24 – 27 يناير
انعقدت في الكويت في الفترة ما بين 24 – 27 يناير 1994م ندوة فكرية حول " مناهج التغيير في الفكر الاسلامي المعاصر " تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية..
وتأتي هذه الندوة في إطار مشروع " مستجدات الفكر الاسلامي والمستقبل " في دورته الثالثة التي تنظم سنوياً في الكويت ..
وقد شارك في الندوة عدد من العلماء والمفكرين والباحثين من دول عربية مختلفة ..
وتنبع أهمية هذا الموضوع الذي بحثته هذه الندوة من أن نظرة واحدة إلى واقع مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة من شأنها أن تنقلب إلينا أبصارنا منها وهي خاسئة حسيرة. فعلى المستوى الحضاري تتسع يوماً بعد يوم الهوة بين ثورتها التكنولوجية وارتادت آفاق الفضاء. وعلى المستوى الاجتماعي لا زلنا نعيش حالات التجزئة القطرية والإقليمية نزولاً بها وهبوطاً إلى مركباتها الطائفية والعرقية القبلية ووصولاً إلى أدنى حالات الفردية في وقت يتجه فيه العالم بخطى حثيثة إلى الدمج بين كياناته القومية وأقربها منا الوحدة الأوروبية التي تستقطب شعوب قارة بأكملها مجاورة لنا على اختلاف لغاتها الاثنتي عشرة وجذورها العرقية وأديانها ومذاهبها، بل وتضارب بعض مصالحها أحياناً . وعلى المستوى الفكري لا زلنا نعيش حالات الاضطراب بين العجز عن تفهم نسقنا الحضاري الإسلامي والإبداع ضمنه من جهة ، ومغالبة انعكاسات الأنساق الحضارية الأخرى في العالم علينا من جهة ثانية .
هذه الأوضاع بجملتها تشكل مأزقاً حضارياً متعدد الوجوه، ومركب العناصر، وقد جعلت المجتمعات الإسلامية تعيش حالة الاستتباع لغيرها، وتتعرض لضغوط مختلفة أفقدتها هويتها ونسقها، فنحن لا نواجه اهتزازاً في بنيتنا الداخلية ونسقنا الحضاري الإسلامي فقط ولكننا نعيش أيضاً محاذير فقدان الكيان والهوية تماماً .
وقد حاولت مختلف الحركات والتيارات الإصلاحية الدينية، وبأشكال اجتهادية مختلفة منذ نهايات القرن الماضي وبدايات هذا القرن، تحقيق التغيير المنشود لانتشال الأمة من وهدتها، فتعددت الحركات والتيارات الإسلامية وتنوعت أساليبها وفقاً لخصوصيات النشأة وبيئة التكوين وفوارق الرؤية والاجتهادات . ومع ذلك بقيت الأمة في المأزق وبقيت حالة الفشل والتراجع قائمة وماثلة تستدعي دارسة منهجية بهدف تحديد واقع مجتمعاتنا الإسلامية ومضامين أزماتها وكيفية التغيير فيها بضوابط الإسلام نفسه فلكل نظرية وفلسفة ضوابطها في التغيير وفق غاياتها .
والمنهج الإسلامي إنما يتجه إلى اصلاح ( الأمة ) بأسرها، ويخاطبها بوصفها أمة وليس من خلال تشكلاتها الطبقية. فغاية الإسلام تستهدف ( الإنسان ) أياً كان موقعه الاجتماعي، وبالتالي يختلف حتماً أسلوب التغيير في المنهج الإسلامي عن غيره في المناهج الوضعية البشرية فلا يكون التدافع على أساس اجتماعي .
بل إن الإسلام قد قضى بأن يكون التدافع الديني نفسه محكوماً بأخلاق الإسلام، فالدولة الإسلامية هي أول دولة في العالم تؤسس على قواعد الدين وتتيح حرية الأديان في إطارها الجغرافي – السياسي وفق ما نظمه الإسلام من قواعد التعامل مع غير المسلمين في الدولة الإسلامية .
