عَمَّان: 15 ـ 17 تشرين أول (أكتوبر) 2002م
عبد الرحمن الكواكبي
ولد عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي في حلب سنة 1854م ، من أسرة علمية يعود نسبها لآل البيت النبوي . تلقى تعليمه الأولي في أنطاكية حيث تعلم التركية ، ثم تابع تعليمه العالي في المدرسة الكواكبية بحلب . وقد أتقن اللغتين العربية والفارسية ، ما جعله يثقف نفسه عبر الاطلاع على الكتب والمراجع في مجالات علمية وشرعية وقانونية متنوعة .
بدأ الكتابة في الصحافة وهو في الحادية والعشرين من عمره عندما كلفه المؤرخ التركي المعروف أحمد جودت باشا بتحرير جريدة شبه رسمية اسمها <<الفرات>> التي أسسها سنة 1868م . عمل الكواكبي في هذه الجريدة خمس سنوات ، ثم غادرها ليصدر جريدة مستقلة سماها <<الشهباء>> ، وبدأ ينشر فيها مقالاته التي يصفها حفيده القاضي سعد زغلول الكواكبي بأنها كانت كالسيف المسلط علىالحكام والموظفين الظالمين ، ما دفع السلطات إلى إغلاقها ، فأصدر صحيفة أخرى سماها <<الاعتدال>> مُنعت هي الأخرى . ترك الكواكبي الصحافة بعد ذلك ليتولى عدداً من المناصب الإدارية ، فقد ترأس بلدية حلب ، ثم غرفة التجارة ، والمصرف الزراعي ، كما ترأس لجان فحص المحامين وكتابة العدل . اتهم خلال مزاولته أعماله بجنايات سياسية بسبب تصديه لمظاهر الظلم والإجحاف التي كان يتعرض لها مواطنوه ، فأدخل السجن ، وحكم عليه بالإعدام لكن محكمة بيروت برأته .
سافر إلى استنبول ثم عاد إلى حلب ، فتفرغ لكتابة كتابيه <<طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد>> و<<أم القرى>> . ولما أتمهما بدأ في نشر كتابه الأول <<طبائع الاستبداد>> ـ (يقع في 136 صفحة من الحجم المتوسط ، ويحتوي على مقدمة وسبعة فصول) ـ في صحيفة المؤيد المصرية ، على شكل مقالات تحمل العناوين التالية: الاستبداد والدين ، الاستبداد والعلم ، الاستبداد والمجد ، الاستبداد والمال ، الاستبداد والأخلاق ، الاستبداد والتربية ، الاستبداد والترقي ، الاستبداد والتخلص منه . .
أما كتابه <<أم القرى>> (يقع في 217 صفحة من الحجم المتوسط) فهو عبارة عن ضبط لمقررات مؤتمر النهضة الإسلامية الذي عُقد في مكة المكرمة سنة 1316هـ ، وقيل إن هذا المؤتمر لم ينعقد وإنما من صنع خيال الكواكبي ، ليعرض من خلاله أفكاره الإصلاحية والتغييرية المقترحة .
بالإضافة إلى هذين الكتابين ذكر حفيده سعد الكواكبي بأن للكواكبي كتب أخرى قد ضاعت بالمصادرة ذكر منها: صحائف قريش ، العظمة لله ، أحسن ما كان من أسباب العمران ، وغيرها من الكتب التي لم يعثر عليها لحد الآن .
من مصر انطلق الكواكبي في رحلة طويلة إلى إفريقيا الشرقية والهند وجنوب آسيا ، ثم عاد قافلاً إلى الحجاز والخليج العربي ، ثم عاد بعد ذلك إلى مصر محملاً بتجارب ومشاهدات عمقت فكره ورؤيته الإصلاحية ، وقد التقى فيها زعماء الإصلاح مثل محمد عبده ورشيد رضا وعبد العزيز الثعالبي ، ، كما كانت له لقاءات مع خديوي مصر .
في السادس من ربيع الأول سنة 1320هـ الموافق للثالث عشر من حزيران سنة 1902م . توفي الكواكبي فجأة بعد ألم شديد في بطنه لم يمهله ، وقد قيل إنه توفي مسموماً .
أثارت كتابات الكواكبي معاصريه ومن جاء بعدهم ، ونالت اهتمام عدد كبير من الباحثين الذين اعتبروه من رواد حركة الإصلاح في العصر الحديث ، وممن أثرْوا الفكر العربي والإسلامي ليس فقط في المجال السياسي ولكن في عدد من المجالات التي تطرق إليها أو عالجها . ولايزال الكثير منهم يعتقد أن ما قدمه الكواكبي من تشريح للاستبدادين الديني والسياسي ، ووصفاته العلاجية لهذا الداء العضال لاتزال سارية المفعول لمعالجة الراهن ، فالاستبداد التركي زال ليحل محه استبداد عربي بمظاهر وأشكال لا تبعد كثيراً عن سابقه ، يشهد على ذلك عمق الأزمة السياسية التي تعصف بالعالم العربي ، وتجعله يراوح مكانه بين حنين لأمجاد الماضي ، وبين عواصف حداثة كاسحة ، وهي في طريقها لإعادة تشكيل هويته الفكرية والثقافية بعدما انتهت من تشكيل جغرافيته السياسية .
سيرة الكواكبي وفكره الإصلاحي ، وما قدمه من آراء وأفكار ، وهو يُشرِّح أمراض الاستبدادين السياسي والديني ، وما قدمه من اقتراحات ومعالجات لهذه الأمراض ، وما أثارته توجهاته الفكرية من سجال بين المؤرخين والمفكرين ، هذه المواضيع وغيرها تمت مناقشتها في الندوة التي نظمها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية ، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (إليسكو) ، ومؤسسة الإمام الخوئي الخيرية ، وذلك في عمان بين 15 ـ 17 تشرين أول (أكتوبر) 2002م .
حضر الندوة لفيف من الباحثين والكتاب والمفكرين من: الأردن ، سورية ، لبنان ، مصر ، السعودية ، تونس والعراق . وعقدت على مدى ثلاثة أيام سِتُّ جلسات قدمت خلالها 19 دراسة ، أعقبتها مناقشات مستفيضة تمكنت من كشف الملامح العامة والتفصيلية لمشروع الكواكبي الإصلاحي .
في الجلسة الافتتاحية تحدث في البداية أمين عام وزارة الثقافة الأردنية د . أحمد الطراونة ، فأشاد بأهمية موضوع الندوة التي ستتحدث عن أحدأعلام الإصلاح في العصر الحديث ، الذي انداح شعاعه في أرجاء الوطن الكبير ، فتعرض للاستبداد وعرَّى طبائعه ، ومن أم القرى التمس الهدى ومنبع النور ، فكان صوته المدوي باعثاً للنهوض وفكره النيّر منارات يهتدي بها أحرار الأمة . . .
وقدم د . إسحاق الفرحان كلمة المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، فأكد الأهمية التي توليها الأمة لجهود الإصلاح والتغيير بُغية تحقيق النهوض الحضاري ، كما أشار إلى جهود المعهد الذي أخذ على عاتقه تنظيم سلسلة من الندوات تهدف إلى التعريف بعدد من المصلحين وجهودهم في إصلاح الأمة ، وإغناء مسيرتها بالفكر التنويري أمثال ابن رشد والأفغاني ورشيد رضا وابن خلدون .
