شعار الموقع

التنهيض التربوي : إصلاح المنظومة التربوية معبر أساسي إلى تنمية مستدامة

إدريس هاني 2008-09-16
عدد القراءات « 1124 »

للتنمية في العالم العربي وضعية خاصة تتسم بالمفارقة والهشاشة وفقدان المنظورية الضرورية للنهوض الناجع بالقطاع. فهو يبدو في حالة استئناف مستمرة وتردد وهدر في التعليم وأيضاً هدر في خطط إنماء القطاع. وضعية بغض النظر عن جملة المبادرات التي اتخذت عبر سنوات من محاولات احتواء أزمة التربية والتكوين في أكثر البلاد العربية، وبغض النظر عن التقدم في بعض مؤشرات نمو القطاع -نمواً كميًّا لا تنحل معه أزمته النوعية، وصوريًّا لا يملك اقتداراً على احتواء التحديات الاستشرافية لنمو غير مدروس مبني على خطط قصيرة ومتوسطة المدى عادة ما تحمل أهدافاً اختبارية وعادة ما تمثل أحيازاً أضيق لتحقيق أهداف ومحتويات الخطط-، فإنها وضعية لا تميز البلاد العربية عن غيرها من البلاد المتقدمة التي قطعت مشواراً مهمًّا في هذا المجال فحسب -وهذا تحصيل حاصل-، بل إنها تميزه عن عدد من البلاد السائرة في طريق النمو. وهو الوضع الذي ما فتئت تؤشر إليه جل البيانات والجداول والتقارير المحلية والدولية بصورة ليس فقط أنها لا تدعو إلى الارتياح، بل إنها تكاد ترسم في الأفق العربي مستقبلاً مخيفاً يُنذر بالكارثة. لا سيما أمام هول المعدلات والأرقام المرتفعة التي تعكس التقدم الكبير الذي يجري هناك في البلاد المتقدمة، بل حتى في الكثير من البلاد النامية التي شقّت طريقها بجدية نحو تنمية حقيقية. لهذا السبب لم أتحدث عن العالم الإسلامي، لأن منه أقطاراً قطعت مشواراً مميزاً، أو على الأقل تفوّقت على العالم العربي، في إصلاح المنظومة التربوية. هذا على الأقل ما أكَّده تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، حيث نقرأ العبارة التالية:

«خلص تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002 إلى أنه بالرغم من الإنجازات التي تحققت في مجال التوسع الكمي في التعليم في البلدان العربية منذ منتصف القرن العشرين، إلا أن الوضع العام للتعليم لا زال متواضعاً مقارنة بإنجازات دول أخرى حتى في بلدان العالم النامي، وبالتأكيد مقارنة باحتياجات التنمية الإنسانية»[1].

التدهور الحاصل في مجال التربية والتعليم في العالم العربي هو مؤشر حقيقي على تدهور مسارات التنمية بالجملة. ولعله من الغرابة أن العرب لا زالوا يعتقدون -أو على الأقل كما تدل على ذلك طبيعة السياسات التنموية وحجم الأرقام ومنحنيات حصيلة المشاريع والمبادرات ونسبة الإنفاق الشحيحة على قطاع التعليم مقارنة بباقي القطاعات الأخرى ومدى القدرة على استيعاب أفواج المتخرجين والقدرة على إدماجهم ومستوى مردودية التعليم على صعيد متطلبات سوق الشغل وغياب الشفافية وتعثر التسيير- أن تنميتهم ممكنة دون منح النظام التربوي حقه الكامل من الإصلاح. إن علاقة النهوض بقطاع التربية والتكوين بمسارات التنمية هي اليوم مسألة نكون أو لا نكون. لا بل وجب الحديث عن ضرورة قيام ثورة داخل المنظومة التربوية تضعها في قلب التحديات التنموية والأهداف والمتطلبات التي تفرضها التنمية المستدامة. لا سيما لما ندرك أن التنمية في العالم العربي ليس أنها لم تطور من منظومتها التربوية للاستجابة لتحديات التخلف وشرائط التنمية فحسب، بل إنها لم تسع طيلة حقب طويلة إلى إقرار سياسة حقيقية وجادة لإدماج قطاع التربية في صلب السياسة التنموية، بعد أن أصبح لا يخفى مدى الصلة التي تربط بين التربية والتنمية. وسوف تزداد الهوة اتساعاً كلما تراجعت معدلات النمو في هذه البلاد. فبمقدار التراجع في التنمية تزداد أزمة النظام التربوي سواء على مستوى البنيات والهياكل المادية المحدودة والشحيحة أو على مستوى الجودة والمردودية وعدم إنتاجية البرامج التعليمية وتخلفها إلى حد باتت تنتج هشاشة التكوين وأنماط تعليمية غير قادرة على خلق المثيرات ولا تنمية القدرات أو التربية على الإنتاج والإبداع عند المتلقي التربوي، بقدر ما هي برامج للاستظهار والحفظ والجمود. لا أدل على ذلك حينما تجد بعض البلاد العربية تسجل تدنِّياً خطيراً لا يزال يتجلى في منسوب الهدر المدرسي، كما يتجلى في المعدلات المخجلة لمنسوب الأمية. هذا ناهيك عن التناقض الكبير القائم بين حصيلة التخرج ومقتضيات وشروط سوق الشغل، أي عدم التناسب بين العرض الذي توفره السياسة التعليمية وبين الطلب الذي تقتضيه سياسات السوق، وهو بالتالي ما كان وراء ظاهرة العاطلين من حاملي الشهادات العليا. ولا أخال أي مراقب هو اليوم في حاجة إلى كثير من البيانات كي يؤكد التدهور الكبير على صعيد مردودية التعليم في الوطن العربي وغربة القطاع عن الأهداف الحقيقية للتنمية، فضلاً عن آفة الهدر المدرسي الذي يُفني فئات وشرائح واسعة من التلاميذ والطلاب، ومعه يتحقق مستوى آخر من الهدر في النفقات على التعليم -ما يصرف على الطالب من خزينة الدولة دون تمكّن الدولة من تحقيق أهدافها التربوية (= حالة الهدر) أو دون التمكن من الاستفادة من كفاءته (= حالة هجرة الكفاءات)-. هذا إضافة إلى عدم كفاية البنيات التحتية في تلبية متطلبات السياسة التعليمية والوفاء لأجندة البرامج والخطط التربوية. فهذا الأمر وإن وعاه المعنيون بالسياسة التنموية وحاولوا وضع تصورات وخطط في طريقه من أجل النهوض بالقطاع وتدبير أزمته البنيوية[2]، إلا أن هذا لم يثمر حصيلة مريحة. فلا زالت مظاهر الأزمة واضحة اليوم ولا زال التردي كبيراً في تصنيفات هذه الدول في التقارير الدولية الخاصة بقطاع التعليم، يحدث ذلك في زمن يتطلع فيه العالم إلى مجتمع المعرفة، وتدارك الفجوة الرقمية عبثاً.

مشكلات التربية والتكوين كمؤشر على أزمة تنموية

مشكلات التربية والتعليم في البلاد العربية هي في جوهرها مشكلات تنموية. علينا ألَّا نخطئ في ترتيب الجدل القائم بين التربية والتنمية. فحتى لو سلمنا بأن التنمية لا تقوم على نظام تربوي هش وبأن التخلف الذي يضرب طولاً وعرضاً في القطاع لا يفتأ يؤثر في مسارات التنمية إلا أن الوجه الآخر للمعادلة الجدلية يؤكد أن المردودية المتدنية في حصيلة التربية والتكوين في البلاد العربية مردها إلى المؤثرات التخليفية الموضوعية داخل بنية مأزومة تعاني من استجابات قطاعية ضعيفة لتحديات النمو. وذلك الوضع المتدهور سيصدمنا من أي زاوية أردنا معاينة بيانات الحصيلة المزرية والمردودية المتدنية، إن على صعيد البنيات والهياكل والتجهيزات المطلوبة لاحتواء مشكلات الجسم التعليمي (= معلمين وأساتذة وأطر إدارية) وجمهور المتعلمين، أو على مستوى البنيات البيداغوجية الضرورية لتحقيق مردودية تأهيلية وتحقيق سياسة تمهيرية ناجعة، تجعل العملية التربوية منسجمة مع السياسات والأهداف ومساطير التنمية المستدامة. ويمكننا باختصار شديد استعراض بعض من مشكلات النظام التربوي في البلاد العربية ذات التأثير البالغ في المسار التنموي للبلاد، قبل التحول إلى محور علاقة التربية بمؤثرات المناخ الخارجي، وإشكالية النهضة ومصيرها في سيرورة العمل العربي وفي أجندة الأوراش التي ينهض بها على مستوى القطاعات أو يتمثلها في صميم خطابه السياسي.

