شعار الموقع

الحوار المذهبي الواقع والمأمول

فهد إبراهيم أبو العصاري 2006-11-09
عدد القراءات « 668 »

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَـهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

(آل عمران 103 - 105)

* المقــــدمـــة

يحكى أن رجلين كانا يسيران في الصحراء ولاح لهم سواد من بُعد، فقال أحدهما للآخر: انظر إلى ذلك الغراب، فلما نظر رفيقه قال: إنه عنز وليس غراباً. فاختلف الصديقان وأصر كل منهما على رأيه. ولما قربا من السواد طار. فقال الأول: ألم أقل لك إنه غراب وليس عنزاً، فرد الآخر «عنز لو طار». كثيرون هم أولئك الذين يتشبثون برأيهم ويرونه حقاً مهما بيَّنت لهم من براهين تبطل ما يرونه. وبعض هؤلاء يعود سبب تشبثه بهذا الرأي أنه لم يعرف رأياً آخر. أما البعض الآخر فهو من نوع «عنز لو طار». وهذا قد يصعب إصلاحه لأنه ممن يرى الحقيقة ويتعامى عنها. وعليه فإنه ليس على استعداد أن يتحاور مع أحد، ولو تحاور فإما أن يُقبل رأيه أو يفرضه هو بالقوة. وأمثال هؤلاء لا بد أن يحجموا ولا يترك لهم الحبل على الغارب فإنهم سيعيثون في الأرض فساداً، ولا مناص من قيادتهم إلى الحق ولو بالقوة، ولا مناص أيضاً من إبعادهم عن خطوط القيادة الاجتماعية لأنهم يشكلون خطراً على الحاضر والمستقبل. أما من يرى أن ما لديه صواب يحتمل الخطأ وما لدى الآخرين خطأ يحتمل الصواب فهذا هو العنصر الذي يشكل الأرضية الصالحة للحوار، وسواء اقتنع بما لدى الآخر أو لم يقتنع فإنه سيظل يحترم هذا الآخر وآراءه، مؤمناً بإمكانية التعايش معه وفق أسس حرية الرأي والمعتقد واحترام الآخرين.

والحوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية أصبح من الموضوعات الملحة. وإلا فإن اللحمة الوطنية معرضة للخطر. ويجب أن نبدأ الآن ولا نترك الميدان لعناصر الشر من هنا وهناك لينقضوا على وحدتنا الوطنية، وعلى خيرات بلادنا العزيزة، فيدمروا كل شيء ويحرقوا الأخضر واليابس، ظانين أن ما يقومون به يقربهم إلى الله زلفى. وهم في الحقيقة من {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}([1]).

* أفكار على الطريق

ظهرت في الآونة الأخيرة أصوات خيرة تدعو إلى الحوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية في المملكة. وهي وإن كانت ليست جديدة إلا أن الظرف والواقع الآن يجعلها من الأهمية بمكان ويجب ألَّا يتغافل عنها المجتمع. إن هذه الأصوات أحست بالخطر المحدق بالأمة، وأنها على شفا الانهيار ما لم تتداركها رحمة الله وعنايته، ثم غيرة المخلصين من أبناء الوطن الذين يتمتعون ببعد النظر والإخلاص لبلادهم مهما كان موقعهم الجغرافي أو الوظيفي.

وأذكر أنه أثناء انعقاد جلسات مؤتمر اللقاء الوطني الأول للحوار الفكري دعا الشيخ ربيع المدخلي إلى حوار بين السنة والشيعة، فاستقبل الشيخ حسن الصفار هذه الدعوة بصدر رحب، ودعا من خلال اللقاء علماء السنة لزيارة القطيف والحوار مع علماء الشيعة هناك.

وتلا ذلك اقتراحات حول هذا الموضوع من قبل الدكتور عبد العزيز التويجري والأستاذة سهيلة الحماد والشيخ حسن النمر والسيد هاشم السلمان والسيد محمد علوي مالكي -رحمه الله- والأستاذ محمد سعيد الطيب والأستاذ عبد العزيز القاسم والشيخ عبد المحسن العبيكان والشيخ موسى بوخمسين وغيرهم وذلك عبر كتاباتهم في الصحف اليومية وغيرها.

وأخيراً نشرت بعض الصحف مقالات للشيخ عبدالله المنيع وهو ينتمي إلى هيئة كبار العلماء يطالب فيها بالحوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية في المملكة. وأيده في ذلك في مقالات صدرت فيما بعد بعض العلماء من أمثال الشيخ صالح السدلان والشيخ عايض القرني والشيخ محمد محفوظ وغيرهم. بل إن بعض المشجعين لهذا الاتجاه ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أيَّد القولَ بالعمل فقام مثلاً الدكتور عايض القرني بزيارة لعلماء الشيعة في القطيف، وتلاه في ذلك بزيارة مماثلة الأستاذ عبدالمقصود خوجه. وقام الشيخ حسن الصفار بزيارة إلى أحدية الأستاذ راشد المبارك في الرياض وأخرى إلى جدة، حيث استضافه هناك الأستاذ عبدالمقصود خوجه في اثنينيته المشهورة.

