بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان نظم المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) ندوة علمية في مسقط حول «الإجتهاد في الإسلام» وذلك بين 12ـ14 كانون الأول (ديسمبر) 1998م، الموافق 23ـ25 شعبان 1419هـ.
شارك في هذه الندوة عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين ينتمون للمذاهب الإسلامية الفقهية المعروفة وهي: الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنبلية، بالإضافة إلى الشيعة الإمامية والاباضية والزيدية، وتعتبر هذه الندوة سادس ندوة ينظمها المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية (مقره في الاردن) في إطار تفعيل الحوار بين علماء المذاهب الإسلامية من أجل بلورة رؤية إسلامية متقاربة تستفيد منها الساحة الفكرية الإسلامية التي تعاني من التحديات الحضارية المختلفة وخصوصاً في المجال الديني.
في جلسة الإفتتاح تحدث وزير الأوقاف والشؤون الدينية العماني الشيخ عبد الله بن محمد السالمي عن ضرورة فهم الإسلام بقيمه وتشريعاته في إطار التحديات المعاصرة التي تواجه المسلمين، وأن هذا الفهم لن يكون متيسراً إلا باللجوء إلى استخدام مناهج علمية موضوعية تمكن المسلمين من الكشف عن القيم الإسلامية ومقاصد الشريعة بطريقة واعية، مما يحقق لهذه القيم معاصرتها وبالتالي استفادة المسلمين منها.
رئيس المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية الدكتور ناصر الدين الأسد تحدث في كلمة الإفتتاح عن الغايات التي منýاجلها ينظم المجمع هذه الندوات الحوارية مشيراً إلى أن تاريخ الإجتهاد في الإسلام أوضح أن الظروف السياسية والإجتماعية والفكرية لها مدخلية في الإجتهاد في كل عصر وهذا ما يجعل فتاوى الفقهاء تختلف وتتباين حتى ضمن المذهب الواحد، لكن المجمع عليه بين الفقهاء والمجتهدين أن الأصل في أي اجتهاد هو تقديم الدليل الشرعي المتفق عليه أو المعمول به، وعليه فإن مساحة الإختلاف في الرؤى والإجتهادات إنما تنبني على هذا الأساس من البعد أو القرب من الدليل الشرعي. لذلك فقد قيل لنا من قديم ـ كما يقول الدكتور الأسد ـ لاتأخذوا العلم (أي الحكم الشرعي) إلا مع دليله، ومما ينسب إلى عبد الله بن عمر قوله لأحدهم: أقول لك قال الله وقال رسوله. وتقول لي قال أبو بكر وقال عمر!؟ ومن هنا جاء قول أبي حنيفة النعمان: «قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن قدر على أحسن منه فهو أولى بالصواب منا!» ومن هنا أيضاًجاء رفض مالك بن أنس طلب الخليفة العباسي أن يحمل الناس على كتاب الموطأ.
ثم تحدث بعده المفتي العام لسلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الذي أعرب عن أمله في أن ينفتح باب الإجتهاد على مصراعيه وأن يظهر في هذه الأمة علماء مجتهدون يستأنفون مسيرة الإجتهاد كما كان عليه من قبل في عصور ازدهاره، وليساهموا باجتهاداتهم في حل جميع المعضلات التي تواكب المستجدات المعاصرة وتجعل المسلم في حيرة من معرفة الحكم الإسلامي فيها.
ثم تحدث الأمين العام للجنة العليا للمؤتمرات السيد أسعد بن طارق آل سعيد موضحاًأهمية موضوع الندوة الذي يأتي في وقت كثرت فيه المستجدات والنوازل التي تحتاج فعلاً لرأي الإسلام فيها وعدم تركها بدون جواب لأن عواقب ذلك ستكون خطيرة على عقيدة المسلم وفكره.
انطلقت أعمال الندوة خلال ثلاثة أيام عقدت أثناءها سبع جلسات وقدم الباحثون فيها (18) بحثاًودراسة، وقد تمحورت البحوث حول قضايا رئيسية يمكن إجمالها في مجموعة نقاط نذكر منها:
1ـ التعريف بالاجتهاد، مفهومه وآلياته.
2ـ الخلفيات التي دفعت المسلمين للإجتهاد.
3ـ ضوابط الإجتهاد والتعريف بالمجتهد والشروط الواجب توفرها فيه.
4ـ المدارس الإجتهادية وسبب اختلاف أدلتها ومعتمداتها في النظر الإجتهادي.
5ـ ضرورة فتح باب الإجتهاد في الوقت الراهن لمعالجة النوازل المتعددة والمستجدات المتكاثرة.
6ـ نماذج من القضايا المعاصرة وكيف تعامل معها العقل الإجتهادي الإسلامي المعاصر.
أما تسلسل عرض البحوث أثناء الجلسات السبعة فقد جاء على الشكل التالي:
الجلسة الأولى: ترأسها الدكتور عبد العزيز التويجري، وقدم فيها ثلاثة بحوث، الأول للشيخ عز الدين الخطيب التميمي حول: «الإجتهاد: تعريفه عند علماء المذاهب الإسلامية، أنواعه، مصادره، دواعيه» البحث الثاني كان للأستاذ إبراهيم بن أحمد الكندي (جامعة السلطات قابوس ـ كلية التربية) حول: «الإجتهاد: حقيقته ومصادره» والبحث الثالث قدمه السيد عبد المجيد الخوئي حول: «الإجتهاد في الشريعة الإسلامية».
ترأس الجلسة الثانية الشيخ أحمد بن حمد الخليلي وعرضت فيها الأبحاث الآتية: البحث الأول قدمه الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني وتحدث فيه عن: «الاجتهاد عند الشيعة الإمامية: مصادره وضوابطه» ثم تلاه الأستاذ الشيخ محمد الشيخ بلحاج حول: «الإجتهاد» وبعده تحدث عبد السلام العبادي عن: «حقيقة الإجتهاد ودوره في البناء الإسلامي».
