شعار الموقع

إشكالات الدولة الحديثة من منظر فقهي

توفيق السيف 2004-10-15
عدد القراءات « 628 »

بعد مرور عقدين من الزمن على قيام أول دولة إسلامية في العصر الحديث, فإن الجدل لا يزال محتدماً حول طبيعة هذه الدولة, ولا سيما مضمون وحدود العلاقة بين الدولة كهيئة قانونية, والدين كأساس أيديولوجي, والشعب كمصدر لشرعية تولي السلطة. وقبل العام 1997 كان الاعتقاد السائد أن الدستور الإيراني قد وضع حلاً‏نهائياً لإشكالية العلاقة بين الدين والدولة, وبين دور الدين ودور الشعب كمصدر للتشريع والمشروعية (1) . لكن تطورات الأحداث, كشفت أن ذلك الحل لازال على المستوى النظري ـ فضلاً‏عن المستوى العملي ـ غير كامل أو نهائي, فالجدل المتواصل منذ انتخاب السيد محمد خاتمي رئيساً‏للجمهورية سنة 1997م, حول مسائل مثل حاكمية الشعب, الحريات السياسية, التوازن بين ركني الجمهورية والدينية, الفصل بين السلطات.. إلخ (2) , كشف عن آفاق في مسألة الدولة, لم يجر ارتيادها, ونقاط إشكالية لا تزال محل جدل لا يقتصر على حدودها, بل ينطلق منها إلى ما هو أبعد, أي جذر مشروعية الدولة, وعلاقتها مع الدين من ناحية, والمجتمع من ناحية أخرى, وموقع المجتمع ودوره في ظل دولة دينية.

إن المجالات التي دارت بين التيارين الرئيسيين الذين يتنافسان على السلطة في إيران, المحافظين والإصلاحيين, تدل بوضوح علىأن الإشكالات الكبرى التي طرحت عند البدايات الأولى لتشكل الدولة الحديثة في العالم الإسلامي, لا تزال قائمة حتى اليوم, وربما لا تنتهي إلى حل في المستقبل القريب, إن صمودها قرناً‏من الزمن, يدل على أنها ليست مجرد إشكالات في السياسة, بل تضرب جذورها عميقاً في التفكير الديني, وهي تشير إلى أن الانتقال من عصر الدولة القديمة إلى الدولة الحديثة ـ‏وإن تحقق على المستوى السياسي والمادي ـ مازال غير قطعي على المستوى الفكري.

غرض هذه المقالة هو عرض الموضوعات الرئيسية للجدل الذي دار بين طرفي المجتمع الديني, الإصلاحي والمحافظ, خلال الفترة بين 1905 ـ 1908 التي شهدت صعود الحركة الدستورية في إيران, وسوف يلاحظ القارئ أن المشكلات التي طرحت يومئذ, تنتمي إلى ذات السياق الموضوعي وتنطلق من ذات المبررات التي يدور فيها جدل اليوم. وقد اعتمدت في هذه المقالة, على مجموعة الرسائل التي نشرها زركري نجاد في كتابه المسمى «رسائل مشروطيت» (3)  وهو يحوي أبرز رسائل الفقهاء التي صدرت ضمن ذلك الجدل, كما اعتمدت على رسالة العلامة النائيني «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» التي نشرتها ضمن كتاب «ضد الاستبداد» (4)  واعتمدت على مصادر أخرى قديمة ومعاصرة, للمقارنة وتوضيح الأفكار المطروحة حيثما اقتضى المقام.

تحولات مسألة الدولة

نقول من باب التمهيد أن جميع المسلمين, العامة وأهل العلم, متفقون على ضرورة الدولة, حتى لو كانت قاصرة عن بلوغ الصورة المطلوبة, من حيث العدل بين الناس, أو القيام ببقية الواجبات المتوقعة من الحكومة, وسجل التاريخ الإسلامي حالتين فقط, يمكن اعتبارهما استثناء على القاعدة, قال فيها متكلمون بعدم ضرورة الدولة, إذا قدر الناس على الحيلولة دون تضارب في مصالحهم, هذين الاستثنائين هما هشام بن عمر الفوطي (ت226) من الخوارج الذي قال بجواز خلو الأرض من امام في زمن الفتنة (5)  وأبو بكر الأصم من المعتزلة (ت201), الذي ذهب إلى عدم وجوب الإمامة شرعاً, واعتبرها سائغة فقط, فلو أن المسلمين (اقاموا حجهم وجهادهم, وتناصفوا فيما بينهم, وبذلوا الحق من أنفسهم, وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها, وأقاموا الحدود على من وجبت عليه, أجزأهم ذلك, ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماماً يتولى ذلك) (6) , عدا هذين الاستثنائين, فإن جميع أهل القبلة, متفقون علىان وجود السلطة ضرورة من ضرورات الاجتماع الإنساني (7)  وحسب الماوردي (ت450) فان (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا, وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع) (8) .

فالخلاف إذن لا يتعلق بضرورة الدولة ـ بما هي ـ بل بمشروعية القائم بأمرها, وصحة تصرفاته, وفي الجانب الأول فإن المسلمين اختلفوا في تحديد مصدر شرعية السلطة, فقال قدامى الشيعة بأن قيام الإمام المعصوم بها هو الذي يمنحها الشرعية, وقال أكثر السنة ان البيعة الصحيحة هي ما يوفر المشروعية (9) .

لكن شرعية تولي السلطة اختفت بالتدريج من دائرة اهتمام الفقهاء, فمنذ غيبة الإمام الثاني عشر في (329) تركز حديث المتكلمين الشيعة حول الجانب الاعتقادي في الإمامة, وابتعد عن الجانب السياسي, بل ذهب الشريف الرضي (ت436) إلى ان القول بالنص في الإمامة, قد يعني ان التكليف بها مرتفع (ان في الناس من يذهب إلى ان إقامة الأمراء لا يسوغ لنا جملة, لأنه من فروض الأئمة وعباداتهم التي يختصون بها, كما أن إقامة الحدود من فروضهم التي تختص بهم) (10) , وعلى الجانب السني ساد القول بشرعية إمامة المتغلب, كإعادة تنظير للعلاقة التي قامت زمناً‏طويلاً‏بين الفقهاء والخلفاء, فاعتبر الغزالي (ت505) مثلاً‏أن ضرورة النظام مقدمة على عدل الحاكم, مما قد يستلزم السكوت عن الثاني, مادام الطلب به مسبباً‏لفساد النظام العام (لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة, وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق, حكمنا بانعقاد إمامته, لأنا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال, فما يلقى المسلمون فيه من الضرر, يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة, فلا يهدم أصل المصلحة شغفاً بمزاياها, كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً, وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام وبفساد الأقضية وذلك محال. ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم, فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة) (11) , وسوف يتطور هذا الترتيب الاضطراري في وقت لاحق إلى تأسيس نظري لشرعية حكم المتغلب, باعتبار ولايته جارية من الناحية الفعلية, رغم نقص شرعيتها (12) .

من الناحية الواقعية, تعامل الفقهاء, بشكل اعتيادي مع الحكام الفعليين, وتولوا مناصب في ظلهم, وكتب الشريف الرضي رسالته المشهورة في عمل السلطان, لتبرير إمكانية عمل المؤمن والياً‏أو قاضياً في ظل الغاصب (13) , وهي الرسالة التي أصبحت محاورها ومعالجاتها, أساساً‏للبحث الفقهي في هذه المسألة حتى اليوم, ومع ان أياً‏من الفقهاء لم يعتبر هذا التعامل منتجاً لمشروعية الحكم بصورة مستقلة, إلا ان السنوات التالية حتى أوائل القرن العاشر الهجري, شهدت ظهور تقسيم فعلي للأدوار بين أهل الفقه وأهل الشوكة من المؤمنين, تسمح باعتبار الحاكم عادلاً, بغض النظر عن الطريقة التي أوصلته إلى العرش, كما يظهر من معالجة الفقهاء للعلاقة التي قامت بينهم وبين ملوك الدولة الصفوية‏(907 ـ 1135) (14) .

بعد ضمور أهمية هذا الجانب, أي شرعية تولي السلطة, تركز اهتمام الفقهاء وعامة المسلمين على الجانب الثاني, أي صحة ممارسة السلطة, وبينها العدل في الحكم والدفاع عن دار الإسلام (15)  وسوف نجد الاهتمام بصحة الممارسة, أكثر بروزاً في اهتمامات الفقهاء خلال السنوات التالية حتى العصر الحاضر.

وبكلمة أخرى فإن الغرض من الدولة, أي تحقيق مقاصد الشريعة, كان في القرون الأولى من التاريخ الإسلامي, مشروطاً‏بأهلية القائم على الممارسة, أما في العصور الوسطى فقد أصبح تحقيق المقاصد نفسها, وبغض النظر عن النظر القائم بهذا الأمر, هو شرط المشروعية, وسوف نجد انعكاس هذا المبدأ الجديد واضحاً‏عند الفقهاء المتأخرين, مثل الأصفهاني (ت1361) الذي قرر ان ولاية المال العام (الخراج) مثلاً‏راجعة للإمام بمقتضى كونه رئيساً, فإن لم يكن كذلك, رجعت ولايتها إلى الحاكم الفعلي ولو كان متغلباً (16) . وكاشف الغطاء (ت1228) الذي وضع تسلسلاً‏للمؤهلين للرئاسة, يقوم على ضرورة إقامة السلطة بأي حال, نظراً لوجوب ما هي مقدمة له, مثل الدفاع عن بلاد المسلمين, حيث يقول في كتاب الجهاد (القائم به هو الإمام أو المنصوب من قبله, فإن لم يكن وجب على المجتهدين القيام بهذا الأمر, ويجب تقديم الأفضل أو ما دونه لهذا المقام, ولا يجوز التعرض في ذلك لغيرهم, ويجب طاعة الناس لهم, من خالفهم فقد خالف إمامهم, فإن لم يكونوا, أو كانوا ولا يمكن الأخذ منهم ولا الرجوع إليهم, أو كانوا من الوسواسيين الذين لا يأخذون بظاهر شريعة سيد المرسلين, وجب على كل بصير صاحب تدبير, عارف بطريقة السياسة عارف بدقائق الرياسة, صاحب رأي وإدراك وفهم وثبات وجزم وحزم, أن يقوم باحمالها ويتكلف بحمل أثقالها وجوباً‏كفائياً.. وتجب على الناس إعانته ومساعدته ان احتاجهم, ومن خالفه فقد خالف سيد الأنام, وخالف الملك العلام, ولما كان الاستيذان من المجتهدين أوفق بالاحتياط, وأقرب إلى رضا رب العالمين, وأقرب إلى الرقية والتذلل والخضوع لرب البرية, فقد أذنت ان كنت من اهل الاجتهاد, ومن القابلين للنيابة عن سادات الزمان للسلطان ابن السلطان...) (17) .

