ندوة:تجديد الفكر الديني
17 ـ 18 مارس 2006/ ميدلت ـ المغرب
شهدت مدينة ميدلت الواقعة في منطقة الأطلس الكبير بالمغرب، على مدى يومين ـ 17 ـ 18 مارس 2006 ـ أعمال الندوة الدولية حول الإصلاح الإسلامي من الفكر إلى السياسات. ساهم في تنظيمها أربعة مراكز، اثنان من مصر هما: مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية الذي يديره الباحث الفرنسي ألان روسيون، ومركز شركاء من أجل التنمية. ومن المغرب: مركز طارق بن زياد الذي احتضن أعمال الندوة برعاية من رئيسه ووالي منطقة مكناس تافيلالت، السيد حسن أريد، ومركز جاك بيرك. حضر الندوة باحثون من المغرب ومصر وفرنسا وإيطاليا وسويسرا والولايات المتحدة.من الغربيين باحثون أمثال ألان روسيون وبتريك هني، ومن المغرب ومصر: محمد أديوان، عز الدين العلام، خديجة الرويسي، مصطفى المعتصم، محمد خليدي، حمزة الكتاني، سعيد الكحل، المختار بنعبدلاوي، إدريس هاني، جمال البنا، نبيل عبد الفتاح، يوسف سيدهم، عمر الشبكي، هشام أحمد جعفر، معتز بالله عبد الفتاح، عبد الفتاح ماضي، عمار علي حسن، سامر سليمان حسام تمام هشام الحمامي.
حاولت الندوة رصد مساعي هذا الإصلاح وشروطه وتأثيراته الإيجابية وتحديد المجالات التي يتجلى فيها. وقد تناول هذا اللقاء في محور اليوم الأول البعد الزمني لمسعى الإصلاح الديني ومجالات إنجازه وصياغته، والأطراف المشاركة في الجدل حول هذا الإصلاح، وكذا ما يجعل من الدين مهمة ضرورية، والأطراف التي تقع عليها المسؤولية، ومعنى أن يكون المجتمع إسلامياً أو لا يكون.
أما محور اليوم الثاني من الندوة، فقد تناول التأثيرات والشروط ذات الأثر الإيجابي في إنجاح المسعى الإصلاحي وأوجه التضافر أو التباعد بين الدوائر والمجالات التي يتجلى فيها ومن خلالها المسعى الإصلاحي من قبيل المجالين العام أو الخاص والصالح العام أو الخاص.
وتناول المتدخلون بالبحث والتحليل مقولات الطابع الشامل للإسلام، والتمييز بين الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين، والمواجهة بين الهوية والحداثة، معتبرين في هذا السياق أن المراجعة النقدية للرؤى السائدة حول العالم العربي والإسلامي تقود إلى طرح قضايا مساءلة الإصلاح الديني من خلال المجالات والفاعلين وجدول أعمال الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي.
ونُوقشت في الندوة مسألة العلاقة بين عمليات إعادة أسلمة المجتمع، وإعادة تشكيل مجال الفكر الديني، ومدى ملاءمة إعادة طرح مسألة الجدل حول الإصلاح الديني، وآفاق انتشار الإصلاح الديني، والفاعلين في الإصلاح الديني والأطراف المشاركة فيه، كما تناولوا مجالات الإصلاح والإصلاح السياسي والإصلاح المعياري أو الأخلاقي وأنظمة الفعل.
وقد جاءت أهم المداخلات والمناقشات من المشاركين المغاربة والمصريين. ففي مداخلة الباحث المغربي ومدير ديوان السيد وزير الأوقاف، د. محمد أديوان، عزا هذا الأخير، أسباب فشل الإصلاح الديني في العالم العربي الإسلامي إلى اعتماد مرجعية سلفية ميكانيكية في إطار ظرفية مغايرة لا تتوافر فيها شروط التأويل، وإجراء إصلاحات ذات مرجعية طوباوية المنزع ومرجعية راديكالية تؤدي إلى قراءة الواقع قراءة عكسية.
وأكد الباحث أديوان على أن كل فاعل إصلاحي هو مؤول بالضرورة للواقع لأجل ملاءمته مع تصورات ذهنية، وبأن الفاعلين يتمثلون في قطاعات الدولة دون أن تكون البديل الموضوعي والسياسات العامة للدولة التي تهدف إلى إصلاح منظومات دينية بمأسستها.
