شعار الموقع

دور الجماعات الإسلامية في الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط

أحمد الشهاب 2004-10-14
عدد القراءات « 588 »

مبادرة للوقوف على دور الجماعات الإسلامية في إحداث عملية الإصلاح السياسي في بلدان الشرق الأوسط ، لاسيما بعد سلسلة المواجهات الساخنة بين بعض هذه الجماعات والسلطات الحاكمة في بلدانها ، واشتداد حدة الإتهامات الموجهة للإسلاميين بكونهم خلف كل حركة عنف يشهدها العالم المعاصر ، عقدت ( جريدة الوطن الكويتية ) بالتعاون مع ( معهد كارنيغي للسلام الدولي بالولايات المتحدة الأمريكية ) مؤتمرا موسعا في الكويت سلطت من خلاله الضوء على رؤية " الجماعات و الشخصيات الإسلامية لمسألة الإصلاح السياسي " ، مع طرح توصيفات لما هو قائم من تحديات تعيق عملية الإصلاح السياسي سواء من داخل هذه الجماعات مثل العوائق الفكرية ، والتصورات المتشددة ، أو العوائق العملية من عدم استيعاب الأنظمة القائمة لحركة الإصلاح السياسي نظرا لتكلس بعض الأنظمة وعصيانها على الإصلاح والتغيير .

  ثمة أسئلة حائرة تطل برأسها بين الفينة والأخرى حول مصير المشروع الإسلامي ، وقدرته على ممارسة دوره الإصلاحي ، وعدم تحوله إلى معضلة إضافية تقف أمام الإستقرار السياسي ، إنها أسئلة جدير أن تتوقف عندها الجهات المهتمة لتحاول معالجتها بما يخدم تطور المشروع الإصلاحي في هذه البلدان ، وهو كما يرى الكثير من الباحثين المشروع الأساسي الذي يلزم أن تكثف الجهود لإنجازه ، لما يعنيه ذلك من تجاوز لحقبة صراعية استهلكت كل الجهود في قضايا فرعية .

 

مفهوم الجماعات الإسلامية للإصلاح السياسي

في الورقة الأولى من هذا المؤتمر تحدث مدير عام المركز الدولي للدراسات ووكيل مؤسس حزب الوسط المصري ابو العلا ماضي حول " دور الحركات الإسلامية في الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط "  أكد فيها ان الكثير من الحركات الإسلامية لها مفاهيم تقليدية متعلقة بالنظرة إلى مسألة الدولة الحديثة وقضية غير المسلمين وقضية المرأة والولاية وغيرها الكثير من القضايا مشيرا إلى وجود مشروع لحزب الوسط المصري لتقديم رؤية تجديدية في هذه القضايا الأساسية .

ورأى أن هناك رؤيتان معروضتان في المنطقة العربية ومصر واحدة منها وهما تتمثلان في الاصلاح الشامل والاصلاح التدريجي ، وأن الغرب يتبنى الإصلاح الشامل الذي تطور في مسألة الحريات وانشاء الاحزاب واصدار الصحف اما فكرة الاصلاح التدريجي فتتبنى الاصلاح وفق المناسبة والظروف الموجودة والمتعلقة بالثقافة وغيرها ، مشيرا لإنحياز جماعة الوسط للاصلاح التدريجي لانها الانسب بشرط ان تكون هذه الاصلاحات جادة ومتراكمة وفعالة وليست بطيئة مثل ما يحدث في كثير من الاحيان .

وفند ابو العلا ماضي حديث البعض المتخوف من فكرة مشاركة الاسلاميين في العمل السياسي وتساءل هل هذا يؤدي الى تعويق مثلما حصل للاحزاب الاشتراكية والشيوعية في اوروبا ام انه مهم اشراكها وبالتالي هذه المخاوف مشروعة ويجب مناقشتها بشكل علني وواضح ، مقررا وجوب اشراك الحركات الاسلامية التي تؤمن بالعمل السلمي وتلتزم بالدستور والقانون ولديها مشروع سياسي في العملية السياسية ، اما عن فكرة التخوف من احتكار الحقيقة فاوضح انه يجب ان تطرح المشروعات السياسية وخاصة الاسلامية منها نفسها على ان تمثل فهمها للاسلام هو فهم بشري قابل للقبول والرفض حينما يرفض لا يكون رفضا للاسلام نفسه ولكن رفضا لهذا المفهوم البشري لمجموعة من الناس قدمت رؤية قد تكون مصيبة او مخطئة .

 أما التخوف من الانقلاب على الديمقراطية بمجرد الوصول الى السلطة من قبل الاسلاميين فهو تخوف موجود في كل التيارات السياسية لان كثيرا من التيارات السياسية انقلبت على الديمقراطية وعلاج هذا التخوف هو اشتراك مجموعات سياسية مختلفة في صيغة ائتلافية حتى تحدث التوازن وتستقر قواعد الديمقراطية بعدها تتم العملية بشكل طبيعي.

 

مفهوم الإصلاح السياسي عند الجماعات الإسلامية :

 

أما رئيس معهد الخليج للدراسات المستقبلية والاستراتيجية د. اسماعيل الشطي فقد جائت ورقته لتعالج  "  مفهوم الاصلاح السياسي عند الجماعات الاسلامية " مقررا في البداية أن المسلمين لا يملكون مفهوما واحدا للاصلاح السياسي بمن فيهم اسلاميو هذا العصر ، وعليه فان اي مفهوم يمكن تحديده حول الاصلاح السياسي يظل في دائرة الاجتهاد الشخصي ، وإستعرض الشطي  المراحل التاريخية المبكرة التي ساهمت في غياب الفهم الواحد لمفهوم الإصلاح  ، مؤكدا ان الاصلاح السياسي هو جزء من نظرية الحكم او السلطة في الاسلام ، ونظرية الحكم كانت الشرارة الاولى التي اشعلت النزاع في مجتمع الصحابة وخلفت وراءها ثلاثة تيارات سياسية كبيرة، هي اهل السنة والشيعة والخوارج ، ولم يكن لهذه التيارات ان تختلف لو كانت نظرية الحكم قد حسمها الوحي وتحولت الى امر ديني ملزم، فالحسم في المنهج الاسلامي يأتي في بيان عام يعلنه النبي ( ص )  على الملأ بشكل لا لبس فيه ، ويأتي على شكل نص يصفه علماء القانون الاسلامي بقطعي الثبوت وقطعي الدلالة، غير ان شؤون السلطة السياسية ونظامها هي من المسائل التي تركها الوحي ضمن المساحات الشاسعة التي اخلاها للاجتهاد البشري، وقصر توجيهاته في هذا الشأن على مبادىء سياسية متفرقة بين ثنايا الآيات والسور تكون قيدا على كل مجتهد، ولو كان في القرآن او السنة المؤكدة حسما لما اختلف الصحابة والمسلمون من بعدهم، او لو كان اجتهاد كبار الصحابة في هذا الشأن حاسما لما رفض الامام علي شرط الالتزام بسنة الشيخين ابو بكر وعمر، ولما خسر ترشيحه لرئاسة الدولة بعد وفاة الخليفة الثاني وقال قولته الشهيرة (هم رجال ونحن رجال)، لتبرز الحقيقة المتوارية تحت ركام الموروث الفقهي بان الحكم ونظمه شأن دنيوي بحت لا تقيده الشريعة إلا بمبادئ قرآنية عامة .
 لقد لجأت التيارات السياسية الثلاثة خلال حقبات متفرقة من التاريخ الاسلامي الى محاولات مستميتة لاضفاء القدسية على نظرياتها من خلال ربطها بالوحي ، وعبر زج بعض النصوص الثابتة بشكل قسري في تفسيرات باطنية او مغايرة لسياقها العام ، ونجحت كلها في حشو مرافعاتها بكم متراكم من مقتضيات القداسة، ليصبح اي اصلاح سياسي مقيدا باغلال تلك النظريات.