الدولة بعد الاحتكاك بالغرب

شهد النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ظهور انعكاسات الاتصال الثقافي بين العالم الإسلامي والغرب, وكانت مسألة الدولة واحدة من القضايا التي أُعيد اكتشافها على ضوء التأثير الغربي, ونجد هذه التأثيرات الواضحة في المقارنات التي عقدها رواد الحياة الثقافية يومئذ, بين الوضع في العالم الإسلامي ونظيره في أوروبا, وفي النصف الأول من القرن الرابع عشر (الربع الأخير من القرن التاسع عشر ـ الربع الأول من القرن العشرين) كانت هناك مطالبات محددة بتطوير وضع الدولة في العالم الإسلامي. ولأن نقد الناس لدولتهم المعاصرة, يأتي في سياق المقارنة بينها وبين مثال أرقى, فإن الصورة الأرقى منها, أي الدولة الحديثة في الغرب شكلت النموذج الذي يبتغيه الناس, وكلا الأمرين يلقي بعبء على الفقهاء الذين سيضطرون إلى البحث عن حلول ضمن إطار يختلف عن ذلك الذي اعتادوا على اعتباره مستلهماً من الشريعة ومتعارفاً في أوساط المتشرعين (18) .

ونجد تأثيرات هذا العبء النظري في المعالجات الفقهية الحديثة, وأحياناً في المواقف السياسية, التي عبر عنها فقهاء أو زعماء ينتمون إلى التيار الديني, والتي تتلخص كلها في محاولة التوصل إلى مصالحة نظرية بين المتصور من القواعد الإسلامية, والآليات المعاصرة للعمل السياسي, وهي محاولات نجحت أحياناً في تقديم حلول تبدو عملية, وأخفقت في أحيان أخرى, بينما انصرفت في أكثر الأحيان عن أصول المشكلات إلى الأساليب والوسائل, كما يظهر من تكييفهم لمسألة الانتخاب الشعبي الحاكم, التي عولجت انطلاقاً من سؤال حول مشروعية الانتخاب (19) .

يجدر بالذكر هنا أن بعض المفكرين قد حاولوا استعادة الإطار السياسي القديم للدولة الإسلامية, أي إصلاح نظام الخلافة الذي كان قائماً‏بالفعل, وبالنسبة للشيخ محمد رشيد رضا مثلاً, الذي تبنى هذا المطلب, فقد كان هدفه الأسمى هو التوصل إلى معادلة لاستعادة الوحدة الإسلامية, ولم يجد طريقاً لهذا غير قيام نظام الخلافة, الذي يمثل التجسيد السياسي لحالة الوحدة, مقابل تشتت الأقطار الإسلامية التي رأى في ضعفها أو تعارضها المحتمل, نافذة لتسلل الاستعمار (20)  ونجد تأسيساً من هذا النوع أيضاً‏عند الشيخ تقي الدين النبهاني, الذي أسس «حزب التحرير الإسلامي» لهذه الغاية, ويعتبر الحزب الهيئة الوحيدة في العالم الإسلامي, التي واصلت التمسك بشعار إعادة الخلافة في الوقت الحاضر (21)  أما بقية المفكرين والهيئات السياسية فقد تجاوزوا فكرة الخلافة ـ على المستوى السياسي والعملي ـ إلى فكرة الدولة الحديثة, وركزوا على البحث في ماهيتها وعلاقتها بالدين, كما فعل حسن البنا (22)  وان بقي البعض يطرح الخلافة ـ أو الإمامة العظمى ـ في سياق الأهداف المؤجلة, لا أكثر (23) . بكلمة أخرى فإن جوهر الإشكالية التي أثارها الاصطدام بالغرب ومن ثم الحداثة, هي طبيعة الدولة وليست أيديولوجيتها, فالدين كأساس للدولة, لم يكن بالنسبة للمسلمين محل جدل, لكن لأن العلاقة مع الغرب بدات بالصدام, فإن المجتمع المسلم حاول الدفاع عن ذاته بالعودة إلى الرابطة الدينية التي تمثل مصدر الوحدة الرئيسي, والتي تمثل في الوقت ذاته مخزن الثقافة الضرورية لمواجهة التحديات ذات الطبيعة الثقافية, وهكذا فإن مسألة الدولة الإسلامية كما طرحت في أوائل القرن العشرين, وكما انبعثت من جديد في أواخره, لم تكن مجرد حنين هروبي إلى الماضي, وليست مجرد طوبى مستحيلة في الواقع, كما رأى العروي (24)  بل هي تعبير عن إرادة عقلانية في استبدال الدولة العاجزة عن تلبية المتطلبات الأساسية, بأخرى أمثل منها, يجد المسلمون نماذج عنها في تجارب الأمم الأخرى. أما الوصف الإسلامي للدولة المرادة, فهو تعبير عن الرغبة في تأكيد الترابط بين التجارب الحياتية الجديدة وبين النسيج الثقافي الخاص, الذي يمثل مصدر إلهام وتجربة تاريخية غنية, المسلمون يريدون دولتهم أو الدولة التي تنبع منهم, فتكون تعبيراً‏عن ذاتهم وخصوصياتهم, وبها يمكن الخلاص من حال الانفصام, بل التنافر بين الدولة والمجتمع, الذي كلفهم الكثير.

بناء على التحليل السابق, فإن جوهر مسألة السياسة في العالم الإسلامي المعاصر, هو التوفيق بين النظام السياسي العقلاني, والشرعية المستمدة من المدى الديني, وهي كما صاغها ب. بادي (مشروع تجاوز التوتر الذي يضع وجهاً لوجه, المسرح السياسي الرسمي والمسرح السياسي الشرعي, ودمج المسرحين) (25) . لهذا السبب فإن معظم الاعتراضات على نظام وتركيب الدولة الحديثة, لا تتناول «صحة» أو «فاعلية» ذلك النظام وهذا التركيب, بل تتناول بالدرجة الأولى تطابقها, أو‏ـ على الأقل ـ عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية, ومن هنا, فإن جانباً‏كبيراً‏من الجهد الذي صرفه الفقهاء والمفكرون في معالجة الموضوع, قد انصرف إلى وضع تبريرات دينية لبعض نظم العمل في الدولة الحديثة, أو لاستنباط أدلة تظهر إمكانية تبني هذه النظم باعتبارها متوافقة, أو غير متعارضة مع الشريعة.

ويلفت النظر هنا مسألتان:

الأولى: أن معظم الأبحاث التي حاولت تقديم معالجة إسلامية لمسألة الدولة, انطلقت من المقارنة بين ما تطرحه الدولة الحديثة, وماتطرحه الشريعة الإسلامية, وهو تمهيد لابد أن يؤدي إلى إعادة تكييف للمسألة, بحيث يصبح إطارها هو الإجابة على سؤال (ما هو الذي يقبله الإسلام من الدولة الحديثة وما هو الذي يرفضه), وبكلمة أخرى, فإن غرض المعالجة, سينتقل من محاولة التوصل إلى نظرية خاصة, إلى اقتراح تعديلات قليلة أو كثيرة على صورة الدولة القائمة ذات المنشأ الغربي.

الثانية: ثمة أبحاث ـ وهي قليلة في الجملة ـ اهتمت بإعادة عرض الصورة الموروثة عن النظام الإسلامي القديم, إما لغرض المقارنة أو لإقتراح إمكانية إحيائه والبناء عليه, ونجد غالباً ان هذا النوع من المعالجات استوحى النموذج الذي وضعه الماوردي, وهو يصف الدولة القائمة بالفعل في عصره (العباسية/البويهية) والتي كانت نموذجاً متطوراً عن الدولة الإسلامية في مختلف عصورها, لكن ينبغي الإشارةإلى أن الباحثين الشيعة لم يوجهوا اهتماماً يذكر إلى هذا النموذج, ربما لأنهم لا يقرون بمشروعية الدولة الموصوفة, كما أن ذلك الشكل لا يتمتع بقيمة دينية كنموذج مرجعي.

فقه الحركة الدستورية

كانت الحركة الدستورية في إيران, العربة التي انتقلت بالبلاد من عصر الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة, ولا سيما منذ اقرار دستور 1906 الذي أعاد تنظيم السلطة على نحو جديد مختلف كلياً عن النموذج المتعارف في دولة القرون الوسطى الشرقية. وتوفر الرسائل التي كتبت في سياق الجدل حول تلك الحركة, مصدراً‏مهماً للإشكالات والمعالجات الفقهية للمسائل التي أثارتها الدعوة إلى التجديد السياسي, وأظن أن الأراء التي قدمها الفقهاء الإيرانيون المؤيدون للحركة, هي أقدم المعالجات الجادة لمسألة الدولة المعاصرة في الفقه الإسلامي, وجديتها تكمن في مواجهتها بشكل مباشر للإشكالات الرئيسية, وسوف نجد أن تلك الإشكالات لا تزال تتكرر بنفس الصيغة تقريباً, بعد مرور نحو قرن على تلك المواجهة, كما أن الحلول التي يقترحها اليوم فقهاء ومفكرون, لا تبتعد كثيراً‏عن الحلول التي اقترحها أولئك الفقهاء. وسوف نعرض هنا أمثلة عن الإشكالات التي عرضها الشيخ فضل الله النوري (ت1327) والشيخ أبو الحسن مرندي (ت1340) وهما من معارضي المشروطة, والإشكالات التي نقلها الميرزا النائيني (ت1355) والشيخ محمد اسماعيل المحلاتي, وهما من مؤيديها وقد اخترنا الأربعة لكونهم جميعاً من الفقهاء المجتهدين, كما سنشير في صفحات لاحقة إلى ردود الأخيرين على الإشكالات.

يمكن تصنيف اعتراضات معارضي الدستور إلى ثلاثة أقسام, قسم يشير إلى الخشية من عواقب الأخذ بمبادئ تطورت في الدول الأجنية, والقسم الثاني يعبر عن القلق من التغييرات الكبيرة التي سترافق التحول من النظام القديم إلى النظام الجديد, ولا سيما على صعيد العلاقة بين الدولة والمجتمع, ودور الفئات الاجتماعية وبينهم العلماء في التنظيم الجديد, أما القسم الأخير فيعبر عن القلق من تمدد سلطة الدولة في صورتها الجديدة, بحيث تزاحم نفوذ العلماء, أو تعطي لغيرهم فرصة الاستيلاء على بعض الأدوار التي يعتبرون أنفسهم أصحاب اختصاص فيها.

الأول: أصولها الأجنبية.

كان تعرف العالم الإسلامي على النموذج المعاصر للدولة الذي تطور في أوروبا, ثمرة للاتصالات المبكرة بين العالمين, وهو ما شكل بالنسبة لكثير من العلماء والمثقفين صدمة حقيقية, فقد رأوا في بعضها المثال الذي يتمنون رؤيته في دولة الإسلام, واكتشف آخرون أن الأساسات التي تقوم عليها تلك المبادئ, موجودة في الموروث من الثقافة الإسلامية, وحسب تعبير النائيني فقد كان بعضها من نوع (بضاعتنا ردت إلينا) (26)  ولاشك أن الأركان التي تقوم عليها سيادة الشعب مثل الحرية والمساواة وحق الشعب في محاسبة الحاكم, هي من الثوابت الراسخة في الفكر الإسلامي (27)  لكن الفضل يعود إلى أوروبا في بلورتها وتحويلها من أفكار وقيم مجردة إلى إطار عمل محدد.

