تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

المنهج التاريخي.. منهج قراءة الخبر عند البيروني

حمادي سايح

المنهج التاريخي..

منهج قراءة الخبر عند البيروني

حمادي سايح

تحديد العوائق التي تحول دون الكشف عن الحقيقة التاريخية، وتحصين الكتابة التاريخية بمنهج علمي يقوم على سيادة العقل وآلية التجريب، بدل الاعتماد على التقليد الذي يعطل كل حركية نظرية أو تجريبية؛ هي السمات الأساسية التي تعبر عن رؤية منهجية علمية بلغت حد التنظير، تسعى لصناعة التاريخ بدل حصره ضمن مجموع الحوادث الماضية، فالصناعة بمعناها الفلسفي هي محاكاة كل ما هو واقعي من خلال سرد تاريخي يتحرك وفق أبعاد الزمان الثلاثة، ليستقر وفق هذه الحركية الذهنية في اللحظة الحاضرة، فيتحول الماضي إلى حاضر، وكذا المستقبل إلى حاضر.

إن البيروني ولا شك أحدث ثورة منهجية في الكتابة التاريخية، مثلت قفزة نوعية بالمقارنة لمن سبقوه، إدراكاً منه بأنّهم سلكوا مسلكاً لا يرقى إلى مستوى المنهج العلمي؛ ولذلك كان على وعي تام بالعوائق المختلفة التي تقف في سبيل الكشف عن الحقيقة التاريخية، منها مثلاً ما يتعلق بالذات الباحثة، ومنها ما يرتبط بالموضوع (ما يصطلح عليه بالعوائق الإبستمولوجية)، ومنها أيضاً ما يتصل بسبل بلوغ المعرفة (عوائق منهجية).

-1-
ما يتعلق بالذات (المخبّر)

تعتبر الموضوعية من الشروط الأساسية التي تُبنى عليها المعرفة العلمية، فلا حكم صائب دون التحلي بروح النقد البنّاء الصادق، ودون طرح للميول الشخصية جانباً. لذلك كان البيروني «يطالبنا دائماً أن نُبعد عن عقولنا جميع العوامل التي تؤدي بنا إلى الزلل، وذلك بالتحرر من التقاليد التي تعمينا عن رؤية الحقيقة التاريخية، وأن نكبت رغباتنا ودوافعنا الشخصية وأن نتنبه إلى أن أخبار المتقدمين قد دخلها العبث والفساد مما يثير الشك في صوابها، من هنا علينا أن نحكم العقل ونرفض ما يُجافيه؛ لأن طبائع الأشياء تجري على سنن معلومة».

هذا يعني أن الكتابة التاريخية لا يمكنها الوقوف على الحقيقة إذا لم تتناول الذات موضوعها بصدق، آخذةً على عاتقها فحص الأمور وتدقيقها دون تدخل للأهواء، وأن تكون على وعي بكل خطوة تخطوها. إنه أمر يتطلب لا محالة طاقة أخلاقية كبيرة، وكذلك ما ينبغي توفره لكل فاعلية علمية.

إن هذه المسألة –الموضوعية– تُعتبر محورية لدى البيروني، بل تحتلّ الصدارة في بناء منهجيته، ولذلك نجده منذ البداية يولي أهمية كبيرة لمختلف الدواعي التي تحول دون تحقيق الموضوعية، وبالتالي الوقوع في الأكاذيب عند الكتابة التاريخية. فـ«الخبر عن الشيء الممكن الوجود، في العادة الجارية، يقابل الصدق والكذب على صورة واحدة، وكلاهما لاحقان به من جهة المخبرين؛ لتفاوت الهمم وغلبة الهراش والنزاع على الأمم».

أ- الدواعي النفسية

تتعلق بالشهوة والغضب والمحبة والغلبة. وهي دواعي تجنح بصاحبها لا محالة عن جادة الصواب. ويمثلها حسب البيروني صنفان من المؤرخين والكتاب. «فمن مخبر عن أمر كذب يقصد فيه نفسه فيعظم به جنسه لأنها تحته، أو يقصدها فيزري بخلاف جنسه لفوزه فيه بإرادته، ومعلوم أن كلا هذين من دواعي الشهوة والغضب المذمومين. ومن مخبر عن كذب في طبقة يحبهم لشكر أو يبغضهم لنكر، وهو مقارب للأول؛ فإن الباعث على فعله من دواعي المحبة والغلبة».

