا أردنا أن نبحث عن حقيقة الموقف من المرأة،‏فلا يجب أن نبحث عنه في الخطاب المنطوق، بل يجب أن نستنطق الخيال الجمعي لترجمة ما تحمله الثقافة الرمزية من صور مشفرة ونظام الاشارات كالأساطير والفن والإشهار ومؤسسات الموضة.


الورقة الثانية: مداخل لفهم موضوع المرأة. منير شفيق

يرى الأستاذ منير شفيق أن قضية المرأة قد أثيرت طوال القرن المنصرم باعتبارها قضية تحرر من التقاليد والقيود الاجتماعية والدينية،‏وباعتبارها تحريراً لنصف المجتمع الذي يعتبر مشلولاً بسبب ما تعانيه المرأة من عزلة وإقصاء، وقد صحب هذين الاعتبارين المناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة والموضوعات الأساسية التي حملتها حركات «تحرير المرأة» ومساواتها بالرجل، جاءت من النموذج الغربي القائم في حينه،‏ولقد اختلفت تلك الحركات والدعوات وفقاً لاختلاف مرجعياتها الغربية، كلها تنادي بتجاوز وضع المرأة الغربية الراهن إلى مساواة مطلقة تتجاوز كل الفروقات والإمكانات المالية للدولة والمجتمع.
دخل موضوع المرأة وقضيتها ـ حسب ما يذهب إليه الأستاذ منير ـ في المرحلة الراهنة بعد انتهاء الحرب الباردة، ومحاولة الولايات المتحدة فرض رؤيتها لنظام عالمي جديد (العولمة) على الشعوب والدول جميعاً ، مرحلة جديدة تتمثل في فرض مقاييس وقوانين متعلقة بالمرأة على العالم كله وبالقدر نفسه، دون مراعاة الخصوصيات أو الإمكانات أو المصالح العليا للشعوب المختلفة.
إنك عندما تنزع نموذجاً ‏من واقعه التاريخي الاجتماعي الاقتصادي الثقافي لتعممه على العالم ككل، أو على مجتمع آخر بعينه، فقد حولته إلى مقولة إيديولوجية تصارع واقعاً آخر ومصالح أخرى وشعباً ‏مغايراً وإيديولوجية أخرى، أي تحاول فرض صورة ذهنية على واقع وتاريخ مغايرين.
يعتقد صاحب الورقة هذه، أن قضية المرأة في بلادنا قضية الأمة كلها، ومن هنا يجب أن نبدأ. ولكن هذا لاينفي ولاينبغي له أن ينفي وجود قضية خاصة للمرأة ضمنه وتحت جناحه حتى لو بدا وضعها أشد قساوة أو كثافة من جهة الانحراف أو التخلف أو الصعوبات. إن مشاكل المرأة لاتعالج بالقوانين. فالقوانين لاتجدي نفعاً إلا في المحاكم، أي في حسم الخلافات. فالعلاقة السليمة بين الرجل والمرأة،‏كما يجمل ذلك المحاضر، في المجتمع وداخل الأسرة الشرعية لاتقوم على أساس تطبيق قواعد المساواة المطلقة، فهذه المساواة قد تظلم المرأة بدورها ولاتقوم على حق المرأة في فعل كل ما يفعله الرجل ولاسيما من ناحية المفاسد. وإنما تقوم علىýأساس المساواة حيثما توجب أن تكون هناك مساواة، وتقوم على حقوق وواجبات قد تزيد أعباء على الرجل حيثما توجب ذلك، كما تقوم على بناء عدالة تزيل كل تعسف. ثم الأهم،‏يجب أن تقوم الحياة الزوجية والعائلة على أساس من السكنى والحب والمرحمة والتعاون والمشورة والسماحة والوفاء والتضحية المتبادلة. وهذا، طبقاً ‏لتصور الأستاذ منير شفيق، لانجده في القوانين،‏وإنما نجده في روح الإسلام.