وعلى الجانب الآخر, كانت العلاقة مع أوروبا المسيحية قد تحولت إلى هم مقيم في نفوس المسلمين, ولاسيما بعدما استقوت الدولة الأوروبية, وتحولت العلاقة معها إلى جسر للسيطرة والتحكم في العالم الإسلامي, فاحتلت بعض الأقطار وأرسلت شركاتها المحمية سياسياً‏وعسكرياً‏إلى أقطار أخرى, الأمر الذي جعل كل رمز يشير إليها, مثيراً للقلق من أن يكون نافذة لتسلل النفوذ الأوروبي, ويفيد استقراء العلماء, أن إعراضهم عن السياسة وأهلها, قد تحول إلى تدخل مكثف لدعم سلطة معينة أو مصارعة أخرى, وفي جميع الحالات كان محرك هذا الفعل ومحدد اتجاهاته, هو وجود تهديد‏أجنبي للدولة المسلمة (28) , وبصورة عامة كان القلق من عواقب النفوذ الغربي محركاً‏هاماً‏لردود الفعل لدى المسلمين, تجاه أي رمز من رموز الامتداد الحضاري لأوروبا, وهو رد فعل تجسد حيناً في مقاومة فعلية مادية, وفي رفض سلبي حيناً‏آخر (29) .

كانت الحركة الدستورية, التي طرحت خلالهامبادئ سياسية جديدة نوعاً ما على المسلمين, مثالاً على سعة التأثير الثقافي الغربي, الأمر الذي دفع عدداً من علماء الدين للوقوف في وجه الحركة, رغم وجود فقهاء كبار بين قادتها, وسوف نجد من أقوالهم, أنهم لم ينظروا إلى تفاصيل المسألة للتمييز بين ما هو حسن وما هو سيء في الحركة الدستورية, بل تعاملوا معها كمنظومة واحدة ترجع بنسبهاإلى أوروبا, يقول الشيخ نجفي مرندي في «دلايل براهين الفرقان» الذي كرسه لبيان موقفه المعارض للحركة الدستورية (الآية {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله} تدل على قبح التودد إلى الكفار وازدياد شوكة مخالفي دين محمد, وفساد تعلم لغات النصارى واليهود والتكلم بألفاظ الكفار.. أحاديث الرسول تدل على أن تعليم وتعلم وكتابة أحاديث اليهود والنصارى ونشر قوانينهم الباطلة المخترعة, مع وجود قوانين الإسلام وأحكام خير الأنام باعث لازدياد شوكتهم وسيطرة الأجانب على بيضة الإسلام..) (30) . ونقل المحلاتي عن معارضي المشروطة عدداً من الإشكالات, منها أن التحديث كان وسيلة استعملها الأجانب للنفوذ في بلاد الإسلام والسيطرة عليها‏(الفرقة الدهرية والطبيعية التي انتشرت في بلدان أوروبا تعمل على نشر مذهبها بتزيين الحرف والصنائع الجديدة مثل تسوية الطرق والشوارع والمكننة وإقامة المصانع المفيدة, وعن طريق هذه الأمور النافعة يجلبون قلوب العامة حتى يفسدوها بالتدريج ويحرفوها عن الاعتقاد بالله ولوازمه..) (31) .

الثاني: تغيير نظام الدولة.

لم يكن دور الفقهاء في الدولة القاجارية, كبيراً‏إلى الحد الذي يستوجب الدفاع عنها في وجه تيار التحديث, لهذا فإن ما دفع بعض الفقهاء والمتدينين لدعمها, لم يكن القلق على ما كانوا يملكون في ظلها, بل القلق مما سيأتي بعد غيابها, فالدولة القديمة وان لم تقم على أساس أحكام الشريعة المقدسة, إلا أن الشريعة كانت إجمالاً محل رعاية في ظلها, وكان الملك بحاجة إلى استرضاء العلماء, بإطلاق أيديهم في بعض الوظائف كالفتوى والقضاء, وقمع المنكرات وبعض الولايات الحسبية (32)  وقد جرت العادة ـ في إيران خاصة ـ منذ إعلان التشيع مذهباً رسمياً‏على يد إسماعيل الأول في (907) على اختصاص الفقهاء بمكانة معنوية رفيعة وامتيازات, جعلتهم على الدوام نخبة محترمة في المجتمع والدولة, فكان هذا الوضع بمثابة مكسب فعلي منجز.

خلافاً لهذا, فإن الشعارات التي ترافقت مع الدعوة إلى الدولة الجديدة, كانت مثيرة للقلق, ليس لأنها مخالفة لمقتضيات الشريعة, بل لأنها تعارض تقاليد وأفهاماً مستقرة منذ زمن طويل, فضلاً عما يظهر من بعضها, من خلاف لقواعد شرعية معينة, كما سنرى من رأيهم في منح نواب الشعب حق وضع القانون, ويجدر بالذكر أن الفقهاء الذين عارضوا هذا التجديد, لم يكونوا جاهلين بحقيقة أن النظام القديم كان يكرس حق التقنين مثلاً‏للملك, لكنهم كانوا يعتبرونه خلافاً‏للشرع معروفاً, وهم يخشون من أن منح هذا الحق لممثلي الشعب, وتثبيته في الدستور, وتأييده من قبل فقهاء, قد يوهم بأن شيئاً‏ما في التشريع قد تغير, بحيث يتحول ما هو متفق على كونه مخالفاً للشريعة, إلى قاعدة مستقرة ومقبولة.

لمعرفة الدائرة الموضوعية التي جرى فيها الخلاف, قد يكون مفيداً الإشارة باختصار إلى أبرز ما يميز الدولة الحديثة عن أختها القديمة: قامت الدولة الحديثة على قاعدة التعاقد الاجتماعي الذي أفرز السلطة, وهذا يتضمن أن المجتمع هو المالك الحقيقي للدولة, وقبوله المعبر عنه صراحة وعلناً بممارسة شخص معين أو هيئة معينة للسلطة, هو ما يضفي على الدولة صفة المشروعية, وبصورة مكثفة فان سيادة الشعب تتجسد في سياقين:

الأول: أن القوانين والسياسات العامة, تصدر بموافقة ممثلي الشعب, وتنفذ تحت رقابتهم.

الثاني: أن القائمين على السلطة التنفيذية يصلون إلى مناصبهم بموافقة الشعب, مباشرة أو عبر ممثليه, وأنهم مسؤولون أمام الشعب, وأن عملهم يقوم على تفويض مؤقت ومحدد من جانب الشعب, المالك الأصلي للدولة.  ولتحقيق هذين الأمرين فإن المجتمع السياسي يجب أن يتمتع بآليات عمل توصل إلى تلك الغاية, ومن أبرزها:

أـ حرية المنافسة الواسعة, الحقيقية وذات المعنى بين الأفراد والجماعات, لاسيما الأحزاب السياسية.

ب ـ الحق القانوني لعامة الناس في المشاركة السياسية وتولي المناصب السيادية والعليا وتقرير السياسات العامة.

ج ـ درجة من الحريات المدنية تؤهل لتحقيق المحورين السابقين, وتحول دون قيام جهة ما بالاختيار الاستنسابي.

د ـ وجود إطارات قانونية لتداول السلطة, ومحاسبة الحكومة, وإصدار أو إلغاء القوانين والسياسات.

حق الشعب في وضع القانون

وقد أثارت فكرة سيادة الشعب جدلاً دار حول قولها بحق الشعب في وضع القانون, إرجاع الحكم إلى العامة وتحديد سلطات الحاكم.

وبالنسبة للبعد الأول, فقد كان جوهر الاعتراض هو ان التشريع حق خاص لصاحب الشريعة, وهو الخالق سبحانه, الذي لم يهمل شيئاً في بيانه وبيان رسوله عليه الصلاة والسلام (33)  وبالتالي فإن القول بحق أحد غيره في التشريع, مزاحمة له وتعد على حدوده, وضمن هذا الإطار فإن الفقهاء هم المخولون دون غيرهم باستنباط الأحكام العملية من القواعد الشرعية أو النصوص, بوسائل الاستنباط المعروفة في الفقه. يقول الشيخ النوري في اعتراضه على البند الدستوري الذي يقرر ان لا «جريمة ولا عقوبة إلا بموجب القانون» (34) : (هذا الحكم مخالف للمذهب الجعفري, حيث المرجع للحوادث في زمان الغيبة هم الفقهاء ومجاري الأمور بيدهم وهم الذين يقومون بإجراء الحدود وإحقاق الحقوق, وليس لأحد غيرهم شيء من ذلك) (35)  وحول البند الدستوري الذي يقرر تقسيم السلطات في الدولة إلى ثلاث, يقول النوري (تقسيم السلطات إلى ثلاث أولها القوة التشريعية بدعة, وضلالة محض, ففي الإسلام ليس لأحد حق التقنين وجعل الأحكام أياً‏كان, ليس في الإسلام نواقص كي يأتي أحد ليكملها, وفي الوقائع الحادثة يجب الرجوع إلى باب الأحكام, أي نواب الإمام عليه السلام, وهذا استنباط الأحكام من الكتاب والسنة وليس تقنيناً وجعلاً) (36)

إرجاع السلطة إلى الشعب

أما إرجاع الحكم إلى العامة, فيكتسب حساسية خاصة في الفقه الجعفري, الذي يعتبر السلطان حقاً للإمام, وهذه الحساسية وإن كان داعيها منتفياً‏في العصر الحاضر بسبب غيبة المعصوم, إلا أن الإقرار بإمكانية قيام أحد مكانه, لازال من الأمور التي يدور حولها خلاف شديد, ولعل النظرية الأكثر قبولاً في وسط الفقهاء المعاصرين, هي تولي الفقيه الجامع لشرائط الاجتهاد والقادر على إدارة البلاد, مهام الإمام في غيابه (37)  وهذه النظرية تقوم على اعتبار الإمام وليس الشعب صاحباً للسلطة, وحتى أولئك القائلين بدخالة الشعب في اختيار الفقيه الحاكم,‏فإنهم يبنون قولهم على كون رأي الشعب مرجحاً لأحد المرشحين, وليس مانحاً للسلطة أو التفويض القانوني (38) .