تحدث بعده د . محمد هاشم الفالوقي الذي قدم كلمة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسكو) ، فأكد أن الندوة تهدف إلى الكشف عن إسهامات الكواكبي في جهود الإصلاح ، والرسالة الحضارية لحركة الإصلاح في العصر الحديث ، وتعريف الأجيال الجديدة بذخائر ماضيها الحافل بالأمجاد وإعادة ثقتها فيه . . . أما مندوب مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية د . غانم جواد (العراق) فتساءل في كلمته: هل تستطيع ثقافتنا العربية الإسلامية ، وهي تواجه اليوم تحديات كبيرة كالعولمة والإرهاب بأنواعه وأشكاله المتعددة ، وصراع الحضارات والفكر المتطرف ، وتحديث المجتمع العربي الإسلامي ، أن تجابه هذه التحديات وتحتويها لتطرح رؤيتها تجاه القضايا المصيرية . . وأشار د . جواد إلى <<أننا قد لا نجد في واقع مجتمعنا اليوم ما يتناسب وجهود النهضويين في التأسيس لحياة اعتقدوا أنها ستكون أفضل . . . كما أكد الحاجة الملحة اليوم إلى فكر إسلامي متنور ، تتبناه مؤسسات فكرية إسلامية مستقلة ، تسهم في وضع نظم دينية معرفية ، تستخلص تجربة الماضي وتستثمرها في فهم الحاضر . . .>> .
ثم تناول الكلمة حفيد الكواكبي القاضي سعد زغلول الكواكبي ، فشكر المنظمين للندوة على جهودهم وعلى اهتمامهم بإحياء الذكرى المئوية للكواكبي ، مشيراً إلى أن فكرة ومناهضة الاستبداد لا تزال تثير مخاوف بعض الأنظمة المستبدة . .
بعد الجلسة الافتتاحية عُقدت الجلسة الأولى برئاسة د . أنور الزعبي ، وتحدث فيها في البداية حفيد الكواكبي القاضي سعد زغلول الكواكبي عن: <<جوانب من السيرة الذاتية للكواكبي>> ، فحاول الكشف عن نواحي كانت ولاتزال مجهولة التفاصيل من حياته ، مع ما صار إليه أمره في مراحل حياته وبعد مماته ، وتصحيح بعض الأخطاء والمعتقدات التي يتداولها بعض الدارسين ، فأكد أ ، ولادته كانت في 9 تموز 1855م وليس 1848م ، كما وُجد في سجلات الغرفة التجارية في حلب وأن والي حلب عثمان باشا هو من أقدم على ذلك لإزالة عائق السن من أجل توليته في منصب رئاسة الغرفة التجارية .
أما تاريخ وفاته فقد وقع الكثيرون في الخطأ بشأنه ، مؤكداً أنه توفي في 13 حزيران 1902م ، كذلك من الأمور التي اختلف فيها جنسية الكواكبي ، هل هو تركي أو كردي ، فأكد حفيده أن آل الكواكبي أسرة عربية تنتمي إلى آل البيت ، وأن جدهم كان نقيباً للأشرف .
بعد استعراض محطات من حياته ، أشار إلى أن للكواكبي كتباً أخرى غير كتابيه المشهورين ، قد ضاعت بالمصادرة ، والكتب المعروفة هي: 1 ـ صحائف قريش ، 2 ـ العظمة لله ، 3 ـ كتاب الأنساب ، 4 ـ أحسن ما كان في أسباب العمران ، 5 ـ ماذا أصابنا وكيف السلامة ، 6 ـ تجارة الرقيق وأحكامه في الإسلام . وهذه العناوين منها ما ذكره الكواكبي في كتابيه ، وأخرى ذكرها عدد من المؤرخين والكتاب .
كذلك الأمر بالنسبة للصحف التي أصدرها ، فقد أكد حفيد الكواكبي أن الكواكبي أصدر جريدة سماها <<العرب>> في مصر لما هاجر إليها .
تحدث كذلك عن مذهبه وميوله الفكرية ومواقفه المناهضة للظلم والاستبداد السياسي ، كما رد على الادعاءات التي يروج لها البعض من أن الكواكبي كان ماسونياً ، فأكد أن الجمعيات الماسونية لم تظهر في حلب إلا بعد وفاة الكواكبي بمدة .
الورقة الثانية كانت للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ، وهي بعنوان: <<رؤية الإيسسكو إلى إصلاح الأمة في العصر الحديث>> ، وقد ألقاها نيابة عنه د . محمد هاشم الفالوقي ، في البداية أكد د . التويجري أن حركة الإصلاح في العالم الإسلامي جاءت نتيجة لما اصطلح عليه باليقظة أو النهضة أو الانبعاث ، وأن حركات الإصلاح التي ظهرت في العالم الإسلامي قد انطلقت لتحقيق أهداف أربعة هي: تصحيح العقيدة وإحياء الاجتهاد وبعث اللغة والنهوض بالأمة . وما يميزها هو ظهورها في ظل الاحتلال الأوروبي الذي أحاط بالامبراطورية العثمانية من كل جانب ، بل واستعمر عدداً من ولاياتها . ومن ثم ظهر عدد من المصلحين لمعالجة تداعيات هذا الوضع .
أما المرتكزات التي انطلق منها هذا الإصلاح أو تيار الإحياء والتجديد في العصر الحديث ، فقد تمثلت في ثلاثة مرتكزات أو منابع: 1ـ مبادىء الإسلام (القرآن والسنة) ، 2 ـ ثوابت التراث العربي الإسلامي ، 3 ـ ما أبدعه العقل الإنساني . وكانت السمات البارزة ـ يقول د . التويجري ـ لرواد هذا التيار الإصلاحي ، الجمع بين اهتمامات فكرية عديدة ، والانخراط في معارك ثقافية وصحافية على أكثر من جبهة للدفاع عن الأفكار الإصلاحية التجديدية . .
أما بخصوص الكواكبي فقد أشار د . التويجري إلى أن السنوات التي قضاها الكواكبي في مصر كانت هي فترة العطاء الغزير الذي خلد به ذكره . وقد التقى مع غيره من المصلحين في عدد من القضايا ، كما اختلف معهم ، فمحمد عبده يؤمن بالإصلاح عن طريق التربية ، أما الكواكبي فيؤمن بمقاومة الحكم العثماني ، وإقامة خلافة عربية ، ومقاومة الإنجليز وكل مستعمر ، والكواكبي يلتقي مع محمد عبده في وسيلة التربية ، ويلتقي مع جمال الدين في هدم الحكم الاستبدادي . وقد اتجهت اهتمامات هؤلاء الرواد الثلاثة إلى تحقيق أهداف كثيرة أهمها: 1 ـ تحرير العالم الإسلامي من الاحتلال الأجنبي . 2 ـ تصحيح الأوضاع العامة . أما اتجاهات الإصلاح ابتداء من الثلث الأخير من القرن 19م فقد سارت ـ كما يرى د . التويجري ـ في تجاهات ثلاثة: 1 ـ الإصلاح السياسي ، 2 ـ الإصلاح الديني ، 3 ـ الإصلاح الاجتماعي . وما يحسب لعبد الرحمن الكواكبي بالإضافة إلى ما قدمه من فكر تنويري ، هو كونه أول من وضع اللبنة الأولى في قواعد العمل الإسلامي المشترك . من خلال دعوته في كتابه أم القرىإلى جمعية تقام في مكة تضم جميع المسلمين لتداول جميع القضايا التي تهم العالم الإسلامي . واقتراح العلاج لمشاكله . وقد تحدث الكواكبي في كتابه هذا مطولاً عن أسباب انحطاط المجتمعات الإسلامية ، <<فأرجعها إلى 18 سبباً دينياً و12 سبباً سياسياً ، و15 سبباً أخلاقياً وتربوياً>> .