إن أولى مشكلات النظام التربوي التي تواجه المراقبين وتفرض حلولاً استعجالية في المجال العربي هي ثلاثي الأزمات التربوية: الأمية والهدر المدرسي وهجرة الكفاءات. وإننا قبل أن نفرد لكل من هذا الثالوث الخطير حديثاً خاصًّا به، كان لا بد من الإشارة إلى أن ثمة روابط جدلية بين الآفات المذكورة. كما أن لها من جهة أخرى، روابط بعوامل التخلف البنيوي الأخرى بشكل يجعلها أزمات متصلة. ويبدو ذلك واضحاً من خلال استقراء الأسباب الموضوعية للأمية والهدر المدرسي وهجرة الكفاءات التي ينتصب في مقدمتها عامل الحاجة والفقر وتدهور البنيات الجديرة باحتواء المتمدرسين أو استثمار وإدماج الكفاءات. كما لا يخفى ما للهدر المدرسي من علاقة بمنسوب الأمية المرتفع لا سيما في صفوف النساء. فإذا كانت خطط احتواء الهدر تحتوي على إجراء التحسيس والتوعية بأهمية التعليم، بوصفه خطاباً موجَّهاً للآباء والأوصياء، فهذا مؤشر على أن آفة الهدر تتضخم بشكل لافت في محيط تهيمن عليه نسب مرتفعة من منسوب الأمية. فلا عجب أن يرتفع معدل الهدر في البيئات القروية التي تمثل بيئة تعاني من ارتفاع نسب ومعدلات الفقر والأمية. ويمكننا السير على القياسات نفسها بالنسبة للآفات الأخرى، كما سنبين لاحقاً.

منسوب أمية مخيف و مخجل

على الرغم من انفتاح عدد من الأوراش للإصلاح في السياسات والمناهج والبنيات التربوية في الكثير من البلاد العربية، إلا أن نتائج البيانات وحصيلة تقييم نوعية التعليم وما تشير إليه القياسات بين مختلف التجارب التربوية بين أقطار العالم العربي والبلاد الأخرى، تشير إلى وجود صعوبات على طريق القضاء التام على آخر معدلات الأمية التي تقضّ مضجع العالم العربي. فتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2005 يضع قائمة لتصنيف الدول على أساس نسبة القضاء على الأمية، تحتل فيه الأقطار العربية مراتب متدنية مع وجود تفاوت نسبي بين قطر وآخر. وذلك مقارنة بالدول المتقدمة التي لا ينزل معدل القضاء على الأمية فيها عن نسبة 99%. هذا شأن أقطار بلغت فيها نسبة محو الأمية إلى ما يعادل 99.9%، كأستراليا والنمسا وبلجيكا وكندا والتشيك وفرنسا والسويد والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية وهولاندا وألمانيا... وأخرى دول نامية لكنها استطاعت أن تبلغ معدلات تفوق التسعين والتسعة والتسعين، مثل كازاخستان وطاجكستان (99.5%)، وكوبا (96.9%)، وفي المجتمعات العربية لم تسجل أي دولة معدلاً يفوق التسعين بقليل سوى فلسطين (91.9%)[3]. وتأتي بعد ذلك كل من الأردن (89.9%)، وقطر(89.2%)، والبحرين (87.7%)، ولبنان (86.5%) وسوريا والكويت (82.9%)... في حين تتدهور معدلات نسبة محو الأمية لدى أقطار عربية بما لا يتعدى الخمسة والخمسين أو أقل مثل مصر وموريتانيا والمغرب، وأخرى أقل من الخمسين والتسعة والأربعين مثل اليمن وهكذا..

وعلى الرغم من كثافة الجهود الرامية دوليًّا ومحليًّا لمحور الأمية -عربيًّا ثمة مبادرات وخطط وفعاليات تقام بشكل دائم، آخرها كمثال فقط على ذلك عقد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع لمؤتمر بالدوحة السنة الماضية (12 مارس 2007 ) لمناقشة تحديات الأمية في المنطقة العربية، أو تنظيم مكتب اليونسكو هذه السنة (26 مارس 2008) لندوة مغاربية بالرباط حول أساليب تقييم استراتيجيات وتجارب محو الأمية في بلدان المغرب العربي-؛ فإن حجم المعدلات الكاشفة عن نسب المحو -عدد الأميين في العالم العربي 70 مليوناً- تؤكد أن الأمر لا يزال مستعصياً على تلك الجهود. فلقد أطلق عقد محو الأمية في إطار مبادرة الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أقر بإجماع في قرار صدر في كانون الأول/ ديسمبر 2001، مقتضاه وضع برنامج التعليم للجميع والعمل على رفع معدلات القراءة إلى 50% بحلول سنة 2015. وكما يبدو أن العالم كلما غرق في الحروب والمجاعة والفقر وما تحت الفقر تدهورت فيه معدلات القراءة واستفحل فيه وضع الأمية. فالأفق الذي رسمته المبادرة الأممية -عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية (2003 - 2012)- يدخل ضمن الإنشاءات الجميلة والواعدة للأمم المتحدة، لكنها ليست قادرة على ترجمة مبادراتها بنجاح، تماماً كما تعد إنشاءاتها بالاستقرار والسلم العالميين عبثاً. ذلك لأن القرارات الأممية لا يمكنها أن تحل معضلة الأمية في العالم إلا إذا استطاعت حل مشكلة الفقر والحروب في العالم وتحديداً في المنطقة العربية التي تعاني تدهوراً حقيقيًّا في معدلات نسب محو الأمية رغم كل الجهود والمساعدات والقرارات والمبادرات. إنها مشكلات معقدة تتعلق بمدى إمكانية نجاح مثل هذه البرامج في ضوء التدفق السكاني وفي شروط اجتماعية وثقافية معيقة لحل أو تدارك معضلة الأمية.

الأمية الأبجدية -لا سيما في صفوف النساء (تأنيث الهدر المدرسي وتأنيث الأمية كظاهرة في الوطن العربي)- في زمن ارتقى فيه مفهوم الأمية وتعقد ليشمل مستويات وأبعاداً تعليمية متقدمة -نتحدث اليوم عن أمية اللغات والمعلوماتية وبعض مستويات المعارف والثقافات...- التراجعات المسجلة في منسوب الأمية تتسم بالمحدودية والكمية، أي لا تمس سوى نسبة محدودة من الشكل التقليدي للأمية الأبجدية. وبالتأكيد فإن الأمية سوف تشكل عائقاً إضافيًّا من شأنه إعاقة وتعثر محاولات إنجاز مهمة إصلاح المنظومة التربوية. فهي مهمة لا تقوم وحدها، بقدر ما هي في حاجة إلى توفير مناخ تربوي عام تتواصل وتتكامل فيه البيئة التربوية في الأسرة مع المجتمع والمدرسة. وسوف يتضح معنا أن إحدى أهم أسباب الهدر المدرسي أو العزوف عن التمدرس ناتجة عن المكانة الهشة التي تحتلها أهمية التعليم في الثقافة الاجتماعية للبيئات -وتحديداً العالم القروي- التي تعاني من ارتفاع معدلات الأمية في صفوف الآباء والأوصياء. وبينما كان الحديث عن خطور الأمية الأبجدية على مجمل التنمية العربية في مرحلة لم تكن الفجوة الرقمية قد دخلت بوصفها عاملاً حاسماً في نتائج قياسات تطور الأنظمة التربوية بين البلاد العربية والبلاد المتقدمة، أصبح الأمر -اليوم- أخطر من أي وقت مضى. فبالإضافة إلى الفجوة الكبيرة على صعيد التمدرس -القضاء على الأمية الأبجدية- انضافت فجوة أكبر تتعلق بالمعرفة الرقمية، التأخر في استيعاب المنظومة التربوية العربية لمتطلبات وتحديات العالم الرقمي ومجتمع المعرفة.

منسوب خطير للهدر المدرسي

لعل الهدر هو السمة الرئيسة -ليس في نطاق التمدرس فحسب- للمشاريع والسياسات التنموية في المجال العربي. هدر الطاقة وهدر المياه وهدر الوقت وهدر الخزينة العامة وهدر السياسات وهدر كل ما من شأنه النهوض بالتنمية المستدامة. وفي مجال التربية يمكننا الحديث عن شيء ما أسميه بتسلسل الهدر، الذي تتواطأ عليه ثلاثية: الهدر المدرسي/ وهدر النفقات التي تكلف خزينة الدولة على المتمدرس الهادر/ وهدر خطط احتواء أزمة الهدر المدرسي. وإذا كان ولابد من ذكر أهم أسباب انتشار الأمية في المجال القروي -الذي جعل المغرب مثلاً يحتل الصفوف الأولى في ارتفاع معدلات الأمية، إذ بلغ معدل غير المتمدرسين من الأطفال حوالي 300 ألف طفل (إناثاً وذكوراً) كما بلغ عدد التلاميذ الهادرين سنة 2006 بحوالي 370 ألف تلميذ إضافة إلى ما يربو على مليون طفل غير ممدرس في الفئة العمرية ما بين 9 و 14 سنة-؛ فهو حالة عزوف الأطفال عن التمدرس ووضعيتهم الصعبة في بيئة سوسيوثقافية وجغرافية مساهمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تكريس حالة العزوف عن المدرسة. فبقدر ما تساهم الأمية في ارتفاع معدلات الهدر المدرسي، يساهم الهدر المدرسي في ارتفاع معدلات الأمية. نحن أمام حلقة مفرغة لا زالت الإجراءات المتخذة في إطار سياسة توسيع مدى التعليم الإجباري لم تحد منها، حيث يتوجب على مر السنوات تدارك الهدر المتبقي -الذي عجزت البنيات والتجهيزات التعليمية عن احتوائه موضوعيًّا- والهدر المتجدد المضاف إليه، في نوع من الدوران في الحلقة المفرغة أو ما يقاربها. وحينما نتحدث عن الهدر المدرسي فإننا نستدعي جملة أسبابه الذاتية والموضوعية، سواء ما تعلق منها بمؤثرات التخلف الثقافي وغياب التحسيس الكافي الذي تعاني منه بيئة الهادرين، أو ما يتصل بشحة التجهيزات اللازمة لمواجهة الهدر والعزوف، بدءاً من بُعد المدرسة وغياب المواصلات وانتهاء بأزمة اكتظاظ فصول الدراسة إلى ما يفوق أحياناً الخمسين في الفصل الواحد. وتزداد الوضعية حرجاً كلما اقتربنا من العالم القروي، حيث نمط الحياة القروية في ظل الشروط المزرية إن لم نقل حالة التهميش التي يعانيها هذا القطاع، تجعل منه جزراً مفصولة اجتماعيًّا وثقافيًّا عن الحواضر. فأبناء القرويين المزارعين لا يرون أي أولوية لتعليم أبنائهم بقدر حاجتهم إليهم في تدبير النشاط اليومي لابن القرية -مساعدة الوالد في الزراعة وممارسة الرعي والسقي الذي يهدر كل طاقة أهالي القرى وأطفالهم بوصفهم منتجين أيضاً-. والأمر يصبح أفظع بالنسبة للمرأة التي يتضاعف نشاطها في العالم القروي أكثر حتى من الرجل، فضلاً عن أن الوضع الثقافي للقرى وما تقتضيه أنماط الانتاج القروي، يجعل الأولوية لتزويج الفتاة -في سنوات مبكرة- بدل التمدرس. هذا فضلاً عن مؤثرات أخرى، كانسداد سوق الشغل وأثره على ثقة المتمدرسين بجدوى المدرسة وبالتالي التشجيع على الهدر المدرسي خوفاً من هدر زمن التمدرس في أفق يوحي بخيبات الأمل.

