شعار الموقع

شرط المعاصرة في الثقافة الاسلامية للاستفادة من ثورة المعلومات ومواجهة تحديات العولمة

السيد محمد حسن الأمين 2004-09-21
عدد القراءات « 786 »

 السيد محمد حسن الأمين*

إذا أردنا أن نتحدث عن الثقافة الاسلامية في ظل ما يسمونه بثورة المعلومات، علينا أن نتوقف قليلاً حول مفهوم ثورة المعلومات. إن عالمنا الراهن والمعاصر يشهد سيلاً من المعلومات، وتنظيم هذه المعلومات والحاجة إليها أمر ليس عارضاً‏أو جديداً على طبيعة العصر الذي نعيش فيه، فمن مستلزمات عصرنا أنه أولى أهمية للمعلومات سواء في الشأن السياسي أو الشأن الاجتماعي أو التقني أو الاعلامي أو في كل الشؤون، قد أولى أهمية مبكرة للمعلومات. إلى أنه في المراحل التالية شهدت المعلومات ثورة حقيقية لجهة الكم الهائل ولجهة النوعية أيضاً ولجهة تصنيفها، واصبح مقياس قوة الدولة أو الأمة أو المؤسسة، في كمية المعلومات التي تمتلكها مضافاً إلى ذلك طريقة استخدامها، لهذه المعلومات وما يخولها أن تحول هذه المعلومات إلى وقائع تغير في حياتها وفي إمكانات تقدمها.
الآن عندما نأتي إلى الثقافة الاسلامية التي تواجه أسئلة كثيرة وتحديات كثيرة. ولاشك أن الثقافة الاسلامية هي أمام تحدي ثورة المعلومات بهذا المعنى، أي كيف يمكن أن نستثمر الثقافة الاسلامية، هذه الامكانية المطروحة والكبيرة في المعلومات التي يمكن أن تتوفر لأي مؤسسة إسلامية. إذا هي سعت في هذا الاتجاه. لكن استثمار هذه المعلومات من وجهة نظر ثقافية أمر يختلف عنه من وجهة نظر مادية معيشية لجهة توفير الحاجات والأسباب التي يتطلبها الانسان أو المواد الاستهلاكية أو غيرها.
في الثقافة أنت لا تستطيع أن تحقق تطوراً نوعياً من خلال قدر كبير من المعلومات، إذن نحن مطالبون أن ننتج ثقافة اسلامية تحدد أهدافها ومجالات تحركها، وعلى ضوء هذه الأهداف ومجالات التحرك التي تحددها تذهب لاستخدام هذه المعلومات التي تساعدها على تحقيق هذه الأهداف. لذلك لاأظن أن توفير أجهزة الاتصال والانترنت وغيره من الأجهزة التي توفر هذه المعلومات، وتوفر الاتصال بالعالم الخارجي.
إن توفير ذلك في مؤسسة ثقافية إسلامية سوف يمنحها بالضرورة القدرة على أن تكوِّن ثقافة إسلامية معاصرة، التطور في الثقافة يجب أن يكون من داخل الثقافة، في تسجيل أحداث هذه الثقافة والسعي إلى الوصول، ومن ثم محاولة الاستفادة من ثورة المعلومات لكي تساعدنا على الوصول إلى هذه الأهداف الثقافية.
أريد أن أضيف أيضاً بأن أزمة الثقافة الاسلامية تجاه المعاصرة مازالت قائمة، وبطبيعة الحال فإن توفير عنصر المعاصرة للثقافة الاسلامية، أي عدم الإصرار على أن ما أنتجه المسلمون ثقافياً في عصور سابقة، هو صالح لكل عصر وزمان، عدم الإصرار على هذه القضية والشعور الحقيقي بأننا مالم ننتج ثقافتنا التي تعكس هويتنا الخاصة فإننا لن نكون منتجين لثقافة إسلامية، هذا امر ضروري يجب أن يتوفر لكي تصبح وتغدو الثقافة الاسلامية مهيأة للإستفادة من ثمار ما بعد الحداثة، ومنها ثورة المعلومات التي خلقت الآن خضة كبيرة ليس في إطار ثقافتنا العربية والاسلامية لأنها ليست موجهة لثقافتنا العربية والاسلامية ولكنها خلقت خضة حقيقية داخل البنى والتراكيب الثقافية الغربية نفسها، لذلك وعي الحداثة ومشكلات الحداثة كما هي في الغرب وبالتالي البحث عن ثورة المعلومات وتأثيرها على ثقافتنا بعد الحداثة هو أمر يجب أن نستوعبه نحن من أجل أن نحدد أبعاد وآفاق وأهداف ثقافتنا الاسلامية التي مازلنا نستطيع التحكم في انتاجها، مهما قيل بأن ثورة المعلومات سوف تمنع أي شعب من الشعوب أن يتحكم في إنتاج ثقافته هذا ما أخالفه تمام المخالفة، وأرى أن ثورة المعلومات موجهة أكثر إلى البنى الثقافية الغربية، وهي انتفاضة على هذه البنى الثقافية الغربية.
في شأن العولمة طبعاً، العولمة أو الكوكبة، هناك أسماء عديدة لهذا المفهوم الذي هو في أساسه مفهوم اقتصادي، يعني أن العالم ساحة واحدة للإقتصاد، الدول لم تعد توجد لديها حواجز، الأسواق لم تعد محصورة في دوائر هنا وهناك أن العالم كله سوق واحدة، أعتقد أن مفهوم العولمة في أساسه مفهوم اقتصادي وكونه مفهوماً اقتصادياً أصبح له أبعاد ثقافية ايضاً‏وأبعاد سياسية. هذا عالم يصغر بمعنى أن وسائل اختراق الأبعاد فيه باتت متوفرة إلى حد بعيد هنا، كمسلم أطمح أن أكون جزءاً مؤثراً في هذا العالم، أعتقد أننا نمتلك ثروة خام ثروة طبيعية جداً، نستطيع أن نحولها إلى ثروة فاعلة ومؤثرة في عالمنا المعاصر، شرط أن نستطيع أن نؤكد خصوصياتنا فنحن لن نكون عالميين مالم نستطيع أن نؤكد هذه الخصوصيات التي بها نستطيع أن نكون عالميين أعني أننا نستطيع ان نقدم نموذجاً للحياة الروحية السليمة وللتوازن الروحي والنفسي من خلال قيم الاسلام وأن نقدم نموذجاً للعدالة الاجتماعية من خلال قيم الاسلام إذا استطعنا أن نقدم هذه النماذج في مجتمعاتنا الاسلامية فإنني لاأعتقد أن هذه العولمة ستكون بمنأى عن التأثر من هذه النتائج وبالتالي إذا تأثرت العولمة وبناها الفكرية وقيمها بهذه النماذج التي تتحدث عنها فإن ذلك سيدفع بالاسلام إلى أمكنة التأثير والتوجيه في هذه العولمة، والعولمة كما قلنا هي مجرد اطار لزوال الحواجز ولكنها ليس مقيدة وليست اتجاهاً بعينه، إنها زوال الحواجز أمام الاقتصاد وأمام الأفكار، وأمام الثقافات وبالتالي فإن زمن العولمة أفق جديد من الآفاق التي يطرحها هذا العالم أمام طموح الاسلام نحو الحصول على مواقع التأثير ومواقع الفعل والمشاركة في بناء هذه العالم الجديد.
* قاضي ومفكر من لبنان