وأنشأ بعض الغيورين جلسة مشتركة في جدة وفي منزل الدكتور واصف كابلي تحديداً اسموها ندوة الروضة. حيث يلتقي فيها أسبوعياً وبعد صلاة الجمعة ممثلون عن كل ألوان الطيف في بلادنا العزيزة. فهناك من يمثل الشيعة والصوفية والسلفية والزيدية وغير ذلك من ألوان الطيف، ويلتقي الجميع في جو أخوي تسوده المحبة والألفة والحرص على المصلحة الوطنية في الدرجة الأولى.

والذي ينقص مثل هذه الجلسات واللقاءات الآن ترسيمها وتعميمها من جهة والإعلام عنها من جهة ثانية.

ولا شك أن هناك أصواتاً أخرى وأعمالاً لم أذكرها، حيث أردت فقط ضرب أمثلة ولم يكن من شأني الاستقصاء. وعليه فيمكنني القول: إن هناك شريحة لا يستهان بها من المواطنين ومن المثقفين بالدرجة الأولى، ومن جميع الأطياف تحاول جاهدة العمل على خلق أجواء أفضل، عبر اللقاءات والحوارات والندوات، لتماسك اللحمة الوطنية رغم كل ما يواجهها من مصاعب وآلام.

لا بد أن نبارك مثل هذه الخطوات ونؤازرها وندعو لها بالتوفيق. لا بد أن نربي أنفسنا وأبناءنا وبناتنا على قبول من يختلف معنا في التفكير، فالوطن للجميع ومن حق كل مواطن أن يعيش في أمن وطمأنينة فوق أرض وطنه، وأن ينعم بحريته وحقوقه. ومن أهمها وأبرزها حقه في العبادة وفق مذهبه وطريقته التي اختارها لنفسه وارتضاها بقناعاته، وسوف يحاسب عليها غداً بمفرده. {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

إن أمن الوطن والمواطنين يأتي من أولى أولويات المهتمين بشأن الوطن. وعليه فمباركتهم العملية قبل القولية لفكرة حوار الفرق والمذاهب الإسلامية في بلادنا أمر في غاية الأهمية، ويجب أن نرى آثاره على السطح في فترة وجيزة.

لا ننسى أن هناك أفكاراً مخالفة لهذا التوجه ودورها ماثل للعيان، فهي تمارس الخطاب بل الفعل التحريضي ضد هذا التوجه الخيِّر، وتحاول وأده في مهده كي لا يرى النور أبداً؛ ولذلك فعلينا أن نستنكر كل أشكال الإقصاء والتهميش لأي مواطن.

لأن الطرف الذي يُهَمَّش ويُقصى ويمارس ضده أنواع التمييز سواء كان طائفياً أو مناطقياً أو غير ذلك سوف يشعر بالضيم، وهذا سيقوده حتماً إلى الكفاح لنيل حريته وحقوقه، وعندها سيسلب الأمن عن الجميع، وستكون فرصة لمن يحبون الصيد في الماء العكر، والنماذج من حولنا ليست قليلة بل هي كثيرة ومخيفة في الوقت نفسه. فأحداث لبنان من عام 1975م إلى عام 1990 لم يبرد حرُّها إلى اليوم، وأحداث العراق والجزائر وأفغانستان دروس صارخة لكل من له قلب واعٍ.

وفي الصدامات والصراعات الداخلية -كفى الله بلادنا وبلاد المسلمين شرها- لا يوجد منتصر. لأن الطاعن هو المطعون نفسه، وعليه فالقاتل هو المقتول. ومن هنا فواجب كل أبناء الوطن وبناته الحرص على سلامته وأمنه، وتجنيبه جميع ما يمكن أن يخلَّ بذلك حسب موقعه وحسب قدرته. وليس هذا الطرح مثالياً. إنه أمر ممكن إذا صلحت النيات ووُظِّف الاختلاف لصالح المجتمع بدلاً من توظيفه ضده.

