شعار الموقع

الاسلام ورهانات الديمقراطية

حواس سلمان محمود 2006-06-21
عدد القراءات « 776 »

المؤلف: محمد محفوظ .

الكتاب: الاسلام والرهانات الديمقراطية

الناشر: المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب 2001.

الصفحات: 213 صفحة . قطع كبير .

 

إن الظروف العالمية الراهنة بعد أحداث 11 سبتمبر تتطلب من النخبة الفكرية والثقافية التحرك بوعي وبمقدرة ومسؤولية لكشف الأمور وإزالة الالتباسات الحاصلة ، وذلك بالبحث في معادلة التراث والمعاصرة وتبيان قدرة العالم العربي والاسلامي في الحفاظ على خصوصيته الثقافية والواقعية، وفي الوقت نفسه امتلاكه مقومات التكيف مع التطورات العلمية والاقتصادية والثقافية الكبرى التي تشهدها الساحة العالمية.

وفي هذا السياق يأتي الكتاب الحالي "الاسلام ورهانات الديمقراطية" للباحث محمد محفوظ ليبين أن الديمقراطية اليوم تشكل بوابة للتغيير والإصلاح السياسي واستيعاب الشرائح والطاقات الجديدة في المجتمع، وتنظيم الاختلافات والصراعات الداخلية، وضبط نزعات الزعامة والاستفراد، وطريق التداول، واحترام حقوق الإنسان، والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية التي هي خيار الشعوب العربية والإسلامية لوقف الانهيارات الداخلية متعددة الوجوه والمستويات كما أنها استراتيجية هذه الشعوب لحشد الطاقات وتنظيم التنوع وتعبئة الإمكانات للحصول على الاستحقاقات الكبرى لمجالنا الإسلامي المعاصر .

وذلك لأن تغييب الديمقراطية وإقصاء المكونات السياسية والثقافية من المشاركة في الشأن العام هو جذر العديد من المآزق والأزمات، ولا حل لهذه المآزق والأزمات والتوترات إلا بتبني الديمقراطية كخيار قادر على أخراجنا من المآزق المستعصية والتوترات المفتوحة، والرهان على الديمقراطية ليس حلاً سحرياً سريعاً ولكنه الخطوة الأولى في الطريق الصحيح، بمعنى أن مآزقنا وأزماتنا دائماً، وإنما يعني أننا نسير في الطريق الصحيح المفضي إلى تفكيك كل مآزقنا وأزماتنا، فالديمقراطية هي المجال العام الذي يعيد الحيوية والفعالية للحياة السياسية والمدنية وهي التي تسمح لنا من مواقع متعددة لمعالجة مشكلاتنا، كما أنها توفر لنا ممكنات جديدة في هذا السبيل .

الكتاب يتألف من مقدمة وتمهيد وفصلين (وكل فصل احتوى على عدد من العناوين الفرعية) وخاتمة مع ثبت للمصادر والمراجع جاءت ضمن 213 صفحة من القطع الكبير .

* قضايا الانتقال إلى الديمقراطية

يعالج الفصل الأول قضايا الانتقال إلى الديمقراطية:

يتناول أولاً المتطلبات الذاتية والموضوعية، فيرى أن وقائع العصر وتحولاته المتسارعة في كل الحقول والمجالات أمامنا كأفراد وجماعات تحديات عديدة بطبيعة الرؤية والحيارات المستخدمة وسياقات الاستجابة لهذه التحديات، فالقيم الكبرى التي تنادي بها وتطرحها اليوم في مختلف المحافل والمواقع الحضارية الحديثة، تغرس في واقعنا وفضائنا الفكري والمعرفي والسياسي العديد من التساؤلات والإشكاليات التي تبحث عن إجابات أو محاولة لها، وهذا لا يعني بطبيعة الحال الانخراط الفوضوي في قضايا شائكة دون امتلاك عدة وترسانة فكرية مناسبة لهذا الانخراط، وإنما يعني ضرورة تهيئة واقعنا بكل مفرداته ومستوياته إلى الفهم والتفاعل مع مختلف قضايا العصر.

والتهيئة هنا لا تنحصر في السيكولوجي فقط بل تتعداه إلى ضرورة توفير المتطلبات الذاتية والموضوعية للانخراط الإيجابي والنوعي في تحولات العصر ومساراته الجديدة.

