شعار الموقع

الإعلام الإسلامي والتحضير للقرن الحادي والعشرين

محمد الحامدي الهاشمي 2004-08-18
عدد القراءات « 561 »

الإعلام بين النهوض والاستسلام


الإعلام الإسلامي أقسام، هناك الإعلام الإسلامي الرسمي الذي ترعاه الحكومات، وهو في غالبه متجه إلى تبرير ما
هو حاصل وتعويله في أذهان الناس إلى نوع من الانتصار الذي يحق للمرء أن يفخر به، فمثلاً يصبح اتفاق أوسلو انتصاراً تاريخياً مهماً، وتصبح التنازلات التي قدمها الرئيس السادات للإسرائيليين تصبح دليلاً على الحكمة الخارقة والمعجزة التي لم يعترف بها الناس، ويصبح التراجع السياسي أمام مطالب الحكومات الأمريكية وغيرها مما يتعلق بالمصالح العربية دليلاً على الحكمة وبعد النظر. وكذا تغيير مناهج التربية والتعليم، وقلب حقائق التاريخ القديم والحديث يسبب التزامات التعامل مع الدولة العبرية، ويصبح نوعاً من تحديث التعليم وتطويره، وتعزيز نفوذ الدولة القطرية وهيمنتها. ويصبح هذا التحديث هو الطريق للدخول للعصر والحداثة وحتى ما بعد الحداثة.
مشكلة هذا الإعلام. هو تزييف الوقائع وتسهيل الضرب والقرع على رؤوس الناس وعقولهم حتى يقبلوا هذه الأحداث، ليس باعتبارها هزائم وانكسارات ينبغي مقاومتها والخروج منها ولكن باعتبارها عقلانية، وباعتبارها تعاملاً معتدلاً مع الأحداث، وباعتبارها تعاملاً براجماتياً مع الواقع وذكاء ودليلاً على حسن التعامل مع الزمان.
ثم إن من المشكلات التي وقع فيها هذا الإعلام تكسير القيم الدينية والقيم الثقافية، والقيم العربية كلها تصبح نوعاً من التراث القديم الذي ينبغي التخلص منه. ويصبح المتمسكون بهذه القيم شواذ منحرفون، جاؤوا من كوكب آخر أو من زمن آخر. هناك ما يشبه الحرب على القيم وعلى هذه الموازين بحيث يصبح النموذج الجديد هو النموذج المستسلم لكل هذه التطورات، هذا ما يمثله جزء كبير من الإعلام الإسلامي. يقابله إعلام إسلامي ثانٍ يرفض هذه المعطيات، يعرف أنها واقع لكن لا يسلم بأنها قدراً أو خياراً حتمياً لا مخرج منه. وبمثل ما يفهم الواقع يحاول أن يحرك طاقات الناس لإصلاح هذا الواقع مثلما تفعل كل الأمم الحية، الآن وعلى مدار التاريخ. تمر الأمم بأوقات عصيبة وصعبة ويمكن أن تفقد دولة ما استقلالها السياسي وتحتل عسكرياً، لكنها تقاوم وتعود، وهذا الإعلام يحاول أن يفهم الناس بأن الانكسار يمكن أن يقع لكن الأخطر منه القبول بهذا الانكسار وتبريره، وهذا الإعلام يحاول أن يراهن على القيم الأصيلة في شخصية الإنسان العربي والمسلم ويذكره بأن له قيمه وشخصيته التي تختلف عن شخصية غيره، لأن كل أمة لها مزاجها وشخصيتها، والإعلام الإسلامي يعتز بهذ ه الخصائص، ولا يراها عقدة ولا يفهم أن العالمية تعني التخلي عنها. بل يفهم أن العالمية تعني أن تسهم في خير المجموعة البشرية بثقافتك الخاصة وبهويتك وبتراثك وبتقاليدك. وبالتالي فإن فكرة الرابطة العربية والإسلامية ما زالت بالنسبة إليه المعيار والميزان الأساسي في الاعتبارات السياسية، أو في نظرته إلى نفسه أو إلى منطقته وإلى العالم.
وهذا الإعلام متحرر من العقد مع القيم الدينية، لأنه لا يشعر بأن الدين عقدة أو عبء عليه، يشعر أن الدين مثل ما هو موجود ويفهم في الغرب الآن عند المسيحيين واليهود وكذا البوذيين، هناك قيم إيجابية يمكن من خلالها أن ينخرط الملايين من الناس في عمل إيجابي وتنموي وإعماري. إذن هذا الإعلام ليس له عقدة مع دينه أو مع عروبته. ومع أنه يعترف بالواقع ويفهم أن هناك واقعاً صعباً الآن تعيشه الأمة العربية، لكنه لا يسلم به ولا يستسلم له، ومثل هذا الإعلام الآن كجزء من الواقع العربي العام يجد نفسه محاصراً ومضيقاً عليه ويتحرك في ظروف صعبة. والغلبة الآن للإعلام الآخر الذي يبرر الواقع ويسلم له. هذا تشخيص لمعركة بين الأطراف لا تبدو متكافئة، لكنها ليست معركة ميؤوس منها، لكنها تحتاج إلى جهد وإلى صبر.