وقد تناولت مداخلة المفكر المصري الأستاذ جمال البنا قضايا التجديد في المنظومة المعرفية الإسلامية، مشيراً إلى قضايا حساسة في الفقه الاسلامي نظير مفهوم الردة. وأشار إلى أن الحديث الآن يدور في إطار السلفية الذي يحصر الفكر الإسلامي ويحول دون التجديد والإحياء. داعياً إلى ضرورة تأسيس المنظومة الإسلامية على أساس القرآن الكريم خارج سلطة المفسرين. مشيراً إلى أن القرآن الكريم يفتح حرية الاعتقاد فيما قنن الفقهاء دونية المرأة مثلاً اعتماداً على أحاديث ضعيفة.
كما أشار إلى أنه تسلل ضعف كبير إلى المنظومة المعرفية الإسلامية بالرغم من النبوغ والتضحية والإيمان، داعياً إلى إعادة النظر في الجزئيات عبر العودة إلى النهل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مع الغربلة من الشوائب والتنقيح من العوالق بما يتفق مع كلام الله ومع الحكمة وما يتوافق مع العصر الحديث.
تحدث بعد ذلك الباحث المغربي الأستاذ إدريس هاني عن عدد الإشكاليات التي لا زالت من دون جواب في الفكر الإسلامي المعاصر. وقد تناولت مداخلته تحليلاً لعمق الظاهرة الدينية وكثافة حضورها بحيث أصبح الحديث عن الإصلاح الديني أمراً يفرضه واقع الحضور الديني المكثف.وتعرّض إلى جملة القضايا التي لا زالت إشكالية مثل أزمة قراءة التاريخ العربي الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، واعتبر أنه لا قيمة للتعاليم من قبيل التسامح إذا لم تكن جزءاً من نسق معرفي متكامل، داعياً إلى تبنٍ حضاري ونقد جذري، لأن «البنية الإسلامية مأزومة إلى النخاع» على جميع المستويات بما فيها الإصلاح والديموقراطية. كما عرَّف الحداثة بكونها «قوة يجب انتزاعها من جماعة الأشرار»، معتبراً أن «من يدَّعي التخلي عن الحداثة يصير عبداً لخردة الحداثة».
من جانبه تحدث حمزة الكتاني عن تكييف الإسلام باعتباره شريعة وحياة وتشريع يومي حياتي مزج الروح بالحياة في تصور الفرد والدولة، كما دعا إلى أن تكون النظرة «جمعية» كما يقول المتصوفة وأن تكون المنهجية علمية وأن تحل المشكلة من الداخل (علم الأصول والحديث والاستنباط...) وأن يكون الحديث عن الاجتهاد ضرورة وليس خضوعاً لضغوط خارجية باعتباره مرحلة عقلية لا تبلغ إلا اعتماداً على مرحلة حسية.
أما الباحث المغربي المصطفى معتصم فقد اعتبر أن مدخل هذا الإصلاح يجب أن يرتبط بالبحث في الآليات المولدة للنشاط الفكري الإسلامي (تفسيراً وتحديثاً وفقهاً وأصول فقه..)، مشيراً إلى أنه ينبغي لهذا الإصلاح أن يستفيد من المنجز الحداثي الغربي وينفتح على التجارب الإصلاحية المغايرة دون أن تلغي هذه الازدواجية المؤصلة والمخصبة (الأصول والحكمة الإنسانية) الازدواجية النقدية.
وأورد معتصم في ورقة بعنوان: (الإصلاح الديني: مداخله، معيقاته، اتجاهاته)، اتجاهات الإصلاح الديني المتمثلة في اتجاه القطيعة واتجاه النصية والاتجاه التوفيقي أو الرشدية الجديدة، مقترحاً اتجاهاً رابعاً في الإصلاح الديني للتراث والحداثة هو الاتجاه النقدي الذي يقترح إزالة الحواجز بين الخصوصية والكونية ومواصلة فعل الإصلاح الديني بما هو سيرورة متجددة وإنجاز تاريخي وضرورة شرعية.
واعتبر الباحث المغربي عز الدين العلام، من جهته، أن طرح سؤال الإصلاح الديني عملياً ملائم في مناخ الحاجة لكل إصلاح، وميَّز بين منحى نظري فكري وتصوري يناقش التصورات الدينية وينفذ إلى الأسس التي ينبني عليها، ومنحى واقعي معيشي يبحث في إصلاح أحوال المسلمين، مشيراً إلى فشل الحالات الفردية المعزولة لنقد الفكر الديني يبرز المأزق الذي يعيشه المجتمع الإسلامي.