الجلسة الثالثة ترأسها السيد عبد المجيد الخوئي وتحدث فيها كل من عبد العزيز الخياط حول: «مراجعة المجتهد ما اجتهد فيه السلف» والشيخ كهلان بن نبهان الخروصي حول: «علماء الإسلام وعلاقتهم بالنص والإجتهاد» في الجلسة الرابعة التي ترأسها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل محمود، ألقى فيها عبد العزيز بن عثمان التويجري بحثاًحول: «الإجتهاد والمجتمع المعاصر» ثم تحدث بعده الدكتور رضوان السيد عن: «الاجتهاد والتجديد في مسائل الزكاة والأوقاف في العالم العربي» وختم الجلسة السيد فاضل الحسيني الميلاني ببحثه حول: «قضايا ملحة في الإجتهاد الفقهي المعاصر».
ترأس الجلسة الخامسة وكيل وزير العدل والأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقدمت فيها الأبحاث التالية: قدم عبد الهادي بوطالب (المغرب) بحثاً حول: «الإجتهاد والمجتمع الإسلامي المعاصر»، وبعده تحدث الشيخ محمد طاهر شبير الخاقاني عن: «الإجتهاد والمجتمع الإسلامي المعاصر»، كذلك، ثم ختم الجلسة الباحث فرحات الجعبيري ببحثه حول: «البعد الحضاري للإجتهاد في قضية التلقيح الصناعي».
الجلسة ما قبل الأخيرة ترأسها السيد أبو القاسم الديباجي وتحدث فيها كل من الدكتور طه جابر العلواني عن: «الإجتهاد والمجتمع الإسلامي المعاصر» والباحث هادي حسن حمودي حول: «نظرية الإجتهاد العمانية: الاجتهاد ضمان الأمان والسلام الإجتماعي».
أما الجلسة السابعة والأخيرة في هذه الندوة العلمية فقد ترأسها الدكتور محمد عدنان البخيت وتحدث فيها السيد محمد الموسوي البجندوري عن: «شروط الإجتهاد وضوابطه» ثم تلاه السيد أحمد محمد الشامي الذي تحدث حول: «الإجتهاد في الإسلام».
وقد جاءت التوصيات بعد المناقشات المستفيضة لتؤكد على مدى الأهمية التي يجب أن يوليها المسلمون لموضوع الإجتهاد لأنه منýأهم الشروط التي لابد من توفرها لتحقيق التجديد والتغيير ومن ثم الخروج من حالة التخلف الحضاري الذي تعيش فيه المجتمعات الإسلامية في الوقت الراهن.
تعتبر حملة نابوليون بونابرت على مصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، في نظر الفكر العربي الحديث والمعاصر من أهم الأحداث التاريخية التي هزت الشرق العربي، وأحدثت تأثيرات واسعة وعميقة في هذه المنطقة على جميع المستويات، السياسية والإجتماعية والعلمية والحضارية بشكل عام. كما كان لها تأثير في المقابل علىýأوروبا وفرنسا بالخصوص خلال القرن التاسع عشر، وعندما استطاعت هذه الحملة أن تتعرف على الحضارة العربية والإسلامية في مصر عن كثب. حيث نقل إلى أوروبا عدد كبير من المخطوطات العلمية والفكرية والتحف والآثار في شتى فنون العمارة. وهذا ما ظهر بوضوح في الدراسات والبحوث التي أنجزت بعد ذلك في أوروبا وفرنسا لأنها استفادت من هذه المعارف الجديدة.
في المقابل وعلى الساحتين المصرية العربية والإسلامية ساهمت هذه الحملة العسكرية الفرنسية على مصر في تفجير الأسئلة الكثيرة حول النهضة العربية والإسلامية، وبدأت الأنظار تتوجه للبحث والكشف عن أسباب تخلف الأمة والمجتمع، لذلك فأثناء هذه الحملة وبعدها بقليل انطلقت أو ظهرت الإجابات الأولى حول كيفية النهوض، وما هي أسباب التخلف، لذلك اعتبر البعض من المؤرخين بأن الحملة الفرنسية هي بالفعل بداية النهضة العربية الحديثة والمعاصرة، إلى جانب وجهات نظر أخرى معارضة لهذا الطرح.
لذلك وبمناسبة مرور مائتي سنة على انطلاق هذه الحملة العسكرية الفرنسية، نظمت الجمعية اللبنانية للدراسات والبحوث التاريخية التي تأسست سنة 1997م، أول مؤتمر لها تحت عنوان: «حملة بونابرت على مصر وبلاد الشام: بداية استعمار أو بداية نهضة؟» وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة والتعليم العالي، والجامعة اللبنانية ومؤسسة الحريري وبمشاركة منظمة الأونسكو ومعهد العالم العربي في باريس، وجامعة السوربون (5 و 8)، والمعهد الوطني للغات الشرقية في باريس، وجامعة (إكس ـ إن) بروفانس، ووسيتريونيفرستي في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعة طوكيو. بالإضافة إلى جامعة دمشق، وتونس وعين شمس بالقاهرة، والجامعات اللبنانية: اللبنانية والأمريكية واللبنانية الأمريكية واليسوعية وجامعة البلمند.
عقد المؤتمر بين 4 ـ 6 كانون الأول (ديسمبر) 1998م، حيث افتتحت أعماله في مقر الأونسكو. بعد جلسة الإفتتاح عقدت خمس جلسات خلال اليومين، عرض فيها ونوقش (25) بحثاًودراسة، قدمها مؤرخون وأساتذة تاريخ من الجامعات والمعاهد التي ذكرنا أنها شاركت في فعالية هذا المؤتمر. حضر الإفتتاح حشد كبير من الشخصيات السياسية والعلمية والثقافية بالإضافة إلى طلبة الجامعات اللبنانية. رئيس الجمعية الدكتور عادل اسماعيل تحدث عن أهداف الجمعية ونشاطاتها الثقافية والتاريخية وقال بأنها: «جعلت في رأس أهدافها العمل على وضع قراءة جديدة متجردة لقضايا لبنان والعالم العربي». مشيراً إلى أن حملة بونابرت موضوع المؤتمر تعتبر حدثاًتاريخياً هز الشرق العربي، ولم «يكن كما تشير الوثائق الرسمية حدثاًعابراً، بل كان مخططاً سياسياً أشبع درساًطوال عدة سنوات، فمشروع حملة بونابرت، وعلى الرغم مما أحيط به من دقة واتخذ له من وسائل التنظيم سقط أمام أسوار عكا، التي لم تدخل آنذاك في حسابات واضعيه، وبذلك انهار حلم بونابرت في إقامة امبراطورية عظمى على غرار امبراطورية الإسكندر المقدوني، تشمل بلدان شرق البحر المتوسط وأواسط آسيا والهند».
