شعار الموقع

التعـددية بين المجتمع المدني والكنيسة

د. ك. ماك إينيرني 2009-03-17
عدد القراءات « 775 »

[1]

 

 

ترجمة وتقديم: إدريس هاني

* تقديم

اختياري لهذا النص له أسباب تكاد تكون عفوية تماماً. فالمجال العربي وغير العربي لا زال يحمل تصوراً للتعددية يحتل أزمنة وأمكنة ما قبل الدولة الديموقراطية الحديثة، ويمتح من تجارب الدول الشمولية التي بلغت منتهى الشطط في إخضاع قسري للتنوع لسلطة الرأي الواحد والتفكير الواحد. 

تكمن أهمية هذا النص من وجهة نظري في بساطة وعمق الرؤية للتعددية. لقد سلك الدكتور ك. ماك إينيرني أسهل التعابير وأبسط المعايير لإمكان تصور مجتمع تعددي، تتحول فيه التعددية الخيّرة إلى قوة ناهضة بالمجتمع على خلاف ما يتراءى للمجتمعات الشمولية. هذا القدر من البساطة ضروري لأسباب حجاجية وتربوية. وهذا يجعلنا مدركين لأهمية الاقتصاد في الاستدلال وطرائق الوصول إلى المعرفة بناء على القاعدة الأثيرة من جملة قواعد ما يعرف بحلقة أكان: ما يدرك بالحد الأدنى لا ينفع أن يدرك بالحد الأقصى.. الاقتصاد في التعريف والاقتصاد في البرهنة واختصار مقدمات الوصول إلى الفكرة يبدو جليًّا في هذا النص الذي بلغ بمطلب التعددية مستوى السهل الممتنع والسهل الممتع أيضاً. لولا أن بعضاً من الالتباس ظل جاثماً طاغياً على وجهة النظر هذه. ولكن الأجمل من كل ذلك أن الوقوف في وجه نوايا التعددين لم يمنع من الاعتراف بحد أدنى من التعددية الخيرة التي بدت في رأي الكاتب أمراً طبيعيًّا.

ونحن اليوم في حاجة إلى عرض وتهذيب الفكر التعددي لأنه قدر المجتمع المفتوح. حيث إن لم يفتح بسلاسة فمن المحتوم أن يفتح بشروط أقسى وأضر بسياساته. فمجالاتنا بقدر ما تفننت في نزعاتها الشمولية، ابتعدت كثيراً عن تصور المجتمع التعددي. ولذا كان أيسر وأنفع لها أن تنفتح على مثل هذه النصوص التي تُقدِّم تصوراً عميقاً عن التعددية بخطاب مُيَّسر وهادف كما رأينا مع نص ماك إينيرني، الذي اختار الموقف التعادلي وإن بالغ في التشكيك في دعاة التعددية.

وأما السبب الثاني فلأنني توصلت إلى الجزء الذي يهمني من وجهة النظر هذه قبل حتى اطلاعي على هذا النص. وهذا معناه أنها تنطلق من تجربة محكومة بالتأمل والحدس والذوق أكثر مما هي قواعد مسطورة للتفكير المسبق. فكل متأمل في نفسه وفي المجتمع يستطيع أن يصل إلى مثل هذا النوع من الفهم الذي يحتل المساحات المشتركة للعقل والأخلاق البشرية مهما تنوعت تجاربها وافترقت رهاناتها.

إلا أنه وقبل أن نستعرض النص المذكور أحب أن أصدر له ببعض التأمل وذلك في نطاق ما تتطلبه مجتمعاتنا، في سبيل إثراء النقاش حول أهمية التعددية.