الورقة الثالثة: الخطاب حول المرأة بين الفكر والثقافة. د. أحمد الخمليشي:

يجزم الأستاذ الباحث بداية، أن الخطاب الذي يدور حول المرأة الآن ليس جديداً ، بل هو خطاب قديم،‏لم تعرفه مجتمعاتنا فقط، ولكن نجده عند الآخرين أيضاً . وهذا الخطاب ينطلق من مرجعيتين اثنتين: مرجعية فكرية عقلية تحليلية علمية،‏ومرجعية ثقافية مرتبطة بالسلوك والممارسة.‏فعندما نتحدث عن حضارة الغرب نتحدث عنها كحضارة فكرية، وعندما نتحدث عن الحضارة الإسلامية،‏نتحدث عنها كحضارة ثقافية. ونحن نختلف سواء فيما بيننا أو مع الآخرين بالنسبة للحضارة الثقافية المرتبطة بالسلوك والممارسة،‏ولانكاد نختلف لو أننا اتبعنا الحضارة الفكرية التي تعتمد على التحليل والحوار وتبادل الرأي والرغبة في الوصول إلى الحقيقة.
وتبعاً لذلك، فالخطاب حول وضعية المرأة يتسم بهذه الإزدواجية: الجانب العلمي الفكري التحليلي، والجانب الثقافي، أي جانب الارتباط بالسلوك والممارسة الاجتماعيين. وهي إزدواجية ليست حديثة بل قديمة، وليست مقصورة على المجتمع الإسلامي وحده بل تشمل كل المجتمعات.
هنالك كثير من الأحكام ـ‏في نظر الأستاذ الخمليشي‏ـ‏التي نتداولها على أنها أحكام للشريعة الإسلامية،‏متأثرة بثقافة الممارسة،‏الأعراف والتقاليد. وعليه، فالمطلوب ضرورة الوقوف للتمييز ـ فيما ورثناه ـ بين ما هو ثقافة الممارسة، وما هو من شريعة الله التي لايأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
فخطابنا حول المرأة في مجتمعاتنا الآن مرتبط بثقافة السلوك والممارسة،‏غائب عن الحوار الفكري مما أدى إلى النيل من المخالفين في الرأي لا من هذه الجهة (ثقافة الأعراف والتقاليد) ولا من تلك (الثقافة الموالية للغرب) فإذا كانت ثقافة السلوك والممارسة بالنسبة إلينا وإلى كثير من شعوب أفريقيا وآسيا مرتبطة بصورة أساسية بالتقاليد والأعراف، فإنه على العكس من ذلك، ثقافة الممارسة والسلوك بالنسبة للمجتمع الأوروبي ما بعد الستينات، هي ثقافة الثورة على التقاليد والأعراف والقطيعة معها. لكن هذه القطيعة لم تمنع هذه المجتمعات من أن تنزل إلى الحضيض، حسب تعبير المحاضر الذي يؤكد على وجوب التمييز،‏من داخل الحضارة الغربية،‏بين الحضارة الفكرية بجانبها الفكري والعلمي والتحليلي، وهي حضارة إنسانية يمكن الاستفادة منها، وبين حضارة الممارسة والسلوك.
لذلك يدعو الدكتور الخمليشي إلى استعمال العقل والفكر في فحص سلوكنا ومشاكلنا، وفي الاغتناء من تراثنا. فلا ينبغي أن نستسلم للخطاب الثقافي سلوكاً وممارسة.