ب- الدواعي المرتبطة بالطبيعية البشرية

يرتبط الأمر بالشرارة وخبث مخابئ الطبيعة البشرية، وهي لا تختلف عن الأولى. ويمثلها كذلك صنفان من المؤرخين والكتاب، «ومن مخبر عنهم متقرباً إلى خير بدناءة الطبع أو متقي الشر من فشل وفزع. ومن مخبر عنه طباعاً كأنه محمول عليه غير متمكن من غيره، وذلك من دواعي الشرارة وخبث مخابئ الطبيعة».

ج- غياب النقد والتمحيص

أي الاكتفاء بالتقليد للمخبر، ويندرج تحتها الصنف الخامس والأخير من المؤرخين، وفي هذا يقول البيروني: «ومن مخبر عنه جهلاً، وهو المقلد للمخبرين وإن كثروا جملة أو تواتروا فرقة بعد فرقة؛ فهُوَ وَهُمْ وسائط فيما بين السامع وبين المتعمد الأول، فإذا أسقطوا عن البين بقي ذاك الأول مَنْ عددناه من التخرّصيين. والمجانب للكذب المتمسك بالصدق هو المحمود الممدوح عند الكاذب فضلاً عن غيره، فقد قيل: قولوا الحق ولو على أنفسكم… وقال المسيح (عليه السلام) في الإنجيل ما هذا معناه: لا تبالوا بصولة الملوك في الإفصاح بالحق بين أيديهم فليسوا يملكون منكم غير البدن، وأما النفس فليس لهم عليها يد، وهذا منه أمر بالتشجّع الحقيقي، فالخلق الذي تظنه العامة شجاعة إذا رأوا إقداماً على المعارك وتهوراً في خوض المهالك هو نوع منها، فأما جنسها العالي على أنواعها فهو الاستهانة بالموت، ثم سواء كانت في قول أو كانت في فعل، وكما أن العدل في الطباع مرضي محبوب لذاته مرغوب في حسنه كذلك الصدق، إلا عند من لم يذق حلاوته أو عرفه».

هكذا يكون البيروني قد أعطى تفسيراً شاملاً وكاملاً للأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في المغالاة والأخطاء، ولذلك لا عجب في أن ينحو ابن خلدون كفيلسوف تاريخ متميّز جاء من بعده المنحى نفسه، حيث نجده يؤكد في نظريته المنهجية على أهمية العوامل النفسية في تفسير الحوادث التاريخية تفسيراً علميًّا موضوعيًّا، إذ يقول ابن خلدون: «ولمّا كان الكذب متطرقاً للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه فمنها التشيعات للآراء والمذاهب، فإنّ النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى يتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيُّع لرأي أو نِحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على غير بصيرتها.. ومنها الجهل بتطبيق الأحوال لأجل ما بداخلها من التلبس والتصنع فينقلها المخبر كما رآها وهي بالتصنع على غير الحق في نفسه».

لا شك أن الكشف عن الحقيقة لا يرتبط فقط بموضوعية الذات ولكن بنزاهتها أيضاً.

النزاهة

ويعنى بها إنكار الذات والعزوف عن أي استغلال للعلم بغية تحقيق مآرب شخصية، أو مصلحة ذاتية أو شهرة فردية أو إخضاع عقيدة دينية أو فكرة قومية، فيقول البيروني في مقدمة كتاب «تحقيق ما للهند» واصفاً كلامه عن الهند: «وليس الكتاب كتاب حِجاج وجدل حتى أستعمل فيه بإيراد حجج الخصوم ومناقضة الزائغ منهم عن الحق، وإنما هو كتاب حكاية فأورد كلام الهند على وجهه وأضيف إليه ما لليونانيين من مثله لتعريف المقاربة بينهم، فإن فلاسفتهم وإن تحروا التحقيق فإنهم لم يخرجوا فيما اتصل بعوامهم عن رموز نحلتهم، ومواضعات ناموسهم، ولا أذكر مع كلامهم كلام غيرهم إلا أن يكون للصوفية أو لأحد أصناف النصارى لتقارب الأمر بين جميعهم في الحلول والاتحاد». وبهذا تتحول الحكاية مع البيروني إلى أحد أشكال المنهج التاريخي العلمي الخاضع لمجموعة قواعد منهجية صارمة في تحقيق الحوادث التاريخية.

