شعار الموقع

مؤتمر التجدد في الفكر الاسلامي

محمد دكير 2004-10-15
عدد القراءات « 599 »

القاهرة: 31 أيار (مايو) ـ 3 حزيران (يونيو) 2001م

هناك دواعٍ كثيرة للتجديد في الفكر الإسلامي, أولاها ضرورة الاستمرار في إعمال الفكر وقراءة النص الديني (الوحي) للكشف عن قيم الإسلام ومبادئه المتنوعة, وفهم تعاليم الوحي واكتشاف كنوزه المعرفية والحكمية, ثانياً, قراءة النصوص الدينية قراءة اجتهادية لاستنباط الأحكام الإسلامية, لمواكبة المتغيرات اليومية والمستجدات المرتبطة بالتطور المدني والحضاري للإنسانية. ومبدأ الاجتهاد من المبادئ المهمة المُجمع عليها في الفكر الإسلامي, لأنها تؤكد حقيقة مرونة الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان, وقدرتها على مواكبة التطور والتقدم الإنساني في جميع المجالات, لكن هذا الاجتهاد أو إعمال الفكر له شروطه وضوابطه وحدوده, فهو لا يتعلق بثوابت العقيدة أو أحكام الشريعة القطعية المتفق عليها بين المسلمين, فهذه لا مجال لإعادة النظر فيها, وإنما التجديد فيها, يتم عن طريق الفهم العميق لها من خلال التفكر والتدبر وسبر أغوارها لكشف أبعادها وقيمها المتعالية التي تحتضنها.

وسواء تمثل التجديد في الاجتهاد الشرعي لاستنباط الأحكام, أو القراءة العقلية الواعية والعميقة لمبادئ الإسلام وأحكامه, فإن التجديد في الفكر الإسلامي يظل وثيق الصلة بالنهضة والانبعاث وبناء الحضارة, وهذا ما تأكد في الماضي, وأصبح من الضروريات اليوم, أمام التحديات التي يواجهها هذا الفكر على جميع المستويات, فبعض قيم الإسلام ومبادئه, تعاني من سوء فهم ونقد وتشكيك على المستوى العالمي, وتراكم المستجدات والقضايا والمشاكل التي تحتاج إلى معرفة موقف الإسلام منها تضغط على العقل والفكر الإسلامي باتجاه بحثها وتحديد الموقف منها أو المشاركة في إيجاد الحلول المناسبة لها. وبالتالي فالتجديد في الفكر الإسلامي, ليس نزهة بحث فكرية وإنما ضرورة ملحة تحدد المسار المستقبلي لهذا الفكر والمجتمعات التي تؤمن بقيمه ومبادئه.

إشكاليات هذا التجديد, دوافعه ومبرراته, أهميته وضوابطه, هذه المواضيع وغيرها كانت محور أعمال المؤتمر الثالث عشر الذي عقد في القاهرة تحت عنوان: «التجديد في الفكر الإسلامي», ونظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية, بين 31 أيار (مايو) و3 حزيران (يونيو) 2001م.

شارك في فعاليات المؤتمر أكثر من 250 مفكراً وباحثاً وممثلون لمنظمات عربية وإسلامية وعالمية, جاؤوا من 65 دولة. وقد قدم خلال جلسات المؤتمر 79 بحثاً ودراسة ضمن أربعة محاور رئيسية هي: 1ـ ضرورة التجديد وضوابطه, 2ـ التجديد في مجال الفقه الإسلامي, 3ـ التجديد في مجال الدعوة والإعلام, 4ـ جهود النهضة والإحياء الإسلامي.

في كلمته التي ألقاها نيابة عنه وزير الأوقاف د. محمود حمدي زقزوق, أكد الرئيس المصري حسني مبارك «بأن الأوان قد آن لأن يستيقظ المسلمون جيداً ويلتفتوا إلى الإصلاح على جميع المستويات وبصفة خاصة إصلاح العقليات واتجاه التفكير..» وأشار إلى أن مشكلة الإسلام اليوم ليست في خصومه وإنما في الجهلاء من أبنائه, الذين يدفعون المسلمين باتجاه المهالك والانحراف عن طريق الإسلام المنسجم مع السنن الطبيعية والفطرة الإنسانية. أما بخصوص التجديد فقد حث عليه الإسلام باعتباره ديناً للحياة والتجدد. وهذا ما يظهر بوضوح في الشريعة الإسلامية التي تتميز «بالمرونة والوسطية جعلها تتجاوب دائماً‏مع مصالح الناس في كل زمان ومكان, وستظل دائماً متجددة ومواكبة لكل تقدم حضاري مادام هناك مجددون يدركون أهمية الاجتهاد..».

