شعار الموقع

مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان قطر: بين 7 - 9 مايو 2007م

حسن آل حمادة 2007-12-08
عدد القراءات « 636 »

[1]

ﷺ الأديان الثلاثة وجهاً لوجه مجدداً!

تحت عنوان: «القيم الروحية والسلام العالمي»، نظّمت اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات؛ بوزارة الخارجة القطرية «مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان»، وقد استمرت جلساته لمدة ثلاثة أيام (7 - 9 مايو 2007م)، بمشاركة نخبة من علماء ومثقفي الأديان الثلاثة: الإسلام، والمسيحية، واليهودية.

وفي هذه التغطية نعرض لخلاصة الأفكار المطروحة لما حصلنا عليه من أوراق المشاركين، وقد وجدنا أن بعضها لم يقترب من الموضوع بعمق، بل طرحه بصورة مُبسّطة، كما أن بعضها الآخر يكاد أن يكون بعيداً عن أطروحة المؤتمر، بل إن بعض المشاركين يضع عنواناً ملفتاً ليناقش في ورقته أموراً أخرى!!

ﷺ الجلسة الافتتاحية والأوراق المقدمة فيها

تحدث في مستهل الجلسة الافتتاحية السيد محمد بن مبارك الخليفي (رئيس مجلس الشورى القطري)، وقال في افتتاحيته: إن هذا المؤتمر يهدف إلى إيجاد قاعدة طيبة للتلاقي والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية. ونوّه الخليفي إلى أن أهم ما طالب به المشاركون في المؤتمر الرابع هو إيصال رسالة التسامح إلى أتباع الديانات في أماكن العبادة، ودعوتهم في كافة المنتديات والمناسبات إلى إظهار قدر أكبر من التسامح مع الآخر. ودعا الخليفي المجتمعين في هذا المؤتمر إلى إبلاغ المؤمنين بِسِيَر الأنبياء والرسل والتأكيد على صلة المعتقد الديني للأديان الثلاثة ببعضها البعض، وصلة الأنبياء فيما دعوا إليه البشر، من عقيدة وخلق ومبادئ سامية لإسعاد الإنسانية؛ لنكون جميعاً متفقين في عبادة الله الخالق الرازق المصور. وأكد الخليفي أن التعايش السلمي بين أتباع الأديان مسألة أساسية وهامة ومن الواجب التأكيد عليها بصورة عملية والعمل على الحفاظ عليها وتطويرها في جو يسوده احترام الحق والواجب بين البشر، في محاولة للاستفادة من الحقوق الدينية والقوانين الوضعية؛ التي تقنن وتبرز دور المواطن وحقوقه وواجباته في المجتمعات الدينية الحديثة، والدساتير البشرية؛ في سيبل ألَّا يقف الفارق الديني عقبة ولا حائلاً أمام المواطنة، والمؤاخاة مع المواطنين الآخرين من أتباع أي دين وفي أي وطن من الأوطان.

كما ألقت الأستاذة الدكتورة عائشة يوسف المناعي (عميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية)، كلمة افتتاحية أخرى قالت فيها: ليس بمستغربٍ حين يدعونا الله للسلام؛ لأنه كثيراً ما يدعونا للتخلق بأخلاقه، والسلام صفة من صفاته واسمٌ من أسمائه (الله هو السلام)، ولذلك فالمسلم يدعو الله بقوله «اللهم أنت السلام ومنك السلام»، وكثيراً ما يُعلِّق سبحانه الأمن والسلام على الجانب الروحي للتدين أو على الإيمان به، فمن عرف الله وآمن به فهو دائماً في أمن وسلام مع نفسه ومع الآخرين، ومع الكون. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:62].

وأضافت المناعي قائلةً: إن كل هؤلاء آمنون، وفي سلام حين يؤمنون، وهذا الإيمان لن يكون إلا بمعرفة الله تعالى. وتلك المعرفة لا تكون إلا لأصحاب العقول، تلك العقول التي يحترمها الشرع ويقدر عملها ويُحبها الله، ويوجه خطابه وحواره إليها، ولا يخاطب غيرها.

