ـ لن نكون مجانبين للصواب إذا قلنا بأن قطاع التربية والتعليم كان من بينýأهم التحديات التي واجهتها الدولة القطرية في العالم العربي بعد حصولها على الإستقلال. وذلك لأهمية هذا القطاع وتأثيره على جميع المجالات الأخرى, الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
فالبنية التحتية التي تركتها الدول الإستعمارية لم تكن كافية في هذا المجال, لأن الإهتمام بالتعليم في العهد الإستعماري كان محكوماً بعدة اعتبارات, أهمها اقتصاره على شريحة اجتماعية معينة, كان المستعمر يفسح لها المجال لأخذ قسط محدود من التعليم كي يتسنى لها المشاركة في تسيير الإدارة وبعض المرافق الحيوية التي رأى الإستعمار ان وجود الكادر المحلي مفيد ويخدم السياسات الإستعمارية خصوصاًإذا علمنا أن مناهج التعليم وبرامجه كانت خلواً من الفكر والثقافة المحلية (أي العربية والإسلامية) إلا في حدود ضئيلة, لاتكفي لجعل الطالب يتعرف على تراثه الفكرية والحضاري. ومما زاد الطين بلّة أن الخطط الإستعمارية دأبت على محاربة اللغة العربية ومحاصرتها وصولاً لإلغائها تماماً وإحلال اللغات الإستعمارية محلها.
ظهر ذلك بشكل سافر في المغرب العربي الذي تمكن المستعمر الفرنسي فعلاً من إزاحة اللغة العربية من مناهج التدريس واستبدالها باللغة الفرنسية, وحصر اللغة العربية في ساعات محدودة ومعدودة خلال الأسبوع. مما ضاعف مشاكل التعليم بعد الإستقلال في هذه الدول. إلى جانب هذه المشاكل التي مست الهوية الثقافية واللغوية, كانت هناك مشاكل أخرى تمثلت في حجم وانتشار التعليم في العهد الإستعماري, الذي كان ضئيلاً لايكاد يتجاوز المدن الكبيرة والمهمة. هذه المشاكل الأساسية ورثتها الدول القطرية إلى جانب المشاكل الجديدة التي تراكمت مع تجارب الإستقلال. لأن الحكومات الوطنية اهتمت بهذا القطاع خصوصاً بعد اكتشاف النقص الفادح في الكادر الوطني والمحلي الذي أضحت الحاجة إليه ضرورية لبناء الإستقلال الجديد على اسس متينة.
لذلك جاء الإهتمام بهذا الميدان المهم متميزاً ووضعت خطط مستعجلة للنهوض بالتعليم وخصصت لذلك ميزانيات ضخمة. واستمر هذا القطاع يحتل الأولوية في جميع المخططات الحكومية, نتائج هذا الإهتمام كانت واضحة وشملت البنية التحتية التي توسعت بشكل ملحوظ, مع بناء أعداد كبيرة من المدارس والمعاهد والثانويات وصولاًýإلى إنشاء الجامعات ومراكز البحث المتخصصة.
أما على مستوى البرامج ومناهج التعليم فقد عرفت بدورها قفزات نوعية رغم بعض المشاكل التي استعصت عن الحل كمشكل التعريب والترجمة وتوفير الكتاب المدرسي العلمي باللغة العربية والذي يستطيع مواكبة جميع مراحل التعليم المختلفة, بالإضافة إلى توفير المراجع والكتب العلمية المختلفة. كذلك ارتفعت نسبة التمدرس حيث التحقت أعداد كبيرة من التلاميذ بالمدارس الحكومية.لكن وبالموازاة مع انتشار التعليم, نجد أن نسب الأمية لم تتوقف عن الإرتفاع ومؤشرها في تصاعد مستمر. فقد أكدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في دراسة حديثة لها أن الغالبية السكانية في العالم العربي تعاني من الأمية وأن عدد الأميين سيرتفع إلى 66% سنة 2000م, كما ذكر تقرير لمنظمة العمل العربية أن 53% فقط من سكان العالم العربي قادرة على القراءة. هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الإخفاق في مرحلة التحصيل الدراسي والتي سجلت ارقاماً قياسية في بعض الدول العربية, في مصر 36%, المغرب 34%, اليمن 69%, تونس 28%, مما سيضاعف نسب الأمية من نوع جديد.
هذه المعطيات المتشائمة بالإضافة إلى كثرة الحديث عن فشل الأنظمة التعليمية بشكل عام وهزال نتائجها بعد الجهود الجبارة التي بذلت, والإمكانات المادية الضخمة التي صرفت في هذا المجال, حيث بلغ الإنفاق الحكومي على التعليم مستويات عالية, وبمعدل وسطي بلغ 4.4% من الناتج المحلي و 14.9% من اجمالي النفقات. هذا الواقع جعل الأصوات تتعالى لإعادة النظر في مسار التعليم والتربية, لمعالجة مشاكله المزمنة, إن على صعيد السياسات والإستراتيجيات التي وضعت بُعيد الإستقلال, أو على مستوى المناهج والبرامج التي شكت ومازالت تشكو من مفارقات وتناقضات مختلفة. لذلك فقد شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة عدة لقاءات ومؤتمرات وندوات, حاولت تقديم الإقتراحات والحلول لهذا الوضع الذي يهدد بعرقلة مسيرة الأمة العربية نحو التقدم والرقي ومواكبة التطور الحاصل في العالم. كما شرعت عدة دول في تقويم ومراجعة سياساتها التعليمية, وإعادة النظر في برامجها التربوية, علها تتجنب المأزق الذي بدأت آثاره السلبية تتسع وتكبر. لكن النتائج ظلت دائماً دون مستوى الطموح والآمال.
هذا هو الوضع العام الذي يعيشه قطاع التعليم والتربية في العالم العربي, مشاكل مزمنة ونتائج هزيلة, مع توسع هيكلي, وشكوى دائمة من الإرهاق العالي الذي يسببه هذا القطاع للميزانيات الحكومية, كل ذلك في إطار من السياسات المرتجلة, التي ينقصها التخطيط العلمي, والنظرة الفاحصة لإحتياجات المستقبل وتحدياته.
أما عن المستقبل فلا شك أن استمرار الإتجاهات التي سادت خلال الفترة 1960 1980م فإن ذلك يعني أنه سيظل خارج التعليم الإبتدائي في نهاية هذا القرن, ثمانية ملايين طفل عربي بين السادسة والحادية عشرة, وأن 15.2 مليون طفل عربي بين الثانية عشرة والسابعة عشرة لن يتم استيعابهم في التعليم الثانوي, كما جاء في كتاب مستقبل النظام العالمي وتجارب تطوير التعليم الصادر عن منتدى الفكر العربي (عمان) سنة 1989م.
هذا الوضع المتردي كان له آثاره المباشرة على أهم مراحل التعليم/, نقصد به التعليم العالي الذي ظهر كنتيجة ضرورية لتطور التعليم داخل العالم العربي, وفي نفس الوقت شكل البؤرة التي ترسبت فيها أهم مشاكل وأزمات التعليم في مراحله الأساسية والثانوية, بالإضافة إلى معاناته الخاصة نتيجة المشاكل التي أفرزها توسعه وكثرة الإحتياجات التي واكبت هذا التوسع.
سنحاول أن نتتبع خطوات هذا التعليم وتطوره في العالم العربي قبل أن ننتقل للحديث عن فعاليات المؤتمرات التي عقدت مؤخراً في بعض العواصم العربية لمعالجة مشاكل هذا القطاع واستكشاف آفاقه والتحديات التي تواجهه على مشارف القرن الحادي والعشرين.
عرف التعليم العالي تطوراً ملموساً في جميع الدول العربية, دون استثناء فقد تضاعف عدد الطلبة المسجلين في الجامعات العربية بين سنة 1981 و 1996م, ثلاث مرات ليصل إلى 3 ملايين ومائة ألف طالب سنة 1996م. وهذا الرقم يتوقع له أن يتضاعف ليصل إلى 6 ملايين مع حلول سنة 2010م. هذا الإرتفاع يجعل نسبة الملتحقين بالتعليم العالي ترتفع بالنسبة للسكان في العالم العربي من 15% إلى 20%, هذا ما أكده الدكتور صبحي قاسم في دراسته المقدمة إلى مؤتمر بيروت الذي سنتحدث عنه لاحقاً.
قبل خمسين سنة لم يكن العالم العربي يحتضن أكثر من عشر جامعات ثلاثة منها غير وطنية, لكن هذا العدد سيرتفع قليلاً في الخمسينات والستينات من هذا القرن.
