الدكتور سيار جميل*
بالنسبة لوضع الثقافة العربية والاسلامية في ظل ثورة المعلومات، هناك تحديات واسعة بالنسبة لثقافتنا على مستوى التكوين والانتاج، وعلى مستوى الآليات والوسائل والأساليب كذلك. رغم أن الجيل العربي الجديد يمكن أن يساهم في مثل هذه الثورة، ولكن ليس بالقدر الذي سنحصل عليه بالمقارنة مع شعوب أخرى وثقافات أخرى سبقتنا في هذا المضمار. لأنها أولاً كانت وعلى مدى الجيلين السابقين تعد العدة للدخول في هذه الثورة. ثانياً إننا مازلنا وخصوصاً في مناهجنا التعليمية، ومع مدرسينا ومثقفينا لم نستوعب بعد مديات هذه الثورة وأين ستقود نتائجها. فكيف بالنتائج التي سنحصلها؟ لم يحدث أي تغيير أو تحول على مستوى المناهج، لم يحدث أي تطور في الآليات، ومازالت التعليمات الموجودة في الوزارات تقليدية. والأسس قديمة، تلك التي بناها الأوائل وكانت أكثر حكمة من المتأخرين في القرن العشرين، هذه الأسس كانت أكثر قدرة على اعطاء الجيل أو الجيلين اللذين تكونا في القرن العشرين. أما اليوم فكيف سنربي جيلنا الجديد وهو سيواجه في القرن القادم مشاكل لاحصر لها؟
إن موقفنا وحجمنا في خضم هذه الثورة المعلوماتية ضئيل جداً لأننا إذا قارنّا تجارب شعوب أخرى ليس لها تجارب نهضوية كما لديناـ نحن لدينا تجربة نهضوية عمرها مائتي سنة ـ أو ثقافات أخرى ليس لها تجارب نهضوية كعمر ثقافتنا ونهضتنا، نجد أن هناك بلداناً تعد العدة لامتلاك حاسبات إلكترونية ليس بالألف وإنما بالملايين. فضلاً عن هذا وذاك المشكلة ليست في التربية، المشكلة في الثقافة لأن المثقف عندنا منقسم على نفسه مزدوج في تفكيره وشخصيته لايقبل أن يتفتح على الآخر بسرعة وبقي منغلقاً ليس على الأساليب الحضارية التي يمكن أن يتمثلها والتي تمثلها الأوائل، ولكن ضمن الأطر التي تربى عليها. شيء آخر أحب أن انبه إليه، فليس من السهولة اختراق ثورة المعلومات والتجربة تثبت بأن هناك تجارب وعمليات وتطبيقات سابقة كانت نتائجها معكوسة، والمهم هو أن نربي دواخلنا على كيفية التعامل مع ثورة المعلومات لأن فيها مخاطر ومحاذير كثيرة وليس فيها كل الايجابيات التي لتوقعها بل فيها الكثير من السلبيات التي ستدمر الخصوصيات التي نعتبرها ثوابت بالنسبة لحضارتنا نحن، سواء كعرب أو كعالم اسلامي.
يجب أن نتعامل مع كل الحقول، مع كل المنتجات، لانقصر في معالجتنا على جانب دون جانب، فنقول مثلاً هذا جانب سياسي نصلحه دون الجانب الاجتماعي، أو نصلح الجانب الاجتماعي دون غيره. يجب أن تكون هناك شمولية في النظرة والتطبيق، يجب أن يكون هناك نجاح موفق في مختلف الحقول، يجب أن يكون هناك نظرة منفتحة، وهذا لايتم إلا من خلال القراءة، ومن خلال الاطلاع، ومن خلال إنهاء رواسب التفكير القديم الذي فيه حشو كثير، وإنشاء كثير، فيه تواكلية واستهلاك للزمن، استهلاك للكلمات.
أن يكون هناك اهتمام بالموسوعات وبالمعلومات وليس بالآراء، اهتمام بالجزئيات وليس بالكليات وايضاً في مختلف المستويات لايهمنا أن يكون هناك كتاب بألف صفحة أو ألفين صفحة مثلاً، بقدر ما تكون هناك مقالة رصينة في عدد من الصفحات فيها معلومات وتجربة ومدخل ومنتج.
الثقافة الاسلامية وتحديات العولمة.
بالنسبة لتحديات العولمة على الثقافة الاسلامية؟ شئنا أم أبينا هناك اختراق ثقافي واسع النطاق، ولو كان ثقافياً فقط لقبلناه، ولكن هناك اختراق دعائي من خلال الثقافي، هناك اختراق اعلامي على مستوى الصورة، اختراق على مستوى السينما والتلفزيون. يدخل هذا كل بيت يومياً، وإذا لم يكن كل بيت الآن فبعد سنوات سيكون في كل بيت. لأنه ليس في كل بيت «ستلايت» تستقبل قنوات فضائية ولكن بعد فترة قصيرة أي لاقط صغير يمكن يستقطب القنوات الفضائية فيخترق بيوتنا، ليس هذا فقط. الاختراق الآن يتم على مستوى الأزياء، وعلى مستوى الفن والأدب كذلك.
