عمان (الأردن) في 3 - 4 مايو (أيار) 2006م
«أما منظورنا للرموز الثقافية في تحليل أخطار العولمة الثقافية الأحادية، فهو أن تبعية مجتمعات العالم الثالث للمجتمعات الغربية على مستوى المنظومة الثقافية، هي مسألة أكثر خطورة من التبعية الاقتصادية، لأنها تضر أهم وأعز ما يملكه الجنس البشري: الرموز الثقافية..».
د. محمود الذاودي
اختلفت المواقف من ظاهرة العولمة، تعريفاً ونشأةً وتطوراً وتداعيات، وهذا الاختلاف يعكس أولاً تعدد زوايا النظر ومنطلقاته الإيديولوجية، وثانياً: النظر إلى النتائج والتداعيات.
ففي الوقت الذي رأى فيها عدد كبير من المفكرين في الشرق والغرب، مرحلة متطورة من مراحل الرأسمالية المتوحشة، التي تحاول ابتلاع العالم وتوحيده تحت هيمنة الشركات الغربية المتعددة الجنسيات، والتحكم في القرار السياسي والاقتصادي للدول النامية، ومحاولة إلغاء الخصوصيات الثقافية للشعوب والأمم، رأى آخرون فيها فرصة للدول النامية للاستفادة من عولمة التكنولوجيا وتطور العلوم والمثاقفة على المستوى العالمي، وتسريع وتائر التنمية، وغيرها من الإيجابيات الكثيرة.
وبين هؤلاء وأولئك هناك مواقف ملتبسة التباس هذه الظاهرة نفسها.
المواقف من العولمة: نشأتها، تطورها، سلبياتها وإيجابياتها، وتداعياتها على جميع المستويات: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية الثقافية وإلخ. وموقع العالم العربي والإسلامي من استراتيجيات العولمة وقدرته على المواجهة والتحدي، هذه القضايا وغيرها. ناقشتها وعالجتها الأوراق المقدمة للندوة الإقليمية: «العولمة وانعكاساتها على العالم الإسلامي: في المجالين الاقتصادي والثقافي» التي نظمها المعهد العالي للفكر الإسلامي والمنطقة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو). وذلك في العاصمة الأردنية عمان، بين 4 - 5 ربيع الثاني 1427هـ/ 3 - 4 مايو أيار 2006م.
شارك في الندوة عدد كبير من المفكرين والباحثين والأكاديميين من العالم العربي، وناقشت الأوراق سبعة محاور هي:
1- ظاهرة العولمة في الحضارة المعاصرة.
2- العولمة والقيم.
3- العولمة: تحديات وفرص.
4- العولمة واللغة.
5- العولمة واقتصاديات العالم الإسلامي.
6- العولمة في واقعنا الاجتماعي.
7- جهود مناهضة العولمة.
فيما يلي قراءة سريعة في الأوراق المقدمة في هذه الندوة.
* الجلسـة الأولـى
تحت عنوان: ظاهرة العولمة في الحضارة الإسلامية انعقدت الجلسة الأولى التي ترأسها د. فتحي ملكاوي (المدير التنفيذي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي) وقد تحدث فيها في البداية د. حامد طاهر (أستاذ قسم الفلسفة بجامعة القاهرة) عن: «دور العولمة وكيف تكون لصالحنا؟»
للإجابة عن هذا السؤال قام الباحث في البداية بتوضيح مفهوم العولمة والمواقف الفكرية المختلفة، وبما أن الاختلاف يسود مجالات تعريف العولمة فإن الباحث اتجه لرصد ملامحها وظواهرها خصوصاً وأن هذه الملامح هي في طور التشكيل.
أما مواقف المفكرين من العولمة فقد رأى الباحث أن هناك من يرى فيها مجرد مرحلة طبيعية من تطور النظام الرأسمالي والليبرالية الغربية، في مقابل فريق آخر يرى فيها موجة عارمة تكرس هيمنة القوى الكبرى على الدول النامية، وهناك من المفكرين العرب من ينظر إلى ظاهرة العولمة بحذر شديد وتوجس ويدعو إلى فهمها والعمل على الاستفادة من عناصرها الإيجابية.
كما تحدثت الورقة عن مجالات العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وآثارها السلبية خصوصاً، انتشار الثقافة الأمريكية ومحاولتها للهيمنة وإقصاء ثقافات الشعوب الأخرى.