في هذا السياق كتب الشيخ عبد الرحيم الأصفهاني (ت1367) في تتمة دلايل براهين الفرقان (ضروري في مذهب الإمامية أن السلطنة والحكومة «غير الشرعية» في غيبة الإمام غاصبة وباطلة.. وعليه فالسلطنة المستبدة والحكومة الدستورية كلاهما باطل وخلاف الحق) (39) . ومع ان الشيخ جرد النظام الاستبدادي أيضاً‏من الشرعية, إلا أنه يرى ان دخول العلماء في الحكم الدستوري, قد يوهم العامة بكونه مشروعاً, وهذا وضع أكثر خطورة من ذلك الذي كان قائماً‏في ظل الاستبداد (دخالة الروحانيين فيها موجب لضعف الديانة, وانحدار عقائد العامة كما هو مشاهد في الواقع. السلطنة المستبدة, رغم أنها غالباً, بل جميع أمورها, كانت على خلاف شرع الإسلام الأنور, لكن قوانين الإسلام ظلت جارية كما كانت من قبل, فهي لم تنسخ أحكام الدين, ومن هنا فقد مضى زمن طويل وأمور هذه السلطنة الباطلة جارية في البلاد, لكن من دون أن تزاحم الشريعة أو تورد إشكالاً‏على عالم الإسلام, كان أساس الشريعة محكماً‏وعقائد الأمة مستحكمة, أما الحكومة الدستورية, فإن كانت مقتصرة على السياسة, ولا تتدخل في الدين, فإنه لا ضرر منها على الإسلام, بل ربما كانت أوضاع الديانة والأمة أفضل مما مضى) (40) .

وأنكر العلماء المعارضون للدستور شرعية قيام الشعب بممارسة السلطة مباشرة أو بواسطة ممثليه, كما شككوا في صحة تمثيل النواب للشعب, وصحة التعويل على رأي الأكثرية في التوصل إلى القرار, وكتب أبو الحسن مرندي نافياً حق مجلس الشورى في ممارسة السلطة, بالنظرإلى أن أعضاءه تعينوا بأصوات أكثرية الناخبين, والاعتماد على رأي الأكثرية في الانتخاب أو اتخاذ القرار, لا يولد المشروعية (آيات مثل {وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}, وقوله {وأكثرهم لا يشعرون}, وقوله {أكثرهم لا يعقلون}, دليل واضح وبرهان قاطع على بطلان العمل بآراء الأكثر وذم الأكثرية.. لقد استبدلوا بهذا أمر الله الذي يقول {ومن لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}, وصرفوا النظر عن طاعة أحكام حجج الإسلام مراجع التقليد ونواب عام الناحية المقدسة, ناموس العصر وحجة الدهر, قائم آل محمد, عجل الله فرجهم, الذين رد أحكامهم على حد الشرك بالله, وبدلاً‏من هذا جعلوا الأحكام المستحدثة في القانون الأساسي, مقدمة على محكمات القرآن..) (41) .

كما أنكر الأصفهاني في تتمة دلايل براهين الفرقان, صحة وكالة النواب عن الشعب (هذه الوكالة ليست شرعية, الوكالة الشرعية هي وكالة فرد لفرد, أما الوكالة التي تتضمن كفالة الأمور العامة, فهي خاصة بالله كما ورد في القرآن في مثل قوله‏{حسبنا الله ونعم الوكيل} و{الا تتخذوا من دوني وكيلاً}. فمعلوم أن وكالة الأفراد عن الأمة مخالفة كلياً‏لنص القرآن الصريح, وهو تقدم على النبي الذي يقول له القرآن‏{وما أنت عليهم بوكيل} وإدعاء شراكة الباري, ومنه أيضاً‏ان أعضاء مجلس الشورى ليسوا من أهل الخبرة بالنسبة إلى القضايا الجارية, بينما العقل والوجدان يمنعان مشورة غير أولي الخبرة, والأمر الآخر ان أصحاب الخبرة والبصيرة هم الأقلية, لهذا فإن إعطاء العقلاء الاعتبار في أمور الجمهور ومقدرات حياتهم ومملكتهم, لإرادة غير الأكفاء, ليس إلا معلولاً بالجنون المحض) (43) .

وقد استفاد معارضو دستور 1906 من الفكرة السائدة في علم الكلام الشيعي, والتي خلاصها أن الناس لا دخل لهم في تعيين ولي الأمر (43)  إنما ولي الأمر يتعين بأمر الله وهو المعصوم, أو بإذن الإمام في حال الغيبة وهو الفقيه الجامع للشرائط, وفي غير هذه الحالة فإن الحاكم لا يتمتع بالشرعية (44) . وهذا واحد من أبرز الإشكالات التي يثيرها الفقه الإسلامي التقليدي على الدولة الحديثة,‏مع اختلاف في مستوى الطرح بين الفقه السني والشيعي, بالنسبة للفقه السني فإن البيعة ـ بمختلف صورها ـ وسيلة إلى إضفاء المشروعية على قيام الحاكم بوظيفته, ويميل الأكثر إلى بيعة أهل الحل والعقد, وهم وجوه القوم, على اختلاف في تحديد مبرر الوجاهة (45)  أما الرجوع إلى العامة في تعيين الحاكم فليس له سوابق في الفقه السني, ولذلك بقي انتخاب الحاكم محل جدل, على الرغم من أنه أقرب الوجوه المحتملة للبيعة, على افتراض إمكانية تعديلها من بيعة أهل الحل والعقد إلى البيعة العامة (46) .

أما عند الشيعة فان تصدي أي شخص للسلطة كان يعتبر غصباً‏وجوراً, ما لم يكن مفوضاً‏من جانب المعصوم, وذلك لا يكون إلا للفقهاء الجامعين للشرائط, مع أن قيام الفقيه بدور السلطان لم يكن متعارفاً‏في الفقه حتى ذلك الوقت, بل بقي الموقف غامضاً‏في هذا الخصوص, إذ لم يتصد أي من الفقهاء لممارسة السلطة بنفسه, كما لم يطالبوا بتولية الفقيه رئاسة السلطة السياسية, حتى وقت متأخر حين طرح السيد الخميني نظريته في ولاية الفقيه عام 1389.

على ان اعتراض النوري ورفاقه على النظام الدستوري, يثير إشكالاً جدياً‏بما يتعلق بجدوى إذن الفقيه, الذي كان متعارفاً باعتباره أحد وسائل تحصيل المشروعية للحاكم الذي لا يتمتع بصفات نائب الإمام, والسبب في هذا الإشكال هو أن النظام الدستوري كان مدعوماً من جانب فقهاء معروفين, في كل من إيران والعراق (47)  فإذا لم يكن دعم هؤلاء الفقهاء, بل وتبنيهم للحركة الدستورية, كافياً‏لتحصيل المشروعية للحكم الدستوري, فهل كان النوري ورفاقه يرمون إلى أن إذن الفقيه ليس كافياً‏ـ في الأصل ـ لتحصيلها (48) .

الحرية والمساواة

وحول الحريات العامة التي على أساسها ومن أجلها قامت الحركة الدستورية, يقول المعارضون إن الحرية تعارض مبدأ العبودية لله, ذلك أن الإنسان يستطيع في ظل القانون الجديد أن يفعل ما يحلو له دون ضابط أو رابط, كما هو مشاهد في البلاد الأوروبية التي أخذت بالنظم الدستورية, بخلاف ما هو مقرر في الدين من الضوابط والحدود التي قررها الشارع لحركة الإنسان (49) , وكتب الشيخ فضل الله النوري معترضاً‏على البند الدستوري الذي يقرر تساوي الإيرانيين أمام القانون,‏ويعتبر المواطنة أساس العلاقة مع الدولة (تأمل يا أخي في الدين كم في أحكام الإسلام من تفاوت بين موضوعات المكلفين, في العبادات والمعاملات والتجارات والسياسات, مثل تباين البالغ وغير البالغ والعاقل والمجنون والصحيح والمريض والعاقل والمجنون والمختار والمضطر.. وبين المسلم والكافر.. والحربي والذمي.. وغيرها مما لا يخفى على الفقيه الماهر.. الإسلام الذي وضع هذا القدر من التفاوت بين الموضوعات المختلفة في الأحكام,‏كيف يقال أنه يقبل المساواة, إلا أن يكون القائل قد فتح دكاناً مقابل صاحب الشرع وأسس أحكاماً جديدة.. ان جوهر لعبة المشروطة هذه هو تحرير الطائفة الضالة (البابية والبهائية) من الأحكام الأربعة المسلمة في حق المرتدين عن الإسلام) (50) .

وكتب الأصفهاني مندداً‏بمنح غير المسلمين حقوقاً‏سياسية‏(بناء على المبادئ الدستورية أصبح للنصارى والمجوس واليهود حق انتخاب ممثلين, وحصلوا على حقوق المواطنة أصبحوا إخوة في الوطن للمسلمين) (51) .  وكتب المرندي مندداً بتولية المناصب لمسؤولين غير متدينين أو غير مسلمين: (أصبح يقوم في أمور المسلمين الفسقة من الوزراء, والنواب الذين لا تظهر عليهم سمات الإسلام, فعطلوا أحكام الله وأقاموا أحكام الكفر, وجعلوا همهم تمكين القوانين الباطلة التي اخترعوها, بينما أهملوا أحكام الشريعة المقدسة وإعلاء دين الله.. انهم ـ باسم نشر المعارف ـ يحولون بين الناس وسبل المعرفة الصافية, ويلوثون أذهان أطفال المسلمين بالترهات المفسدة للأخلاق, بدل أن يربوهم على أخلاق الإسلام وتحكيم عقائده..) (52) .

الثالث: تمدد سلطة الدولة.

وحول حدود صلاحيات الحكومة الجديدة, يقول المعارضون إن قيام المجلس بفرض ضرائب, ووضع قوانين تنظم وتحدد من حرية الإنسان في التصرف في أملاكه, خلاف لمفاد القاعدة المستفادة من السنة الشريفة (الناس مسلطون على ما تحت أيديهم) (53)  ومع أن هذا كان سائداً في ظل الدولة القديمة, إلا أن ذلك كان غصباً عن الناس, فلا يصح أن يستمر في ظل الدولة الجديدة التي يدعى أنها تستهدف تحريرهم من الاستعباد, ولا يصح أن تتدخل الدولة بشكل يمنع تصرف الناس فيما يملكون (54) , ويجدر بالذكر أن فرض الضرائب على الدخل والواردات واستعمال الخدمات العامة, وإدخالها كجزء قانوني من أجزاء العلاقة بين الدولة والمواطنين, ارتبط في الدولة الإسلامية بتنامي النفوذ الغربي, الأمر الذي يضيف مبرراً آخر للاحتجاج على الدولة الحديثة. وندد الأصفهاني بكف يد العلماء عن قمع المنكرات, وتحويل هذا الأمر إلى أجهزة الدولة (حرم المسلمون من حقوقهم وأصبحوا مقيدين.. فهم لا يستطيعون إنكار المنكرات.. مثل الحانات ودور الفاحشة والمسارح, والدوائر التي تنفذ القوانين المخالفة للشريعة) (55) .