نائب رئيس الجمعية الدكتور حسن منيمنة ألقى كلمة اللجنة المنظمة، أكد فيها أن الجمعية تحاول أن تتصدى للقضايا التي تشغل المهتمين بالدراسات التاريخية، من خلال «إعادة قراءة التاريخ في ضوء المناهج العلمية الحديثة». أما المتحدث باسم المعهد العربي في باريس البروفسور أندريه ريمون. فقد تحدث في البداية عن الأهداف والغايات التي من أجلها تأسس المعهد سنة 1980م، أما بخصوص المؤتمر فقد اعتبر ان موضوعه مطروح بطريقة جيدة «خصوصاً وأن الآراء تعددت حول هذا الحدث الذي اتخذ أوجه مختلفة: بعثات عسكرية، عمليات استراتيجية، مشروع استعمار، جزء من مشروع بونابرت الشخصي وغيرها..»
كلمة الأونسكو ألقاها يوروفال الذي قال بأن التاريخ يكتب دائماًفي الحاضر، ويعبر عن المخاوف والتطلعات المعاصرة، ورأى أن التاريخ يكتب للسلطان ويغفل أحياناًالجانب والحجم الإنساني.
الدكتور أسعد دياب رئيس الجامعة اللبنانية تحدث عن دلالات انعقاد هذا المؤتمر في بيروت التي بدأت تستعيد عافيتها ودورها الثقافي العربي والعالمي، وتحدث عن أهمية اختيار هذه المحطة الأساسية من التاريخ العربي الحديث، متسائلاً عن الخلفيات التي انطلقت منهاحملة نابليون: فهل كانت حملته العسكرية «بداية استعمار استهدف المنطقة العربية ومقدمة لحملات أخرى، أم أنها كانت تهدف إلى أبعد من هذه المنطقة ضمن الصراع الدولي الذي كان قائماً في حينه..» ثم ألقى بعده الدكتور فوزي عطوي كلمة وزراة الثقافة والتعليم العالي، فرحب بالمشاركين وأبدى اهتمامه بتنوع البحوث والقضايا التي سيتناولها المؤتمر بالنقاش والمعالجة، خصوصاًاعتمادها على المصادر العائدة إلى الأرشيف المصري والعثماني، واهتمامها وتتبعها للآثار والتغيرات التي أحدثتها هذه الحملة العسكرية الفرنسية.
ترأس الجلسة الأولى عميد كلية الآداب جوزف لبكي، وقدم فيها الدكتور سمير خليل من الجامعة اليسوعية دراسة بعنوان: «حملة بونابرت على مصر من خلال مؤرخ قبطي». وهذا المؤرخ لم يذكر اسمه لكن يحتمل أن يكون السكرتير البطريرك أو أسقف القاهرة، وكان قد اعتبر الحملة انقاذاً من عسف المماليك والولاة، لكن الأحداث التي وقعت بين 1798 و1800م في المطرية جعلته يغير رأيه، كما تعرض لمعاناة الأقباط التي شبهها بما وقع أثناء الحروب الصليبية. ثم تحدث بعده الدكتور عبد العزيز نوار من جامعة عين شمس (القاهرة) عن وثائق الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام في الأرشيف المصري، حيث عرض الدفاتر المالية لمرحلة ما قبل الحملة وخلالها والتغيير الهيكلي الذي أحدثته، وأوراق الرواتب وعوائد الجمارك والأوقاف والميزانيات وأوراق المحاكم الشرعية، مؤكداًأن حجم الوثائق الموجودة في فرنسا أكبر بكثير مما يوجد في مصر.
أما الدكتور محمود عامر من جامعة دمشق، فقد تحدث عن الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام من خلال المصادر العثمانية، التي اعتبرت الحملة استكمالاً وجولة جديدة للحروب الصليبية، ومحاولة تأسيس امبراطورية مسيحية جديدة على حساب أراضي الإمبراطورية العثمانية. ثم عرض الدكتور محمد خير فارس من جامعة دمشق موقف المؤرخ الجبرتي من هذه الحملة، حيث ظهر واضحاً اهتمامه بتحقيق العدل والقضاء على الظلم، كما ركز على المقاومة الشعبية للحملة، بالإضافة إلى مقارنته بين إيجابيات الفرنسيين واستبداد العثمانيين. ثم قدم الدكتور منير اسماعيل من الجامعة اللبنانية دراسة حول: «حملة بونابرت في عجائب الجبرتي ومذكرات المعلم نقولا الترك: دراسة مقارنة» فالجبرتي حسب المؤرخ اسماعيل اهتم بالتأريخ للجوانب العلمية والسياسية والإقتصادية، أما مذكرات الترك فكانت قريبة من الحكايات والقصص الشعبية، وقد تبين من خلال مذكراته أنه كان يفتقد للنظرة الشمولية.