وأوضح الباحث المصري نبيل عبدالفتاح من جهته أن الإصلاح الديني ضرورة في حد ذاته فهو عملية ترميم جزئي لبعض البنى والهياكل التي يعتريها الاختلال خاصة بنى الفكر الديني وأسسه القيمية، مستشهداً في هذا الصدد بأزمة الفكر الديني في المرحلة شبه الليبرالية واعتماد مؤسسات على حماية الإرث الثقافي للدفاع عن نفسها.
واعتبر عمليات إعادة أسلمة المعرفة مشروعاً سياسياً بالأساس يرمي إلى إعادة صياغة المجال الخاص (أزياء، تكثيف الطقوس...) للانتقال إلى المجال العام في مناورة ذكية سياسياً للتهرب من التسلط والقمع، داعياً إلى اجتهادات جادة من أجل المواطنة الكاملة لغير المسلمين في البلاد الإسلامية.
وتناول الاستاذ حسام تمام من مصر مسألة الإصلاح من زاوية ضرورة التمييز بين تجربة الإصلاح الديني الغربي والتجربة التي يخوضها المسلمون. وقد اقترح استعمال مفهوم التجديد الديني بدل الاصلاح الديني الذي يحيل على التجربة المسيحية والنموذج الغربي.
وأكدت مداخلة الباحث المغربي الأستاذ سعيد الكحل على فكرة المقاصد التي تحتم قراءة النصوص في شموليتها، وتجاوز القراءة السطحية والآحادية للنصوص. كما أكد الباحث على الانفتاح على ما راكمته البشرية من تجارب وخبرات قصد الاهتداء بها في عملية التجديد. وذلك يتأتى بأنسنة الفقه الاسلامي وجعل المواطنين يعيشون عصرهم سواء على مستوى الواقع بإشاعة قيم وثقافة حقوق الانسان أو على مستوى العقيدة من خلال تقديم اجتهادات فقهية متشبعة بروح العصر وقيمه.
جاءت مداخلة الأستاذ يوسف سيدهم لكي تشير إلى هواجس الأقليات المسيحية في العالم العربي عموماً ومصر تحديداً. مؤكداً على مصير الأقليات في عملية الإصلاح هاته. ودعا إلى إشاعة ثقافة المواطنة وإشراك الأقليات في الحوار حول الإصلاح لكيلا تظل متفرجة ومتلقية لما سيسفر عنه الحوار. ودعا إلى إصلاح تعليمي وتنويري وإعلامي، وإشراك المجتمع المدني في عملية إحياء فكر العيش المشترك.
وفي الختام تُلي ملخص المداخلات والمناقشات على مدى اليوميين، كما تُليت رسالة الشكر التي تقدم بها مركز طارق بن زياد إلى الحضور، تلاها الأستاذ يوسف آية المقدم، قبل أن تختتم أعمال الورش بحفلة عشاء أقامها رئيس مركز طارق بن زياد ووالي مدينة مكناس على شرف الوفود بالمدينة نفسها.
مؤتمر: قضايا المرأة المسلمة
بين أصالة التشريع الإسلامي وبريق الثقافة الوافدة
لتأصيل عدد من القضايا المتعلقة بوضع المرأة الاجتماعي وحقوقها الشرعية، وللكشف عن الأبعاد التشريعية والحكمية لبعض الأحكام المتعلقة بالمرأة كذلك، وللرد على الشبهات المثارة حول مواضيع مثل الطلاق وتعدد الزوجات وشهادة المرأة وميراثها وأهليتها لتولي المناصب السياسية، نظمت كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر فرع البنات بالتاون مع رابطة الجامعات الإسلامية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية بليبيا مؤتمر: (قضايا المرأة المسلمة بين أصالة التشريع الإسلامي وبريق الثقافة الوافدة) وذلك في القاهرة بين 14- 16 آذار (مارس) 2006م.
وقد أشارت د. سعاد صالح عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات في جامعة الأزهر في مؤتمر صحفي إلى أن المؤتمر سيناقش ثلاثة محاور أساسية، محور يتعلق بوضع المرأة في التشريع الإسلامي، ويناقش عدة قضايا مثل: المساواة بين الرجل والمرأة في مجالات الحقوق والواجبات، وتأثير الفوارق التكوينية في هذه الحقوق والواجبات. أما المحور الثاني فسيعالج قضايا مرتبطة بالزواج وحقوق المرأة في الطلاق والعمل، وأخيراً سيناقش المحور الثالث صورة المرأة في وسائل الإعلام والتلفزيون والسينما. كما سيتم تنظيم مائدة مستديرة على هامش المؤتمر يناقش فيها المشاركون بعض القضايا التي تساهم في إحداث التغييرات داخل المجتمعات الإسلامية.
