شعار الموقع

ندوة القاهرة حول الحوار النقدي بين قوى مختلفة فكريًّا

جعفر الشايب 2009-09-04
عدد القراءات « 711 »

 

[1]

بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام، ومنتدى البدائل العربي للدراسات بالقاهرة، نظم مشروع مبادرة الإصلاح العربي ورشة عمل في القاهرة في الفترة 19 - 20 يناير 2009م حول الحوارات النقدية بين القوى السياسية في المنطقة العربية، ضمّت ثلاثين ناشطاً من مختلف المكونات الديمقراطية والإسلامية واليسارية في العديد من الدول العربية؛ كمصر ولبنان وسورية والمغرب والأردن واليمن والسعودية، وذلك بهدف تحقيق معرفة متبادلة تتمثل في عرض هذه المكونات لتجارب وطنية لحوارات حول مجمل المسألة الديمقراطية حقق بعضها في مجتمعاتها آثاراً ديمقراطية، وذلك لاستخلاص الفائدة منها ومعرفة مدى فاعليتها ومعوقاتها.

وكانت مبادرة الإصلاح العربي قد انطلقت عام 2005م بمشاركة خمس عشرة مركزاً بحثيًّا عربيًّا وعالميًّا بهدف إنتاج مقترحات سياسية تساهم في تقدم الإصلاح في المنطقة، كذلك تطوير الحوار بين مؤسسات البحث السياسية العربية والأوروبية لبلورة رؤية تساعد على فهم أفضل لمسائل الإصلاح في العالم العربي.

وقد كررت المبادرة عقد لقاءات مماثلة، يدفعها في ذلك اعتبار شرط إرساء الحقوق السياسية والمدنية لازماً مهمًّا لترميم القدرة على المشاركة في الحقل العام، كما يدفعها تسليمها بأنها قد تؤدي لتناقضات القوى السياسية لضربها ببعضها وضعضعتها بشكل متتالٍ. وأخيراً، قناعتها باستحالة اجتماع هذه القوى دون التركيز في حركتها على التمييز بين المبادئ والاستراتيجية بعيداً عن التوجه العقائدي والسياسي.

بدأت ورشة العمل يومها الأول بكلمة للأستاذ عبد المنعم سعيد، رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام، تحدث فيها عن فكرة المركز وآلية عمله؛ مشيراً في ذلك لأسباب نشأته، في أزمة الصراع العربي الإسرائيلي؛ ومتحدثاً عن مبادرة الإصلاح العربي الهادف إلى بلورة قضايا الإصلاح والتحولات الديمقراطية، وخلال ذلك تطرق إلى المعوقات التي تواجه المشروع ومسبباتها.

الدكتورة نهلة الشهال، نائب رئيس مبادرة الإصلاح العربي تحدثت عن إنجازات المبادرة منذ نشوئها، والمتمثلة في تنظيم برامج إصلاحية، كبرنامج إصلاح القطاع الأمني، وبرنامج الحوار النقدي، بين الجماعات، ورؤية المرأة لواقع الإصلاح، وختمت ورقتها بالإشارة إلى ثلاث تجارب قائمة سيتم تناولها في الورشة بشكل رئيسي، هي تجربة حركة كفاية في مصر، وتجربة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي في سورية، وأخيراً تجربة 18 أكتوبر في تونس.

في ورقته المعنونة بـ«مسارات الحوار النقدي بين التيارات الإسلامية والعلمانية» أكد الدكتور عمرو الشوبكي على أهمية الحوار النقدي للجماعات العاملة لمعرفة نقاط القصور والسلبيات القائمة لمعالجتها؛ منبهاً على ضرورة الالتفات لنقاط التوافق والاختلاف في العلاقات بين هذه الجماعات لرصد مسارات وسياقات الحوار المختلفة.

كذلك أشار إلى تغير وتطور فكرة الحوار عما كانت عليه في السبعينات والثمانينات مستعرضاً بيئتها السياسية، وأشار لتحكم سياقات رئيسية فيها اختلفت باختلاف الدول التي ضمتها؛ ليخلص إلى أن الانفتاح السياسي ساهم في انفتاح التيار الإسلامي على القوى الأخرى، وأن التيارات العلمانية باتت هي الأقرب إلى الدولة الوطنية الحديثة في حين خرج التيار الإسلامي عن تقاليد الدولة لخروجه بعموميته عن التفاصيل، وربطه الذي لا يزال قائماً بين الدعويين والسياسيين.