ولعل من أهم المتطلبات الذاتية هي إعادة صوغ وتنظيم قضايانا الفكرية والملجة ، إذ لا يمكن أن نحقق فهماً عميقاً للعصر ونحن نعيش قضايا على المستوى الفكري، لا تساهم في عملية الفهم والتفاعل بل تزيدنا ابتعاداً وانزواء عن قضايا العصر وتحولاته، ولا نجانب الصواب حين القول: إن من أهم القضايا الفكرية والسياسية التي تحتاج إلى إعادة صياغة رؤيتنا ونظرتنا إليها كأفراد وجماعات هي مسألة الديمقراطية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وآليات وأنساق اجتماعية وسياسية، وذلك لأن المجال الإسلامي اليوم لا يمكنه أن يستأنف دوره التاريخي والحضاري دون الحرية والديمقراطية ، فالديمقراطية بكل آلياتها وآفاقها، مؤسساتها وشروطها الثقافية والمجتمعية هي القادرة على إعادة تأهيل المجال الإسلامي المعاصر لاستئناف دوره وشهوده الحضاري فكل قيم النهوض ومبادئ التطور بحاجة إلى قيمة الحرية فهي أم القيم ، والتي دونها لا يمكن أن ينجز البناء المفاهيمي ، والقيمي لمشروع النهوض الحضاري.

وفي سياق توضيح علاقتنا بالحرية والديمقراطية يجد الباحث (مؤلف الكتاب) ضرورة لذكر المحاور التالية:

أولاً : التحول الذاتي " وإرادة الإنسان "

إن حياة الجمود والركود والسقوط التي تعيشها المجتمعات والأمم في بعض مراحلها وحقبها منوط ومرهون بالخروج من هذه الحياة بعزائم البشر وإرادة الإنسان ، كذلك بالتزام هذه المجتمعات بشروط الخروج من المآزق وعوامل الانعتاق من أساس الجمود والخمود ، ففعل التغيير والتطوير دائماً وفي أي اتجاه وحقل كان منوطاً بإرادة الإنسان فهو الذي يقرر بقدراته وإرادته إمكانية التطوير والتغيير من عدمها، يشير الى هذه الحقيقة القرآن الكريم إذ يقول تبارك وتعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (1) فلا يمكن التغيير الاجتماعي إلا بتغيير الذوات وتهيئتها لقبول متطلبات التطوير، ودون تغيير النفس تبقى شعارات التغيير ويافطات التطوير أشبه شيء بمشروعات أحلام اليقظة، والدين الاسلامي لا يعالج مشكلات البشر بحلول سحرية أو طرائق إعجازية وإنما منظور الاسلام في معالجة مشكلات البشر المختلفة هو العناية بتهذيب النفس وتطويرها من الرواسب والشوائب حتى تكون مهيأة بشكل تام لعمليات  التغيير والخروج من آثار المشكلات التي تؤرق الإنسان والمجتمع المسلم. لذلك نجد القرآن الكريم والحكيم يؤكد على اتباع العلم  ومفارقة الجهل والظن وكل المفردات التي تؤدي إلى المعرفة والخبرة قال تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) (2)

ثانياً : الاستلاب آفة التقدم

          يذكر المؤلف مقطعاً مما قاله المصلح جمال الدين الأفغاني، والذي يشير فيه إلى الأعمال والأنشطة التي يقوم بها الإنسان أو النخبة المستلبة في توهين الأمة وتوسيع ثغراتها والعمل على مستقبل الأمة ومقدراتها، فالإنسان المستلب يتحول إلى معول هدم في جسم الأمة لأنه عن طريقه تدخل وساوس الأعداء وبه تنتشر ثقافة العدو وقيمة ، لذلك اعتبره الأفغاني بأنه منفذ من منافذ دخول الأعداء وهو الذي يمهد السبيل ويفتح الأبواب لكي يثبت العدو أقدامه في جسم الأمة.

ثالثاً : أوليات في فقه السنن الحضارية

          ثمة حوافز ودوافع عديدة تدفعنا إلى القول : إن المجال العربي والاسلامي اليوم أحوج ما يكون إلى الفكر السنني، والثقافة التي تستند في مشروعاتها وخططها ومآلاتها إلى نواميس الكون التي يسير وفقها الوجود الإنساني قاطبة، وعدم إدراك قوانين التطور الإنساني يؤدي إلى لهاث فوضوي وأبله إلى التحولات والمتغيرات الإنسانية الخاصة والعامة دون القدرة على التحكم في مسارها ومصيرها بينما الفكر السنني يوفر القدرة المناسبة للتحكم في مسار تطورات الحياة وتحولاتها المستمرة، لذلك نجد أن الذكر الحكيم مليء بتلك الآيات التي توضح جملة السنن الكلية والجزئية والتي تتحكم في مسار الإنسان والمجتمع والحضارة، يقول تبارك وتعالى : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) (3) فهذه الآية الكريمة توضح أن مصدر نواميس الكون وسنن الاجتماع الإنساني هو الله سبحانه وتعالى.