شارك في فعاليات المؤتمر عدد كبير من المفكرين من العالم العربي والإسلامي وأوروبا وآسيا.
وقد أثار المؤتمر الكثير من القضايا التي احتدم حولها النقاش والاختلاف بين المشاركين بين رافض وبين مؤيد وآخر محتج وفريق رابع اتخد سبيلاً وسطاً. من بين القضايا التي اختلف فيها الموقف (صوت المرأة) فقد اختار المنظمون طالبة أندونيسية لقراءة آيات مباركة من الذكر الحكيم أثناء الجلسة الافتتاحية، وهذا ما أثار بعض المشاركين الذين أعادوا التذكير بأن صوت المرأة عورة في الفقه الإسلامي. لكن القضية التي استحوذت على معظم النقاشات وانقسم حولها المشاركون طرائق قدداً، كانت قضية أهلية المرأة لتولي منصب رئاسة الدولة، وهل يعطيها التشريع الإسلامي هذا الحق أم لا؟
شيخ الأزهر د. محمد طنطاوي أشار إلى وجود رأي فقهي قديم لدى بعض الفقهاء مثل الطبري، يجيز للمرأة تولي منصب الإمامة والرئاسة، أما رأيه هو فإنه -مع احترامه لرأي جمهورالفقهاء الذين لا يجيزون- لا يجد حرجاً في ترشيح المرأة لرئاسة الجمهورية في مصر خصوصاً وأن القانون المصري لم يشترط الذكورة في رئيس الجمهورية، وبالتالي فبإمكانها أن ترشح نفسها وتنتظر النتائج والاحتكام لرأي الأمة في هذا المجال. كما أكد موقفه من عدم وجود ما يمنع شرعاً المرأة من المشاركة في وضع وصياغة القوانين في المجالس النيابية والتشريعية خصوصاً إذا كانت المرأة متخصصة في المجالات القانونية.
من جهة أخرى رفض كل من د. محمد عثمان عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الأسبق ود. وهبة الزحيلي عميد كلية الشريعة الأسبق بجامعة دمشق، هذا الرأي واعتبراه من تأثير الثقافة الغربية الوافدة التي تساوي بين الجنسين دون مراعاة الفروقات الفطرية والطبيعية الموجودة بينهما، كما اعتبرا أن ذلك يعتبر تجاوزاً لوظيفتها داخل الأسرة، وأن الادِّعاء بأن الإسلام يميز في المعاملة تجاه المرأة يدل على جهل كبير بخصائص البنية التشريعية الإسلامية. كما أشار د. وهبة الزحيلي إلى خصوصية منصب الامامة الكبرى وما يتطلب من الرجل كقيادة الجيوش والحروب، وهذا لا يمكن للمرأة القيام به. أما بخصوص عمل المرأة فقد أكد د. الزحيلي أن الإسلام لم يمنع المرأة من أي عمل ينسجم مع فطرتها ويخدم مصالحها.
من جهتها عارضت د. ليلى قطب أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الاجتهاد الذي يقول بحق المرأة في تولي منصب الرئاسة الأولى أو الإمامة العظمى كما يصطلح عليها في الفقه الإسلامي، معتبرة هذا القول مخالف للمشيئة الإلهية التي اصطفت الرجال للنبوة والرسالة دون النساء، واعتبرت ذلك مخالف كذلك للقيم الإسلامية والأعراف الاجتماعية، وتأثر واضح بالثقافة الغربية. كذلك رفضت بعض الاجتهادات التي تدعو إلى تغيير مسائل القوامة والميراث.
الرأي نفسه انتصر له كل من د. جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية ود. محمد فؤاد البرازي رئيس رابطة المسلمين بالدنمارك الذي رفض القول بإمكانية تولي المرأة للأمامة الكبرى، وشرح مقصود الطبري الذي استدل به شيخ الأزهر، فأكد أن الطبري كان يرد عل بعض أئمة الأحناف الذي حصر قضاء المرأة في الأموال فرد عليه الطبري بأن قضاءها يجوز في كل الأمور القضائية.
أما د. سعاد صالح فقد طالبت بإعادة النظر في تفسيرات السلف للقرآن والسنة وإعطاء الاعتبار للمعطيات المعاصرة لأجل التجديد ومواكبة العصر، منتصرة للقول الذي يذهب إلى إعطاء المرأة جميع المناصب بما فيه منصب الولاية العظمى، ما عدا إمامة الرجال في الصلاة، منتقدة الروايات مُعْتَمَد من يقول بحرمان المرأة من هذه المناصب. كما رفضت القول بجعل دية المرأة نصف دية الرجل لضعف المستندات الحديثية في نظرها.