فخطاب التغيير في الإسلام يتجه إلى ( الأمة ) قاطبة لتحسن إلى نفسها وتحسن إلى غيرها .
هذا المدخل الذي جاء في ورقة عمل الندوة يكشف لنا عن الأفق والفضاء المعرفي الذي حاولت الندوة بأبحاثها وتعقيباتها ومداخلاتها أن تحلق في أجوائه لتعايش التجارب من الماضي وتقترب من الحاضر وتنظر إلى المستقبل ..
أما عن أعمال الندوة : فقد افتتحت بكلمة لوزير الأوقاف والشؤون الاسلامية " جمعان العازمي " أكد فيها على أهمية الأبحاث والدراسات التي ستناقش في فعاليات الندوة .
وأضاف أن التغيير سنة الله في هذا الكون فهو مفتاح الإصلاح وسبيل الرفعة. ولا يخفى علينا حال أمتنا الذي يدعو لنظرات تأمل وامعان نحدد فيها معوقات نمونا وتقدمنا ولعلنا نجد بعدها الحلول التي تذلل المعوقات.
كما أشار إلى ضرورة وضع ضوابط منهجية سليمة تهدف إلى الوصول إلى أساليب التغيير المحددة، معرفة موجباتها، لانتشال أمتنا مما هي عليه.
والكلمة الثانية وكانت لوكيل وزارة الأوقاف الأستاذ " خالد الزير " جاء فيها : دأبت وزارة الأوقاف على اقامة ندوتها السنوية تحت إطار " مستجدات الفكر الاسلامي والمستقبل " ونخص هذه الندوة وهي الثالثة لمناقشة " مناهج التغيير في الفكر الاسلامي المعاصر " .
وأضاف أن هذه الندوة بهذا الموضوع الذي يفرض نفسه بإلحاح ويجعل من الصعب تجاوزه إلى موضوع غيره فالكل يتحدث عن الاصلاح والعودة إلى الينبوع الصافي وهو كتاب الله وسنة نبيه .
وتساءل الأستاذ " خالد الزير " إلى كيف السبيل إلى تحقيق هذه العودة المنشودة ؟ وقال إن الاجابة على هذا السؤال ليست بالأمر الهين ولهذا اجتمعت هذه النخبة من علماء الأمة ومفكريها من مختلف الأقطار ومن مدارس فكرية متنوعة ليتدارسوا هذه القضية بعقول متفتحة تسعى للإجابة على هذا السؤال المطروح .
بعد ذلك ألقى الدكتور " طه جابر العلواني " كلمة " المعهد العالمي للفكر الاسلامي " بواشنطن المشرف على دراسات وأبحاث هذه الندوة .
وقال لم تتفق آراء الناقدين والمحللين والباحثين على شيء اتفاقها على أن واقع العرب الراهن واقع مأزوم بلغت أزمته حد الاستفحال منذ وقت غير قصير .
وأضاف ولقد قدمت قراءات نقدية وفق رؤى ومناهج مختلفة تناولت واقعنا العربي من جوانبه المتعددة ولا شك أنها تصلح لأن تبني عليها دراسات تحليلية تستخلص منها معالم مشورع حضاري بديل. وأشار الدكتور العلواني إلى موضوع الندوة وقال : أن مناهج التغيير هي موضوع المرحلة بحق ولا يكاد موضوع آخر من الموضوعات العامة يرتقي أهميته أو يصل إلى مستواه. وبالتالي فإن اختيار هذا الموضوع كان موفقاً .
وأهمية هذا الموضوع تؤكد ضرورة تقديم بعض التصورات الهامة في هذا السبيل ويفتح المجال أمام مفكري الأمة والمشتغلين بمهمة الاصلاح ، اما كلمة المشاركين فقد ألقاها الداعية الاسلامي الشيخ " محمد الغزالي " جاء فيها " إن الكويت لها مكانة كبيرة في العالم الاسلامي وهذا واضح من خلال الندوات التي تعقد بين فترة وأخرى. وإن رجال الدعوة في الكويت وعلى رأسهم رجال وزارة الأوقاف كان تفكيرهم سليماً في هذه الندوة وغيرها لأن الاسلام ليس خاصاً بأحد. وأوضح أنه يجب على المسلمين في كل مكان التحرك السريع للعمل على رفعة شأن الاسلام مشيراً إلى أن التفاهم الكامل بين المعهد العالمي للفكر الاسلامي وبين القائمين على الدعوة الاسلامية في الكويت هو خير وصلاح للمسلمين .
