شعار الموقع

جدلية الثابت والمتحرك وحدود الممنوع والمسموح في الحضارة والتفاعل الحضاري

عبد الله الفريجي 2004-10-15
عدد القراءات « 600 »

«سؤال الهوية (....) مطروح بدرجات متفاوتة من القلق والالحاح (....) منذ أن استكمل عصر النهضة الأوروبي عناصر تحققه وبالذات منذ أن بدأ الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين حاملاً معه مشروع نمطه الخاص البالغ ـ أحيانا ـ حد الرغبة في الاختراق لهويات الشعوب المستعمرة وتذويبها كلياً» (1)
فمدافع نابليون ـ وهي تضرب أسوار القاهرة ومآذنها ـ مثلت الذراع العسكري لمشروع اختراق مبرمج لكل المألوف والمتعارف فلأول مرة شاهد سكان القاهرة نساء الحملة وهن حاسرات الشعور وعاريات النحور متأبطات اذرع الرجال وصار أهل القاهرة يطالعون صحفاً يكتبها العلماء والتقنيون الذين رافقوا الحملة مؤذنين ببدء التلقي من منابع الآخر الفكرية.
وقد تكرر نموذج الاختراق بصور متفاوتة لحواضر إسلامية أخرى كتركيا وإيران واصبح تحدي الهويةýاحد الحقائق المعاشة التي تضغط على العقل المسلم وتدفع إلى التساؤل عن الأسباب وسبل الرد!
كما هو معروف تعددت الحلول والاجابات تبعاً لتعدد الرؤى التي تناولت الواقع بالتحليل والتقصي فبين الدعوة إلى الذوبان في الآخر، وبين الدعوةýإلى الحفاظ على كامل مرتكزات الهوية، تبايناً يصل إلى حد التناقض ويقود إلى تجزئة رهيبة في المواقف، تفوت فرص النهوض الذي يمثل الرد الوحيد على هذا الاختراق.
ومن هناك فإن الخوض في الموضوع صعب ويحتاج إلى متابعة دقيقة إلى مفاهيم من قبيل الحضارة، الهوية، والأصالة، والتفاعل الحضاري وحدود المسموح والممنوع في كل ذلك. وكالعادة سنحتاج إلى إعادة تذكير بحدود هذه المفاهيم وما الذي نعنيه بالأمّة ـ والهوية... الخ.

الأمة... الهوية

«يذكر ابن الأنباري في كتابة الزاهر من معاني كلمات الناس «وهو مؤلف من القرن الرابع الهجري» أن الأمة «تنقسم في كلام العرب على ثماني أقسام» نستطيع أن نوجزها ونركبها على النحو التالي:
ـ أحياناً بمعنى الجماعة كما تقرأ في القرآن {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من الناس يسقون} وأحياناً بمعنى الدين تقرأ في القرآن {إنا وجدنا أباءنا علىýأمّة وإنا على أثارهم مهتدون} وأحياناً أخرى بمعنى الزمان {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمّةٍ معدودة}.
أما المعاني الخمسة الباقية فهي تدور كلها حول الانسان ـ الفرد، حيث تتعلق بأوصاف جسدية منها «الأمة = العّامة» فلان حسن الأمة وبأوصاف معنوية أخرى» (2) .
فالأمّة لغة ليست سوى الجماعة، والجماعة هي الجمع من الناس الذين يجمعهم جامع ما فيمنحهم خصوصية تتيح الإشارة إليهم بها باعتبارهم ذات جماعية تختلف عن ذوات جماعية أخرى، تماماً كما تختلف الذات الفردية عن بقية الذوات الفردية الأخرى.
فمميزات الفرد هي هويته، ومميزات الجماعة هي هوية الجماعة لأن «الهوية مصطلح استعمله العرب والمسلمون القدماء وهو منسوب إلى هو، وهذه النسبة تشير إلى ما يحمله من مضمومن فهي كما يقول «الجرجاني» في «التعريفات» الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق إشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق. أما مفاهيمها الحديثة فإنها لاتخرج عن هذا المضمون عندما قالت أنها حقيقة الشيء أو الشخص المطلقة على صفاته الجوهرية والتي تميزه عن غيره وتسمى أيضاً وحدة الذات وبعبارة أخرى...‏فإننا نستطيع ان نقول أن الهوية الحضارية لأمّة من الأمم هي القدر الثابت والجوهري والمشترك من السمات العامة التي تميز حضارة هذه الأمّة عن غيرها من الحضارات» (3) .
فإذا كانت الهوية هي جوانب الامتياز الذي تمثل جوهر جماعة بشرية فإن الثبوت سيكون الصفة الأساسية لهذا الجوهر، وبعبارة إنها التراث الذي تتناقله الأجيال إذ أن «التراث في أية أمّة من الأمم يعني مكوناتها التأريخية وكلما امتد هذا التراث عمقاً في التأريخ ترسخ وجود الأمّة طبيعياً في كينونتها وهويتها» (4) وإلا فإنها جماعة ذائبة أو مخترقة لأن الذوبان يعني فقدان مرتكزات الهوية كلها، والاختراق فقدان الأجزاء الأساسية منها.
وهنا يأتي سؤال هو هل بالامكان الحفاظ على مفردات الهوية دون الوقوع في التحجر خصوصاً أن الحركة والتغير من مميزات الأحياء، وأن الجمود والثبات غير ممكن في عالم دائب الحركة، ولهذا فإن تناقضاً سيلوح بين ضرورة الحفاظ على الهوية، وضورة التطور والتغير الذي تفرضه قوة الحياة.
هذه التساؤلات تسوق البحث إلى التساؤل عن نشوء الهوية أية هوية حضارية وكيفية نموها، ثم إنهيارها، وصولاً إلى الحد الذي تخسر الأمّة فيها مفردات هويتها.