* * *

الوحدة جميلة.. لعلها أجمل ما يعيشه المجتمع المغلق على أوهام تصرفه عن فهم واقعه وحدس متوقعه. فكلما تبسَّط المجتمع وبدا خارج كثافة التعقيدات التي يوجبها التقدم وجملة شروطه الحتمية، استولى عليه هذا الحلم. وهو مع ذلك حلم لا يختلف عن أحلام طفولتنا الساذجة، التي نسخر منها حتى القهقهة متى بلغنا سن الرشد. وقد بتنا اليوم نكاد نشمئز من الخطاب الشمولي المبني على الإكراه لا الإقناع، إلى حد بدت فيه الطوبا الوحدوية المفرطة أدباً ثقيلاً على القلب فضلاً عن مظاهر السذاجة والتبسيط الذي يحمله كتّابها عن المجتمع خارج ما يفرضه منطق التطور من عمق وسعة في النظر. ونزداد قناعة ببؤس هذا المنظور الوحدوي المفرط للمجتمعات حينما نرى أن هذا الشكل من الوحدة لم يتحقق في مجتمعات الأنبياء والكُمَّل أنفسهم، وهم الذين تركوا بصماتهم الكبرى على تفكير النوع وعقائده. إن كائنات المجتمع التعددي هم كائنات ناضجة متحضرة تحتفظ بتصور ناضج عن الوحدة المجتمعية. فيما كائنات المجتمع الوحدوي المغشوش هم كائنات شقية محبطة جامدة متخلفة. إننا لا نتحدث عن مجتمع وحدوي هنا بالمعنى الحقيقي. فليس ثمة إلا مجتمعات متنوعة بعضها أحسن تدبير الاختلاف والبعض الآخر استسلم لغريزة الشمولية. كلنا متعددون. بعضنا يمارس تعدديته بالمكشوف والآخر يمارسها بتعويضات مرضية هي ما يبدو من مظاهر المجتمعات الشمولية. إنه نوع من الحصر الجماعي أو لنقل نوع من الخصاء الجماعي. فالتعددية إما أن تعبّر عن نفسها بعقلانية واعية وجمالية التنوع نفسه وإما ستظل تعبّر عن نفسها عبر مخاضات لا واعية وبقبح واقع الحصر والتخمة الآحادية. لا وجود إذن لمجتمع متوحد إلا قسراً. ولكن القسر مهما بلغ مداه هو أعجز عن أن يبيد الخلاف. وإذن كلنا لا زلنا أوفياء للمجتمع الوحدوي الحالم. بعضنا يسلك إليه بتوسيع المشتركات والبحث عنها. وبعضنا يردم المشتركات ويفرط في البحث عن الخلاف. التعدديون بهذا المعنى يصلون إلى مجتمع الوحدة الحقيقية أسرع من الشموليين الذين قد لا يصلون مطلقاً. التعدديون ليسوا ضد الوحدة المجتمعية بل هم ضمانتها الحقيقية. إن مستقبل مجتمعاتنا مهدد ليس من قبل التعدديين، بل هو مهدد من قبل من لم يكد يقبل بالخلاف ولم يستطع الخروج من شرنقة التصورات الشمولية البالية والمتجاوزة. التعدديون لا يريدون خرق وحدة المجتمع بل يريدون تأمين حد أدنى من الاختلاف الواعي المعبر عن نفسه في شتى التمظهرات والتعبيرات الجماعية. إنهم يريدون من المجتمع أن يكون أشبه بحديقة تنوعت ألوانها وأزهارها ولها راعٍ حميم تكمن مهارته كما يكمن شرفه في منح هذه الألوان من حسن التدبير ما تستحقه. إن راعي الحديقة لن يكون حكيماً وصاحب ذوق جمالي إذا هو أعلن انحيازه إلى لون واحد ونوع خاص من الأزهار التي بها جميعاً تتحقق جمالية المكان. هذا لا يمنع راعي الحديقة بما هو بشر عاقل أن يميل بقلبه وعقله لنوع دون نوع وإلى لون دون لون، ولكنه لا يميل كل الميل ويمحو ما عداها من أزهار وألوان متنوعة. راعي الحديقة يجب أن يكون عمليًّا منتمياً إلى هذا المجموع المتنوع يدبره بعناية ويخفي، بحكم وظيفته، كل ميل من شأنه أن يؤثر في جمالية المشهد. المجتمعات المتوحدة بالمعنى الساذج هي مجتمعات مملة تجلب السكونية والملل والعطالة للمجتمع. المجتمع الذي يفتقر لعبقرية المختلف، هو مجتمع عاجز عن الإبداع. المجتمعات المتعددة هي أكثر بأساً في الدفاع عن المشترك الجماعي والأكثر تقديراً للمواطنة. إذا تعمقنا كثيراً في هذا المعنى ندرك أن التعددية لم تكن أمراً شاذًّا نختلقه بل كانت دائماً أمراً طبيعيًّا نمنعه. الخائفون من التعددية -التي على كل حال تمارس في اللاوعي الجمعي- اللاجئون إلى الأساليب المتوحشة الاستئصالية في قمع التنوع، هم من يحرمنا من تطوير وسائل تدبيرنا للاختلاف والتنوع ويعرض مجتمعاتنا إلى أشكال من التصدع.