الأحياز الزمنية للخطط الموضوعة للقضاء على ظاهرة الهدر المدرسي لم تعد كافية ومستوعبة لإنجاز أهدافها، بل بعضها تجاوز الحيز الزمني كالخطة الخمسية التي وضعت في أفق 2008م مثلاً دون أن نحضى بجداول تعكس نسباً مرضية في هذا المجال. وقد أصبح الأمر شديد التعقيد حتى مع رفع -نسبي- لنسبة ميزانية الإنفاق على الخطط الرامية للقضاء على آفة، هي بالأحرى تستدعي التعاطي معها بمستوى التعقيد الذي يفرضها والذي تفرضه أيضاً. فالمتعلم الهادر هو ضحية لجملة من التدابير القاسية التي يتعلق بعضها بالمدرسة وبعضها الآخر بالأسرة والمجتمع. ما يجعل الأمر في صلب مشكلة أشمل لها صلة مباشرة وغير مباشرة بوضعية المجتمع حسب مؤشرات التنمية. فتارة تكون الإجراءات المعمول بها شرائطَ للقبول وعدم القبول أو الطرد والشطب بعد التمدرس من القسوة واللاعقلانية، حيث تصبح مع مرور الزمن هي نفسها إحدى أهم آليات الهدر المدرسي. وتتواطأ تلك التدابير القاسية وغير العقلانية مع ظروف المتمدرس الاجتماعية والنفسية، حيث لا زلنا لم نحقق تقدماً ملموساً على مستوى التدابير والسياسات المعنية باحتواء حالات الهدر بتعزيز التواصل ما بين المدرسة والأوصياء والأسر وإشراك البيئة التربوية والأسرية في حل مشكلات المتمدرس الاجتماعية والنفسية التي تنتج الهدر المدرسي. إذن لجمعيات المجتمع المدني دور أساس إلى جانب التدابير الضرورية في الإدارة التربوية وسياسات التوجيه التربوي فضلاً عن قطاعات أخرى تتحمل واجب التحسيس بخطورة الهدر والتشجيع على التمدرس وتثقيف الرأي العام لا سيما في البوادي والقرى، حيث الإعلام يلعب دوراً رئيساً على هذا الصعيد. إن الهدر المدرسي في جانب كبير منه تتحمله تدابير وسياسات القطاع التربوي، لكن هذا لا يعني أنه ليس للهدر علاقة بثقافة تربوية سائدة في قطاع التوجيه التربوي كما لها علاقة بشروط سوسيو-ثقافية واجتماعية. فالهدر المدرسي هو أيضاً مسؤولية الجميع. ومع ذلك ليس بالمستطاع القول: إن آفة الهدر بالإمكان القضاء عليها تماماً في غياب استراتيجيا قطاعية متكاملة ومتوازنة وفي غياب مؤشرات تقدم نوعي على مستوى مسارات التنمية المستدامة. إن الهدر المدرسي آفة تؤرق قطاع التربية والتكوين اليوم. لكن ما هو أخطر هو ذلك الهدر الذي يطال سياسات وخطط ومشاريع احتواء الهدر المدرسي نفسه. أعني عندما لا تنجز خططنا ولا تتحقق مشاريعنا وتتوقف عند منتصف الطريق أو بداياته لأسباب ومبررات متكررة، تجعلنا في قلب الدائرة المفرغة: السمة التقليدية والرئيسة لتنمية مشروخة ومنقوصة وغير جادة في العالم العربي.

منسوب كارثي لهجرة الكفاءات

بالإضافة إلى آفة الهدر المدرسي، يواجه القطاع تحدياً آخر يتعلق بنزيف العقول والكفاءات، حيث أصبح العالم العربي في مقدمة المصدرين للكفاءات ذات التكوين العالي إلى البلاد المتقدمة. وإذا وضعنا بعين الاعتبار أن دول الاستقبال الغربية وضعت إجراءات صارمة للحد من الهجرة العمالية واليد العاملة مع وضعها محفزات كبيرة لاستقطاب العقول والكفاءات العالية التكوين والتدريب، تصبح الصورة أكثر قتامة من أي وقت مضى. حيث الإغراء الكبير الذي تقدمه الجامعات ومراكز الأبحاث الخارجية للموهوبين والعلماء المميزين في العالم العربي والإسلامي وعموم العالم الثالث، مضافاً إلى الشروط المزرية والظروف غير المشجعة لهؤلاء الموهوبين، تظل واحدة من أكثر العوامل التخليفية. وستظل تلك مؤشراً حقيقيًّا على تدهور الأمم المفرّطة في كفاءاتها. لم يبالغ الجنرال ديغول ردًّا على أحدهم بخصوص مشكلة هجرة الكفاءات قائلاً:

«إن خسارة 100 شخصية سياسية في المجتمع الفرنسي يمكن أن تعوّض، لأن هؤلاء الأموات لن يشكلوا عبئاً كبيراً في خلافتهم. لكن الخسارة لو فقد المجتمع عالماً واحداً أو مبدعاً واحداً، فعندها يشعر بأن جزءاً مهمًّا من كيانه قد فقد»[4].

هذا يؤكد إلى أي حد وجب استشعار الخطر المترتب على هذا الاستنزاف الذي يطال كفاءاتنا وعقولنا إلى حد لم يعد الأمر قابلاً للتحمل. فلا شك أن ظاهرة هجرة الأدمغة مشكلة عانت منها كافة المجتمعات بما فيها الدول الغربية نفسها -لا أتحدث عن هجرة الكفاءات من بلدان أوروبا الشرقية إلى بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية فحسب-، بل الأمر يتعلق بهجرة كفاءات من دول أوروبية متطورة إلى أخرى لأسباب تتعلق بطلب تحسين أوضاعهم المعيشية وظروف الشغل. ففي ستينات وسبعينات القرن المنصرم بدأ اهتمام حقيقي بمسألة هجرة الأدمغة، لا سيما بعد أن بدأت إنجلترا تفقد كفاءاتها لصالح بلاد غربية أفضل[5]. وإذا تفادينا الحديث عن حجم الكفاءات المهاجرة من البلاد الفقيرة الواقعة في آسيا وأفريقيا، وتحدثنا عن الرتبة التي تحتلها نسبة العقول المهاجرة في البلاد العربية لوجدنا الأمر في غاية الخطورة. فالعالم العربي وحده يصدّر من كفاءاته إلى الخارج نسبة تقدر بثلث ما تصدره البلدان النامية من كفاءاتها. وتقدر خسارته بسبب ذلك بـ: 11 مليار دولار في عقد السبعينات فقط، بل تكلف الوطن العربي ما يقارب 2 مليار دولار سنوياً[6]. بل ثمة دراسات كتلك التي قام بها مركز الخليج للدارسات الاستراتيجية تتحدث عما لا يقل عن 200 مليار دولار، هي ما تكلفه هجرة العقول العربية من خسارة للدول العربية. وهي الدراسة التي اعتبرت -بحق- المجتمعات العربية بيئات طاردة للكفاءات العلمية العربية. مُعزية ذلك إلى أسباب كثيرة أهمها ما يعود إلى ضعف الإنفاق على التعليم والتربية. فالإنفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي لا يتجاوز 0.2 بالمائة من إجمالي الموازنات العربية. مقارنة مع إسرائيل الذي تبلغ نسبة الإنفاق لديها على التعليم 2,6 بالمائة فى الموازنة السنوية[7]. وقد حذّرت تقارير أممية من خطر استنزاف الكفاءات من البلاد الفقيرة حيث يفقدها فرصة التقدم والتطور في ضوء حصيلة استنزاف الكفاءات التي تفوق 15% من مجمل كفاءاتها -في العالم العربي تقترب النسبة إلى النصف حسب الكثير من التقارير-. هذا ما أكَّده التقرير الأممي -2007م- حيث أشار إلى أن عام 2004 لوحده شهد هجرة حوالي مليون من العلماء والمهندسين والأطباء من الدول الخمسين المصنفة في قائمة «الدول الأقل فقراً»، وهذا ما يعني أن حوالي 15 في المائة من الرجال والنساء المتعلمين تعليماً عالياً هاجروا إلى الدول الغنية، حسب التقرير نفسه.

