شعار الموقع

كيف نواجه العولمة الثقافية؟

فارس السقاف 2004-10-15
عدد القراءات « 556 »

إن التحدي الأكبر في هذه المسألة يصب في اتجاه المحور الثقافي، لأن مشروع العولمة في الأساس أو في جوهره، هو ثقافي، يحاول نشر قيم المنظومة الغربية في العالم، بحيث يتوحد العالم على هذه القيم. مما يفسح المجال بالنسبة لنا لإختراق ثقافتنا العربية والإسلامية.
هذا التشخيص لايعني بالضرورة الموقف السلبي أو الرافض لهذه العولمة لأنها لم تستأذننا في دخولها إلى عقر دارنا وإلى محيطنا الثقافي، وعمقنا القيمي. ولكنها فرضت نفسها فعلاً بحكم الإستعلاء والقوة والنفوذ والهيمنة التي يتمتع بها القطب الواحد (الغرب) ومركزه الآن أمريكا.
لذلك لايعني هذا التشخيص رفضاً سلبياً، ولكن حتى ندرك أننا في تحدينا أو على الأقل في مواجهة هذه العولمة الثقافية، نحن بحاجة إلى إعادة قراءة تراثنا وثقافتنا ومحاولة استجلاء عناصر قوتها وابرازها حتى تستطيع لانقول لصدها أو التصارع معها، وإنما لتقف معها موقف على قدر من التكافؤ. حتى تستطيع أن تتحاور معها، وأن تحصن نفسها أيضاً، وأن تحاول ألا ترفض كل ما يأتيها، لأن هناك قواسم مشتركة، فالمطلوب أن تحدد الدوائر كلها كما يجب. هناك دائرة في العولمة الثقافية يجب رفضها وتحصين ثقافتنا منها، وهناك دائرة للحوار والتثاقف معها.

إن مستقبل الثقافة الإسلامية في ظل تحديات العولمة مرهون بقدرة هذه الثقافة ونخبها المفكرة والرموز العلمية التي تستطيع أن تجلي مكامن القوة وعناصر القوة الموجودة والكامنة في ثقافتنا، وهي موجودة وقوية وقادرة على المواجهة والتحاور، ومواجهة التحديات القائمة.
بالإضافة إلى تفعيل عناصر التجديد والإجتهاد. ومحاولة التأصيل، لكل ما هو جديد. هناك أسئلة ومشاغل في العصر، لانجد لها إجابات لأنها لم تكن مطروحة في العهود السابقة، ولأن باب الإجتهاد كان قد أغلق بتقاعسنا. وليس بأمر سلطوي كما قيل. نحن بحاجة لقراءة تراثنا، والإجابة على أسئلة ومشاغل العصر وما يمكن أن تقدمه الثقافة الإسلامية بعد ذلك للعالم، فهذه الثقافة يمكن أن تقدم الكثير، لانها ثقافة انسانية عامة، قادرة على توصيل نفعها وفائدتها وخيرها للعالم بأجمع، ويمكن أن يتلقفها العالم بمختلف مستوياته، لأن لها عمقاً وبعداً إنسانياً. كما كان لديها مساهماتها المتميزة في الجوانب العلمية والتقنية وغيرها. لكن التخلف والواقع الذي نعيشه، انعكس على مساهمة ثقافتنا وقدرتنا على مواصلة هذا التقدم. والكثير من العلوم والتقنية الحاصلة اليوم هي بضاعتنا ردت إلينا. إن لنا رصيداً مهماً في عالم المعرفة يمكن استئنافه من جديد بعد هذ الإنقطاع.
هناك أيضاً تحديات آنية تتمثل في المس بالهوية ومحاولة إلغاء الخصوصية، وهذا تحدٍّ كبير. وما يتبعه من إلغاء للسيادة السياسية، والمشكلة إننا لانمتلك في الواقع مشروعاً متكاملاً لتحصين أو مواجهة هذه التحديات.