أما بخصوص الجواب عن التساؤل الذي ورد في عنوان الورقة، أي كيف تكون العولمة لصالحنا؟ فقد دعا الباحث إلى الاهتمام بالتصنيع الذاتي وتقليص الاعتماد على الاستيراد. وكذلك إقامة تحالفات عسكرية بين الدول العربية والإسلامية على أساس مبدأ الدفاع المشترك، وكذلك توسيع مجال التعاون الثقافي العربي المشترك. كما اقترح إنشاء إنترنت عربي يحتوي روائع التراث العربي الإسلامي بالإضافة إلى الاهتمام باللغة العربية. وخلص في الأخير إلى ضرورة وأهمية الاستفادة من منجزات العولمة وألَّا يقتصر دور العرب على الاستهلاك، بل لا بد من المشاركة والإنتاج...
الورقة الثانية قدمها د. سعيد شبار (أستاذ بجامعة القاضي عياض المغرب) بعنوان: «الثقافة والعولمة... قراءة في جدل المحلي والكوني»، الذي حاول إبراز طبيعة التفاعل الإيجابي والسلبي بين الثقافة والعولمة. مؤكداً صعوبة معادلة الانفتاح دون الالتحاق وإثبات الذات مع تجنب الانغلاق، وبتعبير آخر كما يقول الباحث: كيف أُفعِّل إمكاناتي الكونية والعالمية الكامنة في ذاتي وفي خصوصيتي لأجعلها ليس في مستوى التحديات الراهنة وحسب، بل تسهم فيها كذلك من موقع الاقتدار تصويباً وترشيداً.
وقد اقترح الباحث -بدل الرفض أو الانتقاء- خيار التركيب الصعب من خلال النموذج البنائي الجديد الذي يجعل الخصوصية تتقوى من خلال الكونية والعالمية، الخيار الذي يستثمر في ذلك كله مقومات الكونية والعالمية في الخطاب القرآني والتجربة التاريخية السابقة، وتأهيل خصائص الثقافة ومقوماتها لاستيعاب التحديات وتجاوزها. وقد تحدث الباحث مطولاً عن أشكال التثاقف السلبي والإيجابي في الساحة الفكرية العربية والاسلامية، وكشف عن النزعة الكليانية للعولمة ومخاطر التقدم الارتدادي النكوصي، وكيف أن هذا النموذج في العولمة يؤسس لثقافة ضد الثقافة المتيحة للتعدد والاختلاف.
كما أكد أن الغرب لم ينجح في جعل ثقافته في سياق عولمته سبيلاً إلى الحضارة بمعناها الواسع لا داخل بلدانه ولا خارجها. وقد خلص الباحث في الأخير إلى التأكيد على أن ضرورة البناء الثقافي وفق التحديات الراهنة لن تكون له نتائج ما لم يستند إلى طاقة الدفع التي يمنحها له الوحي بخصائصه الكونية والإنسانية.
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة كانت بعنوان: «ظاهرة العولمة ومساراتها بين المقاربة الإيديولوجية والمقاربة الحضارية» قدمها د. عبد العزيز برغوث (أستاذ في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا) الذي حاول أن يعيد النظر في مفهوم العولمة لاستكشاف أبعاده الإيديولوجية والعلمية والحضارية، من أجل تقديم بعض المداخل التي تصلح لتطوير مقاربات أكثر علمية وموضوعية لظاهرة العولمة وتأثيراتها. وقد قدّم الباحث في البداية تشخيصاً أولياً لحقيقة العولمة وطبائعها. ومداخل مقاربتها في كل من النموذج الحضاري الغربي والنموذج الحضاري العربي الإسلامي، مشيراً إلى ثلاثة أنواع من العولمة: الإيديولوجية والأكاديمية والحضارية، وقد انتهى الباحث إلى أن ظاهرة العولمة ما زالت بحاجة إلى دراسات علمية موضوعية لفهم طبائعها وتفسير ديناميكياتها وآلياتها، مقترحاً تشكيل مختبرات وورشات بحث متخصصة لرصد تأثيرات العولمة على مستوى نسق العلوم الاجتماعية والإنسانية بصدد تشكيل معارف جديدة تساهم في تشكيل الثقافة العالمية والمجتمع المعولم الذي يؤمن بالقيم الحضارية وبالمصالح الإنسانية الحضارية المشتركة.
* الجلسة الثانية
الجلسة الثانية في هذا اليوم ترأسها د. محمد هشام سلطان (نائب رئيس جامعة آل البيت) وقد خُصِّصت لمناقشة محور العولمة والقيم.
الورقة الأولى في هذه الجلسة قدمها د. رضوان زيادة بعنوان: «القيم والعولمة: التحديات والفرص».