ورأت المناعي أن بالعقل المتدين يتسالم الإنسان مع أخيه الإنسان ويتعايش معه؛ بالمحبة وبالعدالة. وأكدت أن الفرصة للمحبة والتعايش بين أصحاب الديانات والثقافات تتسع كلما اتسعت دائرة الصفاء النفسي الروحي الذي يجعل المرء يُحلِّق بعالم الإنسانية في ملكوت الألوهية، وإن اختلفت طرائق معرفة الله تعالى باختلاف وتعدد أنفاس الخلق، كما يقول الصوفية: «عباراتنا شتى، وحسنك واحد، وكلٌّ إلى ذاك الجمال يُشيرُ».

ومن الأوراق المقدمة لمتحدثي الافتتاح ورقة شارك بها الأستاذ الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب (رئيس جامعة الأزهر)، وجاءت بعنوان: «قيم الأديان المشتركة والسلام العالمي»، أشار ضمنها إلى أن الإنسان المتدين هو المؤهل للإحساس بأخيه الإنسان، والشعور بالأخوة الإنسانية هي أساس القيم الروحية المشتركة بين الأديان، وهذه الحقيقة شديدة الوضوح في «الإسلام»، والذي يقرر انتساب الناس جميعاً إلى أب واحد وأم واحدة، ولا يكتفي بذلك بل يقرر الأخوة الدينية بين الإسلام وبين الرسالات الإلهية السابقة عليه، ويربطه بها ربطاً عضويًّا لا ينفصم.

وأوضح الطيب؛ أن القرآن يسجل أنه مصدق للتوراة والإنجيل، ويصف كلاًّ منهما بأنهما: هدى ونور. ويضيف الطيب قائلاً: وما دام الدين واحداً، والمصدر واحداً فمن المستحيل ألَّا تتفق الأديان وتتداعى حول أصول عامة وقواعد مشتركة تكون بمثابة الشعلة التي يحملها الأنبياء، ويتداولونها واحداً وراء الآخر. أما عمَّا يوجد في القرآن من أشباه ونظائر في الكتب الإلهية السابقة -كما يرى الطيب- فهو ليس أخذاً واقتباساً من هذه الكتب، بل إن هذه الأشباه والنظائر برهان على وحدة المصدر ووحدة الخطاب الإلهي في القضايا الكبرى على وجه الزمان. وأكد الطيب أن الرسالات الإلهية متفقة في قضية عقيدة التوحيد، وأيضاً في أمهات الفضائل والأخلاق.

وقدّم الورقة الثانية لمتحدثي جلسة الافتتاح المطران جورج صليبا (رئيس جبل لبنان للسريان الأرثوذكس)، وبيّن فيها أن السلام يظهر في أشكال ومعطيات متعددة، وتحدث أولاً عن: السلام مع الذات، ودعا الإنسان إلى أن يعيش سلاماً داخليًّا مع ذاته، يطمئنه ويجعله عنصراً نافعاً نفسه والآخرين، ورأى أن هذا السلام هو الذي يبني شخصية الفرد ويجعله عنصر استقرار في المجتمع وعامل سعادة وفرح... فالسلام مع الذات -كما يرى- هو رأس العمل لخلق الأجواء والظروف التي تقود إلى البنيان والإعمار. ثم تحدث عن: السلام مع الآخرين، ورأى أن من السلام مع الذات يأتي مبدأ السلام مع الآخرين، وبمثال مُبّسط قال: ترى كيف يبني إنسان بيته وعائلته ومجتمعه ووطنه؟ ما لم يكن له رجاء وثقة وشعور بالسلام مع هؤلاء ليحقق مع جميعهم الطموحات المشتركة والمبادئ السامية التي يسعى إلى تجسيدها وإعلانها رسالة عطاء وتفانٍ، وتضحية في سبيل الشأن العام. كما تحدث عن السلام العالمي، وأكد صليبا أن القيم الروحية إذا التزمها الإنسان -أي إنسان-، فهي كفيلة بنشر السلام العالمي.