ويكتفي البيروني هنا بالوصف الحيادي إيماناً منه بأن الكتابة التاريخية لا يمكنها نقل الحقيقة إذا لم تكتب الذات بصدق ونزاهة. ولذلك «فقد كان كتاب الهند مفتوحاً دوّن كثيراً من مذاهب الهنود ومبادئهم بصدق ونزاهة، بعيداً عن الخوف والانحياز والرياء والتملق».

لكن ليس هذا فقط إنما تصل به فكرة إبعاد الذات إلى منتهاها، لدرجة أنه يصبح كآلة تصوير، «ولست أفرد الهند بالتوبيخ على الجاهلية، فقد كان العرب في مثلها يرتكبون العظائم والفضائح من نكاح الحيض والحبالى واجتماع النفر على إتيان امرأة واحدة في الطهر الواحد (..) ووأد الابنة، دع ما في عباداتهم من المكاء والتصدية، وفي طعامهم من القذر والميتة، وقد فسخها الإسلام كما فسخ أكثر ما في أرض الهند التي أسلم أهلها والحمد لله». حينما اعتبر البيروني كتابه «تحقيق ما للهند» ليس كتاب حجاج وجدل، فإنه ابتغى من وراء ذلك الحقيقة. فقد كان يعتمد على المقارنة، ذلك أن الحجاج قد يجعل صاحبه يعيش تحت رحمة تعسف ما كالذي عدَّده سابقاً، وهو ما أدى به للاعتماد على العيان أكثر من اللجوء إلى الحجاج والجدال مطبقاً ما رسمه في منطلقاته المنهجية.

حدود الموضوعية

إذا كانت الموضوعية تمثل جهداً إنسانيًّا بغية تجاوز جميع التوسطات التي تعوق دون الوصول إليها، فهل بإمكان هذا المجهود أن يؤدي إلى معرفة مطلقة؟. لا مطلق في العلم، ذلك أن الحقائق العلمية تبقى دوماً توصف بالنسبية والتقريبية، غير أن الصفة التقريبية «لا تنقص من القيمة الموضوعية للمعرفة التاريخية حيث إنها لم تصبح تشمل العلوم الإنسانية فحسب، بل إنها تشمل أيضاً علوم الطبيعة من فيزيائية وبيولوجية، وخاصة في بعض المجالات الميكروفيزياء والميكروبيولوجيا». يعبر عن ذلك مثلاً ظهور فكرة اللاحتمية في الفيزياء المعاصرة (الميكرو فيزياء) من خلال عدم تحديد مكان وسرعة الإلكترون حيث لم تجد هذه المشكلة أي حل، ولن تجده حتى في المستقبل على ما يذهب إليه هايزنبرغ (ولد عام 1901).

وفوق كل هذا وذاك يتصف البيروني بصفات تندرج ضمن أخلاقيات البحث العلمي أو الروح العلمية، من مثل المثابرة على البحث، والتحلي بروح الدقة وكذلك الصبر والتواضع، وهي صفات لا غنى عنها بالنسبة لذات تبحث عن الحقيقة وسبر أغوارها.

أ- المثابرة على البحث

يتضح ذلك من خلال إقراره هو بالإعياء، وبذل ما يمكن بذله، «لقد أعيتني المداخل فيه مع حرصي الذي تفردت به في أيامي، وبذلي الممكن، غير شحيح عليه في جميع كتبهم من المظان واستحضار من يهتدي لها من المكامن ومن لغيري». هذه لا تعبر فقط على تحلي البيروني بخاصية المثابرة والبحث، ولكنها تنطوي على عبر «ودروس تعليمية للمؤرخين عن شروط الكتابة ومرجعياتها وإشكالياتها ومناهجها، وهي دروس تفرّد بها عن رؤية ووعي».