في البداية أشار الباحث إلى الجدل الدائر حول مفهوم العالمية، فأكد أن هذا الجدل يُخفي الصراع حول إسهام الحضارات الأخرى في بلورة القيم الكونية وكيف أن المدافعين عن الخصوصيات يعتبرون القيم الغربية ليست كونية، فجذورها مسيحية ويهودية، لكن ذلك لا يعني عدم وجود قيم أو أخلاق مشتركة، لكن هناك حقيقة وهي -كما يقول- أن لكل حضارة وثقافة مسارَ تشكُّلٍ خاص بها مرتبط بتطورها. واتساقاً مع ذلك يعزز هذا المسار مفاهميه التي تعبر عن رؤيةٍ للعالم خاصة به حسب تعبير اشبجلر ونظرة للآخر مشكَّلة وفق بُناه التي أفرزها التاريخ المجتمعي بكل مصائره واختلافاته وتحولاته. وقد انتقد الباحث بشدة ازدواجية الخطاب الغربي حول القيم؛ لأن معنى القيم -كما يقول- يتبخر عندما تغوص في وحول السياسة ورمالها المتحركة، وهكذا يضيف: يمكن القول إن القيم الكونية تكاد تكون هي ذاتها في الحضارات المختلفة إلا أن طرق تطبيقها تزداد تبايناً حتى ضمن الثقافة نفسها، كما نجد في الثقافة الغربية، فالأوروبيون والأمريكيون يمتلكون قيماً أساسية مشتركة، لكنهم لا يشتركون في فهم واحد لهذه القيم المشتركة.
وفي الأخير خلص الباحث إلى أن الانفتاح على الآخر يغني المجال القيمي. مؤكداً على الفرص التي ربما تتيحها العولمة للعالم الإسلامي. خصوصاً لجهة بلورة القيم واخفاء المعاني الإنسانية لها.
الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها د. زياد خليل الدغامين (أستاذ التفسير في جامعة آل البيت - الأردن) وجاءت تحت عنوان: «تأثير منظومة القيم الإسلامية بظاهرة العولمة» يرى الباحث أن القيم الإسلامية المستمدة من الوحي تقف اليوم في وجه العولمة الغربية التي تحاول أن تهيمن، أما بخصوص تأثير منظومة القيم الإسلامية بالعولمة، وإلى أي حدٍّ استطاعت قيم العولمة أن تحل محل القيم الإسلامية، فقد قدَّم الباحث مثالين دقيقين أساسيين هما: العلم والجمال لمعرفة مدى الاستفادة الإيجابية من العولمة ومدى تأثيرها على هذه القيم. فعلى مستوى العلم أكد الباحث أن العلوم المعاصرة أقصت الوحي، وعلى الرغم من تطوير مناهج البحث في العلوم الطبيعية والتطبيقية إلا أن الحصار العلمي الذي تفرضه العولمة على الأمة يحول دون استثمارها وتوظيف تلك العلوم في حياتها... أما قيمة الجمال فقد غابت أبعاده الروحية والمعنوية... ونُظِر إلى الجمال الذي صنعته العولمة والذي تَمثَّل في الماديات، وكل ما يدر الربح والمال، وقد نالت المرأة وجسد المرأة الحظ الأوفر من الجمال حتى بات يهيمن على موضوع الإعلام والدعاية. وفي الأخير أكد الباحث: أن القيم الإسلامية جاءت ملبية لكل الأبعاد في الكينونة الإنسانية وموجِّهة لها. وبذلك جمعت هذه القيم شتات الكيان الإنساني الذي حاولت العولمة تفريقه وتمزيقه، فالصراع مع العولمة هو صراع قيم بالدرجة الأولى ومن القيم تنطلق العولمة إلى ميادين السياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع...
الورقة الثالثة في هذه الجلسة كانت بعنوان: «قيم العولمة: دراسة تحليلية نقدية» وقدمها د. عزمي طه السيد (أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة آل البيت - الأردن) بعد أن استعرض الباحث بعض قيم العولمة بمنظور نقدي مع مقارنتها مع القيم الإسلامية، أشار إلى تعريفها وبداية ظهورها، مؤكداً أن مصدرها دول الغرب لاسيما الولايات الأمريكية المتحدة التي استفادت من ثورة المعلومات وتطور وسائط الاتصال. ثم تطرق إلى عدد من مظاهرها في المجالات المختلفة الاقتصادية حيث ظهرت التكتلات المالية والإنتاجية الضخمة، وفي المجال السياسي ظهرت سياسات تهدف -كما يرى الباحث- إلى تدعيم المصالح الاقتصادية، حيث رفعت العديد من الشعارات مثل الحرية والديموقراطية والتعددية، أما في المجال الثقافي فقد عملت العولمة على نشر وتعميم ثقافة غربية أمريكية، تنطلق من المركزية الغربية للدفاع عن مجموعة من القيم الثقافية على رأسها الاهتمام وتمجيد الاستهلاك وعبادة رأس المال وتغليب المصلحة الخاصة على حساب مصالح الآخرين، وهذا ما ظهر بوضوح في العلاقات السياسية فالعولمة السياسية تتجاهل حقوق الدول الضعيفة بل تهدد الوجود الإنساني ككل، وفي الأخير اقترح الباحث مجموعة من المقترحات من أجل إصلاح قيم العولمة.