وأخيراً تحدث د . التويجري عن مآلات الإصلاح ، مؤكداً أن العالم الإسلامي قد تعرض لاختبارات شاقة استنزفت الكثير من طاقاته ، كما عرفت حركة الإصلاح انتكاسات عديدة إلى جانب ما حققته من إنجازات ومكاسب ، لكن أهم ما كشفت عنه هو أن الإصلاح قد استقر على قواعد ثابتة ، وقد أصبح مطلب الإصلاح والتغيير والتجديد مطلباً لا خلاف عليه ، بل وضرورة من ضرورات البناء والنماء . .
الورقة الثالثة في هذه الجلسة قدمها الأستاذ زكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة بعنوان: <<عبد الرحمن الكواكبي والإصلاح الإسلامي>> . فذهب إلى أن الفكر الإصلاحي عند الكواكبي قد تطور في مرحلتين أساسيتين ، بينهما ترابط وافتراق من جهتي الزمان والمكان ، المرحلة الأولى في حلب حيث تبلورت تجربته في العمل الصحافي ، ولعل هذه التجربة المبكرة ـ يقول أ . الميلاد ـ كشفت له عن قيمة الدور الذي تنهض به الصحافة في تنوير الرأي العام والقدرة على تحريكه والتأثير عليه . . . أما تجربته في المناصب الإدارية والحكومية فقد كشفت له عن ديناميات الاستبداد وكيف ينمو ويتوسع في مؤسسات الدولة ويستشري فيها .؟ وكيف يتضرر الناس من هذا الوضع الفاسد؟ أما القضاء والمحاماة فقد عرَّفه على معاناة الناس والتعدي على حقوقه . . . المرحلة الثانية عندما هاجر إلى القاهرة التي وصل إليها سرَّاً سنة 1899م . وفي هذه المرحلة استطاع أن ينشر أفكاره ، وخصوصاً كتابه (طبائع الاستبداد) الذي نشره على حلقات في صحيفة المؤيد . كما نشر كتابه (أم القرى) في صحيفة المنار . وخلال هذه المرحلة تعرف عليه المفكرون والكتاب ، واستطاع أن يحتل ـ يقول أ . الميلاد ـ مكانة متقدمة في مصر بين المفكرين والمصلحين . .
تحدث الباحث كذلك عن علاقة الكواكبي برواد الإصلاح ، فأشار إلى أن الكواكبي لم يكن تلميذاً للأفغاني أو للشيخ محمد عبده ، وإن احتمل تأثره بهما ، لكنه لم يكتب كتابيه في مصر بل نشرهما فيها ، بالإضافة إلى أنه كان أول عربي تصدى للاستبداد بالتحليل والدراسة الجادة ، كما يرى فهمي جدعان . وما يتوصل إليه أ . الميلاد هو أن الكواكبي يمثل حالة وسطية بين الأفغاني وعبده ، فهو في مجالات يتفق فيها مع الأفغاني ويختلف فيها مع عبده ، وفي مجالات أخرى يحصل العكس . . .
وبعد استعراض ما جاء في كتابي الكواكبي <<طبائع الاستبداد>> و<<أم القرى>> خلُص الباحث إلى مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات ، منها الجدل الذي أثير بين الباحثين حول اعتبار كتابات الكواكبي بدايات لأفكار القومية العربية ، مع أن الكواكبي في نظر الأستاذ الميلاد ومع أنه أعطى للعرب موقع الزعامة في الجامعة الإسلامية إلا أنه لم يربطها بالقومية وإنما بخلفيات واعتبارات دينية . . كما أكد أن توصيف الكواكبي ورؤيته لمشاكل الأمة كانت على قدر كبير من الأهمية والتميز ، وخصوصاً رؤيته وتحليله لمشكلة الاستبداد السياسي . فقد كانت <<من أنضج الرؤى التي أنتجها الفكر الإسلامي الحديث ، وتحولت إلى رؤية مرجعية في مجالها . .>> .
في الجلسة الثانية تحدث في البداية د . أسعد السحمراني (من جامعة الإمام الأوزاعي ـ لبنان) عن: <<الدين والإصلاح في فكر عبد الرحمن الكواكبي>> فأكد أن هناك علاقة وثيقة بين الدين والإصلاح في فكر الكواكبي ، يظهر ذلك من خلال تشخيصه للواقع العربي والإسلامي وأسباب تخلف المسلمين ، ما جعل كتابيه الشهيرين <<أم القرى>> و<<طبائع الاستبداد>> بمثابة <<أوراق للعمل الإصلاحي في كل كلمة وسطر منهما>> ، لقد اكتشف الكواكبي أن الإسلام كان ولايزال منبت الحرية ، وهو الذي كسر قيود الجهل والفساد وبسط التحرر والحرية لكنه وكما يقول: <<قد ذهب ضحية لظلم أهله الجاهلين الذين أسلموه للمستبدين الذين اتخذوه بدورهم وسيلة لتفريق الأمة ، وجعلوه آلة لأهوائهم>> .
لذلك دعا إلى مواجهة هذا الانحراف بالانطلاق من عقيدة التوحيد الصحيحة ، ومحاربة عقيدة الجبر والتواكل ، والاهتمام بإعداد القوة بالعلم والمال والجهاد في الدين والأمر بالمعروف وإزالة المنكر . كما نبه على خطورة عمل المتاجرين بالدين والمتسترين بالموقع العلمي أو اللباس والزي الذين يناصرون الاستبداد السياسي طمعاً في الامتيازات المالية والاجتماعية ، محملاً هؤلاء الذين سماهم بالمدلسين مسؤولية الفساد الذي لحق بالمفاهيم الدينية ، يقول الكواكبي: <<وعندي أن الداء الدفين: دخول ديننا تحت ولاية العلماء الرسميين ، وبعبارة أخرىتحت ولاية الجهال المتعممين>> ، كما انتقد حالة الغلو والتشدد . أما الخطوات الإصلاحية التي قدمها الكواكبي في كتاباته فقد لخصها الدكتور السحمراني في مجموعة من النقاط هي: 1 ـ تأكيد قاعدة مهمة هي أن الإسلام هو دين السماحة والرحمة للعالمين ، 2 ـ الدعوة إلى العمل المؤسسي المنظم بدل الأعمال الفردية لذلك دعا إلى تأسيس الجمعيات المتنوعة ، 3 ـ الاستفادة من جميع التيارات الفكرية والاجتماعية في عملية الإصلاح ، 4 ـ ضرورة الاهتمام بالعلم والتربية للناشئة والجمع بين العلم والأخلاق ، وقد انتقد ما أسماهم بالمتفرنجة ، يقول: <<أما الناشئة المتفرنجة فلا خير فيهم لأنفسهم فضلاً عن أن ينفعوا أقوامهم وأوطانهم>> ، 5 ـ التأكيد على الوحدة الوطنية بين المسلمين وغيرهم من أبناء الوطن الواحد ومحاربة أسباب الانقسام والتنازع ، 6 ـ الجمع في عملية الإصلاح بين الإصلاحين الديني والسياسي .