تتفق جميع التقارير المحلية والدولية على ما تمثله ظاهرة هجرة الكفاءات من المجتمعات النامية إلى البلدان المتقدمة من خطر على مساراتها التنموية. وحيث تزداد نسبة الهجرة من البلاد العربية التي تمثل لوحدها ثلث ما تصدره البلاد النامية، ندرك أن ذلك إن كان حقًّا واحدة من ثمرات تعثر مسارات التنمية في أقطار العالم العربي، فإنه بلا شك يجعل الرهان طويلاً لكسب سباق التنمية. فأي شرط يظل هو الأهم لتنمية عربية في ضوء حصيلة مزرية من هجرة الكفاءات تصل إلى الخمسين بالمئة من مجمل كفاءاته. فهل التنمية تقوم في البلاد العربية دون مشاركة الكفاءات الوطنية وفي غيابها أم سيستمر الأمر على الاستعاضة عنها عند الطلب بالكفاءات الأجنبية الباهضة الكلفة؟!

ولا شك في أن مسألة الهجرة عموماً وهجرة الكفاءات على وجه أخص، مثلها مثل ظاهرة الهدر المدرسي، ظاهرة معقدة تحتاج إلى استنهاض كافة القطاعات وإحداث تغييرات واسعة وجذرية تمس البنيات التربوية واعتماد حكامة رشيدة. فهجرة الأدمغة لها علاقة بامتدادات آثار التخلف في كل المرافق والقطاعات. يتعلق الأمر بنسبة الإنفاق على البحث العلمي وعلى سياسات تقوم على التمييز بين التكوين المحلي والتكوين الخارجي، كما تتعلق بغياب القدرة على الإدماج والقضاء على ظاهرة تفوّق الكفاءات على طبيعة الوظائف، وعدم وضع الكفاءات في وظائف تتعلق بطبيعة تخصصها، كما تتعلق بالبيئة السياسية وغياب الحريات وهشاشة النظم وتعثر القوانين وغياب الديموقراطية والفساد والمحسوبية وغياب الإرادة السياسية وفقدان النجاعة في مشاريع التنمية. كيف تصمد كفاءاتنا أمام هشاشة الداخل وإغراءات الخارج، في غياب محفزات معنوية على الأقل تضمنها إرادة سياسية وتجابه إغراءات الخارج بدوافع الانتماء والإحساس الوطني، وهو الأمر الذي لا يتحقق من دون إرادة سياسية حقيقية، تجعل الكفاءات تقبل بتقاسم إكراهات النهوض بالتنمية المحلية، لكن لقاء إقناعها بجدية القرارات وصلابة الإرادة السياسية والتدابير الجادة للقضاء على الفساد وتسريع مسلسل الإصلاحات وإشراك هذا الفاعل وتكريمه وتحسين شروط عيشه وعمله ولو في الحد الأدنى، وهذا لا يتم إلا بتنهيض التنمية مجملاً، لأن للنهضة زاد من الأيديولوجيا قد يعاوض كل إغراءات الخارج.

إذن، التنهيض ضرورة!

كل ما سبق من تشخيص للأزمة لا يعنينا في هذه المقالة على الأقل، إلا بمقدار ما يؤكد ضرورة إيجاد مخارج ملموسة للأزمة، توقف نزيف التدهور التربوي وانعكاساته على مسارات التنمية المستدامة. حيث نريد لفت الأنظار إلى ما يجب تحققه على مستوى منظومة التربية والسياسات التعليمية في البلاد العربية بلحاظ التحديات الخارجية التي لها بالغ التأثير في هذه السياسات. نحن ندرك أن مشكلة النظام التربوي في بلداننا العربية هي بالدرجة الأولى مسألة إرادة سياسية، ثم تأتي العوامل الأخرى لتعزز مشكلة الإصلاح التربوي. ويكفي دليلاً على ذلك التفاوت في معدلات التقدم والاصلاح في منظومة التربية والتكوين بين الأقطار العربية نفسها -قارن مثلاً نسبة محو الأمية بين الأردن ومصر أو لبنان وموريتانيا أو البحرين والجزائر مثلاً-. لكن ما نعنيه هنا بالعامل الخارجي الحاسم، التأثير غير المباشر لسياسات تنموية عامة مفروضة ومملاة في شروط الإعاقة الخارجية للتنمية المحلية. فقد يكون للقرارات والمبادرات والمساعدات الأممية والدولية دور في العناية بالمنظومة التربوية وبنياتها في الكثير من الأقطار العربية بما يوحي بأن لا دخل للعوامل الخارجية في تردي الوضع التعليمي والتربوي في بلداننا. والحقيقة أن ثمة عوامل شتى لها دخل وتأثير سلبي على التعليم. إن مجتمعات غارقة في التزامات تمليها سياسة القروض ومستحقاتها وإعادة جدولتها حتماً ستجد نفسها عاجزة عن رفع نسبة الإنفاق على البحث العلمي مثلاً الذي لا يرقى إلى نسبة 1%. وكل التقارير تدرك أن مشكلات من قبيل ارتفاع منسوب الأمية والهدر وهجرة الكفاءات تعود إلى شحة الإنفاق والفقر وتعثر التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهذه الأخيرة لا تحظى باهتمام أممي أو دولي يرقى إلى درجة الجدية والحسم. فبلداننا ملتزمة بتقديم مستحقات ديون ترهنها لقرون آتية، تتعدى حصصها مقدار ما ينهض به القطاع ويتحرر من مشكلاته دون الحاجة إلى مساعدات. وحيث بات واضحاً أن التقارير الأممية وباقي الإنشاءات التي تتحدث بلغة الأرقام في وضعية تربوية حرجة، تتحدث عن شعارات ومطالب لا يمكن تحققها بالفعل، حيث إن كان المنتظم الدولي اليوم يشترط لقيام تنمية مستدامة حدًّا أدنى من الحكامة، فإن قيام حكامة حقيقية وبالتالي تنمية مستدامة، إن هو إلا ضرب من المفارقة لا تصلح سوى للاستهلاك الإعلامي. فالحكامة تتقوم بشروط لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل دولة الحق والقانون وما لا يتحقق إلا في ضوئهما من المشاركة والمساءلة والشفافية والمحاسبة. وهذه على أقل التقادير تتأثر بالعوامل الخارجية والاستراتيجيات الدولية والإقليمية بشكل لا يخفى.

فالمسألة تتعلق بإرادة الارتقاء بمطلب المنظومة التربية إلى مستوى التحدي الخارجي الأكبر سواء ما كان يتعلق بالسياسات الكبرى التقليدية، أو ما يتعلق بسرعة التطورات والتحولات التي يشهدها القطاع عالميًّا مما يجعل البلاد العربية في مواجهة تحدي اللحاق. أي وضع المنظومة التربوية العربية في قلب التحدي الذي تفرضه العولمة بشروطها وإكراهاتها، بوصفها عاملاً ينضاف إلى جملة التحديات التقليدية التي كانت ولا زالت تواجه السياسات التعليمية وبنياتها في الوطن العربي.

في أي إطار نعالج أزمة النظام التربوي؟

لا زلت على قناعة بأن لا تنمية إلا عبر سياسة نهضوية شاملة. وإننا نحترز أشد الاحتراز بألَّا يتم الخلط بين مقصودنا من السياسة النهضوية وبين ذلك الاستعمال فاقد المعنى والمضمون الذي تزخر به تقارير ومواثيق االمنظومات التربوية العربية -حيث لا تخلو أدبياتها هي الأخرى من لفظ النهضة والنهوض ومشتقاته-. فمقصودهم بالنهوض يتأطر بالسياسات القطاعية وبالمنظور التنموي التجزيئي الذي يعالج أدواء التخلف القطاعي دون السعي إلى بتر غدته السرطانية من جسم الأمة. وهي السياسة التي ترهن كياننا لسياسات تنموية تتحدد بآفاق وحدود لسنا نملك التحكم بها. مما يعني أن الواقع اليوم يفرض مزيداً من التمسك بخيار النهضة التي هي أسمى من أن تكون ترجمة لاختبارات تنموية قطاعية، بل هي الروح التي يجب أن تؤطر كل حركة تنموية. فالإخفاقات التي تمس مسارات التنمية المجردة عن روح النهضة هي إخفاقات مكلفة كثيراً وأحياناً تدعو إلى اليأس والسقوط في تكرار التجارب الفاشلة والارتباط الجزافي بنماذج تبعية غير ناجعة. لكن أي إخفاق ممكن عندما يكون المسار التنموي مؤطراً بروح نهضوية عارمة، فإنه يصبح درساً للمستقبل وتجديداً لروح التحدي والعزم والثقة. ومثل هذه السياسة لا تستغني عن منظومة تربوية تصنع إنسان التنمية الذي هو ليس في نهاية المطاف سوى إنسان النهضة. فكان ولايزال النظام التربوي والسياسات التعليمية غير معنيان بربط وجدان المتلقي التربوي بمطلب النهضة التاريخي، والاكتفاء بزرع عقله ووجدانه بضرب من التعلق الخاطئ بالتعليم لا يتعدى كونه وسيلة وظيفية لتأمين مستقبل مهني، دون أي إحساس بالقيمة الإنسانية والتربوية والأخلاقية والحضارية والتنموية للتعليم. فالنظام التربوي هو في الحقيقة معبر أساس لرسالة النهضة التي هي الأساس في قيام تنمية حقيقية. إذا كانت التنمية في أوروبا هي بشكل ما وليدة نهضة تاريخية كبرى، وإذا كانت التنمية في أمريكا الشمالية هي ثمرة للثورة والنهضة الأمريكية الحديثة، وإذا كانت التنمية في اليابان هي نتيجة لنهضة اليابان الكبرى وكذا سائر الدولة المتقدمة، فكيف يراد للعالم العربي أن يحقق تنميته من دون حاجة إلى نهضة حقيقية وشاملة تكون هي الإطار الأيديولوجي والسياسي الباعث والضامن لمبادرة أمة بجميع شرائحها، وبكل قطاعاتها وإمكاناتها. فالعرب إذن يطلبون المستحيل حتى لو ظلوا يخفون خطورة الوضع وراء مظاهر التعاظم الاقتصادي الريعي الذي يفرغ رسالة النهضة من محتواها الحضاري كما يفرغ السياسة التنموية من جوهرها التقدمي، لتصبح أشبه بهياكل عظمية. إننا في العالم العربي وإن اختلفنا في مراتب هذا التعاظم الريعي فإن أحوالنا تظل متشابهة في شروط ابتعادها عن التنمية المستدامة: التنمية بوصفها إرادة سياسية صلبة وتحدياً كبيراً ونهضة أمة وليست محض إنشاء ورسوم على الورق.