الجلسة الثانية ترأسها هنري لورانس وتحدث فيها الدكتور عادل اسماعيل (سفير ومؤرخ) عن: الخلفيات السياسية لحملة بونابرت على مصر، فهذه الحملة لم تأت بسرعة دون اعداد أو تخطيط وإنما خطط لها عدة سنوات. كما تطرق الدكتور اسماعيل للظروف الدولية قبل الحملة وعلاقة فرنسا بالدول الأوروبية. ثم تحدث بعده الدكتور وليد عربيد من جامعة باريس الخامسة، عن موازين القوى في أوروبا والبحر المتوسط، ومحاولة الأوروبيين محاصرة الثورة الفرنسية خوفاًمن انتشار أفكارها ومبادئها في باقي الدول الأوروبية. بعد ذلك قدم البروفسور أندريه ريمون من جامعة (إكس أن بوفانس) لمحة عن مواقف الشعب المصري من الحملة، ثم تحدثت الدكتورة شيرين خير الله من الجامعة الأمريكية عن معركةýأبي قير البحرية، أو معركة النيل كما وصفتها المذكرات البريطانية وقالت الباحثة بأن هذه المعركة قد حولت انتصار نابليون إلى هزيمة، مما أثر على النشاط العسكري البحري للفرنسيين.
وأخيراً قدمت الدكتور حياة علوان من الجامعة اللبنانية ـ الأمريكية، بحثاً حول: «سيرة الأمير سيدني سميث من خلال الحملة»، حيث شارك هذا الأمير جهود الأميرال هوراسيو نلسون لإفشال خطة نابليون الهادفة إلى تأسيس وإنشاء امبراطورية فرنسية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.
الجلسة الثالثة ترأسها الدكتور رضوان السيد، وتحدث فيها الدكتور مسعود ظاهر من الجامعة اللبنانية عن: «المدلول السياسي لهزيمة بونابرت عند أسوار عكا» حيث عرض مجموعة من النقاط التي تناولت كل من الإستراتيجية الفرنسية والبريطانية وموقف السلطنة العثمانية، كما قارن بين نتائج حملة بونابرت ومشروع محمد علي في مصر. الدكتورة هلا سليمان من الجامعة اللبنانية تحدثت عن نهاية حلم بونابرت بعد هزيمته علىأبواب وأسوار عكا، وفشله في تدمير مصادر قوة بريطانيا. ثم قدم الدكتور عباس أبو صالح من الجامعة اللبنانية دراسة حول: «الموقف الداخلي في الإمارة الشهابية من حملة بونابرت» ومدى مساهمتها في تغيير الأحداث، وتراجع دور المدن الساحلية على المستوى التجاري. أما الدكتور علي شعيب من الجامعة اللبنانية فقد تحدث عن العلاقة بين بونابرت والقوى السياسية والإجتماعية في كل من مصر وبلاد الشام، وكذا موقف العلماء والأقليات من الحملة، وبونابرت الذي عمل على استمالة هذه الفئات إلى صفوفه. ثم تحدث البروفسور هيدمستو كوروكي عن: «حلب بين حملة نابليون على مصر والحركة الوهابية: 1798ـ1814م» حيث وصف هذه المدينة بأنها كانت محطة لجمع المعلومات من طرف الجواسيس عن الحركة الوهابية التي وصلت غزواتها إلى أطراف سوريا.
الجلسة الرابعة ترأسها الدكتور إسكندر سارة من جامعة ويستر الأمريكية وتحدث فيها أولاً الدكتور جوزف حجار (باحث ومؤرخ) عن: «حملة بونابرت بين الحقيقة والأسطورة» ثم تلاه البروفسور هنري لورنس من المؤسسة الوطنية للغات الشرقية (باريس) الذي تحدث عن فكرة مشروع الدولة اليهودية عند بونابرت مؤكداًان الفكرة روجت لها الحركة الصهيونية فيما بعد، ولم تصدر عن بونابرت ولم تكن من أهدافه، الدكتورة سعاد أبو الروس سليم من جامعة البلمند تحدثت عن: «حملة بونابرت: قراءة معاصرة» معتبرة أن القراءة الصحافية المعاصرة لهذه الحملة تدخل ضمن الصراع والمواجهة مع الغرب، ونوعاً من إسقاط العقليات الحديثة على الماضي والعكس كذلك، وإن ذلك يدخل في إطار الدفاع عن الهوية.
أما البرفسور جاك توبي من جامعة باريس الخامسة، فقد قدم دراسة بعنوان: «على خطى حملة بونابرت على مصر وسوريا: نداء المصريين للعسكريين الفرنسيين أيام محمد علي» معتبراً أن والي مصر نظر إلى بونابرت بوصفه رمزاً لتشكيل جيش حديث لذلك استدعى أفراد من الجيش الفرنسي لمساعدته في بناء جيش قوي وحديث وأخيراً تناول الكلمة الدكتور مصطفى من جامعة تونس الذي تحدث عن الوضع الإجتماعي في المغرب خلال الحملة، وقابلية هذا الوضع للإستعمار وذلك للتخلف على جميع المستويات الذي كانت تتخبط فيه هذه المنطقة قبيل الحملة.
الجلسة الخامسة والأخيرة ترأسها الدكتور نقولا زيادة، وتحدث فيها أولاً الدكتور ابراهيم بيضون نيابة عن الدكتور حسين سليمان، عن: «العصبيات المحلية من الحملة الفرنسية» ثم تلاه الدكتور اسكندر سارة متحدثاًعن تأثير حملة بونابرت على مصر في تحضير التشريعات المدنية في فرنسا ونقلها من عقود الزواج الكنسي إلى الزواج المدني. بعده قدم الدكتور جوزف أبو نهرا من الجامعة اللبنانية دراسة بعنوان: «يقظة الشرق بين مطابع أديرة لبنان ومدافع بونابرت في مصر»، ثم الدكتور رضوان السيد من الجامعة اللبنانية حول: «إشكاليات النهضة وعلاقتها بالدخول الفرنسي»، بعده قدم الدكتور وجيه كوثراني من الجامعة اللبنانية دراسة تحت عنوان: «مسائل في الوعي التاريخي يثيرها استذكار الحملة الفرنسية». وأخيراًتحدثت الدكتورة زينات بيطار من الجامعة اللبنانية كذلك عن آثار الحملة الفرنسية على مصر في التشكيل الفني الفرنسي. ثم تناول الكلمة الدكتور نقولا زيادة فتحدث عن أهداف الجمعية اللبنانية للدراسات والبحوث التاريخية، وإيمانها بعقد المؤتمرات العلمية من أجل التباحث في القضايا التاريخية الكبرى للوصول إلى مقاربات حقيقية. كما دعا المهتمين بتاريخ الحروب الصليبية للإتصال بالجمعية لأن مؤتمرها الثاني الذي ستنظمه في تشرين الثاني 1999م سيكون عنوانه: «مرور تسعماية عام على قيام المملكة اللاتينية في بيت المقدس».
