شعار الموقع

تقارير ومتابعات

قسم التحرير 2004-10-15
عدد القراءات « 508 »

الملتقى الثامن لأجيال علماء الاجتماع العرب

بدعوة من جريدة السفير والجمعية العربية لعلم الاجتماع وبالتعاون مع معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية والجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع، عقد في بيروت بين 16 و26 آب (اغسطس) 1998م، ملتقى أجيال علماء الاجتماع العرب الثامن، وكانت اللقاءات السابقة قد عقدت في كل من تونس (لقاءان) والمغرب (لقاءان) ومصر (لقاءان) كذلك. ولقاء واحد في لبنان.

وهذا اللقاء يقود سنوياً بشكل دوري في الدول العربية. ويجتمع هذه السنة في بيروت قرابة (25) باحثاً من دول عربية لمناقشة بحوثهم، وهي عبارة عن مشاريع دراسات عليا، ماجستير ودكتوراه، ويشارك في المناقشة نخبة من علماء الاجتماع في العالم العربي. أما الغرض من هذه المناقشات فهو علمي، يمكن الطلبة والباحثين الجدد من اعادة النظر في بحوثهم، من خلال النقد والملاحظات التي سيقطمها كل من الطلبة والأساتذة الذين سيستمعون لهذه البحوث. وقد تبين من خلال اللقاءات الماضية ـ كما يقول ـ الدكتور الطاهر لبيب رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، أن كثيراً من المشاركين يعدلون تعديلاً جوهرياً رؤيتهم لبحوثهم. وقد يعدلون عنها تماماً عندما يكتشفون أنها غير قابلة للتحويل إلى موضوعات سوسيولوجية...
كما يمكن الأساتذة والمشرفين على البحوث من الاطلاع على اهتمامات الطلبة المختلفة، من خلال اختلاف وتنوع انتماءاتهم الاجتماعية والفكرية.

ويشكل اللقاء مناسبة لالتقاء أجيال الطلبة الجدد المتخصصون في علم الاجتماع بالأجيال التي سبقتهم من أساتذة وباحثين وعلماء اجتماع من مختلف جمعيات علم الاجتماع العربية، مما سيمكن الطرفين من معرفة الاتجاهات التي ينحو علم الاجتماع العربي باتجاهها، والقضايا التي تقلق الجيل الجديد. وتحتاجه منه لمعالجتها ودراستها.

أعمال اليوم الأول

 ترأس الجلسة الأولى الدكتور مصطفى التير (الجامعة الليبية)، وقدمت الطالبة سميرة الزعيبي (جامعة تونس الأولى، قسم علم الاجتماع) بحثاً لنيل شهادة الديبلوم، تحت عنوان: «الأنا والآخر في مقدمة ابن خلدون» في محاولة للاجابة على إشكالية تطرحها حول من هو الآخر في مقدمة ابن خلدون، وما هي ملامحه وصورته؟ وكيف تصور ابن خلدون الآخر. وبالتالي معرفة صورة الآخر في احدى جوانب الثقافة العربية.


البحث الثاني هو ملخص لدراسة قدمتها الطالبة لطيفة بلحارث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع، تحت اشراف د. الطاهر لبيب وعنوانها: «سوسيولوجيا التجلي: دراسة ميدانية في الوسط الطلابي (كلية الآداب 19 ابريل نموذجاً». وقد اهتمت هذه الدراسة برصد مجموعة من التجليات داخل هذا الوسط، لضبط الملامح العامة لسوسيولوجيا التجلي، لمقاربة آليات التجلي في مجالات اللغة والسلوك، وكيف تتداخل الأنماط الثقافية. وما هي حدود التجلي في ميادين الدين والأخلاق والسياسة والاجتماع والتراتب الاجتماعي، من خلال هذه المقاربة للوسط الطلابي كعينة وموضوع للبحث.
الجلسة الثانية ترأسها الدكتور علي فهمي (باحث في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة). وقدمت فيها الطالبة أميمة محمد أبو الخير (جامعة القاهرة ـ كلية الآداب، قسم علم الاجتماع) للمناقشة بحثاً حول: «تصورات المثقفين المصريين لمشكلات المجتمع المصري» في محاولة لكشف أولويات هذه المشكلات الاجتماعية في نظر المثقفين. وما هو الدور الذي يتصوره هذا المثقف لنفسه داخل ومن خلال هذا الكشف أو الرصد، تستطيع الباحثة أن تحدد مدى فاعلية دور المثقف داخل المجتمع المصري، كما تتمكن من معرفة منهجه في التفكير وكيف يعالج مشكلات مجتمعة وما هي العوامل التي تؤثر في رؤيته وحلوله المقترحة. والنتيجة التي تود هذه الدراسة الوصول إليها هي محاولة لرسم خريطة لمشكلات المجتمع المصري من خلال رؤية المثقفين لها. ودورهم في معالجتها.
رفيف رضا الطالبة في معهد العلوم الاجتماعية (الجامعة اللبنانية ـ الفرع الأول) قدمت للمناقشة بحثاً لنيل درجة الدكتوراه عن «الحرب اللبنانية والنظرة الروائية إليها: 1975ـ1995م» تحت إشراف الدكتور أحمد عبد اللطيف بيضون. تحاول فيه البحث عن علاقة المواضيع الروائية بالواقع الاجتماعي، وذلك من خلال قراءة في مؤلفات (13) روائياً.

أعمال اليوم الثاني

 خلال الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور أحمد بعلبكي (الجامعة اللبنانية) قدم الباحث الطالب السعيد صابر المصري (جامعة القاهرة، كلية الآداب، قسم علم الاجتماع)، خطة مسجلة لدرجة الدكتوراه تحت عنوان: «التراث الشعبي والبناء الطبقي: دراسة لعمليات انتاج الثقافة الشعبية وتداولها بين فقراء الحضر في القاهرة». بإشراف الدكتورين محمد الجوهري وأحمد زايد. يحاول المصري أن يجيب من خلال خطته على مجموعة من الأسئلة وخصها حول مفهوم الطبقات الدنيا الحضرية، وهل بإمكانها أن تنتج الثقافة أم أنها تظل مستهلكة لما تنتجه الطبقات الأخرى. بالاضافة إلى محاولة تطوير مفهومي الانتاج والتداول الثقافي في ميدان المعتقدات والمعارف الشعبية والعادات والتقاليد وفنون المحاكاة والأدب الشعبي.
الطالبة نهاية الحمامي (كلية العلوم الانسانية والاجتماعية (9 ابريل)، تونس) قدمت بحثاً بعنوان: «وضع الدراسات عن السيرة الهلالية، تصنيف وتحليل المقاربات» لنيل شهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع، وقد تناولت في بحثها السيرة الهلالية بين الواقع والخيال، والتطور التاريخي للدراسات الهلالية ارتكازاً على أربعة عناصر هي: الهلاليون في مقدمة ابن خلدون والدراسات عن السير الهلالبية في القرن التاسع عشر، ومنذ بداية القرن العشرين إلى منتصفه. كما قامت بتصنيف المقارات الأدبية واللسانية والأنثروبولوجية، وخصصت فصلاً للمقاربة السوسيولوجية الجلسة الثانية ترأسها الدكتور علي بزي (الجامعة اللبنانية) وعرضت فيها ثناء خليل القادري (معهد العلوم الاجتماعية ـ الجامعة اللبنانية) مشروع دراسة لنيل شهادة دكتوراه في علم اجتماع التنمية تحت عنوان: «الموارد البشرية في القطاع العام اللبناني: واقعها وآفاق تنميتها»، استندت الدراسة إلى عينة من العاملين في القطاع العام وإلى دراسة عملية عن القطاع الخاص، بالاضافة إلى مقارنات مع دراسات عربية منجزة في هذا المجال. وقد عالجت الدراسة مجموعة من القضايا من أهمها معاناة القطاع العام من التدخل السياسي مما يضعف فاعليته كما أكدت على ضرورة وأهمية تنمية المور البشري لأن له تأثيراً كبيراً في تفعيل الانتاجية وتحسين المردودية. أما الطالب أشرف عبد الوهاب أو فراج (جامعة حلوان، كلية الآداب، قسم الاجتماع) فقد قدم بحثاً لنيل درجة الماجستير في الاجتماع حول: «نظم التعليم وبطالة قوة العمل» (دراسة ميدانية لبطالة المتعلمين في الريف. باشراف الدكاترة محمد الجوهري ومحمود عودة وأحمد زايد) يحاول أبو فرج أن يقدم تحديداً وصفياً للخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين العاطلين في الريف. مفسراً ظاهرة البطالة من خلال نظرية بورديو الفرنسي. كما قدم الباحث احصائيات لمعدل البطالة (1.5 مليون) عاطل عن العمل من اجمالي (15.5 مليون) من اجمالي القوى العاملة.