المحاور الأساسية في اعمال الندوة كما كان مخططاُ لها :
المحور الأول :
ويبحث في تأصيل مفهوم التغيير في النسق المعرفي الإسلامي وتحديد دلالات هذا المفهوم في القرآن والسنة والخبرة التاريخية الإسلامية من خلال استقراء التجارب التاريخية التي مثلت نقاط تحول وشهدت عمليات تغيير، ثم استقراء اجتهادات المفكرين المسلمين ونظرياتهم حول مفهوم التغيير ومداخله ووسائله ومراحله، كذلك ربط هذا المفهوم بالمفاهيم الأخرى المماثلة مثل التجديد، الإصلاح ، النهضة ، الإحياء ، اليقظة ، الثورة ، التحديث ، التنمية ، التقدم ، وذلك في النسق المعرفي الإسلامي ، والنسق المعرفي الغربي المعاصر .
المحور الثاني :
ويبحث أوضاع المجتمعات الإسلامية المعاصرة بتشخيص نسقها الثقافي ونمطها الفكري ومكونات عقليتها، ومصادر تفكيرها وقيمها ومعاييرها وذلك من خلال دارسات ذات طبيعة أنثروبولوجية / اجتماعية لهذه المجتمعات سواء في مجملها أو أخذ مجتمعات بعينها تمثل حالة مثالية يمكن تعميم ما يخرج منها على باقي المجتمعات الإسلامية، ويركز هذا المحور على مفهوم الثقافة بمعناه الشامل الذي يعني القيم والمعايير وأنماط السلوك والمعيشة والعادات والتقاليد والنظم الاجتماعية السائدة في هذه المجتمعات وذلك بغية التشخيص ومعرفة محددات ثقافة هذه المجتمعات ومواطن الخلل فيها من ناحية وأسباب هذا الخلل أو التخلخل ومصادره سواء أكانت نتيجة أفكار ميته وردت من بطون تاريخنا أو من أفكار ميته صدرت إلينا أو سعينا لاستيرادها على حد تعبير مالك بن نبي .
المحور الثالث :
ويبحث في مناهج التغيير المعاصرة التي تتبناها الحركات الإسلامية المعاصرة في هذا القرن وذلك بحثاً توصيفياً تقويمياً نقدياً بغية الخروج بتحديد الإيجابيات والسلبيات في مناهج هذه الحركات أو برامجها، وتحديد مناطق النجاح والفشل في كل منهج على حدة، وسوف يتم تقسيم المناهج تقسيماً موضوعياً ويدرس المنهج ثم يتم استدعاء ودراسة أقرب الحركات الأخذة بهذا المنهج، ومن هنا فلن يكون التصنيف طبقاً للحركات ولكن طبقاً للمناهج، ومن ثم فقد تدرس الحركة داخل أكثر من منهج .
المحور الرابع :
التعدد التنظيمي للحركات الإسلامية ومدى شرعيته واتساقه مع الأصول الإسلامية وهل يصبح أصلاً أن يكون هناك تنظيمات تنفصل عن جسد الأمة وتستقل عنها ولو من حيث المسمى، وما هو أثر هذه التنظيمات المتعددة القائمة الآن على نجاح عملية التغيير. وهذا المحور يدرس طبيعة العلاقة بين الحركات الإسلامية وبقية عناصر المجتمع ، وبين بعضها والبعض الآخر في داخل المجتمع الواحد، وأثر هذا التعدد التنظيمي على نجاح أو فشل هذه الحركات ومتى تكون التعددية علامة صحة ودليل حيوية ومتى تكون عائقاً وتفتيتاً للجهد ومولداً للصراعات الداخلية التي تصرف جهد معظم الحركات عن أهدافها وبرامجها .
