شعار الموقع

الرأي العام والإعلام عند السيد الشيرازي

جعفر البحراني 2008-06-06
عدد القراءات « 708 »

*

الكاتب: السيد محمد الشيرازي

الكتاب: الرأي العام والإعلام

الناشر: دار العلوم ومؤسسة الوعي الإسلامي - بيروت

سنة النشر: ط1، 2007م.

الصفحات: 632 صفحة من القطع الكبير.

 

يأتي كتاب الرأي العام والإعلام -لسماحة المرجع الديني الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي وتحقيق سماحة الشيخ صاحب مهدي- في وقت يمثل فيه الرأي العام والإعلام أهمية قصوى في العالم.

فالمؤسسات والهيئات الناجحة سواء الحكومية أو السياسية أو غير السياسية أيضاً في شتى نواحي الحياة لا بد وأن يكون الإعلام على رأس الهرم فيها.

ولعل النجاح الإعلامي لقناة المنار وثباتها خلال فترة الحرب دليل واضح على ما تمثله الماكينة الإعلامية من أهمية في أي مؤسسة، فهو في تلك الحرب كان بمثابة الراية في الحروب القديمة، ولقد حاول العدو الإسرائيلي أن يوقف إعلام حزب الله المتمثل في قناة المنار عندما قام بقصف مقر القناة مرات عديدة. هذه صورة من صور الإعلام وأهميته في المؤسسات بشكل عام. ولا نريد أن ندخل في سياق أهمية الإعلام في حياتنا المعاصرة بأكثر من هذا.

انطلق أسلوب الكتاب بأسلوب فقهي حيث يبدأ كل عنوان بكلمة «مسألة»، كما قال المؤلف أيضاً عن هذا الكتاب في مقدمته بأنه (جزء من موسوعة «الفقه»)، وهو في الحقيقة لا يمثل فقهاً بالمعنى الحرفي؛ لما تنطوي عليه كلمة فقه من تشريع وأحكام، وإنما هو تعريف وعرض عام لما يمثله الرأي العام والإعلام من أهمية، وكيفية الاستفادة منه في حياتنا المعاصرة وفق أسس علمية تنطلق من مفاهيم إنسانية وإسلامية، وقد استشهد المؤلف بكثير من الآيات والروايات والحوادث التاريخية عند الرسول وأهل بيته.

وقد قسم الكتاب إلى أربعة فصول هي:

1- الرأي العام

2- الإعلام

3- الشائعة

4- الدعاية

ناقش فيه المؤلف بعض الآراء واستعرض آراء آخرين، كما قدم رأيه وتوصياته في كل فصل من فصول الكتاب، حيث بدأ بالتعريف بالرأي العام وما هو وكيف هو؟ وفي ختام تعريفه للرأي العام قال: إن الرأي العام في الغالب يكون على شكل نزاع بين أفراد وأمم يقفون على طرفي نقيض، مثل طرفي وجود الله أو عدمه. وحول أهمية الرأي العام قال: لنتخذ منه وسيلة لما نريد إحداثه من تغيير.

ولقد قسم الرأي العام إلى أقسام منها الرأي العام العفوي، وهو الذي يحصل تجاه جماعة في وقت ومكان محدد ويتقلب وفقاً للعوامل المؤثرة.

والقسم الثاني هو الرأي العام التحصيلي، وهو ما يريده الإنسان من تغيير في بنية المجتمع من سيئ إلى حسن.

أما القسم الثالث فهو الرأي الخامل بحيث يقف الشعب موقف اللامبالاة تجاه الحكومة لضعف أو خوف. وفي مقابل هذا الرأي هناك الرأي العام الفعَّال وهو قيام الشعب ضد الحكومة بثورة شعبية تسقطها.

الرأي العام المؤقت هو القسم الخامس من أقسام الرأي العام وهو الذي يرتبط بموضوع وزمان ومكان ثم ينتهي بانتهاء ذلك. إلى جانب ذلك هناك الرأي العام المستقر والرأي العام المتقلب. وعرض المؤلف إلى آراء أخرى في تقسيم الرأي العام فقال: إن هناك رأياً عاماً ظاهريًّا وآخر باطنيًّا.

وأشار إلى أن من يريد العمل على تكوين رأي عام عليه أن ينطلق من تكوين رأي عام باطني ثم يعمل بكل جهد على إظهار ذلك الرأي للعلن.