وقد أثارت ورقة الدكتور الشوبكي مداخلات المشاركين، وتركزت -متفقة- على أهمية مراجعة الوضع القائم بموضوعية جادة، تتم فيها مناقشة الحوار بين الجماعات من خلال طرح مبادرات ومشاريع واضحة، تساهم في إعادة تعريف القيم الديمقراطية عالميًّا على ضوء التجربة الواقعية.

«التجارب التحالفية المتحققة في أطر معلنة.. سياقاتها ومآلاتها» كان موضوع الجلسة الثالثة التي أدارها الدكتور وحيد عبد المجيد، وتحدث فيها من مصر الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان. فمن جانبه، تحدث الدكتور عبد المجيد عن ضعف النزعة التوافقية لدى الجماعات في المنطقة العربية، ثم انتقل بإيجاز لطرح تجربة ميثاق الوفاق الوطني كأفضل تجربة مشتركة في مصر عام 1995م. أما الأستاذ بهاء الدين فقد تحدث عن تجربة حركة كفاية من حيث فكرة تأسيسها وظروف ذلك التأسيس، مشيراً للجهات الرئيسية الأربع التي اعتمدت عليها لقيامها؛ وتمثلت في القومية والاشتراكية والإسلامية والليبرالية.

وأشار المحاضر بعد ذلك إلى إنجازات الحركة وتطلعاتها، وأكد على ضرورة تعميق الحوار الداخلي بين الجماعات حول العمل المشترك؛ دون اشتراط الاتفاق النهائي على جميع الأمور المطروحة، كما أكد على تحالف القوى الاجتماعية والسياسية لمواجهة الأنظمة السياسية المستبدة لتحقيق التعددية المرجوة.

وقد عقبت الأستاذة الجامعية هبة رؤوف بأهمية تنمية الحركة الطلابية لتطوير العلاقات الإيجابية لجيل المستقبل، كما أكدت على مراجعة الواقع السياسي في مصر، واصفة الحركات الاجتماعية فيها بأنها تحولٌ لشكل من أشكال اللجان الشعبية، مستشهدة لذلك بدور حركة «كفاية» إذ استطاعت نشر ثقافة الاحتجاج بين المواطنين.

التجربة الثانية التي تبنت الورشة طرحها من قبل الباحث في جامعة هارفارد الدكتور رضوان زيادة، كانت حول «إعلان دمشق للتغير الديمقراطي في سورية». وفي ورقته، تحدث عن الظروف الصعبة التي خاضها مشروع الإعلان قبل أن يرى النور عام 2004م باتفاق جميع الأطراف الموقعة عليه، وكانوا ينتمون إلى تيارات سياسية وأيديولوجية متباينة ومتعارضة.

وأشار الدكتور زيادة إلى عاملين مهمين يعتقد بدورهما في نجاح المشروع، أولهما التجربة التاريخية السياسية التي مرت بها الأحزاب السورية المختلفة الموقعة، وثانيهما خبرة «ربيع دمشق» القصيرة التي خلفت أثراً سياسيًّا فكريًّا عميقاً على عمل هذه الأحزاب بشكل عام إثر التحول الواضح في آليات تفكيرها، الأمر الذي أثبتته وثيقتان بالغتا الأهمية، هما وثيقة الأخوان المسلمين السوريين، ووثيقة حزب الشعب الديمقراطي، وفيهما تم الإعلان عن التمسك بمبادئ الحوار وآليات العمل السياسي.

كذلك أشار للأخطاء التي يرى وقوع إعلان دمشق فيها، وصنفها بين موضوعي وذاتي؛ مرجعاً الموضوعي منها إلى البيئة السياسية التي تضم المعارضة، والتي يرى تغييبها للأوزان التفاوضية للقوى السياسية السورية؛ مما أرهق عمليات التفاوض والحوار السياسي. وختم ورقته بالتأكيد على ضرورة التخطيط الاستراتيجي بتحديد الأولويات والقناعات لدى جميع الأطراف والعمل على التوفيق بينها. وعقب على الورقة بشيء من التفصيل الدكتور جمال باروت.

تجارب أخرى تم طرحها في اليوم الثاني للورشة، بدأها من المغرب الأستاذ محمد بحكاك بالحديث عن تشكيلة القوى السياسية في المغرب، والتي تعتقد بتشكيل الإسلاميين تحدياً رئيسيًّا لها، الأمر الذي حدا بالسلطة لرفض تأسيس الأحزاب على أساسات دينية أو عرقية، والعمل على دمج التيارات الدينية بأخرى سياسية.