* من يقرع الجرس

نقلت صحيفة الشرق الأوسط في عددها 9971 وفي الصفحة الخامسة عشرة عن الشيخ عبد الله المنيع عضو هيئة كبار العلماء قوله إجابة عن سؤال وجهته له الصحيفة حول الرؤية الشرعية: فإذا كنت تتفق مع عقد لقاءات بين المذاهب والفرق الإسلامية فما الذي يمنع من ذلك في الوقت الحالي؟ فأجاب بقوله: «لا يوجد ما يمنع ذلك. ولكن من يقوم بقرع الجرس؟ نحن بحاجة إلى جهة تقوم بتبني هذا المنهج ونأمل أن يتسع «الحوار الوطني» ليشمل الحوار المذهبي أيضاً، فما دامت وُجدت أرضية الحوار فما المانع من توسيع دائرته ونطاقه في ظل احترام كافة الآراء والأقوال، وتقدير مشاعر المتحاورين دون أية انفعالات أو تشنج من قبل البعض».

أقول: إن هذا فعلاً ما نحتاج إليه، الاحترام المتبادل لكافة الآراء والأقوال، واحترام مشاعر الناس وعدم فرض الهيمنة، والبعد عن الإرهاب الفكري. فإذا ما أخذ هذا في الحسبان فإن الحوار المذهبي سينجح أيما نجاح.

أما إن جاء البعض وفي نيته أن يهزم الفريق الآخر ويبعده عن الساحة أو يفرض عليه آراءه بالقوة والقهر فإن هذا الحوار مكتوب عليه الفشل قبل أن يبدأ، ومن الخير ألَّا يبدأ. إننا نعيش في مرحلة حرجة تتطلب اليقظة والتخلي عن الأنا الممقوتة، والاهتمام بالجميع، وتوخي الحذر، وخصوصاً ممن يمثلون الدولة بحكم وظائفهم في أقوالهم وأفعالهم، وعليهم البعد عن الازدواجية وخصوصاً في خطاباتهم سواء المسجدية منها أو الإعلامية. فالمطلوب منهم هو تثقيف العامة بحقوق المواطنة ضمن العدل والمساواة في الغنم والغرم. ومن هنا فإني أرى أن قرع الجرس هو مهمة المقام السامي بالفعل كما اقترح فضيلة الشيخ عبد الله المنيع. فخادم الحرمين الشريفين هو راعي الحوار الوطني كما هو معروف، وعليه فإن الحوار بين المذاهب والفرق والإسلامية في المملكة يعدُّ فرعاً وجزءاً من الحوار الوطني، ويمكن لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الإعداد والإشراف على هذا الحوار ضمن فعالياته المختلفة.

نعم لا بد أن يكون اختيار العلماء المشاركين في الحوار خاضعاً لغربلة دقيقة. حيث إنه من غير المنطقي وخصوصاً في مراحل الحوار الأولى اختيار مشاركين ثبتت كراهيتهم لمن ينتمي لغير مذهبهم وفكرهم. فالحقد والكراهية ستولد فشلاً ذريعاً للحوار. نحن بحاجة لنبذ التعصب الفكري واختيار مفردات التسامح والعدل والإنصاف والمحبة وتغليبها على مضاداتها لينجح الحوار المذهبي في بلادنا.

* الحوارات الوطنية

أحدثت الحوارات الوطنية الخمسة التي تمت حتى الآن تحولاً لا يستهان به في الفكر الوطني وبالذات على مستوى المثقفين. وتباشر الناس خيراً، وكانت الحوارات حديث المجالس سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. لكن سرعان ما تبددت آمال الكثير من الناس؛ لأن معظم التوصيات التي صدرت عن مؤتمرات الحوار لم ترَ طريقها إلى النور إلا عبر الإعلام.

صحيح أن المشاركين في الحوار ليسوا جهة تنفيذية، ومهمتهم هي تبادل الآراء، ومن ثم اقتراح ما يتفق عليه ضمن توصيات تخرج بوصفها بياناً ختامياً لكل لقاء. لكن يجب إلا ننسى أن راعي الحوار هو الرجل الأول في الدولة وقد وضع ثقله مع هذه اللقاءات الخيرة، وعليه فإن المطلوب هو أن تنفذ أغلب التوصيات وتفعل.

لقد لا مست بعض التوصيات جراحاً عميقة وآلاماً مزمنة لدى بعض الفئات من الشعب واستبشروا خيراً بالحوارات، ولكنني لا أذيع سرًّا إن قلت: إن معظم آمالهم وطموحاتهم قد تبخرت الآن. وذلك أن أوضاعهم لازالت تراوح مكانها، أو أن الأمر إلى الأسوأ. فعلى سبيل المثال لا الحصر لا زالت مناهج التعليم تسيء إلى بعض الطوائف من المواطنين وغيرهم. فالتضليل والتكفير والتشريك والتبديع كان ولا يزال ديدن مواد كثيرة تدرس في مدارسنا، مما نشأ عنه الغلو والتطرف لدى شريحة كبيرة من الناس.

ورغم أن الحوار الوطني الثاني كان عن الغلو والتطرف وقد وضع اليد على الداء، إلا أن الوضع في الحقيقة لم يتغير كثيراً. فلا زالت مدارسنا وجامعاتنا تعاني من التطرف والتحريض على الكراهية.