أما الورقة الثالثة[2] لمتحدثي جلسة الافتتاح فهي مقدّمة من الحاخام صاموئيل سيرات «ممثل الديانة اليهودية في المؤتمر، ورئيس كرسي اليونسكو للمعرفة المتبادلة بين الأديان السماوية»، وقد أكد في كلمته أهمية الوصايا العشر التي وردت في التوراة، والتي تتضمن قيماً روحية تمثل قاسماً مشتركاً مع الديانات السماوية الأخرى، مستعرضاً المفهوم اليهودى لتلك الوصايا.

وقال: إن تلك الوصايا تتمثل في التسامي والوجود، وأن الله الخالق، وتدعو إلى التخلص من التماثيل، وتحقيق العدالة، واحترام يوم السبت، واحترام الوالدين، وتحريم الزنا، والقتل، والسرقة، وشهادة، الزور، مبيِّناً أنه يمكن إجمال تلك الوصايا في ثلاث قضايا رئيسة هي: تحريم عبادة الأصنام، وارتكاب الزنا، والقتل. وأكد أن منع هذه الجرائم تجعل حياة الإنسان أكثر سعادة، وهي أساس للتعايش والسلام بين المجتمعات.

وأن هذه الوصايا التي تلقَّاها موسى في مشهد مهيب بين السماء والأرض توجب علينا أن نسبِّح الله ونشكره وليعم السلام في العالم عرفاناً بنعم الله على الإنسانية.

وأكد أهمية التعايش بين أتباع الديانات السماوية على أسس من التسامح والمحبة والعدالة ووفق قوانين العيش الإنساني، منوِّهاً بأهمية مفهوم العدالة لدى بني إسرائيل وفق النصوص التوراتية. ولفت إلى أهمية التمييز بين الدين والدولة، وأن هذه من الأمور التي يجب أن تتعامل معها الدول بشكل محترم. وأنه آن الأوان للعودة إلى الوصايا العشر خاصة الوصيتين الأوليين اللتين تتعلقان بالتسامي والوجود، وأن ميزة الإنسان في إيمانه بالخالق. وأن عقيدته لا تكتمل إلا بتحقيق العدالة، مؤكداً أن اليهودية كدين تدعو إلى احترام الآخر ونبذ الكراهية، وأن المطلوب من جميع الأديان العمل معاً لتعميق هذه المفاهيم ونشر السلام.

ﷺ الجلسة الأولى

قدّم الأستاذ الدكتور صوفي أبو طالب (رئيس جامعة القاهرة الأسبق)، ورقة بعنوان: «الحوار بين الأديان»، تحدّث في مقدمتها عن أهمية الحوار بين الأديان في الوقت الحاضر، حيث تسود روح الصراع القومي والعرقي والديني، في معظم بلدان العالم شرقه وغربه، واستشراء الإرهاب والعنف والتطرف. كما تطرق لدور الدين في المجتمعات المعاصرة، فالديانات السماوية -حسب قوله- خرجت من مشكاة واحدة ثم اتفقت في الأصول والجوهر، وإن تباينت في التفصيلات والجزئيات؛ فهي كلها تقوم على التوحيد وتحض على الأخلاق الفاضلة، وتنهى عن ارتكاب الكبائر. وعن أهداف الحوار بين الأديان، قال أبو طالب: إن الحوار بين الأديان يهدف إلى التأكيد على القواسم المشتركة بينها، وعلى رأسها الإيمان بالله، الأخلاق الفاضلة، تكريم الإنسان والاعتراف بحقوقه، ويهدف من ناحية أخرى إلى التخفيف من حدة الخلاف بينها. والحوار بين الأديان يقتضي، من ناحية التقريب بين المذاهب المختلفة داخل الديانة الواحدة. وفصّل أبو طالب في حديثه حول موقف الإسلام من الديانات السماوية، في نقاط، هي:

1- تكريم الإنسان بوصفه إنساناً.