* الجلسة الثالثة
الجلسة الثالثة عقدت في مساء اليوم الأول تحت عنوان: العولمة: تحديات وفرص. وقد ترأسها د. عزمي طه (عميد البحث العلمي في جامعة آل البيت).
الورقة الأولى في هذه الجلسة قدمها د. محمود الذوادي (أستاذ في عدد من الجامعات الغربية والعربية من تونس) بعنوان: «العولمة الثقافية: طرح فكري تأصيلي للعولمة الثقافية بين العالمين الإسلامي والغربي». ناقش فيها مسألة العولمة الثقافية من خلال نظريته عن الرموز الثقافية التي تؤكد أن الجنس البشري يتميز من غيره من الأجناس الأخرى بمنظومة الرموز الثقافية للغة المكتوبة والمنظومة، وعليه فالإنسان هو كائن رموزي ثقافي بالطبع. وبالتالي يمكن النظر إلى العولمة الثقافية السلبية على أنها أخطر أنواع العولمات، لأنها تمس وربما تهدد أهم مكونات هوية الجنس البشري: الرموز الثقافية.
وهذا في نظره تجلَّى في تأثير الثقافة الغربية على الفكر العربي والإسلامي، ونتج عنه ظاهرة الاستلاب والتغرُّب عن التراث. لكن في المقابل يرى الكاتب أن هناك فرصة أمام الثقافة العربية الإسلامية كذلك لتعولم نفسها، وقد ظهر ذلك في الاهتمام بالإسلام والعربية بعد أحداث 11 سبتمبر.
وفي الأخير دعا الكاتب لاستغلال هذه الفرصة لإبلاغ أصالة الرموز الثقافية العربية والإسلامية إلى المجتمعات الغربية، وهذا بدوره يساعد على تعميق وتفعيل الحوار بين الحضارات.
الورقة الثانية في هذه الجلسة تقدم بها الأستاذ زكي الميلاد (رئيس تحرير مجلة الكلمة). في البداية أشار الميلاد إلى أن رد الفعل الإسلامي تجاه العولمة كان منفعلاً في البداية حيث غلب عليه موقف الشك والرفض والتعامل السلبي. وهذا الموقف في نظره ينطلق من رؤيته للعالم ككل، وهي رؤية لم يستطع الفكر الإسلامي أن يطورها.
وفي إجابته عن سؤال: ما السبيل إلى بناء نظرية جديدة للعولمة، أو بلورة منهج جديد للنظر إلى العولمة؟ تحدّث عن ثلاث نظريات تجاه العولمة. الأولى النظرية الليبرالية، التي تنظر إلى العولمة باعتبارها إنجاز وفرصة يجب الاستفادة منها والاندماج في عصرها، الثانية النظرية اليسارية وهي مناهضة للعولمة لأنها صنيعة الرأسمالية وهدفها السيطرة على الاقتصاد العالمي، أما النظرية الثالثة وهي نظرية الخطاب الإسلامي فقد تحكم في هذه النظرية الخوف والشك لما يواكب هذه العولمة من غزو ثقافي وتدمير قيمي وأخلاقي. وقد طالب الكاتب في الأخير بضرورة إعادة النظر في هذه النظريات لبناء نظرية جديدة بعيدة عن النظرة الأحادية والمطلقة والخائفة.