ونبّه المؤلف إلى الفرق بين الرأي العام الذي تتبناه الطبقة المثقفة والرأي العام الذي ينشده الجمهور، مؤكداً أن رأي الجمهور يستند إلى العاطفة فيما رأي المثقفين يستند إلى العقل والعلم.

وإلى جانب تقسيم الرأي العام الذي ذكرناه آنفاً هناك تقسيم آخر ميداني وينقسم إلى أربعة أقسام هي: الرأي العام المؤيد، والرأي العام المعارض أو المختلف، والرأي العام المحايد، والرأي العام المنقسم.

وشدد المؤلف على ضرورة تطوير وسائل الإعلام وطرق الوصول للرأي العام؛ نظراً لأهميته وأهمية وسائل الإعلام في التأييد، مؤكداً أهمية أن ينسجم الرأي العام مع الفطرة الإنسانية، وكذلك ضرورة التمسك بالمبادئ والاعتقاد الجازم بها.

وألمح المؤلف إلى أن الرأي العام قد يكون مستنداً إلى حقائق في داخل الإنسان كالعدالة والحب والرفاه والحرية والتعاون، وقد يكون مستنداً إلى جهة أو طائفة معينة.

وفي إطار عناصر الرأي العام قال الشيرازي: إن أهم عنصر في عناصر صناعة الرأي العام هم الناس، ثم المعرفة، ثم القيم المشتركة، ثم السلوك العام، ثم الأحداث والوقائع، فالمعتقدات فالأرض فالعادات، ثم الإتجاهات والميول والمواقف، ثم الأسرة فالمدرسة فالخرافات والأساطير، وأخيراً القادة. مؤكداً على ثلاثة أمور: أولها إدراك فهم الناس، وثانيها إدراك فهم الذات، وثالثها إدراك فهم الطبيعة.

وتوجه المؤلف إلى تحديد قواعد الرأي العام، فحدد خمس عشرة قاعدة، من بينها الموقف الاختياري، وأن يكون شعبيًّا، مشدداً على أن يكون عامًّا، وأن يكون نابعاً من القلب والعقيدة مع ضرورة الاستفادة من وسائل الإعلام، مع ضرورة التفريق بين الإعلام والرأي العام.

وقال الشيرازي في كتابه: إن الرأي العام تكفي فيه الشهرة وتمثيل الأكثرية، مؤكداً على أن يكون حصيلة معرفة فردية حرة، مطالباً المشتغلين بالرأي العام بضرورة مراعاة التدابير التي توازن بين الأهم والمهم، وكذلك مراعاة تبسيط المؤثرات وتشخيص القضايا والأحداث التي يجب أن يُشكَّل لها رأي عام. مؤكداً في الوقت نفسه على أن الرأي العام ليس رأي مقدساً.

وتطرق الكاتب إلى الرأي العام في الحرب والسلم، وخلص إلى أن الرأي العام هو الذي يهيئ للحرب كما أن الحرب من جانب آخر تهيئ للرأي العام أيضاً، لكنه من جانب آخر قال: إن الرأي العام هو الذي يقود للسلام لأنه دائماً يجنح للسلام.

وأشار المؤلف إلى الرأي العام في الحرب النفسية، وتحدث عن تأثيره وطرقه بالشواهد والدلائل، مشيراً إلى أهميته وأهمية التأثير في الرأي العام في الحرب والسلم معاً.

وانتقل المؤلف إلى الظاهرة الإعلامية والرأي العام فقال: إن من الضروري لمن يريد إثارة الرأي العام أن يكون له راصد يعرف من خلاله مدى تأثيره في الرأي العام.

ولكونه مشرِّعاً وفقيهاً فقد أوجب على الحكام التعرف على الرأي العام واتباعه لكيلا يقعوا في سخط الشعب وبالتالي تمرده، كما أوجب على الحاكم أن يكتشف رغبات الناس من خلال استطلاعات الرأي، مشيراً إلى أن الحصول على رأي الجمهور بشكل دقيق يستوجب رقابة على أجهزة الاستخبارات، مؤكداً أن أهم وظائف الرأي العام هي سنُّ القوانين وإلغاؤها.

وعندما تحدث الشيرازي في الفصل الثاني عن الإعلام قال: إنه أمر ضروري لكل مبدأ ولكل دين ورسالة إصلاحية.