ومن المضحك أن المرأة والتي عُقد حوار وطني باسمها في المدينة المنورة أصبحت تعاني في هذه المدينة نفسها أكثر من السابق، وبالذات عند زيارتها للمسجد النبوي الشريف أو البقيع أو سيد الشهداء. وأذكر أن إحدى الأخوات المشاركات في الحوار الوطني أخبرتني أنها ما زارت المسجد النبوي مرة إلا وخرجت باكية مما تلاقيه من الاضطهاد الديني. والذي يزيد الأمر غرابة أن رئيس الحوار الوطني هو رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولا شك في أنه على اطلاع على ما يعانيه الزائرون للمسجدين الشريفين من قبل بعض المشائخ الذين يعملون تحت إدارته في هذين المكانين. وللحقيقة أقول: إن فضيلة الشيخ صالح الحصين رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ورئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني قمة في الأخلاق الفاضلة والأدب الجمِّ والتواضع، وهو من خيرة العلماء في هذا البلد. فلماذا لا يستطيع أن يغيِّر؟ إنه سؤال محرج ولا أدَّعي أني أملك الإجابة عنه.

إن الحرمين الشريفين مهوى أفئدة المسلمين من شتى أصقاع المعمورة، وعليه فإنهما يشكلان الواجهة الأولى لسمعة المملكة العربية السعودية، وقد عُقد حوار وطني بعنوان نحن والآخر. والآخر يعني غير السعودي مسلماً كان أم غير مسلم. والحق أن هذا الآخر يعاني حينما يزور المسجدين الشريفين وغيرهما من الأماكن المأثورة في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة. فقد يضايق في صلاته وزيارته وطوافه وما إلى ذلك، ويرجع بصورة وأفكار سلبية عن المملكة. وقد تم التنبيه إلى ذلك وخصوصاً في اللقاءات التحضيرية للحوار الوطني الخامس (نحن والآخر). والمضايقات لا شك مستهجنة من قبل المسؤولين على المستوى النظري، فمتى يتم ذلك على المستوى العملي.

إذا أردنا أن نعيد الثقة بالحوارات الوطنية فعلينا أن نُفعِّل الجزء الأكبر من التوصيات إن لم يمكن تفعيل الجميع، وأن نُنزل هذه التوصيات من المستوى النظري إلى المستوى العملي.

قد يظن القارئ الكريم أنني متشائم حيال الحوارات الوطنية. وللحقيقة أقول: إنني لست كذلك، فأنا باستطاعتي رؤية الضوء في آخر النفق، لكنني كغيري مستعجل، وسبب الاستعجال هو أن هناك أموراً حسب اعتقادي لا تتحمل التأخير، فالعالم من حولنا يتغير بسرعة، فإن لم نحسن استغلال هذه الأوضاع تأخرنا عن الركب وربما أوقعنا أنفسنا في الخطر.

والذي يدعو إلى التفاؤل هو أن من ينتسب للمؤسسة الدينية في البلاد يطالب الآن بالحوار المذهبي بين المذاهب والفرق. وهذا بحد ذاته يعد صحوة هامة لأنه -والحق يقال- أكثر ما يعانيه الناس نتاج للخطاب الديني سواء الرسمي منه وغير الرسمي. إن عدم رد السلام بين الزملاء والموظفين في المؤسسة الواحدة كان بسبب التحريض من قبل علماء الدين المتطرفين. وعدم السلام معناه أن الناس في حالة حرب. ومن يقرأ بعض الأفكار التي تكتب عبر شبكة الإنترنت سيعلم حتماً أن هناك قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. لكن الأمل في نزع فتيلها كبير إذا تم الحوار المذهبي بين العلماء المخلصين لدينهم ووطنهم. إن الحوار المذهبي هو الأمل الآن وبالذات للطبقات المضطهدة والمسحوقة. فعلماء الدين هم الأقدر على وضع الأمور في نصابها إن أرادوا ذلك. وذلك لسبب بسيط وهو أن معظم العوام ينساقون خلف علماء الدين التابعين لمذاهبهم وفرقهم دون تمحيص في الغالب. فصلاح العامة والحال هذه من صلاح علماء الدين، وفساد العامة هو نتيجة حتمية لفساد علماء الدين. ولا فساد أسوأ من التطرف والغلو والتنطع حيث يُلغى المختلف ويُهمَّش وربما يُسحق ويُدمر.

والإحساس بهذه المشاكل والإقرار بوجودها يعتبر الخطوة الأولى على طريق الحل. حيث إن من لا يعترف بوجود مشكلة ما ليس على استعداد لحلها مطلقاً.