ب/ التحلي بروح الدقة

نلمس هذا من ناحية شرحه للمذاهب وتحريه الدقة في عرض الآراء، فقد بلغ من ذلك حدًّا تطمئن إليه النفس ويغتبط به كل منصف، والحكاية التالية تبين إلى أي مدى ينفر البيروني من العلماء الذين يزيفون آراء المخالفين وهم للأسف كثر، حيث يقول: «وكنت ألفيت الأستاذ أبا سهل عبد المنعم علي بن نوح التفليسي، أيده الله، مستقبحاً قصد الحاكي في كتابه عن المعتزلة، الازدراء عليهم في قولهم: «إن الله تعالى عالم بذاته».

وعبارته عنه في الحكاية: إنهم يقولون: «إن الله لا علم له»، تخييلاً إلى عوام قومه أنهم ينسبونه إلى الجهل، جل وتقدس عن ذلك وعما لا يليق به من الصفات.

فأعلمته أن هذه طريقة قلَّما يخلو منها من يقصد الحكاية عن المخالفين والخصوم».

ج/ التحلي بالصبر والتواضع

عندما وصل البيروني إلى الهند عام 1019م مع إحدى حملات السلطان محمود الغزنوي، وبعد أن تعلم اللغة السنكسريتية لأنها أداة للتواصل الحضاري، دخل المعترك مع الهنود، وبدا لنا في مواقف عدة، لا عالماً ولا مجادلاً ولا موبخاً؛ إنما كان يقف –حسب ما يذكر هو- «بين منجميهم مقام التلميذ من الأستاذ لعجمتي فيما بينهم، وقصوري عما هم فيه من مواصفاتهم، فلما اهتديت قليلاً لها ثم أخدت أوقفهم على العلل، و أشير إلى شيء من البراهين، وألوح لهم بالطرق الحقيقية في الحسابات، فأنثالوا عليَّ متعجبين، وعلى الاستفادة متهافتين، يسألونني عمَّن شاهدته في الهند، وأخذت عنه؟ ولما أعلمتهم بحالي كادوا ينسبونني إلى السحر، ولم يصفوني بعدها، عند أكابرهم إلا بالبحر، وهذه صورة الحال». وهنا يكون البيروني قد تفطن لقيمة التواضع في البحث العلمي.

مما سبق نستخلص روحاً علمية مثالية أهَّلت البيروني بأن يصبح أعظم عقلية ظهرت في التاريخ على ما يقول المستشرق الألماني «ساخاو». أما بعد أن اطلع الخبراء على كتبه عن الهند فقد قال أحدهم: «محاولة فريدة من رجل مؤمن يدرس بنزاهة وتجرد حضارة وثنية. ومن جهة تاريخية جاءت هذه الدراسة أكبر ظاهرة علمية في تاريخ الإسلام، وجميع ما كتب من قبل هو أشبه بألعاب الأطفال»، ولذلك لم يكن الأستاذ أحمد أمين مخطئاً حين اعتبر نظراته في التاريخ دقيقة تفوق نظرة ابن خلدون في مقدمته.

-2-
عوامل ترتبط بالموضوع

لا شك أن البيروني قبل أن يحدث ثورته على المنهجية التي كانت سائدة قبله، التي تناولت الكتابة التاريخية، تفقد الموضوع ونظر إليه وحصر مجمل العيوب التي تتصل به التي وقع فيها غيره كالطبري مثلاً، حين اهتم بالسند ولم ينظر في متن النص معتمداً على التصور المنهجي الذي أُعطي للحديث، ولذلك جاء تاريخه نقلاً وسرداً شاملاً بحيث اختلط فيه السمين بالغث والخبر التاريخي بالأسطورة، ولعل هذا ما جعل ابن خلدون يوجّه له انتقادات لاذعة ومن قبله البيروني وإن كان هذا الأخير لا يذكره بالاسم.

انطلاقاً من هذا المنظور حاول البيروني حصر هذه العيوب ووضع منهج ملائم لمعالجتها اعتقاداً منه أن الكتابة التاريخية لا يمكنها أن تتصف بالصفة العلمية ما لم يتم تجاوز المنهج الكلاسيكي القائم على النقل والتقليد، وهذا يكون -حسبه- بمراجعة جادة للموضوع.