والخلاصة التي يتوصل إليها د . السحمراني هي أن ما عرضه الكواكبي أثناء تشخيصه لواقع الأمة ، <<وما اقترحه من أساليب ووسائل لايزال واقعياً ومفيداً في قسم كبير منه ، رغم مرور قرن على وفاته يرحمه الله تعالى . . .>> .
الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها د . أحمد فهد الشوابكة وجاءت بعنوان: <<رؤية الكواكبي للإصلاح السياسي ونظريته للخلافة العثمانية والتقاؤه أو تقاطعه مع بعض معاصريه>> ، يرى الباحث أن الضعف قد ازداد في الدولة العثمانية منذ القرن التاسع عشر وأن الشعور بالحاجة إلى الإصلاح قد انتشر حتى داخل الدولة نفسها ، وقد تبلور هذا الإحساس في ظهور تيارات إصلاحية ، منها من ينادي بالإصلاح على الطريقة الغربية ، ومنها من ينادي بالعودة إلى الأصول الإسلامية وتيار ثالث يدعو إلى الدمج والتوفيق ، وقد شارك الكواكبي في هذه الحركة الإصلاحية عن طريق ما قدمه في كتابيه <<أم القرى>> و<<طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد>> .
يرى د . الشوابكة أن أهم ما ميز برنامج الكواكبي الإصلاحي هو <<تأكيده على كون عوامل التخلف التي أصابت الشرق قد نبعث من ذاته ، ونبتت في بيئته وممارسة أفراده حكاماً ومحكومين ، كل ذلك أدى إلى تفريخ داء وبيل ، فتك بالأجسام والنفوس والعقول عند الأفراد والجماعات والشعوب ، هو داء الاستبداد . . .>> ، كذلك تميز برنامج الكواكبي الإصلاحي بتركيزه على أهمية الجانب السياسي ، وقد عالجه الكواكبي بدقة وأسلوب علمي ، لكن هذه العلمية في نظر د . الشوابكة لم تكن متوفرة في موقفه من الدولة العثمانية حيث اتسم موقفه بالتحامل وعدم الموضوعية ، خصوصاً موقفه من الخلافة والجامعة الإسلامية ، فقد اعتبر الخلافة العثمانية غير شرعية ، وقد التقت دعواته هذه مع ما كانت تروج له الدول الاستعمارية وخصوصاً بريطانيا ، التي كانت تشجع على قيام دول عربية وتدعو لتفكيك الدولة العثمانية ، لذلك فقد تعرض موقفه هذا إلى النقد من طرف بعض معاصريه ، كذلك انتقد موقفه من طبيعة الدولة المطلوب إقامتها ، فقد فهم من كلامه أنه يشجع على فصل الدين عن الدولة ، كما أخذ عليه ، كما يرى د . الشوابكة مخالفته لأسس الجامعة الإسلامية ومبادئها ، بل وقوفه في صف مناهضي الوحدة والتضامن الإسلاميين الذين عملوا جاهدين في سبيل التفريق بين العرب والأتراك وتعميق الهوة بينهما . . .
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة كانت بعنوان: <<الإصلاح الديني والإصلاح الوطني في فكر الكواكبي>> وقدمها د . محمد جمال الطحان المدير الإداري لجمعية العاديات (سورية) ، يرى د . الطحان في ورقته أن الكواكبي مثل جيلاً متأخراً من المصلحين في القرن 19م ، مما أتاح له معايشة أحداث سياسية وصراعات فكرية مهمة ، منها: حركة اليقظة العربية وظهور إرهاصات الفكر القومي ، والدعوة إلى التحرر من الحكم التركي لإقامة حكم عربي مستقل بالإضافة إلى تجربته الشخصية في الصحافة والعمل الإداري ، وهذا ما ظهر بشكل واضح في بلورة فكره الإصلاحي على المستويين الديني والسياسي .
أما بالنسبة للإصلاح الديني فقد بحث الكواكبي في كتابه <<أم القرى>> عن أسباب الفتور الذي أصاب الأمة الإسلامية ، فرأى أسباباً كثيرة منها: عقيدة الجبر والزهد . . . والصوفية التي تم اللجوء إليها بعد أن حدث التشدد في الدين ، وانعدام التنظيمات وفقدان الاجتماعات والمفاوضات ، بالإضافة إلى تراجع وجمود علماء الدين الذين أصبحوا مطية للاستبداد الديني والسياسي ، وقد طالب الكواكبي بفضح هذه الشريحة في الصحف والمجلات ، ودعوتها إلى التحرر من الجمود ، والانخراط في الاجتهاد وتحصيل الوعي ، كما أشار الكواكبي إلى الصلة التي تربط بين الاستبدادين الديني والسياسي ، مؤكداً بأن <<الاستبدادي السياسي تسبقه وترافقه أيديولوجيا متلبسة بالدين>> ، وقد حاول تبرئة الإسلام من دعوى أنه يؤيد الاستبداد ، مؤكداً أنه دين التوحيد والحرية ، والحرية لدى الكواكبي لا تتحقق بدون العدالة والمساواة في جميع المجالات .
والإصلاح الديني هو المدخل الأساسي في فكر الكواكبي للإصلاح السياسي ، <<فالإصلاح الديني والحصول على الحرية والعدالة ـ يقول د . الطحان ـ لا تتأتى إلا بسيادة الشعب على نفسه ، وسيادته على نفسه لا تكون إلا بتحقيق الشورى>> ، يقول الكواكبي: <<تمحص عندي أن أصل هذا الداء هو الاستبداد السياسي ، ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية>> ، إن أساس الشورى عند الكواكبي هو إرادة الأمة ، المتمثلة في الأخذ بآراء أهل الحل والعقد الذين يمارسون الرقابة على الحكام ، ولديهم الاستعداد بالعلم والكفاءة للقيام بذلك .
تحدث د . الطحان كذلك عن مفهوم الإسلامية عند الكواكبي ، وحدده باتحاد أو اجتماع أفكار المساواة والحرية والعدالة والشورى ، وأشار كذلك إلى أهمية الوعي بمفهوم الإصلاح لدى الكواكبي وتركيزه على منطلقاته الإسلامية وشروطه ، كما أكد على أهمية الانتماء القومي والديني معاً ، وقد رد ، د . الطحان على من ادعى بأن الكواكبي كان من دعاة فصل الدين عن الدولة ، مؤكداً أنه ميز بين الدين والدولة ، لكن قد يفهم من كلامه أنه قد قال بدمجمهما معاً تحت لواء سلطة الخلافة .
انطلقت أعمال هذا اليوم بجلسة ثالثة ترأسها د . غانم جواد من العراق ، وتحدث فيها في البداية د . مصطفى العساف (الأردن) عن: <<خصائص وواقع الأمة وأثر ذلك في فكر الكواكبي الإصلاحي>> فأكد أن <<السمات الأساسية التي ظهر فيها فكر عبد الرحمن الكواكبي الإصلاحي ، كان أبرزها ظهور الفكر القومي ، والتوسع الاستعماري الأوروبي في الوطن العربي ، واليقظة الفكرية العربية التي حمل لواءها المثقفون والمفكرون العرب>> ، أما بالنسبة لفكر الكواكبي فيرى د . عساف أنه كان يميل باتجاه الفكر القومي العلماني ، بالإضافة إلى رفضه للاستبداد السياسي وفضحه لأسبابه ، وانتقاده لرجال الدين المساندين للاستبداد والمنحرفين عن الإسلام الصحيح .
الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها د . محمد قجة رئيس جمعية العاديات (سورية) تحت عنوان: <<الإصلاح الاجتماعي والتربوي عند الكواكبي>> حيث تحدث في البداية عن عصر الكواكبي وأهم محطات سيرته وحياته ، مؤكداً بعد ذلك أن القضايا الاجتماعية والتربوية قد احتلت مكانة بارزة في فكر الكواكبي ، ويمكن تلمس جوانب الدعوة إلى الإصلاح في الميدان الاجتماعي والتربوي في سائر كتابات الكواكبي . وقد أفرد في كتابه <<طبائع الاستبداد>> فصلين الأول بعنوان الاستبداد والأخلاق والثاني الاستبداد والتربية ، كما ناقش موضوع الإصلاح الاجتماعي والتربوي من خلال الحوارات التي ضمنها كتابه <<أم القرى>> . ففي ميدان الأخلاق أكد الكواكبي أن الاستبداد يفسد الأخلاق ويمحوها ، كما يفسد الفكر ويفقد الإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر ، ويعلم الناس النفاق وقلب الحقائق وتزويرها ، وهذه الآفات ـ كما يقول د . قجة ـ تنعكس نتائجها على مجمل المجتمع . . .
وإذا كان فساد الأخلاق ناجماً عن الاستبداد فما هو طريق إصلاحها في نظر الكواكبي؟ لقد رسم الكواكبي لهذا الإصلاح مبادىء هي: وجوب التمسك بالدين وعدم التهاون به ، الحكمة البالغة والعزم القوي ، تقوية حس الإيمان ، تنوير العقول بمبادىء الحكمة ، إطلاق زمام العقول ليملك الإنسان إرادته ويقرر عمله . . . كما تحدث مطولاً في كتابه <<أم القرى>> عن أسباب الفتور الأخلاقية ، ومن أهم هذه الأسباب في نظره: الاستغراق في الجهل والارتياح إليه ، فساد التعليم والوعظ والخطابة والإرشاد وفقد التربية الدينية والأخلاقية . كما تعرض لقضية تعليم المرأة واعتبر جهلها من أسباب انحلال الأخلاق والفتور والجهل ودعا إلى تعليمها . وقد أفرد الكواكبي في قانون الجمعية الذي أقر يوم الاثنين 29 ذي القعدة 1316هـ عشر قضايا لمعالجة موضوع التعليم ، دعا فيها إلى ضرورة إيقاظ علماء الدين ، وتعميم القراءة والكتابة مع تسهيل تعليمهما ، الترغيب في العلوم والفنون النافعة ، إصلاح أصول تعليم اللغة العربية والعلوم الدينية وتسهيل تحصيلهما . . والخلاصة التي يتوصل إليها د . قجة هي أن موضوع التربية والتعليم كان من أبرز الموضوعات التي شغلت الكواكبي في حياته وكتاباته ، لأنه اكتشف مقدار ما يلحقه الاستبداد من ضرر بالعملية التربوية ، وأهمية العلم في تحرير الشعوب ودوره في القضاء على الاستبداد . .
الورقة الثالثة في هذه الجلسة كانت بعنوان: <<عبد الرحمن الكواكبي: مصلح إسلامي أم داعية قومي عروبي علماني>> وقدمها الأستاذ محمد عبد الجبار وهو باحث إسلامي من العراق ، القضية التي يناقشها الباحث عبد الجبار تتعلق بادعاء عدد من الباحثين والمفكرين بأن الكواكبي كان من أوائل من دعا أو بشر بالقومية العربية ذات التوجه العلماني الاشتراكي ، وقد فند الباحث هذه الادعاءات ، مشيراً إلى أن التصنيف الموضوعي والعلمي لأي مفكر يجب أن يرتكز على مرجعيته الفكرية وأهدافه التي سعى إلى تحقيقها ، وبالعودة إلى الكواكبي يرى الباحث عبد الجبار أن الكواكبي كان يتحرك فكرياً وسياسياً انطلاقاً من مرجعية إسلامية واضحة ، وأن هدفه كان منحصراً في إيقاظ العرب والمسلمين وضرورة نهضتهم وخروجهم من حالات التخلف التي كانوا يعيشون فيها ، أما فكره بعامة فقد كان مضمونه إسلامياً ، يقول عبد الجبار: تصور العلمانيون أن القطيعة بين الكواكبي وبين فقهاء الفكر الاستبدادي ، تمثل قطيعة بينه وبين الإسلام ، أو تحولاً عن الإسلام . . كما تصوروا أن دعوته لتحديد مساحة ولاية الخليفة ومساحة ولاية الأمة ، تعتبر فصلاً للدين عن السياسة ، والحق ليس كذلك لأن الكواكبي كان يتحدث عن دولة إسلامية ، دولة تحكمها الشريعة الإسلامية . .
بعد ذلك فُسح المجال للمناقشات وبعد استراحة قصيرة عقدت الجلسة الرابعة التي ترأسها د . مصطفى منجور (مصر) وتحدث فيها في البداية د . سهيلة الريماوي عن: <<خصائص واقع العالم والأمة في القرن التاسع عشر وانعكاساته على شخصية الكواكبي ورؤيته الإصلاحية>> ، فأشارت إلى أن القرن التاسع عشر قد تفاعلت فيه ثلاث حركات تاريخية ضخمة هي: 1 ـ حركة اليقظة العربية الناشئة ، 2 ـ حركة الرأسمالية الأوروبية الصاعدة ، 3 ـ حركة محاولة إصلاح الدولة العثمانية وتقوية سيطرتها على ممتلكاتها ، ومنها البلاد العربية . ومن تفاعل هذه الحركات الرئيسة ، بدأت تظهر بوادر الوعي ، وحركات الإصلاح والتغيير في أنحاء العالم وأنحاء الوطن العربي ، كما بدأت تظهر وسائل نقل ونشر ذلك الوعي وهذه الحركات . . كما نما وتطور بعد عودة طلاب البعثات العلمية التي توجهت إلى أوروبا ، وقد ساهم ـ تقول د . الريماوي ـ كل ذلك في نقل الأفكار التحررية والثورية التي سادت أوروبا في القرن 19م إلى بلاد الامبراطورية العثمانية ، فطرح المفكرون الدعاة المفاهيم والقيم الاجتماعية والسياسية الجديدة التي تدور حول النظم السياسية للدولة على البعدين: الداخلي والخارجي . .
بعد الحديث عن هذه الحركات قدمت د . الريماوي ترجمة موجزة لحياة الكواكبي ، كما استعرضت آثاره الفكرية ، لتنتقل بعد ذلك إلى الحديث عن منهجه في البحث والتحليل فوصفت منهجه في كتابيه <<طبائع الاستبداد>> و<<أم القرى>> بأنه منهج تحليلي مقارن ، وجاء أسلوبه في الكتاب الأول استنتاجياً أما في الثاني فقد اختار أسلوب الحوار . تحدثت كذلك مطولاً عن المفاهيم الثورية للدين التي قدمها الكواكبي ، وخلفياته الدينية ودعواته للإصلاح الديني للقضاء على الاستبداد الديني الداعم للاستبداد السياسي ، وكذلك موقفه من القومية العربية وكيف استخدم مفاهيم الأمة والدولة والقومية في كتاباته ، كما تحدثت عن أهمية الوعي عند الكواكبي ودفاعه عن الحرية التي هي أساس كل إبداع أو بحث علمي . وأخيراً عرضت لأفكاره وآرائه السياسية المباشرة ممثلة في موقفه من علاقة الفرد بالدولة ، وعلاقة الأمة أو الشعوب مع بعضها ومع الدولة داخل دولة امبراطورية واحدة .
الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها د . جمعة شيخة من جامعة تونس ، تحت عنوان: <<الكواكبي والمغرب العربي: تأثراً وتأثيراً . . المدرسة التونسية نموذجاً>> في البداية أشار الباحث إلى تأثير حركة التغيير والإصلاح التي بدأت إرهاصاتها في عاصمة الدولة العثمانية ، في المجتمع التونسي ، وكانت إيذاناً بانطلاق حركة الإصلاح في هذا البلد على يد مجموعة من المفكرين والمصلحين أمثال ابن أبي الضياف (1804 ـ 1874م) ، وهو من حرر <<عهد الأمان>> أول دستور في العالم العربي . ومحمد بيرم الخامس (1840 ـ 1889م) وقد كان حسب الباحث ، العضد الأيمن لخير الدين التونسي في برنامجه الإصلاحي قبل أن يتولى الوزارة الكبرى في تونس . ومحمد عثمان السنوسي (1851 ـ 1900م) وهو صاحب مؤلفات في الإصلاح مثل كتابه <<نظام المدينة المفيد لكتاب العصر الجديد>> كتبه سنة 1306هـ/1888م . وأخيراً خير الدين التونسي (1308هـ/1890) . وقد أكد د . شيخة أن خير الدين بكتابه <<أقوم المسالك>> (كتبه سنة 1867م/1284هـ) والمسؤوليات التي تولاها في تونس رائداً للإصلاح قبل جمال الدين الأفغاني ، وقد حاول أثناء فترة حكمه أن يُدخل العالم الإسلامي عالم الحداثة سياسياً وفكرياً وحضارياً . . ولاشك ـ يقول د . شيخة ـ: أن عبد الرحمن الكواكبي كان مطلعاً على ما يدور في الأيالة التونسية من حركة تحديثية . . وممالاشك فيه أنه قد اطلع على كتاب <<أقوم المسالك>> ، فقد أشار إليه في مقدمة كتابه <<طبائع الاستبداد>> . كما ذهب إلى أن المتمعن فيما كتبه الكواكبي يجد صدى ما كتبه دعاة الإصلاح في تونس وخصوصاً الاتفاق على أهم الركائز التي قامت عليها الحركة الإصلاحية في القرن 13هـ/19م . وقد قدم د . شيخة مقارنة في عدد من القضايا التي عالجها الكواكبي ليؤكد هذا التأثر .
من جهة أخرى يؤكد د . شيخة أن الكواكبي أثر بدوره في المدرسة التونسية الإصلاحية ، ظهر ذلك جلياً مع الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي التقى بالكواكبي في الأستانة ثم في مصر ، واستمرت العلاقة بينهما عن طريق الرسائل عندما رجع الثعالبي إلى تونس ، وقد تأثر الثعالبي كثيراً بالكواكبي ، وكان داعياً نشيطاً لأفكاره في المغرب العربي ، فقد هاجم الجهلة من المتعممين ودعا إلى قيام وإنشاء جمعيات علمية وثقافية ، وسعى إلى طبع الجرائد ودعا إلى فتح باب الاجتهاد ، وصولاً إلى تأسيسه للحزب الحر الدستوري سنة 1920م ، ونضاله من أجل برلمان تونسي وغيرها من المشاريع التي تجسد أهم الأفكار والمبادىء التي دعا إليها الكواكبي . . .
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها د . بسام البطوش من جامعة الزرقاء الأهلية بالأردن ، بعنوان: <<الخطاب الاجتماعي في فكر الكواكبي>> . يرى د . البطوش أن الكواكبي يعد من أبرز المفكرين العرب الذين أسهموا في صياغة الفكر الاجتماعي العربي الحديث ، وقد قام د . البطوش بعرض وتحليل ونقد آراء الكواكبي الاجتماعية من خلال أربعة مسائل هامة هي: 1 ـ البحث في أسباب التخلف ، 2 ـ أسس التقدم ، 3 ـ الأخلاق والعدالة الاجتماعية ، 4 ـ المرأة .
أما بالنسبة للبحث في أسباب التخلف وأسس التقدم فيمكن تأطير رؤية الكواكبي ـ كما يرى د . الطبوش ـ في محاور ثلاثة هي: الدعوة إلى الحرية ومقاومة الاستبداد ، والدعوة إلى العودة إلى الدين الصحيح ، والدعوة إلى الإفادة من علوم الغرب ورفض التفرنج . أما بالنسبة لمسألة الأخلاق والآفات الاجتماعية ، فقد ركز الكواكبي في مواجهته للاستبداد السياسي على مقاومة الاستبداد الاجتماعي الذي كشف أسبابه ومظاهره ونتائجه على الفرد والمجتمع وعلى الأخلاق العامة والفردية ، مؤكداً أن الاستبداد الاجتماعي ينحط بالحياة الاجتماعية للأمة ويحدث الخلل في العلاقة بين الفرد والجماعة . . وبخصوص قضية المرأة فقد رأى د . الطبوش أن الكواكبي قدم رؤية تقليدية في قضية المرأة ، تكشف عن حرصه على سلامة البناء الأسري وسلامة الأخلاق العامة للمجتمع ، لكنه كان مؤيداً لتعليم المرأة وعملها ـ أما بالنسبة للعدالة الاجتماعية فإن الكواكبي انطلق في معالجته لهذه المسألة من تحليله لظاهرة الاستبداد الاجتماعي ، التي هي سبب مظاهر التفاوت الاجتماعي ـ الاقتصادي ، والحل يكمن في العدالة والمساواة وتطبيق النظام الإسلامي ، وقد تحدث الكواكبي ـ كما يقول د . الطبوش ـ عن الاشتراكية وعن الانتظام العام والاشتراك العمومي كحل لمشكلة التفاوت الاجتماعي ، وعرَّف بمبادىء الاشتراكية الأوروبية . .
وفي مساء هذا اليوم عقدت الجلسة الخامسة التي ترأسها د . أسعد السحمراني وتحدث فيها في البداية د . مصطفى منجور (مصر) عن: <<العلاقات بين الاستبداد والأمن في فكر الكواكبي>> فأكد أن الكواكبي <<قد ربط بشكل أو بآخر بين الاستبداد والأمن ، ليبين للأمة أن تقويض أمنها بفعل الاستبداد الداخلي ، هو مقدمة لتقويض أمنها بفعل الاستبداد الخارجي . . .>> ، كما أجاب عن مجموعة من الأسئلة ، مثل: ما هي اتجاهات العلاقة بين الاستبداد والأمن ومساراتها والعوامل المؤثرة فيها؟ وكذلك ، هل تقبل طبيعة مفهومي الاستبداد والأمن في فكر الكواكبي المسارات المطلقة للعلاقة بينهما؟ وكيف يمكن فهم النموذج الإصلاحي للكواكبي من خلال مفهومي الاستبداد والأمن والعلاقة بينهما؟ .