أما الطفرة الحقيقية التي سيعرفها القطاع الجامعي, فقد انطلقت في الثمانينات و التسعينات, إذ بلغ عدد الجامعات التي أنشئت خلال الخمسة عشرة سنة الماضية (109) جامعة, أي بمعدل سبع جامعات كل سنة. وهذا الرقم في تزايد مستمر, أما أهم ملاحظة بهذا الصدد فتتمثل في كون التعليم العالي في العالم العربي يعتبر فتياً وحديثاً. فأول جامعة أنشئت في الأردن كانت الجامعة الأردنية سنة 1962 ثم تلتها جامعة اليرموك سنة 1976م ويوجد حالياً 7 جامعات رسمية تمولها الدولة و 12 جامعة خاصة كلها أنشئت بين 1990 و 1991م. في السعودية أنشئت أول كلية للشريعة في مكة المكرمة وذلك قبل 40 -42 سنة, ثم جامعة الملك سعود سنة 1957م.
أما الآن فهناك 7 جامعات وحوالي 40 كلية متخصصة للبنات. في الجزائر أنشئت أول جامعة سنة 1962 تاريخ الحصول على الإستقلال, ثم تكاثرت المؤسسات الجامعية بعد هذا التاريخ لتصل إلى 53 مؤسسة جامعية, بينها 13 جامعة و 13 مركزاً جامعياً, وحوالي 20 معهداً وطنياً للتعليم العالي. أما ليبيا فكان تأسيس أول جامعة بها سنة 1951م ليصل العدد الآن إلى 14 جامعة. في موريتانيا أنشئت جامعة نواكشوط الوطنية سنة 1980م. أما بالنسبة لمصر التي عرفت التعليم العالي مبكراً فبها 12 جامعة وطنية و 4 جامعات خاصة, بالإضافة إلى 90 مقعداً عالياً رسمياًوخاصاً. كذلك الأمر بالنسبة للسودان حيث ارتفع عدد الجامعات من 7 إلى 26 جامعة قومية و 3 جامعات أهلية منها واحدة متخصصة للإناث. التطور نفسه حدث في العراق حيث ارتفع عدد الكليات من 67 إلى 91 في مختلف الإختصاصات. في اليمن بدأ التعليم سنة 1970 مع إنشاء جامعتي صنعاء وعدن, ويبلغ عدد الجامعات اليوم 7 جامعات حكومية. وهكذا باقي الدول العربية في المغرب العربيýاو الخليج, فالبدايات كانت حديثة ثم عرفت نمواً وتطوراً متسارعاً. وهذا التطور والنمو السريع هو الذي أملى على الحكومات العربية ضرورة استحداث وزارة خاصة للتعليم العالي تهتم بشؤونه وتشرف على قضاياه.
إن حداثة تجربة التعليم العالي العربي وتطورها المتسارع أفرزت مجموعة من المشاكل تكاد تكون موحدة ومتشابهة مع وجود بعض الخصوصيات التي لها علاقة بتاريخ أو قدم التجربة والتي مكنت من تجاوز مجموعة من العقبات وإيجاد الحلول الناجعة لها, أو لها علاقة مباشرة بالإختيارات الإيديولوجية, السياسية والإقتصادية خصوصاً.
بالإضافةýإلى موقع الدولة على خريطة الفقر أو الغنى. لأن هذه المعطيات الموضوعية التي كان لها التأثير الكبير في نجاح تجربة التعليم العالي أو فشلها ورُزوحها تحت ثقل المشاكل المتراكمة.
أولى هذه المشاكل تضخم هذا القطاع بسرعة واستقباله سنوياً لأعداد كبيرة, مما خلق ضغطاً على مستوى المؤسسات والكليات وأماكن التدريس, بحيث لم تعد قادرة على استيعاب هذه الأعداد الهائلة, (نصف مليون طالب تحتضنهم جامعات مصر). وقد حاولت الدول العربية معالجة هذا المشكل بإنشاء أماكن ومباني جديدة للتدريس, لكن ارتفاع الطلب على التعليم العالي ضاعف الحاجة كل سنة لإنشاء مؤسسات جديدة. هناك مشكل التمويل لهذا القطاع على جميع المستويات, خصوصاً إذا علمنا أن التعليم العالي في العالم العربي تموله الحكومة, وقد تضاعفت الميزانيات المخصصة له خلال العشر سنوات الماضية بشكل ملموس كما حدث في مصر حيث تضاعفت الميزانية المخصصة للتعليم العالي أربع مرات. ويحظى الآن بنسبة 5% من مجموع الميزانية العامة, كما أعلن ذلك رئيس جامعة عين شمس الدكتور حسن غلاب المشارك في مؤتمر بيروت. وأمام الأزمات الإقتصادية التي تعاني منها معظم الدول العربية, فقد تأثر هذا التمويل, مهما كانت له آثار سلبية على التعليم العالي. وبدأ التفكير في إيجاد مصادر تمويل جديدة من خلال تشجيع القطاع الخاص للمشاركة في هذا التمويل إلا أن هذه المشاركة للقطاع الخاص, خصوصاً مساهمته في إنشاء وتمويل جامعات ومراكز بحث جديدة, خلقت بدورها مشاكل جدية تحتاج بدورها لمعالجة سريعة.
أما أهم مشكل ذاتي يعاني منه التعليم العالي فهو المتعلق بمناهجه وبرامجه, فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضعف المناهج وهيمنة التلقين النظري فيها على حساب التفكير. بالإضافة إلى كونها أصبحت تقليدية ولم تعد مواكبة للتطور العلمي الحاصل في العالم, ليس فقط على مستوى استخدام الوسائل الحديثة, ولكن على مستوى المادة التي تدرس. هناك مجموعة من المواد والموضوعات العلمية وخصوصاً, لم تعد تدرس في الدول المتقدمة, لكن الجامعات العربية مازالت تضعها ضمن مناهجها التعليمية.
هذا المشكل يتفرع عنه مجموعة أخرى من المشاكل, فاختيار لغة التدريس في التعليم العالي لم تحسب بعد في دول المغرب العربي خصوصاً, والدول التي حسمت هذا الموضوع وخطت خطوات متقدمة في ميدان التعريب تعاني هي الأخرى من مشكل الترجمة, ومواكبة التطورات العلمية المتسارعة بحيث تقف جميع الدول العربية بدون استثناء عاجزة على تحقيق الإكتفاء من المصطلحات العلمية, رغم انشاء مراكز متخصصة للترجمة ونقل المصطلحات, واعتبار هذا المشكل من التحديات القومية التي يجب أن تتعاون كل الدول العربية لإيجاد الحلول لها. لكن ومع الأسف يزداد مشكل ترجمة المصطلحات تعمقاً يوماً بعد يوم بموازاة التطور العلمي العالمي المتسارع. كما أن ضعف الترجمة العلمية وبطأها يجعل قطاع التعليم العالي يعاني من شح وأزمة مستمرة في الكتب والمراجع, مما يجعل الطالب مضطراً لإتقان لغة أجنبية إلى جانب اللغة العربية كي يتسنى له الإطلاع على ما يحتاجه من بحوث ودراسات علمية تصدرها المطابع في الدول المتقدم. وفي بعض الدول التي لم يتجاوز فيها التعريب المرحلة الثانوية, نجد أن معاناة الطلبة تتضاعف, لأنهم وبعد انتهائهم من مرحلة التعليم الثانوي وتحصيلهم المواد العلمية باللغة العربية, يجدون أنفسهم فجأة أمام تحدٍ جديد, قد لاينجح فيه إلا قلة قليلة منهم, وهو معاودة التدريس باللغة الأجنبية. وهذا المشكل أثر سيء جداً في مردودية التعليم العالي وأضعف مستوى التحصيل لدى الطلبة.
وأمام هذه النتائج ارتفعت بعض الأصوات مجدداً تطالب بإلغاء التعريب بصفة نهائية, وإعادة التعليم في مراحله المختلفة باللغة الأجنبية كما كان على العهد الإستعماري.
هناك مشكل الأعداد الهائلة التي تلتحق بالكليات النظرية(أدبية وعلوم انسانية بشكل عام), والتي يتخرج منها سنوياً الآلاف من الطلبة الذين تستقبلهم سوق البطالة لدرجة اصبح الحديث في الصحافة عن ظاهرة بطالةýأصحاب الشهادات العليا, خصوصاً وان ادارات الدولة ومقاعد التعليم في المؤسسات قد أشبعت ولم تعد تستوعب إلا أعداداً ضئيلة من الخريجين سنوياً. (60% من العاطلين في مصر من حملة الشهادات الثانوية والجامعية). طبعاً هناك مشكل آخر لأن البطالة لم تشمل فقط خريجي الكليات النظرية في العلوم الإنسانية خاصة, بل شملت كذلك خريجي الكليات العلمية الذي لم يجدوا شغلاً يناسب اختصاصاتهم سواء في التدريس والبحث أو العمل والإنتاج, ولم يعد غريباًوجود أعداد كبيرة من حملة شهادة الدكتوراه لايجدون عملاً ويعانون من البطالة؟!