في محور آخر تحدثت د. سحر حجازي مسؤولة الإعلام باليونيسيف عن صورة المرأة في الإعلام المرئي، فطالبت بتصحيح هذه الرؤية المشوهة والاعتماد على القيم الإسلامية في هذا المجال لتغيير هذه الصورة السلبية المسيطرة الآن في وسائل الإعلام العربية.
أما الباحثة سماء سليمان رئيسة وحدة أبحاث المرأة بمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية فقد رصدت الحقوق السياسية التي حصلت عليها المرأة في البحرين ومصر ومشاركتها في الحياة السياسية، مما يدل على أهليتها للعمل السياسي وتولي المناصب السياسية، منتقدة التقاليد التي تقف حاجزاً دون تحصيل المرأة حقوقها السياسية، مؤكدة أن الإسلام بريء مما ينسب إليه في هذا المجال.
ندوة:
أبعد من الاستشراق والاستغراب:
أفكار لحوار الحضارات
من أجل مد جسور الحوار بين الحضارات ولإطلاق تعاون حقيقي بين الإسلام والغرب بعد التوترات التي خلفتها الرسوم المسيئة لنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما تبعها من موجات احتجاج في العالم العربي والإسلامي، عمقت الفجوة بين الحضارتين الغربية والإسلامية؛ نظم المجلس الأعلى للثقافة في مصر بالتعاون مع جمعية (إحياء الحوار بين الحضارات) الثقافية الإيطالية، ندوة في القاهرة، تحت عنوان: (أبعد من الاستشراق والاستغراب: أفكار لحوار الحضارات)، وذلك في بداية شهر آذار (مارس) 2006م.
استمرت ثلاثة أيام وشارك فيها أكثر من 20 باحثاً مصرياً وأوروبيًّا أغلبهم من إيطاليا.
وقد أكد عماد أبو غازي المسؤول في المجلس الأعلى للثقافة أن الندوة ستناقش مجموعة من المحاور المهمة مثل: العلاقة بين الغرب والشرق، الحوار بين الثقافات، وصايا للطبقات الحاكمة، تاريخ الترجمات والتبادل الثقافي، وترويض الأفكار الراديكالية، والصورة الذهنية المتبادلة. بالإضافة إلى طرح عناوين خاصة مثل: الحوار بين الحضارات واللغات والأديان من الإسكندرية إلى بغداد، وتبادل العلوم عبر الثقافات خلال العصور الوسطى، والغفلة عن الإسلام في الغرب، وفتح وإغلاق الحدود الحضارية، وبين النسبية وفوبيا الإسلام، وقضايا الاندماج، والأصولية الدينية. وغيرها من المواضيع.
افتتحت الحوارات بمحاولة المشاركين تحديدَ بعض المفاهيم والمصطلحات مثل الديموقراطية والإرهاب، وفي هذا الإطار أشار د. حسن حنفي (أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة) إلى أن فكرة الهيمنة والتوسع لاتزال تسيطر على الفكر الأوروبي، وأضاف: أن الحوار بين الثقافات محمَّل بالمعاني الغربية ولا يمكن إغفال العنصرية في هذه الثقافة على غرار اعتقاد اليهود بأنهم شعب الله المختار.
وإذا كان الحوار بين الثقافات ممكناً -في نظر د. حنفي- إلا أنه مشروط بتغير الأوضاع، لأن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، هو من يحدد (جدول الأعمال) بالإضافة إلى ازدواجية المعايير في تعاطي الغرب مع الآخرين، وخصوصاً إذا كانوا مسلمين أو عرباً. وتساءل د. حنفي: لماذا لم يطلق الغرب على نضال أوروبا ضد النازية إرهاباً، وكيف يمكن إجراء حوار بين ثقافة تعتمد على الهيمنة وأخرى تسعى للاستقلال.
أما السفير الإيطالي بالقاهرة أنطونيو باديني فقد أشار في كلمته إلى أن من أهداف الندوة إطلاق تعاون حقيقي بين الإسلام والغرب من أجل تخطي الأحكام المسبقة ومشاعر عدم الثقة التي زادت حدتها نتيجة الرسومات المسيئة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي كشفت في نظره حجم النقص في المعرفة بقيم الآخر، مؤكداً على أن عمل المستشرقين والمستغربين معاً قد استنفد.