الورقة الرابعة: ملاحظات حول النظر في قضية المرأة. د. مصطفى بنجمزة:

في بداية كلمته، أكد الأستاذ مصطفى بنحمزة أنه سيتناول الحديث عن المرأة تحت سلطة خاصة هي سلطة الشرع. فالمرأة المسلمة ملزمة وملتزمة بالتجاوب مع حكم الشرع وبالإنصياع له لأن الخروج عنهُ يسبب للناس عموماً احراجاً .
بعدها بسط القول عن جملة ملاحظات اعتبرها مسلكاً سليماً ‏للوصول إلى فهم صحيح لحكم المرأة في ضوء الشريعة الإسلامية. هذه الملاحظات هي على التوالي:
أولاً : ضرورة نخل الفقه الإسلامي ومراجعته وإعادة النظر فيه نظرة واعية متبصرة، تنظر إلى ما كان فيه من قبيل الثقافة فأسقط على الفقه، وما هو فقه محترم يستند إلى أصول من الكتاب والسنة. وهو منهج مهم جداً ، حسب الأستاذ بنحمزة، يحصر قضية النظر الفقهي داخل إطار العلماء المتخصصين دون غيرهم.
ثانياً : التغير في التشريع أمر ضروري، والشريعة لاتنكر هذا، فلا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
ثالثاً : ضرورة ضبط المصطلحات الفقهية،‏كالمصلحة على سبيل المثال، فالشريعة الإسلامية قائمة على رعاية المصلحة، لكن المصلحة عند علماء الإسلام ليست هي ما يفهمه عامة الناس. إن المراد بالمصلحة ليس هو المعنى الفضفاض الذي يمكن أن يدخل منه من شاء.


رابعاً : ليس صواباً فتح باب الاجتهاد بلا قيد ولا شرط. إن للاجتهاد ضوابطه ومستنداته مثل الإلمام باللغة العربية عموماً والأسلوب القرآني على وجه الخصوص.

بعد ذلك انتقل المحاضر إلى الحديث عن خصوصية الأسرة كما يريدها الإسلام،‏لا كما يريدها البشر، لأن البشر ليس بيده شيء موثوق يمكن التسليم به. إن الأسرة،‏من خلال استقراء النصوص الشرعية الثابتة البينة تتميز بخصوصيات منها:
أـ المحافظة على النسب،‏باعتباره جزء من المقاصد والكليات التي حمتها الشريعة. والمحافظة على النسب إنما يلاحظ فيها إلزام الآباء بالتفاني في خدمة الأبناء ماداموا من أصلابهم. وعليه، لم يبح الإسلام من العلاقات بين المرأة والرجل إلا علاقة الزواج الشرعي من أجل أن تتماسك الأسرة وتستمر التضحية.
ب ـ‏الإئتلاف والانسجام على النحو الذي يجعلها كما أراد الله تعالى سكناً وبيتاً للرحمة والمودة لأجل استمرار النوع وتهييء الجيل الذي ينشأ في هذا المناخ الطيب بعيداً ‏عن الشكوك والإضطرابات.
ج ـ اعتبر الإسلام في توزيع المهام والأدوار أمر المؤهلات والكفاءات والقدرات والاستعدادات وليس المساواة المطلقة.
لذلك نجد، في رأي المحاضر أن الفقه الإسلامي، وهو فقه منطقي وواقعي، قد اهتم بالمرأة والرجل على السواء،‏على مستوى العبادات والحقوق والواجبات فأعطى فيها للرجل ما أعطى، وأعطى للمرأة ما أعطى، كما أن هناك أبواباً مشتركة يتساوى فيها الرجال مع النساء.
وبهذا الشكل، يختم الأستاذ بنحمزة، يكون الإسلام قد نظم العلاقة بين الرجل والمرأة تنظيماً ‏متميزاً ‏خاصاً يخالف به كل المناهج في معالجتها لقضية المرأة.