هذا المشكل يجعلنا نتحدث عن ضعف المواءمة بين احتياجات سوق العمل وبين الإختصاصات العلمية في التعليم العالي, وكيف أن بعض الدول تعاني فعلاً من نقص فادح في بعض الإختصاصات العلمية المهمة كالطب والهندسة والصيدلة, مثلاً كلية الصيدلة لم تنشأ في جامعة الكويت إلا مؤخراً(أيلول 1997م), ولم تنشأ إلى حد الآن كليتي الطب والصيدلة في جامعة نواكشوط. أما جميع الإختصاصات العلمية التي تحتاجها التنمية الإقتصادية داخل الدول العربية فقلما تحتضنها جامعة واحدة, كما أن بعض الإختصاصات النوعية والمهمة مازالت الكفاءات الأجنبية تحتكر تدريسها داخل الجامعات العربية.
هناك كذلك مشكل النقص في الهيئة التدريسية, فبعض الجامعات العربية تعاني بشكل ملحوظ من قلة أو عدم وجود الكفاءات الوطنية لتدريس بعض المواد العلمية, وهذا يرجع بدوره إلى أمرين, الأول: تأثير انخفاض الميزانيات المتخصصة للإرساليات والبعثات العلمية التي تدرس هذه الإختصاصات. فمع تقلصها ظهرت الحاجة الماسة لها.
ثانياً: ضعف الأجور والمخصصات المالية لأساتذة الجامعة تمكنهم من التفرغ للبحث والإبداع. مما شجع على هجرة الأدمغة إلى الخارج. طبعاً البعض لايهاجر طمعاً فقط في المرتبات المغرية التي تقدمها الجامعات ومراكز البحث في الدول المتقدمة, ولكن رغبة في متابعة البحث العلمي لأن البلد العربي الذي ينتمي إليه لاتوجد به مراكز أو مؤسسات مخصصة للبحث العلمي, حتى يتمكن من تطوير إمكاناته العلمية ويساهم في حركة الإبداع العلمي.
يمكننا أن نتحدث كذلك عن معضلة ديمقراطية التعليم العالي, ليس من حيث قدرة وتمكن جميع فئات المجتمع من الوصول إليه, والإستفادة من إمكاناته التعليمية, ولكن من حيث انفتاحه المتواضع على تعليم المرأة واعطائها الفرصة المتكافئة للإلتحاق بهذه المرحلة وتحصيل المعرفة المتقدمة. فإذا كانت المشاركة تتراوح بين الضعيفة والمتوسطة (20% في جامعات اليمن و 67% في جامعة الكويت), فإن مشاركتها في عملية التدريس الجامعي ضعيفة جداً بل نادرة في بعض الجامعات العربية خصوصاً في بعض الإختصاصات المهمة. والسبب يعود لمجموعة من المعطيات التاريخية والموضوعية ليس هنا مجال تفصيل القول فيها.
طبعاً لايمكننا في هذه العجالة أن نتطرق أو نعرض لكل المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم العالي في العالم العربي, لأنها كثيرة ومعقدة, وما انعقاد المؤتمرات والندوات المختلفة إلا لمعالجة هذه المشاكل المتعددة والكشف عنها. لذلك وأمام تفجر هذه المشاكل وبروز ما أفرزته التجارب الماضية على السطح, لاحظنا حجم وعدد الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية وكثرة الدورات التدريبية والورشات التي نظمت خلال السنوات الخمس الأخيرة. فلا تكاد تمر سنة دون عقد أكثر من مؤتمر وندوة لمناقشة ومعالجة تداعيات مشاكل هذا القطاع في العالم العربي بالخصوص. وقد شاركت في التحضير والدعوة لهذه الأنشطة مؤسسات دولية واقليمية تهتم بهذا الشأن, مثل منظمة اليونسكو التي عقدت عدة مؤتمرات عالمية خاصة بالتعليم عقدت على التوالي سنوات: 1960, 1974, 1990, 1991, 1993, وصولاً إلى المؤتمر المزمع عقده هذه السنة في باريس (بين 5 - 9 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل). كما شاركت كل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في اعداد مجموعة من الندوات والمؤتمرات لمعالجة مشاكل التعليم في العالم العربي بمساعدة الهيئات الحكومية والأهلية المختصة بهذا القطاع.
إن هذا الحجم الهائل من المؤتمرات والندوات التي نظمت أو عقدت في العالم العربي وجعلت من التعليم موضوعاً لمناقشاتها تدل بما لامجال للشك فيه أن على مشكلة التعليم في العالم العربي بمستوياته المختلفة قد دخلت طريق الكارثة المحققة او هي على مشارفها فعلاً, وتحتاج إلى علاج جذري سريع وحقيقي, وإلا فإن الكارثة أصبحت تنتظر ساعة الصفر فقط. خصوصاً وأننا على مشارف قرن جديد حيث بدأت التطورات السريعة للعلم تقلب كل المقاييس والإطارات القديمة للتعليم والتدريس. فإما أن نواكب هذا التطور بسرعة وإما أن نجد أنفسنا على هامش العالم المتقدم, نجتر مواضيع تقليدية متقادمة, بمناهج عفى عنها الزمان, ولم تعد تصلح لإنتاج المعرفة الجديدة أو تساعد على الإبداع.
في إطار انعقاد المؤتمرات المتتالية لمعالجة معضلة التعليم العام والعالي وبالخصوص انعقد في دمشق خلال الشهر الثاني من هذه السنة المؤتمر التربوي الثاني لتطوير التعليم, ثم تبعه المؤتمر الإقليمي العالمي للتعليم العالي, الذي استضافته بيروت تحت رعاية منظمة اليونسكو. المؤتمر الأول شكل فرصة مناسبة لمعرفة واقع التعليم ومنجزاته خلال العشر سنوات الماضية في سورية. والكشف عن مشاكله الجديدة وأزماته الخاصة.
أما المؤتمر الثاني فقد جاء ليناقش مشاكل التعليم العالي في العالم العربي في محاولة لوضع الخطط الإصلاحية الكفيلة بجعله يستعد لإستقبال القرن القادم, والدخول فيه بفاعلية تدعم مشاركته الجدية في ترسيخ البنية الحضارية للأمة العربية في الوقت الراهن.
فيما يلي متابعة لفعاليات كلا المؤتمرين.
التعليم في سورية: 10 سنوات من الإنجازات والتقويم
قبل عشر سنوات وتحديداً عام 1987م, انعقد المؤتمر التربوي الأول في دمشق, وقد عمل المشاركون آنذاك على وضع الخطط للنهوض بهذا القطاع المهم ورسم الإستراتيجيات المرتبطة بالإحتياجات المحلية العلمية والفنية, ليقوم هذا القطاع بالدور المنوط به لتحقيق التنمية الشاملة. واليوم وبعد انقضاء عشر سنوات عن المؤتمر الأول ما هي الإنجازات التي حققها هذا القطاع. تقول التقارير الحكومية بأن عدد الطلاب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي قد وصلت إلى 3.789.248 طالب وطالبة, يتابعون دراساتهم في 16160 مدرسة, ويقدم على تعليمهم أكثر من 200 ألف معلم ومدرس.
أما في مجال التعليم العالي فقد أصبح في سورية أربع جامعات كبرى تحتضن جميع الإختصاصات النظرية والتطبيقية, وتمنح كلياتها درجات الماجسيتر والدكتوراه.
وبما أن الخطط التعليمية السابقة قد أعطت التعليم الفني والمهني أولوية واضحة واهتمت به, فقد توسع هذا القطاع وتطور كمياً بشكل ملفت, وقد بلغ عدد الثانويات الفنية والمدارس المهنية الصناعية استناداً إلى احصائيات العام الماضي (240) ثانوية ومدرسة موزعة على أنحاء البلاد. وبلغ عدد طلابها 34771 طالباً وطالبة, كما بلغ عدد العاملين بها إلى 7117 مهندساً ومعلم حرفة ومدرساً وإدارياً.
أما عدد الثانويات الفنية والمدارس المهنية النسوية فقد بلغ (35) ثانوية ومدرسة, وبلغ عدد طالباتها (34533) طالبة, وعدد العاملين فيها وصل إلى (3992) مدرساً وإدارياً.
بالنسبة للتعليم التجاري بلغ عدد الثانويات التجارية الفنية 86 ثانوية, وعدد طلابها (23318). وبلغ عدد العاملين بها (1370) مدرساً ومدرسة, بالإضافة إلى 23 معهداً صناعياً و 14 معهداً نسوياً وستة معاهد تجارية تابعة لوزارة التربية. هذا التطور الكمي الهائل كان لابد أن يفرز مجموعة من المشاكل التي وُضعت على جدول أعمال المؤتمر الثاني لمناقشتها وإيجاد الحلول الناجعة لها.
نجد كذلك على مستوى التطور الذي حظي به التعليم أن مرسوماً جمهورياً قد صدر لتعميم وتدريس المعلوماتية, وفعلاً تم إدخالها في مناهج التعليم الثانوي والجامعي, ووفرت الدولة مستلزمات هذه المادة من وسائل ومدرسين. وترتفع الأصوات الآن لإدخال هذه المادة في التعليم الإبتدائي كذلك.