المحور الخامس :
المرأة كمحور للتغيير : يبحث هذا المحور حول واقع المرأة في المجتمعات المعاصرة، والدور الدعوي للمرأة المسلمة، وكيف توازن المرأة بين واجباتها المنزلية وبين التغيير، وقضية المرأة من خلال نظرة عن المدارس الفكرية المتعددة والغربية .
وقد أدخل هذا المحور في اعمال الندوة قبل يومين من نهايتها .
المحور السادس :
حلقة مفتوحة لمناقشة ميثاق لعمل إسلامي معاصر من اعداد اللجنة التحضيرية للندوة .
وقد اتسمت نقاشات وحوارات الندوة بطابع حر تعددي، كما أظهرت مدى الحاجة إلى تكثيف جهود المفكرين والباحثين في سبيل انجاز وصياغة دراسات علمية جادة وموثقة لمعالجة كوامن الخلل في الاجتماع الاسلامي وأهمية المراجعات التقويمية للفكر والتراث الاسلامي على ضوء التغيرات الاقليمية والعالمية .
وقد أكد الباحثون في الندوة على ضرورة تجديد أساليب العمل الإسلامي، والخروج من دائرة التغيب إلى الوعي، ومن دائرة المثالية إلى الواقعية والعمل على رأب الصدع والفجوة التي أخذت بالاتساع بين الشعوب الاسلامية.. وقد آن الأوان للخروج بمشروع عمل معاصر واضح المعالم يستوعب كافة التيارات والاتجاهات الفكرية في العالم الاسلامي..
كما أكدت الندوة على ضرورة التجديد في الفكر الاسلامي في إطار الثوابت الكلية والعامة للشرع الاسلامي ، و أن يتم هذه العملية بشكل هادىء ودقيق.. وأن تغيراً في أساليب الحياة يفرض علينا تغيراً قسرياً قد يخرج عن نطاق سيطرتنا ، وهنا تبرز أهمية الدراسات الميدانية والموضعية .. كما تميزت الندوة بتعدد محاورها وتوسع أبحاثها ..
ومن المشاركين في الندوة الشيخ " محمد الغزالي " والدكتور " يوسف القرضاوي " والدكتور " طه جابر العلواني " والدكتور " محمد عمارة " ببحث حول " مطاعن العلمانيين على المشروع الإسلامي للتغيير " الدكتور " فهمي جدعان " ببحث حول " الاسلام والتحولات القسرية " والدكتور " محمد غانم الرميحي " ببحث حول " القيم والاخلاقيات العامة المؤثرة في ثقافة المجتمع العربي في الخليج في مرحلتي ما قبل وما بعد الطفرة النفطية " والدكتور " علي جمعة " ببحث حول " فلسفة مناهج التغيير " والدكتور " توفيق بن أحمد القصير " ببحث حول " المسلمون والنظام الدولي الجديد آمال .. وشكوك " والاستاذ " صادق العبادي " ببحث حول "منهجية التغيير والاصلاح في الفكر الاسلامي الشيعي" والدكتور " وجيه كوثراني " والأستاذ "عبدالجليل الغربللي " ببحث حول " القيم التي تحكم السلوك الاقتصادي للمجتمع الخليجي" والأستاذ " هشام جعفر " ببحث حول " العمل الاسلامي بين الطرح السياسي والطرح الحضاري" والدكتور " أحمد محمد بوزير " ببحث حول " أين الفكر الاسلامي من مناهج وآليات التغيير المعاصر" والدكتور " سالم حميش " ببحث حول " مفهوم التغيير عند المؤرخين المسلمين نموذج ابن خلدون ناقداً ومنظراً " والأستاذ " محمد السماك " ببحث حول " دور الاعلام في تكوين العلاقات الانسانية وفي التأثير على الثقافات " وآخرون ..
وحين يعبر الدكتور " محمد الرميحي " عن انطباعاته يقول : فإن نداء التغيير