وقدم د . محمد علي الأحمد (سورية) ورقة بعنوان: <<الإصلاح السياسي والوطني في جهود الكواكبي محور إصلاح الدولة العثمانية>> قارن فيها بين الظروف التي عاشها الكواكبي والظروف التي تعيشها الأمة الآن ، وأشار إلى تأثر الكواكبي بالفكر الغربي ، مؤكداً أن دعوته لقيام حكم عربي مستقل جاءت نتيجة يأسه من إصلاح الدولة العثمانية التي هي دولة استبدادية ، والاستبداد هو السبب في مناداته بفصل الدين عن الدولة ، وهذا الفصل الذي كان الغرض منه هدم الخلافة العثمانية ـ في نظر د . الأحمد ـ يعتبر خطيراً ، لأنها رمز وحدة المسلمين وجامع كلمتهم ومصدر قوتهم ، لكن البعض ذهب إلى أن الغرض السياسي من الفصل هو السعي <<نحو إقامة رابطة عربية قومية ، يكون رأسها حاكماً سياسياً لا يرتبط بالدين من حيث السلطات والصلاحيات ، وتضم هذه الدعوة العرب المسلمين وغير المسلمين ، وقد هلَّل لهذه الفكرة المنادون بالفكرة القومية من غير المسلمين . .>> .
لقد انتقد د . الأحمد عدداً من مواقف الكواكبي وآرائه التي اختلف فيها مع مدرسة المنار ومصلحيها الشيخين محمد عبده ورشيد رضا ، واتهمه بأنه كان متسامحاً مع الاستعمار البريطاني ، في الوقت الذي كان يعادي فيها الدولة العثمانية بشدة . . كذلك فالصيغة التي طرحها الكواكبي للوحدة الوطنية ولإصلاح أوضاع الوطن هي في نظر د . الأحمد ، صيغة لمبدأ العلمانية ، جعل فيها العوامل الجغرافية والتاريخية بين العرب من مسلمين ونصارى عناصر الجمع بين الطرفين على المائدة القومية ونحَّى الدين جانباً ، وهنا يبدو تأثر الكواكبي الواضح بالفكر الغربي في إبعاد الدين عن قيادة الأمة والمجتمع . .
الورقة الثالثة في هذه الجلسة جاءت بعنوان: <<تحليل نقدي للجهود والحركات الإصلاحية الحديثة>> وقدمها الأستاذ إبراهيم غرايبة من الأردن ، في البداية أشار الباحث إلى أهمية دراسة الحركات الإصلاحية الحديثة لأن هذه الدراسات تكشف الإنجازات والمكاسب التي تحققت ، كما تكشف النواقص أو ثغرات العمل الإصلاحي والعيوب التي رافقته ، ثم شرع في تتبع مسيرة الحركات الإصلاحية مؤكداً أن العمل الإصلاحي قد بدأ بمبادرات ومشروعات نهض بها مصلحون ومفكرون في مختلف أقطار العالم الإسلامي ، ثم جاءت بعدهم حركات إسلامية منظمة وشعبية استوعبت تراثهم الإصلاحي ، لينكشف مشهد العمل الإسلامي اليوم عن <<خريطة معقدة وشاملة تشمل دولاً قامت على أساس حركات وأفكار إسلامية أو متأثرة بها . . وتجارب ومحاولات للحكم والمشاركة السياسية>> في عدد من المناطق بالإضافة إلى مؤسسات ومنظمات وجامعات وبنوك وشركات ومراكز دراسات وصحف ودوريات ومحطات إذاعية وتلفزية جميعها منخرطة في عمل إصلاحي إسلامي .
وأهم ما يلاحظه الباحث في هذا المشهد الإسلامي الجديد هو <<انتقال مسؤولية الجهود الإصلاحية من الرواد أو الحركات المنظمة إلى حالة مجتمعية . .>> ، وهذا التحول يقتضي في نظره <<إعادة النظر والتفكير في مسارات العمل الإصلاحي لتناسب المشهد الجديد وأولوياته واحتياجاته وتحدياته وفرصه . .>> ، من خلال نقل الأمة المسلمة بمجموعها إلى حالة جديدة من الفاعلية الحضارية والاجتماعية ، وأن تتكامل أعمال ومواقف جميع الأطراف ، من أفراد وحكومات ومؤسسات أهلية ومجتمعية بحيث تتحقق شبكة من الإصلاح والعمل النهضوي . . .
كما دعا وفي إطار مراجعة الحركات والجهود الإصلاحية إلى ضرورة ترشيد الصحوة الإسلامية ، وإعادة النظر في عدد من المفاهيم مثل مفهوم الدولة الإسلامية ، والعمل السياسي ، وأشار إلى أهمية التنمية الثقافية ، والاستفادة من عصر المعلومات في الدعوة الإسلامية .
الورقة الأولى المقدمة في هذه الجلسة السادسة ، كانت للأستاذة سعاد جروس من سورية ، تحت عنوان: <<حركة الإصلاح في العصر الحديث: عبد الرحمن الكواكبي نموذجاً>> ، في البداية انتقدت الباحثة المناهج الدراسية التي تتحدث عن الشخصيات التاريخية ، والذي لا يعدو ما تكتبه <<أن يكون قدر رفع العتب>> بالإضافة إلى تعاملها مع التاريخ <<بأسلوب موحد: إخضاعه لعمليات تعقيم وبسترة تفقده دلالته بحيث ينتصب كألواح تذكارية باهتة>> . لا يبقى منها في الذاكرة سوى معلومات قليلة ، وهذا ما لاحظته الباحثة في تجربتها الصحافية .
بعد ذلك استعرضت مسيرة الكواكبي الصحافية بدءاً من عمله في جريدة الدولة الرسمية في حلب والتي أسسها المؤرخ التركي أحمد جودت باشا سنة 1867م ، مروراً بجريدة الشهباء التي أسسها بالاشتراك مع هاشم العطار ، وقد اتخذ هذه الصحف منبراً لنقد الفساد الإداري وعرض حاجات البلد والناس ، وقد استمر الكواكبي يعمل في الصحافة لمدة 12 سنة ، ثم انتقل بعدها إلى العمل الإداري .
وتجربته هذه سواء في العمل الصحافي أو الإداري هي التي أكسبته الخبرة والوعي ، بالسلطة وممارستها واحتياجات الواقع ، وهذا ما ظهر في كتابيه بعد ذلك <<طبائع الاستبداد>> و<<أم القرى>> ، كما استفاد كذلك من عمله في المحاماة ما جعله يُلقب بأبي الضعفاء .
تحدثت الأستاذة جروس بعد ذلك عن الكواكبي باعتباره مثقفاً ، مؤكدة أنه <<جهد ليكون مثقفاً نافذ التأثير>> من خلال علاقاته الواسعة مع الناس وأهل السياسة ، وأن تجربته كمثقف كانت مهمة جداً ، كشفت لنا <<أن عدم قبول السلطة لطبيعة العلاقة مع الكواكبي كمثقف ، أدى إلى وقوفه موقف المناهض لها>> ، ومن ثم قدرته على تشخيص أمراض الاستبداد وعلاجها ، وكذلك تمتعه بوعي تاريخي جعله يتحسس قرب نهاية السلطة العثمانية . وقد أشارت الباحثة في الأخير إلى ضرورة وأهمية إعادة النظر في كيفية التعامل مع الماضي ، وبالأخص مع الشخصيات الفكرية التي أسهمت في نهضة مجتمعاتنا ، كما دعت إلى الاستفادة من شخصية الكواكبي الفكرية وتجربته في مجال الإعلام .