وأهم ما يميز التعليم في سورية كونه إلزامياً من جهة ومجانياً في جميع مراحله, أما في المرحلة الجامعية فإن الرسوم رمزية فقط كما يمكننا أن نتحدث عن التطور الفعلي الذي حصل في توسع شبكة رياض الأطفال.
وكما قلنا سابقاً هذا التطور الكمي والنوعي لايخلو من المشاكل والأزمات, سواء تعلق الأمر بالمشاكل المزمنة التي يعانيمنها هذا القطاع في العالم العربي ككل كما ذكرنا من قبل. أو المشاكل الجديدة التي أفرزها التوسع الداخلي والهيكلي من جهة. والتحديات التي يفرضها التطور العلمي العالمي المتسارع. لذلك فالمؤتمر الثاني الذي عقد بين 2 ـ 5 فبراير (شباط) 1998م, ومن خلال الجهود التحضيرية الكبيرة التي بذلت من أجله, واللجان المختلفة التي أنشئت لمعالجة قضاياه, قد وضع فعلاً على عاتقه مهمة معالجة جميع المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع داخل القطر في جميع مراحله ومستوياته.
افتتح المؤتمر تحت شعار «بالعلم نصعد امكانيات الفرد والأمة, وبالعلم والمعرفة نستكشف الأبعاد الحقيقية للقيم النضالية الحياتية». وبحضور مجموعة كبيرة من الشخصيات العلمية السياسية, المحلية والعربية والعالمية. من بينهم رئيس مجلس الشعب السيد عبد القادر قدورة والدكتور محمد زهير مشارقة نائب رئيس الجمهورية, ووزيري التربية والتعليم العالي, السيد محمد غسان الحلبي والدكتورة صالحة سنقر, وبحضور الدكتور عبد العزيز التويجري المدير العام للمنطقة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. والسيد محمد الميلي الإبراهيمي المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. بالإضافة إلى ممثل اتحاد الجامعات العربية, والأمين العام لإتحاد مجالس البحث العلمي العربي, والأمين العام للإتحاد العربي للتعليم التقني, وممثلا وزيري الثقافة والتعليم العالي والتربية في لبنان. ورؤساء الجامعات وعدد من الأساتذة والعاملين في وزارة التربية والثقافة, وشخصيات سياسية محلية وعربية.
في كلمة الإفتتاح تحدث الدكتور محمد زهير مشارقة نائب رئيس الجمهورية عن التطور الكبير الذي شمل مختلف الميادين الإقتصادية والإجتماعية والتربوية في سورية وأكد على ضرورة المراجعة الشاملة بعد عشر سنوات من توصيات المؤتمر التربوي الأول, لمعرفة ما تم انجازه من مقترحات وتوصيات ذلك المؤتمر, وما لم ينجز والعوائق والأسباب التي حالت دون ذلك, كما نوه بالمجهودات التي بذلت في إعداد أوراق المؤتمر والتي ستسفر عن مقترحات وتوصيات بناءة وجديدة تساهم في علاج الخلل الذي يشكو منه قطاع التعليم. أما الدكتور عبد الرزاق أيوب رئيس مكتبي التربية والطلائع, فقد تحدث هو كذلك عن التطور الذي عرفه هذا القطاع, وأن ربع سكان سورية اليوم يتلقون العلم مجاناً.وإن 70% ممن يحملون الشهادات الإعدادية يتمكنون من تحصيل المعارف والعلوم الفنية والمهنية والتطبيقية. وهذه النتائج جاءت تطبيقاً لشعار المؤتمر السابق العلم من اجل الحياة.
واشار أيضاًإلى أن من مهام هذا المؤتمر اعادة النظر في المناهج ووسائل التقويم ومجمل الطرائق التي تمارس العملية التربوية. وتحدث بعده الدكتور وهيب طنوس رئيس مكتبي الطلبة والتعليم العالي, الذي اعتبر أن التعليم هو أمن قومي وتحد حقيقي يواجه الوطن والإنسان والمستقبل, فلا دخول إلى العصر القادم إلا بالتعليم الجيد, كما أوضح بأن اصلاح التعليم عملية دائمة ومستمرة لمواكبة التغييرات والمعطيات العلمية الجديدة.
وأكد على أن القرارات والتوصيات التي ستصدر عن المؤتمر ستكون دليل عمل للمؤسسات التعليمية والتربوية منýأجل إرساء الأسس التطبيقية الرشيدة لتعليم جيد ومتطور في جميع مراحله.
أما وزير التربية السيد محمد غسان الحلبي فقد أشار إلى الإنجازات التي تحققت خلال العشر سنوات الماضية, أهمها تحقيق مبدأ ديمقراطية التعليم وإلزاميته, والإهتمام الذي أعطي للتعليم الفني والمهني مما جعل عدد الطلبة يرتفع من 1.150000 طالب وطالبة سنة 1970م إلى 3700000 في العام الدراسي 1996 - 1997م, كما مكنت سياسة الإلتحاق الإلزامي من استيعاب 99.18% من الأطفال سنة 1997م, وارتفعت نسبة الإستيعاب في التعليم الفني والمهني إلى 70%.
ثم تحدثت وزيرة التعليم العالي صالحة سنقر عن التطور الكمي في التعليم العالي وانه كان متوافقاً جداً مع تطور نوعي في تفعيل دور الجامعات ومساهمتها بدور أكبر في عملية البناء منوهة إلى أن الجامعة والبحث العلمي والتنمية ثلاثية ترتبط أطرافها بعلاقة وثيقة, ومؤكدة علىýأهمية تدريس المعلوماتية في الجامعة لأنها تجديد نوعي ستكون له ابعاد غير محدودة في المستقبل. الدكتور عبد العزيز التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافةýاشار في كلمته إلى ضرورة التعليم لأن ذلك يدعم جهود التنمية في جميع المجالات. وأن المنظمة الإسلامية تدرك هذه الحقيقة وقد قدمت في مؤتمرها الخامس (دمشق 1994) استراتيجية شاملة للمعرفة تنبني على احترام الهوية الحضارية للأمة, وتبين الوسائل لتطوير التربية والثقافة والعلوم, وترصد المشاكل وترسم الأهداف وتستشرف آفاق المستقبل. وبذلك أصبح أمام العالم الإسلامي وللمرة الأولى استراتيجية متكاملة العناصر قابلة للتنفيذ لتطوير التربية والتعليم والثقافة بمنهج علمي محكم.
أما الدكتور محمد الميلي الإبراهيمي المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فقد أشار إلى عمق التحولات التي يعيشها العالم على مشارف القرن القادم. ثم ألقى السيد محمود زعترية رئيس المكتب التنفيذي لنقابة المعلمين كلمة اخيرة تحدث فيها عن الإنجازات المهمة التي حصلت, داعياًإلى زيادة الإهتمام بالتعليم الإبتدائي, والتركيز على المناهج التجريبية الجديدة التي تجريها وزارة التربية لتحقيق الأهداف العامة في تقويم التعليم وجعله يواكب التطور العلمي والتقني المتسارع في العالم.
بدأت أعمال المؤتمر بالمناقشات التي انطلقت داخل اللجان المختصة والتي توزعت على الشكل التالي:
1ـ لجنة أهداف التعليم, 2ـ لجنة السلم التعليمي, 3ـ لجنة تحديث محتوى التعليم واغنائه بالمفاهيم الجديدة, 4ـ لجنة الدراسات العليا والبحث العلمي, 5ـ لجنة الإعداد والتأهيل, 6ـ لجنة طرق تقديم الإمتحانات, 7ـ لجنة التعليم الفني والمهني والتقني, 8ـ لجنة المستلزمات المالية, 9ـ لجنة البناء, 10ـ لجنة المعسكرات والأنشطة التربوية والتعليمية, 11ـ لجنة التقانات والمعلوماتية وتطبيقاتها, 12ـ لجنة المعاهد المتوسطة, 13ـ لجنة تطوير نظم الإدارة, 14ـ لجنة العلاقات الثقافية, 15ـ لجنة محو الأمية وتعليم الكبار.
ناقشت لجنة أهداف التعليم أهدافه بدءاً من مرحلة الروضة وانتهاء بالمرحلة الجامعية, وأهمية بنائه على قاعدة راسخة من التراث العربي, والخصوصية القومية. وتزويد الطالب بالمعارف والمهارات النظرية والعلمية التي تساعد في تطوير الإقتصاد وتحقيق التنمية, وقد ركزت اللجنة على الإهتمام برفع المستوى العلمي والثقافي مع التركيز على البحث والتجريب والتطبيق العملي. وضرورة اعتماد الحوافز المادية لتشجيع الإبداع والإبتكار. كما أشارت اللجنة إلى ضرورة توحيد الأهداف في جميع مراحل التعليم.