كان هناك حديث من قبل عن الغزو الثقافي، وهذا الغزو قد تقبله او ترفضه، لأننا نستطيع أن نتحكم فيه. الآن الاختراق الثقافي لانستطيعýأن نسيطر عليه، يعني نحن مخترقون ثقافياً من خلال العولمة الثقافية، قد تأتي عولمة ثقافية من خلال عولمة اقتصادية، من خلال عولمة سياسية.مخاطر هذه العولمة لاتحدد بحدود، يعني واسعة وكبيرة جداً. ثم قد لاتأتي بطريق مباشر، قد تأتي ضمن آليات مخفية مجهولة، نحن لانستطيع التقاطها بسرعة، هنا ليس الضرر على المجتمع، إنما على الدولة، لأن الدولة سابقاً كانت تحصن نفسها ومن خلالها يتحصن المجتمع. الآن الدولة والمجتمع كلاهما مخترق. لابد إذن من بديل، والبدائل ليست هينة وليست بسيطة لأن هذه العولمة ليست فكراً ايديولوجياً، ولاهي كلام ولا هي شعار أو كتابات. هذه منظومات وشبكات معقدة جداً، بحيث لاتقف أمامها حدود ولاسدود، وليس هناك أي حواجز أمامها. والبدائل المطروحة اليوم عربياً واسلامياً لاتفي بالغرض أبداً.
المهم بالنسبة لنا ألا نخترق دواخل العولمة وإنما نتدارسها ونفهم طبيعة ميكانيزماتها كي نفهم ما نستطيع من خلاله الحد من تأثيرها السلبي. مثلاً ايجاد قنوات فضائية عربية واسلامية، أن نشيع أدبياتنا وأفكارنا وفنوننا في العالم، أن ننفتح على بعضنا البعض. أن نتكتل اقتصادياً، أن تكون أي مجلةاو جريدة أو أية مراسلات مفتوحة بين دول العالم الاسلامي، عمل جماعي متكتل، متنوع، ومنفتح على بعضه عربياً واسلامياً. يمكن هذه البدائل أن تأخذ طبيعتها من منتجاتها وأفكارها، كلها على حساب البدائل الأخرى المقابلة بالنسبة للاقتصاديات لابد من تأسيس كتلة اقتصادية عربية إسلامية، تساعد حركة الثقافة، لابد من إيجاد كومنولث اسلامي مثلاً يعطي اهتمامه للجانب الثقافي والتربوي، يمكن أن تنفتح الجامعات على بعضها البعض، بتدفق زائرينýاساتذة من جامعة إلى جامعة، عقد ندوات مشتركة، اقامة حوارات مشتركة، الحد من ظاهر الغلو. وكل هذه البدائل يجب ان تؤسس على روح حضارية منفتحة وليست منغلقة أو أصولية منغلقة، لأن كل شيء منغلق لاينفتح على الآخر سيضر بعالمنا وبمستقبلنا وبمصيرنا.
مستقبل الثقافة الاسلامية في ظل هذا الوضع:
طبيعي إذا لم يشعر أو يستشعر القائمون والمسؤولون حجم هذه المخاطر، ستزداد الحالة سوءاً، يعني ستتمزق ثقافتنا لامحالة. ولا أقول أن المستقبل لاينبئ بالخير، وإنما أقول هذا الوضع إذا بقي على انقساميته وضعفه وهزالته سيصيبه التشرذم، وسيصيبه العقم، وأخشى إذا لم تكن هناك بدائل أن تطغى ثقافة الآخر علينا.قبل مائتي سنة ما كاننت أوضاع آبائنا وأجدادنا مثل أýوضاعنا، اليوم نحن نلبس اللباس الأوربي ونتحدث كما يتحدث الآخر ونستخدم وسائله. هناك شيء شئنا أم أبينا يسمى ثقافة العصر، هذه قضية انتهينا منها ولايمكن مناقشتها، أما ما يمكن فعله إزاء سوالب ومخاطر قد تصيب ليس فقط اللغة بل تصيب كذلك المأثور الغني، تصيب الخصوصيات الحضارية، ما تبقى من الأزياء مثلاً، العمران، أيضاً اساليب العيش. اساليبنا العربية والاسلامية تختلف عن الأساليب الاخرى.
مثلاً إذا كان هناك مائة قناة فضائية في بيت من البيوت ينتقل فيها المرء من مشاهدة مكان إلى آخر، صحيح هو ينتقل بين الشعوب، لكن من بيده «الكنترول»؟ من يتحكم؟ التأثير سيكون كبيراً. أýما إذا حكمت العملية تربوياً، وأنا أشدد على التربية، تربية الجيل القادم فلاخوف من حدوث تشرذم، لأن الجيل الذي يتربى بتماسك على اسس حضارية متينة لايخيفنا مصيره لأنه سيتحمل المسؤولية من بعدنا، لكن إذا لم يكن هناكýتطوير في المناهج التعليمية، كيف يتربى الأطفال في البيوت، وكيف يتدربون في المدارس، ويتلقون العلم في الجامعات. إذا كانت هذه المستويات غير موجودة بالحجم والشكل المطلوب فالمشاكل ستكبر وتكثر كثيراً في القرن القادم.
* أستاذ التاريخ الحديث، جامعة «آل البيت» الأردن.