الورقة الخامسة: قضية المرأة من منطق الضحية إلى سلطة الجلاد. د. خالد حاجي

أشار الأستاذ المحاضر في بداية ورقته إلى أن مسألة المرأة تستدعي وقفة تأملية مطولة عند جذورها،‏بعيداً ‏عن النقاش الظرفي المخفي للصواب، المغيب لحقيقة وطبيعة معاناة المرأة في الواقع. ثم إلى أن فصل المرأة عن باقي شرائح المجتمع ينم في العمق عن حالة مرضية وعن خلل في التوازن وخيال وجنون. بعبارة أفصح، إن كانت المرأة تعاني في مجتمع ما،‏فهذا يعني أن المجتمع بأكمله يعاني،‏وذلك لأنها مجرد عضو في جسم يتألف منها ومن الرجل، أخيها وأبيها وزوجها.
وجواباً ‏عن سؤال قدمه الأستاذ حاجي: من الذي خول للمرأة أن تنتصب ذاتاً مستقلة عن الرجل؟، قال: لعل الذي خول للمرأة أن تنتصب ذاتاً ‏مستقلة عن الرجل هو المنطق الذي خول للرجل أن ينتصب ذاتاً مستقلة عن المرأة، وهو نفسه المنطق الذي يسمح «للأنا» أن يستقل عن «الآخر» وللشيء «المفكِر»‏ـ بكسر الكاف ـ أن ينفصل عن الشيء الموضوع على طاولة التفكير والتشريح.
ولعل المنطق الذي سمح للمرأة أن تعي ذاتها بمعزل عن الرجل هو المنطق الذي يسمح للإنسان أن يعي ذاته خارج الطبيعة وخارج الزمن. إنه، في تصور الدكتور حاجي، منطق الحداثة القائم على مقولة «الذات والفكر والوجود»، يكرس وعي الإنسان بذاته تكريساً يؤدي في نهاية المطاف إلى الإغتراب عن الكون، وإلى سجن وجود الإنسان في جسده، أي كيس من الجلد مفصول عن الأكياس الأخرى.
ولما جاءت مرحلة ما بعد الحداثة،‏يقول الأستاذ الباحث، أصبحت المرأة،‏بموجب منطقها تعي أن الرجل ـ‏صانع الحداثة ـ‏كان رجلاً مستبداً ، يوظف العقل توظيفاً يسمح له بممارسة سلطته على المرأة،‏وبالتالي أصبح من الضروري تفكيك هذا التاريخ الرجولي وهو تاريخ تسلط وظلم في حق المرأة. لكن الحركة النسوية المعاصرة لاتحمل حلاً للمجتمع بقدر ما تحلم بأخذ مكانة الظالم وباحتلال موقع الرجل. فأصبحت تنغمس في منطق الحداثة المتسلط من حيث تظن أنها تناهضه، إنها تكرس انتماءها للمنظومة الحضارية الغربية من حيث أنها تسعى إلى ولوج مضمار الكونية والعالمية. وعليه، يسجل المحاضر أن المدافعين عن قضية المرأة قد أخفقوا في الإتيان ببديل. لقد اقترن معنى التطور والتحرر لديهم بقدرة المرأة على القيام بجميع ما يقوم به الرجل.
وفي ختام ورقته نبه الدكتور خالد إلى أن الحركة النسوية في بلادنا العربية والإسلامية تستثمر مسلمات لم تعد كذلك في الحضارة التي تتشدق بها. ولعل أكبر دليل على ذوبان الخطاب النسوي العربي في مرجعية الغرب المستعمر والمروج لمنطق العولمة هو سكوته (الخطاب) عن واقع المرأة المسماة متحررة في الغرب ذاته،‏يعري واقع معاناة المرأة العربية،‏ويسكت عن واقع معاناة المرأة/ النموذج، وعن تعدد الخطاب النسوي في الغرب.
إن الخطاب النسوي العربي يحمل في طياته رغبة ملحة في إقحام المجتمعات العربية الإسلامية في بحر الحداثة. وليت رواد هذا الخطاب ينظرون إلى المجتمعات الغربية الحديثة وهي تتخبط للخروج من الحداثة ثم الدخول في عالم أكبر ظلمة لا مكان للأسرة فيه.

* كاتب من المغرب