          فبناء القوة الذاتية على المستوى الحضاري هو الكفيل بالانعتاق من ضغوط الأعداء والأنجاز الحضاري لا يستجدي ولا يستعار ولا يستورد وإنما هو وليد قيمنا الحضارية فمتى ما حقق المجتمع في ذاته وعلى مختلف المستويات مفهوم القوة الحضارية، فإنه يحقق منجزاته الحضارية، فبمقدار بناء القوة يكون الإنجاز ويتحقق التقدم.

          ويرى المؤلف أن تطوير تعاملنا كأفراد وجماعات مع الديمقراطية يقتضي التأكيد على النقاط التالية :

1- التربية الديمقراطية : إذ الحرية قابلة للتعلم، وذلك لأن الديمقراطية الحقيقية تكمن في وضع الإنسان نفسه، بمعنى أن للحرية شرطين: احترام الذات باعتبار أن الشرط الضروري لمبدأ الحرية أن يتخذ الإنسان موقفاً إيجابياً اتجاه نفسه في شكل من أشكال المحبة والارتضاء فإذا لم يصبح المرء حراً مع نفسه راضياً مرتضياً فإنه لن يتمكن من اكتساب الحرية لنفسه ولا من منحها لغيره أو من مشاركتهم إياها .

2- حماية الرأي الآخر : إن مسلك الإلغاء المتبادل على مستوى الآراء والقناعات الفكرية والسياسية والإيدولوجية يؤدي إلى خسائر مشتركة في الأرواح والأوطان والقيم والأفكار ،وإن سعي كل واحد منا إلى حماية الرأي الآخر هو الذي يحفظ الجميع من الخسائر على مختلف الصعد والمستويات، ومعروفة مقولة فولتير : " إنني اختلف معك في الرأي لكنني على استعداد للتضحية بحياتي في سبيل الدفاع عن رأيك " .

          فالمشكلة إذن ليست في وجود آراء متباينة ومختلفة بل تنشأ من عجزنا عن القبول بالرأي الآخر، والديمقراطية تنطلق من الاعتراف العميق والجوهري بالآخر رأياً ووجوداً كما هو شريكاً مختلفاً ولكنه الاختلاف الذي يحفزنا إلى الفهم والتفاهم والتكامل (الاختلاف الجميل).

3- القبول بالتعددية الفكرية والسياسية: ليس هناك جدال في أن المجال الاسلامي يحتوي ويحتضن جملة من التعدديات التقليدية والحديثة ، وأنها أضحت اليوم جزءاً من المشهد الاسلامي العام، لذلك فإن أي جهد لإقصاء هذه الحقيقة التاريخية والمجتمعية يعد تأسيساً للانقسامات والتوترات والحروب، وأننا بحاجة أن نجترح رؤيتنا وتجربتنا في التعامل مع هذه الحقيقة وسياقاتها الثقافية والاجتماعية، لا ريب أن الديمقراطية التي تعني في أحد تجلياتها القبول الحضاري بهذه التعدديات، هي جذر هذه الرؤية والممارسة المطلوبة .

          فاستبعاد حقيقة التعدد والتنوع أو كبتها أو تهميشها يسهم بشكل أو بآخر في سيطرة نزعة الاستبداد والهيمنة كما أنه لا يعالج حقيقة التعدد بل يوفر لها أسباب الاندفاع نحو خياراتها الخاصة وتصوراتها الذاتية المغلقة، والتعددية لا تنفي ضرورة الوحدة والإجماع الوطني، بل توسع من إمكاناتهما وتبدع مستويات ومداخل جديدة للعمل والفعل على هذا الصعيد، وإن التزامنا بمقتضيات التعددية في واقعنا المجتمعي، سيوفر لنا جميعاً فضاء حياً لممارسة حضور حياتنا وحرياتنا بما يخدم قضايانا الإنسانية الكبرى.

* الشورى وصناعة الرأي ...