2- أكد على اعتراف الإسلام بالرسالات السابقة عليه.

3- حرية العقيدة.

4- المساواة بين المسلمين وأهل الكتاب (لهم ما لنا وعليهم ما علينا).

وتطرق في ورقته لموضوعات مقترحة لحوار الأديان، تتعلق بأمور العقيدة والعبادات، والمعاملات.

وفي ختام ورقته أكد أبو طالب أن التعايش السلمي بين الشعوب يقتضي بالضرورة التعايش والتسامح بين الديانات السماوية الثلاث. وتقدم البشرية وسعادتها رهين بتحقيق هذا التعايش وهو ما تأمر به كل الديانات السماوية.

وقدّمت الدكتورة راحيل بوكليس في هذه الجلسة ورقة بعنوان: «الأصول الرافضة للحوار»، تحدثت فيها عما أسمته بالأصولية الدينية، التي رأت فيها عقبة كبيرة في وجه الحوار، بحيث يرى الإنسان أن أصحاب الديانات الأخرى جميعاً لهم صفات ذاتية لا تتغير مع الزمان. وذلك انطلاقاً من «النصوص الدينية الني تقرأ الانتقادات الموجهة إلى أهل دين آخر من سياق معين كانتقادات معممة موجهة أبديًّا إلى هذا الشعب»! ثم انطلقت بوكليس في حديثها من واقع تجربتها حيث تربت في عائلة يهودية متدينة وعلمها والدها أن الدين اليهودي مبني على المبدأ، وأن لكل شخص قيمة مطلقة من عند الله تعالى، وهي قيمة أساسية في كل الأديان الثلاثة، وتعلمت في المدارس اليهودية ألَّا يمكن أن تثق بغير اليهود عامة، وأما العرب والمسلمون؛ فهم شعب دون أخلاق وقيم، وهم عدو اليهود الأبدي، وأوضحت أن أساتذتها استدلوا بالنصوص الدينية، مثل آيات صراع: يعقوب وعيسى، أو إسحاق وإسماعيل دليلاً على الصراع الأبدي بين الدينين. وأضافت بوكليس أنها كتبت رسالة الدكتوراه عن الفقه الإسلامي، وقالت: إن تجاربها لدراسة الإسلام أدت إلى تصحيح التعميمات عن العرب والمسلمين التي ورثتها من ولادتها، وهي الآن تدرّس الدراسات الإسلامية في جامعة forfield. وأوضحت بوكليس أنها تقوم بالحوار الديني كل يوم، مع طلابها. ورأت أن من الصعوبة أن تقنع طلابها بتغيير أفكارهم عن الإسلام كما تشير كثرة الكتب المعممة عن اليهود في بلاد المسلمين، وتقول: إن كتّاب هذه الكتب يستخرجون الانتقادات المتعلقة بالنزاعات بين يهود المدينة والمسلمين، من القرآن، ويطبقونها على اليهود في كل زمان ومكان. وقالت إنها لا تلوم المتطرفين فقط، بل وجدت ذلك عند علماء يُعدُّون معتدلين، وتوجهت باللوم لشيخ الأزهر محمد سعيد الطنطاوي، لما كتبه في رسالته للدكتورة بعنوان: «بنو إسرائيل في القرآن والسنة»، ومع أنه كتب هذه الرسالة في الستينات، إلا أنه كتب مقدمة جديدة لطبعة صدرت في التسعينات، استدل بها على أخلاق اليهود الفاسقة والقبيحة عن طريق ثلاث دراسات:

1- بنو إسرائيل في العصر الحديث.

2- اليهود في عصر النبي محمد.

3- اليهود عبر التاريخ إلى إقامة دولة إسرائيل.

وختمت بوكليس ورقتها بالقول: علينا أن نعترف بأن النصوص الدينية في كل الأديان تحتوي انتقادات للآخر، وحتى إهانات عن الآخر، ولكنها لا تلغي المبدأ الأساس الذي علمني إياه والدي؛ أن لكل شخص قيمة مطلقة من عند الله.