الورقة الثالثة قدمها د. أنور الزعبي (رئيس ملتقى عمان الثقافي - الأردن) وهي بعنوان: «في الرؤية الكونية الإسلامية وسيناريوهات العولمة» بعد أن قدّم محاولة للتعرف على الهوية الكونية للإسلام. من خلال الرجوع إلى حجية الشريعة لأنها مصدر هذه الرؤية، عرض ثلاثة سيناريوهات محتملة للعولمة في واقعها ومآلاتها. الأول ويتمثل في هيمنة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أمريكية أحادية، الثاني الموقف الساعي إلى توسيع المشاركة وتوظيف آليات العولمة لتحقيق مصالح الجميع. أما الاحتمال الثالث فيرى أن مشهد التسلط الغربي والهيمنة الأمريكية سيؤدي إلى استمرار النزاعات وسينتهي إلى حالة من الفوضى والضياع. لكن هذه الاحتمالات تبقى رهينة موقف الشعوب وقدرتها على التدافع لمواجهة هذه السلبيات.
* الجلسة الرابعة
في اليوم الثاني ولمناقشة محور العولمة واللغة عقدت الجلسة الأولى فيه برئاسة د. عماد الدين خليل (أستاذ زائر في جامعة اليرموك) وتحدّث فيها في البداية د. يحيى اليحياوي (أستاذ بجاعة محمد الخامس - الرباط) عن: «العولمة: التباس الظاهرة ولبس المفهوم».
بعد أن أشار إلى الاختلاف والجدل الواسع حول العولمة وتحديد مفهومها؛ أكد الباحث أن العولمة ظاهرة اقتصادية بامتياز في آلياتها وعلى المستويات السياسية والثقافية، ولارتباطها بالرأسمالية فإنه يربط بينهما حبل من التكاملات يشعل ظاهرة التدويل وتعدد الجنسية. كما أشار إلى عوامل تقدمها متمثلة في الطفرة التكنولوجية الكبرى في جميع الحقول، وكذا ركائزها المتمثلة في اعتماد اقتصاد السوق وديموقراطيته. مؤكداً بناءً على ذلك أن العولمة ليست لها مؤسسات رسمية تعمل على نشرها، بل هي ظاهرة شائعة منتشرة وليست مؤسسة مغلقة يمكن الوقوف عليها. كما أنها ليست نادياً رسمياً يمكن تحديد السلطة فيها مباشرة، ولكن من خلال هياكل الشركات العابرة للقارات والجامعات ومراكز البحوث والدراسات تتم محاولة نشر قيم وإيديولوجيات تتحكم بها الدول المسيطرة. من هنا ولهذا السبب تتزايد المعارضة للعولمة، حيث يظهر خطر العولمة على الثقافات والقيم واللغات، ومحاولاتها للقضاء على خصوصيات الأمم والشعوب.
الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت بعنوان: «أثر العولمة في اللغة العربية ولغات الشعوب الإسلامية» وقدمها د. عيسى عودة برهومة (أستاذ بالجامعة الهاشمية - الأردن). أشار فيها في البداية إلى حقيقة سعي العولمة الغربية الأمريكية إلى تجاوز الخصوصيات المحلية وخصوصاً على المستوى الثقافي. وبما أن اللغة تعتبر من مقومات الذات المعبرة عن الشعور بالانتماء لدى أفراد الجماعة الواحدة فإن تعرضها لأي تحدٍّ يعتبر تحدياً مباشراً للهوية الثقافية، من هنا تنكشف خطورة ما تتعرض له اللغة العربية اليوم في ظل هذه العولمة.
وتتبدى مخاطر العولمة على اللغة العربية -كما يقول الكاتب- في التهميش الممارس عليها في المحافل الدولية والإعلام والتعليم وفي شتى مناحي الحياة، فما عادت لغة التدريس والبحث في أغلب الجامعات العربية بل زاحمتها اللغة الإنجليزية.
وأمام هذه التحديات يرى الكاتب أنه لا بد من التفكير في استراتيجية متكاملة عبر المعنى في التعريب وترجمة المعارف وتوطين التقنية، وخلق اتجاهات إيجابية نحو تعليمها للناطقين بغيرها، واعتماد التدريس بالعربية في التعليم العالي، وتعريب وظائف الدولة ومنشآتها، وقبل كل ذلك تعزيز مكانتها في نفوس أبنائها... مع تكثيف الجهود لإقرار سياسات وخطط للحفاظ على اللغة العربية وحمايتها.
أما الورقة الثالثة في هذه الجلسة فقد قدمتها د. وفاء أبو حطب (أستاذة بجامعة الزرقاء الأهلية - الأردن) تحت عنوان: «أثر العولمة على اللغة العربية» حيث اعتبرت أن الهويات والخصوصيات هي الضحية الأولى للعولمة، وقد بدأت اللغة والهوية تواجه تحديات العولمة منذ منتصف الثمانينات. وفي دراسة ميدانية قامت بها الباحثة لتقصي أثر العولمة على اللغة، مختارة عينة عشوائية من الشباب تتراوح أعمارهم بين 18 - 30 عاماً، توصلت إلى نتائج منها ميل نسبة كبيرة من هذه الفئة إلى استخدام اللغة الإنجليزية خصوصاً في تصفح مواقع الإنترنت. وخلصت الدراسة إلى ضرورة التنسيق بين مجامع اللغة العربية في الوطن العربي وجمعيات الترجمة لعقد مؤتمر سنوي لمناقشة التحديات التي تواجه اللغة العربية وإيجاد الخطط للنهوض بها.