هذا يعني أنه ليس ممن يكتفون بالنقل، فإثبات الحقيقة هدفه والدليل اليقيني مسعاه. قال عن نفسه: «لم أسلك فيه مسلك من تقدّمني من أفاضل المجتهدين، وإنما فعلت ما هو واجب على كل إنسان أن يعمله في صناعته من تقبل اجتهاد من تقدموه بالمنّة وتصحيح خلل إن عثر عليه»، وهنا نجد إلى جانب النقد والتمحيص والبحث عن الأصل خلقاً علميًّا رفيعاً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نراه يُعلن عن فكرة التصحيح، فماذا نصحح؟

1- أخبار المتقدمين

يعتقد البيروني أن الأخبار التاريخية التي نقلها المتقدون يجب أن ننظر إليها نظرة تراكمية، بمعنى ينبغي أن تخضع للمراجعة والتدقيق، فهي تحتوي على الكثير من العبث والفساد، وهو ما يمنع الأخذ بها.

جاء في كتاب تحقيق ما للهند: «وكان وقع المثال في فحوى الكلام على أديان الهند ومذاهبهم، فأشرت إلى أكثرها مسطور في الكتب وهو منحول، وبعضها عن بعض منقول وملقوط، غير مهذب على رأيهم ولا مشذب».

2- التأكد من غاية الخبر

يعني ذلك أن جهد المخبر لا يهدف إلى نقل الحقيقة نقلاً موضوعيًّا، ولكنه يجعل منها غاية للأسمار والتلذذ، «خدمة لسيكولوجية المتلقي»، مما يجعله يضفي عليها ما يحقق ذلك، ومن ثم جاءت هذه الأخبار مليئة بالأساطير، إذ يقول البيروني: «فقصارى أمره (أي المخبر) أن يجعلها (أي الأخبار) من الأسمار والأساطير يستمع لها تعللاً والتذاذاً لا تصديقاً لها واعتقاداً»، ولكن هل من السهل تمييز الأخبار الصحيحة وغربلتها من الأساطير والأباطيل وما علق بها من فساد وعبث؟، فيضيف «وبعدُ؛ فقد سألني أحد الأدباء عن التواريخ التي تستعملها الأمم، والاختلاف الواقع في الأصول التي هي مبادئها، والفروع التي هي شهورها وسنونها، والأسباب الداعية لأهلها إلى ذلك، وعن الأعياد المشهورة والأيام المذكورة للأوقات والأعمال وغيرها مما يعمل عليه بعض الأمم دون بعض، واقترح عليَّ الإبانة عن ذلك بأوضح ما يمكن السبيل إليه حتى تقرب من فهم الناظر فيها وتغنيه عن تدوخ الكتب المتفرقة وسؤال أهلها عنها، فعلمت أن ذلك أمر صعب المتناول بعيد المأخذ»، وهي إشارة واضحة إلى صعوبة الظفر بالحقيقة في العلوم الإنسانية بصفة عامة، والتاريخية بصفة خاصة.

لكن من أين ينشأ الاختلاف في التواريخ عند الأمم؟

3- الاتباع والتقليد

بمعنى من التفسير الذي يعطى لها، والذي يكون في الغالب منقولاً وملقوطاً من غير تهذيب ولا تشذيب، بأساطيره وأباطيله.

وهاهو البيروني عندما يتحدث مثلاً عن بعض أحوال الهند يقر بتعذر استشفاف أمورها، فيقول: «يجب أن نتصور أمام مقصودنا الأحوال التي يتعذر استشفاف أمور الهند، فإما أن يسهل بمعرفتها الأمر، وإما أن يتمهد له العذر».

والحاصل أن البيروني يقدم شكوكاً مشروعة حول الحوادث التاريخية سواء كانت في شكل أخبار وروايات أم في شكل مخبرين، لذلك نجده في منهجه يرفض طريقة الإسناد والاتِّباع والتقليد، معولاً على «المحسوس في معرفة المنقول، والوقوف على الغائب من خلال معرفة الشاهد». فكيف تم ذلك؟.