ماك إينيرني وقع هنا في التباس كبير حينما خلط بين أشكال من التنوع. سواء تلك التي توجد طبيعيًّا في المجتمع المدني أو ذلك القدر من التنوع حتى داخل مجتمع الكنيسة. إن المشكلة الكبرى التي لا تزال تعيق الفكر الأوروبي متى تحدث عن تجارب كنيسته أنه لا يرى ما حوله ولا يلتفت إلى تجارب الآخرين. فهو مع قبوله للتعددية في نطاق المجتمع الخاص لكنه يكفر بالتعددية على المستوى العالمي. وهو ما يفسر الغبن الذي تعيشه الثقافات التي في أفضل حالاتها لا يمكن التعاطي معها من ناحية المركز إلا كفولكلور وفرجة للتنفيس على قمع الحداثة وشراسة عقلها الأداتي. إن المجتمع حينما يتعدد، بل طبيعي أن يتعدد، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينقسم ثقافيًّا. إن وحدة المجتمع تتجلى في وحدة ثقافته. فالذين يبحثون عن الوحدة في عقائد الناس وآرائهم واختياراتهم التي تمليها عليهم قناعاتهم ومبادراتهم وتضمنها جملة الحقوق المدنية والإنسانية، هم في الحقيقة يبحثون عن مضادات تقدم المجتمع كما يبذلون الوسع عبثاً فيما لا مندوحة منه. إن الوحدة في المجتمع الغربي ليس فيما يبدو من اختلاف بين البروتستانتي والكاثوليكي من أفكار وطقوس.. الوحدة تكمن في طريقة العيش وطريقة التعاطي مع المحيط والتعبير عن الوجود الجماعي. فالكاثوليكي الأوروبي هو أقرب ثقافة إلى البروتستانتي الأوروبي منه إلى الكاثوليكي في أي مكان آخر. فما سمَّاه كاتبنا بالثقافات الثانوية الخاضعة للثقافة الواحدة، هو تعبير صحيح لكنه ملتبس، لأن الثقافة لا تقاس بالأوساق والكيلوغرامات. فأن يضع الإنجليزي الملعقة على وجهها ويضعها الفرنسي على ظهرها فوق المائدة، ليس حكاية عن فارق كبير. بل نكاد نجزم أن ثقافة الأمم اليوم أصبحت متقاربة أكثر على تنوعها الكبير.

* * *

لقد أصبحتُ على قناعة تامة بأهمية التعددية في حياتنا السياسية والثقافية. فبينما كنا ولا زلنا ندعو بعضنا إلى الوحدة ونضرب لهذا الكلام موعداً سنويًّا ونقيم مواسم للوحدة بين الفرقاء، نسينا أننا نستهلك عقولنا في دعوة ليس فقط أنها مخملية بامتياز، بل لا جدوى منها ولا مستقبل. أعتقد أنه وجب على دعاة الوحدة والتقريب بين المذاهب أن يدركوا أن أفضل طريق للوحدة الحقيقية هي الدعوة إلى التعددية وبناء نسق فلسفي متكامل حول الشكل الذي يجب أن تكون عليه طبيعة التعددية في مجالنا العربي والإسلامي. إننا بذلك نُمكِّن أنفسنا من ثقافة الاختلاف داخل كيان ومصير مشترك يجعل الوحدة ممكنة وسريعة التحقق وليس مستحيلة وعسيرة الهضم كما فعلنا ولا زلنا نفعل. الشيعة والسنة لن يتوحدوا، لكنهم من الممكن بل من الواجب أن يتعايشوا. ولا طريق لتحقيق هذا التعايش إلا بتكريس ثقافة التعددية وتحصينها بمساطير قانونية ومواثيق أخلاقية. التعددية ليست بديلاً عن الوحدة، فتلك مقابلة مغشوشة حتى وإن ذهب إليها صاحب النص المترجم، بل خلافاً لذلك أعتقد أن التعددية هي معانقة للحقيقة. هي تكريس واقعي لما هو واقعي من أجل التقدم به واقعيًّا إلى وحدة واقعية.