د. صالح الرقب (أستاذ بالجامعة الإسلامية بغزة / فلسطين) قدّم بدوره دراسة حول الموضوع بعنوان: «العولمة الثقافية: آثارها وأساليب مواجهتها» حيث قسّم بحثه إلى أربعة مطالب. فبعد تعريف العولمة لغة واصطلاحاً وأهدافها ومسائلها تحدّث الكاتب عن إيجابيات العولمة وسلبياتها، فمن إيجابياتها إمكانية الاستفادة من الإنجازات التكنولوجية والعلمية والثقافية، وكذلك الاستفادة من مجال الاتصالات للتعرف على الثقافات والشعوب وتعريف العالم بثقافتنا وقيمنا. أما أهم سلبياتها فاختراقها للبنية الثقافية المحلية وتأثيرها على الهوية، وكذلك نشر ثقافة الاستهلاك وتعميق التغرُّب والاستلاب الثقافي. ولمواجهة هذه السلبيات لا بد -في نظر الكاتب- من وضع استراتيجية شاملة تشارك فيها الحكومات والمؤسسات الأهلية، التعليمية والتربوية والثقافية، تكون قادرة على الاستفادة من الإيجابيات وتقليص السلبيات.
* الجلسة الخامسة
ولمناقشة محور: العولمة واقتصاديات العالم الإسلامي عقدت الجلسة الخامسة برئاسة د. حامد طاهر (نائب رئيس جامعة القاهرة). وتحدث فيها في البداية د. كمال حطاب (أستاذ بجامعة اليرموك) عن: «أثر منظمة التجارة العالمية على الدول الإسلامية». فقسّم الدراسة إلى ثلاثة أقسام: منظمة التجارة العالمية والعولمة، الآثار السلبية لأهم الاتفاقيات التجارية، ومنظمة التجارة العالمية والدول الإسلامية.
وقد أكَّد الباحث أن منظمة التجارة العالمية هي أخطر أجهزة العولمة لأنها تتعامل مع غذاء الشعوب ودوائها وقوتها، ولأن اتفاقياتها تؤدي إلى الاحتكار ورفع الأسعار للمواد الأساسية، وكل هذه التشريعات الظالمة مكَّنت الأغنياء من استغلال الفقراء. كما تحدّث الكاتب عن بعض الاتفاقيات المتفرعة عن منظمة التجارة مثل اتفاقيات الخدمات وحماية الملكية الفردية، والزراعة، وهذه الاتفاقيات أثقلت كاهل الدول النامية، لأنها أدت إلى رفع نفقة التكنولوجيا الوافدة من الدول المتقدمة إلى النامية.
من هنا يرى الكاتب أهمية إيجاد سوق إسلامية مشتركة تستطيع أن تنافس الأسواق العالمية ومحاولة تجاوز العقبات، وقد عرض لبعض المبادئ التي تُمكِّن الدول الإسلامية من إيجاد هذا التعاون الذي يحقق مصالح المسلمين ويُغنى بالمعاهدات والالتزامات الدولية. وقد ختم دراسته ببيان ما للعولمة المالية التجارية من إيجابيات وسلبيات على المستوى العالمي.
الورقة الثانية قدَّمها د. رياض المومني (أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك - الأردن) تحت عنوان «واقع ومستقبل الاقتصاديات الإسلامية في ظل العولمة». وقد قسّم دراسته إلى ثلاثة أقسام تناول في القسم الأول مفهوم العولمة الاقتصادية وأهدافها وآلياتها وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي، وخصَّص الثاني لعرض ومناقشة انعكاسات العولمة الاقتصادية على العالم الإسلامي، أما الثالث فقد عالج الخيارات المتاحة للدول الإسلامية للتعامل مع العولمة الاقتصادية. وقد خلصت الدراسة إلى أن الانعكاسات السلبية للعولمة كبيرة على العالم وعلى الدول النامية على وجه الخصوص. إنها أدت إلى تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة، وتهميش الدول النامية، كما ساهمت في زيادة نشاط الشركات المتعددة الجنسية وتحكمها في اقتصاد هذه الدول. كما أكدت الدراسة أن العالم الإسلامي لم يجنِ من العولمة إلا الفقر والبطالة والعجز والتبعية. لكن يمكن للعالم الإسلامي أن يتعامل مع العولمة بطريقة تحقق له بعض النتائج المهمة، خصوصاً إذا استثمر ما لديه من مقومات.