لجنة السلم التعليمي وتحديث محتوى التعليم, أكدت على الإهتمام بالمحتوى بعد التوسع الافقي الذي عرفه هذا القطاع, وجعل كل مرحلة تعليمية تتكامل مع المراحل اللاحقة, كما أن تطوير مضمون التعليم يرتبط بمراجعة نوعية المعلومات المقدمة وإعطاء الأولوية للتفكير وتطوير مهاراته. وأكدت اللجنة كذلك على أن السلم التعليمي المعمول به يتلائم مع تطور البلد ومواز لما هو قائم في الدول المتقدمة وأن الخلل الحاصل ليس في السلم التعليمي, ولكن في ضآلة محتوى التعليم من الناحية العلمية والتطبيقية, مما ينعكس على ضعف وتكيف مخرجات التعليم مع متطلبات التنمية.
لذلك فقد أوصت اللجنة بضرورة الأخذ بنظام التعليم الأساسي ذي السنوات التسع وإلزاميته ومجانيته.وضرورة إدخال مادة التربية المهنية في هذه المرحلة كمادة مستقلة. كما اقترحت توسيع قاعدة رياض الأطفال وإحداث وظيفة مرشد تربوي وموجه مهني. والإهتمام بالمتفوقين وغير ذلك من التوصيات.
أما لجنة طرق التقويم والإمتحانات فقد ناقشت الدراسة المقدمة والمتعلقة بطرق تقويم الإمتحانات في جميع المراحل الدراسية, وقدمت مجموعة من المقترحات لتطوير نظام الإمتحانات, خصوصاً في التعليم ما قبل الجامعي. منها اعتماد مبدأ تكامل معدلات النجاح بين الإمتحان النهائي وأعمال السنة في الشهادتين الإعدادية والثانوية, وإدخال درجة أعمال السنة في المعدل العام للنجاح بما لايقل عن 15% ما أشارت إلى ضرورة تعديل نظام الإمتحانات في الصفين الخامس والسادس الإبتدائيين, والأول والثاني الإعداديين. ومعالجة اسباب تفاوت معدلات النجاح بين الصفوف الإنتقالية والشهادتين الإعدادية والثانوية. وإعادة النظر في نظام امتحان القبول للطلبة الأحرار, وتطوير أسلوب الإمتحانات العلمية في التعليم الفني والمهني. وإلغاء شرط السن للطلبة الأحرار الذين يتقدمون لنيل الشهادة الثانوية. وناقشت لجنة الدراسات العليا والبحث العلمي بعض النظم المتعلقة بالدراسات العليا, واوصت بضرورة دمج مرحلتي دبلوم الدراسات العليا والماجستير لتصبح درجة واحدة.
كما أوصت اللجنة بضرورة إحداث مخصص لميزانية البحث العلمي في الموازنة العامة لايقل عن 1% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي, وربط البحث العلمي باحتياجات السوق وغير ذلك من التوصيات. واستعرضت لجنة التقنيات والمعلوماتية الواقع الموضوعي لهذا المجال, ودعت إلى تحديثه بتبني تقانات حديثة, كما أوصت بضرورة افتتاح قسم في كلية التربية لتأهيل أساتذة المعلوماتية, وافتتاح أقسام للمعلوماتية في كليات العلوم والهندسة. وربط الجامعات ووزارتي التربية والتعليم العالي بالإنترنت ودعم ادخال الكتاب الإلكتروني واستخداماته باللغة العربية.
لجنة المستلزمات المالية ناقشت المستلزمات لتطوير التعليم ما قبل الجامعي, وكذا احتياجات تطوير البحث العلمي, مقترحة زيادة حجم موازنة التعليم العالي. أما لجنة البناء فقد استعرضت الواقع الكمي للمباني المنشاة, وقدمت دراسة عن الواقع الصحي, والأراضي اللازمة للبناء, واقترحت عدة توصيات منها اعتماد أسلوب الخريطة المدرسية والتخلص من المباني المستأجرة وضرورة التسريع في تطبيق قانون التوسع العمراني رقم 60 لسنة 1979, على جميع المناطق الخاضعة له, بهدف تأمين أكبر عدد من المواقع اللازمة للبناء والإنشاءات الجديدة.
لجنة الإعداد والتأهيل قدمت دراسة عن واقع اعداد وتدريب المعلمين, وعرضت مشروعاً لتدريب وتطوير المعلمين. كما قدمت دراسة عن كيفية الإعداد والتأهيل ودعت إلى ضرورة اهتمام بالإدارة وتطويرها.
وهكذا فكل اللجان قدمت دراسات وعروضاً حول واقع القطاع الذي تناولته الدراسة, وقدمت الإقتراحات والتوصيات الهادفة إلى معالجة الخلل أولاً, ثم احداث التطوير المناسب والضروري, وقد جاءت التوصيات متكاملة انطلقت من الإهتمام بالطالب في جميع مراحله تدريسه لتأهيله علمياً وعملياً وتنمية قدراته على الإبداع والإنتاج. كما اهتمت بالمواءمة بين سوق العمل وخريجي الجامعات, وقدمت مقترحات عديدة لتطوير التعليم المهني والتقني. وتشجيع الإرشاد والتوجيه لتنمية ودعم الإقبال عليه. كذلك عالجت التوصيات الخلل في أنظمة الإمتحانات, وتشجيع الطلبة الأحرار للإلتحاق بالتعليم العالي عن طريق إلغاء شرط السن. كما أكدت التوصيات على أهمية البحث العلمي وطالبت بزيادة المخصصات المالية له وتزويده بالوسائل الضرورية وخصوصاً المعلوماتية وربطه بشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت).
كل ذلك في إطار خطة تربوية وتعليمية شاملة وعقلانية, تتطور باستمرار نحو الأفضل, مستفيدة من التطور العلمي والتقني العالمي, ومنفتحة على المستقبل باستمرار.
هذه التوصيات المتعددة التي خرج بها المؤتمر التربوي الثاني ستكون كما قال الدكتور وهيب طنوس عضو القيادة القطرية للحزب ورئيس مكتبي الطلبة والتعليم العالي بمثابة دليل عمل للمؤسسات التعليمية والتربوية داخل سورية. وإذا ما عرفت جميع التوصيات والمقترحات طريقها إلى التطبيق الجيد, والعمل من أجل تحقيقها على أرض الواقع, فإن القطاع التعليمي والتربوي في سورية سيكون على موعد جديد مع تطور نوعي وتقدم متميز يؤهله لإستقبال القرن الحادي والعشرين بكفاءة وثقة في المنطلقات والأهداف.
نظمت وزارة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية بين 25-28 شوال 1418 - 22-25 فبراير (شباط) 1998م. ندوة حول: «التعليم العالي في المملكة العربية السعودية: رؤى مستقبلية» شارك في الندوة عدد من الوزراء على رأسهم وزيري التعليم العالي والمعارف، الدكتور خالد العنقري والدكتور محمد بن أحمد الرشيد. ومجموعة من رؤساء وعمداء الجامعات والمعاهد، بالإضافة إلى شخصيات عالمية لها ارتباط بالشأن التربوي مثل مدير جامعة برايتون (بريطانيا) الدكتور ديفيد واتسون. والمدير العام المساعد لشؤون التعليم باليونسكو الدكتور تولين باور والدكتور راي ماني عضو هيئة التدريس بقسم الإجتماع بجامعة سنغافورة الوطنية، والدكتور نوريهيروكورودا أستاذ بجامعة هيروشيما في اليابان.
أهداف الندوة كما طرحها المنظمون تتلخص في معرفة ودراسة واقع التعليم العالي في المملكة من جميع جوانبه، لمعرفة المستوى الذي وصل إليه هذا القطاع بإيجابياته وسلبياته. ومن ثم الكشف عن المشاكل التي يعانيها وطرحها للمناقشة والدرس لإيجاد الحلول والبدائل الضرورية. تجعل من هذا القطاع المهم يأخذ مكانه الحقيقي لتلبية الإحتياجات المقبلة لقطاع التعليم بشكل عام.
اشتمل برنانج الندوة على إحدى وعشرين جلسة، خصصت ثلاثة عشر منها لمناقشة (45) بحثاً ودراسة تم إعدادها من طرف المشاركين: أما المواضيع التي نوقشت خلال هذه الجلسات فقد كانت متنوعة ومتكاملة نذكر منها:
القبول في التعليم العالي، تعاون أعضاء هيئة التدريس مع القطاعات الأخرى، اقتصاديات التعليم العالي، مستقبل التعليم العالي الهندسي، الطاقة الإستيعابية لكليات الهندسة بالمملكة الواقع والمستقبل، التعليم وسوق العمل، مدى ملاءمة مخرجات التعليم العالي لمتطلبات سوق العمل في المملكة، مراكز البحث العلمي في الجامعات السعودية وآمال مستقبلية للتنسيق والتعاون، المعلومات الإلكترونية ودورها في تطوير التعليم العالي بالمملكة في القرن الحادي والعشرين، تحسين مردود التعليم العالي، نموذج مقترح لتخصيص الموارد بين قطاعات التعليم العالي، استشراف تخصصات الهرم التعليمي الجامعي، تقويم البرامج الأكاديمية في التعليم العالي، الإعتماد الأكاديمي لمؤسسات التعليم العالي في المملكة الأسس والمنطلقات.