وحول المادة الثامنة من متمم القانون الأساسي التي تقرر حرية طبع ونشر (جميع المطبوعات عدا كتب الضلال والمواد المضرة بالدين المبين) يقول النوري (بموجب هذه المادة فان كثيراً‏من المحرمات ضرورية الحرمة قد حللت, فالمستثنى اثنان فقط, بينما من المحرمات بالضرورة, الافتراء والغيبة للمسلم, ومنها قذف المسلم, والإيذاء والسب والإهانة والكذب والفحش والتخويف والتهديد, ونحو ذلك من الممنوعات الشرعية والمحرمات الإلهية, هل تعني الحرية في هذه الأمور شيئاً آخر سوى تحليل ما حرمه الله) (56) .

ومن بين الأمور التي أثارت العلماء, ما ادعي من إمكانية قيام البرلمان بسلب الفقهاء حقهم في الفتوى, مثل ما ادعي من أن (قانون المشروطة يوجب على جميع الناس اتباع أحكام مجلس الشورى وما يصدره من قوانين, بما فيها الأحكام الشرعية التي سيكون تشريعها بيد المجلس, حيث تتقرر الأحكام بأكثرية الآراء حتى لو كانت مخالفة لآراء الفقهاء المجتهدين) (57)  ويكشف هذا الإشكال عن القلق الذي راود الناس والعلماء إزاء احتمال تدخل الدولة في الشأن الديني, وخصوصاً‏أخذها مكان العلماء, ويعزز هذا القلق ما ذكره عن الشائعة التي ترددت في المجتمع الديني, من أن إقرار القانون الأساسي وإرجاع الناس إلى القوانين التي يضعها الملجس, ليس له معنى غير سد باب الاجتهاد ومنع الفقهاء من إصدار فتاوى تعارض القوانين الحكومية (58)  فضلاً عن القلق من أن قيام مجلس يمثل الشعب ويمارس التشريع, سوف يؤدي ـ تدريجياً‏ـ إلى صرف الجمهور عن طاعة علماء الدين (59) .

ويجدر بالذكر أن معارضي المشروطة لا يخالفون في أصل وضع القانون, بل في مستواه ومصادره, يقول النوري في تذكرة الغافل (60)  (إذا اراد سلطان الإسلام وضع نظام لعمل موظفيه كي لا يتعدى أحد منهم على رعيته, وكان محوره الصغرويات (التطبيقات لا الأحكام العامة‏ـ الكاتب) فهو عمل طيب وهو أهل ومحل لذلك, وهو على أي حال لا يزاحم وظائف نواب الإمام وحجج الإسلام, الذين تنحصر وظيفتهم في استنباط الأحكام الكلية التي هي مواد القانون الإلهي من أدلتها الأربعة) (61) . لكن قيام أعضاء المجلس بوضع القانون, أي بممارسة دور شبيه لدور السلطان يتوقف ـ حسب رأي معارضي الدستور ـ على كونهم مجتهدين أو مأذونين من جانب المجتهدين, وفي هذه الحالة فإن الإذن العام من جانب الفقهاء للمجلس ليس كافياً, بل لابد من إذن شخصي لكل نائب من نواب المجلس على حدة, وفي هذه الحالة, فإنه يجب أن يكون معروفاً‏بصفة شخصية للفقيه الذي أصدر الإذن, كي يكون تصرفه في الأمور مشروعاً (62) .

المعالجات التي قدمها الفقهاء المؤيدون للنظام الجديد:

1ـ سيادة الأمة.

كما سلف القول فان الجدل الذي أثارته الحركة الدستورية, قد كشف كثيراً‏من الإشكالات النظرية المهمة, المتعلقة بالفقه السياسي, كما ساعد في تطوير معالجات لتلك الإشكالات, ونبدأ بالإشكال الرئيسي وهو سيادة الأمة وكونها مصدر الشرعية للنظام السياسي, ونعرض في هذا الصدد رأي المحلاتي, الذي يطابق إلى حد كبير رأي النائيني, كما يعتمد نفس الأساس الفقهي الذي صدر عنه. ويقارن المحلاتي بين ثلاثة نماذج للسلطة:

الأول: يقوم على اعتبار المصالح العامة راجعة إلى عموم الناس, لكن إدارتها ليست لهم, بل هي من وظائف السلطان, ليس لكونه مخولاً من قبلهم, بل اعتماداً على مصدر آخر للشرعية, وفي هذه الحالة فإن هذا السلطان يجب أن يكون مستكملاً‏لجانبي الكمال, النظري والعملي, فيكون عالماً‏حكيماً‏حصيفاً, ويكون في الوقت ذاته مديراً مدبراً, ومثل هذه الصفات لا تجتمع إلا في المعصوم الذي لا يتوقع منه الخطأ, ذلك أن ارتكاب الأخطاء لمن هو في مثل مقام السلطان, موجب لأضرار يصعب جبرها على البلاد والعباد, ولهذا قال الشيعة بوجوب ان تكون السلطنة المطلقة للإمام المعصوم لأن علمه الكامل, ومعصوميته عن الميل والهوى, تحول دون ارتكاب الخطأ أو الوقوع في الغفلة (63) .

أما النموذج الثاني من نماذج السلطة المطلقة: فهي ما يمكن تصنيفه تحت عنوان السلطة الاستبدادية, حيث يكون سكان البلاد محرومين تماماً, ومكفوفي اليد عن التدخل في أي من أمورهم وأمور البلاد عامة, فلا يعترف لهم بعائدية المصالح العامة, ولا يسمح لهم بالتدخل فيها, بل جميع الأمور عائدة إلى الملك, وفي هذه الحال فإن الملك يعتبر الأرض وما فوقها, من بشر ونبات وحيوان ومال ومنافع, ملكاً له, صحيح أن كل فرد من المجتمع حر في التصرف في أموره الخاصة, لكن هذا مشروط بان لا يكون مخالفاً لإرادة السلطان, أما إذا خالف فلن يكون له أي حق كما (العبد وما يملك لمولاه), وفي هذا النموذج أيضاً فإن استجابة الملك لبعض مطالب الرعية ليس ناشئاً‏عن حق لهم عليه, ومسؤوليته قبلهم,‏بل بسبب ما يحتمل من لين قلبه, أو توافق رأيه مع ما قدم إليه من التماسات, فاستجابته لهم, هي نوع من التفضل عليهم والإحسان إليهم, لا من نوع أداء واجب الرعاية أو الوفاء بالمسؤولية, فالحاكم فيها «لا يسأل عمايفعل» (64) .

النموذج الثالث: يمكن وضعه تحت عنوان السلطنة المقيدة: وخلاصته أن المصالح العامة, وكل ما يوجب الصلاح والرشاد ويبعث على التمدن وعمران البلاد, متعلق بمجموع سكانها, كلاً بحسب قدرته وإمكاناته, ومادامت المنافع العامة والمصالح التي لها مدخلية في عمران الجتمع متعلقة بعموم أفراده وراجعة إليهم, فلابد إذن من قيام هؤلاء بتعيين أمناء يمثلونهم, وينوبون عنهم في تشخيص ما هو صالح وماهو غير صالح عن طريق النظر والمشورة, ثم تقديم تلك الآراء إلى الهيئة التنفيذية, ممثلة في الحكومة أو الملك, للعمل بمقتضاها, فهيئة الأمناء تلك هي بمثابة القوة العقلية للبلاد, كما هو العقل وقوة النظر في مملكة الجسد الإنساني, كما أن الحكومة هي بمثابة العقل العملي, ويترتب عليه أن القول بتحديد سلطات الملك, يعني بالضبط جعل تصرفاته في أمور البلاد, مشروطة برأي عقلاء البلاد وممثلي شعبها (65) .

وبعد شرح النماذج الثلاثة يقرر المحلاتي أن الأول منهما خارج عن موضوع البحث, لأنه متقوم حصراً‏بالمعصوم الغائب, فلا يبقى سوى النموذجين الثاني والثالث, حيث لا يرضى عاقل باختيار غير الأخير منهما (66) .

أما النائيني فرأى أن جوهرالمسألة هو الميل الطبيعي للاستبداد والفساد والاستئثار عند السلطان الذي يملك قوى الدولة, ويفتقر في الوقت نفسه لمسدد أو رادع من نفسه, ومع الأخذ بعين الاعتبار أن العصمة النفسية لا تكون إلا للمعصوم, ولقلة من الحكماء يتعسر الحصول عليهم في كل وقت, فان البديل الوحيد الممكن هو إيجاد مسدد ورادع خارجي, هذا المسدد والرادع هو الدستور والبرلمان الذي يجمع ممثلي الشعب (67)  وهذا ممكن فقط إذا كان نظام الحكم يقوم على تقييد سلطات الملك, بحيث لا يفعل إلا ما هو مسموح به في الدستور, وبعد مشورة ممثلي الشعب (68)  ويرى المحلاتي أن مثل هذا الترتيب سيؤدي إلى خلاص العامة من ظلم السلطة المستبدة ورجالها, وهذا داخل تحت عنوان النهي عن المنكر وإقامة الأمر بالمعروف (69)  والمقصود أن الدليل على وجوب ذلك الترتيب, هو نفس دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذا هو نفس البناء الذي أقامه الفقهاء السابقون لتجويز العمل للسلطان الجائر (70) .

وقد أشكل المعارضون على هذا التأسيس بما خلاصته أن المجلس قد توسع في أعماله بحيث وضع نظاماً للجمارك وحدد رسوماً‏على الواردات وضرائب على الدخل ووضع نظاماً‏للخدمة العسكرية, وهذه كلها موارد لا تدخل من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فإذا كانت أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, هي الأساس الذي بنيت عليه مشروعيةعمل المجلس, فإنها لا تسمح بتجاوزو خصوص موارد الحكمين (71) . وأجاب المحلاتي على هذا الإشكال بما خلاصته أن تلك القوانين وأمثالها هي الأدوات القانونية, التي كانت تبرر وتنظم ممارسة الاستبداد والتعدي على ضعفاء الشعب, فإعادة صياغتها على نحو يستبعد منها ما يتوسل به للظلم, وقيام نواب الشعب بالنظر فيها, هو أحد الأعمال التي غرضها تحديد الجور ومنع أسباب الظلم, فتدخل تحت عنوان النهي عن المنكر (72) .

2ـ طبيعة عمل ممثلي الشعب.

سبق القول أن مؤيدي النظام القديم قد أشكلوا على طبيعة عمل نواب مجلس الشورى, واعتبروه تدخلاً في عمل الفقهاء, في حين ان استنباط الأحكام الشرعية, لا يأتي عن طريق الشورى, ولا يقوم به غير الفقيه.