أما أستاذ الفلسفة بجامعة نوترام أنديانا الأمريكية فريد دالماير فقد قارن بين أرسطو والفارابي، مطالباً بالتفكير في حوار متنوع بدل من الحوار الفردي، ومحاولة الشرق والغرب فرض كل واحد قيمه على الآخر، مؤكداً على إمكانية التعايش بين الفرقاء مهما بلغت درجة العداء، مقدِّماً المصالحة التي تمت في جنوب أفريقيا نموذجاً.
ومن جهته رأى أستاذ القانون بالمعهد الأوروبي بمدينة فلورنس الإيطالية جوليانو أماتو أنه بالرغم من أن للثقافة في كل عصر مركزاً وأطرافاً إلا أنه لابد من إيجاد ثقافة حرة بعيدة عن تأثير السياسة.
ومن المشاركين في هذا المؤتمر كذلك:
وزير الداخلية الألماني السابق أتو شيلي، واليوناني دمتري جوتاس والسوري بسام طيبي، والإيطاليون نيناتزو وفورستنبرج وماسيموكامبانيني وروبيرتو توسكانو، والإيراني رامين جاهان بجلو، ومن الشخصيات المصرية المشاركة في الندوة كذلك: جابر عصفور وأحمد عثمان ومحمود أمين العالم ونادية مصطفى وزينب الخضيري ومحمد سلماوي ومحمود أمين العالم وغيرهم...
ندوة: ابن خلدون: بمناسبة مرور ستمائة سنة على وفاته
بمناسبة مرور ستمائة سنة على وفاة مؤسس علم الاجتماع، المفكر والعلامة العربي عبد الرحمن بن خلدون، وفي إطار الاحتفال بحلب عاصمةً للثقافة الإسلامية هذه السنة، نظّمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة حلب، ندوة تحت عنوان: «ابن خلدون: بمناسبة مرور ستمائة سنة على وفاته» وذلك في 27 آذار (مارس) 2006م.
في الجلسة الافتتاحية ألقى كل من د. غريغوار مرشو. ود. تزيني وعميد الكلية د. محمد قدور وراعي الندوة رئيس الجامعة د. نزار عقيل كلمات أكدوا فيها على أهمية هذه الندوة التي ستسلط الضوء على محطة مضيئة من محطات الثقافة والفكر العربي الإسلامي، وهي محطة تأسيس علم الاجتماع على يد العلامة العربي الشهير بـ(ابن خلدون)، كما أشاروا إلى أهداف الندوة والتي ستتجاوز الاحتفاء السنوي بذكرى وفاته إلى محاولة الاستفادة من فكره وإبداعه واستخلاص الدروس والعبر من نظريته حول أسباب سقوط الحضارات وقيام الدول والممالك، بما يفيد الراهن العربي والإسلامي ويساعده على النهوض من كبوته، بل محاولة الاستفادة من التراث الخلدوني لصياغة مشروع نهضوي عربي مستقبلي.
في الجلسة الأولى تحدث د. طيب تزيني (أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق) فتساءل عما قدمه ابن خلدون، وهل يمكن الاستفادة منه في بناء مشروع نهضوي؟ كما أشار إلى إهمية ما جاء به وكونه أول من كشف عن تأثير العوامل الاقتصادية والإنتاج في تطور المجتمعات، وتأكيده على أن الحراك السياسي تتحكم به الدولة التي هي بدورها نتاج تطور المجتمع، وهذا ما يجعله قريباً من فكرة العقد الاجتماعي لدى روسو. وإذا كان ابن خلدون قد قدّم للثقافة العربية ما يؤكد قدرتها على الإبداع والإنجاز فإن المطلوب حسب د. تيزيني ليس الرجوع إلى ابن خلدون والوقوف عنده بل تجاوزه انطلاقاً من معطياتنا المعاصرة.
أما د. هاني عمران فقد تناول في كلمته المنهج الذي ابتدعه ابن خلدون، وتساءل عن أهمية الكشف عن الأصول الفلسفية للظواهر الاجتماعية. من جهته تحدث د. غسان صباغ عن كتاب (التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً) وما أضافه مؤلفه وهو ابن خلدون نفسه في مجال كتابة السيرة الذاتية سواء على المستوى المنهجي أو الأسلوب، كما أشار إلى ضرورة الاهتمام بالجانب الإنساني في شخص ابن خلدون، كما ظهر في تعريفه بنفسه خصوصاً وقد عايش أحداثاً كبيرة وخطيرة على الساحة العربية والإسلامية، وبالتالي فحسب د. صباغ فإن ابن خلدون قد وضع أسس فن السيرة الذاتية.