الانسان...‏الحضارة.

إن الحديث عن الحضارة التي هي ميزة للإنسان تلفت النظر إلى الفرق بينه وبين الكائنات الأخرى، والذي يكمن في قدرته على إيجاد التراكمات في المعلومات والتجارب والخبرات، عن طريق إنتاج الآلة والأداة التي تمنحه إمتداداً متواصلاً في الطبيعة.
غير أن هذا التراكم ما كان ليحصل لولا وجود فرد إنساني بكيفية خاصة اي امتلاكه لقدرة ذهنية متفوقة وأجهزة لنقل المعلومات والخبرات بين أبناء الجماعة الواحدة ثم بين الجماعات البشرية ثم بين الأجيال المتعاقبة.
ولهذا فإن الحضارة ستكوّن سيل من التراكمات التي تتكثف في بؤر إنسانية معينة في مقاطع زمنية خاصة، فتكون معلولة بكيفية ما للحياة الجماعية، لأن التواجد في إطار الجماعة يوفر الوسط الملائم للتراكم ثم مضاعفة هذه التراكمات عبر الأجيال، فيدخل التكاثر كعنصر أخر من عناصر التراكم، إذ يتيح عمليات نقل الخبرات فضلاً عن فرص إنتاج الخبرات الجديدة، إذ أن عدداً أكبر من البشر يعاني دائرة أوسع من المنتجين المؤهلين لإنتاج الخبرات.
ومن هنا فإن الحضارة عبارة عن حركة تكاملية متواصلة، بدأت من مستويات معينة وصارت تسير تصاعدياً، في الزمان والمكان، ولهذا فهي حركة واحدة، وإن تغير أبطالها أو الجماعات القائمة عليها. هي حضارة الانسان بكل أممه وافراده، ولاتعني سوى التخلص باستمرار من الأجزاء الميتة في النباء الحضاري. وبعبارة أخرى عبارة عن مجموعة انسلاخات يمارسهاýافراد من السائد والمألوف نحو الفريد والمتميز، ثم إنتقال هذا الفريد إلى دائرة الأفراد في إطار الأمّة، ليصبح فرادة لأمّة، ثم إنتقاله إلى دوائر انسانية أوسع ليعود مألوفاً وعاماً مرة أخرى.
ومن خلال هذه الدورات تتنامى الحضارة فإذا كان «العمران والتحضر في السلوك تبعاً لما جاء في لسان العرب «حضر: الحضور نقيض المغيب والغيبة، حضر يحضر حضوراً وحضارة... والحضر خلاف البدو والحاضر خلاف البادي وفي الحديث لايبيع حاضر لباد والحاضر المقيم في المدن والقرى... والحضارة: الاقامة في بقاع الحضر» (5) وإصطلاحاً «هي ثمرة جهد يقوم به الانسان لتحسين حياته» (8) وهي أيضاً تطلق «علىمختلف ما ينشئه الانسان في كل ما يتصل بمختلف جوانبه ونواحيه، عقلاً وخلقاً، ومادة وروحاً ديناً ودنيا» (7) .
وما نخلص ýإليه هو أن الحضارة هي إمتداد لقدرة الانسان العضلية والذهنية، وهي ضمناً تعنى مزيداً من السيطرة على الذات، وعلى الطبيعة لصالح البقاء والرفاه، ومن هنا فهي حركة متواصلة ترفض الثبات المطلق لصالح الثبات النسبي أي ولادة متواصلة للهوية وفتح حيز الحركة في الهوية فكيف يتم ذلك.