وقبل نهاية فعاليات هذا المؤتمر العلمي ألقيت توصياته الختامية.
عقد في بيروت بين 3ـ5 كانون الأول (ديسمبر) 1998م، اللقاء الثقافي العربي الأول بالتعاون بين المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ومؤسسة شارل ليو بولد ماير من أجل تقدم الإنسان.
شارك في هذا اللقاء الذي عقد تحت شعار «من أجل التحرر العربي والتضامن العالمي وتقدم الإنسان» قرابة (150) مثقفاً عربياً من بينهم (100) مثقف لبناني، وقد تحدث الأمين العام للمجلس الثقافي «حبيب صادق» في مؤتمر صحافي عقد قبل اللقاء عن أهدافه ملخصاًإياها في إجراء حوار فكري عميق ومنفتح حول قضايا العصر والإهتمامات التي تشغل العالم ككل ومن ضمنه العالم العربي، أما الدكتورة فهمية شرف الدين منسقة اللقاء فقد اعتبرته بمثابة «استشارة عقلية» لإعادة النظر في عدد من القضايا العربية والعالمية.
استمرت أعمال اللقاء ثلاثة أيام، عقدت خلالها سبع جلسات مفتوحة بالإضافةýإلى جلسات أخرى مغلقة. أما المحاور التي دار حولها النقاش وقدمت حولها مداخلات المشتركين فكانت كالتالي:
1ـ مناقشة الوثيقة الأساسية: تحالف من أجل عالم مسؤول ومتضامن، كانت مؤسسة شارل ليو بولد ماير قد وزعتها على شكل كتيب ليطلع عليه المشاركون.
2ـ الإحتلال الإسرائيلي وتداعياته في الوطن العربي.
3ـ مسائل الإندماج الإجتماعي وتحسين إدارة الدولة الوطنية للمجتمعات العربية.
4ـ قضايا العولمة الثقافية وتأثير الإتصالات والمعلومات على تشكل أنظمة القيم السلوكية.
5ـ التنمية والبيئة.
6ـ قضايا تتعلق بالإقتصاد والإجتماع.
أثناء جلسة الإفتتاح التي حضرها عدد من النواب اللبنانيين ورجال الصحافة والإعلام، وبعض الشخصيات العربية، والدولية، تحدث أمين عام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي عن الجهود التي تقوم بها المؤسستان المنظمتان لهذا اللقاء، وتساءل عن الأسباب التي تجعل العالم غير مسؤول وغير متضامن، وهل يمكن أن نتحدث في ظل هذا الوضع الذي يتحكم فيه منطق القوة، عن إعطاء الإعتبار مرة أخرى لمنطق الحق والعدالة، وإحياء الجهود من أجل الشعور بأهمية التضامن العالمي.
كما عرض لمجمل القضايا الكبرى المحلية والعربية والعالمية. ثم تبعه مدير مؤسسة «من أجل تقدم الإنسان» غوستا فوماران الذي ألقى كلمة أوضح فيها اهتمامات المؤسسة وعرض برامجها التي تهتم بمتابعة قضايا لها علاقة وطيدة بمستقبل البشرية، كما تعمل على مناهضة التهميش الإجتماعي أين وجد وتهتم كذلك ببرامج التبادل الثقافي بين الشعوب من أجل بناء السلام وتحقيقه على هذا الكوكب. وأشار ماران إلى حجم التحديات التي تواجه العالم العربي داعياً للإنخراط في تحديات العولمة.
بعد الإستراحة عقدت أول جلسة تحت عنوان: وجهات نظر عربية في الوثيقة الأساسية من أجل عالم مسؤول ومتضامن، ترأس الجلسة د. سمير أمين وقدم الموضوع للنقاش د.العربي بوقرة الذي تحدث عن ملابسات إصدار هذه الوثيقة، ثم انطلقت المناقشات والمداخلات من طرف المشاركين، جاد الكريم الجباعي (سوريا)، اعتبر أن العولمة هي التي تحرك الصراعات والحروب العرقية في العالم، كما تساهم في انتشار العنف. أما د. عبد الخالق عبد الله من الإمارات فقد اعتبر مضمون الوثيقة يؤكد على أن البشرية تمر حالياً في ظروف معقدة ومتشابكة وخطيرة. وقد تتالت المداخلات المختلفة، لكل من: يسري مصطفى(مصر) ود. عبد الله الطوخي (مصر)، عبد الله قليط (البحرين)، الطاهر لبيب (تونس)، زياد ماجد (لبنان) بالإضافة إلى اللواء ياسين سويد وفتحية العسال وعبد الله النعمي. وفي ختام الجلسة تحدثت مقررتها الدكتورة فهمية شرف الدين عن استنتاجاتها بخصوص الوثيقة التي وصفتها بأنها طوباوية وأنها عرضة للنقاش والإنتقادات كالتي قدمها أصحاب المداخلات.