واستعرض الآثار السلبية لهذا الدمج مشيراً لمسبباتها التي قسمها لأسباب سياسية وأيديولوجية وذاتية، الأمر الذي تسبب في سعي بعض الأحزاب السياسية لفصل نشاطها عن الحركات الدينية لإضعاف شرعيتها الدينية التي حدَّت من دور العلمانية.

الدكتور عبد العلي حامي الدين من جامعة طنجة عبر في تعقيبه عن رأيه باستناد الوضع السياسي في المغرب إلى هيمنة السلطة السياسية، ملفتاً حاجة المغرب لانتخابات نزيهة تعكس القوى الحقيقية وتُنهي الخلافات القائمة بين الجماعات وتخفف من وطأة التضييق عليها ليتمكن الجميع من استشفاف المواقف بصورة واضحة لا غموض فيها.

وتحدث الدكتور كرم كرم من المركز اللبناني للدراسات عن تجربة الحراك المدني الذي امتد من الفترة 1992م وحتى 2001م، والذي تأسس إثر غياب حوار فعلي بين القوى السياسية. وحول هذا الحراك أشار كرم إلى سياسة التوافق على توزيع المهام بين الطوائف اللبنانية؛ فالاقتصاد تديره الطائفة السنية، في حين يدير الشيعة المقاومة، ويتبنى الجميع قضايا البلد العامة، كالفساد والإصلاح، مما أدى إلى انطلاق حركات اجتماعية غير حزبية ساهمت في إصلاحات دستورية في شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية.

وأشار المحاضر إلى المرحلة السياسية والحزبية التي قادت هذا الحراك المدني منذ العام 2001م وحتى الوقت الراهن، وفرض الأحداث التي تخللت هذه المرحلة واستتبعت اتخاذ الكثير من المواقف وإعلان العديد من العرائض والوثائق كوثيقة التفاهم بين الجنرال ميشال عون وحزب الله.

وعقب الأستاذ سعد الله مزرعاني من الحزب الشيوعي اللبناني بالإشارة لبعض الأحداث التي أثرت في هذا الحراك المدني كاتفاق الطائف؛ مستعرضاً خطة إبرامه وأهدافه، وكانتصار المقاومة على إسرائيل عام 2000م، والذي شكل مشهداً سياسيًّا جديداً في لبنان شاركت في تلوينه الأحداث المتتالية على المستويين المحلي والعربي للبنان.

ومن لبنان انتقل الطرح لتجربة العمل المشترك في اليمن، وقدمها الأستاذ محمد مخلافي من المرصد اليمني لحقوق الإنسان، وتحدث فيها عن اللقاء المشترك الذي تم في اليمن بين خمسة أحزاب رئيسية منذ عام 1999م، مشيراً لظروف قيام هذا للقاء عام 1994م على إثر الخيبة التي أصيب بها حزب الإصلاح ولم يستفد بها من هزيمة الحزب الاشتراكي، ثم انضمامه لبعض أحزاب المعارضة بهدف تحقيق نزاهة انتخابية.

وتحدث مخلافي عن اللقاء الشهري المشترك الذي تعقده هذه الأحزاب، وعن إنجازاتها، ومنها الهيئات التنفيذية التي تم تشكيلها، كهيئة الحوار المدني الذي يقوم على تنفيذ العديد من الأنشطة كطباعة كتاب يتضمن البرنامج المشترك لجميع الأحزاب وتصورهم حول التغييرات في اليمن. كما تحدث عن تصوره لتجربة العمل المشترك في الانتخابات وأثر غياب تشكيل القيادات المحلية عليها.

وللأردن انتقل رئيس تحرير جريدة الغد الأردنية الأستاذ محمد أبو رمان للحديث عن العلاقة بين القوى السياسية في الأردن، والتي تأثرت بالظروف الإقليمية حتى برزت في الثمانينات حركات إسلامية استطاعت بناء مؤسسات اجتماعية أدت لتراجع القوى السياسية اليسارية.

كذلك تحدث عن بعض التشكيلات الجديدة، والتي بدأت تمثل الشارع السياسي من خلال سيطرتها على الانتخابات والنقابات حتى تم تشكيل جبهة معارضة ضمت تنوعاً تياريًّا إسلاميًّا قوميًّا يساريًّا، واستطاعت به تنسيق النقابات المهنية؛ لتقيم بعد ذلك تحالفاً فاعلاً. واستعرض إنجازات تجربة هذا التحالف، وكان منها إزالة الهواجس وتخفيف الصورة النمطية المتبادلة.