أعمال اليوم الثالث

الجلسة الأولى ترأسها د. محمد حافظ دياب وقدم فيها الطالب مأمون طربيه (لبنان) أطروحة ميدانية مقارنة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية تحت اشراف د. فريديريك معتوق. بعنوان: «القرية اللبنانية في عصر التلفزيون: بنية معرفية بين الثابت والمتغير» وقد حاول فيها أن يرصد المتغيرات الكثيرة التي أحدثها وجود التلفزيون داخل القرى اللبنانية، وقد انحصرت دراسته في قرى تعود لطوائف مختلفة لكن انتقاءه جاء مراعياً الأكثرية الدينية والمذهبية لكل منطقة. وقد وجه المشاركون عدة انتقادات لهذه الدراسة، كما ساهم الأساتذة المشاركون في تقديم بعض التوجيهات. الدراسة الثانية قدمها بسيم أبو شقرا (لبنان) حول: «حدود وامكانيات التشكل المديني في بعلبك: دراسة مونوغرافية» وهي تحت اشراف د. أحمد بعلبكي. وقد اتخذت من منطقة بعلبك حيزها الجغرافي لبحث قضية الخدمة الاجتماعية ومساهمتها في التنمية المحلية.

الجلسة الثانية ترأسها د. عبد الباسط عبد المعطي، وعرضها فيها الطالب محمد حاكم جهادي (مصر) دراسة بعنوان: «الانتفاضة الحضرية: دراسة حالة لمدينة القاهرة، رؤوس أفكار أولية للنقاش». متحدثاً عن الهجرة القروية إلى المدينة، وخيبة أمل المهاجرين عندما يصطدمون مع الواقع المديني وبالتالي اندفاعهم للتحالف مع فقراء الحضر، مما يعيد رسم الحدود بين قطاعات مختلفة بالنسبة للمشاركة السياسية. وقد أثارت هذه الدراسة عدة نقاشات وتعقيبات وملاحظات وتوجيهات من طرف الأساتذة أما ابتسام تعطيات (الاردن) فقد قدمت دراسة بعنوان: «الدولة الريعية والمجتمع المدني ومجتمع مدني ريعي في الاردن؟» كمشروع بحث لنيل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي.

أعمال اليوم الرابع

ترأس الجلستين الأولى والثانية الدكتور شبيب دياب (الجامعة اللبنانية)، وقدم فيها طلاب من الاردن ثلاث دراسات للبحث والمناقشة الأولى لاسماعيل محمد الزيود، وهي رسالة لنيل درجة الماجستير في علم الاجتماع من الجامعة الاردنية حول: «العشيرة والانتخابات في الاردن» يعدها تحت اشراف د. موسى اشتيوي، الثانية بعنوان «أنماط السلوك القيادي في المنظمات غير الحكومية في الاردن» وهي مشروع دراسة لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، قدمتها الطالبة رنا الترك.

الدراسة الثالثة كانت بعنوان: «أثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر المسيئة للطفل في المجتمع الاردني» وهي للطالبة رانية أحمد جبر كمشروع دراسة لنيل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع.
اليوم الأخير من أعمال الملتقى خصص لعرض مجموعة من البحوث والدراسات، حيث قدمت مريانا الخياط الصوري (معهد العلوم الاجتماعية ـ الجامعة اللبنانية) بحثها لنيل شهادة الدكتوراه في علم اجتماع السكان عن «المجال ومفاعيله الديمغرافية والاجتماعية: دراسة المجتمع الريفي ـ غربي بعلبك»، وقدم محمد تغلب ياغي (معهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية)، دراسة لنيل شهادة الدكتوراه تحت عنوان: «الرعاية الاجتماعية واشكالية العمل الرعائي في لبنان». وقد تناولت دراسته تطور مفهوم الرعاية الاجتماعية السائد في لبنان وأشكاله، ومقارنته مع المفهوم الغربي الرأسمالي للرعاية، ليتمكن من معرفة أوجه التشابه والاختلاف بينهما.

أما سهام العامري (جامعة تونس الأولى، كلية الآداب 9 ابريل) فقد قدمت مشروع أطروحة لنيل درجة الدكتوراه حول: «العائلة التونسية في المهجر: الصورة والواقع». وعرض الطالب عبد السلام محمد (جامعة الاسكندرية، كلية الآداب، قسم الانتروبولوجيا) خطة بحث لنيل درجة الماجستير حول موضوع: «الجوانب البيولوجية والاجتماعية للزواج الداخلي والتعددي في مجتمع تقليدي» (دراسة في الانتروبولوجيا البيولوجية في مجتمع جزيرة المنصورية (بكوم امبو) محافظة أسوان). وقد ترأس الجلستين كل من الدكتورة دولت خنافر والدكتور حلمي شعراوي.

لقد تم خلال أيام اللقاء عرض (19) بحثاً عن أربعة دول عربية هي لبنان وتونس والاردن ومصر وقد أظهرت البحوث المقدمة الاهتمامات التي تستحوذ على مجالات البحث في كل بلد: فكما يقول عبد الله محيي الدين (باحث اجتماعي وعضو في الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع) إن اطلالة سريعة على مواضيع أبحاث الطلاب الاردنيين تشير إلى مدى تأثر المجتمع الأردني ومؤسساته التعليمية بالخطاب الذي حملته العولمة وبالمشكلات التي ركزت عليها، كما يشير العرض لموضوعات الأبحاث الاردنية إلى سيطرة مفاهيم مثل «المجتمع الاردني» تنظيمات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية من دون وجود نقاش لهذه المفاهيم..
أما الأبحاث التونسية فتشير إلى سيطرة صورة الأنا والآخر في الثقافة العربية وفي الخيال العربي.. ويشير التركيز على صورة الأنا والآخر إلى القلق الذي تعاني منه مجتمعات المغرب العربي حول صورتها نتيجة لدور الاستعمار الفرنسي والأثر الذي تركه. كما يلاحظ في هذه البحوث الاهتمام بسوسيولوجيا المعرفة والابتعاد عن الفروع الأخرى السياسية والتنموية.
الأبحاث المصرية تعاملت مع مشكلات وظواهر اجتماعية أساسية متنوعة. وهذا يكشف عن الدور الفاعل الذي مازال علم الاجتماع يعيشه في المجتمع المصري. ودور الجامعة المصرية في تفعيل وتنشيط هذا الدور. أما الأبحاث اللبنانية فقد أخذت منحى متنوعاً يتربط بخصوصياً الوضع اللبناني الخارج من حرب طائفية مدمرة.