          ويعالج المؤلف ضمن الفصل الأول موضوع دور الشورى في صناعة الرأي حيث أن الشورى في جوهرها عبارة عن صيغة لتداول الرأي وتقليب وجهات النظر وتمحيصها للوصول إلى صناعة الرأي الأصوب والمنسجم ومصالح المجتمع، لأن الجميع اشترك في صنعه، ولم يصل إليه اعتباطاً، بل تم تدارس الأمر ومقارنة الآراء مع بعضها البعض إلى أن وصل الجميع إلى تحديد الرأي الأفضل والأصلح، فهي صيغة تجمع كل العقول وتستفيد من كل التجارب الإنسانية في سبيل الوصول إلى الرأي الأصوب.

          والشورى تدعم القيم الكبرى في الاسلام باعتبارها ضرورة أساسية لإدارة المجتمع في أبعاده المختلفة وتطويره وتحقيق طموحاته المنشودة، لذلك فإن صيغة الشورى متغيرة ومتطورة بتطور الشعوب والأمم، ومما يؤكد أهمية الشورى أن الباري عز وجل قد أنزل سورة كاملة في قرآنة المجيد (الشورى) يقول الله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) (4) ويقول تعالى أيضاً : ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) (5)

          وفي سياق الشورى ودورها في صناعة الرأي يؤكد المؤلف على الحقائق التالية :

1-              إن الشورى ليست كلمة تقال أو محاضرة تلقى، بل هي ممارسة مستمرة تبدأ من حياة الإنسان الخاصة وصولاً إلى الحياة العامة، لذا فمن الضروري أن نربي أنفسنا على قيمة الشورى والتشاور في أمورنا المختلفة حتى تتأكد هذه القيمة في الوسط الاجتماعي برمته .

2-              إن المجتمع الإنساني بحاجة دائماً إلى القنوات والأطر السليمة لانتقال الأفكار والمعلومات والقناعات بين أطرافه وقواه المختلفة ولا شك أن الشورى قيمة كبرى لو تحولت أو ترجمت إلى أطر ومؤسسات لنقل تلك الأفكار والمعلومات بين المجتمع الإنساني لتمكن ذلك المجتمع من تداول الأفكار والقناعات وفق نسق مؤسسي سليم يؤدي في النهاية إلى انسياب الأفكار والمعلومات دون إطر نخبوية تحبس المعلومة أو الفكرة في إطار ضيق لا يتعداها .

3-              إن تركيز قيمة الشورى في صناعة الرأي هو المدخل الأساسي لإنهاء عمليات الاستفراد بالرأي أو الاعتماد على الأساليب الملتوية أو المختلفة في إيصال وإقناع الآخرين بآرائنا وقناعاتنا الفكرية، وهناك علاقة عكسية بين الشورى والاستبداد بالرأي، بمعنى كلما تتوسع دائرة اهتمامنا بالشورى في تدوير قناعاتنا وإيصال آرائنا في المقابل تضيق دائرة الاستبداد بالرأي واعتماد العقل الواحد، والقناعة الواحدة في تدوير الآراء والأفكار .

الديمقراطية وشروط التقدم

ويعالج المؤلف في الفصل الثاني قضايا العنف والتعصب، والتنمية وجدليات الحرية، والأقليات، وجدليات الوحدة والحرية، وموضوعات أخرآ.

     يرى المؤلف أن العنف والتعصب وجهان لعملة واحدة، إذ ليس ثمة شك أن العنف بكل أشكاله وأدواته ظاهرة خطيرة تصيب الكيانات البشرية وتمزق أواصرها وتعمق شروخها ونقاط الاختلاف بين عناصرها دون أن يحقق العنف أهدافه وغايات صانعيه في الوسط الاجتماعي والوطني عبر مختلف العصور والأمصار.

     ولم يسجل لنا التاريخ الإنساني أن العنف والأعمال التخريبية والترويع والتخويف واستخدام أدوات القوة الغاشمة في العلاقات الإنسانية قد حقق أهدافه ووصل إلى مطامحه، وإنما على العكس من ذلك نجد العنف يشكل قناة أساسية لتبديد الطاقات ونسف الانجازات وتعريض أمن الجميع للكثير من المخاطر والمساوئ ، والإنسان وحده هو الكائن الذي يستخدم العنف لغاية تدمير ذاته ونوعه، ولعل الجذر الفكري والمعرفي الذي يغذي حالات العنف هو حالة التعصب (سواء كان التعصب دينياً أو قومياً أو إيديولوجياً) فالمتعصب يرفض حالة الاختلاف الطبيعية التي هي جزء من القانون العام والناموس الكوني ويلجأ إلى أعمال العنف والترويع والتخويف، فالتعصب هو الوجه الآخر للعنف (هو الوجه المعنوي).

