شعار الموقع

زعامة واستقرار النظام الدولي

إدريس هاني 2004-10-30
عدد القراءات « 744 »


حوار مع: سوزان سترونج*

ماذا نعني بالسلطة الاقتصادية؟

لا أعتقد أنه في مقدورنا التفريق بين السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية. فالولايات المتحدة تملك من الموارد الاقتصادية ما يساهم في دعم سلطتها السياسية. إنه الأمر نفسه بالنسبة إلى شركة مثل مايكروسوفت. فالسلطة تعود بالقدر نفسه إلى الدول كما تعود إلى الأسواق. إن الدول العظمى والشركات الكبرى والأسواق الأكثر تمركزاً، هي من يحوز السلطة.
? مع وجود العولمة، أصبح الضغط العام ناتجاً عن أن قوى السوق، كانت قد حازت قدراً كبيراً من السلطة، بمعنى أخص، السلطة على حساب الدول؟
هذا صحيح. لا سيما بالنسبة للأسواق المالية. أجل، يمكننا القول، على سبيل المثال، بأن مسألة إذا ما كان في مقدور البنوك المركزية الصمود في وجه ضغوط المضاربين أم لا، تبقى مسألة مفتوحة. لكن بالإمكان حيازة السلطة كما السيطرة على الأسواق دون أن تتحقق دائماً الإرادة إلى استخدام السلطة. فللرجال سلطة على النساء(1)، وللآباء سلطة على أبنائهم، لكنهم لا يستخدمون ذلك على الدوام. إن الدول تفقد السلطة حينما ترفض الالتزام بمسؤولياتها تجاه الأسواق. فالأسواق حينئذ تفوز بالسلطة، لكن لن تكون لها أية مسؤولية، بالمعنى الديموقراطي على وجه الخصوص.

? هناك من يعتقد بتراجع قوة الولايات المتحدة مقابل الدول الأخرى، في حين يراها آخرون دائماً زعيماً للاقتصاد العالمي. ماذا ترون بهذا الخصوص؟
لم ينقص شيء من سلطة الولايات المتحدة. بل لعلها اليوم تعبر عن نفسها بصورة أعنف من نظيراتها. لقد وعت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الحرب الباردة ضرورة شرعنة دور الزعيم بالنسبة لحلفائها. لكن بعد عشرين سنة، لم تعد ترى نفسها في حاجة إلى الأوربيين. لقد دخلوا في سياسة أحادية مزمنة، حيث آخر الأمثلة على ذلك، قوانين Helms-burton و Amato-kennedyع(2)، التي تسعى إلى منع شركات العالم كافة من الاستثمار في كل من كوبا وإيران وليبيا، لا لشيء إلا لأن الأمريكيين قرروا ذلك.
? هل تعتقدين أن الولايات المتحدة استخدمت ما تتمتع به من قدرات من أجل التأثير في اتجاه مناسب للاقتصاد العالمي؟