أما وزر الأوقاف المصري ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية, فقد دعا في كلمته إلى المواءمة بين الهوية الإسلامية وخصوصياتها وبين قيم الحضارة المعاصرة المهيمنة, في إطار تجديد شامل ومحدد بالضوابط والقيم الإسلامية, وبيَّن بأن التجديد في الفكر الإسلامي «له أسس يقوم عليها ومعالم يسترشد بها, وضوابط يلتزم بها وليس دعوة إلى الإنفلات من كل قيد, أو بداية للتفريط من أي شيء ونحن كمسلمين لا نعيش في جزر منعزلة ولا نستطيع أن نعزل أنفسنا عن العالم المحيط بنا ولا عن المتغيرات التي طرأت على عالمنا المعاصر على جميع المستويات..».

كما تحدث شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي عن ضوابط التجديد وحدوده وأن هذا التجديد لا يمس إخلاص العبادة لله أو مكارم الأخلاق, فهذه القيم ثابتة لا تؤثر فيها المتغيرات الحضارية, كما دعا شيخ الأزهر إلى احترام ثوابت الإسلام ومبادئه وقيمه التي لا تقبل التجديد أو التغيير.

أما كلمة البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية, فركزت على أهمية التجديد في فهم الإسلام ومبادئه, على غرار ما كان يقوم به كبار المفكرين والمفسرين المسلمين للقرآن. لذلك على المسلمين المعاصرين أن يسلكوا الطريق نفسه للكشف عن فهم جديد للأفكار والمبادئ الدينية.

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي اعتبر قضية التجديد في الفكر الإسلامي قضية حيوية ومرتبطة بثقافة المسلمين وعلومهم, وأكد أن التجديد الصحيح «يستلزم أن ينهض علماء الأمة بالاجتهاد في علوم الدين على تنوعها واتساع آفاقها كما نهض أسلافهم في مختلف العصور وواجهوا مشكلاتهم وقضاياهم». وأشار نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور عبد الصبور مرزوق إلى قضية الأقليات الإسلامية في العالم باعتبارها من القضايا والمتغيرات التي تتطلب التجديد في فقه الفكر الإسلامي بالإضافة إلى قضايا علمية أخرى مثل الاستنساخ, والأساليب الجديدة في الجهاد. أما وزير الأوقاف السوداني عصام البشير فقد أشار إلى المميزات التي تمتاز بها الشريعة الإسلامية مثل المرونة والوسطية والقابلية للتجدد الدائم عن طريق الاجتهاد في القضايا التي لم يرد فيها نص واضح أو صريح, وهذا ما مكن العقل الإسلامي من الاستجابة للتحديات الواقعية عبر العصور.

الجلسة الأولى من أعمال المؤتمر ترأسها الشيخ أحمد يعقوب من الكويت وتحدث فيها كل من: بوعبد الله غلام الله وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري الذي أكد بأن الخطاب الديني لن يؤدي الهدف منه إلا باعتماد أسلوب الحوار والانفتاح على الآخر في مسيرته التبليغية, ورئيس رابطة الثقافة والاتصالات الإسلامية في إيران الشيخ محمد علي التسخيري الذي أكد بأن التجديد ليس هدفاً في ذاته, بل هو وسيلة تهدف لتلبية حاجة المجتمع والإجابة على التساؤلات الشرعية الضاغطة على الإنسان المعاصر, وأضاف الشيخ التسخيري بأن التجديد يتطلب مفكراً مجتهداً منفتحاً على الحياة والواقع. كما رفض في المقابل استيراد المناهج الغربية لقراءة التراث الإسلامي ومبادئه. كما تناول الكلمة في هذه الجلسة عدد من المفكرين: محمود محفوظ وجعفر عبد السلام, ومحمد عبد الستار (مصر) وعبد السلام العبادي‏(الأردن) ومحمد علي الجوزو (لبنان) ومحمد الصالح (السعودية) وعيسى بن عبد الله الحميري (الإمارات) والأمين عثمان الأمين (أرتيريا).

اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر ترأس الجلسة الأولى صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (السعودية) وتحدث فيها كل من: صوفي أبو طالب وعبد الصبور شاهين (مصر), ود. محمد سعيد رمضان البوطي (سوريا), وإبراهيم صالح الحسيني رئيس المجلس الإسلامي النيجري, الذي أكد أن الاجتهاد يجب أن يكون فيما لا نص  فيه, وطالب بالأخذ بعين الاعتبار حرمة الإفتاء وعدم التهاون في هذا المجال.

كما تحدث في هذه الجلسة كذلك, عز الدين الخطيب التميمي (الأردن), وأحمد لوكهات (جنوب أفريقيا). والشيخ صالح بن عبد الله بن حميد رئيس شؤون الحرمين الشريفين. الذي تحدث عن مفهوم الحقوق والواجبات في الإسلام وطرح بعض الإشكاليات حول هذا الموضوع. وقد عالجت مجمل البحوث المقدمة في هذه الجلسة المحور الثاني في المؤتمر وهو التجديد في مجال الفقه, لذلك تحدثت البحوث عن المستحدثات المعاصرة في مجالات الطب والاقتصاد العلوم والتقنية. وكذلك المتغيرات في مجال العلوم الإنسانية, وموقف الفقه الإسلامي منها.

الجلسة الثانية ترأسها د. أحمد الخمليش رئيس دار الحديث الحسنية في المغرب, وتحدث فيها مجموعة من المفكرين والباحثين: محمود فهمي حجازي وأحمد يوسف سليمان من مصر, وحلمي محمد نصر (البرازيلي) ويحيى عبد الواحد بلافينش (إيطاليا), والشيخ سعيد عبد الحفيظ حجاوي (الأردن). كما تحدث فيها الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس عن الإنتفاضة الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين من جراء الاحتلال الإسرائيلي.

الجلسة الثالثة ترأسها عصام أحمد البشير وزير الأوقاف السوداني, وتحدث فيها كل من: محمد عبد الحليم عمر وحسين حامد حسان من مصر, وموديلو ماليبيا ساليبوكو من الكونغو الديمقراطية, وسمان مالي بهان (تايلاند). وقد دعت مجمل الأوراق إلى ضرورة التمييز بين التجديد الشرعي المطلوب وغيره من المفاهيم التي قد تحرف هذا المفهوم عن أهدافه وضوابطه الشرعية.

في الجلسة الأولى من اليوم الثالث, نوقش محور: التجديد في مجال الدعوة والإعلام, حيث تحدث الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان عن أهمية التجديد في الفكر الإسلامي وكونه استمراراً وتواصلاً لماتم في الماضي وليس انقطاعاً‏أو غربة, مؤكداً على أن حركة التجديد يجب أن تكون «حركة انبعاث وحركة لتصحيح المعرفة وليس حركة لقولبة الواقع».

الجلسة الثانية ترأسها الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عبد الله التركي الذي ألقى كلمة نيابة عن الوفود المشاركة أكد فيها ضرورة عودة الأمة إلى ثوابت هويتها والتفاعل الإيجابي مع متغيرات العصر وتحدياته, ثم تناول الكلمة أحمد كمال أبو المجد وزير الإعلام المصري الأسبق الذي انتقد انشغالات المجامع الفقهية في الدول الإسلامية بسبب كونها كما يقول «لم تؤد دورها المطلوب على أكمل وجه, ولم تقم بجهد علمي حقيقي على طريق التجديد في الفكر الإسلامي وإحياء حركة الاجتهاد الفكري, فمنها ما هو مشغول بالعموميات, يجتمع لها كل عام ثم ينفض المشاركون دون أن يثمر اللقاء عن تقدم فكري أو ممارسة لاجتهاد فقهي أو حوار حقيقي بين العلماء حول مشكلة احتار المسلمون في البحث عن حلها, ومنها ما هو خاضع في توجهه السياسي لحكومة أو طائفة تشرف عليها, ومنها ما جمد وتحول إلى جسم لا روح فيه وانقطع عن تيار الحياة الزاخر بالمشاكل والتطلعات والتحديات..» لذلك لابد من تقييم عمل هذه المجامع وإعادة النظر في نشاطاتها, وقد فتحت هذه الانتقادات الباب للمناقشات والمداخلات المتعددة.

وقد اختتم المؤتمر أعماله ببيان ختامي أكد المشاركون فيه على دعمهم للشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه من الاستعمار الصهيوني, كما أكدوا أهمية الاستمرار في جهود التجديد وتفعيل دور المجامع الفقهية, والعمل على إخراج تقويم هجري موحد للعالم الإسلامي.