وكما يقول محيي الدين فقد أظهرت البحوث وجود باحثين واعدين يعملون على اشكاليات مهمة ولديهم امكانات تؤهلهم لأن ينتجوا إضافات لعلم الاجتماع العربي.
الطلبة المشاركون في هذا اللقاء تحدثوا عن استفادتهم من أجواء اللقاء والملاحظات التي تقدم بها كل من الأساتذة والطلبة حول البحوث المقدمة. واعتبروا ان اللقاء كان تربة خصبة للتعرف والتلاقي والحوار مع أساتذة وعلماء اجتماع من مختلف الأقطار العربية.
هذا وقد صاحب الملتقى عقد ندوة حول: «العرب بين الحتمية والمبادرة التاريخية» فقد ترأس الجلسة الأولى العميد محمد شيا، وتحدث فيها الفضل شلق عن: «اشكاليات الحتمية والارادة» ود. الطاهر لبيب عن «الحتمية والمبادرة من الملحمي إلى التراجيدي». وتحدث د. الطيب تزيني عن «المشروع العربي النهضوي المحتمل بين الارادوية والحتمية التاريخية» كما تحدث حلمي شعراوي عن «العرب بين الخروج من التاريخ وانفتاح الأفق».
الجلسة الثانية ترأسها د. الطيب تزيني وألقى فيها عبد الباسط عبد المعطي دراسة حول «النسبية التاريخية العربية، ماذا لو؟». وتحدث علي فهمي عن «الحتمية التاريخية بين الممكن والمجال»، كما تحدث مصطفى التبر عن «تحديث المجتمع العربي بين حتمية النموذج الغربي وتطوير النموذج المستقل» وفارس أبي صعب حول: «حتمية الحداثة».
في اليوم الثاني عقدت الجلسة الثالثة التي ترأسها عبد الباسط عبد المعطي، وتحدث فيها د. رضوان السيد عن «المسألة الثقافية في المأزق العربي الراهن» ومحمد حافظ حول «الهاجس العربي: مقاربة مفاهيمية». كما تحدث حيدر ابراهيم عن: «العرب: المبادرة التاريخية ومعرفة الذات» وكذلك عاطف عطية حول «العرب بين وعي الذات والمعرفة: الحالة اللبنانية نموذجاً».
أما الجلسة الرابعة فترأسها ملحم شاوول وتحدث فيها عادل الهواري عن «الأمة العربية بين الواقع والخيال» وسالم ساري عن «عولمة العرب: خيار أم قرار». وأخيراً تحدث الزبير عروس عن «العولمة وسلطة التقاليد في الجزائر».

ندوة: العطاء الفكر لأبي الوليد ابن رشد

بمناسبة مرور 800 سنة على وفاة الفيلسوف الأندلسي المسلم، أبي الوليد ابن رشد، نظمت خلال هذه السنة مجموعة من الندوات والمؤتمرات، في عواصم عربية وأوروبية. الندوة الدولية الأولى انعقدت في دمشق (سورية) بين 7ـ10 شباط (فبراير) 1998، ونظمها المعهد الكتلاني للمتوسط، وكلية الآداب في جامعة دمشق والسفارتين افسبانية الموريتانية. ثم تلتها ندوة تونس بين 16 و21 شباط من نفس السنة. وقد نظمها المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة)، بالتنسيق مع المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (الاليسكو)، والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) واليونسكو.
ونظم بيت الحكمة في بغداد ندوة حول ابن رشد كذلك بين 2ـ3 أيلول (سبتمبر) 1998م. كما عقدت في مراكش (المغرب) ندوة حول الموضوع بين 9ـ13 كانون الأول (ديسمبر) 1998م. بالاضافة إلى ندوات أخرى عقدت تباعاً في كل من باريس (فرنسا)، ونابولي (ايطاليا)، وقرطبة (اسبانيا). انظر مجلة الكلمة العدد 19 ربيع 1998م. وبذلك فقد تم الالتزام الفعلي بجعل سنة 1998م سنة ابن رشد.
وفي اطار متابعة الاحتفال والاحتفاء بالمئوية الثامنة لرحيل هذا الفيلسوف الأندلسي، قبل نهاية هذه السنة، نظم المعهد العالي للفكر الاسلامي (واشنطن) بالتعاون مع جامعة آل البيت (الاردن) حلقة دراسية بهذه المناسبة تحت عنوان:
«العطاء الفكري لأبي الوليد ابن رشد» وذلك في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1998م المحاور التي ناقشتها هذه الحلقة الدراسية كانت متنوعة، منها الحديث عن المرحلة الزمنية التي ظهر فيها ابن رشد، طبيعة الخطاب الاسلامي عنده، موقفه المتميز من التأويل، والكشف عن الجهود التي بذلها للتوفيق بين الحكمة والشريعة وبين العقل والنقل. وكذا اهتمامه بتعاضد الشريعة في مجال الفقه والتشريع. من جهة أخرى تناولت البحوث قضايا مهمة عالجها ابن رشد وناقشتها الدراسات المقدمة خلال الندوات السابقة، وتتعلق بتأثير الفكر الرشدي في الفكر الغربي ومساهمته في حركة الاصلاح الديني في أوروبا. ولم تهمل البحوث المقدمة كذلك الحديث عن اسهاماتها الفقهية، كما قدمت بحوث نقدية لبعض الكتابات والآراء الرشدية.
في الجلسة الافتتاحية، تحدث كل من رئيس جامعة آل البيت الدكتور محمد عدنان البخيت ورئيس المجلس العلمي للمعهد العالمي للفكر الاسلامي الدكتور اسحاق الفرحان والمدير التنفيذي للمعهد العالم للفكر الاسلامي الدكتور فتحي الكاوي، الدكتور البخيت أكد في كلمته على أهمية اعادة النظر في تجربة ابن رشد، من أجل فهم وتحليل أوسع وأعمق لما أنتجته مدرسته الفلسفية والفقهية... واشار إلى أن العطاء الرشدي يعتبر تجربة حضارية مهمة ومتميزة، وذلك لتفاعل الشريعة باعتباره كان فقيهاً مالكياً وقاضياً، مع المعطيات التاريخية المحلية التي ك انت تتحكم في الواقع الاجتماعي الاندلسي آنذاك. وتساءل الدكتور البخيت حول ضعف تأثير ابن رشد في الفكر المحلي في شمال افريقيا وفي الفكر الاسلامي اللاحق كما أثر ابن خلدون. وأضاف أن كتابات ابن رشد تميزت بالطرفة والجرأة والشفافية والكفاية والثقة. وأن علاجه لمشكلة العلاقات بين العقل والشريعة، يمكن الاستفادة منه، لأننا نواجه الآن مشكلة كبيرة هي الربط بين علوم الدين والدنيا..ýانطلقت أعمال الندوة بعرض البحث الذي قدمه الدكتور أحمد الريسوني من جامعة محمد الخامس (الرباط) تحت عنوان «المنحى المقاصدي في فقه ابن رشد»، يرى الريسوني ان الاهتمام بابن رشد انصب على فكره الفلسفي وانتاجاته في هذا المجال خصوصاً شروحاته لفلسفة أرسطو، بينما أهمل انتاجه الفقهي، فلم ينتشر منه سوى كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وقد أصاب التحريف هذا العنوان لأنه كما يرى الريسوني ليس «نهاية المقتصد» وانما «كفاية المقتصد»، أما فيما يخص مقاصد الشريعة فيقول الريسوني: «لن نكون أبداً مبالغين ولا متكلفين حين نصف ابن رشد الحفيد بأنه فقيه مقاصدي». يظهر ذلك واضحاً في كلامه عن احكام الشرع بين التعبد والتعليل، حيث «أمضى نظره التعليلي في أحكام العبادات، كإمضائه فيما سواها من المجالات التشريعية الأخرى. وهكذا وقف عند كثير من أحكام العبادات لينبه على حكمتها ومرماهخا والغرض من شرعها، وليبين ما قد ترتب أو يمكن أن يترتب على القول بهذا التعليل أو عدم القول به...» ويرى الريسوني ان اشاراته الكثيرة إلى المقاصد وهو يعالج الخلاف الحاصل بين فقهاء الأمة حول مجموعة من المسائل الفقهية ينبهنا «إلى جوانب مهمة جداً في المقاصد العليا للشريعة الاسلامية، وأعني بها مقاصدها التربوية والتعليمية والخلقية».
الدراسة الثانية التي قدمت خلال الجلسة الأولى كانت للدكتور مصطفى أحمد نجيب (جامعة البلقاء التطبيقية، عمان) تحت عنوان: «المنهج الفقهي عند ابن رشد»، تحدث الدكتور نجيب في البدايةعن حياة ابن رشد وعصره، ثم تطرق لغرض كتابته بداية المجتهد، «على جهة التذكرة من مسائل الأحكام المتفق عليها والمختلف فيها بأدلتها والتنبيه على نكت الخلاف فيها، ما يجري مجرى الأصول والقواعد، لما عسى أن يرد على المجتهد من المسائل المسكوت عنها في الشرع...» بالاضافة كما يقول الدكتور نجيب: «ان حاجة الفقهاء والمهتمين بالأحكام الفقهية أصبحت ملحة إلى مصنف يجمع شتات الآراء الفقهية المختلفةن ويبين وجهة نظر كل مذهب في مختلف القضايا والأحكام..» أما منهجه في كتابة بداية المجتهد ففيه اختلاف عن سائر الكتب الفقهية في طريقة معالجته للأبواب وما حوته من مسائل... حيث كان يرمي إلى وضع دساتير وقوانين وقواعد كلية للقول الفقهي ليرفعه من مستوى الجزئيات، والوقائع اللامتناهية إلى مستوى الأصول المقررة والقواعد الثابتة ليحقق بذلك هدفه... وهو ان يبلغ المجتهد بهذا الكتاب رتبة الاجتهاد... كما حقق في كتابه هذا كما يقول د. نجيب «الأهداف المرجوة..ýحيث كان ينظر إلى النسق الفقهي نظرة لا تختلف عن نظرته إلى النسق العلمي أو الفلسفي، من حيث كونه يقوم على مقدمات أوائل هي في هذه الحالة الأصول والمسائل المنطوق بها في الشرع. وقد عقب على هاتين الدراستين كل من الدكتور عبد الله الكيلاني والدكتور هايل عبد الحفيظ».