مشيرا إلى أن تلك النظريات ظلت عصية التطبيق على ارض الواقع ، وانتهى مناصروها الى انظمة حكم ملكية مستبدة او جبرية ، فلا السنة استطاعوا تكرار تجربة الخلافة الراشدة، ولا الشيعة استطاعوا ان يصنعوا خلافة هاشمية راشدة أبان عهد العباسيين او الفاطميين، بل تفرعت من نظريتهم نظرية الحكم الامامية لينتهي اليها كل الارث الشيعي، ولا الخوارج استطاعوا ان يتفادوا النظام الملكي الوراثي الذي تعارضه نظريتهم، واصبحت نظرية الحكم المعمول بها هي نظرية الواقع التي تستجدي النصوص في محاولة تأصيل شرعي لأنظمة قائمة على مسرح التاريخ كما فعل الماوردي وآدم القرشي وغيرهم، واكتفى المسلمون خلال عصور الغلبة بتوسيع رقعة الاسلام وتكريس الشريعة كمرجعية معيارية للامة، ولم يعد الحديث من جديد عن نظرية الحكم في الاسلام الا بعد انتهاء عصور الغلبة وبروز النظام الدولي الجديد ، أعاد رسم الخريطة السياسية للعالم الاسلامي وفق الانتماء القومي او الجغرافي، وينشأ شبكة من الدول كوحدة نمطية لهذا النظام ، وتقوم هذه الدول على فكرة الوطن والسيادة والمواطنة بدلا من فكرة دار الاسلام وبيضة المسلمين والمؤاخاة، وتقوم نمطية الدولة على ايجاد جيش وحكومة وموظفين وعملة وطنية وبنك مركزي وتاريخ وطني وسلام وطني وعلم رسمي ومنتخبات رياضية وطنية وغيرها، وتأخذ هذه الدولة شرعيتها بانضمامها لمنظمة دولية يسودها قانون الدول العظمى، ويطلق على شريعة هذه المنظمة بالشرعية الدولية .

  واوضح انه منذ المنتصف الاول من القرن الماضي تبنت الجماعات الإسلامية فكرة اقامة دولة الخلافة الراشدة التي تنبع من النظرية السياسية في الاسلام ونظريات الحكم فيه، وكان ذلك تحديا صريحا وواضحا للنظام الدولي القائم طالما هناك سعي لايجاد دولة تشذ عن الوحدة النمطية للنظام وعن شكلها، فالعودة لنظريات الحكم الاسلامية هو إلغاء لمبدأ المواطنة القائم على الفكرة العلمانية، والعودة الى العقيدة كشكل من اشكال الانتماء السياسي، واحياء القانون الاسلامي (الشريعة) من جديد وهو في نظر الغربيين اطار النظام الدولي البائد، فالعودة الى الشريعة في نظر واضعي قواعد النظام الدولي القائم هو محاولة لاحياء نظام منافس قضي عليه، ولقد كان نتيجة هذا التحدي ان اقصيت كل الجماعات الاسلامية بشكل عام عن المشاركة السياسية وحرمت من اي فرصة للحكم ، واصبح قادتها ومفكروها واعضاؤها روادا ابديين في اقفاص المحاكم العسكرية ونزلاء في السجون ، لقد احتاج الاسلاميون الى تضحيات جيل لينتهوا في مطلع الثمانينات الى مصالحات قاسية، مصالحات مع النظام السياسي للدولة المعاصرة وقبول التحول الى جزء منه، ومصالحات مع الآخر والقبول بالديموقراطية ومقتضياتها، ومصالحات مع فكرة المواطنة وتبني الهوية القطرية ومصالحات مع النظام الدولي المعاصر والتعايش مع قواعده الصارمة.

 واكد ان حرمان الاسلاميين من اختبار مصالحاتهم جلب خيبة الامل والاحباط في صفوف الثائرين منهم، مما اعاد اطرافا اخرى الى المواجهة من جديد بروح قتالية متفجرة، واصبح للاصلاح السياسي فهمان عند الاسلاميين اليوم، واحد تتبناه الغالبية وتضع مفهوما سلميا تصالحيا يرمم في البنيان، وآخر تتبناه الاقلية وتضع مفهوما قتاليا تغييريا يسعى لإزالة البنيان، وان النسب بين الطرفين لن تظل ثابتة او لمصلحة المتصالحين مدة طويلة في ظل التشكيك والحرمان، وهو ما يزيد من رقعة الخسارة لدى اصحاب المصالح والنفوذ في المنطقة الاسلامية.

وذكر ان الاسلاميين يحتاجون إلى ان يقدموا مفهوما واضحا للاصلاح السياسي متحررا من قيد النظريات الموروثة، ومنطلقا من الاسلام ، فهما يتعامل مع الحكم كشأن دنيوي ويبحث بين تجارب الامم ليجد افضل السبل لتحقيق المبادىء القرآنية كحرية الاعتقاد والشورى والعدالة والمساواة والبيعة التعاقدية وحماية الضعيف من القوي، كما يحتاج الاسلاميون إلى ان يعيدوا فهم العلمانية كفكرة تأسيسية للدولة النمطية المعاصرة، فالعلمانيون العرب قاموا بأكبر إساءة لهذه الفكرة عندما قدموها نقيضا للدين، لقد جاءت العلمانية كحل ضد الاقتتال الاثنى والطائفي بين افراد الامة الواحدة، ووضعت المواطنة (الانتماء للوطن) بديلا للانتماءات العرقية والاثنية والطائفية لتحقق المساواة والعدالة، وهي بهذه الصورة تعتبر صيغة عادلة بين الناس اجدر بان تحترم ، كما يحتاج المسلمون إلى تقديم الشريعة الاسلامية كأحد مطالبهم الاساسية بقراءة جديدة متحررة من قيد التراث. غير ان ذلك يستدعي موقفا جديا عن كاتبي قواعد النظام الدولي، يستدعي ضم الاسلاميين لحظيرة المجتمع الدولي بصفتهم قوة بناءة منتظمة بقواعد النظام، وهذا يعني فتح المجالات المحظورة امامهم لاختبار مصالحاتهم ونواياهم، ويستدعي إلغاء التشدد الصارم إزاء المطالبات بتطبيق الشريعة ووقف الحملات الاعلامية التحريضية ضدها، والتعامل معها كثروة قانونية يتعبد بها المسلمون وتستفيد منها البشرية.

 

تصورات الحركة الإسلامية للاصلاح:

 

 وحول تصورات الحركة الاسلامية للاصلاح قال رئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية في مملكة البحرين الشيخ علي سلمان ان الحركات الاسلامية في عموم البلاد الاسلامية ـ ومنها البحرين مرت بمراحل مختلفة في نظرتها للاصلاح السياسي، فقد انطلقت من رؤيا اصلاحية جذرية ، وقد نجحت في احداث التحول بطريقتين محتلفتين بين الثورة الشعبية ـ كما في ايران ـ والانقلاب العسكري ـ كما حصل في السودان . بينما فشلت سائر الحركات الاسلامية في بقية البلدان من الوصول الى الاصلاح الجذري مما دفعها مع التطور السياسي في العالم الى التحول نحو خيار الاصلاح من داخل المؤسسة القائمة. وهو ما يعد تغيرا استراتيجيا في اساليب الحركة الاسلامية في العالم الاسلامي، وقد حققت هذه الحركات في ضوء ذلك مكاسب انتخابية سياسية في اغلب البلاد الاسلامية التي خاضت التجربة كتركيا والجزائر واليمن والاردن والكويت واخيرا المغرب.