الورقة الثانية قدمها الأستاذ عباس أمير معارز من جامعة القادسية بالعراق ، وجاءت بعنوان: <<حركية الإصلاح من النظام إلى الانتظام: مدخل معرفي قرآني>> في البداية تحدث الباحث عما أسماه بالصالح القرآني وعرفه بأنه <<هو الصالح الكوني الذي يرتفع على ضرورات التغيير ، فصلاحه صلاح قيمي مجرد ، لا يعني الإصلاح الأرضي البشري تحرراً منه أو انعتاقاً ، وإنما هو أي الإصلاح الأرضي ، إعادة صلة بالقيم بشكل فعال ، وتحرر من العادات والتقاليد السلبية التي تعيق الحركة المجتمعية الرشيدة>> ، وبموجب هذه الحقيقة يرى الباحث معارز أن حركة الإصلاح التي يدعو لها القرآن ، هي حركة منظمة ذات عنصرين رئيسيين: ثابت ومتحرك ، فالثابت ما وصفه الدين ـ مثلاً بالقرآن ـ بالصلاح ، ولا يمكن اعتبار الأخذ بالإصلاح البشري والانسجام مع حركية الزمان والمكان مجافاة للثابت ومخالفة له ، لأن <<الثابت هو المضمون الشامل والمجرد والغني الذي يتهاوى أمامه أي امتياز فكري تجديدي>> من هنا فحركة الإصلاح يجب أن تستند إلى الثابت القرآني ، أما مهمة المصلح في نظره ، فهي: <<تعليق المعنى أو المضمون الكلي العميق بالكائن الخاضع لحركية الزمان . . أي إعادة الأمور إلى نصابها بما يتماشى مع الصالح الذي حدد القرآن أركانه وعناصره . .>> . كما تحدث عن علاقة الإصلاح بالتجديد والتغيير ، متتبعاً مفاهيم هذه المصطلحات ، كما جاءت في مجموعة من الآيات القرآنية ليصل إلى أن مفهومي التجديد والتغيير يعانقان مفهوم الإصلاح ، فإذا كان الإصلاح <<هو الفعل البشري الذي يجيء تالياً لحركية الأشياء حينما تؤول الأشياء حركية منحرفة عن صلاحها التكويني في خلال الزمن وبسبب الفعل البشري نفسه . . .>> فإن التجديد متعلق بكل ما هو جسدي ، كما يظهر من خلال الآيات القرآنية ، أما التغيير فنجده يقترن بكل ما هو نفسي وداخلي .
والخلاصة التي يتوصل إليها الباحث هي أن <<فعل الإصلاح أعم وأشمل من فعلي التغيير والتجديد>> لأن التجديد مرتبط بالجانب المادي المرئي الخارجي ، أما الإصلاح فمرتبط بالجانب القيمي القلبي الداخلي . . . وبموجب ذلك كله يصير التجديد وسيلة الإصلاح ، ويصير الإصلاح غاية التجديد ، فالإصلاح مدخل والتجديد مخرج .
تحدث الباحث كذلك عن صفات المصلح وجهتي الإصلاح ، والإصلاح الحق ، وشروط المصلح ، ليؤكد في الأخير على أن الإصلاح الخارجي أياً كان نوعه ، مجتمعياً أو علمياً أو سياسياً أو اقتصادياً ، ما هو إلا مظهر حسي للإصلاح الداخلي . . .
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها د . محمد إبراهيم المنوفي (أستاذ أصول التربية المساعد بجامعة طنطا ـ مصر) تحت عنوان: <<فلسفة الكواكبي التربوية لمواجهة الاستبداد>> . يرى الباحث <<أن الاستبداد قد تعددت وتنوعت صوره ومظاهره ، ومواجهة ظاهرة الاستبداد تصبح مستحيلة إذا لم نبصر جيداً هذا التعدد والترابط بين مظاهر الاستبداد المختلفة ، لتأتي المواجهة بأسلوب منهجي علمي يقوم على النظر الكلي ، والبصر الشامل لكل أبعاد الظاهرة>> ، وهذا ما أدركه الكواكبي مبكراً عندما أكد على دور التربية في مواجهة الاستبداد السياسي .
في البداية قدم د . المنوفي تعريفاً مقتضباً بالكواكبي ، ثم تحدث عن تحليل الكواكبي لطبيعة الاستبداد مبرزاً أهم ركائزه ، كما عرف مظاهر الاستبداد السياسي ، من خلال البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، لينتقل بعدها إلى الحديث عن فلسفة الكواكبي التربوية لمواجهة الاستبداد السياسي ، من خلال خمسة نقاط أساسية هي الأسس الفلسفية التي يقوم عليها منهجه التربوي:
1 ـ التوحيد نقطة انطلاق لتحرير أسرى الاستبداد .
2 ـ الوجود الإنساني .
3 ـ الكواكبي والوعي السياسي .
4 ـ القيم الخلقية .
5 ـ أبرز فعاليات التعليم في مواجهة ظاهرة الاستبداد السياسي .
لقد أدرك الكواكبي مبكراً أن التربية في ظل الاستبداد تعتبر عامل إعاقة <<لأن المسيطرين عليها قوى رجعية ، من مصلحتها بقاء الأوضاع على ما هي عليه>> ، يقول الكواكبي: <<إن التربية الصحيحة غير مقصودة ولا مقدورة في ظلال الاستبداد ، إلا ما قد يكون بالتخويف من شر الظالمين ، لاستدامة الظلم . .>> ، لذلك فهو يرى بأن التربية لا يمكنها واعتماداً على قدرتها الذاتية أن تحدث التغيير الاجتماعي المطلوب ، وهذا مذهب أصحاب المنحى النقدي في علم الاجتماع ـ كما يرى د . المنوفي ـ لكن وبالرغم من أن المدرسة في ظل الاستبداد أداة قهر ، إلا أنها وكما يرى الكواكبي تعتبر الوسيلة الأساسية للتحرر ، يقول الكواكبي: <<إن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك والإحساس ، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس . . .>> .
وبما أن المدرسة قد تلعب أدواراً مختلفة ولا يمكن أن تقتصر <<على المحافظة على أيديولوجية الطبقة المسيطرة وإعادة إنتاجها ، بل إنها تسهم كذلك في إعادة بنائها ، كما تسهم في إفراز أيديولوجيات مضادة عن طريق المغايرة والمقاومة لها ، في نطاق الثقافة المدرسية الرسمية والخفية . .>> .
لقد وقف د . الموفي على الأسس الفلسفية لأفكار الكواكبي التربوية التي تضمنتها كتبه ، ولقد لخصها في خمسة أسس تحدث عنها بالتفصيل في ورقته ليخلص إلى أن أبرز فعاليات التعليم في مواجهة الاستبداد السياسي يمكن حصرها في النقاط التالية:
1 ـ أهداف التعليم ومواجهة ظاهرة الاستبداد السياسي ، من خلال: 1 ـ بناء الإنسان الحر ، 2 ـ تنمية الوعي الناقد ، 3 ـ تنمية المشاركة في حياة المجتمع السياسية .
2 ـ دور المعلم في مواجهة ظاهرة الاستبداد ، من خلال البرنامج الدراسي الذي يرغب في قيم الحرية والشورى والعدل والمساواة .
3 ـ دور المناهج وطرق التدريس في مواجهة ظاهرة الاستبداد ، عن طريق ترسيخ الوعي الحقيقي .
4 ـ دور إدارة التعليم في مواجهة الاستبداد من خلال النهج الديمقراطي الذي يزيد من فاعلية النظام التعليمي داخل المؤسسات وخارجها .