تحضير الإعلام الإسلامي للقرن القادم
علينا أن نهيئ الإعلام الإسلامي لاستقبال القرن الحادي والعشرين وما يمكنه أن يقدم من عطاء.
فالإعلام الرسمي يحاول أن يستخدم كل وسائل الإنتاج والتعبير الحديثة. ويستثمر أموالاً هائلة في الإعلام المصور والمسموع والمكتوب، وعبر الفضاء باستخدام الأقمار الصناعية. وهدفه هو أن تستعد الأمة للقرن الجديد وتدخله وقد قبلت بالنظام الشرق أوسطي الجديد، وقد أقرت بالقطرية خياراً نهائياً، وقد أقرت كذلك بأن ليس لها نموذج محترم وجدير بالدفاع عنه في مواجهة النموذج الغربي والأمريكي. هذا الإعلام موجود ويشتغل وصوره تبث وتصل منازلنا.
أما الإعلام الثاني الذي يقاوم هذه النزعة ويراهن على مآل ومصير مختلف عن المصير الأول، يراهن على مآل تكون فيه الأمة قوية وتستعيد حقوقها العادلة والمشروعة، وتقترب من بعضها البعض، وتتعاون على شاكلة النهج الأوربي، أي مثل الاتحاد الأوربي للدفاع عن مصالحها المشتركة، وتتجه نحو المزيد من الحرية الحقيقية التي تساوي بين الناس جميعاً وبين الحاكم والمحكوم، وتنزع عن الدولة ألوهيتها وقدسيتها، وترجع القدسية فقط للشريعة والإسلام. هذا التيار الإعلامي إمكانياته أقل بكثير ولا مجال للمقارنة بين إمكانياته وإمكانيات التيار الإعلامي الثاني. لكن قوته الأساسية في الكلمة التي يحملها، لأن الناس بطبيعتهم أقرب وأميل إليه، لأنه يراهن على الخير فيهم وعلى مقومات الكرامة والشرف. بينما يراهن التيار الثاني على الضعف وعلى الجبن في نفس الإنسان وعلى قلة الصبر والاستكانة فقوة الإعلام الإسلامي فيما يدعو إليه، أدواته ضعيفة في الغالب، كما أن العاملين فيه وللأسف منقسمون وجهودهم متفرقة. لكن ربما وطأة الواقع وصدمته المتنوعة الأوجه ستدفع العاملين في هذا الإعلام إلى التقارب والوعي بضرورة تطوير وسائلهم، والاستفادة من الإمكانيات الت قنية المعاصرة والمتاحة. وهذه لا تحتاج إلى أموال كثيرة وإنما تحتاج إلى حسن التصرف وإدراك الأولويات. فما زال أمام العاملين في هذا التيار العمل على توحيد جهودهم ما أمكن ليقدموا عملاً جديراً بمنافسة الإعلام الإسلامي الرسمي.
هنا نحتاج إلى التغيرات التي يفترض أن تدخل على الإعلام الإسلامي كي ينهض ويساهم في التحضير للقرن القادم. ينبغي توزيع الوظائف بحيث يكون هناك أهل اختصاص ذات مهارة، مثلاً في الإعلام الثقافي الذي يهتم بتمحيص الأفكار ونقدها وتطويرها وإبراز المجتهدين وأصحاب الأفكار الجديدة وعرض أفكارهم للأخذ والرد وللجرح والتعديل، لا بد له من التخصص لأننا نجد بعض الناس يشتغلون في كل الألوان، لذلك تأتي مساهمتهم سطحية في هذه المجالات. كذلك الإعلام الثقافي الفني لا بد أن يكون هناك ميزان للفن الصحيح. وبالتالي فنحن محتاجون في كل الجوانب الفنية والثقافية والسياسية للاختصاص. وتقديم صورة متميزة للقارئ والمشاهد والمستمع العربي، كما يجري داخل بلده وفي العالم.
كما أن رهان الإعلام الأساسي هو المال، إذا أردت أن تؤيد أو تعارض فكرة فلا يمكن أن توصلها أو تعبر عنها تعبيراً مفيداً إلا بالمال أيضاً الذي يمكنك من الطباعة والنشر والتوزيع. وأن تتمكن من التحرك على مدى واسع، أن تبث كلمتك عبر الأقمار الصناعية مثلاً.