أما عن تطور رؤية الحركة الاصلاحية في البحرين فقال السلمان ان النظرة للأنظمة في الحركات الاسلامية تتأثر بالانتماء المذهبي للحركة بشكل كبير جداً خصوصاً في البلاد التي تتقارب فيها النسبة المذهبية او تكون الاقلية المسيطرة على السلطة وامثلة ذلك العراق والبحرين وسوريا. ففي الوقت الذي تشكل فيه المنطلقات المذهبية اساس النظرة في دعم النظام السني في العراق والبحرين من قبل الحركات الاسلامية السنية تشكل المذهبية اساس دعم النظام السوري عند العلويين والشيعة ، مشيرا إلى أن العلاقة بين الحركة الإسلامية وبين السلطة في البحرين تميزت بالتوتر المستمر على مدى اكثر من 200 سنة. تخلل هذا التوتر شبه الدائم محطات توافق محلية تركت آثارها على مجمل اوضاع البحرين السياسية. ومن هذه المحطات انتفاضة العشرينيات وما تبعها من الإصلاح الإداري والتي ادت الى تنحي الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لكبر سنه وسوى الاوضاع في نهاية عهده وانتقال السلطة الى ابنه الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والتي شارك الجمهور مع المستعمر البريطاني آنذاك في تسمية الشيخ حمد كحاكم للبحرين.
واوضح ان المحطة الثانية كانت هي اختيار اهل البحرين للحاكم العربي تحت إمرة آل خليفة في مواجهة مطالب شاه ايران السابق بتبعية البحرين الى ايران على اسس تاريخية معينة، اما آخر هذه المحطات فهي محطة الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني في 14 فبراير 2001 التي صوت فيها الشعب على العودة الى دستور 73 وتطوير الحياة السياسية بمزيد من المشاركة الشعبية في صنع القرار. ومن الملاحظ ان هذه التوافقات الرسمية والشعبية كانت تأتي بعد معارك سياسية بين الطرفين او بين طرف ضد طرف خارجي كما في مسألة الاستفتاء على استقلال البحرين.

موضحا ان هذه الاطلالة التاريخية، وبالرغم من التوتر شبه الدائم بين الحركة الإسلامية والنظام، تكشف عن طبيعة قابلية التعايش عند الحركة الإسلامية مع النظام في البحرين شريطة ان تكون هناك مشاركة حقيقية في السلطة وصنع القرار. وقد ترسخ هذا الطابع أكثر فأكثر في العقود الأخيرة من القرن المنصرم لتسود المطالب الإصلاحية شعارات الشارع على حساب شعارات التغيير الجذري للنظام.
وأكد السلمان إن تمسك الحركة الإسلامية بالإصلاح الدستوري ، هو دليل على رغبة هذه الحركة بالعمل التوافقي السلمي ، لما تعتقده من أهمية الإصلاح الدستوري ومحوريته في النظام السياسي، فهو الوثيقة التعاقدية الأهم التي تحدد وبشكل واضح طبيعة النظام والحقوق والواجبات المتبادلة بين السلطة والمواطن مما يضمن الاستقرار والأمن السياسي.

أما من جهة التعددية السياسية فترى الحركات الاسلامية ضرورة وجودها كعنصر أساسي من عناصر النظام السياسي الحديث. فهي تطالب بقانون للأحزاب السياسية في البحرين ينظم العمل السياسي، على أن تكون لهذه الأحزاب ما للأحزاب في النظام الديموقراطي الغربي من صلاحيات وحريات. وهذه المطالبة بالتعددية السياسية لا تتوقف عند الأحزاب الإسلامية إنما تشمل كل الألوان السياسية التي تعتقد بها قطاعات شعبية صغرت أو كبرت من أحزاب قومية يسارية وليبرالية.

وفي مجال حرية التعبير تعتقد الحركة أن لا إصلاح حقيقي بدون حرية تعبير ودون التعاطي مع جميع قضايا الشأن العام ، ولذا فإن الحركة في البحرين تسعى وتطالب بحرية الصحافة والنشر بما يتواكب مع مفهوم المشاركة السياسية وشعارات الشفافية ومواثيق الأمم المتحدة ، إضافة لمطالبتها بالتداول السلمي للسلطة .

وحول آليات الإصلاح قال السلمان أن الحركة الإسلامية تعتقد بالمحفاظة على السلم الأهلي والعمل على تدعيم هذا السلم بمقومات حقيقية تفضي إلى تجنب العنف السياسي والاجتماعي واعتبار ذلك الطريق الأنسب لمجتمعاتنا ، وان ذلك لا يتحقق إلا من خلال توافق بين السلطة والشعب ممثلا بقواه وممثليه السياسيين . وأكد أن أهم معوقات الإصلاح السياسي التمسك المفرط بالسلطة عند الأنظمة العشائرية والقبلية وعند أنظمة الحزب الواحد المنتشرة في ا لعالم العربي  وسد الباب على الآخر والعمل على تغييبه حتى تبقى الأمور على ما هي عليه من استفراد شديد بالسلطة في طبقة محدودة.

 ومن المعوقات أيضا التدخل الغربي السلبي في الواقع السياسي العربي والإسلامي من خلال دعم الأنظمة الشمولية في العالمين العربي والإسلامي كما حصل في انتخابات الجزائر العام 92 ، والانتخابات التركية وإزاحة أربكان من السلطة.

ومن معوقات الاصلاح السياسي عدم حسم الخيارات عند التيار الإسلامي ، فبالرغم مما قررناه في بداية الورقة من وجود تحول استراتيجي في النظرة إلى الإصلاح عند الحركة الإسلامية إلا أنها بحاجة إلى حسم خياراتها في النهج والأسلوب والهدف الذي تسعى له من حركتها السياسية ، فمطلوب من الحركة الإسلامية الاجابة وبشكل علني على مجموعة استفسارات أساسية تشغل العقل السياسي المحلي المعارض من غير الإسلامي والحكومي والاقليمي والدولي. وعلى الحركة الإسلامية أن تحدد خياراتها وتحسم أمرها في الإقرار بالتعددية السياسية للجميع وبالحفاظ على الحريات العامة وحرية التعبير والتمسك بالآلية الانتخابية كوسيلة وحيدة ودائمة للوصول إلى السلطة والبقاء فيها. وهي بذلك تعطي لنفسها قبل غيرها حق الحياة وحق الوصول إلى السلطة من خلال الطرق السلمية.

 

  مشاركة الجماعات الاسلامية في الإصلاح السياسي :

 

حول مشاركة الجماعات الإسلامية في الإصلاح السياسي قدم نائب رئيس مجلس النواب البحريني عادل المعاودة ورقة إستهلها بطرح مجموعة من الأسئلة رأى من الأهمية التوقف عندها ، مثل : هل توجه الدول العربية نحو اجراء الاصلاحات السياسية باشراك التيارات السياسية المختلفة في عملية صنع القرار حقيقة فعلا، اما انها مجرد مناورة للالتفاف حول الضغوط الخارجية والداخلية؟

وهل تندرج الجماعات الاسلامية ضمن التيارات السياسية المزمع اشراكها في العملية السياسية؟ وهل العلاقة بين الحكومات العربية والجماعات الاسلامية في حقيقتها صراع سياسي على السلطة ام انها لا تعدو مجرد خلاف في وجهات النظر؟ وفي حالة اجراء انتخابات حرة ونزيهة في اية دولة عربية، فالاغلب ان يفوز بها الاسلاميون، اليس من الافضل ولو على سبيل التغيير إعطاء الفرصة للإسلاميين لتطبيق أفكارهم ؟ وهل تؤمن الجماعات الإسلامية حقا بأشكال الحكم الديمقراطية، وتوافق على المشاركة فيها طبقا للقواعد المتعارف عليها، أم أنها تتخذها مجرد وسيلة للوثوب الى الحكم، ثم تتنكر لها بعد ذلك، كما يزعم الإعلام الموجه ضدها ؟.. وإذا بقيت المخاوف من تنكرهم لها بعد انفرادهم بالسلطة، ألا يكون من الأوفق على أضعف الإيمان، وعلى سبيل التمهيد فتح وسائل الإعلام لهم لعرض تفاصيل برامجهم ومناقشتهم فيها على نطاق واسع ومقارنتها ببرامج التيارات السياسية الأخرى؟، وأخيرا هل يكفي لتهدئة المخاوف من تفرد الإسلاميين بالسلطة، وضع ضمانات في الدستور مثل اشتراط عدم تغييره لفترة معينة، تكفل احترامهم لقواعد اللعبة وتحول دون إساءة استخدام السلطة؟

 وفي إجابته أقر المعاودة إن الجماعات الإسلامية تقف مواقف متباينة إزاء هذه المشاركة باختلاف مواقف الحكومات من تجارب الإصلاح السياسي وجديتها فيه.