وفي إطار حديثه عن العلاقات العامة قال: إنه ينبغي التوجه بالعلاقات العامة لإزالة الالتباس وسوء الفهم، من أجل خلق التوافق والانسجام وفهم المصالح، موجباً ضرورة الديموقراطية في الإعلام والعلاقات العامة، بحيث يكون الفرد شريكاً وليس هدفاً سلبيًّا للإعلام ومحلًّا لانصباب إعلام الدولة وأجهزتها المختلفة.

إلى جانب ذلك تحدث المؤلف عن عناصر الاتصال وشروطه وقابلية تحقيق أغراضه، كما تحدث عن شروط المخاطبة والأهداف من وراء مختلف الأسئلة.

أما في شأن الصحافة فقال: إنه ينبغي التوجه إليها لأنها من أهم وسائل التبليغ والإرشاد والإعلام والنشر والإمتاع وتهيئة الرأي العام وتوجيهه.

وفي هذا الإطار تحدث عن نواقص الإعلام الإسلامي وحددها في: اللا عنف، والمنهج، ونزاهة العاملين، وعنى بذلك أن تكون الدعوة بالتي هي أحسن، وأن يكون لدينا منهج أو برنامج عمل، كما يلزم أن يكون القائمون بالدعوة نزيهين إلى أبعد الحدود، وأوجب على العملين في الحقل الإعلامي التوجه لهذا النقص والعمل على رفعه وتغييره ليتسنى للمسلمين نشر ثقافة التوحيد وتعاليم الدين الحنيف.

وتطرق السيد الشيرازي رحمه الله في كتابه إلى الدبلوماسية والإعلام فقال: إنهما متلازمتان من حيث إن الدبلوماسي يقوم بدور التمثيل والدعوة لبلده عبر السفارة التي يتحرك في أفقها.

وحيث إن السفارات الإسلامية في مختلف دول العالم -كما يقول الشيرازي- على الأغلب ترتبط في معاملاتها بسلسلة كبيرة من الإجراءات السلبية والتعقيد وندرة ارتباطها وتطبعها بالطابع الإسلامي، لذلك يرى أنه من اللازم أن تكون السفارات الإسلامية سواء في بلاد الغرب أو في الشرق والعالم الثالث بمستوى الرسالة الإسلامية.

وأشار السيد رحمه الله إلى مهام الإعلام الإسلامي فقال يجب نشر الإيديولوجية الإسلامية ومبادئ الحرية والمساواة والشورى عبر وسائل الإعلام، كما يجب مواجهة الغزو الإعلامي الغربي بأكاذيبه وافتراءاته وتضليله عبر معرفة آلية التعامل مع الإعلام الغربي وخصوصياته.

وفي الفصل الثالث عندما تحدث عن الشائعة قال رحمه الله: إن الشائعة عبارة عن وسيلة لتخويف الشعب، ومصدرها إما الحكومات وإما الأعداء. ثم قسم الشائعة إلى أقسام: منها لفظية بصرية، ومنها الشائعة المجردة، وأكد أن الإنسان الخائف والقلق لديه قابلية كبيرة لتقبل الإشاعة، ونبَّه أنه يغلب استعمال الإشاعة في الأخبار الكاذبة وإن كان لفظها يستعمل في الأخبار الصادقة.

وقسَّم الكاتب الدعاية إلى دينية ودنيوية، وقد تكون وقتية أو في خط متسلسل ومنظم من جهة سياسية، وقد تكون بنحو الصدق الضار. ولهذا أكد أنه يلزم في الدعاية الهجومية أو الدعاية المضادة أو الدفاعية أن توضع تحت نظر علماء الاجتماع وعلماء النفس ومن أشبه حتى تكون مؤثرة.

وعندما تناول الدعاية في الفصل الرابع قال: إنه ينبغي التوجه للدعاية نظراً لما لها من تأثير فعَّال في السلوك، وفي تهيئة مقدمات النهوض، وفي ترويج الأفكار والبضائع على حد سواء.

وقسَّم الدعاية إلى قسمين فقال: إنها إما دعاية إيجابية كالدعاية التي تروِّج للفعل أو القول الحسن الذي ينبع عن دين أو عقيدة أو نظام، وقال عن القسم الثاني وهو الدعاية السلبية: إنه الدعاية التي تروَّج ضد شيء، كأن تروِّج لنواقص الطرف الآخر.