وفي ختام ورقته، استعرض أبو رمان وجوه ضعف التحالف، باعتباره تحالفاً هشًّا تجاه القضايا السياسية؛ كونه لم يُبنَ على حوار نقدي داخلي ولم يقدم أي بديل حقيقي، وإن كانت المشاركات المحدودة في الحوار قد أثرت بشكل أو بآخر داخل الحركات، فحفزت أخرى جديدة على القيام كحركة «ذبحتونا» وحركة «كفاية» وهي حركة قامت للمدافعة عن حقوق طلبة الجامعات وإلى توحيد الجهود تجاه قضايا مركزة.

ومن السعودية، تحدث عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الأستاذ جعفر الشايب عن تجربة «وثيقة رؤية لحاضر الوطن ومستقبله»؛ مبتدئاً بظروف المشروع التي تمخضتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما نتج عنها من مراجعات وتفاعلات داخلية وخارجية وأزمات محلية وظروف إقليمية ودولية.

وبتفصيل، استعرض مراحل الإعداد لها منذ أكتوبر 2002م حتى الإعلان عنها في مارس 2003م بتوقيع 104 شخصية ناشطة من مختلف الأطياف التي كونتها أربعة اتجاهات رئيسية تمثلت في الإسلاميين الصحويين، واليساريين والإصلاحيين الشيعة، والليبراليين؛ مشيراً في ذلك لنقاط التوافق بين هذه الأطياف، فضلاً عن نقاط الاختلاف التي وقفوا عليها خلال اجتماعاتهم التنسيقية التي استمرت طيلة أربعة أشهر. ومن نقاط الاتفاق التي ذكرها نقطة حاكمية الشرع، الإقرار بدور الأسرة، والوحدة الوطنية، أما نقاط الاختلاف فكان منها نقطة سقف المطالب، حجم التمثيل، والخطوات المستقبلية.

وأشار إلى أبرز مرتكزات الوثيقة، ومنها بناء دولة المؤسسات الدستورية، معالجة الاقتصاد، تقوية التفاعل بين السلطة والمجتمع، والدعوة لعقد مؤتمر حوار وطني، كما أشار إلى مطالبها الرئيسية في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ وكان منها المطالبة بفصل السلطات، المساواة، الانتخابات لمجلس الشورى والبلدية، وحرية التعبير.

بعد ذلك انتقل إلى أبرز النتائج العملية التي تم تحقيقها وانعكاسات ذلك على الساحة. ثم ختم ورقته بتقييم مشروع الحوار الداخلي بين القوى الإصلاحية الذي لم يره تجاوز حالة النخبوية ليتعاطى مع المجتمع بوضوح، كما أنه لم يتح الفرص للإصلاحيين المثقفين للقاءات حوارية تزيل الهواجس والتحفظات فيما بينهم، ما أدى إلى عدم تطوير وسائل العمل السلمي الاجتماعي، وغياب برامج تجذير ثقافة الإصلاح.

في النقاش العام للأوراق التي قدمت، أكد المشاركون على ضرورة تحسين العلاقة مع الخارج دون حساسية بكسر الحلف المقدس بين الأنظمة الدكتاتورية وأمريكا، وعلى أهمية التعاطي المتزن والفعال من قبل الإسلاميين مع السياسية الأمريكية. وأشير لأهمية تطوير المكتبة الفكرية لمختلف الاتجاهات من أجل تناغم الطرح السياسي والفكري بين الداخل والخارج.

خلاصات الورشة قدمتها الدكتورة نهلة الشهال، وفيها تحدثت عن خطة عمل تعزز العلاقات بين الأطراف المتحاورة وتنظيم عملها ولقاءاتها المقبلة، مع الإشارة لمخرجات هذا اللقاء، وتمثلت في ضرورة تعريف المصطلحات وتحديدها، خاصة فيما يرتبط بتوصيف القوى السياسية، وعدم التعميم في إطلاق الأحكام عليها. كذلك ضرورة التركيز في الحوار على العمل بصورة جماعية على تعزيز العلاقة بالنظام السياسي والمجتمع، وعدم الاكتفاء بمراجعة تطوره.

 



[1]      كاتب سعودي.