 فمن هذه الجماعات من يرىعدم جدوى الإصلاح السياسي الذي ترفعه هذه الحكومات، وأنها إنما كانت مدفوعة إما رغبا ـ أو في الغالب ـ رهبا من الولايات المتحدة التي تريد فرض نمط أمريكي للإسلام، سبق أن استخدمته منذ أمد في محاربة الشيوعية وترغب الآن في محاربة الإسلام بإلباس هذا النمط الأمريكي للإسلام، ثوب المشاركة السياسية والدمقرطة الأمريكية، مما أدى إلى توجس كثير من الجماعات الإسلامية من هذا النمط الذي يراد له أن يجتاح عقائد المسلمين .

مؤكد أن الولايات المتحدة تتذريع بما تمارسه بعض جماعات الغلو الإسلامية ـ التي ربما من طرف خفي تجد تشجيعا من الولايات المتحدة نفسها ـ مبررا لإقصاء الإسلام الذي تعتنقه الجماعات الإسلامية والشعوب العربية لتعرض إسلامها الأمريكي المساير لعلمانية ترفضها هذه الشعوب والجماعات.
وأشار إلى أن من الجماعات الإسلامية التي رأت في الإصلاح السياسي والمشاركة فيه سبيلا للتغيير السلمي، من أقصتها الحكومات واضطرتها إلى المنافي والسجون حتى قبل أن يتسنى لها أن تسجل نفسها على قوائم الترشيح ، كما أن بعضها الآخر أقصتها الحكومات ووأدت تجربتها بعد أن حسمت صناديق الاقتراع اختيارها لصالح التيار الإسلامي صاحب الأغلبية.

 وعرج المعاودة إلى مثال التجربة في البحرين التي انطلقت الجماعات الإسلامية فيها من الرغبة في  المشاركة السياسية من خلال مفهومها للديموقراطية من انها اقرار الاغلبية لما تراه من اجتهادات سياسية فيما لا يخالف نصا شرعيا مجمعا عليه بالحل او الحرمة. والخيار بعد ذلك واسع للاغلبية في غير ما يصادم النصوص الشرعية. كما ترى هذه الجماعات الاسلامية التعاون مع ولي الامر في الاصلاح السياسي فيما لا يمس ثوابت الاسلام مع نشدان التغيير بالاصلاح السلمي بتدرج ومن غير تهور، على ان يكون بسرعة تتناسب وتطور المجتمعات، مع الاستفادة مما تتيحه آليات العمل السياسي.

 واكد المعاوده ان ممارسة الجماعات الاسلامية في البحرين في التجربة النيابية لا تختلف عن تجربة التيارات السياسية الاخرى -رغم قلة التجربة وقصر عمرها- من حيث الاهتمام بالشأن العام وتفعيل آليات الرقابة النيابية على ممارسات السلطة التنفيذية في اطار اللعبة السياسية وبما تسمح به في هذا الطور من بداياتها، رغم كل ما تحاوله بعض التيارات السياسية الاخرى من محاولات التشويه لتجربة مشاركة الجماعات الاسلامية في البحرين.


التجربة الإسلامية التركية :


بعد ذلك تحدث استاذ العلاقات الدولية ورئيس قسم العلاقات الدولية بجامعة ليهاي في بنسلفانيا هنري باركي عن تجربة التيار الاسلامي في تركيا مشيرا الى الكفاح المستمر بين الحرس القديم ورعاة الاصلاح الذي قال انه من المبكر الحديث عن نهايته.

 كما تطرق باركي الى نجاح الاسلاميين من خلال حزب التنمية والعدالة في الوصول الى السلطة من خلال تحالف اردوغان وعبد الله غول مشيرا الى ان هذا الحزب انبثق من رماد حزب الفضيلة الذي تبوأ السلطة في اواسط التسعينات لمدة قليلة حيث تم الانقلاب عليه.

 وأضاف باركي الى سعي حزب التنمية والعدالة تنفيذ مشروع سياسي يضمن نجاح تجربة القيادة للحزب الاسلامي لدولة قوامها ستين مليون نسمة من خلال السعي الى الانضمام للاتحاد الاوروبي ما سوف ينعكس على الاقتصاد التركي ايجابيا.

 ورأى ان وصول حزب الفضيلة الذي هو اساس حزب التنمية والعدالة يعزى الى اخطاء المحافظين الذين ارسوا المؤسسة السياسية في تركيا اضافة الى انهيار اليمين الوسطي في تركيا حيث كان قد حاز على 40% من الاصوات ثم انهار ، لافتا  الى ان اليمين الوسطي هو مزيج من احزاب تغض الطرف وتتسامح مع الجماعات الاسلامية وسرعان ما انهارت في التسعينات بسبب استشراء الفساد والادارة الاقتصادية

 الخاطئة.

 وأكد بارتي على ان حزب التنمية والعدالة انجز العديد من الأمورعلى أصعدة مختلفة منها العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية في تدليل منه على ان الاحزاب الاسلامية قادرة على القيادة في حال ابتعادها عن التطرف واتباعها الوسطية.

 

معوقات أمام حركة الإصلاح السياسي :

 

أما  د.رحيل الغرايبة استاذ الشريعة في جامعة الزرقاء بالأردن فقد أكد على ان البحث الدائم عن الاستقرار والامن حاجة ملحة وثابتة في النفس البشرية، كما هي حاجة جماعية لكل الشعوب والمجتمعات الانسانية ، فيما سيبقى الاقتتال والعنف عدوا جماعيا مشتركا للبشرية مهما اختلفت اديانها وتوجهاتها، مما يلقي بالعبء على المفكرين والادباء والمثقفين واهل السياسة ايضا كي يوحدوا جهودهم من أجل الارتقاء

 بالبشرية نحو عالم يسوده التعارف والتعاون والحوار السلمي، ويخلو من النزاعات والاعتداءات.

واضاف ان الحوار العقلاني المفيد الذي يخلو من العبث ويخلو من الضرب في حديد بارد، يجب ان يستند الى بحث علمي موضوعي، وينبثق من مرجعية مشتركة، ترتكز على أسس منطقية واضحة تخلو من اللبس ومخادعة .

  وبرأي د . غرايبة أن أهم الاسباب التي يجب ان تخضع للبحث والحوار هو حقيقة وجود إحتلال صارخ وعدوان أدى الى تشريد شعب وتهجيره من أرضه ، ثم ان هناك تدخلا أجنبيا واضحا وملموسا في شؤون المنطقة هذا التدخل يمثل عامل استفزاز دائم لاهل المنطقة وعامل يبعث على التوتر الشديد الذي يثير الحس الوطني العام، ويحرك مشاعر العداء في نفوس الأغلبية الساحقة، اضافة الى ان هناك أنظمة

 استبدادية لا تستند الى شرعية شعبية، تحكم شعوبها بالقوة وتستمد شرعيتها من الدعم الخارجي، وهذا يؤدي الى مصادرة الحقوق السياسية وكبت الحريات العامة، كما ان هناك فقرا مدقعا، وبطالة متفشية ومستقبلا اقتصاديا مظلما، لا يحمل بشائر التفاؤل.

 وأشار غرايبة ان المواجهة المبكرة بين الإسلاميين وعبدالناصر شكلت صفحة بائسة في تاريخ العمل السياسي الاسلامي، وألقت بآثارها على تطور الفكر السياسي لجماعة الاخوان المسلمين. وخرج من أقبية السجون مجموعات ناقمة ثائرة، حملت أفكارا متطرفة فولدت (جماعة التكفير والهجرة) ونشأت المجموعات الجهادية بعد ذلك التي اختارت حمل السلاح طريقا في الحوار مع الأنظمة القامعة.