وأكد أن الدعاية الصحيحة يجب ألَّا تخرج عن أمرين، الأول هو أن يكون الهدف سليماً وصحيحاً، والثاني أن يكون رجل الدعاية شريفاً ونزيهاً.

ثم حدَّد الدعاية بحسب الحواس فقال: هناك دعاية لفظية تثير الأذن، وهناك دعاية مرئية تثير العين، وهناك دعاية ترتبط بالشم... وهكذا.

ولكي تحقق الدعاية أغراضها حدَّد المؤلف عدة أمور: الأول هو اتصافها بالحكمة، وثانيها أن تكون بسيطة محدودة المعالم وممكنة التكرار، أما الثالث فهو أن تكون مصاحبة لتحقيق النجاح والقوة، أما الرابع فهو أن تستخدم كافة التسهيلات الممكنة، والخامس أن تكون متسقة، والسادس أن تكون متوجهة إلى الموضوعات الحساسة، والسابع أن تكون مستندة إلى معلومات دقيقة ومحددة ذات قيمة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو تربوية أو عسكرية، والثامن أن تكون موجهة إلى الأفراد بما هم أفراد وإلى الأفكار المفردة وليس إلى المجموع من حيث كونهم مجموعاً ولا إلى الأفكار المركبة، أما التاسع فاللازم أن تكون الدعاية مخفية وإلا فإذا ظهر للناس أنها دعاية انفضوا من حولها.

وأشار السيد الشيرازي في مؤلفه إلى مرتكزات الدعاية فقال: إنه يجب أن تعتمد الدعاية على مرتكزات ثابتة وواضحة. ثم حددها في: ملاحظة الحالة النفسية للمخاطب، والاهتمام بالدوافع الفردية وأتباع قوانين البيع والشراء ثم مخاطبة الناس على قدر عقولهم ووفق لغتهم واتخاذ أسلوب لفت الأنظار والانتباه لعوامل التجديد وإلى آخره من وصايا يراها المؤلف في غاية الأهمية.

وفي نهاية الكتاب خلص المؤلف إلى كلمة ختامية قال فيها: «لا شك أننا مقصرون في داخلنا وخارجنا»، ويعني بذلك أن التقصير الداخلي تمثل في سكوت المسلمين وصبرهم على الديكتاتوريات في بلدانهم.

أما التقصير الخارجي فيعني به تقصير المسلمين خارج البلدان الإسلامية مستشهداً بثلاثين مليون مسلم موجودين في أوروبا وأمريكا لم يؤسسوا أحزاباً أو منظمات تتبنى الدفاع عن الإسلام وتنشر الصورة الحقيقية له عبر مختلف وسائل الإعلام.

لكنه يرى أن الوقت لا زال مؤاتياً لنبذ الدكتاتورية واستبدالها بأنظمة الشورى، وكذلك أن يبدأ المسلمون في الغرب بالعمل على نشر الثقافة الإسلامية وفق ما يريده القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام). وكل ذلك مشروطا بالتحلي بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن مختلف أشكال العنف.

لقد قدَّم هذا الكتاب حقيقتين هامتين، الأولى تتركز في أهمية تحقيق البحوث والدراسات العلمية.

أما الثانية فتتركز في أهمية نشر عملية التحليل والاستقصاء والاستقراء ضمن البحث والدراسة، وعدم الاعتماد على النتائج والتوصيات فقط. ذلك أن نشر النتائج والتوصيات والخلاصات فقط يجعل البحوث والدراسات مجرد مواد فارغة من المحتوى والمضمون.

وفي رأيي إن هذا الكتاب وقيمته العلمية أبرزها المحقق النابه الذي قدَّم لنا مجموعة وافرة من الحقائق والمعلومات، وقام بتقديم الكثير من الأمثلة من أجل تقريب الصورة لذهن المتلقي بما يخدم ويدعم النتائج المستخلصة التي اكتفى المؤلف بنشرها، دون أن يقدم لنا أرضيته الأساسية التي بنى عليها ما قدمه من خلاصة ورأي في بحثه ودراسته.

إن كتاب الرأي العام والإعلام للسيد الشيرازي رحمه الله دون شك كتاب قيِّم ومهم في تخصصه، ولم تتضح أهميته لو لا الجهد الذي بذله المحقق فيه، وهو كتاب بحق أضاف الكثير للمكتبة العربية والإسلامية، وهو بلا شك أيضاً عمل موسوعي مهم في مجاله.