وللرد على هذا الإشكال, ميز المحلاتي عمل ممثل الشعب عن عمل الفقهاء, وهو يقول إن مهمة البرلمان في أي بلد ليس إصدار الأحكام الشرعية, بل النظر في نظام البلاد وأعمال الحكومة من مالية وعسكرية وسياسية, مثل إنشاء الطرق والسدود وفتح قنوات الري وعمران الأرض, إضافة إلى التعليم وإقامة المصانع, وغيرها من موجبات رفاه الشعب في معيشتهم, وإخراجهم من ذل الحاجة إلى الأجانب, (وواضح أن مثل هذه الأمور وأمثالها راجعة إلى المصالح الدنيوية, ولا دخل لها في الأمور الدينية, وبالتالي فإن الجهل أو العلم بالأحكام الشرعية لا مدخلية له فيها, هذه أمور يرجع النظر في شأنها إلى عقلاء كل بلد, وحتى الفقهاء الذين هم أعضاء في مجلس الشورى, إنما انتخبوا بصفتهم ممثلين لصنف العلماء, باعتبارهم من عقلاء البلد لا لكونهم فقهاء فحسب, فإذا ذهبوا إلى رأي خلاف ما رآه أكثرية العقلاء, رجح رأي هؤلاء عليهم, لأن تخصصهم الفقهي لا دخالة له في هذا الأمر, وهذا الأمر لا علاقة له بالأحكام الشرعية الكلية التي هي مجال اختصاصهم, ولا دخل لغير الفقيه فيها, ان الرجوع إليهم في هذا الأمر ملحوظ فيه كونهم أهل خبرة في الموضوع, لا كونهم فقهاء) (73) .

وعلى هذا النسق فإن القانون الأساسي ليس كتاباًفي الأحكام الشرعية, بل هو نظام لعمل الدولة, وليس فيه من البنود ما يخالف المعروف والمعلوم من الدين, وعلى أي حال فإن مجال اشتغاله مختلف كلياً‏عن مجال عمل الفقهاء والمجتهدين, فلا يقال أن صدروه أدى أو يؤدي إلى غلق باب الاجتهاد أو مزاحمة الفقهاء في عملهم (74) .

وبالنسبة للإشكال القائل بأن إلزام الشعب بطاعة المجلس هي استبدال لطاعة الفقيه, قال المحلاتي إن طاعة الفقيه واجبة في حالتين, الأولى طاعة المقلد لمرجعه في الأحكام الشرعية الكلية, والثانية حكم الحاكم الشرعي في الموضوعات الخارجية كما في النزاعات, أما في غير هاتين الحالتين فطاعة العلماء ليست واجبة على أحد. ومن الناحية العملية فإن الأمر الأول ليس ذي علاقة بالمجلس, فموارد تقليد العامي للمجتهد, ليست من أشغال المجلس حتى يكون له مدخلية فيها, وأما الثاني, فان القانون الأساسي قد صرح بأن القضاء موكول إلى الفقهاء الجامعين للشرائط (75) .

3ـ المساواة والمواطنة.

أشكل المعارضون على دستور النظام الجديد, بأنه يقرر مساواة تامة بين المواطنين أمام القانون, بينما تتضمن أحكام الإسلام تمييزاً بين الناس يتبع اختلافهم في التكاليف, وقد أجاب المحلاتي عن هذا الإشكال بأن المقارنة بين المساواة التي يقررها الدستور وبين الاختلافات الحكمية التي قررها الشرع, مقارنة بين موضوعين مختلفين لا يقبلان المقارنة, فالمساواة الدستورية جاءت لإلغاء التمييز بين الناس التي كانت قائمة في ظل الاستبداد, حيث الأقوياء يستأثرون بكل شيء, بينما يحرم الضعفاء من كل شيء, هذه المساواة هي عين ما طالب بن الإسلام, كما يقول الإمام علي بن أبي طالب (الضعيف الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له والقوي العزيز عندي ضعيف ذليل حتى آخذ الحق منه) (76) .

المساواة التي يتحدث عنها الدستورة ليست مساواة المكلفين المختلفي التكاليف, بل المساواة في الحقوق والواجبات فيما يقتضي المساواة, والحصول على المنافع العامة التي يفترض أن تصل إلى الناس بالتساوي وأداء الواجبات التي يفترض أن يؤديها الناس بالتساوي, كالواجبات المالية وأمثالها (77) .

وبالنسبة لقيام العلاقة بين الشعب والحكومة على أساس المواطنة, بما يعني تساوي المسلمين وغير المسلمين أمام القانون, يقول المحلاتي أن هذا التقرير لا دخالة له في تطبيق الأحكام الشرعية القائمة على أساس الدين, مثل التوارث والزواج بين المسلم والكافر وأمثال ذلك, بل المقصود من حق المسلمين وغير المسلمين في تحصيل حقوقهم التي قررها لهم الشرع, ومعلوم أن الكافر الذي يعيش في ذمة المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم, عدا ما استثني لموجبات الدين, وهذا مرعي ولا نقاش فيه, لكن المقرر هو حق الكافر في أن يملك ويعمل ويتمتع بثمرات ملكه وعمله, كما يتمتع بالشراكة فيما هو مصلحة مشتركة بين المواطنين بحسب القاعدة الشرعية‏(فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم) (78)  لا أن تحجب حقوق الكافر المقررة له شرعاً بحجة عدم التساوي, لأن هذا ليس من موارد التمييز, بل من موارد المساواة التي قررها الشرع لكل ساكن في بلاد الإسلام (79)  وذهب النائيني إلى وجوب أن يكون للأقليات الدينية غير المسلمة ممثلون في البرلمان, لأن هذا هو مقتضى الوكالة العامة للبرلمان عن الشعب, وإلا فغيابهم عن الشورى يخدش عمومية وكالة النواب عن الشعب (80) .

4ـ الحريات العامة.

يقرر المحلاتي أن الحريات التي يضمنها الدستور للمواطنين, ليست التحرر من عبودية الله سبحانه, أو الانفلات من الإلتزام بأحكام الشرع, بل على العكس من ذلك فهي التحرر من عبودية السلطان ورجاله, هذه الحرية لازمة لتحقيق توحيد الله وإفراده بالعبودية, الحرية بهذا المعنى هي منع تحكم أي شخص حتى ولو كان الملك في شؤون الناس بغير حق, وتحميلهم ما لا يستطيعون أو ما لا يريدون, اعتماداً‏على القوة والجبروت, هذه الحرية تعتبر من المستقلات العقلية ومن ضروريات الإسلام, وإذا كانت الدول الأخرى التي أخذت بالدساتير, قد سمحت بحريات تشمل رفع القيود عن تعاطي الخمور, وارتكاب ما هو منكر في الشريعة الإسلامية, فذلك عائد إلى أن هذه ليست منكرات في عقائدهم, لا لأنها لازمة من لوزام الحكم الدستوري (81) .

وقرر النائيني أن تحرير الناس كان أبرز أسباب الصراع بين الأنبياء وطواغيت أزمانهم, وان الصراعات بين الدول, وبينها وبين الشعوب, دارت حول هذه النقطة, وليس حول التزام أحد الفريقين بأحكام دينية معينة أو تملصه منها (82) .

5ـ مشروعية الحكم لغير نواب الإمام.

خلاصة الإشكال هو أن الحاكم الذي يعتبر شرعياً عند الشيعة هو الإمام, وفي عصر الغيبة فالفقيه الجامع للشرائط, وهذا لا يتعين بانتخاب الناس, وعليه فإن الحكومة الدستورية تفتقر إلى الشرعية, بل هي ـ مثل الحكم المستبد ـ جورية لأنها تتضمن تعدياً‏على مقام المعصوم ونائبه. ويمثل هذا الإشكال أحد أبرز نقاط القوة في خطاب مؤيدي النظام القديم, إذ أنه يرتكز إلى فهم سائد وعميق الجذور في الفكر الشيعي, ولهذا فإن المحلاتي لا يقرر صراحة شرعية الحكم الدستوري مقابل حكومة نائب الإمام, بل يضعها مقابل الحكم الاستبدادي, وهو يعيد صياغة المسألة على نحو مختلف خلاصته أن الشعب حين واجه معضلة الاستبداد توجه للفقهاء بالسؤال حول خصوص تحديد السلطة لمنع الاستبداد والتعدي, فأجابه الفقهاء بوجوب العمل على إقامة هذا النظام (83)  فكأنه أراد الإشارة إلى ان حكم نائب الإمام, لم يكن مطروحاً لا من جانب الشعب ولا من جانب الفقهاء, المسألة التي كانت مطروحة هي على وجه التحديد الاستبداد وإمكانية تحديد صلاحيات السلطة المستبدة. أما النائيني فذهب إلى أن المراقبة والمحاسبة من جانب الشعب, ممثلاً في نوابه, حق حتى لو كان القائم على السلطة نائب الإمام, لأن أصل المحاسبة والشورى مقرر في الشريعة, ولأن الحكومة تعتمد على الأموال التي يدفعها الشعب على صورة ضرائب, فهذا يعطي للشعب حق الرقابة والمحاسبة على كل حال (84) .

6ـ طبيعة الوكالة الممنوحة من قبل الشعب للنواب.

وخلاصة الإشكال أن الوكالة الشرعية لا تكون في الأمور العامة بل في الأمور الشخصية, وان لها صيغة محددة, بخلاف توكيل النواب الذي لا يطابق هذه الصيغة, كما أنه يعم أموراً غير محددة سلفاً‏من جانب الموكلين, ورد المحلاتي على هذا ببيان أن مفهوم (الوكالة) في خصوص هذا الموضوع ليس هو ذاته مفهوم الوكالة الشرعية التي تتحدث عنها الكتب الفقهية, وان اتحد المسمى,‏وينبغي دائماً‏ملاحظة ظرف إطلاق التعبير قبل النظر في حكمه, باعتباره قرينة على المراد منه, وبالنسبة لعمل نواب الشعب, فان اجتماعهم ليس لغرض شخصي, بل للنظر في مصالح عموم الرعية, وان جواز اشتراك أحد الناس في هذا الاجتماع ولهذا العمل, مرهون بحصوله على تفويض من الشعب الذي مصالحه محل نظر, هذا التفويض أطلق عليه اسم الوكالة,‏إطلاقاً عرفياً, وهو جائز وجار في العرف السياسي, ولا أحد يستشكل في كون المقصود به الوكالة الشرعية بالمفهوم الدارج في الفقه (85) .

ومن الإشكالات, طبيعة إذن الفقهاء للنواب بالتصرف في الأمور العامة, وكان جوهر الإشكال, هو أن العلماء لا يعرفون النواب بصورة شخصية, فكيف يأذنون لهم بالتصرف, وقد أجاب المحلاتي عن هذا, بان الإذن المعني ليس من قبيل الإذن المطلوب في الشرع, للتصرف في الأمور الحسبية مثل الولاية على الصغار والأوقاف أو التصرف في سهم الإمام عليه السلام (الخمس), بل هو إذن في معنى التأييد والمناصرة في عملهم, الذي جوهره منع الظلم وتحديد تصرف السلطان, ومنع التعدي على حقوق الشعب, والنواب لا يستمدون مشروعية عملهم من إذن الفقهاء, بل من توكيل الشعب لهم في هذه المهمة (86) . وهذه الإشارة من جانب المحلاتي من أقوى ما صدر عن فقيه شيعي في إرجاع شرعية السلطة إلى التفويض الشعبي, خلافاً لرأي الأكثرية الذين اعتبروا إذن الفقيه ضرورياً‏للتأكد من مشروعية الممارسة السياسية, وإلى هذا الجانب مال النائيني الذي رأى ان إذن الفقيه ليس ضرورياً في إسباغ المشروعية, لكن لا يترك الأخذ به على سبيل الاحتياط (87) .