تنامٍ نوعي وكمي للتحديات التربوية

يوماً بعد يوم نجد أنفسنا أمام تحدٍّ حقيقي تفرضه صيرورة الوقائع السريعة والعميقة التي تمس منظومة القيم التقليدية للمجتمعات. تحديات كمية ونوعية لم يعد يجدي معها الإجراءات والتدابير التقليدية نفسها التي نهجتها سياسات التسيير التي ظلت تتعاطى مع التحولات البسيطة والسطحية التي تفرضها الصيرورة البطيئة والمسطحة داخل المشهد التربوي والثقافي والاجتماعي. فالتحولات التي تشهدها المجتمعات عموماً ومجتمعاتنا على وجه خاص هي اليوم أعمق إلى حد باتت تتهدد البنيات العميقة وتضع منظومة القيم والتربية أمام زلزال جارف لا يؤمن بالأسس التي نهضت عليها منظومة القيم والتربية التقليدية بالجملة. وقد شكَّلت العولمة العنوان الأبرز للشروط الجديدة التي تسعى إلى مقايضة النظم التقليدية بنظم جديدة تستمد مضمونها القيمي والتربوي من أجندة المقاصد التي تتحكم بنظام السوق واستراتيجية التَّتْجير الشامل الذي يسعى إلى وصل البنية التحتية بالبنية الفوقية للمجتمعات. حالة اندكاك بين البنيتين يجعلهما مجرد استجابة لفلسفة التَّتْجير، بموجبه ينضبط الرأسمال الرمزي والرأسمال المادي كليهما بالشروط الجزافية للسوق ومنطق الاستهلاك. أي أننا أمام تحدٍّ جدي لأول مرة يسعى إلى جعل القيم التربوية تابعة لشروط الاقتصاد السياسي. وهذا الانقلاب هو جوهر أزمة المنظومة التربوية ومصير البنيات القيمية في ظل شروط العولمة وتحدياتها. فالمعادلة تصبح هي: حاجة السوق أولاً بدل: منظومة التربية أولاً!؟

أي تنمية تربوية تحت طائلة سياسة التخليف

للتنمية في العالم العربي وباقي منظومة دول العالم الثالث مداخل شتى وخيارات وسياسات وشروط بعدد أوضاعها التي تفرضها حالة التخلف -لكنها خيارات تتمتع بالتنوع غير الخلاّق، وينقصها الجدية والإبداع-. وهو التخلف الذي أصبح أعمق من أن ينظر إليه اليوم بوصفه كارثة بنيوية للأقطار المتخلفة فحسب، بقدر ما غدا اليوم آلية وظيفية لمنظومة القوى العظمى وسياسات المؤسسات الدولية الخاضعة لوصايات وتوجيهات وتحكمات المنظومة الكبرى. وقد بدا واضحاً أن التخلف لم يعد ظاهرة وجب التعامل معها بلغة وقائع (التخلف) بل هي اليوم ظاهرة يجب التعامل معها بلغة أجهزة (التخليف). الاشتقاق الذي يضعنا أمام سياسة التخليف المستدام مقابل مطلب التنمية المستدامة. للتخليف سياسته وأدواته وشروطه -واحدة منها التقطير التنموي برسم حقبة تاريخية ما وفي أفق شروط محددة- وفق نماذج تنموية وجيوستراتيجية وجيوسياسية في ضوئها فقط نستطيع فهم تراتبية التقطير التنموي الوظيفي الذي يسعى إلى حماية جدل المنظومات وتقاسمها لوظائفها بناء على سياسة حمائية تقليدية لا تسمح لأعضاء المنظومة الشمالية بالانزياح إلى شروط الأطراف كما لا تسمح لأعضاء المنظومة الطرفية بالانزياح تحت ظروف ونوبات وفرص إمكانات اللحاق بنادي المتفوقين وفك التبعية. ثمة إرادة صلبة واستراتيجيات تقليدية لا تسمح للكوكب بالتكافؤ في فرص النمو. فالاستمرار على علاقات غير متكافئة وغير متوازنة أمر مقصود. لم تعد تلك مجرد رغبة اليوم، بل هي استراتيجية قارة وترجمة حية لأيديولوجيا التفوق تقوم على عقيدة راسخة مفادها: أن كسر سقوف التنمية المستدامة الحرة أمام المنظومة الثالثية بعيداً عن تحكم ورقابة المتفوقين هو تهديد أمني لهذه الأخيرة. فقد غدا تقدمهم لا يتقوّم إلا بتخلفنا. وقد بات واضحاً في سياق التحدي والإصرار على مقاومة خيارات التخليف التي تأخذ إجراءات متعددة وتمر عبر قنوات مختلفة أن منظومة المتفوقين باتت تسلك سياسة التقطير: أي الرفع المؤقت للرقابة على مديات معينة في التنمية لا تمر بلا شروط مباشرة أو غير مباشرة، بالتأكيد تجعل التنمية في مجتمعاتنا تقطع مع حلم اللحاق بالكبار. فهي تنمية غير شاملة، وهي بالتأكيد تنمية غير مستدامة.

التربية على التنمية[8]

الشروط الجيوسياسية والجيوستراتيجية تحتم شكل التنمية المرجوة والممكنة -مقابل التنمية النمطية المفروضة- إذا كنا بالفعل نسعى إلى تنمية حقيقية وليس إلى استدعاء خطاطات تنموية ذات الصلة بالسياسات والاستراتيجيات ومجمل الاستهدافات التي تسعى إلى تكريس لون من التنمية المشروطة والمحدودة والمنمطة ترهن المجال العربي إلى سياسات التتبيع واستراتيجيا تتميم وتكريس تفوق تنمية المركز. إن التخلف العربي بواجهة تنموية تقطيرية ونمطية هو بلا شك حتمية لسياسة التقسيم غير العادل للنمو والثروة. فتخلف أمثل للأطراف ضرورة لنمو أمثل للمركز. وهذا طبيعي إذا لم ننسَ أن مجمل المؤسسات الدولية الراعية للتنمية الاقتصادية لها صلة بالدول الممولة والمانحة والمشرفة على نشأتها ومبادئها وسياساتها وأطر وظائفها. فالظاهر من التنمية في ظل سياسات الإملاء والمساعدات من قبل هذه المؤسسات الدولية كما تبرزه مختلف الشعارات والوعود التي تؤدي دور الإعلانات لاستقطاب القناعات بجدوى تلك الخطط، تهدف إلى تسكين المجالات المنكوبة بوعود وجدوى الانتظارات اللانهائية والرضا بالترقيعات التنموية الهشة في غياب سياسة قطاعية متوازنة تضمن سيرورة الإصلاحات ضمن نسق قطاعي متكافئ ومتكامل. ما يكرس الحاجة المستمرة لهذا المجال إلى التدخل والمساعدات والاملاءات الخارجية وبالتالي التحكمات في مقاسات التنمية وسقوف المعدلات المطلوب إنجازها التي اتضح أن الرقيب لا يحتاج لتذكيرنا بحتمية مراعاة هذه السقوف بعد أن اطمأن إلى أن مردوديتنا هوت إلى الحد الذي استدعى تدخلاً من الخارج. فالمركز لا يقبل بتجاوز السقف لكنه لا يقبل بأن نخرج من منطق الدورة الوظيفية، لأن النزول تحت خط التنمية لا يخدم الوظيفة التخليفية للمركز. وحيث إن الرقيب تمكن من القضاء على الوعي النهضوي في المجال العربي فإنه بات مطمئناً إلى أن أزماتنا لا تتجاوز العمل على ألَّا نسقط تحت خط التنمية بدل التطلع إلى اللحاق بركب الكبار، أي تجاوز سقف التنمية التقطيرية المحدد. وهذا ما يفرض على المجال العربي الخوض في معركة البحث عن صيغ مثلى لتنمية متحررة من أنماط التنمية التقليدية الاستتباعية، لصالح خيارات أكثر مرونةً وإبداعاً. وهو ما لا يتحقق إلا في أفق رؤية نهضوية تمنح الإرادة السياسية معنى ومضموناً وأفقاً أوسع من مجرد تنمية قطاعية مجزوءة أو تصعيد المعركة الدونكشوتية ضد الأزمات الدورية للاختلالات البنيوية الماكرواقتصادية والاكتفاء بتنفيذ قرارات صندوق النقد الدولي.