أساليب تقويم الأداء والتحصيل لطلبة الجامعة بين التقليد والمعاصرة دراسة ميدانية، التعليم العالي الأهلي، تغذية المؤسسات الجامعية في الموقع الواحد بين تكامل التخصصات وتناظرها: تحليل للواقع ونظرة للمستقبل. هذه المواضيع والدراسات والأوراق قدمها مجموعة من أعضاء جامعة الملك سعود عن عمداء وأساتذة وأعضاء هيئة التدريس، وقد تميزت الندوة بالمشاركة الجيدة للمرأة الأكاديمية حيث قدمت الدكتورة مياز بنت خليل الصباغ من كلية التربية للبنات (الرياض) ورقة بعنوان: بنوك الأسئلة ودورها في تطوير اساليب التقويم الجامعي، وتحدثت الدكتورة ست الحسن الجهني من نفس الكلية عن: «علاقة أعضاء هيئة التدريس بالقطاعات الأخرى»، كما قدمت الدكتورة نجلاء محمد إبراهيم بكر الأستاذة بكلية الإقتصاد والإدارة بجامعة الملك سعود(فرع القصيم) دراسة عن: «قياس الأداء للخدمة التعليمية بجامعة الملك سعود»، وقدمت الدكتورة مريم عبد الله الصبان الأستاذة في قسم الإدارة التربوية والتخطيط في جامعة أم القرى بحثاً عن: «التعليم العالي وعلاقته بسوق عمل المرأة في مدينة مكة المكرمة: نموذجاً عن المملكة العربية السعودية». أما الدكتورة هند بنت ماجد الخثيلة الأستاذة بكلية التربية بجامعة الملك سعود، فقدمت دراسة حول: «المهارات التدريسية الفعلية والمثالية كما تراها الطالبة في جامعة الملك سعود».
هذه الدراسات والأوراق التي قدمت ستكتسب أهميتها عندما تؤخذ محتوياتها بعين الإعتبار مادام هدف الندوة كما صرح بذلك الدكتور عبد الله الفيصل مدير جامعة الملك سعود، المساعدة لإعداد خطة استراتيجية مبرمجة للغد عبر رؤى مدروسة ومقننة تلبي احتياجات الأفقين القريب والبعيد.
بعد ثلاثة ايام من المناقشات والجلسات المستديرة. انتهت الندوة بتقديم مجموعة من التوصيات، منها: إتخاذ الإجراءات الكفيلة بربط التعليم العالي بسوق العمل بمشاركة الجهات ذات العلاقة في القطاعين الحكومي والأهلي. تنويع فرص مشاركة أعضاء هيئة التدريس في الأنشطة التنموية في المجتمع بما يساهم في النمو الذاتي المعرفي والتطبيقي لديهم. كما دعت بعض التوصيات إلى توسيع قاعدة التعليم العالي ودراسة جدوى واستعدادات أنماط جديدة للتعليم العالي مناسبة لظروف المجتمع واحتياجاته ومحققة لمعايير الجودة النوعية في التعليم، والأخذ بمبدأ التقويم الشامل والمستمر لجميع عناصر ونشاطات ومواقف العملية التعليمية في التعليم العالي. وتفعيل التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي المختلفة لتقليص الإزدواجية، وحسب استثمار الجهود الموحدة في خدمة التعليم العالي وأغراضه. كما أكدت التوصيات على استمرار الإهتمام بالدراسات الإسلامية واللغة العربية في جميع التخصصات والمجالات المختلفة، لأن ذلك له علاقة أساسية بالهوية الدينية والحضارية التي تتعرض لتحديات كبيرة من طرف العولمة الثقافية والحضارية اليوم والتي ستزداد شراسة في القرن القادم.
من المقرر أن ينعقد في مقر منظمة اليونسكو بباريس المؤتمر العالمي حول التعليم العالي وذلك بين 5-9 تشرين الأول أكتوبر 1999م. وقد سبقت هذا المؤتمر العالمي عدة مؤتمرات تحضيرية دولية واقليمية ومحلية. ابتداءً من سنة 1960، ثم سنة 1974م حيث صدرت توصيات خاصة بأساتذة التعليم العالي وقضية الحصانة لهم. وفي سنة 1990 انعقد مؤتمر عالمي آخر حول التعليم في تايلاند بالتعاون مع الأونسكو والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ثم تلاه المؤتمر العام للأونسكو سنة 1991م الذي اتخذ قرارات مهمة خاصة بأساتذة التعليم العالي كذلك. وحررت توصيات دولية بذلك سنة 1993م تم اعتمادها رسمياً سنة 1997م.
وفي إطار متابعة التحضير للمؤتمر العالمي المقبل استضافت بيروت بين 2-5 آذار مارس 1998م، المؤتمر العربي الإقليمي التحضيري في محاولة للإجابة على سؤال مهم وهو: «اي تعليم عال نريد للعالم العربي في القرن الحادي والعشرين»، وانطلاقاً من الإجابة على هذا السؤال سيحاول المشاركون العرب من خلال الدراسات التي ستقدم وضع تصور أولي للمبادئ الأساسية التي تمكن من إصلاح أنظمة التعليم العالي في المنطقة. وصياغة مفاهيم ومقترحات مشتركة لتقديمها خلال المؤتمر العالمي المقبل حول التعليم كورقة اقليمية عربية. لذلك فقد شكل المؤتمر فرصة مهمة وضعت فيها قضايا التعليم العالي العربي على طاولة البحث والمناقشة.
حضر الإفتتاح في قصر الأونسكو مجموعة كبيرة من الشخصيات السياسية والعلمية والأكاديمية، وخبراء في ميدان التربية. من لبنان والعالم العربي والعالم، يتقدمهم رئيس الجمهورية إلياس الهراوي ومدير الأونسكو فدريكو مايور ورئيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمدير العام المساعد للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وتسعة وزراء عرب للتربية والتعليم العالي.
في كلمة الإفتتاح تحدث الرئيس الهراوي عن إيمان لبنان بتعدد الجامعات وديمقراطية التعليم ودعا الجامعة لإستعادة دورها باعتبارها شريكاً في البناء الإقتصادي والإجتماعي والصحي والمهني والتقني والسياحي والإعلامي. وشدد على أن إعادة النظر في التعليم العالي تحتاج إلى الإهتمام بالتعليم الثانوي. ثم تحدث البروفسور جورج حداد رئيس اللجنة الإدارية للمؤتمر، عن الجهود التي تبذلها الأونسكو في مجال تطوير وإنماء قطاع التعليم منذ سنوات، وأن مؤتمر بيروت هذا يعتبر الأخير في سلسلة المؤتمرات التحضيرية للمؤتمر العالي المزمع عقده في تشرين الأول المقبل لوضع سياسات مستقبلية للتعليم العالي تكون شاملة وتلبي متطلبات العصر. أما محمد سعيد ثوري المدير العام المساعد للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة فقد شدد على ضرورة القيام بتغيير شامل في قطاع التربية والتعليم ليتواءم مع جهود التنمية الشاملة. ولن يكون كذلك إلا إذا أصبح منتجاً ومسايراً للتطور التكنولوجي الحاصل في العالم. بدوره الدكتور محمد الميلي الإبراهيمي المدير العام للمنطقة العربية للتربية والثقافة والعلوم أكد على أهمية صياغة مشروع مجتمعي يحتل فيه قطاع التربية والتعليم موضع القلب والتعليم العالي مكان العقل. رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية الأمير طلال بن عبد العزيز، تحدث عن خوفه من «صدمة المستقبل» ونحن على مشارف قرن جديد، مؤكداً عدم قدرة الجامعات والمعاهد العليا على استيعاب الطلب المتزايد على التعليم العالي، وأن الجامعات الخاصة تفتقر إلى المؤهلات البشرية والتجهيزات الأساسية، بالإضافة لكونها تقتصر على النخب القادرة على الدفع، كما أشار إلى تخلف المناهج وعدم مواكبتها للتطورات الجديدة، ودعا إلى إنشاء جامعة عربية مفتوحة.
مدير منظمة الأونسكو فدريكو مايور تحدث عن ضرورة توفير فرص متكافئة للجميع ليتمكنوا من الإستفادة من التعليم العالي، لأن التعليم حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وإن هناك خلل حاصل في هذا المجال، لذلك دعا إلى وجوب الإنتقال من هذا الوضع، وإعطاء حق التعليم والتحصيل العالي لكل من يستحقه بمعزل عن أي مقياس، مؤكداً على إمكانية تقديم المؤتمر العالمي المقبل لخطة تساعد على هذا الإنتقال. كما أشار إلى ضرورة استمرار التربية بشكل مستديم لكي تتكيف مع حاجات المجتمعات المعاصرة. وقد تبع الإفتتاح حوار عبر الشبكة الفضائية بين المؤتمرين وجامعات الأردن.