* المذاهب الموجودة

بعد الاعتراف والإقرار بوجود المشكلة لا بد أن نتعرَّف على الفرق والمذاهب الموجودة في الساحة كي تؤخذ كلها بعين الاعتبار، فلا يتم تهميش بعضها ولا إقصاؤه مهما كان عدد المنتمين إليه.

وواضح أن هناك فرقتين هامتين هما السنة والشيعة. وهناك مذاهب ضمن التوجهين فالمذاهب الأربعة السنية موجودة وظاهرة وخصوصاً الحنابلة والمالكية. كما يوجد بعض الشوافع وبعض الأحناف وهناك بعض اتباع الطرق الصوفية، ويُعدُّ الاتجاه السلفي هو المسيطر الآن.

أما الشيعة فيتواجد عدد كبير منهم ممن يتبعون مذهب الإمامية -المذهب الجعفري- وهؤلاء وإن كانوا متواجدين في كل مدن المملكة ومعظم قراها إلاّ أن لهم ظهوراً واضحاً في المدينة المنورة والمنطقة الشرقية. أما الإسماعيلية فجلهم من منطقة نجران كما يوجد أيضاً بعض الزيدية وخصوصاً في الجنوب.

هذا بالنسبة للمواطنين. أما إذا وسعنا نظرتنا للمقيمين فإن جميع المذاهب الموجودة في الساحة الإسلامية متواجده بشكل أو بآخر هنا أو هناك. بل إن هناك أدياناً أخرى غير دين الإسلام. والمفترض أن يؤخذ كل ذلك بعين الاعتبار. فكما نريد من الدول التي يقيم فيها بعض مواطنينا لأي غرض من الأغراض أن ترعى هؤلاء المواطنين وتمنحهم الحرية في أداء شعائرهم الدينية وفق دينهم ومذاهبهم؛ فإن للدول التي لها مواطنون يعيشون بيننا وعلى أرض بلادنا نفس المطالبة منا. والدنيا كما هو معروف أخذ وعطاء، فإذا أردنا أن نُحترم فلا بد أن نحترم آراء الآخرين وتوجهاتهم. من جهة أخرى وحيث أن بلادنا تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة فإن جميع الفرق والمذاهب الإسلامية تتواجد على أرضنا وخصوصاً في موسم الحج. ومن غير المنطقي أن نفرض على كل هؤلاء توجهاً واحداً مهما كانت المبررات.

والذي يثلج الصدر ويفتح باب الأمل كبيراً لنجاح الحوار المذهبي هو أن المملكة العربية السعودية ومن أعلى سلطة فيها تعترف بوجود المذاهب الأخرى، وتقر بأن الاختلاف سنة كونية لا يمكن إلغاؤها ولا القفز عليها.

وتلبية لدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين انعقد في شهر ذي القعدة عام 1426هـ مؤتمر القمة الإسلامي في مكة المكرمة، وتم الاعتراف بثمانية من المذاهب الإسلامية. ومعنى هذا أن هذه المذاهب بل وغيرها أيضاً من حقها أن تمارس جميع شعائرها الدينية في حرية وأمن وطمأنينة في كل البلاد الإسلامية دون خوف أو وجل. وليس من حق أحد أن يفرض إرادته وتوجهه وفكره على أحد بالقوة مهما كانت الذرائع.

وحيث إن هيمنة المذهب بل التوجه الواحد لا زالت موجودة عندنا، وتمارس بصفة رسمية من قبل موظفي الدولة وخصوصاً في الحرمين الشريفين، حيث يتم التدخل في الصلاة والزيارة والطواف وغيرها من قبل الموظفين هناك، ويتم أحياناً مصادرة الكتب الشخصية، وأحياناً تعنيف بعض الناس، وبالذات أولئك الذين يختلف توجههم أو مذهبهم مع التوجه الرسمي، تارة بالقول وتارة بالفعل وأخذ التعهدات وغيرها؛ فإن من حق كل مواطن وكل مقيم وكل زائر أن يسأل هل أن اعتراف الحكومات الإسلامية -ومن بينها بالطبع الدولة المضيفة- بالمذاهب الإسلامية والتعامل معها على قدم المساواة ومنح الحريات الشخصية، هل هو مجرد حبر على ورق؟ أو أن له مصداقية؟ ومتى سيتم تفعيل تلك المصداقية وتلك القرارات التي صدرت من أعلى سلطة في العالم الإسلامي كله؟

* الخطوات اللازمة لإنجاح الحوار المذهبي

لكي ينجح الحوار المذهبي في المملكة لا بد أن يتم الاعتراف بوجود كافة الفرق والمذاهب والتوجهات على هذه الأرض الطيبة من قبل الدولة، وأن يكون هذا الاعتراف واضحاً ومعلناً للجميع.