في هذا الأفق الذي يتعين أن تنطلق من خلاله سياساتنا التنموية، لا نكاد نرى من جدوى للتنمية من منظور سوسيولوجيا التربية وضمن مشروع مجتمع المعرفة خارج التدبير الأمثل للرأسمال المادي والرمزي للأمة في اتجاه بلورة خياراتها التنموية الموصولة بالعقدة النهضوية والحضارية لمجتمعاتنا. على أن نظامنا التربوي يجب أن يتأطر بمستوى من الوعي النهضوي ويتكيف مع استيعاب تام لأزماتنا، مما يجعل التعليم والتربية وسيلة لبناء إنسان التنمية في مجتمعاتنا. التنمية التي يجب أن نضع نحن مبادئها ومقاصدها وآفاقها ونناور قدر المستطاع لإنجاز أجندتها، وليست تنمية الخطاطات الجاهزة المتشابهة التي تجعل من تنميتنا جدلاً نظريًّا وشعارات تتساقط فوق الرؤوس ومسلسل من الاخفاقات والتبريرات.. تموت أجيال ولا زال قطار التنمية البخاري يزحف فوق سكة صدئة هي زمان الهدر السياسي والبوليميك السياسي -حتى لا نقول: لقد وقف حمار شيخ التنمية العربية في العقبة!-. فوجب على النظام التربوي أن يساهم في بناء وعي إنسان التنمية على أساس استيعاب الأزمة وشروط التحدي الراهن والقادم وليس إنسان التمثلات الممسرحة الهجينة لإنسان القمامة والسياسة التي تسعى لتشكيل ثقافة استهلاك تجعل الفرد في مجتمعاتنا يرى مستقبله الموهوم قابعاً خلف سلسلة الانتظارات التوهيمية في مرآة مجتمع الاستهلاك المتشظية للمجتمع الصناعي مما يجعله كائناً متطلعاً من دون وعي ومن دون شروط إلى خيالات تعود بالسلب على جدول الأعمال المطلوب إنجازها في مجتمع له تطلبات مختلفة؛ كونه مجالاً مستباحاً لكل عوامل التخليف، بوصفه مجالاً أسيراً للسياسات الاستتباعية وكونه لا يزال مجالاً يواجه معضلة التدخلات والاحتلالات وهشاشة النظم السياسية فضلاً عن مشاكله الاجتماعية الأخرى البنيوية والمزمنة.

مأزق حكامة تربوية نظرية

لعله من عجائب السياسة التنموية العربية انفتاحها المبكر على مفاهيم وتدابير عالية الجودة من الناحية النظرية. لكنها على مستوى التطبيق تظل تدابيرها تنتمي إلى القرون الوسطى. لم تدخل سياساتنا إلى عهد التدبير الرشيد والإدارة العقلانية بعد. لكن عالمنا العربي ووسائل إعلامنا المتذاكية لا تفتأ تتحدث عن الحكامة بوصفها التدبير المعطى والممكن لتدبير أزمات العالم العربي. لكن هذا صعّب المأمورية بعض الشيء. وبلا شك لا يكفي ذلك الشكل التقليدي في تدبير الموارد البشرية كما سارت عليه البلاد العربية قبل أن تكتشف عدم نجاعته وقبل أن تدرك أن ما آل إليه وضع التربية وعموم التنمية المستدامة من حصائل غير مرضية، يعود إلى عامل تأخر هذه البلاد عن الأخذ بشروط وقواعد الحكامة بمدلولها الحديث كما أقرته المنظومة الدولية في مواثيقها وخطاباتها كما اعتبرته مؤسساته المعنية بترشيد التنمية المستدامة في أقطار العالم الثالث طريقاً لقيام تنمية مستدامة. كما يعود إلى عامل عدم القدرة على تطبيق الحكامة مع التسليم والقبول بها طريقاً إلى تنمية مستدامة. ومع أنه تأكد بالملموس كما هو حال الأقطار المتقدمة أو نظريًّا كما لا يخفى على المراقبين والمعنيين، أهمية الحكامة بوصفها خياراً أمثل للنهوض بالقطاعات في كل الأدبيات والمواثيق الدولية والإقليمية والوطنية والجهوية. لكن المشكلة تتعقد متى دخلنا دورة التطبيق. وهناك أسباب لمعيقات تطبيق حكامة تربوية، بعضها ذاتي يخص القطاع وأخرى موضوعية تخص الشروط التنموية العامة. أما الأسباب الذاتية -وما أكثرها- فمنها أولاً أنه ليس في الإمكان نجاح حكامة تربوية في ظل سياسات قطاعية غير متوازنة وغير متكاملة ولا تخضع لحكامة حقيقية. بل إن الحكامة ستصبح في حكم المستحيل إذا ما راهنَّا على فاعل وطني تتآكل الأمية الأبجدية نصفه مجملاً وأحياناً أكثره نسبة إلى بعض الجهات، كما تتآكل الأمية التكنولوجيا معظمه. كما أن الحكامة تصبح مستحيلة في غياب شروط تربوية أخرى سواء مادية تتعلق بطبيعة ونسبة الإنفاق على التعليم أو ما يتعلق بتحسين وضعية الفاعلين التربويين -معلمين وأساتذة ومسيِّرين-. الأمر الذي يؤكد أن الحكامة نفسها لا تستغني عن ضرورة التنهيض. والأمر نفسه بالنسبة إلى الأسباب الموضوعية المعيقة لقيام حكامة تربوية. إننا ندرك أن التعليم هو في الحقيقة أب القطاعات. وإن كان ذلك لا يتعدى قناعاتنا الثاوية في الأذهان. حيث على الرغم من ذلك لا يمثل هذا القطاع سوى قطاع يتيم ومسكين ضمن القطاعات الأخرى لا يحظى بأهمية حقيقية وجادة. لذا فهو قطاع يتأثر بمجمل التدهورات التي تجتاح القطاعات الأخرى. فالحكامة التربوية لا تقوم في ظل غياب تنمية مستدامة تطال الصحة والزراعة والمواصلات والإعلام والثقافة والأمن والقضاء والبيئة... فالحكامة لا تقبل إلا بالترشيد الكلي أو لا تكون. وحينئذ يقال: كيف لا يتعذر أمر الحكامة متى ما تعلق الأمر بمجتمعات تفتقر إلى حد أدنى من الديموقراطية. ذلك لأن مقومات الحكامة الرئيسة بدءاً من حق المشاركة والمساءلة وانتهاء بالمحاسبة والشفافية، لا تتحقق إلا بتحقيق دولة الحق والقانون. فمشكلة الحكامة التربوية ستظل هي الأخرى مفتوحة على كافة مؤثرات وإكراهات وظروف مجتمع لا يزال يعيش خارج عهد سياسة المشاركة والشفافية. الحكامة التربوية تقتضي تحقق حكامة سياسية واقتصادية وخارجية وداخلية، أي حكامة تطال كل المجالات التي تقتضي إشراك فعاليات أخرى غير فاعل السلطة في المبادرات والتسيير، وهذا يتوقف على مدى النجاح الذي تحققه سياسة الجهة. يمكننا القول: إن الحكامة نفسها بهذا الرسوخ وهذا الشمول لا يمكن أن تقوم خارج شروط التنهيض. لأن الحكامة والتحكم وإن اشتركا في أصل الاشتقاق إلا أنهما مناقضين لبعضهما. ولا شك أن تأخر النظم العربية في مجال التربية على التنمية والتربية على القيم السياسية للمشاركة والمساءلة والمبادرة سوف يجعلها تدفع الثمن غالياً في المستقبل. فحينما تُفرض عليها هذه القيم بموجب التطور الجزافي لمنطق العولمة والسوق، فسوف تجد نفسها أمام شراكة مفروضة مع جيل لم يتربَّ كفاية على قيم المشاركة وعقلانيتها، مما يجعلنا نخسر مراحل جديدة قبل أن تتعلم تلك الأجيال كيف تمارس الحكامة بقيم الحكامة. وهذا في تقديري حال الكثير من الدول التي وجدت نفسها تدفع ضريبة الانفراجات ومنح هامش للحريات في المجال السياسي والإعلامي مما نتج عنه ممارسات لا مسؤولة وحرجة تنتمي إلى عهد الانتقام وتصفية الحسابات والتسلط وحرف الحقائق بدل أن تكون أدوات للتجاوز وتحقيق مرادات التنمية. فالأمر راجع إلى غياب التنهيض الذي يمنح كل مشروع تنموي قيمته الشمولية والإبداعية والجمالية.