بالتأكيد لقد مارسوا تأثيراً مؤاتياً على السلم العالمي في مواجهة الاتحاد السوفياتي الأسبق، وفي الشرق الأوسط، وفي تهدئة التوتر بين الصين وتايوان(3). لكن تخفيض سعر الدولار سنة 1971، كان قد أربك النظام النقدي العالمي، كما إن رفض الولايات المتحدة للتفاوض مع دول الأوبيك سنة 1973 ساهم في إرباك سوق النفط. إن تأثيرهم هو تارة مؤاتٍ وتارة أخرى سيئ.
? ما هي في نظركم نقطة ضعف الاقتصاد العالمي؟ وإذا كان لابد أن تحدث أزمة، فمن أين سيأتي ذلك يا ترى؟
إن غياب ضبط الأسواق المالية، لهو نقطة الضعف الأكيدة في الاقتصاد العالمي. لقد نوه ريتشير كوبير بالصين والحمائيين. وأنا أتفق تماماً مع موضوع الصين. كما أعلن عن ذلك نيكسون قبل فترة، بأنه يتعين إدماج الصين في الاقتصاد العالمي دون أن نطلب منها الكثير بسرعة أكبر. إضافة إلى ذلك، لا أؤمن بتنمية السياسات التجارية الحمائية. فالشركات تحتاج إلى البيع في سوق عالمية، ما يؤدي إلى انتظامها داخل المجال الدولي. يترافق ذلك مع نمو هام في التجارة العالمية. فالشركات هي أكثر من يتحمل عبء التجارة الدولية وليس الدول. إن الإغراءات الحمائية تطرح متى افتقد النمو والائتمان. غير أن التدابير التجارية التي تتخدها الدول هي في العموم قليلة التأثير: على عكس الاعتقاد الشائع، فقد برهن خبراء التاريخ الاقتصادي على أن السياسات الاقتصادية لسنوات الثلاثينات، لم تحرز في النهاية إلا قليلاً من الأهمية على مستوى حجم ومحتوى واتجاه التجارة العالمية.
? هل يتعين العمل على تنمية نسقية لاتفاقيات الضبط على المستوى الدولي، من أجل تأمين استقرار التجارة الدولية؟
أن نؤمن استقرار التجارة الدولية، هذا يعني أننا استطعنا أن نربح نمواً دائماً. بهذا الخصوص، لم تلعب الولايات المتحدة دور الزعيم المحرض على شكل من الكينيزية الشاملة. لقد كان بالنسبة إليها، على سبيل المثال، من قبيل الغباء أن تفرض تخصيص البنك الأوربي للإعمار والتنمية، 60% من القروض للشركات الخاصة. لقد أباح الأمريكيون، إبان خطة مارشال، لرؤوس الأموال بأن توجه إلى إنشاء البنى التحتية، وخولوا للدول العناية بتدبير ذلك. لقد ضاعت فرصة لانطلاقة جديدة للنمو العالمي في هذه اللحظة. إن النظام المالي الدولي في حاجة إلى ضبط على المستوى الدولي. إنه في حاجة إلى حاكم نهائي على الصعيد العالمي. طبعاً، ليس ذلك في المستطاع، لكن النظام يحتاج إلى ذلك. وإذا لم تتحمل الولايات المتحدة ذلك، فلن يحصل أي شيء.