ملا صدرا تحدَّث في نطاق جدل الوحدة والكثرة بما هو مهم يصلح رافداً ومخرجاً فلسفيًّا لهذا النزاع: الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة. وتلك في نظر هذا الأخير المخرج الوحيد لتعقل العلاقة بين وحدة الوجود وكثرة العالم.

* النص المترجم

تبدو النخب المثقفة عموماً على قناعة بأهمية التعددية. ولذلك تراهم يُكثرون الحديث حولها ويُظهرون فكرتها بحماسة زائدة. وحسب الخبراء، فإن مجتمعنا تحديداً هو في حاجة إلى التعددية -وأخاها التوأم: التنوع- لاكتساب الصحة والثروة والحكمة. في حين أن آخرين يذهبون إلى حد إعلان الأمر نفسه فيما يتعلق بالكنيسة. ويطمئنوننا بأن كمية مهمة من التعددية هو تماماً ما تحتاج إليه الكنيسة للشفاء من كل أمراضها.

وبناء على الأهمية التي نمنحها للتعددية في راهننا، أصبح الوقت مناسباً لمعالجتها بعناية. فلنبدأ إذن بمحاولة تحديد ما يوجد في أذهان الناس متى تحدثوا عن التعددية وعرضها.

إننا نواجه مشكلات حقيقية، مشكلات تتعلق بالوضوح، أو بتعبير أدق تتعلق بغياب الوضوح.

إن ما يبعث على الحيرة هو أننا نلاحظ أن خصوم التعددية يخضعون في حماستهم وتفكيرهم لتوجيهات أفكار ملتبسة وضبابية تتعلق بموضوع ولائهم.

إنني لم أظفر من أنصار التعددية بأي تعريف دقيق لما يعرضونه، وأشك في أننا قادرون على الظفر بمثل هذا التعريف في ترسانتهم الثقافية. من جهة أخرى الأمر ليس مألوفاً. فكثيراً ما يحدث أن أنصار مذهب ما تحركهم أفكار سديمية المعنى على وجه الخصوص. بالإضافة إلى ذلك، يبدو كلما كبر الحماس، تكون الأفكار المحيطة بهذا المذهب غامضة.

يكون إذن من المفيد توضيح أفكارنا المتعلقة بمفهوم التعددية هذا. فماذا تعني التعددية؟

إن التعددية، أساساً وبلحاظ وجهة نظر التمييز الفلسفي الكلاسيكي بين الواحد والكثير، هي ببساطة الكثير المقابل للواحد. بعبارة أخرى، التعددية هي نقيض الوحدة.

إذا ما طبقنا هذا التأويل الفلسفي الأساسي على المجتمع الإنساني -وهذا النوع من التطبيق هو تحديداً ما يهم أنصار التعددية خاصة- نكون مضطرين بعدئذ إلى التمييز بين التعددية الخيّرة والتعددية الخطيرة.

إن التعددية الخيرة مهما اختلفت عن الوحدة فهي لا تُشكِّل نقيضها. يمكننا أن نطلق عليها اسم التعددية الطبيعية. فهي نفسها التعددية التي نجدها في التنوعات والاختلافات التي نتوقعها في المجتمع الإنساني. التي تجد منبعها في الوحدة الخاصة بكل فرد شخص.