الهوية والحضارة:

إذا إفترضنا وضعاً كان فيه الانسان بلاحضارة، وإنها كانت مجرد استعداد فإننا سنفترض أن هذا الانسان يفتقر إلى التراكم مما يلزم وجوده في جماعة صغيرة مهما بلغ عدد افرادها.
وطبيعي أن تتفاوت قدرات هؤلاء الأفراد البدنية والعقلية، وتبعاً لهذا التفاوت فإن مواقع الأفراد في إطار الجماعة تختلف، الأمر الذي يترتب عليه تفاوت في المنافع التي يحصلون عليها، وبالتالي فرص إنتاج الخبرات.
وهكذا فإن مخروطاً للقدرات يقف على قمته أصحاب القدرات المتميزة، وقاعدته يملئها ذوي القدرات العادية، والباقي يملئه الآخرون تبعاً لقدراتهم كذلك...
فهذا المخروط الافتراضي سيشكل قاعدة لانتاج مخروط آخر هو مخروط الحضارة وهو أيضاً أول هوية حضارية انسانية.
على أن هذا المخروط دائم الحركة لأن الطبقة التي في القمة سوف لن يتاح البقاء فيها، إما بسبب الموت أو بسبب الإنقلاب في القدرات، فإذا افترضناýأن فرداً من قاعدة المخروط، إحتل دائرة في المجتمع تمنحه أقل قدر من منافع الجماعة وليكن قريباً من مواقع الخطر بسبب إقصاءه عن مواقع الأمن، فربما ستقود المواجهة المستمرة للأخطار إلى إنتاج خبرة جديدة لدى هذا الفرد، أو لدى أعقابه تفسح فرصة وصوله إلى قمة المخروط الحضاري، لأننا عرفنا أن هذه القمة تضم أفراداً متميزين تمكنوا من الاتيان بالفريد.
هذه النقلة تعني تغيير مفردة من مفردات الحضارة وفي نفس الوقت تكون الحضارة قد خطت خطوة إلى الأمام وبتوالي الخطوات يسير ركب الانسانية إلى التكامل.
إلا أن هذا التكامل يقود أحياناً إلى الاختلاف فإذا افترضنا أن هذه الجماعة واجهت خطر السيول وأن بعضاً منها يقرر تغيير المكان وأن بعضاً آخر يقرر البقاء، ويكتشف بناء السدود (خبرة جديدة) فإن الانقسام سيؤدي إلى تفاوت في المستوى الحضاري وهو ضمناً بذر لبذرة هوية جديدة تتكامل بتزايد المميزات والاختلافات بين الجماعتين اللتان نشئتا في أصل مشترك على إعتبار أن الهوية تعني جوانب الامتياز والافتراق دون المشترك.


