شعار الموقع

ضرورة فتح جسور التواصل بين الفكر الإسلامي في المنطقة العربية والبيئات الإسلامية غير العربية

رئيس التحرير 2004-10-15
عدد القراءات « 646 »

تتعدد وتختلف وتتفاوت بيئات الفكر الإسلامي في مستويات التطور والخبرة والتراكم، وفي نوعيات المسائل والقضايا والموضوعات التي تفرضها مقتضيات كل بيئة وحاجاتها وشرائطها، وفي طبيعة الاحتكاكات والتواصلات والإنفتاحات والإجتهادات التي تشترطها الجغرافيا ومحددات المكان. وهذا يعني أن الفكر الإسلامي من جهة الوصف العام والمطلق هو واحد في مرجعيته ومنظومته الفكرية والعقيدية والفلسفية العليا، إلا أنه متعدد ومختلف ومتفاوت في كل تلك الجهات المذكورة التي هي في الأغلب من محصلات الجغرافيا والتاريخ باعتبارهما العاملان الأكثر تأثيراً في فرض شروطهما وعناصرهما ومكوناتهما. ومن تلك الجهات المتعددة والمختلفة والمتفاوتة يتشكل ما نصطلح عليه بالخطاب الذي يعبر عن المسائل والقضايا والموضوعات والحاجات والمقتضيات والشرائط التي تفرضها البيئات في كل زمان ومكان. والفكر الإسلامي هو الجامع لتلك الخطابات، أو الوصف الذي يعبر عن ذلك الجامع باعتباره يمثل وحدة المرجعية العليا.
وبعبارة أخرى ان خطابات الفكر الإسلامي متعددة من جهة الموضوعات الخارجية، وواحدة من جهة الكليات المرجعية. ومن المفترض أن هذا الوضع، بالتنوع والتعدد والإختلاف الذي هو عليه، ان يثري وينمي ويفعل ويطور الفكر الإسلامي في بيئاته المختلفة بما يوفره ويتيحه من إمكانات وخبرات واجتهادات وتجريبات. وهذا ما لم يتحقق نتيجة القطيعة الفكرية بين هذه البيئات وانعدام إمكانات التواصل والإنفتاح، لأسباب بعضها موضوعية وبعضها ذاتية منها اختلاف اللغات وعدم وجود مراكز للترجمة والتواصل الفكري والثقافي، بالإضافة لبعض حساسيات الجغرافيا والتاريخ، ومنها عوارض الجمود والإنغلاق والضعف العام الذي يعاني منه بصورة رئيسية الفكر الإسلامي في المنطقة العربية. والذي يتوجه إليه هذا النقد، وهو موضوع هذه الإشكالية. وبتوصيف أكثر نجد أن الفكر الإسلامي في المنطقة العربية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وهي الفترة التي يطلق عليها صفة المعاصر للفكر الإسلامي، قد غلب عليه الجمود، والإنكفاء على محيطه العربي، وأضيق من ذلك أيضاً. وتفككت روابطه وتقطعت تواصلاته مع بيئات الفكر الإسلامي الأخرى، وبالذات مع تلك البيئات التي تعتبر أكثر تقدماً وتطوراً ودينامية عليه، مثل ماليزيا وإيران وتركيا وبعض الجمهوريات الإسلامية المستقلة التي كانت تتبع سابقاً الإتحاد السوفييتي. هذه البيئات يجهلها الفكر الإسلامي في المنطقة العربية جهلاً ثقافياً وفكرياً‏وعلمياً بصورة شديدة، هذا الجهل الذي من غير المبرر أن يستمر لهذا الوقت، في ظل أعظم ثورة يشهدها العالم في تاريخه في مجال الإعلام والمعلومات والإتصالات. ومن المعروف أن هذه البيئات لها إسهامات فكرية متقدمة في الماضي والحاضر، ولها اجتهادات في غاية الأهمية وبالذات في المسائل والقضايا التي يقف منها الفكر الإسلامي في المنطقة العربية حائراً‏وقلقاً، وجامداً في بعض الحالات، مثل قضايا الديمقراطية والتعددية والعلاقة مع الغرب، وهكذا في مسائل الاقتصاد والسياسة والإجتماع والتكنولوجيا وتقنيات الإعلام والمعلومات وغيرها. فماليزيا مثلاً التي تعتبر أبرز دولة إسلامية من حيث التقدم العلمي والصناعي والإقتصادي، بالتأكيد لاينفصل تقدمها عن الواقع الفكري والثقافي الذي تعيشه، لأن الفكر شديد الإرتباط ببيئته وواقعه، والبيئة التي تتصف بالتقدم تفرض على الفكر أن يتعامل مع معايير ومؤشرات وقياسات على درجة من التقدم، وتدفعه لأن يرتقي بأدواته وتقنياته ومنهجياته ونظمه وخطابه لمستويات تلك المعايير والمؤشرات والقياسات، وهكذا في التعامل مع مسائل وموضوعات وقضايا، تطرحها البيئة، من خلال التقدم الذي هي عليه. فمن المهم عمل الفكر الإسلامي في المنطقة العربية أن يفتح جسور التواصل والإنفتاح مع تلك البيئات ليتعاطى معها فكرياً‏وثقافياً وعلمياً وتكنولوجياً كشرط حيوي في سعيه للتقدم، وفي الخروج من عزلته وانكماشه، وفي النهوض بخطابه ومنظومته، وفي اكتساب الفاعلية وتطوير القدرات الإجتهادية والمنهجية وليكن ذلك من تحولات الفكر الإسلامي مع القرن الحادي والعشرين، هذه دعوة بحاجة إلى مناقشة ومساءلة وتفاكر.