هذا هو التحدي القائم الآن، لذلك يجب أن يكون هناك محاولات للتوعية والتنبيه، والتفكير في كيف يمكن أن نعيد صياغة انساننا، من خلال التربية والتعليم ليستطيع مواجهة هذه التحديات. خصوصاً وأن هناك محاولة لتعويم الملامح الإسلامية ضمن شخصية منكرة غير معروفة للعالم الإسلامي. إضافة إلى ذلك على العقل المسلم في هذا العصر أن يعيد توجيه نفسه صوب المناطق التي يحتاج إليها الإجتهاد الإسلامي في هذا الظرف. فهناك العديد من القضايا لاتزال الأسئلة حولها تبحث عن إجابة، ولازالت هناك ساحات خالية من الفعل والعمل الإسلامي عموماً أو في واقع المسلمين.
لا بد أن يكون هناك تصويب لهذه الإتجاهات وبناء العقلية المسلمة بالإنفتاح ودون تعصب أو محاولة لقولبة هذه الأفكار في أطر ضيقة لابد أن يكون هناك انفتاح على العالم وقراءة لثقافاته، والتفكير في كيفية اعادة تقديمها للمجتمع المسلم.
نحن لن نستطيع تحصين مجتمعاتنا من هذه التحديات التي تواجهها بسبب العولمة الثقافية، من خلال منعها من التواصل مع هذه الأقنية الفضائية التي توفرت في العصر الحديث، وصارت تخترق كل مكان في عالمنا، نحن نستطيع أن نحصّنهم من خلال التربية والتعليم وأيضاً من خلال تفهيم هذا الجيل حقيقة هذا الدين وقدرته على العطاء، وقدرته على التحدي والبقاء ضمن القوى الموجودة الآن. ثم بعد ذلك يمكن أن نترك له المجال لكي يقف بنفسه ليواجه ويحاور.
هذه الأمور تحتاج إلى مواجهة فردية، نحن بحاجة إلى مواجهة جماعية ومؤسسية، ليس من خلال شخص يكتب كتاباً أو مفكر يرد على شبهة معينة، وإنما من خلال مؤسسات بحثية تستطيع أن تواجه مشاغل العصر، وترد على التساؤلات، وتستشرف المستقبل لتقدم رؤية واضحة لهذه المشاكل.

أن يكون هناك مخططات ثقافية لمواجهة العولمة، تأخذ بأساليب العلم، وتستفيد من التقانة الموجودة، وتطور نفسها. طبعاً نحن أقدر الناس على الإجابة على تساؤلاتنا، وأقدر على معرفة مشكلاتنا وأزماتنا، لهذا سنكون أقدر على معالجتها من غيرنا.
التغريب الثقافي الذي يأتي من الخارج من خلال هذه العولمة الثقافية يمكن أن يطول أن يقصر، من خلال جهدنا. إذا لم يكن هناك أي جهد أو أية مخططات ثقافية لمواجهته، فسيطول هذه الإغتراب، أما إذا وجدت مخططات ثقافية فيمكن أن تختصر هذه المدة. ونستطيع أن نخفف من هذه التأثيرات.
أما التحديات السياسية، فالثقافة هنا يجب أن تنبني على مفهوم الديمقراطية، ولانخوض في إشكالات المصطلحات والأشكال، وإنما نقصد بذلك الإنطلاق من قاعدة الحرية، لأن الحرية هي مجال الإبداع. يمكن أن يكون هناك تعدد في الرؤى ضمن الإطار العام الواحد. ويمكن أن يكون هناك تعدد في الأحزاب، في الوسائل والآليات. فهذا المناخ الديمقراطي القائم على هذا الجانب، هو الذي بإمكانه أن يواجه هذه التحديات. ونحن لازلنا نعاني في هذا الجانب، في جماعاتنا وحركاتنا وأحزابنا، وداخل مؤسساتنا، بل داخل الأسرة. نستطيع أن نقول بأن هناك معاناة في هذا الجانب، جانب الحرية والديمقراطية. ومازلنا بشكل عام وفي أغلب المجالات، نعاني من الكبت. لذلك نحن بحاجة لتنفتح قوانا السياسية، على التعدد والتنوع ضمن الإطار العام الواحد، لأن هذا سيقوي إمكاناتنا لمواجهة تحديات العولمة الثقافية والسياسية.

* رئيس مركز دراسات المستقبل/ اليمن.