     فهما وجهان لحقيقة واحدة...

     الوجه الثقافي والفكري هو التعصب، والوجه الاجتماعي والسلوكي هو العنف واللجوء إلى القوة الغاشمة في العلاقات الإنسانية.

     إن التعصب يؤدي إلى العنف واستخدام التعسف والقوة ضد الآخرين، كما أن العنف يتغذي من التعصب، والثقافة التي تقف وراءه وتمده بالمبررات والمسوغات، وبالتالي فإن الجميع يدخل في دائرة جهنمية تقضي على كل المكاسب، وتمارس كل أساليب الفاشية لإخضاع الآخرين إلى آرائهم وقناعاتهم العقدية والسياسية، فالذي يمتلك وسائل القهر يمارس العنف بأبشع صوره والذي لا يمتلك وسائل القهر يدخل في دوامة التعصب ويمارسه ضد الآخرين استعلاء وإقصاءً وتهميشاً وتمييزاً، وصولاً إلى ممارسة الوسائل المادية في القهر والنبذ والإقصاء، وهكذا يتبين لنا أن العنف يغذي التعصب كما أن الأخير يوفر الأرضية المناسبة على مختلف الصعد لسيادة العنف والقهر والعسف في الحياة الاجتماعية والعامة، والحاضنة الأكبر لظاهرة العنف، والتعصف هو الاستبداد بكل صوره وأشكاله حيث يلتهم الحياة يتنوعها ويختزلها في بؤرة ضيقة فيمنع أشكال الحياة عن الآخرين، ويقمع كل من يحاول أن يعبر عن رأيه أو يمارس حريته أو يطالب بحقوقه.

الخاتمـة

     يعبر المشهد السياسي والفكري العربي الآن عن أزمة عميقة في البنية الاجتماعية العربية، وذلك إثر تزايد ثقافة العنف والإرهاب العدمية التي نتجت عن عوامل كثيرة أهمها الغياب الديمقراطي والتنموي العربي إضافة إلى تراكم ثقافة النقل، وتراجع ثقافة العقل والافتقار إلى علماء نهضويين يستطيعون تشخيص الوضع المحلي والعالمي، والربط بين حيثياتهما، والبدء بالبحث في التراث وفرز الغث من السمين بما يتلاءم مع الواقع المعاصر والاستفادة من الثقافة الحديثة والمعاصرة، وإجراء عملية المفاعلة الحضارية لعناصر الثقافتين الزمانية (التراث) والمكانية (المعاصرة) .

     ويأتي هذا الكتاب : ( الاسلام ورهانات الديمقراطية) كمحاولة متميزة للخروج من الحالة الجمودية والركودية الراهنة التي هي أسيرة الإشكالية /الثنائية/القديمة الجديدة: الأصالة/المعاصرة، بقيام المؤلف بطرح الإشكالية الأساسية في الفكر العربي المعاصر وهي "الديمقراطية" وفق أسس متناسقة ومتناسبة ومتناغمة بل ومتأصلة في التراث الاسلامي وبخاصة ما يتعلق بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، بحيث أن القارئ وهو يقرأ الكتاب لا يجد ثمة تناقضاً بين الضرورة الموضوعية للديمقراطية في أيامنا الراهنة، وبين الجذر الإسلامي والأصالة الإسلامية في الدعوة للديمقراطية "الشورى" أي بتعبير مختصر بين الإسلام والديمقراطية، الإسلام كخصوصية حضارية وثقافية، والديمقراطية كحاجة حياتية وعصرية للتكيف مع ظروف الواقع والتباساته وإشكالياته ومستجداته، وبالاستناد إلى ذلك جاء تناولنا لهذا الكتاب الهام الذي يحفزنا للدعوة إلى خروج الفكر العربي من الأطر الإيديولوجية الضيقة سواء كانت هذه الإيديولوجية دينية أم قومية أم طبقية أم غير ذلك، ويقوم بمراجعة وتطوير المادة التراثية بما يتوافق مع المستجدات والمتغيرات المعاصرة وبما يخدم مسيرة التنمية والتطوير والديمقراطية في البلدان العربية والإسلامية، هذا ولقد جاء منهج المؤلف تحليلياً موضوعياً بالمراجع الغزيرة وبشكل توثيقي لكتاب متميز وفريد من نوعه يعتبر إضافة هامة للمكتبة الفكرية العربية .