كما قدمّت الدكتورة فوزية العشماوي (رئيسة منتدى المرأة الأوروبية المسلمة)، ورقة بعنوان: «صورة المرأة المسلمة في الإعلام الغربي»، تناولت فيها صورة المرأة المسلمة في الإعلام الغربي والافتراءات التي يروجها الإعلام الغربي لتشويه صورة المرأة المسلمة، وأول ملامح الصورة الغربية للمرأة المسلمة في الإعلام الغربي غير الإسلامي تتضح -كما تشير- في مقولة أن الإسلام لا يعطي للمرأة المساواة مع الرجل بل يجعل مكانة المرأة في الإسلام أدنى من مكانة الرجل، كما يردد الغربيون أن المرأة في الإسلام مضطهدة ولا تتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل المسلم، وأن الإسلام يحرم المرأة المسلمة من حق العلم وحق العمل. ومن الافتراءات المنتشرة في الغرب أن الإسلام يرى المرأة قاصراً؛ لذا فهو يعدُّها نصف رجل؛ فلا تحصل إلا على نصف نصيب الرجل في الميراث، وشهادتها نصف شهادة الرجل. ومن الافتراءات التي ردتها الدكتورة العشماوي، الادعاء بأن الإسلام يعطي للرجل المسلم حق شراء زوجته حيث يدفع لها مهراً، أي ثمن حبسها في البيت وتحجيبها. ومن الافتراءات التي فندتها العشماوي الافتراء على المرأة المسلمة بسبب ارتدائها الحجاب الشرعي وعلى الأخص غطاء الرأس حيث يعتقد الغربيون أن المسلمين الرجال هم الذين يفرضون على المرأة المسلمة ارتداء الحجاب وطبقاً لهذا الافتراء؛ فإن حجاب المرأة المسلمة بالنسبة لهم دليل على خضوع المرأة للرجل، حيث يدَّعون أن المرأة المسلمة تابعة للرجل وترتدي الحجاب لتتوارى وراءه، فلا يكون لها ظهور ولا وجود إلى جوار الرجل، بل تعيش في الخفاء وراء حجاب فرضه الرجال المسلمون عليها؛ ليحجبوها عن المدنية الحديثة، وعن العمل وعن المشاركة الفعّالة في المجتمع.

ودعت العشماوي في ورقتها المسلمين، وخاصة الذين يعيشون في الدول الغربية؛ لتصحيح هذه الصورة المشوهة للمرأة المسلمة في الإعلام الغربي، والعمل على إثبات أن كثير من الشوائب التي تشوه صورة المرأة المسلمة ليست لها علاقة بالإسلام؛ لأن الإسلام جعل للمرأة مكانة رفيعة لو طبقتها الدول الإسلامية مثلما كانت في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة لحسدتها المرأة الأوروبية على تلك المكانة.

وفي هذه الجلسة قدّم الدكتور علي السمان (رئيس لجنة الحوار والعلاقات الإسلامية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر) ورقة بعنوان: «صورة الإسلام في الغرب»، استهلها بالقول: إن الأديان السماوية كلها مصدرها واحد وهو الله -سبحانه وتعالى-، وأضح أن الدين الإسلامي حث على احترام الآخر، والإيمان بكتبه ورسله وألَّا نفرق بين أحد من رسله... ومن عظمة الإسلام -كما يرى- حرصه على الدعوة إلى التعايش والتحاور مع الآخر، والعمل على تقريب وجهات النظر المختلفة، ونشر السلام في الأرض، ودعوة أتباع الديانات السماوية إلى التلاقي والتعاون على نشر هذه الفضائل بين الناس جميعاً. وأشار السمان إلى أن الدين الإسلامي حرص منذ بداية الدولة الإسلامية على المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وأهل الذمة، واستشهد السمان بمقولة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لهم ما لنا وعليهم ما علينا». وتحدث السمان عن (خطر التعميم في الأحكام)؛ كأحد المخاطر التي تهدد الحوار بين الإسلام والغرب، وقصد بذلك حينما يُخطئ جزء من التابعين إلى دين أو جماعة -قومية كانت أو عرقية- ويكون رد الفعل الهجوم على الجماعة بأكملها. ورفض السمان بذلك تعميم فعل حركة طالبان على كل المسلمين، أو خطأ بابا الفاتيكان على كل المسيحيين، و...إلخ. وعندما تطرق السمان لفكرة العولمة في الإسلام، وأهمية الإعلام الدولي، قال: إن العولمة التي يدعو إليها الإسلام هي إتاحة الفرص والإمكانات الثقافية والمادية والعلمية والاجتماعية لجميع الدول والشعوب لطرح أفكارها وثقافتها وحضارتها أمام العالم كله. وفضّل مصطلح العالمية بدلاً من العولمة، وذهب إلى أن الإسلام مهيَّأ بشكل خاص لأن يلعب دوراً كبيراً أمام العالمية!