الورقة الأخيرة في هذه الجلسة كانت للدكتور عبد المعز حريز، بعنوان «الفكرة الأصولي عند ابن رشد»، حاول خلالها الكشف عن طريقة ابن رشد في استعمال أدلة استنباد الأحكام، من خلال كتابه مختصر المستصفى، وعقب عليه الدكتور عبد الرحمن الكيلاني.
الجلسة الثانية قدمت خلالها ثلاث أوراق الأولى للدكتور أنور الزعبي مدير التبادل الثقافي في وزارة الثقافة (الاردن) وكانت بعنوان «في مفهوم التهافت، وتهافت تهافت التهافت» يتناول هذا البحث كما يقول الزعبي مسألتين: أولاهما، مفهوم التهافت للوقوف على المدلولات التي يمكن أن يحيل إليها، وثانيهما، الحكم على كتاب أبو الوليد ابن رشد الموسوم بتهافت التهافت بأنه تهافت، ولا أقصد أن كل ما جاء فيه متساقط، بل بعض ما جاء فيه...» وبعد أن يعرض القضايا التي اختلف فيها الغزالي مع الفلاسفة وانتقدهم من أجلها، وايراد ردود ابن رشد عليه، يصل إلى نتيجة أو مجموعة من الملاحظات هي التي جعلته يرى بأن كتاب تهافت التهافت قد سقط بدوره في التهافت لأن عدداً من القضايا التي انتقد فيها الغزالي الفلاسفة صحيحة، كما ان الغزنالي استخدم البرهان في أكثر من قضية ولم يعتمد على الجدل في كل القضايا، وقد اقتطف الزعبي نصوصاً من كلام ابن رشد تؤيد ذلك. وقد عقب عليه ابراهيم العجلوني ـ الدراسة الثانية كانت للدكتور عزمي طاه (جامعة آل البيت ـ المفرق / الاردن) وهي بعنوان «مشروع التجديد الفكري عند ابن رشد وصلته بمقصد الشارع وقانون التأويل». يرى الدكتور طه ان ابن رشد لم يكن شارحاً لأرسطو فحسب وانما كان مع ذلك مفكراً مستقلاً وصاحب رسالة فكرية تجديدية وضع أسسها ومبادئها في كتابين معروفين هما: فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال. والكشف عن مناهج الأدلة. إلا أن المشاغل الدنيوية وعدم وجود متسع من العمر لم يمكناه من انجاز مشروعه على نحو؟؟؟ أما موضوع هذا المشروع التجديد فكما عبر عنه بنفسه: «أعني أن نتكلم فيها بما ينبغي أن يؤول، وأن أول فعند من يؤول، أعني في جميع المشكل الذي في القرآن والحديث...» لم يقدم الدكتور طه المعالم الرئيسية لهذا المشروع مركزاً بحثه حول مفهومي: «مقصد الشارع» و«قانون التأويل». محاول ابراز أهميتها باعتبارهما المركزين في بناء هذا المشروع الفكري التجديدي الاصلاحي وانهما يمثلان المدخل إليه.
الورقة الثالثة في هذه الجلسة كانت بعنوان: «قراءة نقدية في كتاب الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد» وقدمها الدكتور جمال أبو حسان (جامعة الزرقاء الأهلية / قسم أصول الدين). تحدث أبو حسان في البداية عن العلاقة الفلسفية القائمة بين ابن رشد وأرسطو، وأن فيلسوف قرطبة كان معجباً بأرسطو يظهر ذلك في كثرة شروحه لكلامه وذكره في كتبه ومؤلفاته. ثم يقدم أبو حسان انتقادات ابن رشد للأشاعرة الذين اعتبرهم أصحاب تأويلات مبتدعة انحرفت بهم عن الصراط المستقيم، فيرد عليه ويفند انتقاده، كما انتقد مجموعة أخرى من المفاهيم والآراء التي أفصح عنها ابن رشد في كتابه الكشف عن مناهج الأدلة.
الجلسة الثالثة والأخيرة لهذه الحلقة الدراسية، قدمت فيها ورقتان، الأولى للدكتور عامر عمار من سوريا تحت عنوان «مشروعية الخطاب الرشدي في الفكر العربي الاسلامي» يرى الدكتور عمار أن أي خطاب ثقافي يحقق مشروعيته إلا إذا امتلك القدرة على امتلاك وجوده الطبيعي والاجتماعي والذاتي على نحو انساني، بالعلاقة مع المقدس، في محاولة استقراء، وعقلنة الوجود. من أجل صوغه وتحويله من الوجود بذاته، إلى الوجود لذات الانسان. ويرى ان الخطاب الفكري الرشدي قد امتلك مشروعيته بامتلاكه غاية النشاط الانساني المعقلن لكافة الموجودات ولذاته بالحضور الإلهي. وقد عقب عليه الدكتور حمود عليمان.
الورقة الأخيرة في هذه الندوة كانت بعنوان: «ابن رشد في اللاهوت المسيحي» وقدمها الدكتور عامر الحافي. الذي أكد على أن الخطاب الفلسفي الرشدي بمضامينه الانسانية والعالمية استطاع أن يتوغل خلف التحصينات الأوروبية القروسطوية. وان اللاهوت المسيحي ما كان ليخرج من أزمته الطويلة إلا عندما شرع بالاستفادة من التراث الفلسفي الانساني وهنا يمكن الحديث عن التأثير العميق الذي أحدثه الفكر الرشدي في اللاهوت المسيحي، عندما أقبل عدد من الطلبة واللاهوتيين اللاتينيين الأوروبيين على الأخذ وقراءة شروحات ابن رشد على فلسفة أرسطو، ومعها أفكاره وآراءه التي تضمنتها هذه الشروحات. وأشار الحافي إلى أن مقل البحث مازال بحاجة إلى جهد لمعرفة العلاقة بين الفكر الرشدي وحركة الاصلاح الديني في العالم المسيحي التي قام بها توما الاكويني.

