شعار الموقع

أي موقع للثقافة الإسلامية في ظل ثورة المعلومات وتحديات العولمة!

ابراهيم القادري بوتشيش 2004-10-15
عدد القراءات « 645 »

لا أحد يجادل في الطفرة المذهلة والمتلاحقة التي حققتها الثورة المعلوماتية المعاصرة علىالمستوى المعرفي فقد قلبت الموازين وافرزت تغيرات في المواقع والمواقف. ولا غرو فقد اتسعت دائرة الإعلام اتساعاً قل نظيره وتراجع دور الصحافة، واصبحت البيوتات التي لاتتوفر على الحواسب والمؤسسات على شبكة المعلومات (انترنيت) مسألة قد لاتصدق.
والواقع أن ما يمكن أن يميز الفكر العربي الإسلامي اليوم هو قلقه الغني حول موقع الثقافة الإسلامية في ظل هذا التنامي للمعلوماتيات، التي أصبح بإمكانها تكسير عملية احتكار المعرفة، لكن السؤال الذي يطرح بحدة هو: ما الأسلوب الذي يمكن من خلاله التعامل مع تحديات الثورة المعلوماتية؟
لنقل بصراحة أن بُعد ثقافتنا عن مجال المعلوماتية وعدم الإفادة منها يعني آلياً تخلفها وابتعادها عن مواقع التواجد وتأكيد الذات، فقد أصبحت الإنجازات في مجال المعلومات قدرنا الذي لامحيد عنه، وأصبح «المجتمع المعلوماتي» وحده القادر على انتاج الإنسان المؤهل لخوض المعركة الحضارية القادمة، لذلك فإن تعميم شبكة المعلومات والإتصالات في كافة المؤسسات المعرفية أصبح «فرض عين».
لقد صار بإمكان المثقف اليوم الإتصال بأقصى مكتبة ودخولها واستغلال ما فيها من وثائق ومصنفات دون تحمل مشاق السفر، وعاد بإمكانه قراءة الجرائد العالمية التي كانت بالأمس مهمة صعبة التحقيق، ومن ثم نفهم كيف أن التعامل مع نظام المعلومات أصبح قدراً‏محتوماً، لذلك يصبح إدماج السياسة الثقافية ضمن وسائل المعلومات أمرٌ لامفر منه لكن في تصوري يجب ـ لنجاح التحدي ـ عدم نهج أسلوب التبعية في هذا المجال أوبمعنى آخر يجب أن لاتكون ثقافتنا الإسلامية مقتصرة على استهلاك النظام المعلوماتي دون أن تكون طرفاً مساهماً في انتاجه وأن تسخر نتائجه لخدمة نفسها حتى يتم الدمج العضوي بينهما. وهذا أمر يتطلب إعداد أطر عربية اسلامية كفؤة من منتجي النظام المعلوماتي وتأهيلهم لتحمل مسؤولياتهم. كما يجب أن يرتكز النظام التعليمي الإسلامي على شبكة المعلومات ويفرض تدريس الإعلاميات في كل المؤسسات التعليمية وأخيراً يجب في نظري أن يتم التعامل مع النظام المعلوماتي ليس تعاملاً سطحياً بل تعاملاً علمياً يعرف كيف يستغل الأرقام ويفهم الدلالات والنتائج.
من ناحية أخرى يمكن استغلال هذا النظام لتقريب المسافة مع الغرب وجعله يدرك حقيقة الإسلام وتصحيح نظرته للثقافة الإسلامية كما أن التراث نفسه في حاجة ماسة إلى نظام المعلومات وذلك باستغلاله لحفظ هذا التراث وقراءته قراءة علمية.

الثقافة الإسلامية وتحديات العولمة

موضوع الثقافة الإسلامية وتحديات العولمة إذا أخذنا بتعريف الثقافة بأنها مجموعة الحقائق والمعارف العمومية عن المجتمع والطبيعة والكون، وبالمعنى الإنتروبولوجي في نفس الوقت، وهو المعنى الذي يشمل جملة أنماط السلوك المشتركة السائدة في المجتمعات، أمكن القول بأن الثقافة الإسلامية جزء لايتجزأ من الثقافة العالمية، لذلك فإن الإندماج في ثقافة عالمية يصبح أيضاً قدرنا المحتوم! ومن الخطأ الفادح ـ في نظري ـ بقاء ثقافتنا على هامش العولمة، بل يجب أن توجد أرضية للحوار والإستيعاب والتأثر مع الثقافات الأخرى. ومن هذه الأرضية يمكن أن تتعامل ثقافتنا لإقناع الآخر بأنها ثقافة غير متقوقعة على ذاتها، لاتشرع نوافذها أمام تيار الثقافات العالمية وتبرهن على أنها ثقافة متسامحة تتعايش سلمياً ولاتتصادم مع الثقافات الأخرى وتؤكد أنها تفضل العيش في المسار المتصل لا المنفصل.

وفي إطار التعامل داخل هذا الإطار من العولمة أحسب أن الثقافة الإسلامية ينبغي أن تستجمع كافة قواها وتنطلق من منطلق الثقافة الموحدة، وتوسع خارطتها لتشمل مسلمي آسيا وأوروبا، لما يشكلونه من ثقل تكنولوجي. كما أحسب انها يجب أن تتخلص من مجموعة من الشوائب ومنها إلغاء التصور الماضوي الذي شكّل دائماً خلفيتها المرجعية إلى الآن، وأن تندفع نحو الحداثة، دون التفريط بذرة من الأصالة، وذلك حتى تستجيب لمتطلبات المتغيرات العالمية، وأن تنزع عن نفسها ما حملته معها إلى اليوم من أوهام عاطفية غير عقلانية، كوهم الزعامة والسيادة العالمية، ووهم المؤامرة التي تحاك ضدها.. كما أن ثقافتنا يجب في المرحلة الجديدة من العولمة أن تؤطر المثقفين على نحو مؤسسي جماعي لافردي. فالتجمعات السياسية التي يشهدها العالم لاتواجه إلا بتجمعات ثقافية أيضاً. كما أن تحديات العولمة تفرض كذلك تكسير أي ديكتاتورية فكرية وإشاعة الحرية والحوار الديمقراطي، لأنه لاعيش لإرهاب فكري في ظل نظام عالمي تشكل الديمقراطية حجر الزاوية في بنائه.
ولكي نصل إلى الشراكة في انتاج المعرفة مع العوالم الأخرى، بما يجعلها تحترم ثقافتنا، يجب أن نوظف أولاً هذه الثقافة لخلق شعب قارئ، ووعي جماعي، وذلك عن طريق الإهتمام بمجالات التعليم. وذلك من أجل تأكيد الهوية الإسلامية، مع ضرورة الأخذ بعين الإعتبار قضية التحرز والحذر من التعامل مع الفكر الصهيوني، الذي يتوخى تذويب الثقافة الإسلامية، أما الجانب المادي من هذا المشروع العالمي فيتطلب تخصيص قدر مهم من الميزانية لإنجاحه.


* أستاذ في جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان، كلية الآداب، قسم التاريخ. من المغرب