ﷺ الجلسة الثانية

الدكتور محمد مصطفى عزام (أستاذ الدراسات اللغوية والصوفية بكلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط)، قدّم ورقة عن «الوحدة الروحية وآفاق التواصل الإنساني»، أشار خلالها إلى أن التواصل ضرورة إنسانية، غير أنه تطور من تبادل للمنافع، إلى احتلال، ثم إلى استغلال القوي للضعيف حاليًّا. فما يسود اليوم هو «تواصل قهري»؛ لأنه يسعى إلى تدمير البنى الاجتماعية للشعوب وإلى هيمنة نمطية للعالمين.

وأضاف قائلاً: ينبغي السعي إلى تحقيق تواصل روحي؛ لإنقاذ الإنسانية، والتواصل الروحي مبني على وحدة الأصل البشري، وهو «الروح»، وهذا ما يمكن أن يوحد بين الناس على أساس من التكافؤ الذي به يتحقق التكامل اقتصاديًّا، والتضامن اجتماعيًّا، والتحاور ثقافيًّا، والتسليم بالمعتقدات دينيًّا.

وألمح في ورقته إلى أن للصوفية منهجاً سلوكيًّا لتنمية القوة الروحية وإضعاف النوازع الشريرة من النفس، من أجل بلوغ توحد روحي مع الذات ومع الناس، يمهد السبيل إلى تواصل روحي إنساني بَنَّاء.

ﷺ الجلسة الثالثة

ومن الأوراق المقدمة في هذه الجلسة ورقة الدكتورة سعاد الحكيم عن: «الذوق الموسوي والذوق العيسوي في التصوف الإسلامي -نموذج ابن عربي-»، في مستهل ورقتها أشارت إلى أنها اقتنعت بعد سنوات من العمل في مجال الإسلاميات في حقلي الفلسفة والتصوف بعدة قناعات، ثلاثة منها تختص بمسألة «حوار الأديان»:

القناعة الأولى: إنّ المعتقدات الدينية ثابتة في نفس صاحبها ومقدسة، يخشى عليها من التغيير والتحوير إن قبل فيها بالحوار.. لذلك، فإنّ عبارة «حوار الأديان» ملتبسة لدى عامة أهل الديانات، إن لم يُلحظ بأن المقصود منها التعريف والمقارنة وتبيان المؤتلف لردم الفجوة الروحية بين الناس، وليس تقريب المعتقدات وتهميش الفوارق لجعل الجميع واحداً أو بحكم الواحد.

القناعة الثانية: إن المحور الحقيقي والإيجابي والنافع لحوار الأديان هو الإنسان لا الدين؛ لأن الدين حزمة نصوص، أما الإنسان فهو القارئ والمفسر والمتدبر والمتأول. إن حوار الأديان هو في الحقيقة حوار إنسان.. والعنوان المطابق -من وجهة نظر الحكيم- للعمل في هذا السياق هو: الحوار الإنساني حول الأديان.