ندوة: حقوق الإنسان من وجهة نظر اسلامية

في إطار الإحتفالات بمناسبة مرور 50 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. افتتحت في مقر الأمم المتحدة في جنيف يوم 9ـ10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1998 الموافق 20ـ21 رجب 1419هـ. ندوة: «وجهة نظر الإسلام بشأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» وقد شارك فيها 20 خبيراً اسلامياً يمثلون 20 بلداً آسيوياً وافريقياً، ومتخصصون في مجال التشريع الإسلامي وحقوق الإنسان، اختارتهم منظمة المؤتمر الإسلامي التي تبنت هذه المبادرة والتي يقول أمينها العام السيد عز الدين العراقي (المغرب) بأن الندوة تشكل خطوة جديدة في مجال الحوار بين الحضارات، كما ستهم في إبراز رسالة الإسلام فيما يتعلق بحقوق الإنسان.. وتؤكد أهمية الخصائص الثقافية والدينية ودورها في الدفاع عن هذه الحقوق وتعزيزها.. أما أهم المواضيع التي عالجها الخبراء خلال هذه الندوة، فالبحث أو محاولة الكشف عن موقف الإسلام من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذا موقفه من الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية.
وبخصوص أهداف الندوة كذلك قالت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ماري ربنسون في كلمة ألقتها خلال الإفتتاح أن: «الحوار والنقاش بين الأديان عنصران مهمان في هذا البناء» وأن عقد هذه الندوة يعتبر «مساهمة في بناء حضارة شاملة تستند إلى حقوق الإنسان». كما تشكل الندوة فرصة للكشف عن مدى التطابق أو الإختلاف بين المفهوم الإسلامي للحقوق الإنسانية ونصوص الإعلان العالمي. لمعرفة جدية التحجج بالخصوصية الثقافية لرفض بعض بنود هذا الإعلان الحقوقي. وهذا الموضوع جرى تداوله ومعالجته خلال السنتين الماضيتين داخل أروقة القصر الدولي في جنيف محاولة لإيجاد الحلول للخروج من مأزق الخصوصيات التي يقدمها أصحابها كعقبة تحول دون المصادقات على الإعلانات الدولية.
المنظمات الغير حكومية لم تشارك في أعمال هذه الندوة، لكن سمح لها بحضور الجلسات بصفة مراقب، كما تمكن ممثلوها من إجراء لقاءات وحوارات مع الخبراء الحاضرين على هامش أعمال الندوة.
الكلمات التي ألقيت أجمعت كلها كما يقول الدكتور رضوان السيد (لبنان) وهو أحد الخبراء المشاركين في الندوة، على تقريض الإسلام ومدح نظمه وتشريعاته، وانتقاد المسلمين البعيدين عن هذه النظم والقوانين. مما اثار ردوداً نقدية لهذه الرؤية كما عبر عنها أحد الخبراء الجزائريين الذي لفت الأنظار إلى أن هذا الطرح الذي يذهب إلى تبرئة الإسلام واتهام المسلمين فيه إساءة للإسلام باعتباره ديناً غير ملتزم به. لذلك اقترح أن تتم دراسة الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان من خلال المسلمين الذين يعانون من غياب حقوق الإنسان في ديارهم، وليس الإسلام نفسه.
كلمة الدكتور رضوان السيد حاولت أن تجيب بطريقة غير مباشرة عن هذه المفارقة أو العلاقة السيئة بين الإسلام والمسلمين، من خلال تتبعه لتطور علاقة الفكر الإسلامي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والتي مرت في نظره بثلاثة مراحل هي: مرحلة الإعتراض الجزئي على التحيز والعجز في التطبيق، مرحلة الإعتراضات الإنسانية، ثم المرحلة الحالية التي تتميز بانفتاح نسبي وموافقة مشروطة على الدخول تحت مظلة الإعلان.
وبشكل عام فقد اتفق الخبراء المشاركون على أن مفاهيم الإسلام في مجال الحقوق تتطابق مع عدد من بنود الإعلان العالمي. كالتأكيد على حق الحياة، وحق الملكية، وحق التعليم والمساواة والعدل وحق العمل وعدم التمييز وحق تكوين الأسرة، وحرية التعبير ـ وغيرها من الحقوق المنصوص عليها. أما الإختلاف فيشمل عدداً محدوداً من البنود.
كما تطرقت البحوث للإختلاف في المرجعية الفكرية والفلسفية بين منظومة الحقوق في الإسلام والإعلان العالمي.
وقد عرض خلال أعمال الندوة إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام الذي صادق عليه مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية سنة 1990م. وكذا التطرق إلى البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدره المجلس الإسلامي الأوروبي في اجتماع بمقر منظمة اليونسكو في باريس سنة 1981م.
إن التوجه والإهتمام بالخصوصيات في مجال الحقوق الإنسانية، والإستماع إلى وجهات النظر المختلفة حولها يعتبر السبيل والمنهج العلمي والموضوعي لتوسيع دائرة الإهتمام والإلتزام بمواد وبنود الإعلانات الحقوقية الدولية، واعطائها فعلاً الفرصة العملية والواقعية لكي تصبح عالمية وشمولية وإنسانية.

 

ندوات حول الإسلام والغرب

عاملان مهمان يقفان وراء كثرة الندوات والمؤتمرات التي انعقدت خلال السنوات القليلة الماضية في عواصم غربية لمناقشة قضايا الإسلام والمسلمين. العامل الأول انتشار ظاهرة الصحوة الإسلامية. ووصول التيار الإسلامي للسلطة في عدد من الدول الإسلامية. أما العامل الثاني فهو الحديث عن صراع الحضارات المقبل، وإن الصراع الذي سيخوضه الغرب مستقبلاً بعد سقوط وانهيار المعسكر الإشتراكي الخصم التقليدي للغرب الرأسمالي، سيكون مع الإسلام والحضارة الإسلامية.
لذلك فقد سارعت الأوساط الغربية السياسية والفكرية لعقد عدة مؤتمرات وندوات، لدراسة ظاهرة الإسلام السياسي وبشكل عام دراسة الصحوة الإسلامية التي اجتاحت العالم الاسلامي في العقود الأخيرة. وأحدثت تغييرات ملموسة على أكثر من صعيد. وسعي عدد من المثقفين من العالمين الغربي والإسلامي لمعالجة أسباب الصراع، سواء جذوره الماضية أو القابلة للإنفجار في أية لحظة في العصر الراهن. وذلك لغرض نزع فتيل الإنفجار وتحجيم الصراع، وإحلال الحوار محل الصدام. بالإضافة إلى عوامل أخرى منها ازدياد حجم الجاليات المسلمة داخل الدول الأوروبية. وكون الإسلام أصبح ثاني ديانة بعد المسيحية هناك. وهذا الوضع الجديد يتزامن مع شروع الدول الأوروبية في تنفيذ الخطوات السياسية والاقتصادية لإعلان الوحدة الأوروبية الشاملة، التي ستعمل على تحقيق الإندماج الثقافي بين شعوبها، الوضع الذي سيطرح عدة تحديات أمام الجاليات الإسلامية التي تعتبر من أهم الجاليات تشبثاً بخصوصياتها الدينية وتقاليدها وأعرافها الإجتماعية.
هذه المشاكل أو الإشكالات والقضايا الحساسة، سواء داخل أوروبا أو خارجها، جعلت الإهتمام بالإسلام وجالياته المقيمة في أوروبا خصوصاً، يتوسع بشكل كبير في الآونة الأخيرة. حيث عقدت عدة ندوات ومؤتمرات في عواصم أوروبية وعربية. هدف منظموها معالجة هذه القضايا بموضوعية ما أمكن ترصد الواقع وتكشف عن تداعياته السياسية والإجتماعية. وذلك لإتخاذ المواقف المطلوبة. ومن خلال تتبعنا لبرامج مجمل الندوات والمؤتمرات التي عقدت نجد أن محورين أساسيين دار الحديث حولها، وحاولت الدراسات والبحوث المقدمة، تقديم مقاربات علاجية لهما: قضية اندماج الجاليات المسلمة في الواقع الاوروبي، بعدما أصبحت جزء منه، يتعذر فصلها عنه، ومناقشةýأسباب الكراهية والخوف أو الإسلاموفوبيا كما تسميها وسائل الإعلام الغربية باعتبارها ظاهرة ملموسة وتشهد بعض الحوادث المؤلمة بين الحين والآخر، حيث تتعرض الجاليات الإسلامية لموجات من التشهير والمضايقة وصولاً إلى التصفيات الجسدية. بل تطورت في بعض المناطق إلى حرب إبادة منظمة في إطار مشروع سياسي تتداخل فيه المصالح المحلية بالعالمية.
وقد انعقدت مؤخراً ندوة ومؤتمر في كل من عمان (الأردن) ولندن، الأولى لتعميق الحوار بين الإسلام والغرب، أما المؤتمر فخصص لعلاج مشاكل الجاليات الإسلامية في أوروبا، كما صدر بيان توجيهي حول الحوار المسيحي الإسلامي في ختام مؤتمر الاساقفة الكاثوليك في فرنسا، الذي أقر وثيقة مهمة تخص بعض الحقوق والواجبات التي تتعلق بوضع الجاليات الإسلامية في أوروبا.
فيما يلي استعراض لفعاليات كل من ندوة عمان ومؤتمر لندن ومضمون الوثيقة المسيحية الخاصة بحقوق المسلمين.