أما د. رشيد الحاج فقد قدم ورقة تحت عنوان: (الوعي المعرفي والتاريخي عند ابن خلدون) أشار فيها إلى أهمية ما قدمه ابن خلدون لأنه قدم ولأول مرة للمعرفة مجالاً إبيستمولوجياً جديداً زاوج فيه بين المعرفة العقلية والمعرفة التجريبية الاستقرائية، بالإضافة إلى اكتشافه القوانين المتحكمة في الظواهر الاجتماعية. كما أكد أهمية الاستفادة من التراث الخلدوني في الوقت الراهن لأن الظروف والتحديات القاسية التي نعيشها اليوم تشبه إلى حد بعيد الظروف التي عاشتها الأمة على عهده، وأضاف د. صالح قائلاً: المعادلة التي أريد طرحها على ابن خلدون هي: هل التحديات الداخلية أي الفقر والبطالة وانعدام الديموقراطية هي التي أدت إلى التحديات الخارجية المتمثلة بفرض المصالح والسيطرة؟
وإذا كان الفساد الداخلي وتوابعه هو السبب الرئيس في ضعف الدول وسقوطها كما حدث من قبل وكشف عنه ابن خلدون فقد تساءل د. صالح: هل نستمع اليوم لابن خلدون؟
وبعنوان: (السياسي والثقافي عند ابن خلدون) تحدث د. حسين صديق عن نظرية ابن خلدون حول العصبية وأن العرب عندما تخلوا عن عصبيتهم القبلية والدينية أصبحوا خارج التاريخ، واليوم الغرب يدرك ذلك جيداً لذلك فهو في نظره يحول دون العرب واجتماعهم على مرجعية موحدة.
أما د. عبد السلام الراغب فتحدث تحت عنوان: (النقد الأدبي في مقدمة ابن خلدون) عن اهتمام ابن خلدون بالنقد الأدبي وتسليطه الضوء على أزمة الأدب بعدما كتب عن أزمة سقوط الدول وتفتتها، وهذا ما ظهر في نقده للتصنع والتكلف في استخدام المحسنات البلاغية، لذلك فقد هاجم التكلف البديعي في الشعر أو النثر، وسلك في كتابته طريق الكتابة المرسلة في الوقت الذي اشتهرت فيه الكتابة المسجوعة. وختم د. الراغب كلامه بقوله: يبقى ابن خلدون ناقداً أدبياً عقلانياً، اهتم بالشكل الأدبي دون أن يقدم جديداً إلى النقد العربي القديم.
وتحت عنوان: (الملكة اللسانية عند ابن خلدون) تحدث د. عبد البديع النيرباني عن موقف ابن خلدون من علوم اللغة العربية وخصوصاً رأيه في اكتساب اللغة، حيث اعتبرها مكتسبة عن طريق التعلم والتكرار، يقول د. البيرياني: إن الملكة اللسانية عند ابن خلدون ذات طبيعة ذهنية وتتكون بتجريد المنوال الذي نسج العرب عليه تراكيبهم، وعلى هذا فتمكن الملكة اللسانية إنما يكون بالنظر إلى التركيب لا المفردات، ذلك أنه على قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة المصنوع نظماً ونثراً كما يذكر ابن خلدون.. إلخ
من جهته تطرق د. محمد محفل إلى الأوضاع والظروف السياسية والاجتماعية التي عاشها ابن خلدون وعاصرها وكيف أثّرت في كتاباته. فقد غزا التتار الجانب الشرقي من العالم الإسلامي، وأسقطوا بغداد، أما في الغرب الإسلامي فقد تضعضع الحكم العربي وبدأ في التراجع، وكذلك مشاركته في صنع الأحداث لأنه استلم عدة مناصب سياسية ومارس السياسة، كل ذلك جعله يكتب بقلم مطلع على خفايا الأمور ومتمرس في سياسات الدول والممالك.
أما د. يوسف سلامة فقد عالج جانباً مهمًّا في حياة وكتابات ابن خلدون وهو الجانب الفلسفي، متسائلاً هل حاول ابن خلدون في كتاباته الكشف عن الأسس والبراهين التي اعتمدها في قراءاته وتأريخه للأحداث التاريخية، أم أنه انطلق من مسلمات ولم يبرهن عليها. فمن حيث المبدأ يقول د. سلامة فإن ابن خلدون يعنون الفقرات كلها بكلمة علم، فالفقه علم والتصوف علم وعلم الكيمياء علم، من هنا فقد وقع في التباس فهو يطلق على جميع هذه المجالات المعرفية اسم العلم وهو في ذلك لا ينطلق من برهان علمي، وكذلك لم يميز بين اختصاص واختصاص، عندما أطلق وصف العلم عليها، وأما الالتباس الثالث الذي وقع فيه ابن خلدون حسب الدكتور سلامة فهو عدم استيعابه بشكل دقيق لمعنى الفلسفة وهذا ما جعله يخصص فصلاً كاملاً تحت عنوان: إبطال الفلسفة، وهذا ما يبرر بعده عن هذا المجال المعرفي المهم.