مشيرا الى تكرار هذه التجربة الدموية بقسوة شديدة ايضا في العراق وسوريا على يد أنظمة البعث وتكررت تجربة مماثلة في تونس ايضا وتجربة معاصرة مازالت قائمة في الجزائر.

وانتهى  الى أننا نقف امام نموذج سياسي واضح في التعامل العنفي مع الاسلاميين وكيف اسهمت هذه التجربة في ولادة واقع قاس ابتعد كثيرا في تكريس أنظمة ديكتاتورية متسلطة، وأوجد بيئة خصبة ترعرعت فيها أفكار التطرف والعنف، مما ابتعد بها عن الاستقرار السياسي وابتعد عن التقدم نحو الإصلاح السياسي.

 وقال ان هناك نموذجا آخر في التعامل مع الإسلاميين على نحو يبتعد عن المواجهة العنيفة مع الاقرار بوجود التفاوت النسبي في مدى السماح الحقيقي لمشاركة الاسلاميين في العملية السياسية فهناك بعض التجارب التي تستحق الدراسة مثل: الأردن ولبنان والكويت في العالم العربي، وهناك تجربة تركيا وباكستان وماليزيا على صعيد العالم الاسلامي كذلك ، وأشار غرايبة بإختصار للنموذج الأردني ، خالصا إلى أن مشاركة الاسلاميين في العملية السياسية بنموذجين هما نموذج الأقطار التي سلكت منهج ابعاد الاسلاميين عن المشاركة في العمل السياسي وحاربتهم وحرمتهم من ممارسة العمل السياسي العلني فهي تعيش واقعا سياسيا غير مستقر وأبعد عن اللحاق بالأنظمة الديموقراطية، ونموذج الاقطار التي سلكت منهجا لينا يبتعد عن العنف وملاحقة الاسلاميين ومطاردتهم فكانت أقرب إلى الاستقرار السياسي بمقدار جديتها في هذا المسار، وتكون أقرب إلى اللحاق بالديموقراطية وأكثر جرأة في اتخاذ خطوات إصلاحية بمقدار المشاركة للفئات المختلفة في العملية السياسية.

 

الإصلاح ونموذج الحالة العراقية :-
 

    استهل د.إبراهيم الجعفري عضو مجلس الحكم الانتقالي في العراق ورقته بتعريف الإصلاح معرفا الصالح بأنه من يعمل صالحا بينما المصلح من يتجاوز ذاته إلى اصلاح الاخرين منوها الى ان للمصلحين معاملة خاصة عند الله الذي قال في كتابه ما معناه ان الله لا يدمر ارضا واهلها مصلحون.

ويوضح الجعفري ان الديمقراطية ليست هي فقط التي تشكل مصطلحا غير اسلامي بل ان هناك مصطلحات اخرى كالجمهورية وغيرها متسائلا عن استغراب الاسلاميين على مفهوم الديمقراطية في وقت لا نرى فيه مثل ذلك ضد مصطلح الجمهورية ومصطلحات اخرى ليس لها اساس في الاسلام ولم ترد فيها، مؤكدا ان الديمقراطية شأنها شأن غيرها من الاساليب التي يسعى الانسان لايجاد اغراضه من خلالها والايمان بما تلائمه منها .

واشار الجعفري الى ان الديمقراطية متى ما أكدت على وحدة الرأي تكون ذات معنى اسلامي اصيل مشيرا الى قيام رجل على الامام علي وقوله له اني لا ارضى بحكمك ولا عدلك ولا أصلى خلفك فاجابه علي كرم الله وجهه بأنه لا يمنعه من ذلك الا انه يمنعه عندما بتجاوز على الاخرين.

 واشار الى ان الديمقراطية عندما وجدت لم تكن تشمل المجتمع ككل بل ألغت كيان المرأة والعبيد ولم تمثل الا عشرة بالمائة فقط من المجتمع.

  ولفت الجعفري الى الحالة في العراق بادئا بنبذه تاريخية عن ضرب حزب الدعوة مشيرا الى أن من اسسه هو السيد محمد باقر الصدر حيث كان هذا الحزب ينشد الاصلاح الا ان النظام السابق ضمنه بشدة حتى انه اصدر قرارا بالحكم بأثر رجعي على كل من يحمل افكار حزب الدعوة او ينتمي اليه ، ورغم ذلك فان حزب الدعوة ظل مستمرا رغم ذلك القرار الذي ذهب الالاف ضحية له حيث بدأت افكار الحزب تسرى في صفوف المثقفين.

 

 

التناقض في الدعوة إلى الديمقراطية :-

ونوهت مارينا اوتاواي من معهد كارنيغي في مداخلتها  الى ان المفهوم الامريكي للديمقراطية يعني العناية بالعملية الديمقراطية في اختيار الحكومة التي تعمل على اعطاء الشعب حقوقه.

وهي ترى أن المعضلة امام الادارة الامريكية في العراق ليس في اختيار السلطة بشكل انتخابي حر ولكن في ما قد تقوم به هذه السلطة عقب انتخابها ومدى عملها بالنظام الديمقراطي ، مشيرة الى المفهوم الخاطىء الذي اعتقدته الادارة الامريكية  ومسؤوليها بأن العراق دولة علمانية لكنها إكتشفت بعد احتلال العراق ان هناك رجال دين شيعة كما رأت أن المجتمع العراقي ليس علمانيا بل ان هناك تيارا اسلاميا متناميا هو التيار الشيعي ما افضى الى الوضع السائد حاليا في العراق. وأكدت مارينا على شدة التناقض الامريكي في العراق حيث انها دولة تسعى لترسية الديمقراطية الا انها لا ترغب بذلك في العراق خوفا من وصول تلك الجماعات الإسلامية للحكم .

 وأشارت الى أن دراسات عدة أجريت في العديد من الدول مثل جمهوريات الاتحاد السوفيتي ودول افريقية وغيرها مشيرة الى مخاوف وإشكاليات سياسية وفنية في مسألة الانتقال الديمقراطي وإجراء الانتخابات.

وفي الجانب الفني تقول ان الامر يحتاج الى اعداد واستعداد يستغرق فترة قد لا تقل عن سنتين لان الدولة العراقية تحتاج الى تهيئة الاوضاع كوضع قوانين انتخابية وكشوف ناخبين وغيرها من الادوات الانتخابية مشيرة الى ان هذه اشكالية في العراق ودول اخرى بنفس وضعه، كما ان هناك حاجة لوضع دستور وقانون انتخابي وانتخاب برلمان على ان تحدد صلاحياته كما تنوه أوتاوي الى ان صياغة الدستور اشكالية ايضا مشيرة  الى دور الاسلام في دولة علمانية وكيف ستكون.

 وأكدت مارينا ان الاتفاقية التي تم ابرامها لانشاء جمعية لصياغة الدستور في العراق سوف تنهار او انها على وشك الانهيار لان انتخاب جمعية لصياغة الدستور تم تأجيلها كما ان الولايات المتحدة تريد تحويل الدستور المؤقت الى دستور نهائي لجهة تشكل الدولة فيدراليا كان أم غير ذلك وكذلك للدور الذي قد يلعبه الاسلام.

وتنهي مارينا حديثها بالتأكيد على أن الديمقراطية هي عملية مساومة بحيث لا يجوز لأي طرف ان يفرض وجهة نظره على الاخرين مشيرة الى اختلاف وتعدد المشارب في العراق الامر الذي يوجب دخول اطراف عديدة في العراق.