الجلسة الأولى خصصت لمناقشة: «التعليم العالي في الدول العربية في القرن الحادي والعشرين: رؤى اقليمية»، تم فيها استعراض وضع التعليم وآفاقه المستقبلية انطلاقاً من الخصوصيات الإقليمية وتأثير عدد من المشاكل على هذه الآفاق في القرن القادم. كما تمت معالجة بعض المقترحات المقدمة.
كلمات الوفود تداخلت مع أعمال الجلسة الصباحية الأولى، حيث تحدثت وزيرة التعليم العالي في سورية صالحة سنقر عن أعمال المؤتمر واعتبرته محفزاً لتطوير هذا القطاع وتأكيداًعلى أهمية وحدة العمل التعليمي والعلمي في بناء الإنسان العربي. الدكتور عبد الجبار توفيق وزير التعليم العالي في العراق دعا بدوره لبذل كل الجهود لجعل التعليم العالي أداة فعالة في التنمية. أما كلمة الوفد الليبي فقد ألقاها الدكتور عبد الله الحمالي مركزاً على مسألة التمويل في التعليم العالي والبحث وضرورة الإهتمام به لتوسيع قاعدة هذا التعليم كي يستوعب جميع الفئات الإجتماعية. وزير التهذيب الموريتاني أحمد ولد المصطفى ولد السنهوري أشار إلى علاقة المناهج بمتطلبات التنمية ودعا للمواءمة بينهما وعدم إهمال التطور الحاصل في العالم. كما دعا وزير التعليم العالي السعودي الدكتور خالد العنقري إلى ضرورة توفير الإحتياجات البشرية والمادية للتعليم العالي ومؤسساته كي يقوم بدوره في عملية النهوض والتطور العربي. وتوالت الكلمات المختلفة لكل من وزيرة التعليم العالي الفلسطيني الدكتورة حنان عشراوي، ورئيس الوفد السوداني الدكتور عبد الله أحمد عبد الله، والدكتور ناصر عبد الله العويفي من اليمن، ورئيس جامعة البحرين الدكتور محمد بن جاسم الغتم. أما كلمة الجزائر فقد ألقاها المدير الفرعي للبرمجة والتقييم الهادف محمد الأمين، وأخيراً جاءت كلمة رئيس وفد الإمارات العربية المتحدة سعيد عبد الله الذي تحدث عن تجربة الإمارات في مجال التعليم العالي وما تقوم به الجهات المختصة من أجل تطويره وتنميته.
هذه الجلسة التي ترأستها الوزيرة السورية صالحة سنقر كانت بعنوان: «التعليم العالي في القرن الحادي والعشرين: رؤى عالمية». حيث تحدث إبراهيم أبو لغد من جامعة بير زيت (فلسطين) عن أهمية إيجاد قاعدة ثقافية عربية مشتركة تساعد على وضع مناهج متجانسة في التعليم العالي وتدعم الروابط الثقافية مما يساعد بدوره على الوقوف في وجه الغزو الثقافي العالمي. ودعا طلال أبو غزالة في مداخلة بعنوان: «تحرير الخدمات المهنية وانعكاساتها على التعليم العالي» إلى تحرير قطاع الخدمات المهنية وتطوير قوانين الإستثمار مع الإهتمام بربط مؤسسات هذا التعليم بالتنمية الإقتصادية. أما ماركو دياس مدير قسم التعليم العالي في الأونسكو فقد دعا إلى الإستفادة من التجارب العالمية في توجيه التعليم الثانوي وتشجيع الإختصاصات وإعطاء حرية أكبر واستقلالية أكاديمية من أجل المحافظة على النوعية في هذا التعليم. الجلسة الثانية عقدت تحت عنوان: «التعليم العالي في المنطقة العربية: الوضع الحالي وتصورات مستقبلية». وقد قدم فيها الدكتور نادر فرحاني مدير مركز المشكاة للبحث في القاهرة. وثيقة عمل بعنوان «مساهمة التعليم العالي في التنمية في البلدان العربية» تحدث فيها عن العائد الفردي والمجتمعي ودور التعليم العالي في التنمية وإعداد الكوادر التي تحتاجها الدول. ثم تحدث الدكتور صبحي قاسم (الأردن) عن: «دور التعليم العالي في التقدم العلمي في الدول العربية» مقدماً بعض الأرقام والمعالجات الواقعية التي اعتبرها حلولاً لمشاكل التعليم العالي. لكن الدكتورة صالحة سنقر اعتبرت في رد لها بأن الأرقام التي اعتمدت عليها مداخلة صبحي قاسم غير دقيقة كما أن دور الجامعة يختلف عما جاء في تقسيمه لأدوارها. ثم تناول الكلمة الأخيرة في هذه الجلسة الدكتور عدنان الأمين من لبنان متحدثاًعن التعليم العالي في الدول العربية، مسائل ومشاغل: الفرص الدراسية واستقلالية الجامعة. محدداً مسار التواصل مع سوق العمل واستقلالية الجامعة على الإدارات الحكومية. لكي تؤمن بعض الموارد التي تعجز عن تأمينها الحكومة وفي نفس الوقت تعمق استقلاليتها.
اليوم الثالث من المؤتمر اتسمت أعماله بمجموعات العمل المغلقة، وقد تابعت مجموعات العمل الثمانية أعمالها. حيث ناقشت المجموعة الاولى: «مواءمة التعليم العالي للقضايا العالمية المعاصرة» الدكتورة حنان عشراوي رئيسة الجلسة قدمت مداخلة تحت عنوان: «دور التعليم العالي في التنمية الإجتماعية والقضايا السكانية»، ثم قدم رئيس جامعة بغداد الدكتور عبد اللإله الخشاب مداخلة بعنوان: «الجامعة وتنمية المجتمعات المحلية الريفية: دراسة حالة»، كما تحدث الدكتور نديم كرم عميد كلية الصحة وعلومها في جامعة البلمند (لبنان) عن «بناء شراكات مستديمة بين التعليم العالي والمجتمع المحلي».
الجلسة الثانية كانت تحت عنوان: «مواءمة التعليم العالي لعالم العمل واحتياجات التنمية»، وترأسها الدكتور خالد العنقري، وتحدث فيها كل من نبيل النقاش عن تجربة التعليم التقني العالي في لبنان. والدكتور سليمان الجاسم عن تجربة الإمارات العربية في التعليم العالي كذلك.
محور الجلسة الثالث كان حول: «مواءمة التعليم العالي لإحتياجات الأنظمة التربوية»، وترأسها الدكتور عبد الجبار توفيق وزير التعليم العالي في العراق، تحدث فيها كل من الوزير العراقي والدكتور محيي الدين توق منسق الجلسة، ثم قدمت الدكتورة خولة شاهين مسؤولة مكتب التربية للدول العربية في الأونسكو بباريس، مداخلة بعنوان: «مشاركة الإناث في ميادين العمل المتخصصة وتوسيع ميادين العمل لخريجات التعليم العالي»، كما تحدثت الدكتورة رداح الخطيب من جامعة اليرموك في الأردن حول: «اتجاهات القادة الإداريين في الجامعات الحكومية نحو تعيين المرأة في مراكز قيادية في الجامعات».
أما مجموعة العمل الرابعة فناقشت موضوع: «مواءمة التعليم العالي للتقدم العلمي» وترأسها الدكتور عبد الله عامر الهمالي الكاتب العام للتعليم العالي في الجماهيرية الليبية. وتحدث أثناءها كل من الدكتور أمين مشعل والدكتور سعد الدين خرفان عن أوضاع البحث العلمي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، والعوائق التي تقف في وجه تطور البحث العلمي، كما قدم الدكتور صبحي القاسم مداخلة حول: «تمويل البحوث ونشر نتائجها».
المجموعة الخامسة ترأستها وزيرة التعليم العالي السورية الدكتورة صالحة سنقر، وتحدث فيها كل من الدكتور رمزي سلامة عن ضمانات نوعية التعليم، وزكريا دلال عن دور البحث العلمي في تطوير التعليم العالي. وعبد الكريم أبو الحسن عن تنمية مهارات العاملين.
أما المجموعة السادسة فترأسها الدكتور محمد حمدان، وتحدث فيها الدكتور ايريس ستوفان حول تقنيات المعلومات في التعليم العالي، كما تحدث الدكتور جوناثان داربي عن المعلومات والإتصال في التعليم العالي في بريطانيا. وترأس المجموعة السابعة حسن أحمد غلاب، وتحدث خلالها سانيال عن تمويل التعليم العالي وعبد اللإله الخشاب عن الجامعة المنتجة وأحمد أبو الهيجاء عن البرامج الموازية والدولية لتمويل التعليم العالي. أما مجموعة العمل الثامنة فترأسها الرئيس سليم الحص، وتحدث فيها كل من الدكتور جورج نحاس عن تعريب التعليم العالي في ظل العولمة، وعبد الباري درة عن حماية التعددية الثقافية في ظل العولمة، وعبد الإله بوبطانة عن التعاون العربي والدولي في مجال التعليم العالي.