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها د. مصطفى محمود عبد السلام (خبير مصرفي في بنك التمويل المصري السعودي) تحت عنوان: «أثر العولمة الاقتصادية على تعميق الفقر في العالم الإسلامي وسبل المواجهة». وقد أكدت هذه الورقة تأثير العولمة في تعميق الفقر في العالم الإسلامي، وزيادة معدلات الفقر وانخفاض مستويات التنمية، وهذا يخالف دعاوى العولمة التي بشّرت بالرفاهية للشعوب. لذلك تقترح الدراسة مجموعة من الآليات والاستراتيجيات لتفادي سلبيات ومخاطر العولمة على الدول الإسلامية، عن طريق التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، والتحرّج في تحرير الأسواق المالية، عدم الاندفاع نحو الخصخصة أو التخصيص والأخذ بالأساليب العلمية والتقنية الملائمة، والاهتمام برأس المال البشري وتفعيل الدور السياسي والاقتصادي لدول العالم الإسلامي.
كما أوصت الدراسة بضرورة قيام سوق إسلامي لرأس المال وحركته في إطار الأقطار الإسلامية والعمل على تحرير انتقال عناصر الإنتاج وقوة العمل والأشخاص ورأس المال بين الدول الإسلامية، والعمل على توحيد البيانات النقدية والمالية والجمركية والتجارة الخارجية.
* الجلسة السادسة
ولمناقشة محور العولمة في واقعنا الاجتماعي عقدت هذه الجلسة برئاسة الأستاذ جواد الحمد (مدير مركز دراسات الشرق الأوسط - عمان)، وتحدّث فيها في البداية د. عبد الستار الهيتي (أستاذ بجامعة البحرين) عن: «الأسرة بين القيم الإسلامية وظاهرة العولمة». حيث عالج محورين أساسين، الأوّل تحدّث فيه عن الأسرة في ظل ظاهرة العولمة، أما الثاني فدور الإسلام في المحافظة على الأسرة. في المحور الأول أكد الباحث التأثير السلبي للعولمة على العلاقات الزوجية عن طريق الثقافة المعولمة التي تبثها القنوات الفضائية، وهذا ما أثَّر في مفهوم الزواج، وهذا ما تؤكده توصيات بعض المؤتمرات الدولية التي حاولت أن تعيد النظر في طبيعة العلاقة القانونية بين الرجل والمرأة، ومحاولة إيجاد صيغ جديدة تختلف عن الصيغ التقليدية، وتشريع الإباحية والشذوذ الجنسي باسم حقوق الإنسان.
أما في المحور الثاني فقد كشف فيه الأسس الدينية التي تقوم عليها الأسرة والقيم الحاكمة للعلاقة الزوجية والتي تقوم على أساس تحمل المسؤولية كما حددتها منظومة الحقوق الإسلامية، وبعد عقد المقارنات بين واقع حقوق المرأة في الإسلام وحقوقها في النظم الوضعية خلص إلى شمولية الحقوق الإسلامية وانسجامها مع الفقرة الإنسانية.
الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت بعنوان: «ظاهرة العولمة وانعكاساتها على قوانين الأسرة في البلاد العربية والإسلامية» وقدمها د. عبد الله الكيلاني (أستاذ بالجامعة الأردنية) ود. رولا محمود الحينث (أستاذة بالجامعة الأردنية). في البداية أكدت الورقة أن العولمة هي شكل من أشكال الهيمنة الغربية لذلك فهي تسعى لنشر الرؤية الغربية وقيمها في جميع المستويات، وفي مجال حقوق الإنسان على وجه الخصوص، هذا ما ظهر بوضوح في السعي لوضع مواثيق حقوقية دولية ومحاولة فرضها على الدول وإحلالها محل القوانين المحلية الخاصة بالأحوال الشخصية وقوانين العقوبات.