الهوامش:

?* أستاذة الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة ويرويك، وقد توفيت حديثاً في 1998.
أجرى الحوار: كريستيان شافاينو ـ المصدر:
Problemes economiques-mercredi7-14 avril 1999.n=2.611-2.612
(1) لا يخفى أن هذا المستوى من التناظر، يظل غريب الأطوار في المنظور الثقافي والقانوني الغربيين، حيث الغرب لا يسلم بهذه السلطة العارية للرجال على النساء، لا بل، حتى السلطة العارية تجاه الأطفال، لكن ليس غريباً على خبير الاقتصاد السياسي، أن يؤكد ذلك، على أن مثل هذه السلطة قائمة في حقل الاقتصاد، ويستسيغها الاقتصاد السياسي، حيث للرجال ـ أرباب العمل ـ حق التحكم حتى في المصير الجيني وتحديد النسل للعاملات. الغريب أن هذه السلطة، وخلافاً لما قال به المحاور، غالباً ما تمارس، لكن بنوع من المكر اللغوي الحديث، الذي تتيحه لغة القوانين؛ بهذا المعنى هو عنف يمارس في إطار قوة غالبة، لكنها ناعمة، أي الـ: softpower. (المترجم).
(2) وجه قانون هلمس ـ بيورتن أساساً إلى كوبا، بعد أن صادق عليه الكونغرس الأمريكي وأمضى عليه الرئيس في مارس 1996. وهو قانون يعزز العقوبة التي فرضتها الولايات المتحدة على كوبا منذ 1962. ويتيح هذا الأخير للأمريكيين من أصل كوبي متابعة مئات الشركات التي تستعمل أو تستغل ممتلكاتهم السابقة منذ قيام ثورة كاسترو في 1959، في المحاكم الأمريكية. وتتيح أيضاً فرض غرامات على هذه الشركات ومنعها من الحصول على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة. وقد أدى الخلاف الجاري بهذا الخصوص بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي إلى تعليق هذا القانون. لكن في سنة 1988، توصل الطرفان إلى حل مفاده، أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات على الشركات الأوربية المستثمرة في كوبا، في حين يلتزم الاتحاد الأوربي بمنع الاستثمار في الممتلكات التي تم امتلاكها سابقاً بطريقة غير مشروعة.
أما قانون أماتو ـ كيندي، فهو موجه إلى كل من إيران وليبيا في 1996، بموجبه تم فرض عقوبة على الدول المسماة مارقة؛ بسبب دعمها للإرهاب الدولي وموقفها من السلام في الشرق الأوسط ومحاولة حيازة أسلحة دمار شامل. هذا القانون يمنح للرئيس مزيداً من السلطات في تطبيق العقوبات على كل عملية استثمار تتجاوز 20 مليون دولار في السنة، في قطاع الطاقة في إيران وليبيا، سواء أكانت أمريكية أم غيرها. وفي 1998 توصلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي إلى اتفاق مفاده، أن ترفع الولايات المتحدة العقوبة ضد الشركات الأوربية التي استثمرت في إيران وليبيا، في حين يلتزم الاتحاد الأوربي بإقناع إيران بعدم حيازة أسلحة الدمار الشامل.
يوقفنا القانونان على فظاعة الفوضى التي يعانيها النظام الدولي، وخطورة أن تفرض دولة ما قانوناً على العالم، ثم تفاوض مع الكتل الاقتصادية الأخرى في تفاصيل تطبيقه على ضحاياها. غياب نظام دولي عالمي في السياسة أمر فظيع، لكن الأفظع منه غياب نظام اقتصادي عالمي. وكلاهما يرهنان السلم العالمي إلى مستقبل يكتنفه الغموض. (المترجم)
(3) تبدو تلك نظرة سطحية من وجهة نظر السياسة الدولية، فموضوع السلم العالمي هو أعقد من تلك الصورة بكثير، ويبدو أن تلك هي وجهة النظر الأمريكية نفسها في موضوع السلم العالمي، حيث تقدم نفسها راعية السلام، لكن ما هي يا ترى وجهة نظر الأمم الأخرى، لا سيما تلك التي لا زالت ضحية قرارات أمريكية من جانب واحد ضد مصالحها، بدءاً من حقوق السيادة إلى تقرير المصير، كما هو واضح بيِّن في ملف الشرق الأوسط. سوف يظل ملف الشرق الأوسط هو التحدي الأكبر في ملحمة خلق الأوهام والأساطير الحديثة، وطبعاً في مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الكبير، لا لشيء إلا لأن شعوب المنطقة تواجه مشكلات مركبة: غياب الديموقراطية، وتقرير المصير، وما يعنيه من سلام عادل وشامل، ولكل منهما علاقة بنيوية بالآخر. شعوب المنطقة الواعية بكل هذه الاستهتارات ترفض أن تتحول مطالبها في التنمية والتحرر إلى ضرب من البوليميك السياسي الدولي. (المترجم)