لندن: مؤتمر «الجاليات المسلمة في أوروبا».

بدعم من الإتحاد الأوروبي نظم معهد العلوم الإجتماعية المقارنة التابع لجامعة برلين، ومعهد العلوم الإقتصادية والسياسية التابع لجامعة لندن، ومشاركة مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية، مؤتمراً‏علمياً لبحث قضايا وشؤون الجالية المسلمة في أوربان وذلك بين 8-11 تشرين أول (أكتوبر) 1998م. شارك في المؤتمر ما يزيد عن (35) باحثاً قدموا من الجامعات الأوروبية المختلفة. وجاءت البحوث المقدمة معززة بالوثائق والإحصاءات وذلك في محاولة لرصد التواجد الإسلامي في أوروبا بعيداً‏عن التشويش والحملات الإعلامية التي تشنها بين الحين والآخر بعض وسائل الإعلام لتخويف المجتمع الغربي من انتشار الإسلام بين ربوعه وجغرافيته السياسية مستغلة بروز بعض المظاهر الإسلامية مثل انتشار بناء المساجد وارتداء المسلمات للحجاب الشرعي. بالإضافة إلى معالجة المشاكل العويصة والمعقدة التي تتخبط فيها الجاليات الإسلامية هناك.
الجلسة الأولى من أعمال المؤتمر استضافتها مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية حيث تناول الكلمة الإفتتاحية السيد عبد المجيد الخوئي الأمين العام للمؤسسة، الذي رحب بالمشاركين ودعاهم لمناقشة وضع الجاليات المسلمة بروح علمية وموضوعية بعيداً‏عن التعصب الديني أو العلماني، وأشار إلى بعض الممارسات التي تمس حقوق المسلمين في بعض الدول الأوروبية تحت ذرائع مختلفة. مدير معهد العلوم الإجتماعية في برلين الأستاذ الجامعي ياخن المتخصص في شؤون الأقليات، طلب من المشاركين الكشف عن أسباب الخوف من الإسلام أو (الإسلاموفوبيا)، ومشيراً إلى أن «الهوية الدينية التي يتميز بها الفرد المسلم ذات تأثير قوي على شخصيته، وتعد من أهم الميزات التي ينتمي إليها أبناء الجاليات المسلمة في أوروبا». لذلك لابد من أخذ هذا الإعتبار عند معالجة أسباب ومعوقات الإندماج في المجتمعات الأوروبية.
ولي عهد الأردن الأمير حسن الذي عرضت كلمته عبر الأقمار الصناعية قال: بأن ماجرى في البوسنة يدعونا إلى أن نضع قضية «الإسلاموفوبيا» بالأهمية نفسها التي وضعت فيها أوروبا قضية معاداة السامية وأكد على «العمل معاً من أجل مجتمعات أكثر تسامحاً وأكثر تفاهماً». أما رئيس تحرير مجلة «دايلوغ» نديم كاظمي والتي تصدرها باللغة الإنجليزية مؤسسة الخوئي فقد أشار إلى أن «الجاليات الدينية تعيش مجموعة مشاكل تؤرقها، أهمها التهميش لدورها في ضوء نزعة الخوف من الأجنبي (الزانافوبيا) والحذر من تعدد الهوية الحضارية في أوروبا الجديدة في ظل مشاريع الإندماج وما يقابله من حالة انفصال عن المجتمعات المضيفة، وتقوى نتيجة ذلك الأنماط السلبية عن المسلمين التي ينشرها الإعلام الغربي».
كلمة اللورد أفبري رئيس المجموعة البرلمانية لحقوق الإنسان جاءت موجزة، ودعا فيها إلى ضرورة الإستعجال في وضع حد للمجازر التي ترتكب ضد المسلمين في اقليم كوسوفو. ثم قدم الباحث أكبر أحمد من جامعة كمبرج، دراسة بعنوان: «الإسلام في القرن الواحد والعشرين: إعادة التفكير في مرتكزات العالم الحديث»، تحدث فيها عن ارتباط حياة المسلم بقيمه الإسلامية. أما الأستاذ الجامعي فريد هاليداي من كلية لندن للإقتصاد فقد ألقى محاضرة بعنوان: «معاداة المسلمين: نظرة ثانية» عارض فيها الإتجاه القائل بأن الإسلام يعاني في الغرب من الكراهية، وأكد على وجود بعض مشاعر العداء والكراهية تجاه المسلمين وليس الإسلام كدين. ثم تحدث بعده الأستاذ جون ريكس من جامعة وروك حول النظرة الجديدة للدين في المدن الصناعية. واختتم حفل الإفتتاح بدراسة للأستاذ مارتن بيومن من جامعة بلفيد في ألمانيا حول: «وصول الديانات الأسيوية إلى شواطئ أوروبا».
واصل المؤتمر أعماله في خمس ورشات عمل وعلى مدى ثلاثة أيام في مباني معهد العلوم الإقتصادية والسياسية في جامعة لندن، وقد ركزت مجمل البحوث المقدمة على مناقشة مشاكل الاقليات الدينية في أوروبا، ودعت إلى المزيد من تعميق الحوار بين الإسلام والغرب. ومعالجة أسباب الإسلاموفوبيا التي أصبحت ظاهرة تجتاح الأوساط الإجتماعية والإعلامية الأوروبية.