التنهيض التربوي.. أي معنى؟

لقد بدا واضحاً إذن مقصودنا من التنهيض التربوي. وهذا ليس أمراً يخص قطاع التربية فحسب بل هو عام يشمل كل قطاع تعلق به واجب التنمية. غير أن التنهيض هنا له معنى خاص كما له موجبات وشروط ووسائل بها يتحقق. ليس معنى التنهيض هنا مشتق عن فعل النهوض بالقطاع كما بات يتردد في كل أدبيات التنمية دون أن يرقى هذا الفعل إلى تجسيد المضمون النهضوي بكل حمولته الأيديولوجية وإمكاناته السياسية والأخلاقية التي تمس الوعي الجمعي للأمة. فهذا المعنى من النهوض له مدلول تنموي آلي يخص أهل القطاع، والأخص منهم المعنيون بترجمة مشاريع الإصلاح. مشاريع تتم وفق منظور مهني -بالمعنى العام-. لكن ما نريده من التنهيض هو ربط مشاريع الإصلاح التربوي بالخيط الناظم لخطاب النهضة والوعي النهضوي الذي يتعاطى شأن الإصلاح من منظور النهضة الشاملة للأمة، وإعادة وصل مشاريع الإصلاح بالوعي النهضوي نفسه الذي لم ينجز بعد، كما تجلى في الخطاب الطموح لرواد الإصلاح والنهضة، إصلاح شامل وليس إصلاحاً مجزوءاً.. إصلاح كيان لا إصلاح قطاع.. إصلاح واعٍ وقاصد وليس إصلاحاً جزافيًّا وموسميًّا.. إصلاح نهضوي وليس إصلاحاً محض مهني.. إصلاح يكون فيه التكنوقراط خادماً لمخطط نهضوي أسمى وليس إصلاحاً تكون أهدافه تكنوقراطية بحتة.. إصلاح يتسامى على حسابات الظرفية السياسية وعلى البوليميك السياسي للفاعلين السياسيين خاصة الأحزاب السياسية. هذه الأخيرة التي لن يجديها ضوضاؤها وحظورها ذو الطابع الديماغوجي والانتخابوي إن هي لم تخضع نفسها لمراجعات حقيقية -وليس استعراضية- في برامجها وأهدافها وأنظمتها الداخلية على أساس مشروع التنهيض. ذلك لأن الدور التاريخي للأحزاب السياسية في مجالنا العربي هو أن يكون تنهيضيًّا أو لا يكون. هذا في حين أن كل ما يبدو حتى الآن، لا علاقة له بموجبات نهضة أمة منتظرة. على أن أحزابنا السياسية الكبرى إنما تأسست في العالم العربي على أسس نهضوية تستمد شرعيتها من خلفية السؤال النهضوي التاريخي للأمة كما لا يخفى.

في معنى التنهيض التربوي

أقصد باصطلاح التنهيض التربوي السعي الجاد لتأطير مبادراتنا ومشاريعنا وخططنا التربوية وكل ما له علاقة بإصلاح قطاع التربية والتكوين، على صعيد البنيات والتجهيزات والمناهج والسياسات والأنماط البيداغوجية والديداكتيكية، بفلسفة النهضة وروحها. فالإخفاقات والهشاشات التي تواجه مشاريع الإصلاح التربوي وتعيق أوراشه ليست إلا مؤشراً على أنه لا يوجد إصلاح حقيقي يتم خارج روح وفلسفة النهضة: نهضة أمة مدعومة بضمانات يكفلها القرار والإرادة السياسيان، ويؤمنه حد أدنى من التحولات السوسيوثقافية، لاستنبات وعي بالنهضة يصل بالأمة إلى صلب القناعة بالمسألة على أساس: إما نكون أو لا نكون!

ولا يخفى على مطَّلع أن مطلب الإصلاح التربوي ظل حاضراً في كل أدبيات النهضة العربية، لم يغفل عنه أحد من روادها، بما يظهر الحسرة والإصرار على استنهاض الأمة على أساس تنهيض التربية وكذا تربية الناشئة على قيم الترقي والنهضة. ولسنا هنا في وارد الحديث المفصَّل عن الإصلاح التربوي في خطاب رواد النهضة، عند رفاعة الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وخير الدين التونسي، كما رأينا ذلك عند رواد الإصلاح المغاربيين مثل الحجوي الثعالبي والمختار السوسي وعلال الفاسي والبشير الإبراهيمي وابن باديس والفقيه المنوني وغيرهم ممن سنفرد له مقالة خاصة قريباً إن شاء الله..

وهذا يكفي لتكوين صورة عن خطورة موقعية الإصلاح التربوي وصلته المتينة بمشروع النهضة العربية في شموليتها وجديتها ورهاناتها.

1- موجبات التنهيض التربوي

إذا أردنا في عجالة أن نشير إلى ما يتقوَّم به فعل التنهيض التربوي، فإنه لا يسعنا إلا القول: إنه ليس فقط لا نهضة من دون إصلاح تربوي، بل إن إصلاح منظومة التربية لا يقوم هو الآخر إلا بفعل التنهيض. تستند هذه الرؤية إلى ثلاث حقائق: تاريخية وراهنية واستشرافية. فمن الناحية التاريخية اتضح أن نجاح الأمم الناهضة ما كان ليتحقق إلا بثورة مست بنيات المنظومة التربوية، كما أن مكتسباتنا من التحديث اليوم في المجال العربي على الرغم من محدوديته تحقق بفعل التحسينات التي شهدها القطاع في محاولات النهضة العربية ومشاريع الإصلاح على هشاشتها وضعفها. وأما راهنيًّا فقد أدركنا أننا متى عالجنا مشكلة القطاع بمنطق السياسات القطاعية المجزوءة أو بسياسات لا تستدعي بنيات الوعي النهضوي بوصفها باعثاً وضامناً لتحققها، نجد أنفسنا أمام تراجعات وإخفاقات كبيرة. الفشل الكبير في عملية الإصلاح والثقوب التي تلازم مشاريع التغيير القطاعية اليوم تؤكد أن لا مخرج إلا بإعادة طرح الإصلاح التربوي في سياقه النهضوي ومستلزماته التاريخية، حيث واحدة من أهم مشكلات الإصلاح التربوي راجعة إلى سياسة التفكيك بين التربية والنهضة. إن غياب استراتيجية التنهيض في عملية الإصلاح، والإصرار على التعاطي مع الإصلاح التربوي بصورة ترقيعية وآلية مفصولة عن روح النهضة وثقافتها هو المسؤول عن كل مظاهر التردي والإخفاق التنموي عموماً والتربوي خصوصاً. أما من الناحية الاستشرافية، فإن الأمر هاهنا يتعلق بالواجب إنجازه أمام انسدادات مشاريع الإصلاح الآلية والمفصولة عن مضمونها النهضوي. الواجب النظري يفرض أن لا مستقبل للتربية في مجالنا العربي إلا بتحقيق ثورة تربوية حقيقية توقف نزيف الخلل الذي ما استطعنا القضاء عليه منذ الاستقلال حتى اليوم. وإن ثورة حقيقية في قطاع التربية ستكون مستحيلة إلا أن تتأطر بمنظور نهضوي وسياسة تنهيضية.

كما أنه لا بد من القول بأن إصلاح المنظومة التربوية يتطلب نهوضاً بكافة القطاعات كما سبق ذكره. ومثل هذا النهوض الشمولي والمتكامل لا يتم إلا في إطار خطة تنهيضية. وكذلك أدلة ذلك تكمن في ثلاثية: التكاملية والتداخلية والتعادلية. فمن حيث التكاملية سبق وتحدثنا عن حتمية تأثير القطاعات بعضها في بعض، ما يفرض قاعدة: أن لا إصلاح يتم في قطاع دون النهوض الموازي بباقي القطاعات الأخرى. وفي تقديري إن أي خلل تفصيلي يصيب هذا القطاع من شأنه أن يترك أثراً سلبيًّا في ذاك القطاع. فالآفة التي تصيب شجرة زيتون أو حقول القمح من شأنها أن تؤثر في التربية والعكس يصح. والنهوض التكاملي بالقطاعات يقتضي خطة ترصد العلاقات الممكنة بين القطاعات، وهو جهد يتطلب إرادات وسياسات لا يمكن أن تتوافر إلا في إطار موقف نهضوي تاريخي. أما من حيث التداخلية، فإننا متى سلّمنا بتداخل القطاعات وجب الوقوف عند الخيط الناظم وامتلاك الرؤية الجامعة، وهذا لا يتحقق إلا بقيام سياسة تنهيضية تُؤمِّن شروط تواصل حيوي بين النظم والقطاعات المختلفة. كما أن جانب التعادلية يحفظ التوازن بين السياسات القطاعية وملاحظة كل قطاع في إصلاح كل قطاع. وهنا يجب تنهيض الإصلاح التربوي بوصفه قطاعاً ضمن قطاعات حيوية بل بوصفه أبو القطاعات جميعاً. فمع غياب التوازن تختل بنية الاجتماع والدولة.