التعددية الخيرة بما أنها طبيعية، فهي أمر جيد.. يمكننا التمثيل للتعددية الخيرة بتنوعات الوحدة الجذرية الأساسية لكل مجتمع. فالأمر الأكثر أهمية فيما يتعلق بالتعددية الخيّرة هو أنها ليست نقيضاً لوحدة المجتمع، بل هي مستوعبة داخل هذه الوحدة. إن مجتمعاً ما يفتقر إلى هذا النوع من التعددية سيصبح متجانساً بكيفية خطرة، وآحادي بقسوة.

وعلى الرغم من كون التعددية الخيرة أمراً طبيعيًّا إلا أن بإمكانها أن تتعرض للمحو. وهذا تحديداً ما تسعى المجتمعات الشمولية جهدها لتحقيقه.

إن أهم ميزات التعددية الخيرة هو مساندتها الدائمة -ودعمها النشيط في أفضل مظاهراتها- للوحدة الأساسية لكل مجتمع.

الخاصية الأخرى المميزة للتعددية الخيرة تتجلى في كونها تكفي نفسها بنفسها. فبما أنها لازمة لكل مجتمع سليم، فهي لا تحتاج أن يُعمل لأجلها بنشاط زائد.

إن التعددية الخطيرة هي للأسف ضرب من التعددية التي ينادي بها اليوم قسم كبير من النخبة المثقفة. ولا ينبغي بالضرورة أن نستنتج أن عرضهم هذا للتعددية يتم بنية سيئة. فقد تكون نياتهم هي الأفضل في الدنيا، إلا أنهم يلعبون بالنار. ففي مقدورهم أن يتمنوا مجتمعاً أكثر سلامة، لكن التعددية التي ينادون بها، إذا ما اندفعت بعيداً بصورة كافية، فمن شأنها أن تؤدي فعلاً إلى انحلال المجتمع، وهذا لأنها نقيض مباشر لوحدة المجتمع. إن تعدديتهم مخططة سلفاً، ومثل هذا يجب أن يفرض على المجتمع المستهدف. فليس من قبيل الصدفة إذا ما رأيت عدداً من أنصار التعددية يظهرون كل الميول المتأصلة لمعالجي البنى الاجتماعية. إنهم الأشخاص الذين يحبون تكييف المجتمع مع المعايير الأيديولوجية التي ينادون بها.

إن التعددية كما يفهمها عادة دعاتها المعاصرون ليست -لنقل ذلك بصراحة- أمراً جيداً. إنها بصراحة تعددية خطيرة حيث تناهض مباشرة الوحدة التي من دونها لا يستطيع أي مجتمع البقاء. إن مملكة منقسمة على نفسها لا يمكن أن تبقى.

إن نوع التنوع الذي ينبغي للمجتمع أن يتبناه من قبيل التنوع اللغوي والثقافي وأسلوب العيش... إلخ، يؤدي على المدى البعيد، إلى موت هذا المجتمع.

عند تأمل التنوع الثقافي، لا يوجد مجتمع يستطيع أن يكون متنوع الثقافة بالمعنى الحقيقي للعبارة، ويُؤمِّن في الوقت نفسه الكمال الاجتماعي.

فأن يكون لديك عدد من الثقافات هذا يعني أن يكون لديك عدد من المجتمعات.

يمكن لمجتمع أن يضم مختلف الثقافات الثانوية الخاضعة للثقافة المهيمنة التي تحددها، لكن هذه مسألة أخرى وليس هو ما يضمره عموماً أنصار التعددية.

إذا كان العرض الإيجابي للتعددية خطيراً بالنسبة للمجتمع المدني، فهو مضاعف الخطورة بالنسبة لذلك المجتمع الموحد، ألا وهو الكنيسة.

إن واحدة من العلامات المميزة للكنيسة، كما نعلم، هو كونها واحدة، وتعكس بذلك الوحدة المطلقة لمنبعها الإلهي.

إن وجود كنيسة تعددية يشكل تناقضاً في المفاهيم، وبالدقة سيكون تناقضاً من الدرجة نفسها لتربيع الدائرة.

 



[1] Tiré dune collection des écrits de D. Q. McInerny intitulée Perennial Wisdom for Daily Life, disponible chez: The Priestly Fraternity of St. Peter (Canada) Inc. P.O. Box 7248 Station V - Vanier, ON, K1L 8E3.