موضوع الجلسة الثانية كان حول: «الإحتلال الإسرائيلي وتداعياته في الوطن العربي» وقد ترأسها السيد محمد حسن الأمين الذي تحدث عن أمله في النهوض بعقل جديد واجتماع سياسي جديد كذلك من أجل تحقيق عالم متضامن على أرض الواقع والفعل. وتحدث بعده مقدم الجلسة محمد حيدر وهو من الهيئة الإدارية للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، الذي فتح المجال أمام المداخلات التي بدأت مع اللواء ياسين سويد ثم تلاه السيد يسري مصطفى ثم الدكتور ساسين عساف بالاضافة إلى مداخلات روجيه خوري ونواف الموسوي، ومحمد فائق وفتحية العسال وجورجيت عطية وجورج قربان. وفي نهاية الجلسة تحدثت د. يمنى العيد عن ضرورة إعادة النظر في الخطاب السياسي والثقافي العربي لأنه يعتمد بشكل كبير على الخطاب الإسرائيلي، وعقب بعدها السيد محمد حسن الأمين ليختم المقرر د. جورج سعد الجلسة بملاحظة تتعلق بضرورة التفريق بين اليهودي والصهيوني المتبني لمشروع الإحتلال والإستيطان لوجود يهود يخالفون ويناهضون الصهيونية العالمية.
الجلسة الثالثة ترأسها الدكتور صادق جلال العظم وكان المقرر فيها هو د. عبد الله رزق أما مقدمها فكان د.رابح عمر، وقد دار النقاش فيها حول موضوع: «وجهات نظر عربية في المبادئ الأساسية للمواطنية» وقد شارك عدد كبير من الأسماء التي ذكرت من قبل في تقديم المداخلات حول الموضوع وشرح وجهات نظرهم النقدية حوله.
بعد استراحة قصيرة إثر نهاية الجلسة الثالثة انطلقت أعمال الجلسة الرابعة تحت عنوان: «الاندماج الإندماج الإجتماعي وتحسين إدارة الدولة الوطنية للمجتمع»، ترأس هذه الجلسة د.فيصل دراج وقدم لها زياد ماجد، وقد انطلقت النقاشات والمداخلات من طرف المشاركين. وبذلك انتهت أعمال اليوم الأول.
الجلسة الخامسةالتي عقدت صبيحة اليوم الثاني كانت تحت عنوان: «العولمة الثقافية. وسائل الإتصال والمعلومات وأثرها على القيم السلوكية»، وقد ترأسها د.عبد الرحمن منيف الذي قال: «إنه وعلى الرغم من الكثير من النقاط السلبية والإنتقادات التي تطال العولمة، فإنها كفكرة لاتزال في طور التكوين. وعلينا لذلك دراسة الظواهر والأشكال التي تتخذها العولمة، وهذا الموضوع بحاجة إلى كثير من التأني للبحث فيه». ثم قدم الجلسة د. فؤاد شاهين من الهيئة الإدارية للمجلس الثقافي، لتنطلق المناقشات والمداخلات ومن الأسماء المشاركة في هذه الجلسة د. سمير ýأمين، د. عبد الخالق عبد الله، كريم أبو حلاوة، د. عبد الرحمن النعيمي، عباد الكريم السباعي، يسري مصطفى، وقد تنوعت مضامين هذه المداخلات بين نقد العولمة، وبين من دعا إلى الإستفادة من عناصرها الإيجابية، كما حذر البعض من مخاطرها المحدقة بالهوية والكيان الحضاري، ومن الأسماء التي قدمت مداخلات في هذه الجلسة أيضاً نذكر د. ماهر شريف ومحمد علي فقيه، وإبراهيم نصر الله وخليل البيطار ود. إلهام كلاب البساط التي قالت بأن كل ما أتى إلينا من الخارج من موسيقى وأزياء وفنون لم يوفق إلى التفكير بالخطر على هويتنا.. وأخيراًقدمت فتحية العسال مداخلة تحدثت فيها عن الهوة التي تفصل مجتمعاتنا عن ما يأتينا عبر الفضاء من الخارج.
موضوع الجلسة السادسة كان حول: «تنمية شبكات الإتصال والتبادل في الوطن العربي» حيث ترأستها د. فريدة بناني (المغرب) وقدم لها علي الأمين من الهيئة الإدارية للمجلس الثقافي، وقد انطلقت المداخلات والنقاشات فتحدثت كل من أسماء خضر عن العلاقة بين المجتمع المدني ومساهمته في تنمية شبكات الإتصال، وتحدث د. برهان غليون عن الموقع العربي في مجال الإعلام بالرغم من السيطرة الكبيرة للفضائيات الغربية، وقد طرحت رئيسة الجلسة سؤال تمحورت حوله مجموعة من الإجابات وهو: هل الإتصال شرط ضروري للوجود؟، ومن الأسماء التي قدمت مداخلات في هذه الجلسة نذكر د. فهمية شرف الدين ومحمود حيدر ود. جورجيت عطية ود. مشهور مصطفى ود. خيرية قدوح ود. أنيسة الأمين التي دعت في نهاية الجلسة إلى: «تحديد أهدافنا وتخفيض سقف طلباتنا حتى يمكننا التعاون مع بعضنا».
الجلسات التي عقدت بعد ذلك كانت مغلقة حيث انقسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات، وقد دار النقاش داخل هذه الحلقات الثلاث حول مواضيع مختلفة تتعلق بالإقتصاد والاجتماع والتنمية، وقد قدم بعض المشاركين أوراقاً للمناقشة والتداول.
واختتم اللقاء اعماله في اليوم الثالث بعد جلستين الأولى خصصت لعرض تقارير العمل والثانية لإعلان ما اسموه بـ «بيان بيروت الثقافي العربي».