الهوية والفرادة

التمايز يمثل مرة تمايزاً مجرداً خالٍ عن أي تفوق، ومرة أخرى يشكل تفوقاً وفرادة، من قبيل اللغة التي مرة تكون مجرد ألفاظ، تباين ألفاظ أخرى، تؤدي وظيفة التفاهم بأي صورة، ولكنها ربما ستكون لغة متفوقة في حالةýاخرى، تتيح للناطقين بها قدرة عالية للتعبير والتفاهم، ونقل الأفكار وكذلك بالنسبة للكتابة.
هذه الفروق بين الهوية والهوية المتفوقة تبرز في مراحل حضارية متطورة، وبعد أن تتعاقب الأمم على إحتلال مواقع القمة في مخروط الحضارة عبر نقلات متوالية تحدث كلما تتطابق الهوية والفرادة فتعتلي تلك الأمّة قمة المخروط، وتظل في موقعها هذا حتى تخسر عناصر الفرادة، فتبدأ رحلة العودة من القمة إلى القاعدة ـ لأننا لن نجد أي حضارة قادرة على مواصلة التطور إلى ما لانهاية.
ومن هنا عليناýان نميز بين محصلة حركة الحضارة في المحيط الانساني، التي هي حركة متواصلة التطور، وبين هذه الحركة في إطار الأفراد والجماعات الخاصة، والتي تتصاعد إلى حد معين ثم تفقد قدرتها لأسباب معقدة، وعلاقات متشابكة، تؤول إلى حالة من فقدان التطابق بين هوية الأمّة، والوضع المثالي لإطلاق طاقات الانسان العقلية والمادية، على طريق انتاج الفرادة والجدة، ثم تنتهي إلى عدم الارتباط بين مصالح هذه الجماعة أو الأمّة، ومزيد من الابداع والجدة ويستمر إفراز عوامل الاعاقة تدريجياً، فيؤدي في النهاية إلى فك الارتباط، فإذا أوردنا مثال الكنسية في أوروبا التي كانت تسعى إلى منع الوعي الذي تسرب إلى المجتمعات الغربية، من خلال التأثر بالعقلية والسلوك المسلم منتجاً لتيار العقلنة في بداياته البسيطة، مما قاد إلى قطيعة صارت تتسع إلى أن حصرت سلطة الكنسية في زاوية العبادة وحولتها إلى دائرة الطقوس الشخصية.
فالتغيير يتبع حجم الاعاقة فإذا شمل كل جوانب الواقع فرض تغييراً جديداً، وعليه يوجد طوران، الأول: هو طور الافتراق بين الحضارة الجديدة والجماعة القائمة عليها، ثم التوصل إلى أعلى نقطة في هذا الافتراق، وهي نقطة انطلاق موجة جديدة بالاقتران بين جماعة جديدة وحضارة جديدة.
وإن كلا الطورين يعتمدان على الصفات التي كونها التطور التأريخي للأمّة من حيث قدرتها على هذا الاقتران، أو الانفكاك عن الحضارة... فالحضارة إذن لاتتولد إلا من خلال هوية خاصة متفوقة فريدة تحتل الأمّة بسببها قمة مخروط الحضارة. وإذا ضربنا مثالاً الحضارة المعاصرة فإننا نلاحظ أنها بالرغم من كل ما أنتجته من حرية للإنسان في جوانب معينة، إلا أنها كبلته بقيود جديدة، لأنها صارت تقمع الفرد لصالح المؤسسات فـ «هذه المؤسسات هي التي تمارس بصورة ثابتة إحتكاراً حقيقياً للثورة ووسائل العنف ومصادر المعرفة للمجتمع، وهذا لايعني القول بأن بين الفرد والمؤسسة ينبع اساساً من النزوع نحو حكومة اشد سلطوية وسيطرة بيروقراطية، مثل هذا الاتجاه يمكن تلمسه بوضوح غيرýانه عرض أكثر من أن يكون سبباً لإختلال التوازن، إن التفسير يكمن من باب أولى في الإمكانية المتصاعدة للمؤسسة «في مقابل الفرد» لتحديد الأهداف الاجتماعية، وابتكار استراتيجيات إقتصادية وسياسية مع إهتمام ضئيل، أو دون إهتمام على الاطلاق، بالحاجة الانسانية أو بمشيئة الانسان. وقد ظهر تباعد مطرد بين الانسان والبنى، والأدوات والتقنيات التي خلقها» (8) .
فهذه الحضارة خلقت قيوداً على دور الفرد سيؤدي إلى حالة من الافتراق بين الجماعة المرتبطة بهذه الحضارة، وبين هذه الحضارة. وبعبارة أخرى أن المؤلف يشير إلى لحظة إفتراق في الحضارة الغربية، ربما تقود إلى إفتراق تام مالم يصار إلى إزالة العوائق.

الثابت والمتحرك

على هذا فإن العامل الرئيس في ثبات الهوية يكمن في قدرة مفرداتها على إطلاق طاقات الانسان، باتجاه إشباع حاجاته المعنوية والمادية. فينحصر التغيير في العناصر المعيقة فقط، وهذا يعادل القدرة على إنتاج الفريد، أو على الأقل إستيعاب الفريد في إطار الحضارة القائمة. فيتحدد حينئذٍ دور الوعي والارادة في هذا الاطار، إذ لايمكن للوعي والارادة أن تكوّنا مؤثرتان في حال وجود المعوقات، وهي ما أطلقنا عليها بالأجزاء الميتة.