فرنسا: الكنيسة الكاثوليكية وحقوق المسلمين

في إطار ما يمكن تسميته بالإنفراج الإيجابي، تحققت في فرنسا خطوات مهمة في سبيل التقارب الإسلامي المسيحي، وبالتالي إعادة النظر في علاقة المجتمع الفرنسي، كنيسة وسلطة، مع الجالية المسلمة المقيمة هناك. فقد أصدر المؤتمر السابع لأساقفة فرنسا الذي انتهت أعماله في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1998م، وبعد أربعة أيام من المداولات، وثيقة مهمة خاصة بمعالجة جوانب العلاقة بين المجتمع الفرنسي والمسلمين المقيمين هناك ـ واضعة إطاراً جديداً يحدد مجموعة من الحقوق يجب أن تتمتع بها الجالية المسلمة. الوثيقة جاءت في خمس عشرة صفحة، انطلقت من ضرورة الإهتمام بوضع الجاليةالمسلمة التي أصبحت تشكل عشر سكان فرنسا، وأصبح معها الإسلام الدين الثاني بعد المسيحية. وقد دعت بنود الوثيقة المسيحيين لتسهيل طلبات المسلمين لبناء مساجدهم، وتخصيص قاعات للصلاة داخل الكنائس لمن يتعذر عليهم الصلاة في المساجد لبعدها أو لعدم توفرها في مناطق عملهم أو سكنهم. كما دعت الوثيقة اعتبار الإسلام ديناً لايناقض أو ينافس الدين المسيحي في فرنسا. والتزمت بالعمل على تغيير صورة الإسلام المشوهة في الإعلام وداخل الأوساط المسيحية.
وقد جاءت هذه الوثيقة نتيجة لقاءات متعددة بين الكنائس الفرنسية والجمعيات الإسلامية العاملة في أوروبا وفرنسا بالخصوص، ودعمها عدد من الآباء المسيحيين، الذي قاموا بمبادرات عملية ساعدت في تحقيق هذا الإنفراج الذي عزز بصدور هذه الوثيقة، فقد زار رئيس اساقفة ليون الجديد لوي ماري بييه الجامع الكبير في مدينة ليون في السابع عشر (17) أيلول (سبتمبر) الماضي. وقد صرح أثناء زيارته بقوله: «رغبت أن أزوركم في بداية حضوري إلى ليون لكي أعبر لكم عن تحياتي الأخوية لكم ولكل الجالية الإسلامية. إنها ليست زيارة بروتوكولية، وإنما جئت أقدم احترامي لكل المؤمنين بالإسلام وآمل بأن يكون من أولويات عملنا هو التعاون فيما بيننا». كما أن الجامعة الكاثوليكية في مدينة «ليل» كانت قد شرعت في تنظيم دروس في التاريخ والعلوم الإجتماعية الإسلامية، ابتداء من 26 أيلول (سبتمبر) الماضي. وقد حاضر فيها أساتذة جامعيون مسلمون إلى جانب قساوسة مسيحيين، وكان الأب جون . لوك برونان قد قدم فيها عدة محاضرات حول رؤية الكنيسة المسيحية للحوار مع الإسلام.
كما انطلق العمل في مدينة ستراسبورغ في مشروعين جامعيين لتدريس الفقه الإسلامي. وهذه المشاريع تدخل ضمن مشروع وزير الداخلية الفرنسي لإفتتاح معهد عال للدراسات حول الإسلام في فرنسا.
وقد تحدث المراقبون لهذه التطورات عن أهمية مايجري في فرنسا بخصوص التأسيس للتعامل الجديد مع الإسلام والمسلمين، لأن الوثيقة الكنسية التي تضمنت عدداً من الحقوق التي سيتم العمل على تمكين المسلمين من تحقيقها والتمتع بها، صدرت عن أكبر هيئة دينية في فرنسا، وهذا ما سيعطي بنودها وما دعت إليه مصداقية أكبر لدى السلطات الفرنسية وبالتالي المجتمع الفرنسي. وستظهر إيجابيات ذلك بعد الشروع في تطبيق بنود الوثيقة، وإذا ما تكللت هذه المبادرات بالنجاح، فإن الجاليات الإسلامية ليست في فرنسا فقط وإنما في أوروبا ستعرف وضعاً جديداً على جميع المستويات، وبالتالي تكون الخطوات من أجل الإندماج، قد انطلقت بصيغة أخرى جديدة تخلو من الكراهية أو الخوف من الإسلام والمسيحيين. مادامت أوروبا تؤمن بأهمية مجتمعات متعددة الثقافات والأديان.

الأردن: ندوة «صورة الإسلام السياسي في الغرب»

أسئلة عديدة عالجتها البحوث والدراسات التي قدمت خلال هذه الندوة، وقد تمحورت بشكل أساسي حول العلاقة بين الإسلام والغرب، والأسباب التي تجعل بعض المفكرين والباحثين الغربيين والإسلاميين يعتقدون بحتمية الصراع. وهل يمكننا أن نتحدث عن تيار إسلامي سياسي يستطيع أن يبلور صيغة تعايشية في مجال العلاقات الدولية، خصوصاً‏مع الغرب، مع ما يعانيه الواقع الإسلامي من غزو ثقافي منظم وصراع سياسي عسكري في أكثر من موقع، حيث يقف الغرب دائماً في الواجهة ليغذي هذا الصراع والغزو، هذه التساؤلات وغيرها كانت هي المحاور الأساسية التي ناقشتها هذه الندوة التي نظمتها الجامعة الأردنية بالتنسيق مع مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان عاصمة الأردن في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 1998م الموافق 4 شعبان 1419هـ تحت عنوان: «صورة الإسلام السياسي في الغرب».
الجلسة الأولى بعد الإفتتاح تحدث فيه الدكتور غراهام فولر الباحث في مؤسسة راند الأمريكية حول: «التحولات التي اعترت العلاقات الإسلامية الغربية في القرن العشرين» معتبراً‏أن الصراع والمواجهات كانت ظاهرة ميزت القرن الحالي وإن دفعت بالعالم الإسلامي نحو تحقيق استقلال وبناء انظمته السياسية والإقتصادية، لكن ضمن هيمنة غربية واضحة، إلا أن التطور كشف عن توجه جديد الآن حيث ترتفع الدعوات للمزيد من التحرر السياسي والديمقراطية بالإضافة إلى شعور الغرب بأن عليه أن يولي الإهتمام المطلوب للتوجهات العالمية الأخرى في مضمار الإيديولوجيا خصوصاً، وهذا مما يقلص حجم التدخل الغربي والأمريكي في الإختيارات السياسية والإقتصادية لدول العالم الثالث عموماً والإسلامي خصوصاً.
وأشار فولر إلى ان الغرب لم يخترع ظاهرة التغريب الذي تعاني منه بقية الشعوب وإنما جاء نتيجة التطور العلمي والحضاري الذي عرفه العالم الغربي. وأكد على أن العالم في طريقه نحو تحولات جديدة تمس أساليب المواجهة، وإن علاقة جديدة بين العالم الإسلامي والغرب في طريقها نحو التشكل خلال القرن القادم.
في الجلسة الثانية تحدث الدكتور سعد تاج جواد أستاذ العلوم في جامعة بغداد، عن «دور الصراع العربي ـ الصهيوني في تشكل العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي» حيث أكد على أن الإسلام كان ومايزال العقبة والخطر الأكبر الذي يواجه المخططات الإستعمارية الغربية. وقد شكل الدعامة الأساسية التي اعتمدت عليها الشعوب الإسلامية لتحرير أراضيها وتحقيق استقلالها إبان المرحلة الإستعمارية. كما تحدث عن التقاء المصالح البريطانية مع الصهيونية في الإستيلاء على فلسطين، وإن بريطانيا قد حققت عبر مخططاتها هذه اهم أهدافها التي ترفض قيام دولة عربية موحدة وقوية.
واشار الدكتور سعد تاج جواد إلى التيار الإسلامي باعتباره المتزعم الأول لمقاومة الصهيونية في فلسطين. كما تعرض للأحداث التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وأهمها بروز نشاط حركات الإسلام السياسي التي اثارت ردود قوية داخل المنطقة وخارجها وإن الغرب والكيان الصهيوني اعتبر هذه الحركات والتجمعات السياسية، منظمات إرهابية ونعتتها بالتطرف وإنها تتعارض من حيث المبدأ والأهداف مع القيم السياسية الغربية، لذلك فقد شنت عليها حملات تشويه منظمة وتعرض أصحابها للمضايقة والمنع، واعتبار أنشطتها مخالفة للقوانين المحلية والعالمية. وقد ساعد هذا الموقف على ظهور ردود فعل متشنجة ومتطرفة فعلاً مما زاد في استغلال الإعلام الغربي لهذه الظاهرة ليصل إلى تعميق الكراهية والخوف من الإسلام وتياراته السياسية فانتشرت في الغرب ما أطلق عليه بـ «الإسلاموفوبيا» (Islam Phobia ).
حيث اعتبر الإسلام مناهضاً للتغيير والتعددية، وإنه يشبه النازية والشيوعية وبالتالي فهو من أشد الأخطار التي تهدد الإستقرار العالمي. لذلك تحاول إسرائيل أن تقوم بدور محاربة الأصولية الإسلامية بدلاً عن الغرب في منطقة الشرق الأوسط، وتطالب الدول الغربية بمساعدتها. ورقة المدير العام للمركز الفرنسي للدراسات اليمنية (صنعاء) الدكتور فرانسوا بورجبت حملت عنوان: «موقع وأثر الصحوة الإسلامية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي»، حيث قدم الرؤية الفرنسية للحركة الإسلامية على ضوء الأحداث في الجزائر، وأكد على أن للحركة الإسلامية دوراً في التأثير على تعامل الغرب مع الصراع الدائر بين العرب وإسرائيل ويزيد من تخوفهم صعود المقاومة الإسلامية في فلسطين. وتعرضت ورقته لإجتماع شرم الشيخ وإجماع الأنظمة السياسية العربية وبعض الدول الغربية المهمة واتفاقهم على محاربة الإرهاب أو الأصولية الدينية والإسلامية والوقوف في وجهها، وأكد على وجود صعوبة في تفهم دور الحركات الإسلامية العقلاني بسبب الدور الإعلامي والسياسي الذي تقوم به الأنظمة السياسية في العالمين الغربي والعربي في هذه المواجهة.
الجلسة الرابعة تحدث فيها الدكتور محمد عثمان شبير أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية حول: «مستقبل علاقات الغرب بالإسلام السياسي في الشرق الأوسط في مضمار التنافس الحضاري والإختراق الإجتماعي» وقد قسم بحثه إلىýاربعة محاور، المحور الأول تحدث فيه عن أسس العلاقات بين الأمم والشعوب في الإسلام، المحور الثاني تناول فيه العلاقة التاريخية بين الإسلام والغرب. من بداية ظهور الإسلام وانطلاق الفتوحات، ثم الحروب الصليبية. المحور الثالث عرض فيه واقع العلاقة الحالية بين الإسلام السياسي والغرب. ومواقف الحركات الإسلامية من الإستعمار الغربي والصهيوني. المحور الرابع تحدث فيه عن رؤيته لسمتقبل العلاقة بين الإسلام السياسي والغرب مؤكداً أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام مستدلاً على ذلك بآيات قرآنية ومبرزاً في نفس الوقت الوضع الغربي الإجتماعي الذي يشكو من أزمات أخلاقية وتحلل وإرهاب محلي، وانتهى إلى أن الحوار مع الغرب يجب أن يكون شاملاً شمول الإسلام ومتنوعاً تنوع الغرب.
الورقة الأخيرة قدمها الدكتور فتحي ملكاوي المدير التنفيذي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي (واشنطن) حول: «دور الأكاديميين في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي» وقد قسم الأكاديميين المهتمين بدارسة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة إلى اربع فئات، مؤكداً أن هؤلاء الأكاديميين المهتمين بدراسة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، مؤكداً أن هؤلاء الأكاديميين بجميع اختصاصاتهم يتفاوتون من حيث توجهاتهم ومواقفهم من الإسلام السياسي، بين إسلاميين وعلمانيين.