وقد تحدثت الورقة بالتفصيل عن هذه العولمة الفكرية لحقوق الإنسان والخلط الحاصل بين الأمركة والعولمة، وقدّمت بعض الأمثلة من حقوق المرأة التي تروِّج لها العولمة والتشريعات الإسلامية المناقضة لها على مستوى الزواج مثلاً ومسؤولية المرأة في الأسرة. مؤكدة أن الدفاع عن حقوق المرأة أو الإنسان الذي تختفي وراءه العولمة هو خدعة وقد انطلت على بعض الدول التي حاولت إدخال هذه المواثيق ضمن تشريعاتها، وإن كان البعض قد اكتشف بعض التداعيات السلبية لهذه التشريعات فسجل عليها بعض التحفظات. وفي الأخير حذرت الورقة من أن ما يروِّج له الغرب من حقوق للمرأة ودفاعه عنها ما هو في الحقيقة سوى تسليعاً للمرأة. لذلك ينبغي الانتباه والحذر من هذه المخططات والقوانين لأنها تهدف إلى تدمير الأسرة التي هي النواة الرئيسة للمجتمع وللأمة.
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها د. إبراهيم الميرغني (عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الزعيم - الأزهر - السودان) تحت عنوان: «العولمة والخصوصية الثقافية: دراسة حالة العلاقة بين المشرق الإسلامي والغرب الليبرالي». حاول فيها الكشف عن إمكانية التعايش بين حضارتين الأولى ذات مكون ديني وأخرى مادية تعادي الدين. أما بخصوص العولمة فهي محاولة لتفكيك البنى والخصوصيات المحلية القائمة، ثم إعادة صياغتها وتركيبها بما يضمن السيطرة للقوى المهيمنة على العولمة. لكن هذه المحاولة في نظر الكاتب باءت بالفشل إلى حد الآن ولم تكشف إلا عن صورة مشوهة. لأن ما تروِّج له العولمة على المستوى الثقافي يختلف جذرياً عن الثقافات المحلية والتطور لا يقع طفرة وإنما يحتاج إلى قرون طويلة.
وإزاء هذا الوضع طالب الكاتب بضرورة استيعاب هذه العولمة والتصدي لها من خلال مواكبة التطور العلمي، والعمل على المحافظة على القيم الثقافية، ووضع استراتيجية لهذه المواجهة، وصدّ هذا الغزو الثقافي الغربي الذي تختفي وراءه العولمة.
* الجلسة السابعة
الجلسة الأخيرة في هذه الندوة، عقدت لمناقشة المحور الأخير الخاص بالجهود المناهضة للعولمة، وقد ترأسها د. عبد الحميد ندا (الخبير في منظمة الإيسيسكو - الرباط)، وقدَّمت فيها ثلاث أوراق.
الورقة الأولى قدّمتها د. دعاء فينو (أستاذة في كلية تدريب عمان - أنروا) تحت عنوان: «المسؤولية الرسالية للإسلام في عصر العولمة». أكدت فيها مسؤولية الإسلام في مواجهة قيم العولمة، وهي قيم مادية تُقدِّس الاستهلاك وتُناهض القيم الروحية. مطالبة بإعادة النظر في القيم القرآنية مثل الاستخلاف والقوامة لأنها في نظرها قادرة على حراسة العدل والتسامح ومواجهة الاحتكار ومراقبة توزيع المقدرات ورفع معاناة الظلم على الأفراد والشعوب.
الورقة الثانية قدَّمها د. مولود عويمر (باحث متعاون مع مكتب المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفرنسا) تحت عنوان: «الحركات المناهضة للعولمة في أوروبا وكيف يستفيد منها المسلمون» أشار فيها في البداية إلى أسباب تنامي حركة رفض العولمة في العالم الغربي، مثل: انتشار الحرية والديموقراطية في الدول الغربية، الخوف المتزايد من جراء أضرار العولمة، نقد العولمة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الحركة المناهضة في تنامٍ مستمر لذلك يطالب الكاتب بضرورة مساندة هذه الحركة من طرف الشعوب العربية والإسلامية وأبناء الحضارات الأخرى وتشجيعها والانخراط في نشاطاتها. خصوصاً أنَّ هذه الحركة استطاعت أنْ تحقق بعض أهدافها.
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها د. محمد علي الأحمد (الأردن) تحت عنوان: «توجهات العولمة نحو الهيمنة: ظواهر تاريخية، وقائع معاصرة». تناول فيها العولمة من حيث المفهوم والنشأة والتطور التاريخي، وأبرز فيها التباين بين العولمة والعالمية. كما أجرى مقاربة بين العولمة المعاصرة والقديمة، وتطرق للتحدي الثقافي الذي تفرضه العولمة على الأمم الأخرى، وفي الأخير قدم الباحث مجموعة من التوصيات المفيدة في مواجهة تحديات العولمة وتجنب سلبياتها...