ونتيجة لهذا الاعتراف بالوجود يتم الاعتراف بحقوق كافة الفرق والمذاهب والتوجهات الإسلامية، وصيانتها وحمايتها، وفي مقدمتها الحق في حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية كل حسب مذهبه وتوجهه. وعليه فلا بد أن يتم فوراً إيقاف كل نشاط يؤدي إلى تسفيه مشاعر الآخرين، وإلغاء فرض الوصاية على الناس من قبل السلطة الدينية في المملكة.

كما أنه لا بد من تمثيل جميع الفرق والمذاهب والتوجهات الإسلامية في الحوار، وأن يجلس الجميع حول طاولة مستديرة على قدم المساواة.

وحبذا لو تم عقد الحوار برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين شخصياً، وعبر ترتيبات مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. ومنذ البداية على كل مواطن أن يعلم أن ما يتفق عليه سيكون ملزماً للجميع دون استثناء، وأن المخالفين سيتم تجريمهم. من غير المعقول أن تتخذ القرارات والتوصيات برأي الأغلبية لأن ذلك سيقضي على حقوق الأقليات نهائياً وسيعمق المشكلة بدلاً من أن يحلها.

نحتاج إلى زخم إعلامي كبير وهادف يسبق انعقاد المؤتمر ويصاحبه ويتلوه لإقناع الرأي العام بضرورة التغيير وبفائدته لكل الناس.

ومن هنا فإن من أنجع الوسائل للنجاح هو السماح لكافة المذاهب والتوجهات بالتعبير عن نفسها عبر وسائل الإعلام الرسمية لكي تتم إزالة الجهل والتجهيل، اللذين سبَّبا كل التوترات الموجودة لعقود من السنين. ومعنى هذا أن تتسع صدورنا لقبول من نختلف معه في الرأي وأن نحترمه كما نحب أن يحترمنا.

* الأسس والمرتكزات للحوار المذهبي

هناك عدة مرتكزات لا بد أن ننطلق منها في حوارنا المذهبي ومنها على سبيل المثال:

1- أن الدين والمذهب والتوجه لا يُفرض بالقوة حتى من قبل الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم. قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([2]).

 

2- أن حقوق الإنسان -أي إنسان- مكفولة في الإسلام، وفي مقدمتها حقه في حرية العبادة.

3- أن الخالق عز وجل كرَّم الإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}، وعليه فلا يجوز لأحد مهما كانت صفته أن يعتدي أو ينقص من كرامة أخيه الإنسان بأي صورة من الصور.

4- أن الأنانية وحب الذات إلى درجة تهميش الآخر أو إلغائه مسلك غير ديني وغير حضاري.

5- الاختلاف في الرأي وُجد في صدر الإسلام بين الصحابة وحتى في حضور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه فلا بد من التعامل معه على أنه ظاهرة طبيعية وبالتالي فهو لا يفسد في الود قضية.

6- لا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة ما لم يرتد أو ينكر ضرورة من ضرورات الدين.

7- المشتركات بين المسلمين أكثر بكثير من نقاط الاختلاف. فالمفروض أن يكون المنطلق منها -أي من المشتركات- وأن يُؤجل بحث نقاط الاختلاف خصوصاً في الجلسات الأولى للمؤتمر.

8- المواطنة حق للجميع ولا يمكن إلغاء حقوق المواطنين كلًّا أو جزءاً بسبب التوجه المذهبي أو الفكري.

9- يوجد من حولنا العديد من الدول حيث يعيش الناس جنباً إلى جنب بحقوق وفرص متساوية رغم التباين الفكري والمذهبي بل والديني أيضاً. حيث لا يسمح بتضييع حق أحد أو بالاعتداء عليه من أي أحد.

10- أن العدل قيمة إنسانية عالية لا ينبغي التخلي عنها، وهي تعني إعطاء كل ذي حق حقه.

11- عدم العدل يفضي إلى الظلم، والظلم مؤذن بخراب العمران إن عاجلاً أو آجلاً.

12- الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، وعليه فإنها تنتج ثماراً طيبة. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}([3]).

وقال تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}([4]).

13

- المفروض من مناهج التعليم أن تكون أداة لإزالة الجهل، وأن تراعي السلم الوطني بدلاً من تحريض فئة على أخرى مما يخلق أجواء من التوتر تنمو مع نمو الأجيال. ومن هنا تكون المناهج أدوات مساعدة للهدم بدلاً من البناء.

14- على الإعلام المرئي منه والمسموع والمقروء مراعاة التنوع الفكري والمذهبي الموجود على الساحة، والتعامل معه بما يُفضي إلى حسن التعايش والوئام بين كافة المواطنين.