 

هل تقبل الجماعات الإسلامية الديمقراطية ؟
 

وفي مداخلته وصف  رئيس تحرير جريدة الوطن محمد عبدالقادر الجاسم موقف الجماعات الاسلامية في تعاونها مع امريكا بالذكي ، لكنه تساءل إن كان لدى تلك الجماعات أجندة لأسلمة الوضع في العراق بعد فرض الديمقراطية مشيرا إلى النموذج الإيراني الذي يرغب كذلك بإقامة نظام إسلامي مثيل في العراق وأثر ذلك على الوضع في المنطقة ، مؤكدا ان  فشل الادارة الامريكية في ارساء الديموقراطية في العراق يعني تعزيز الدكتاتورية في الوطن العربي بشكل عام .

 ولفت الجاسم الى التوتر في العلاقات الامريكية السعودية و الحملة الاعلامية ضد السعودية، وارتباط ذلك بمسألة الاصلاح السياسي واستمراره وبمدى اصرار وتمكن امريكا من النجاح والالتزام بمشروع الاصلاح في ، لاسيما مع انتشار روح الحرية والديمقراطية في المنطقة.

وعن موقف الجماعات الإسلامية من الديمقراطية يشكك الجاسم بقبول الجماعات الإسلامية لفكرة تداول السلطة ، فضمن التجربة الكويتية ظهرت بدايات النشاط السياسي للتيارات الاسلامية  بالعمل الدعوي ثم اتضح بعد ذلك ان عملها سياسي مع التناقض الكبير بين مفردات التيار الاسلامي وادوات العمل السياسي.
ويرى الجاسم أن على التيارات الاسلامية الانفصال عن العمل الدعوي و تقديم نفسها كأنظمة وتشكيلات سياسية دون ارتداء الرداء الديني وترك العمل الخيري والدعوي للهيئات الخيرية غير المسيسه .

ويختم الجاسم ورقته بطرح مخاوفه من المشهد العراقي مؤكداً انه لا يمكن تكرار ما حدث في العراق بأي دولة عربية حيث فرضت الحرية بالحرب في حين ان ما قد يحدث في دول الجوار هو هندسة الانظمة السياسية .

 
فكر الجهاد وأثره في الإصلاح السياسي

 

وتحدث محامي الجماعات الإسلامية في مصر منتصر الزيات عن فكر الجهاد وأثره في الإصلاح السياسي  مؤكدا في بداية ورقته على أن الجهاد ذروة سنام الإسلام وهو فريضة محكمة، وهو ماض الى يوم القيامة. والجهاد لغة: «بذل الوسع في دفع ما لا يرضي». وقيل: «هو الاسم الجامع لمنتهى الطاقة». وقصر الجهاد على القتال في سبيل الله، لم يكن الا تفريغا، لأن الجهاد حسب ورود معانيه في الكتاب والسنة اعم من ان يكون بالقتال ، وقد قرن القرآن الكريم الجهاد بالمال والنفس في مواضع كثيرة. قال تعالى:}  وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم )، وقال: ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وانفسكم ). 
واوضح الزيات ان العلاقة المفترضة بين «الجهاد» و«الاصلاح» بوصفهما نقيضين هي ثمرة خبرتنا المعاصرة عندما انقسمت الحركة الاسلامية الى فصيلين كبيرين: أحدهما جهادي يرى ضرورة الصراع مع ما هو قائم، والاخير اصلاحي يرى امكانية التعايش معه واصلاحه سلميا على نحو تدريجي. ورغم ان الاصلاح هو بغير شك جهاد عظيم ينطلق من استشعار مسؤولية دينية وطالما التزم القائمون به بأحكام الشرع فانه اصبح ينظر اليه كبديل للجهاد ينحاز اليه من لم يقدر على الجهاد!!

 وما تمدنا به خبرة التجربة المصرية خلال سنوات الصدام بين الدولة والجماعات الاصولية الاسلامية أن هناك شرائح واسعة من التيارات السياسية الاخرى اعتبرت الحركة الاسلامية خارج مظلة «الاصلاح» لأنها جميعا تدعو الى تغيير جذري، وبذلك اصبح الاصلاح خارج مظلة «الجهاد» رغم انه من اعظم الجهاد!!

و مما جعل للمصطلح وقعا سلبيا في نفوس الفصيل الاصولي من الحركة الاسلامية تلك الحالة المتردية داخليا في بلاد عربية وذلك القدر من القمع الذي كانت تواجه به كل الاصوات المعارضة اصلاحية كانت او مجاهدة، وقد لا يكون القمع في نظر البعض مبررا لممارسة العنف لكنه بغير شك هو دافع من دوافعه، لا سيما وأن الافكار لا تنشأ ولا تنمو ولا تتحقق في فراغ بل تشارك قيود الواقع واكراهاته في نمو هذه الافكار وفي صياغتها بنصيب وافر، وثقافة الاذعان التي تتبناها الانظمة الحاكمة في بلادنا وتفرضها على الشعوب تكون تربة خصبة لنمو بذور الاقصاء والصدام.

 وتسائل الزيات هل يمكن أن يتم الإصلاح دون جهاد ؟ قائلا أنه بطبيعة الحال لا يمكن أن ينفصل اصلاح المجتمع كجماعة ولا الآخرين كأفراد عن اصلاح النفس وهو ما يرى كثير من المتقدمين والمتأخرين انه «الجهاد الاكبر»، ففي القتال وتحت القصف لا تملك الجماعات الاصولية -شأن غيرها ممن خاض هذه التجربة العنيفة- ان تبني نفسها وترقى بأبنائها بل تصبح تحت وطأة المطاردة تبحث عن النجاة، وكل ما يصنفه الفقهاء ضمن «التحسينات» او بتعبيرنا المعاصر «الكماليات» يصبح خارج دائرة الصورة.

 واذا كانت شرائح واسعة من النخبة السياسية قد اركتبت خطأ تاريخيا بأن ردت على العنف الاصولي بمواقف استئصالية وصل بعضها في تطرفه حد التنكر لفرض الجهاد، فان الحركات الاصولية هي الاخرى ارتكبت خطأ تاريخيا مماثلا بالغض من شأن النهج الاصلاحي ومن ينهجونه، اذ لم تر فيه سوى مهرب فرضه الجبن وخوار الهمم. ومع استحكام حالة التدابر والتقاطع بين حملة كل لواء بدت الفكرتان متعارضتين بينما هما في الحقيقة تجتمعان في اطار تراتبي.

 ومع استحكام حالة التدابر المشار اليها استقرت مقولات مغلوطة كادت ان تصبح حقيقة عن العلاقة بين النهجين صورتهما كما لو كانا ثقافتين متمايزتين لا مدرستين داخل عباءة واحدة، وفي هذا المناخ لم تحظ التأثيرات المتبادلة بينهما باهتمام رغم انها بالفعل تستحق هذا الاهتمام. اول التأثيرات كان تأكيد السمة الدينية للحراك السياسي حتى عند التيارات ذات المرجعية الغربية يمينية كانت او يسارية -والحكم هنا بطبيعة الحال على الاغلبية لا على الاقلية المتطرفة منها- بحيث اصبح هناك استعداد حقيقي لاستيعاب التيارات الاسلامية كافة في مشروعات الاصلاح السياسي، فلم يكن مقبولا ابدا ان تسلك المعارضة السياسية المسلك الاقصائي نفسه الذي سلكته الدولة.

 من ناحية اخرى امدت الفصائل الاصولية الحركة السياسية المصرية برافد مهم -صحيح انه ما زال محدود العدد والتأثير لكنه دال- اذ انخرط في العمل السياسي السلمي عدد غير قليل من رموز «الاسلام الاصولي» آملين مواصلة «الجهاد» بآليات «الاصلاح»، وهو رافد يمكن ان يقوم بدور تاريخي في تجسير العلاقة بين الفصيلين بحكم مؤثرات النشأة ذات الطبيعة الاصولية ومؤهلات الدور الجديد، فبهما معا تستطيع امتلاك ناصية التعبير عن المشتركات وتقريب وجهات نظر الفرقاء.