7ـ التعويل على رأي الأكثرية.

وخلاصة فكرة المحلاتي أن موضوع النقاش في مجلس الشورى, كما في انتخاب أعضائه ليس الأحكام الشرعية استنباطاً أو تطبيقاً, بل محل النقاش هو تشخيص المصالح والمفاسد, وفي هذا فإن المشاورة والنقاش قد لا تنتهي دائماً إلى اتفاق, فالحل الذي يأخذ به العقلاء في حال الحاجة إلى نتيجة, وعدم وجود اتفاق عليها هو ترجيح الطرف الأقوى, لأن احتمال إصابته للحقيقة أرجح, كماأنه في كل موارد التعارض فان الأخذ بأقوى الطريقين من الحلول المسلم بها, وواضح أن وجود أكثرية أهل الخبرة في أحد الطرفين, باعث على أرجحيته وأقربيته إلى إصابة الواقع وابعديته عن الخطأ, وهو مضمون ما ورد عن الباقر عليه السلام (خذ ما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر) (88) .

وفي نفس السياق أشكل المعارضون على المجلس إصداره قوانين ملزمة, في أمور لم يرد فيها إيجاب أو تحريم شرعي, ومعلوم أن الإلتزام والإلزام بطرف معين في المباحات الشرعية, حرام, لأن الإلزام بغير الواجب أو منع غير الحرام ابتداع في الدين (89)  وأجاب المحلاتي على هذا بأن الإلتزام بأحد طرفي المباح على نحو شخصي ليس حراماً, فلو أن شخصاً‏قرر عدم شرب الشاي, أو توقف عن أكل فاكهة معينة فهل يعد عمله هذا حراماً? أما بالنسبة للإلزام الغير ولا سيما من قبل مجلس الشورى, فلو ان أعضاء المجلس الذين يمثلون أمناء الشعب, توصلوا إلى ان ترك أحد الأفعال مما يدخل ضمن موضوع عملهم, مؤد إلى مصلحة أو واق عن ضرر عام, مثل أن يتوصلوا إلى أن التوقف عن تجارة معينة إلى وقت معين ضروري لمصلحة البلاد, فليس ثمة مانع شرعي من قيامهم بذلك, وطاعة العامة لهم فيما ذهبوا إليه, خاصة مع كونهم أهل نظر وأمناء ومفوضين من قبل الشعب في مثل هذه الأمور, ان تقرير شيء من هذا النوع ليس من قبيل تقرير أحكام شرعية أو إلزام شرعي, بل هو نوع من جلب المنافع ودفع المضار, تماماً‏مثل امتناع العاقل عن تناول مايضره وسعيه لترتيب الحصول على ما هو مصلحة له (90) .

خلاصة

يكشف التأمل في الجدل الذي دار بين مؤيدي الحركة الدستورية ومعارضيها, عن مقاربات لمسألة الدولة, تتميز في جوانب كثيرة عن التصوير التقليدي الذي تحفل به كتب الفقه, القديمة وكثير من الجديدة, وذلك لأن هذا الجدل دار على خلفية واقعة محددة, وهذا ما يجعل تلك المقاربات بمثابة نقلة في الفقه الجعفري فيما يخص أمور الدولة, ومن بين المقاربات المهمة:

1ـ إعادة تشخيص الدولة باعتبارها هيئة اجتماعية, اي النظر إليها من زاوية وظيفية, فالدولة بما هي هيئة لها وظائف ضرورية, وان الاتفاق السابق على ربطها بالإمامة, متوقف على حضور المعصوم, أما في الغيبة فان السعي لإصلاح الدولة القائمة واجب على الفقهاء والعامة, خلافاً لما تعارف عليه الفقهاء سابقاً‏من عدم اعتبار الفقيه مكلفاً بإصلاح الدولة (91)  ما لم تمكنه السلطة نفسها من ذلك (92)  أو عدم اعتباره مسؤولاً‏عما يترتب على انعدام السلطة الصالحة من تعطيل الأحكام المربوطة بمنصب الإمامة (93)  وسوف نجد أن مذهب التدخل قد تطور عند الإمام الخميني في السنوات التالية, إلى اعتبار الفقيه مكلفاً بشكل مباشر بالسعي إلى السلطة وتوليها (94) .

2ـ طرحت رسائل الفقهاء المعاصرين للحركة الدستورية, ربما للمرة الأولى في الفقه الإسلامي, فكرة مالكية المجتمع للدولة, فقررت أن مشروعية ممارستها موقوفة على التفويض الشعبي, كما طرحت للمرة الأولى فكرة المواطنة كأساس للعلاقة بين المجتمع والدولة, حين قررت حق غير المسلمين في المشاركة في الحياة السياسية, ودعمت هذه الأراء بأدلة مقبولة من الناحية الفقهية.

3ـ أعاد الفقهاء الدستوريون تفسير فكرة التشريع والتقنين التي يمارسها نواب الشعب, وهي من الأفكار التي اعترض عليها كثير من الإسلاميين المعاصرين, فقرروا أن ما يقوم به نواب الشعب ليس تشريعاً بالمفهوم الفقهي الخاص, بل هو أقرب إلى تشخيص المصالح, وفي هذا الجانب, فإن كونهم ذوي خبرة, وكونهم مفوضين من قبل الشعب, هو ما يؤهلهم لهذا الدور, ولهذا فانه حتى الفقهاء المشاركين في المجلس, ليس لهم ميزة على غيرهم لكونهم فقهاء.

4ـ تؤكد رسائل الفقهاء الدستوريين على فكرة تدخل العلماء في الحياة السياسية, لكنها لا تدعو إلى حكومة فقهاء, أو حكومة تخضع لنفوذهم, بل تميل إلى اعتبارهم شركاء مساوين لغيرهم, وفيما يتعلق بمصدر مشروعية الحكم, فإنها تعتبر قيام الدولة على أساس صحيح, وهو هنا الدستور والرقابة الشعبية, هو ما يمنحها المشروعية, كما أن استمرار مشروعيتها راجع إلى صحة عملها, وليس لكون الفقيه على رأسها, فهي من هذه الناحية تربط توليد المشروعية بعمل النظام ذاته, وليس بأشخاص القائمين عليه.

* باحث من المملكة العربية السعودية.

الهوامش:

1) خامنئي, السيد علي: الحكومة في الإسلام, ص31, دار الروضة, بيروت 1995, تعريب: رعد هادي جبارة.

2) للإطلاع على بعض آراء السيد خاتمي في هذا الخصوص انظر: خاتمي, محمد: مطالعات في الدين والإسلام والعصر, دار الجديد, بيروت, 1999.

3) زركري نجاد, غلامحسين: رسائل مشروطيت, انتشارات كوير, تهران 1374هـ. ش.

4) السيف, توفيق: ضد الاستبداد, المركز الثقافي العربي, بيروت, 1999.

5) الشهرستاني, أبو الفتح: الملل والنحل 1/115.

6) القرطبي, محمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن, 1/264, دار الفكر, بيروت

وقال الشهرستاني أن أبا بكر الأصم كان يذهب إلى ان الإمامة لا نتعقد إلا بإجماع الأمة عن بكرة أبيهم, وأراد بهذا الطعن في إمامة علي (ع) نظراً‏لعدم اتفاق الصحابة على بيعته. الشهرستاني: الملل والنحل 1/72.

7) قال القرطبي في تفسير الآية {إني جاعل في الأرض خليفة..) انها (اصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع, لتجتمع به الكلمة, وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة) القرطبي: المصدر السابق.

8) الماوردي, أبو الحسن: الأحكام السلطانية والولايات الدينية, ص5, مكتب الإعلام الإسلامي, ط2, قم 1406.

9) لتفصيلات انظر: الواعي, توفيق: الدولة الإسلامية بين التراث والمعاصرة, ص231, دار ابن حزم, بيروت, 1996.

10) المرتضى: الشافي في الإمامة 1/114.

11) الغزالي, أبو حامد: قواعد الإمامة, الفصل الثالث, الركن الرابع. ضمن برنامج المحدث, إصدار 8.63.

12) حول الآراء المختلفة في شرعية حكم المتغلب عند فقهاء السنة, انظر: الواعي: المصدر السابق, ص268.

13) انظر نص الرسالة في: الشريف المرتضى: رسائل الشريف المرتضى 2/89 قم 1405.

14) كديور, محسن: نظريه هاي دولت در فقه شيعة, ص64, نشر ني, تهران 1376هـ.ش.

ويشير كديور إلى خطبة للشيخ المجلسي, ورد نصها في نصيري, محمد إبراهيم: دستور شهرياران 21 بكوشش محمد نادر نصيري مقدم, بنياد موقوفات دكتر محمد افشار, تهران 1373هـ.ش.

15) انظر بهذا الصدد رأي رضوان السيد: الجماعة والمجتمع والدولة, ص377.

16) يقول الشيخ الأصفهاني في سياق حديثه عن الولاية (الأراضي الخراجية فالاخبار بالولاية للإمام عليه السلام عليها مستفيضة مع بسط يده وتمكنه من صرف حاصلها في مصالح المسلمين, والفقيه بناء على عموم النيابة كذلك بالشرط المذكور, ففي الحقيقة إنما له الولاية بما هو رئيس المسلمين وحافظ حوزة المؤمنين, ومع عدم التمكن من التصرف على الوجه المزبور يرجع الأمر إلى من يقوم بهذا الأمر, وان كان متغلباً‏لأن فوات مصلحة قيامه بالأمر لا يسوغ تفويت مصالح المسلمين) الأصفهاني, محمد حسين: حاشية المكاسب 1/216.

ويلفت النظر في رأي الأصفهاني التطابق بينه وبين رأي الغزالي السابق الذكر, حيث يبني كل منهما على المصلحة العامة الفعلية كأساس للحكم.

17) كاشف الغطاء, جعفر: كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء, ص394 انتشارات مهدوي, اصفهان.

18) خالد زيادة: الإسلام السياسي وإشكالية الدولة المعاصرة, الاجتهاد, ع14, شتاء 1992, ص224.

19) انظر مثلاً: كاظم الحائري: ولاية الأمر في عصر الغيبة, مجمع الفكر الإسلامي, قم, 1414.

20) محمد رشيد رضا: الخلافة, في وجيه كوثراني: الدولة والخلافة في الخطاب العربي 121 ونشر كتاب الخلافة في 1922.