?كام???زعامة واستقرار النظام الدولي
حوار مع: سوزان سترونج*
ترجمة: ادريس هاني
? ماذا نعني بالسلطة الاقتصادية؟
لا أعتقد أنه في مقدورنا التفريق بين السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية. فالولايات المتحدة تملك من الموارد الاقتصادية ما يساهم في دعم سلطتها السياسية. إنه الأمر نفسه بالنسبة إلى شركة مثل مايكروسوفت. فالسلطة تعود بالقدر نفسه إلى الدول كما تعود إلى الأسواق. إن الدول العظمى والشركات الكبرى والأسواق الأكثر تمركزاً، هي من يحوز السلطة.
? مع وجود العولمة، أصبح الضغط العام ناتجاً عن أن قوى السوق، كانت قد حازت قدراً كبيراً من السلطة، بمعنى أخص، السلطة على حساب الدول؟
هذا صحيح. لا سيما بالنسبة للأسواق المالية. أجل، يمكننا القول، على سبيل المثال، بأن مسألة إذا ما كان في مقدور البنوك المركزية الصمود في وجه ضغوط المضاربين أم لا، تبقى مسألة مفتوحة. لكن بالإمكان حيازة السلطة كما السيطرة على الأسواق دون أن تتحقق دائماً الإرادة إلى استخدام السلطة. فللرجال سلطة على النساء(1)، وللآباء سلطة على أبنائهم، لكنهم لا يستخدمون ذلك على الدوام. إن الدول تفقد السلطة حينما ترفض الالتزام بمسؤولياتها تجاه الأسواق. فالأسواق حينئذ تفوز بالسلطة، لكن لن تكون لها أية مسؤولية، بالمعنى الديموقراطي على وجه الخصوص.
? هناك من يعتقد بتراجع قوة الولايات المتحدة مقابل الدول الأخرى، في حين يراها آخرون دائماً زعيماً للاقتصاد العالمي. ماذا ترون بهذا الخصوص؟
لم ينقص شيء من سلطة الولايات المتحدة. بل لعلها اليوم تعبر عن نفسها بصورة أعنف من نظيراتها. لقد وعت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الحرب الباردة ضرورة شرعنة دور الزعيم بالنسبة لحلفائها. لكن بعد عشرين سنة، لم تعد ترى نفسها في حاجة إلى الأوربيين. لقد دخلوا في سياسة أحادية مزمنة، حيث آخر الأمثلة على ذلك، قوانين Helms-burton و Amato-kennedyع(2)، التي تسعى إلى منع شركات العالم كافة من الاستثمار في كل من كوبا وإيران وليبيا، لا لشيء إلا لأن الأمريكيين قرروا ذلك.
? هل تعتقدين أن الولايات المتحدة استخدمت ما تتمتع به من قدرات من أجل التأثير في اتجاه مناسب للاقتصاد العالمي؟
بالتأكيد لقد مارسوا تأثيراً مؤاتياً على السلم العالمي في مواجهة الاتحاد السوفياتي الأسبق، وفي الشرق الأوسط، وفي تهدئة التوتر بين الصين وتايوان(3). لكن تخفيض سعر الدولار سنة 1971، كان قد أربك النظام النقدي العالمي، كما إن رفض الولايات المتحدة للتفاوض مع دول الأوبيك سنة 1973 ساهم في إرباك سوق النفط. إن تأثيرهم هو تارة مؤاتٍ وتارة أخرى سيئ.
? ما هي في نظركم نقطة ضعف الاقتصاد العالمي؟ وإذا كان لابد أن تحدث أزمة، فمن أين سيأتي ذلك يا ترى؟
إن غياب ضبط الأسواق المالية، لهو نقطة الضعف الأكيدة في الاقتصاد العالمي. لقد نوه ريتشير كوبير بالصين والحمائيين. وأنا أتفق تماماً مع موضوع الصين. كما أعلن عن ذلك نيكسون قبل فترة، بأنه يتعين إدماج الصين في الاقتصاد العالمي دون أن نطلب منها الكثير بسرعة أكبر. إضافة إلى ذلك، لا أؤمن بتنمية السياسات التجارية الحمائية. فالشركات تحتاج إلى البيع في سوق عالمية، ما يؤدي إلى انتظامها داخل المجال الدولي. يترافق ذلك مع نمو هام في التجارة العالمية. فالشركات هي أكثر من يتحمل عبء التجارة الدولية وليس الدول. إن الإغراءات الحمائية تطرح متى افتقد النمو والائتمان. غير أن التدابير التجارية التي تتخدها الدول هي في العموم قليلة التأثير: على عكس الاعتقاد الشائع، فقد برهن خبراء التاريخ الاقتصادي على أن السياسات الاقتصادية لسنوات الثلاثينات، لم تحرز في النهاية إلا قليلاً من الأهمية على مستوى حجم ومحتوى واتجاه التجارة العالمية.
? هل يتعين العمل على تنمية نسقية لاتفاقيات الضبط على المستوى الدولي، من أجل تأمين ا