ان الرغبة في التغيير نحو الافضل  هو ما يجمع بين دعاة الإصلاح ودعاة الجهاد كما يرى الزيات وكلاهما نتاج استشعار مسؤولية دينية واخلاقية، لذا فلم يكن غريبا ان نرى اصوليين جهاديين يتحولون في مرحلة من مسيرتهم الى اصلاحيين، فالجهاد بمعناه الواسع هو الارضية الصلبة التي ترتكز عليها عملية الاصلاح، والا تحول اى حراك سياسي الى نفعي لا ينضبط الا بضوابط المنفعة.

 

ولكن ما علاقة الفكر الجهادي بفكرة الاصلاح السياسي؟


يشير الزيات إلى أن الفكر الجهادي له صلة قوية بقضية الاصلاح عامة، وقضية الاصلاح السياسي خاصة من المنظور الاسلامي. فالفكر الجهادي له صلة قوية بمبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وله صلة قوية بعدم بذل الطاعة للحاكم في المعصية. وله صلة قوية بالقيام في وجه الحاكم الظالم ، وله صلة قوية بالنصح للحاكم، وله صلة قوية باثارة وعي الناس ويقظتهم فهناك ما يمكن ان نطلق عليه مستويات متدرجة على خط الاصلاح السياسي، اي التزام الدولة بمرجعية الامة، وقبول مراقبتها ومحاسبتها، عبر قواعد واضحة، هو خط ممتد يمكن ان ينتهي بالعصيان. ان التمرد او الدعوة الى الثورة اذا لم تصغ النظم السياسية سمعها لمطالب الاصلاح السياسي. وفي التحليل النهائي لا يمكن حرمان اي امة من حقها في الثورة على حاكمها اذا اصبح الحكم غرما عليها وفقد الحكم مقاصده واهدافه.
 ويمكن القول ان مطالب الاصلاح السياسي مثل الغاء حالة الطوارىء وحق المواطن في حرية الاختيار، وحقه في التعبير،وحقه في تداول سلمي للسلطة الى آخره.. وحقه في تكوين الاحزاب او الجمعيات.. الخ يجب ان تتم بالطريقة السلمية.. بيد ان هذه المسألة تكون حين توجد قواعد وقنوات يمكن التعبير عنها.. لكن في غياب هذه القواعد، فان احتمالات الانفتاح على ممارسة حق الخروج والعنف واستخدام القوة والمنازلة العفوية يكون واردا.

من خلال قراءة للمصادر الاسلامية القديمة التي تحدثت عن الحق في الثورة مثل الجويني في غياث الامم مثلا. فان المحلل والمراقب يلاحظ انه اعطى حق الثورة حين تغيب القواعد وتتحول النخبة الحاكمة الى حالة من الفساد والتردي بحيث ينتفي المقصود من وجودها، ويمكن القول ان هناك علاقة جدلية بين مفاهيم الاصلاح والثورة او بين مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين الخروج... فقد يبدأ الفكر اصلاحيا ثم يتحول الى اعتناق مفاهيم الثورة التي تؤمن بالقوة سبيلا للتعبير، كما ان الفكر قد يبدأ ثوريا متشددا ثم يتجه الى الاصلاح، فجبهة الانقاذ في الجزائر بدأت اصلاحية، كما ان الجماعة الاسلامية المصرية بدأت متشددة ثورية، والمعيار في تقديري هو كيفية قراءة هذه الحركات للواقع من ناحية، وكيفية تطور الواقع نفسه باتجاه الانفتاح او التضييق والتشدد على هذه الحركات.

 


رؤية للحركات الإسلامية

 

وطرح الباحث في معهد كارنيغي للسلام الدولي حسين حقاني رؤيته للحركات الإسلامية أوضح خلالها ان معظم المجموعات الإسلامية المنخرطة في العملية السياسية اليوم تختلف عن مثيلاتها في الماضي، فالتيارات الإسلامية في بدايتها كانت تتنافس مع التيارات العالمية وبعض الحركات القائمة في كل الأزمنة وبالتالي فان كل من دحض مفهوم الدولة الإسلامية كانوا يعيشون ـ برأيهم ـ في حالة الجاهلية وكان هناك ميل من جانبهم إلى الحكم بالتكفير على كل من لا يعترف بالحاكمية الإلهية وبالتالي رأى الاسلاميون في أنفسهم مسلمين بالخيار في حين رأوا الآخرين مسلمين بالصدفة.

وأشار إلى أنه في زمن كمال أتاتورك في تركيا شهدنا اتجاها إلى العلمنة العسكرية وذلك وفقا للنمط الفرنسي المختلف عن النمط الأمريكي حيث الدولة ليست ضد الدين فالدولة لا تفرض أي دين بل تحترم جميع الأديان، لكن تقول انه يجب فصل الدين عن الدولة وفي أمريكا حرية ممارسة الدين مضمونة في أمريكا بمعنى ان الدولة في أمريكا ليست ضد الدين، والعلمانيون في القرن العشرين في الدول العرببية كانوا يعارضون التظاهرات الدينية ورأوا فيها وسيلة للحؤول دون العصرنة الاسلامية بدءا بكمال اتاتوك في تركيا مرورا بالاحزاب البعثية التي كانت معادية لفكرة الانضواء في اطار مبادىء الاسلام كأمر مناهض للعصرنة والحداثة.

وأضاف حقاني ان الايديولوجيات العلمانية والاشتراكية والشيوعية والقومية وجهت لها انتقادات من جانب الاحزاب الاسلامية وقد اعتبرتها غير اسلامية ومنهم من اعتبرها اسلامية مما ادى بها الى تناحر مع الحكومات القومية بعد زوال الاستعمار في معظم الدول الاسلامية.

ولسوء الحظ كانت الحكومات العلمانية في معظم الحالات مستبدة او سلطوية بغض النظر عن مشاربها او عقائدها الاقتصادية او السياسية ومن المثير للاستهجان ان معظم الاحزاب الاسلامية لم تكن تعتبر الملكية كشكل اسلامي من اشكال الحكم الا انها قبلت بالحصول على دعم من انظمة محافظة كما هو الحال في بعض الدول الخليجية ولم يكن هناك تناحر او صدام مباشر بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية لان امريكا كانت تعتبرها هامشية من حيث الاهمية ومجدية لمعارضة او مقاومة الانظمة اليسارية في الشرق الاوسط.

وقال حقاني ان من المهم فيما يخص المسلمين ان يتجاوزوا كل مصادر الاختلاف السياسي وان يتجاوزوا الفكرة القائلة بان كل هذا وليد نظرية المؤامرة والافضل لهم ان ينظروا الى الاصلاح السياسي داخل العالم الاسلامي وداخل منطقة الشرق الاوسط بدلا من النظر اليها انطلاقا من نظرية المؤامرة الخارجية، فضلا عن ذلك لطالما اعتبرت التيارات الاسلامية الجهاد كجزء لا يتجزأ من منهجيتها ، مشيرا الى ان الجهاد لطالما اعتبر من جانب التيارات الاسلامية جزءا لا يتجزأ من منهجيات عملها، وهذا ما حدث بالنسبة للاخوان المسلمين في الشرق الاوسط والجماعة الاسلامية في الهند وباكستان وكان شعارها الجهاد سبيلنا والشهادة مطلبنا ولكن في المراحل الاولى من الكفاح السياسي لهذه التيارات قامت بتفسير الجهاد على انه كفاح سلمي بالقلم وليس بالسيف وقد اصدر مؤسس الجماعة الاسلامية في باكستان كتابا حول الجهاد في الاسلام ، لكن منذ تأسيس الجماعة الاسلامية هناك وحتى اليوم لم تعتبر هذه الجماعة الكفاح المسلح وسيلة للتغيير السياسي بل انها تعتبر الوسائل السياسية السلمية وسيلة لاحداث التغيير المطلوب.
وفي افغانستان وفي الثمانينات انتهزت المجموعات الاسلامية فرصة مكافحة السوفيات في اول جهاد عسكري اساسي في القرن العشرين.