2001 عام للحوار بين الحضارات

هناك شبه اجماع بين المفكرين والإقتصاديين والسياسيين والإجتماعيين بأن القرن العشرين كان قرن الحروب والصراعات الدموية، والنزاعات السياسية والتفرقة العنصرية. وقد عانت فيه البشرية من مآسي متعددة وعلى أكثر من صعيد ومازالت تعالج الآثار الناجمة عن الحروب المدمرة التي ميزت هذا القرن بالذات.
لذلك فقد ارتفعت أصوات عدة من مختلف جهات العالم منادية بضرورة تحقيق السلم العالمي، وداعية للتعايش بين الشعوب من أجل تحقيق واقع أفضل للإنسان على سطح هذا الكوكب الصغير. وقد تأكد للجميع بأن من أهم العوامل لنشوب الحروب والإصطدامات المسلحة بين المجتمعات البشرية. عدم معرفة هذه المجتمعات والحضارات لبعضها البعض، وبسبب هذا الجهل المتبادل بالآخر تتعمق الكراهية ويزداد النفور، مما يشكل خلفية وأرضية تغذي الصراعات وتعمقها، وبدل أن تفتح قنوات الحوار، تفتح أفواه المدافع والرشاشات، وينتشر الدمار ويعم الألم.
في هذا الإطار وشعوراً بأهمية الحوار وضرورته، جاءت دعوة السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي اقترح على الأمم أن تعلن سنة 2001 عاما ً‏للحوار بين الحضارات، في الخطاب الذي ألقاه في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في آب ـ أغسطس 1998م. وقد استقبل هذا الإقتراح بترحيب عالمي، وسانده وزراء الثقافة الإسلامية في الإجتماع الثاني الذي انعقد في الرباط. وصادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في أكتوبر 1998م. وكلفت إيران بالتحضير لإقامة ملتقى عالمي في مطلع سنة 2001م لتنفيذ هذا الإقتراح الذي يصب في خدمة المصالح الوطنية لشعوب العالم كافة. وقد أكد بيان المصادقة على الإهتمام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تدعو إلى تنمية العلاقات الودية بين الشعوب. من أجل القضاء على الأسباب التي تهدد السلم العالمي. كما تدفع باتجاه إيجاد الحلول للمشاكل والقضايا الدولية المختلف حولها في مجالات الإقتصاد والسياسة والثقافة والسكان والتنمية والبيئة وقد حث البيان كذلك على تنفيذ برامج في مجالات مختلفة تخدم موضوع حوار الحضارات وتفعله. وبعد اطلاع الامين العام على تقارير هذه الخطوات التنفيذية. سيقوم بتقديم تقرير نهائي للإجتماع الخامس والخمسين للجمعية.
وكانت كل من اليونان وإيطاليا ومصر والهند قد وقعت على مسودة البيان، كما أعلن السيد هانس بيتر مانتس في كلمة ألقاها أمام الجمعية الأممية، تأييد 29 دولة عضوة في الإتحاد الأوروبي مبادرة إيران، معتبراً أن المصادقة علىهذا الإقتراح، هو المدخل الحقيقي للسلام والإستقرار في العالم المعاصر. وقد توالت الردود العالمية حول هذا المقترح، مشجعة ومنوهة بمكانة الرئيس الإيراني كمفكر وداعية للحوار بين الشعوب والحضارات وصرح السيد ليودينغ أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الصينية لمراسل وكالة الأنباء الإيرانية أن الرئيس خاتمي أثبت باقتراحه هذا أنه يتمتع بمكانة أسمى من كونه رئيساً لإيران. كما وصف السيد ليانك الباحث والمفكر الصيني في شؤون المشرق مشروع الحوار بين الحضارات بأنه خطوة بناءة على أعتاب القرن الجديد. ومنطلقاً جيداً لتسوية النزاعات في العالم، وأكد على أن العالم ينبغي له، وبعد أن واجه خلال القرن الحالي حروباً مدمرة، أن يفكر بغدٍ مجرد من النزاعات والتوتر. كما أشار إلى أن الأجيال القادمة ستتمكن وعبر التخلص من الممارسات العدوانية من بناء غد أفضل وإن الحوار بين الحضارات يعد أسلوباً حكيماً‏لتحقيق هذا الهدف.
وقد انعقد في هذا الإطار الملتقى الأول للتمهيد لحوار الحضارات في مدينة تورنتو (إيطاليا) في الأول من كانون الأول (ديسمبر) 1998م. الموافق 11 شعبان 1419هـ. بمشاركة وزيري خارجية الجمهورية الإسلامية وايطاليا وقد صرح الدكتور مارجو باجيني رئيس مؤسسة أنيلي الإيطالية التي تتبنى التحضير للملتقى، بأن إيطاليا وإيران يمكنهما أن يمارسا دوراً مهماً في تحقيق التقارب بين الثقافات المختلفة. فإيران دولة إسلامية ذات حضارة عريقة، أما إيطاليا فهي أهم معقل مسيحي في أوروبا.
يشارك في هذا المؤتمر ثمانية من المفكرين الإيرانيين والإيطاليين من بينهم الأستاذ كريستيال ترول من جامعة غريفا وريان في روما الذي تحدث عن الأهمية المعنوية في المجتمع الحديث. ومدير عام التعاون الثقافي في وزارة الخارجية السيد محمد مسجد جامعي، الذي تحدث بدوره حول الموضوع نفسه، لكن من وجهة نظر إسلامية.
ووصف الدكتور عز الدين العراقي سكرتير عام منظمة المؤتمر الإسلامي مشروع حوار الحضارات بأنه رؤية جديدة وحركة إيجابية لإيجاد الترابط الوثيق بين الشعوب، وإن الحوار بين الحضارات سيؤدي إلى إظهار الصورة الحقيقية والواقعية والمضيئة للإسلام بين سائر أديان وحضارات العالم، وأشار إلى انه تم تشكيل لجنة خاصة منبثقة من سكرتارية المنظمة لتمهيد الأرضية للحوار بين الحضارات.