الجلسة الختامية تميزت بمناقشة مشروع الإعلان حول التعليم العالي الذي قدمته اللجان المختصة دون تدخل من جانب أعضاء منظمة الأونسكو. ليتم رفع التوصيات التي ستعلن باسم رؤساء الوفود العربية إلى مؤتمر باريس. وقد ترأس هذه الجلسة الوزير فوزي حبيش وتلا وزير التعليم العالي في الأردن محمد حمدان، نص مشروع الإعلان الذي جاء في تسع صفحات «فولسكاب». ثم فتح المجال لإبداء التعليقات حول بنود المشروع لتعديلها سواء ببعض الإضافات أو تغيير في صياغة بعض النقاط.
لقد استطاع هذه المؤتمر ليس فقط وضع الأسئلة المختلفة حول وضع التعليم العالي في المنطقة العربية ولكن قدم المشاركون فيه مجموعة من الأجوبة أو العلاجات، فبعد عرض واقع هذا التعليم من حيث تطوره وتوسعه الهيكلي، وتقديم الارقام الموضحة والمتابعة لمسيرة هذا القطاع، جاءت المقترحات العلاجية والتقويمية قريبة من الموضوعية، واستطاع معها المشاركون صياغة وجهة نظر عربية حول المبادئ والمفاهيم التي يمكن وضعها للنهوض بالتعليم العالي وإصلاحه لكي يساهم بدوره في التنمية المنشودة ولكي يستعد فعلاً للدخول في القرن القادم بشكل ومضمون جديدين. لكن التخوف يبقى حاضراً دائماً من أن تتحول هذه التوصيات والمقترحاتýإلى مجرد حبر على ورق تحتضنه رفوف المؤسسات الحكومية والدولية.
من خلال عرضنا لوقائع مؤتمر دمشق حول واقع التعليم بجميع مراحله في سورية وندوة الرياض حول التعليم العالي، وصولاً إلى المؤتمر الإقليمي العربي التحضيري حول التعليم العالي في العالم العربي، تمكنّا من ملاحظة المشاكل المشتركة التي يعاني منها التعليم العالي في الوطن العربي والتي يمكن تلخيص أهمها في: تخلف المناهج وعدم مواكبتها للتطورات العلمية المتسارعة في العالم، الطلب المتزايد على التعليم العالي وعجز الدول العربية على إيجاد الإحتياجات المادية والبشرية لإستيعاب هذا الطلب، مشكلة التمويل وشكوى الميزانيات الحكومية من الإرهاق الذي يسببه لها قطاع التعليم بشكل عام وعجزها عن تمويله بشكل يتناسب مع احتياجاته المتزايدة، عدم مواءمة مخرجات الجامعة لسوق العمل واحتياجات التنمية، ضعف البحث العلمي وقلة الموارد المالية المخصصة له. مشاركة المرأة لم تصل بعد إلى المستوى الذي يؤكد ديمقراطية التعليم.
هذا من حيث المشاكل والأزمات، أما من حيث المقترحات والتوصيات التي قدمتها هذه المؤتمرات والندوات المحلية والإقليمية، فبإمكاننا أن نرى بوضوح من خلالها شعور الحكومات العربية بأهمية هذا القطاع وضرورة معالجة مشاكله المتفاقمة. كما أكدت التوصيات مكانة وأهمية هذا القطاع ومساهمته في جهود التنمية المنشودة. لذلك شددت على ربط الجامعة أكثر فأكثر بالمجتمع ومشاكله ومراعاة سوق العمل، وزيادة الدعم للبحث العلمي، كما دعت التوصيات إلى ضرورة إيجاد مصادر تمويل جديدة إلى جانب الدول تساعد في حل معضلة التمويل.
لكن ما يلاحظ على هذه المقترحات وخصوصاً في قضية التمويل أنها تحدثت عن القطاع الخاص ومساهمته في التمويل باعتباره العصا السحرية التي ستعالج مشاكل التعليم العالي بشكل نهائي. ونحن نلاحظ أن الأمر لايخلو من مبالغات، لأن القطاع الخاص في العالم العربي متواضع الإمكانات ولايمكنه أن يغامر في الإستثمار في ميدان لايمكنه أن يقدم له الارباح التي يسعى لها، على مستوى البحث العلمي مثلاً الإستفادة المادية لن تكون مقاربة لما يجنيه القطاع الخاص في الدول المتقدمة الذي يمول البحوث العلمية، لأن نتائج هذه البحوث تتحول بسرعة إلى مخترعات ومنجزات علمية وتكنولوجية يستفيد منها القطاع الخاص بشكل مباشر وسريع أما في العالم العربي الذي يعتبر سوقاً استهلاكية متخمة بالسلع والمنتجات الغربية فإن مردود البحث العلمي لاشك سيكون ضئيلاً. أما بالنسبة للإستمثار على مستوى الرسوم وتكاليف الإنخراط في هذا التعليم فكلما ارتفعت تكلفة الرسوم كما يرغب القطاع الخاص كلما انحصر هذا التعليم في نخبة وقلة قليلة من مجموع الراغبين في الإلتحاق بهذا التعليم، وهذا بدوره يعود بنتائج سلبية على مردوده المادي، بالإضافة إلى كونه يشكل ضربة قاضية لديمقراطية التعليم التي أصرت الدول العربية على نهجها كسياسة تساهم في دعم التنمية البشرية. نحن مع أن يساهم القطاع الخاص في دعم التعليم العالي على جميع المستويات، لكن بشرط ألا يكون بديلاً عن التعليم العالي الحكومي، لأن المشكل لاينحصر فقط في ديمقراطية التعليم، ولكن في السياسات والإستراتيجيات الكبرى التي تلتزم بها الحكومات بخصوص التعليم بشكل عام والعالي خصوصاً، والتي تهتم بجميع المجالات وليس الإقتصاد فقط، ولو تركنا للقطاع الخاص حرية رسم السياسات المهمة للتعليم العالي فمما لاشك فيه أننا سنجد هذا القطاع قد ارتهن بشكل كبير للقطاع الخاص والشركات العالمية الكبرى التي ستوجهه لخدمة مصالحها، وتجعله يهتم ويعتكف على تخصصات وبحوث، قد لاتساهم أو تخدم التنمية الشاملة التي تحتاجها الدول العربية.
صحيح أن الأرقام التي تقدمها الحكومات العربية حول الإنفاق على التعليم تظهر مدى الإرهاق الذي يسببه هذا الإنفاق على الميزانيات العامة، لكن الإنفاق على البحث العلمي لايعتبر مهماً بالمقارنة ببعض الدول، مثلاً وكما جاء في ورقة الدكتور محمد بن جاسم الغتم من جامعة البحرين، بلغ الإنفاق العربي على البحث والتنمية 0.75% من إجمالي الناتج القومي سنة 1990م في حين أنفقت إسرائيل 3% من انتاجها القومي على البحوث العلمية خلال السنة نفسها، واليابان 2.8% والولايات المتحدة 2.48%، إذن فالأرقام العربية ضعيفة جداً في هذا المجال حتى يقال بأن التمويل يرهق ميزانية الدول العربية.
أوراق مؤتمر بيروت تحدثت عن خطط أحلامية شرعت فيها مجموعة من الدول العربية، للنهوض بالتعليم العالي خصوصاً وجعله يواكب التطورات الآنية والقادمة، ومؤتمر دمشق جاء ليقوم بمراجعة للنظام التعليمي بشكل عام في سورية بعد مضي عشر سنوات على المؤتمر التربوي الأول، لمعرفة مدى تطبيق التوصيات الماضية ولمعالجة المشاكل الجديدة بتوصيات جديدة، أما ندوة الرياض فقد سلكت نفس الطريق فاصلة المراجعة من أجل النهوض ومعالجة المشاكل. ويبقى الطريق نحو إحداث التغيير الحقيقي مرهون بتطبيق التوصيات التي خرجت بها هذه اللقاءات المحلية والإقليمية. لقد استطاعت الأوراق والدراسات المقدمة أن تكشف وترصد مجموعة كبيرة من العلل والأمراض والمشاكل بموضوعية، ولم يبق سوى البدء بتجريب المعالجة والتطبيب الفعلي انطلاقاً من التوصيات الكثيرة التي قدمت. طبعاً لسنا متفائلين دون حدود كما أن تشاؤمنا لم يبلغ مرحلة اليأس لكن وضع التعليم العام والعالي يحتاج فعلاً لمجهودات جبارة من أجل إصلاحه وتفعيله وجعله يواكب المتغيرات العلمية والحضارية في العالم، كما يساهم في دعم وتحقيق التنمية الشاملة التي تحتاجها الدول العربية قاطبة وهي تدخل القرن الحادي والعشرين.