القناعة الثالثة: منذ أكثر من مئتي عام، حين بدأت النهضة العربية في القرن التاسع عشر أقصى جملة مفكريها العلوم الصوفية من المشاركة في الإصلاح، بل عدُّوا التصوف عائقاً أمام التقدم وحاضناً للتخلف والتخاذل، فجاءت الصحوة الإسلامية في القرن العشرين أحادية النزعة، وحيث إنّ الآفة الحتمية لكل أحادية إنسانية هي التطرف والغلو والامتلاء بالذات وإقصاء الآخر.. شهدنا ما حدث في العالم المعاصر، مما يستوجب استعادة العلوم الصوفية لما تحويه خزائنها من تسامح وقبول للآخر وانفتاح على الكون الكبير وعلى التاريخ الجاري من الأزل إلى الأبد.

واستناداً إلى هذه القناعات الثلاث استعادت الدكتورة سعاد الحكيم رؤية صوفية للشيخ محيي الدين بن عربي، ترتسم من خلالها صورة لموسى وعيسى (عليهما السلام)، والأهم من ذلك حضورهما الحي في الحياة الإسلامية. ثم قسّمت ورقتها في ثماني فقرات، تكلمت فيها عن: موسى وعيسى (عليهما السلام)، كما تراهما حدقة صوفي مسلم، وبيّنت من هو المسلم الموسوي ومن هو المسلم العيسوي، وما علاقتهما بشخص الرسولين المنسوبين إليهما، وما علاقتهما أيضاً بشخص محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم حاولت ترجمة رؤية ابن عربي إلى لغة العصر لتستنبط استنتاجات علّها تسهم في مواجهة التحديات الإنسانية الراهنة، ومن النقاط التي طرحتها الآتي:

1- ضرورة الارتكاز على الفكر السلفي والفكر الصوفي معاً في كل مشروع إصلاحي إسلامي، وذلك لأن التصوف يشذب جنوح السلفية إلى الغلو والتغالي، وفي الوقت نفسه تخفف السلفية من نزوع الصوفية إلى الشطح أو الدروشة.

2- النظر إلى الآخر بوصفه جزءاً من الذات ودون دمج يلغي الهوية.. فعندما يقول ابن عربي في القرن السادس الهجري: إن موسى وعيسى ليسا نقيضين لمحمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، بل هما وجهان من وجوه حقيقته الروحية.. إنها ثورة على القطيعة التي كانت متجلية في قطاعات عديدة.

3- احترام الآخر واحترام رموزه الدينية المقدسة، وحين نظر ابن عربي إلى موسى وعيسى على أنهما وجهان محمديان تقدسا بتقديس المسلم للذات المحمدية.

ﷺ من توصيات مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان

1- أوصى المشاركون في المؤتمر بالعناية الفائقة بالقيم الروحية والسلام العالمي، ونشرها بين سائر طبقات المجتمعات، كما أوصوا بتدريس مقرر مقارنة الأديان بأبعادها الفلسفية والروحية والاجتماعية في الجامعات والمعاهد؛ لأنه طريق من طرق الإسهام الأكاديمي لإعلاء وتفعيل القيم الروحية.

2- أهاب المؤتمر بالقيادات الدينية في كل المجتمعات، بضرورة الالتزام بلغة التفاهم والمصالحة والحوار، وتعميمها بين أبناء شعوبهم.

3- جدد المؤتمر إدانته لكل إساءة للمقدسات الدينية ورموزها وآثارها وشخصياتها، وناشد المؤسسات الاجتماعية والإعلامية بتجنب الصور النمطية التي تغذي العداوة بين الأديان.

4- تعهد المشاركون في المؤتمر بالعمل على إنجاح مركز الدوحة لحوار الأديان، من خلال التعاون معه وتبادل الآراء والمعلومات والبحوث



[1]  hahqa@yhoo.com

[2] ملخص هذه الورقة مقتبس من موقع المؤتمر: http://www.religions-dialogue.com/newsdetail.php?id=15