وقد تم هذا بدعم من الولايات المتحدة الامريكية وهذا ادى الى تشدد بعض التيارات الاسلامية او بعض عناصرها واليوم نلاحظ بروز مجموعات منشقة اعتمدت الجهاد المسلح كوسيلة للكفاح الاسلامي وبعضهم يقول ان الكفاح المسلح من الوسائل المتاحة لكن بعضهم يقول انه الوسيلة الوحيدة لتحقيق المنشود ومن هنا نرى ان منهم من يقول بالاصلاح من خلال الجهاد ومنهم من يقول بالجهاد من اجل تحقيق الاصلاح.
 اما بالنسبة للجزائر ومنذ وصول جبهة الانقاذ الى الحكم تغير المشهد السياسي بالنسبة للمجموعات الاسلامية.. ففي معظم الدول الاسلامية شاهدنا انهيارا او فشلا للانظمة القومية او العلمانية فيما شاهدنا نجاحا انتخابيا للاسلاميين في الحكم ومما لا شك فيه ان الانظمة القائمة في العالم العربي والاسلامي لا ترغب في تقاسم السلطة او تداول السلطة بحجة ان الاسلاميين اذا ما وصلوا للسلطة سيعرقلون الاصلاح فترفض بدورها القيام بالاصلاح وتعتبر الاسلاميين تهديدا للحداثة وللعصرنة في القرن العشرين وتستعملهم ذريعة لعدم التوجه باتجاه الاصلاح، لكن هناك بعض القضايا السياسية الفعلية والحقيقية التي تحول دون قبول المسلمين قيام غير العلمانيين بدور كامل لمجموعات اسلامية، وهذا نابع من ميل المجموعات الاسلامية الى رفض الاعتراف بالتعددية بشكل كامل بالتالي هؤلاء يكفرون الاخرين ويضعون جانبا فكرا بديلا او مختلفا وهذا يجعل الديموقراطية وسيلة يستعملونها للوصول الى السلطة .

 

مستقبل الاصلاح السياسي في الشرق الاوسط من منطلق الرؤية الغربية

 واستعرضت الباحثة ايمي هوثورن رؤيتها حول مستقبل الاصلاح السياسي في الشرق الاوسط مؤكدة أن مسألة التوجه لارساء الديمقراطية في منطقة الشرق اصبح مسار حديث واسع النطاق داخل الولايات المتحدة ، او ان الحديث عن هذا المطلب هو مطلب على الموضة على صعيد الساحة الداخلية الامريكية ومن خلال صانعي القرار السياسي وجميع المسؤولين في الادارة الامريكية ، فهذا الخطاب تدعمه مختلف التوجهات السياسية إعتمادا على ان منطقة الشرق الاوسط بعد الـ 11 من سبتمبر باتت مصدر خطر على الولايات المتحدة لافتقارها للديمقراطية وان الاعمال العدائية تجاه امريكا مبعثها افتقار الممارسة الامريكية في تلك المنطقة من العالم.

 وعلى الرغم من ان الخطاب السياسي الامريكي تجاه المنطقة يدعو لضرورة تعزيز الديمقراطية وارساء دعائم حقوق الانسان الا ان الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة نحو تطبيق هذه القيم الديمقراطية وفق الاسلوب الامريكي هو ناتج عن الافتقار للخبرة لطبيعة القيم السائدة في تلك المنطقة وهو الامر الذي جعل النظرة الامريكية للمنطقة دائماً تتسم بالسذاجة عند تفسير دوافع حقد شعوب المنطقة تجاهها.

 وأكدت هورثون ان المشروع الامريكي في كل الاحوال يرمي لتحقيق التحول الديمقراطي في المنطقة وان النموذج الذي استطاعت امريكا ان تحققه في المنطقة قد تم تطبيقه في بلدين هما السلطة الفلسطينية والعراق مشيرة بأن الولايات اعتمدت نحو ارساء تلك الديمقراطية في كلا البلدين بالقوة وبالنسبة للدول الاخرى فإن الولايات المتحدة لم تحرك ساكناً من اجل تحريك ديمقراطيتها في المنطقة وان كانت وجهت انتقادات على استيحاء تسمح لحلفائها في المنطقة بتطبيق الديمقراطية ، مشيرة بذلك إلى زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة ودفعه في هذا الإتجاه .

وتوقفت هورثون عند الصعوبات التي تواجه الولايات المتحدة في مساعيها لتطبيق وارساء الديمقراطية ، من قبل عدم قناعة التيارات الدينية في المنطقة بالاسلوب الامريكي والحصول على الدعم الامريكي لتحقيق هذه الرؤية وان الرؤية الامريكية في هذا الصدد لا تساير الواقع .

 ورأت انه يتعين على الولايات المتحدة اجراء سلسلة من المراجعات والعمل على تحسين صورتها ومصداقيتها في المنطقة اذا ما ارادت ان ترسخ تحالفات مع العالم العربي وانه يتعين على ادارة الرئيس بوش ان يروج للديموقراطية في المنطقة وان يعالج اللبس في سوء فهمه للمنطقة وما يترتب عليه من سياسات لاحداث التغيير المطلوب ،وعليها أيضا ان تبذل مجهودا لمساعدة دول المنطقة لتحقيق الديموقراطية دون ان تفرض عليها مشيرة بانه من الصعوبة بمكان فرض تقرير المصير على هذه المنطقة وانه يتعين في نفس الوقت على شعوب المنطقة ان تسعى وتساعد نحو تحقيق التغيير السياسي وبذل المساعي نحو تحقيق تطبيق الديموقراطية واحداث التغيير في المنطقة.

 

ثم قدم مدير المركز الفرنسي للدراسات البحثية فرانسوا تورجات ورقة في ذات الموضوع أشار فيها إلى ان مواقف الانظمة الحاكمة في العالم الغربي فيها قاسم مشترك يؤكد الى حد كبير على رفض شرعية الاعتراف بالتيارات الاسلامية كأنها قوى سياسية عادية تنتمى الى هذه الفترة من تاريخ المنطقة.
 مضيفا  ان من المعوقات امام الانفتاح السياسي هو دور الغرب الرافض الاعتراف بالتيارات الاسلامية وأشار بورجات إلى ثلاثة اسباب لرف الغرب للتيارات الإسلامية ، السبب الرئيسي هو ان 80% من موازين التحليل تؤكد انه يتمثل في ان الغرب يخشى ان يفقد احتكاره لصناعة الحداثة ويرفض حق الثقافات الاخرى للمشاركة وهذا في تقديري لغز التحليل فموقف الغرب من التيارات الاسلامية يشبه الى حد كبير موقفه من الجيلين السابقين من المناضلين القوميين لما دخلوا فترة التأميمات من تأميم قناة السويس وتأميم الثروة النفطية في الجزائر حيث جاء رد فعل الغرب باسلوب غير عقلاني وهو نوع من انواع الاحتكار السياسي والاحتكار الثقافي.

 أما  السبب الثاني لموقف الغرب من التيارات الاسلامية فهو يتمثل في ان الانظمة الحاكمة في العالم العربي الآن لا تقاوم هذه الحالة من التخوف الغربي بل تستفيد منها وتستغلها ، فالدول الكبرى في العالم تحتل الدعم الاعلامي ـ السياسي ـ العسكري الاقتصادي في العالم كله ، لافتا إلى قمة شرم الشيخ في ربيع 1996 حيث اجتمعت كل من روسيا التي دخلت في عملية قمع في الشيشان والادارة الامريكية والادارة الاسرائيلية وكلهم اكتشفوا ان امامهم عدو هو القاسم المشترك لهم هو التيار الاسلامي والارهاب الاسلامي وكانت هذه القمة هي قمة رمزية.

واوضح ان القوى الكبرى في العالم لا يقبلوا بالمتشددين وان كانوا يحتاجون اليهم ، ولا يحبون صناديق الاقتراع والتجربة النموذجية في هذا التحليل هي التجربة الجزائرية ويوم فيوم وشهر فشهر يظهر مدى تورط المخابرات الجزائرية .