أعلن رئيس المجلس الثقافي للبنان الجنوبي حبيب صادق بعد انتهاء أعمال اللقاء والمصادقة على البيان الختامي، نص البيان ومما جاء فيه حول الوضع العالمي والإختلال الحاصل فيه، إن: «الإختلالات الكبرى التي تعمقها عولمة رأسمالية متسارعة، مع دخول العالم المعاصر ألفيته الثالثة، وتصيب هذه الإختلالات بآثارها المدمرة كل شعوب العالم بنسب متفاوتة وأشكال متنوعة، وبخاصة النساء والأطفال في بلدان الأطراف، وتطرح على المجتمعات تحديات مصيرية تدفعهاýإلى ضرورة المواجهة انتصاراً لحق البشرية في التقدم والتطور من أجل حرية الإنسان وسعادته وهذه الإختلالات ناجمة أصلاًعن تطور الرأسمالية التي قدمت للبشرية في سيرورة الصراع معها، إنجازات كبرى على صعيد العلم وفي مجال الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، غير أن هذه الرأسمالية بحكم طبيعتها وتناقضاتها الملازمة لها وظفت التطور العلمي والتقني في غير مصلحة البشر، وهي تستغل طاقات البشرية، وتستنزف الموارد الطبيعية بما يهدد العالم بالفوضى، وتستظل انتقائياً بالشرعية الدولية وحقوق الإنسان، لتمارس استبدادها بحق الشعوب والدول الضعيفة وتحكم الحصار عليها وعلى تطورها..»
وأما بخصوص مخاطر العولمة فقد أكد البيان على أن: «مواجهة مخاطر هذه العولمة باتت تتطلب أعلى مستوى من التضامن والتعاون العالمي أفراداًومؤسسات وأحزاباً وهيئات مدنية، وأفضل صيغ من الأطر المبتكرة من اجل بلورة رأي عام فاعل ومؤثر..»
وتحدث البيان عن «العالم العربي الذي يعتز بإسهامه في بناء الحضارة الإنسانية، يقع اليوم إلى جانب شعوب أخرى، ضحية تهميش واستغلال ونهب منظم تفاقم مع هذه العولمة والسياسات الإستبدادية التي تعيق الشعوب من ممارسة حقها في إقامة الدولة الحديثة علىýاساس القانون والعولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقها في تحرير أراضيها من الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان وسوريا»..
وقد أعلن المثقفون العرب المشاركون من خلال البيان عن: «تضامنهم المطلق ، واستعدادهم للإنخراط في جبهة عالمية من أجل التحرر العربي والتضامن العالمي وتقدم الإنسان.. ومن أجل صوغ مشروع نهضوي عربي ديمقراطي إنساني في مضمونه، وحدوي في توجهه، يضع حداً للإستبداد والتبعية واستشراء الفقر والبؤس وانتشار الأمية، وتحرير طاقات الشعوب العربية، وتعزيز دورها في بناء المجتمع المدني والدولة الحديثة على مبادئ الحق والقانون والمواطنة غير المنقوصة وإزالة كل أشكال التمييز على اساس الجنس والعرق والدين والإنتماء الفكري والسياسي...»
انطلقت الدعوة إلى جعل عام 2001م عاماً للحوار، من خطاب الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي، الذي القاه أمام اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في آب (أغسطس) 1998م.
وقد رحبت جميع الدول بهذه الدعوة، وصادقت عليها الأمم المتحدة، التي كلفت إيران في حينها بالتحضير لإقامة ملتقى عالمي للشروع في تنفيذ هذا المقترح. كما لاقت هذه الدعوة ترحيباًكبيراً من طرف النخب السياسية والفكرية في العالم، التي أكدت على أهمية الحوار وضرورته الحالية لنزع فتيل الحروب والصراعات التي تنفجر بين الحين والآخر في عدد من المناطق العالمية، وذلك بسبب انعدام الحوار وشيوع الجهل والكراهية بين الشعوب.
ومن أهم الأنشطة التي انطلقت لتنفيذ المقترح الإيراني، انعقاد الملتقى الأول للتمهيد لحوار الحضارات في مدينة تورنتو (إيطاليا) في الأول من كانون الأول (ديسمبر) 1998م.
مجلة الكلمة ولإهتمامها بالحوار، وإيمانها بأهميته، سواء أكان حواراًداخلياًبين جميع التيارات السياسية والفكرية العربية والإسلامية أم خارجياًبين الحضارات والشعوب في العالم، ولتأكيدها على أن الحوار هو طريق المستقبل الذي يجب على جميع الفرقاء في العالم أن يسلكوه، تابعت باهتمام أنشطة هذه الدعوة الإيرانية للحوار. وقد أنجزت في العدد الماضي (عدد 21) تقريراًحول دعوة السيد خاتمي لجعل سنة 2001م عاماًللحوار. وتتابع الآن أهم نشاط فكري وسياسي، يصب في خدمة هذه الدعوة، ويخرجها من حيز النظرية، إلىالواقع الفعلي والعملي، مع الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي لإيطاليا خلال النصف الأول من آذار (مارس) 1999م. حيث التقى بأهم الفعاليات السياسية والروحية الإيطالية وأجرى حوارات مباشرة معهم انطلاقاًمن إيمانه بأن شعار: «حوار الحضارات والثقافات» الذي يرفعه يعتبر واقعياًومنسجماًمع الحضارة الايطالية. كما أن زيارته لإيطاليا تخدم بإحدى جوانبها تفعيل دور اللقاء الرباعي: الإيراني، المصري، الإيطالي، اليوناني، بغية جعل هذه الدول المحور الذي تتأسس عليه الهيئة العالمية لحوار الحضارات المقترحة.
ومن خلال الكلمات التي ألقاها كل من الرئيس الإيطالي والإيراني وكذلك زعيم الكنيسة الكاثوليكية البابا يوحنا بولس الثاني الذي التقى بدوره السيد خاتمي في الفاتيكان، يظهر بوضوح الإيمان بضرورة فتح صفحة جديدة من الحوار الإسلامي المسيحي، ودعوة بشكل مباشر للغرب لإعادة النظر في الصورة المغلوطة نحو الإسلام، واستبدالها برؤية أكثر علمية ووضوحاً، تُبنى على المعرفة الحقيقية والموضوعية،وتتحرر من رواسب الخصومة التاريخية التي مازالت تلقي بظلالها السلبية على الفهم الغربي للإسلام والمجتمع الإسلامي.