خاتمة

بناءاً على ما أسلفناه فإن عمليات الاختراق التي أحدثتها الحضارة الغربية في البنية الحضارية لأمتنا، إنما تمّت في العناصر المعيقة، أو الأجزاء الميتة، رغم أنها لم تقدم بديلاً فريداً‏حقاً لكنها قدمت بديلاً فحسب. وسيبقى خطر الاختراق قائماً ما لم تتم عملية الاستبدال، ببدائل فريدة حقيقية، لأن ما نسميه بالاعاقة أو الأجزاء الميتة ليس سوى التناقض بين حاجة الانسان والواقع القائم ففي مجتمعنا المعاصر صارت التقنية الغربية تحتل مواقعها في العالم لأنها متفوقة، وصارت بعض النظم المستوردة تسود لأنها تشبع الحاجة في المجتمعات الأخرى، رغم ما تخلقه من إضطراب في تلك المجتمعات، بسبب التزاحم بين الأنماط الحضارية المحلية والمستوردة.
ولهذا فإن العنصر المتفوق يفرض نفسه بقوة الحاجة الاجتماعية إلى البديل، الأمر الذي يقودنا إلى التأثير على حدود المسموح، والذي لا يتقرر من خلال الوعي وحده، بل الوعي إلى جانب الحاجة الاجتماعية، أي لابد من التساؤل أمام كل دائرة أو كل مفردة من مفردات الحضارة، هل يمكن إشباع الحاجة ببديل أصيل متفوق على المستورد! فإذا جاء الجواب بالنفي فإن هضم المفردة المستوردة في إطار الحضارة سيكون حتمياً...
من هنا سيكون شرط منع الاختراق هو تقديم البدائل المتفوقة ليست داخل نفس الحضارة، بل متفوقة مطلقاً، ويغير توفر هذا الشرط سيكون الحديث عن الأصالة، ومنع الاختراق أو الذوبان، بلا طائل لأن الحركة وإنتقال الفريد أو المتفوق هي قانون الحضارة ولن توقفه رغبة أو إرادة الناس كما اسلفنا.
وبالعودة إلى الحديث عن أمتنا فإننا لانجد عنصراً متفوقاً في حضارتنا سوى العقيدة الإلهية، والتي هي في نفس الوقت تؤشر على جانب ضعف في الحضارة المهاجمة صار يتجلى يوماً بعد آخر للجميع.... من هنا فإن الفريد الذي سيمثل شرط الانطلاق هو قدرة مجتمعاتنا ومفكرينا على علاج الإنفصال بين الواقع وبين هذه العقيدة، والذي حصل خلال المسار التأريخي لتجربة التطبيق الأولى. وهو لاشك يجب أن يكون مستوعباً لكل التغيرات التي حصلت في العالم خلال ألف وخمسمائة سنة محصورة بين ظهور الاسلام وعالمنا المعاصر.
هذه المهمة تقع على عاتق العلماء والمفكرين والنخب المثقفة وبغض النظر عن أسلوب أدائها طالما قلنا أن الحاجة الاجتماعية هي القوة الرئيسة وليس الوعي!!

الهوامش

1ـ مجلة المنطلق (بيروت) العدد [113] محور اسهامات أولية لمواجهة التحديات ص 29 العلامة السيد محمد حسن الأمين.
2ـ الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي ـ الجزء الأول ـ مفهوما الأمّة والوطن في الاستعمال العربي المعاصر‏ـ د. سعيد بنسعيد ص 139، مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت.
3ـ مجلة الحوار (النمسا) العدد 3 السنةالأولى ـ الهوية الحضارية د. محمد عمارة ص 79-80 .
4ـ مجلة الوحدة (المغرب) السنة العاشرة‏ـ العدد [105] مارس 1994 . المستقبل يتعلق بالماضي الدكتور علي فهيم خشم ص 6 .
5ـ لسان العرب لابن منظور المجلد الرابع ص 197 دار صادر بيروت.
6ـ الحضارة دراسة في أصول وعوامل قيامها وتدهورها الدكتور حسين مؤنس ص 13 الكويت ـ عالم المعرفة العدد الأول 1978م.
7ـ الأصول الفكرية للثقافة الاسلامية الدكتور محمود الخالدي الجزء الأول ص 58 .
8ـ جوزيف ا. كاميليري ـ ترجمة الدكتور فيصل السامر، أزمة الحضارة ـ آفاق انسانية في عالم متغير ص 38 دائرة الثقافة والنشر 1984 ـ الجمهورية العراقية.

(*) كاتب من العراق