21) انظر مثلاً‏كتاب: عبد القديم زلوم: الديمقراطية نظام كفر, الصادر في 1990 عن حزب التحرير, أيضاً‏مشروع دستور لدولة الخلافة, الذي يعرض تصور الحزب لدولة الخلافة.

22) إبراهيم البيومي غانم: مفهوم الدولة الإسلامية المعاصرة في فكر حسن البنا, الاجتهاد, ع14, شتاء 1992, ص143.

23) انظر تعريفات الإمامة العظمى في الواعي: المصدر السابق 193.

أيضاً سعيد حوى: الإسلام 2/137 مكتبة وهبة القاهرة 1977.

24) العروي, عبد الله: مفهوم الدولة, ص137, المركز الثقافي العربي, بيروت, 1998.

25) برتران بادي: الدولتان 272 ترجمة نخلة فريفر, المركز الثقافي العربي, بيروت 1996.

26) النائيني: المصدر السابق 299.

27) لتفصيلات انظر مثلاً‏النائيني: المصدر السابق, المقدمة.

28) من أمثلة ذلك التأييد المفتوح من جانب علماء العراق وإيران لفتح علي شاه حين تعرضت إيران للغزو الروسي في 1240, والعصيان المدني الذي قاده الميرزا الشيرازي في 1308 ضد ناصر الدين شاه بعد منح امتيازات واسعة للإنكليز, ودعم العلماء للدولة العثمانية في مواجهة الغزو البريطاني للعراق في 1338.

29) فادي إسماعيل: الخطاب العربي المعاصر 92ـ99.

30) مرندي: ابو الحسن نجفي: دلايل براهين الفرقان, في زركري نجاد: رسائل مشروطيت 207, 209.

31) المحلاتي, محمد اسماعيل الغزوي: اللألئ المربوطة في وجوب المشروطة, في رسائل مشروطيت 514 وقد طبع كتاب اللألئ المربوطة للمرة الأولى في 1327.

32)Hairi, Abdul-Hadi: The legitimacy of The Early Qajar Rule as Viewed by the Ahi'i Religious Leaders, Middle East Studies p272, V24 (1988).

33) عقد الكليني باباً خاصاً للروايات الخاصة بهذا عنوانه (باب الرد إلى الكتاب والسنة وانه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلا وقدجاء فيه كتاب أو سنة) الكليني, محمد بن يعقوب: الكافي 1/59.

وهون النراقي من شأن الروايات الواردة بهذا الشأن واصفاً إياها بأخبار الاحاد, وقال ان معناها بالتحديد هو ان ما كان فيه حكم, فقد بين القرآن أو السنة ذلك الحكم, لا انهما قد بينا الحكم في كل موضوع. النراقي, أحمد مهدي: عوائد الأيام 124, وخلافاً لهذا الرأي فقد قال البحراني بان الأخبار مستفيضة في ان كل حكم, مبين في الكتاب والسنة حتى ارش الخدش. البحراني, يوسف: الحدائق الناضرة 24/443.

34) المادة 12 من متمم القانون الأساسي لعام 1906.

35) النوري: فضل الله: حرمت مشروطه, في رسائل مشروطيت 166, وهو يرجع إلى مبدأ متعارف بين الفقهاء يعرض عادة عند الاستدلال على الولايات المخولة للفقيه, وقال النراقي أن هذا ثابت (للعلماء بأحكام أهل البيت عليهم السلام, بالإجماع القطعي بل الضرورة والمعتبرة المستفيضة) النراقي, أحمد مهدي: مستند الشيعة 2/516, بل لم يستبعد الأنصاري اعتبار ولاية الفقيه في القضاء, من ضروريات المذهب. الأنصاري, مرتضى: كتاب القضاء والشهادات 47.

36) النوري: المصدر السابق 166.

37) انظر الخميني, روح الله: كتاب البيع 2/459ـ538.

وقد أصبحت ولاية الفقيه في الجانب السياسي نظرية معيارية في الفقه الجعفري منذ أن تبناها الإمام الخميني وتحولت إلى أساس من أسس مشروعية النظام السياسي في دستور الجمهورية الإسلامية منذ 1980 رغم أن الجدل حول إطلاقها وعموميتها لم يتوقف منذ ظهورها في الفقه حتى الآن.

38) انظر مثلاً الحائري, كاظم: ولاية الأمر في عصر الغيبة 164.

39) مرندي: المصدر السابق 222.

40) مرندي: المصدر السابق‏222.

41) مرندي: المصدر السابق 205.

42) عبد الرحيم الأصفهاني, في مرندي: المصدر السابق 247.

43) انظر مثلاً الشريف المرتضى: الشافي في الإمامة 1/114.

44) المحلاتي: اللألئ المربوطة في وجوب المشروطة, في زركري نجاد: رسائل مشروطيت 525.

45) يقول سعيد حوى مثلاً‏إلى أن (الإمامة أو الخلافة ليست إلا عقداً طرفاه الخليفة من ناحية وأولو الرأي في الأمة من الناحية الأخرى). حوى: المصدر السابق 2/146.

46) لتفصيل بشأن الآراء المختلفة في هذا الجانب, انظر الواعي: المصدر السابق 233.

47) أعلن عدد من الفقهاء البارزين تأييدهم للحركة الدستورية في بيانات علنية خلال عامي 1326ـ1327 وبينهم الآيات عبد الله المازندراني والآخوند الخراسان والميرزا حسين خليل ومحمد تقي النجفي الأصفهاني ونور الله الأصفهاني, انظر بعض تلك البيانات في رسائل مشروطيت 447ـ453. أيضاً‏توفيق السيف: المصدر السابق 84.

48) فكرة تشريع السلطة بإذن الفقيه من الحلول القديمة التي اقترحها الفقه الشيعي لحل مشكلة المشروعية, ويبدو أن عدداً‏من الفقهاء مارسها, لا سيما خلال الدولة الصفوية, لكن الوثيقة الوحيدة التي تتضمن تصريحاً‏بمنح الإذن من جانب فقيه لأحد الملوك, هي تلك المتضمنة إذن كاشف الغطاء للملك القاجاري فتح علي شاه, ولا نعلم تاريخ تلك الوثيقة بالضبط, لكنها صدرت لدعم الجهد الحربي للحكومة الإيرانية خلال حربها مع الروس في الفترة بين 1218ـ1228, وأدرجت ضمن كتاب كشف الغطاء الذي توفي مؤلفه في 1228 ولما يكتمل. انظر كاشف الغطاء, جعفر: كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء 394 انتشارات مهدوي, اصفهان.

49) المحلاتي: المصدر السابق 521.

50) النوري: المصدر السابق 160.

51) مرندي: المصدر السابق 223.

52) مرندي: المصدر السابق 202.

53) الإحسائي, ابن ابي جمهور: عوالي اللألئ 1/222 ومفهوم هذه الرواية من القواعد التي عليها مدار الأحكام, ويندر أن يخلو منها بحث فقهي.

54) المحلاتي: المصدر السابق 522.

55) مرندي: المصدر السابق 223.

56) النوري: المصدر السابق 162.

57) المحلاتي: المصدر السابق 516.

58) المحلاتي: المصدر السابق 517.

59) المحلاتي: المصدر السابق 517.

60) رسالة تذكرة الغافل من أهم الرسائل التي صدرت في سياق الجدل حول المشروطة, ومؤلفه ليس معروفاً‏على وجه اليقين لكن ثمة دلائل كثيرة ترجح كونه من مؤلفات الشيخ فضل الله النوري, وإلى ذلك أشار أيضاً‏اغا بزرك الطهراني, انظر زركري نجاد: رسائل مشروطيت 171.

61) النوري, فضل الله: تذكرة الغافل, في زركري نجاد, المصدر السابق 176.

62) المحلاتي: المصدر السابق 523.

63) المحلاتي: المصدر السابق 498.

64) المحلاتي: المصدر السابق 499.

65) المحلاتي: المصدر السابق 497.

66) المحلاتي: المصدر السابق 500.

67) النائيني: المصدر السابق 254ـ258.

68) المحلاتي: المصدر السابق 511.

69) المحلاتي: المصدر السابق 513.

70) انظر مثلاً‏مرتضى: رسالة عمل السلطان, في رسائل الشريف المرتضى 2/98.

71) المحلاتي: المصدر السابق 529.

72) المحلاتي: المصدر السابق 530.

73) محلاتي: المصدر السابق 516.

74) محلاتي: المصدر السابق 517.

75) المحلاتي: المصدر السابق 517ـ518.

76) الشريف الرضي: نهج البلاغة 1/89 شرح محمد عبده, دار المعرفة, بيروت.

77) المحلاتي: المصدر السابق 518ـ519.

78) الكاساني, أبو بكر: بدائع الصنائع 7/100. حول حقهم في استخدام المنافع العامة, أنظر الشهيد الثاني: الروضة البهية 7/181.

ولمقارنة ما لغير المسلمين من حقوق في مجتمع المسلمين, انظر السيد سابق: فقه السنة 2/604.

79) المحلاتي: المصدر السابق 546.

80) النائيني: المصدر السابق 329.

81) المحلاتي: المصدر السابق 521.

82) النائيني: المصدر السابق 302.

83) المحلاتي: المصدر السابق 525.

84) النائيني: المصدر السابق 318.

85) المحلاتي: المصدر السابق 529.

86) المحلاتي: المصدر السابق 523.

87) النائيني: المصدر السابق 320.

88) المحلاتي: المصدر السابق 544.

وردت الرواية عن الباقر في ابن أبي جمهور: المصدر السابق 4/133.

 89) المحلاتي: المصدر السابق 544.

90) المحلاتي: المصدر السابق 545.

91) اعتبر صاحب الجواهر استمرار غيبة الإمام الثاني عشر دليلاً‏على استحالة قيام الدولة العادلة, ولو كان الأمر على غير هذا النحو لانتهت الغيبة وظهرت دولة الحق. النجفي, محمد حسن: جواهر الكلام 21/397.

92) الحلبي, أبو الصلاح: الكافي في الفقه 423.

93) ذهب الأنصاري إلى أن الفقيه غير مسؤول عن تعطيل الأحكام التي يرى أن حضوره شرط في وجوبها, مثل سائر البركات التي حرم منها المسلمون بفقده صلوات الله عليه. الأنصاري, مرتضى: المكاسب 1/410.

94) يقول السيد الخميني (القيام بالحكومة وتشكيل أساس الدولة الإسلامية من قبيل الواجب الكفائي على الفقهاء العدول, فإن وفق أحدهم بتشكيل الحكومة يجب على غيره الاتباع, وإن لم يتيسر إلا باجتماعهم, يجب عليهم القيام اجتماعاً, ولو لم يمكن لهم ذلك أصلاً, لم يسقط منصبهم وإن كانوا معذورين في تأسيس الحكومة, ومع ذلك كان لكل منهم الولاية على أمور المسلمين, من بيت المال إلى إجراء الحدود, بل على نفوس المسلمين إذا اقتضت الحكومة التصرف فيها) الخميني: كتاب البيع 466.