وجب ثالثاً أن نتحدث عن أن منظومة التربية في حد ذاتها تتميز بحساسية موقعيتها ضمن كافة القطاعات الأخرى. وهذا يجعلها أكثر القطاعات في حاجة إلى تنهيض حقيقي. ومستند ذلك ثلاثية: الموقعية والمثالية والطليعية. فمن جهة الأولى، يكفي أن يكون القطاع التربوي أب القطاعات من حيث لا غنى لأحدها عنه، ليكون موضوعاً للتنهيض والعناية الفائقة. فكوادر وفعاليات كافة القطاعات هم خريجوا القطاع التربوي وثمرته. بل إن المهام التربوية والتأهيلية ترافق الفاعلين في كل القطاعات. فكل قطاع هو مدين بصورة مباشرة وغير مباشرة لقطاع التعليم. وهذه الموقعية تفرض أن يكون قطاع التربية قطاعاً تنهيضيًّا بامتياز. أما من جهة المثالية فالقصد أن قطاع التربية هو قطاع بناء الكفاءات وإنماء المعرفة وتكريس المبادئ والمثل العليا ومنظومة القيم مما يجعله قطاعاً مؤهلاً للتنهيض الدائم والمستمر. كما أنه من جهة الطليعية، إذا كان التنهيض الضروري لكافة القطاعات يتوقف بصورة استعجالية على تنهيض قطاع التربية، فذلك أمر يجعل التنهيض التربوي في كل الأحوال بمثابة مقدمة الواجب.

2- شروط التنهيض التربوي

يتوقف فعل التنهيض التربوي على تحقق جملة من الشروط الضرورية. فلا تنهيض من دون توافر الإرادة السياسية وبالتالي القرار السياسي. ومع أننا ندرك أن المهمة شمولية والأزمة بنيوية إلا أننا ندرك أيضاً أن العامل السياسي يحتل مركز التأثير في شؤون الأمة. وهذا الشرط هو بمثابة المحرض والضامن لعملية التنهيض. كما أن شرطاً لا يقل أهمية، يتعلق بالمناخ السوسيوثقافي بوصفه مشجِّعاً أو محبِّطاً وبوصفه قابلاً أو غير قابل. فالتنهيض يتطلب استهدافاً للبنى السوسيوثقافية بمزيد من الباعثية والإيجابية. أما الشرط الثالث فهو يتعلق بالإمكانات الأيديولوجية والمادية. بهما يتحقق الشرط المساعد. فالتنهيض يستهدف بنية الوعي عبر تكثيف أيديولوجي يبعث على الأمل والفعل والإيجابية كما يستهدف البنية التحتية بوصفها مساعداً على استيعاب فعل التنهيض، وهو ما يقتضي اجتهاداً في الرفع من ميزانية الإنفاق على قطاع التربية وترجمة محتوى المواثيق الخاصة بالتربية والتكوين ذات الصلة بتحسين الشروط المادية للإصلاح التربوي. إننا بهذا المعنى نريد استحداث مادة التربية على التنمية والنهضة في المقررات الدراسية ورفع معاملها بالتساوي في كل الشعب والتخصصات.

3- وسائل التنهيض التربوي

ثمة وسائل عديدة لتنهيض قطاع التربية لا يسعنا هنا إلا ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر. فالأمر يتعلق بإقرار سياسة تحسيسية شاملة وواسعة ومتكاملة للتنهيض. إذ المطلوب صناعة إنسان التنمية والنهضة بالدرجة الأساس. وهنا يتعلق الأمر بتقاسم مهمة التحسيس الكبرى بين الدولة والمجتمع المدني. والعمل على تأهيل وإعادة تأهيل الفاعلين المفترضين في عملية التحسيس، بإقحام همّ ومسؤولية التربية في كل النشاطات والمرافق والتخصصات. الثقافة والصحة والمواصلات والبيئة والإعلام، ضمن سياسة التربية الدائمة والشاملة وفعل التنهيض الدائم والشامل. كما تتقوم إحدى وسائل التنهيض بإقرار سياسات مرنة وبذل الجهد الكافي لتطبيق حد أدنى من الحكامة في نطاق التطبيق لا التنظير؛ أي حد أدنى من الشفافية والمشاركة والتدبير الجماعي للقطاع بأقصى تفعيل لمجلس أعلى للتربية والتكوين[9] أو مجلس حكماء يشرف على القطاع، بوصفه قوة استشارية واقتراحية تضم ممثلين عن كافة الشرائح والمعنيين بقطاع التربية من شتى المتخصصين التربويين والقطاعات ومن مجلس النواب وجمعيات المجتمع المدني ذات الصلة مما يخرجه من حالة الجزافية والتفرد في القرارات وحالة التجريب إلى حالة المشاركة الإجماعية والتوافقية والمحاسبة والمراقبة.

من حقنا أن نحلم بما هو أتم وأجمل من الصورة الراهنة لمنظومة تربوية عربية تنزل رتبة أقل مما تصوره نهضويوها حتى تخوم القرن التاسع عشر. ومن حقنا أن نذكّر بأن نظامنا التربوي اليوم هو أسوأ حتى من الأمس حينما أصبح يخرِّج عاطلين عن العمل أو حينما أصبح غير قادر على محو الأمية إلا في مراحل متقدمة من التعليم. الحلم والانتظارات ستظل قدر منظوماتنا التربوية العربية. لكن لا بد من القول: إنه متى تأخر قطار الإصلاحات واستفحل الخلل وأصبح تدارك الأعطاب شبه مستحيل، كان لا بد من موقف نهضوي. هذا بالفعل ما قصدناه من عبارة التنهيض التربوي ضرورة.

وختاماً..

سوف يجد القارئ الكريم في ملفنا التخصصي هذا، باقة من المداخلات والمساهمات القيِّمة لعدد من خيرة الباحثين التربويين المتخصصين في قطاع التربية والتوجيه وسوسيولوجيا التربية.

ولا أنسى أن أشكر باسمي واسم «الكلمة» كل الزملاء الذين ساهموا في إغناء هذا الملف التربوي، وأخص بالذكر المفكر التربوي الدكتور مصطفى محسن لتعاونه مقترحاً ومُعدًّا، في انتظار ملفات أخرى سنعمل على إعدادها وتنسيقها وعرضها تباعاً في منبرنا الإصلاحي هذا إن شاء الله.

 

 



[1] انظر: تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 (نحو إقامة مجتمع المعرفة) ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - والصندوق

العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، ص 52 ، ط 2003.

 

[2] يبدو ذلك واضحاً حسب التقرير المذكور، حيث اعتبر المغرب عقد (2000 - 2009) عقد التعليم والتدريب في المغرب. تجلى

 ذلك في مؤشر ما أوجبته الحكومة في التالي:

- وجب في سبتمبر 2002 أن يلتحق كل طفل من ذوي العمر ست سنوات فأكثر بأقرب مدرسة.

- وجب في سبتمبر 2004 تعميم التسجيل في السنة الأولى لمدارس الحضانة.

- 2005 يصل 80% من كل المسجلين في مدارس الحضانة نهاية التعليم الابتدائي.

في المحصلة:

ارتفاع معدل تسجيل الأطفال في عمر السادسة من 37% في العام الدراسي 1997/ 1998 إلى 90% في العام الدراسي 2001/ 2002 كما ازداد معدل تسجيل الأطفال في فئة العمر 6 - 11 سنة من 69% إلى 90% خلال الفترة نفسها.

ن. م، ص 53.

[3] الاستثناء الفلسطيني هنا له أسباب ذاتية وموضوعية. إن معاناة هذا الشعب وكثافة التحسيس الذي نهضت به أيديولوجيا الكفاح

الفلسطيني في غياب دولة مركزية مرتبطة بإكراهات سياسات التتبيع وظروف الشتات وانسداد الآفاق أمام الفلسطينيين الذين وجدوا في التعليم الوسيلة الوحيدة للتعويض عن كل أشكال الحرمان، وقوة ودينامية العمل التطوعي للمجتمع الأهلي الفلسطيني من شأنه أن يدفع به لتحقيق نسبة تمدرس أعلى بالمقارنة مع غيره. المثال الفلسطيني  يحرج المعدلات الحرجة لنسبة محو الأمية في باقي الأقطار العربية الأخرى.

 

[4] انظر: د. الشريف محمد بن فيصل الهاشمي، مجلة الباحث، السنة الثانية عشر، العدد الثالث (59)، 1993.

 

[5] علي الطالقاني، موقع نور 27/ 02/ 2008.

 

[6] م. ن.

 

[7] موقع جريدة الوطن ، الاثنين 10 ربيع أول 1429 هـ - 17 مارس 2008.

 

[8] لاحظ مفارقات التعين اللغوي. فالتربية على التنمية في الأصل هي تحصيل حاصل، إذا ما التفتنا إلى ترادف العبارتين. فالتنمية والتربية -إذا سلمنا بوجود الترادف- لهما معنى واحد لغة. وإذا راعينا هذا الترادف في أصل المواضعة اللغوية قلنا: إن ثمة روابط بنيوية بين التربية والتنمية حتى بعد نأي كل منهما عن أصل الاشتراك المعنوي بمقتضى التعيين اللغوي ومآلهما إلى الامتياز المعنوي بموجب التعين اللغوي.

 

[9] هذا حصل في المغرب على سبيل المثال، حيث المجلس الأعلى للتعليم  يتمتع بشرعية دستورية ويترأسه العاهل المغربي حسب الفصل 32 من دستور المملكة. وهو مجلس ذو طابع استشاري. وقد تمت إعادة تنظيمه سنة 2006 وفق ظهير 105152/ 11 محرم 1427 - 10 فبراير 2006. أهمية هذه المؤسسة بوصفها قوة استشارية واقتراحية تتجلى في مواكبة الإصلاحات المقرر إنجازها لصالح القطاع. وهو أمر مع إقراره يتطلب تفعيلاً مستمراً ونشاطاً متواصلاً، تعزيزاً وتسديداً لمسيرة الإصلاحات.