بالإضافة إلى تشجيع عملية النقد والتمحيص للعمل الإعلامي من طرف الإعلاميين أنفسهم باستمرار. هذه من الشروط الأساسية التي ينبغي للعاملين في الإعلام بمعناه الشريف أن يلتزموا بها الآن كحد أدنى ليكونوا قادرين على المنافسة.
رسالة الإعلام الإسلامي في القرن القادم. رسالة الإعلام الإسلامي في سياق الإعداد للقرن القادم، هي أن يبشر بالمعاني السامية التي جاء بها الرسول محمد بن عبد الله (ص) للبشرية كافة، والتي أقرت بأن الناس سواسية كأسنان المشط، وإن خالق الكون خلق الناس أمماً وشعوباً وقبائل ليتعارفوا، وليس ليطغى بعضهم على بعض، أو لتزدهر أحوال بعضهم على حساب البعض الآخر. وإن كل النزعات العنصرية التي تعطي أفضلية عرقية أو قبلية لأمة من الأمم، خاطئة وتؤدي إلى الفاشية وعدم الاستقرار في العالم وينبغي أن تقاوم. كما أن أكبر ضحايا هذه الدعوات هم العرب أنفسهم ثم الأفارقة!؟
هناك شعور لدى الناس بأنه ينبغي أن تكون أبيضاً وأن تكون أوربياً حتى تكون قوياً ومحترماً في هذا العالم. وينبغي أن تكون مقتنعاً بالعلمانية والديمقراطية على الطريقة الغربية وغيرها حتى تكن معاصراً. إذن رسالة الإعلام الإسلامي أن يدافع عن التنوع في العالم. وأن يدافع عن فكرة السلام العالمي القائم على احترام حقوق الأمم كافة والشعوب كافة، واحترام الثقافات المختلفة، وعلى رفض هيمنة ثقافة واحدة على العالم كله ورفض هيمنة قطب واحد أو عاصمة واحدة على العالم كله والدفاع عن حقوق الناس كافة بأن يعيشوا باحترام وأن تحترم عقائدهم وتحترم أفكارهم.
ما زال هناك الكثير مما يقدمه الإسلام لهذا العالم، وما زال الإسلام بإمكانه أن يدافع عن كرامة الإنسان في كل مكان. والمسلم الذي يعتز بدينه وثقافته يستطيع أن يتحرك من أرضية صلبة وقوية، ويدعو لاحترام الناس كافة واحترام التعدد والتنوع. كما أن الإعلام الإسلامي يحتاج إلى إبراز معاني إسلامية أخرى متنوعة عند الأمة الإسلامية نفسها، كالدفاع عن حقها في الكرامة والعدل وأن تصان حقوقها وألا تدار شؤونها ومصالحها بالوكالة ويتحكم فيها «بالريمونت كنترول» من العواصم الغربية. كذلك ما زالت مهمة الحرية بمعناها الأساسي أي بمعنى الحرية من الاستعمار المباشر. ما زالت هذه القضية قائمة في العالم العربي وحرية العرب في أن يقرروا مصائرهم بأنفسهم دون ضغوط غربية تتدخل في الحياة اليومية للإنسان العربي.
هناك تحدٍّ كبير أمام الإعلام الإسلامي أن يعبئ الناس من أجل الدفاع عن هذه الحقوق التي أصبحت من البديهيات عند كل الأمم. والإسلام يمكن أن يكون قوة تعبئة هائلة للناس لأنه يحمل من الحرية شيئاً مقدساً وأصلياً. لأن الإنسان مفطور على الحرية والكرامة، والإسلام بهذا المعنى يمكن أن يكون رصيداً هائلاً للإصلاح والتحرر وللوحدة. ورصيداً للمساواة بين الناس، ولمبادئ التعاون بين الدول على أساس الاحترام المتبادل، في مواجهة الأفكار العنصرية وسياسات الهيمنة التي ما تزال موجودة وقائمة، ولا يغفل عنها إلا أعمى البصر والبصيرة.
(*) رئيس تحرير جريدة المستقلة ومجلة الدبلوماسي، تصدران من لندن.