وهكذا فخلال استقبال الرئيس الإيطالي سكالفارو للسيد خاتمي، أعلن عن إيمان إيطاليا الراسخ بمبدأ الحوار وأنها تدعم مقترح السيد خاتمي بجعل سنة 2001م سنة لحوار الحضارات، مؤكداًأن الثقل الأكبر لهذا الحوار تتحمله الفئات المثقفة، والتي تملك وعياًجيداًبالتاريخ. موضحاًبأن الحوار بين الحضارات من شأنه أن يتمخض عن نتائج مهمة وجيدة.
أما كلمة الرئيس خاتمي فقد جاءت مفعمة بالأمل في نتائج الحوار الذي انطلق من فهم الآخر بشكل جيد هو من أهم نتائج هذا الحوار، الذي يستلزم بالضرورة الإستماع لسائر الثقافات والحضارات.لأن أهمية الإستماع لاتقل عن التحدث والكلام. كما أشار إلى ضرورة أن يكون الشرق حاضراًفي هذا الحوار باعتباره طرفاً وشريكاً فيه إذا أردنا فعلاً لهذا الحوار أن يكون حقيقياً ومثمراً، وأضاف: «إن هذه الدعوة ليست من طرف واحد إذ ينبغي لنا باعتبارنا إيرانيين ومسلمين وآسيويين أن نقوم بنشاط موسع لمعرفة حقائق الغرب.. هذه المعرفة تساعدنا على تحسين وتنظيم حياتنا الإجتماعية، علماً بأن اتخاذ مثل هذه الخطوات من جانبنا أو من الجانب الأوروبي يستلزم خصيصة أخلاقية وروحية حيث تلاحظ تلك الخصيصة متجسدة في إيطاليا..»
وأضاف خاتمي يقول: «إن الحوار أمر منشود، وذلك لأنه قائم على الحرية والإختيار، وليس لأي من الجانبين فرض فكرة ما على الآخر..».
وفي الكلمات الإيطالية الترحيبية بالرئيس خاتمي ظهر التركيز على دعوته للحوار فرئيس جامعة فلورنسا الدكتور باتريك ماسترسون، اعترف قائلاً: «إننا نشاهد اليوم صفحة جديدة من الحوار بين الشعوب» مؤكداً على أن الرئيس خاتمي استطاع أن يعرف العالم بالإسلام من جديد.كما اعتبر زيارته لإيطاليا دفعة مهمة لعجلة حوار الحضارات التي يدعو لها.
أما البابا يوحنا بولس الثاني فقد تحدث خلال لقائه في الفاتيكان مع السيد خاتمي، حول أهمية وضرورة السلام، لأن البشرية عانت من ويلات كثيرة أصابتها جراء الحروب والصراعات وقال: «إن الحوار بين الإسلام والمسيحية يستهدف توفير فرص أفضل لحياة البشرية. مؤكداًعلى أهمية وضع استراتيجية مستقبلية لترسيخ التفاهم والحوار بين الديانتين وكذا بين الشعوب». أما السيد خاتمي فقد أعاد تأكيد استعداد بلاده للتعاون من أجل الحوار لتحقيق السلام العالمي.
وضمن هذا التوجه للحوار بين الأديان وإشادته بالمقترح الإيراني الداعي للحوار بين الحضارات اعتبر زعيم الكنيسة النمساوية الكاردينال الدكتور فرانتس كونيك بأن اقتراح السيد خاتمي هو في الحقيقة قضية تمس جميع الناس. لأن الدين والثقافة والحضارة تخص الإنسان ومن خلال الدين يمكن أن نحقق ونقوي تقاربنا، خصوصاًوأن الإيمان بالله الخالق للكون، عقيدة راسخة لدى جميع الأديان السماوية. وقد دعا الكاردينال النمساوي إلى تجاوز الفهم الخاطئ الذي بُني على الخصومة التاريخية الطويلة، وأوصى بقراءة القرآن والإطلاع على مضامينه ومحتوياته، حتى يتمكن المسيحيون من معرفة الإسلام أفضل.
من جهة أخرى وتأكيداً على أهمية الحوار بين المسلمين، حث الرئيس خاتمي أثناء لقائه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور عز الدين العراقي، حيث المنظمة على تفعيل نشاطها لمعالجة قضايا العالم الإسلامي في إطار التشجيع على الحوار، لأن الحوار كما قال السيد خاتمي: «بين الحضارات والثقافات، شق طريقه في العالم، ويجب أن تدخل البلدان الإسلامية في العام 2001م، وهي على أهبة الإستعداد لإجراء الحوار بين المفكرين الإسلاميين، مع اعتماد القواسم المشتركة بينهم...» واضاف قائلاً: مع استيعاب قضايا العالم الإسلامي، سنكون أقدر على حل شؤون كل دولة من الدول الأعضاء.. داعياًالأمين العام للمنظمة لتكريس المزيد من الجهود للتقريب بين الدول الإسلامية.
أما الدكتور عز الدين العراقي فقد أكد خلال لقائه بالسيد خاتمي على أن فكرة الحوار بين الحضارات مبادرة غنية ورائدة لم يسبر العالم بعد أغوارها.. وفي إطار الإشادة بالمقترح الإيراني الداعي للحوار بين الحضارات في العالم، والجهود التي تبذلها إيران حالياً للتخفيف من التوترات الإقليمية، وعملها من أجل السلام العالمي صرح السيد فدريكو مايور مدير عام منظمة اليونسكو الذي كان يتحدث على هامش مؤتمر: «نحو عالم بلا حرب في الألفية الثالثة»، بأن اقتراح إيران باعتبار عام 2001م خاصاً للحوار بين الحضارات ومصادقة الأمم المتحدة علية، يعد زخماً مهماً في مجال نشر وتنمية ثقافة السلام على صعيد العالم.. كما أشاد بدعوة السيد خاتمي في جميع المناسبات للحوار والتأكيد عليه كسبيل للخروج من المأزق العالمي الذي ينذر بالإنفجار وما سيتبعه من كوارث مدمرة، تطال جميع الشعوب والحضارات دون استثناء.لذلك فقد دعا مايور الحكومات في العالم للحاق سريعاًبركب الحوار لضمان السلام العالمي..