15- محاسبة النفس والاعتراف بأخطاء الماضي، واستحضار النيات الصالحة، والنظر إلى المستقبل بتفاؤل من شأنها أن تغذي المسيرة نحو الإصلاح، وتدفعها باتجاه البناء وبلوغ الآمال الخيرة إن شاء الله.

* الآليات المقترحة

إذا كان الهدف من الحوار المذهبي هو إلغاء التعدد المذهبي فمعنى ذلك أن المؤتمرين يحرثون في البحر. وعليه فلا فائدة من انعقاد الحوار أصلاً. إذن فليكن في الحسبان منذ البداية أن التعددية قائمة إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى بخروج المهدي المنتظر عجل الله فرجه، وحينها سيظهر هذا الدين على كل أديان الأرض كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا}([5])،

 

وسيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وبظني أن المسلمين لن يَتَّحِدوا مذهبياً قبل ذلك الوقت. لكن هذا لا يمنع من الوحدة من خلال المشتركات الموجودة بين سائر المسلمين وما أكثرها. وتبعاً لذلك فإن من المهم أن يأتي المؤتمرون للحوار لا بنية إقناع الآخر برأيهم بل لتعريف الآخر بأنفسهم.

من هذا المنطلق ينبغي -حسب ظني- الطلب من كل فرقة أو مذهب وعبر علمائها كتابة بحوث مسبقة للتعريف بالمذهب، ولتكن هذه البحوث عقائدية وفقهية وأخلاقية. حيث يتم تبادلها قبل انعقاد مؤتمر الحوار بفترة كافية لقراءتها وإبداء الملاحظات عليها. ولا بد أن تكون هناك لجنة مشتركة من جميع الفرق والمذاهب للاطلاع على البحوث، ومن ثم تنظيمها ورصد المشتركات التي تحتويها، وكذلك نقاط الخلاف؛ لتسهيل عمل العلماء المؤتمرين. وعلى هذه اللجنة أيضاً رصد وقائع جلسات المؤتمر وتفريغها أيضاً على الورق وعبر الحاسوب ليتم الرجوع إليها وقت الحاجة مع تسجيل كل الجلسات صوتاً وصورة.

يمكن للإعلام بشتى أنواعه حضور بعض الجلسات وخصوصاً الافتتاح والختام، ولكن ينبغي أن تكون هناك جلسات خاصة بالعلماء وبالذات في المؤتمر الأول.

لأهمية الموضوع أرى أن يفتتح المؤتمر خادم الحرمين الشريفين شخصياً للفت نظر المؤتمرين والمواطنين بل والعالم الإسلامي بأسره لأهمية مثل هذا الحوار.

وأعتقد أن المؤتمر يحتاج من ثلاثة إلى خمسة أيام بواقع ثلاث جلسات يومياً تكون مدة الجلسة ساعتين. وهنا لا يفوتني التنويه بأهمية زيارة المجاملة بين العلماء والنقاشات التي تكون على هامش المؤتمر. وتسهيلاً لذلك ينبغي أن يعقد المؤتمر في المكان نفسه الذي يسكن فيه العلماء المؤتمرون وكل الطاقم المسؤول عن تنظيم المؤتمر. وأرى أن أفضل مكان لانعقاد المؤتمر مكة المكرمة رمز وحدة المسلمين ومهوى أفئدتهم وقبلة صلاتهم. وأشارك فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع الرأي في أن يكون المرجع في هذا الحوار الكتاب والسنة النبوية. لكن ينبغي ألَّا ننسى أن القرآن الكريم حمّال أوجه، وهناك عدة تفاسير للجملة الواحدة أو الآية الواحدة منه. كما أن السنة النبوية قد يختلف المؤتمرون في مدى صحة ورودها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فينبغي والحال هذه أن تكون هناك آلية توضح متى تكون السنة ملزمة ولأي فريق. فمثلاً من يعتقد أن كل ما في صحيح البخاري صحيح يعتبر ملزماً بكل ما في صحيح البخاري، لكن الفريق الذي لا يرى صحة كل ما ورد في هذا الكتاب لا يمكن إلزامه بكل ما فيه وهكذا.

ولكي ينجح مثل هذا المؤتمر لا مناص من الالتزام بالعامل الخلقي الإسلامي في التعامل فيما بين المسلمين مهما تعددت فرقهم ومذاهبهم، والأخذ بأدبيات الحوار الحضاري حيث يجب البعد عن أي إساءة لأي فريق أو رموزه، حتى تتفتح القلوب بعضها على بعض وتسود المحبة والمودة الإسلامية. وأن يبقى في مخيلة كل شخص أن الهدف الأسمى من هذه اللقاءات هو المحافظة على الوحدة الإسلامية، عبر المحافظة على الوحدة الوطنية ورد كيد الأعداء في نحورهم، والخروج من شرنقة الأوهام والقناعات المسبقة، والتشبث بالحقائق والفهم الصحيح، والبحث عن الحق فإن الحق أحق أن يتبع.