من جهته تساءل د. أحمد برقاوي عن إمكانية عصرنة مفهوم العصبية الخلدوني، وهل بإمكان هذا المفهوم أن يقدم شيئاً ما على المستوى المعرفي. ففي نظر د. برقاوي يمكننا توسيع مفهوم العصيبة -وابن خلدون يسمح بذلك- للحديث عن عصبية إيديولوجية وعن عصبية دينية أو وطنية أوطبقية. وبالتالي يمكن لهذا المفهوم أن يطبق في مجتمع آخر غير المجتمع العربي؟ وفي الأخير يرى د. برقاوي: أن التناقض في العالم العربي هو بين عصبيات قديمة وعصبيات جديدة. ولذلك نرى ما تمارسه العصبيات القديمة من ضغوط على العصبيات الحديثة.
د. أحمد أبو راس تحدّث عن المنهج لدى ابن خلدون فأكد أن منهجه يتميز بثلاثة قواعد هي: الشمولية والموضوعية والتكاملية، بالإضافة إلى قواعد أخرى استخدمها في دراسته لبعض المواضيع مثل الشك والتمحيص والاعتماد على الواقعية لتشخيص الظواهر الاجتماعية، وكذلك عدم إهماله للقياس والاستدلال والسبر والتقسيم والتعميم وأصوله.
من جهته تناول د. عبد الرحمن حللي موضوع: (إصلاح التعليم الديني من منظور ابن خلدون) فأشار إلى ما أكده ابن خلدون من ارتباط ازدهار العلوم بازدهار العمران. أما مشكلات التعليم فقد عزاها ابن خلدون إلى مجموعة أسباب من بينها طول فترة الدراسة والتعليم والخلل بين الملكة العلمية وبين الحفظ وكثرة التأليف في كل علم واختلاف المصطلحات، أما مقترحاته لمعالجة هذه الإشكاليات فقد اقترح تقصير مدة تحصيل العلوم والتركيز على تنمية الملكة وعدم الخلط بين العلوم...
أما الدكتور غريغوار مرشو فقد قدم ورقة تحت عنوان: (قراءة معاصرة لابن خلدون) أكد فيها أهمية الوعي بالتاريخ، مطالباً العرب بإعادة النظر في رؤيتهم للتاريخ، كما دافع عن موقف ابن خلدون من الفلسفة لأنه في نظره إنما رفض الفلسفة الميتافيزيقية واهتم بفلسفة الفيزياء المجتمعية. وختم الدكتور مرشو قائلاً: إذا كان ابن خلدون قد أدهش وأذهل كل من تناول فكره في عصره وما بعده، فهذا يدل على أنه أراد أن يعيد للفلسفة جذوتها ومكانتها بوصفها أمًّا للعلوم، لاسيما في زمن ابن خلدون حيث كانت تلتهم الأمة كل ألوان الحرائق والفساد والإفساد والتمزق في لحمة الأمة.
وأخير تناولت الكلمة د. إيمان الصالح رئيسة قسم الدراسات الفلسفية في جامعة حلب، التي قدّمت ورقة بعنوان: (ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع) أشارت فيها في البداية إلى نظرية ابن خلدون حول العصبية ومراحل نشوء الدول وسقوطها، كما أشارت إلى ابتداعه لعلم العمران أي علم نشوء الحضارات، وهذا ما دفعه إلى التفكير في أسس قيام المجتمعات فكان أن قام بتأسيس علم الاجتماع. أشارت كذلك إلى مساهمته في الحضارة الغربية وخصوصاً تأثيره في نشوء الفكر المادي التاريخي، وكشفه عن تأثير العوامل الاقتصادية والإنتاجية في تطور المجتمعات. كذلك أشارت إلى تأثيره الواضح في الفكر السياسي الأوروبي. لكن ما يؤخذ على ابن خلدون في نظرها هو إخفاقه في المواءمة بين التنظير الفكري والواقع العملي وذلك لغياب الحامل السياسي الداعم لمشروعه.
واختتمت أعمال الندوة بإلقاء التوصيات.