ولعل من المهم أن يسبق المؤتمر بفترة كافية العديد من اللقاءات التلفزيونية والصحفية مع العديد من العلماء من كل فرقة ومذهب لتهيئة الرأي العام للمؤتمر، حيث يتم الحديث عن المشتركات في الدرجة الأولى، وعن أهمية اللحمة الوطنية والأخوة الإسلامية وحقوق المواطنة للجميع وحقوق الإنسان في الإسلام.

* رؤيـة

قال المولى عز وجل في كتابه العزيز: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...}([6]).

 

وهذا -حسب اعتقادي- كما يصدق على التغيير من الإيجاب إلى السلب يصدق كذلك على التغيير من السلب إلى الإيجاب، وحيث إن فكرة التفاهم والحوار بين مختلف الفرق والمذاهب قد بدأت فإن هذا يعتبر تغييراً إيجابياً في العقلية السعودية بصفة عامة، ومفتاحاً للتغير الإيجابي في جميع مناحي الحياة. وهذا بدوره يُعدُّ تطويقاً للشر ومحاولة لنهج الوسطية والبعد عن التطرف والغلو.

وإذا ما انحسر التطرف والغلو فإن العدل والإحسان سيأخذان مكانهما الطبيعي على السطح، وحينها سيتحقق مبدأ التعايش السلمي الذي يُعدُّ في مقدمات الأهداف التي يُرجى تحقيقها في الحوارات الدينية.

بالطبع ليس المطلوب تبني الفكر الآخر دون فحص وتمييز ودراسة، بل المطلوب هو الاحترام للفكر الآخر. وإذا تحقق تبادل الاحترام تحقق تبعاً لذلك مبدأ التعايش السلمي، والذي تنعم به الكثير من بلدان العالم اليوم رغم ما فيها من اختلافات في الأديان والمذاهب والتوجهات الفكرية. ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت: إن السر في ذلك هو منح الحريات العامة وإطلاقها بالذات في الجانب الديني. وتقنين ذلك بحيث لا يتعدى على حرية الغير.

إن للحرية قيمة عالية فإذا ما أُحسن استخدامها من الجميع عادت على البلاد والعباد بالنفع والخير الكثير، وأصبحت مفتاحاً للأبداع، وحصانة من كثير من الشرور والمواقف غير المسؤولة.

إن مجتمعنا سيتغير للأفضل لا محالة إن تم عقد الحوار المذهبي في الأجواء المناسبة، وخرج بتوصيات تهتم بكل أطياف المواطنين وتمنحهم حرياتهم وخصوصاً في المجال العبادي، كي تجعل منهم لاحقاً أنموذجاً للتعايش السلمي. ومن هذا المنطلق فإن على المسؤولين الإعداد بعناية فائقة لمثل هذا المؤتمر، وأخذ أدق التفاصيل بعين الاعتبار، وتحديد الأهداف والموافقة عليها من الجميع مسبقاً، وتخليصها من الشوائب والغموض سلفاً. وكذلك صياغة التوصيات والنتائج بلغة واضحة خالية من الغموض ليتسنى للجميع فهمها والعمل على تطبيقها والإفادة منها.

وفي الوقت الذي أدعو فيه الجميع للتفاؤل أُنَبِّه إلى أن ذلك التفاؤل يجب ألَّا يكون مفرطاً؛ لأن هناك فئات لا يرضيها شيء، وستبقى تحاول الأذى ونشر الشر «إن للخير أهلاً وللشر أهلاً فما تركتموه منهما كفاكموه غيركم».

وعلينا في النهاية تعرية مثل هؤلاء ليراهم الناس في النور فلا ينخدعون بهم بل ويعملون على خنق شرورهم والتضييق عليها إلى أن تزول بحول الله وقوته.

المراجع

1- القرآن الكريم.

2- خالد محمد المغامسي - الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية - مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني - الرياض. الطبعة الثانية 1426هـ.

3- محمد محفوظ - الآخر وحقوق المواطنة - مركز الراية للتنمية الفكرية. دمشق. الطبعة الأولى 2005 - 2006.

4-صحيفة الشرق الأوسط العدد 9971 تاريخ 17/ 2/ 2006.

5- صحيفة الشرق الأوسط العدد 9977 تاريخ 23/ 2/ 2006.

6- صحيفة الشرق الأوسط العدد 9982 تاريخ 29/ 2/ 2006.

 



([1]) سورة الكهف، الآية 104.

([2]) سورة البقرة، الآية 256.

([3]) سورة إبراهيم، الآية 24.

([4]) سورة البقرة، الآية 83.

([5]) سورة الفتح، الآية 28.

([6]) سورة الرعد، الآية 11.