-3-
منهج وأسلوب البيروني في الكتابة التاريخية

يعد البيروني من الذين «طفروا بالفكر التاريخي طفرة كبرى خصوصاً في مجال التفسير والتنظير». فمن هذا الأخير يكون قد جاء برؤية تاريخية «أكثر تفلسفاً وأعمق نظراً»، نلمس هذا في كتابه «الآثار الباقية»، فهو كتاب «مصنف في التاريخ العالمي»، قدم فيه «صورة للتاريخ البشري والحضارة الإنسانية وفق منهج يرصد النتائج المهمة والآثار العميقة التي وجهت التاريخ الإنساني كله».

وما يهمنا هنا هو المنهجية التي نسج على منوالها مشروعه في الكتابة التاريخية. فما هي السمة التي طبعتها؟، لقد اكتست النظرة العلمية باختصار، ذلك أنها عوّلت على العقل النقدي الذي يعتمد الاستدلال بالقياس في الاستنباط، والتجربة المعيشية كوسيلة للمشاهدة والدراسة في الاستقراء، ذلك أن البيروني حاول في «كل كتاباته تقريباً الاعتماد على النقد والتمحيص الذي يقيم الدليل على أهمية العقل... في كل تفكير علمي بناء، من جهة، وإلى المشاهدة واستقراء القوانين العامة بعد ترتيبها من جهة أخرى».

1- العقل الاستنباطي

إن الحديث هنا عن العقل لا يدور حول ماهيته وأنواعه وحدوده، بمعنى لا نطرح المسألة طرحاً يقحمنا في اعتبارات ميتافيزيقية، لما يخرج عنه مجال البحث، ولكننا نتحدث عنه كوسيلة معرفية يُتكَأُ عليها في الكشف عن الحقيقة التاريخية. ذلك أن البيروني حين يثير قضية المنهج، فإنه يركز بالدرجة الأولى على ضرورة التفات المؤرخ حين يضطر إلى النقل عن غيره إلى الضبط والتحري، واستعمال العقل والنظر.

جاء في كتاب الآثار الباقية: «وأبتدئ فأقول: إن أقرب الأسباب المؤدية إلى ما سئلت عنه هو معرفـة أخبار الأمم السالفة وأنباء القرون الماضية، لأن أكثرها أحوال عنهم ورسوم باقية من رسومهم ونواميسهم، ولا سبيل إلى التوسل إلى ذلك من جهة الاستدلال بالمعقولات والقياس بما يشاهد من المحسوسات سوى التقليد لأهل الكتب والملل وأصحاب الآراء والنحل، المستعملين لذلك تصيير ما هم فيه أُسَّا يُبنى عليه بعده، ثم قياس أقاويلهم وآرائهم في إثبات ذلك بعضهما ببعض». في هذا النص يبين البيروني كيف تعرف الأخبار التاريخية، ولكنه يصف الكيفية التي تبنى بها أيضاً. ذلك أن أخبار الأمم السالفة وأنباء القرون الماضية «مختلط بتزويرات وأساطير لبُعد العهد به وامتداد الزمان بيننا وبينه، وعجز المُعتني به عن حفظه وضبطه وقد قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ}، فالأَوْلى ألَّا نقبل من قولهم في مثله إلا ما يَشْهَد به كتاب معتمد على صحته أو خبر مشفوع به بشرائط الثقة في الظن الأغلب».

وعليه لابد من توخي الحذر فنقوم «بجمع المعلومات والبحث عنها في الوثائق من كتب ورسائل وآراء أصحاب المال وأقاويلهم، وهي عملية أولية هامة، ثم يقارن الأخبار بعضها ببعض ويقيس الأقوال والآراء لإثبات الخبر أو تفنيده، وأخيراً يميز الخبر الممكن من الخبر المستحيل الممتنع تميزاً عقليًّا وبالقياس مع الأخبار الممكنة عصر ذاك».

ومن الأخبار التي لا تنسجم مع المعقول بالقياس، والتي تدعو للعجب، ما يرويه البيروني عن الجيهاني: «بصدد موضع يسمى فيلوان بقرب المهرجان كصُفّة محفورة في الجبل يرْشَح من سقفها ماء دائماً، وإذا برد الهواء جمد عليه بالطول، سائلاً: وسمعت أهل المهرجان يزعمون أنهم كثيراً ما ضربوه بالمعاول فيبس موضع الضرب ولم يزدد الماء. والقياس -حسب البيروني- يوجب أن يبقى على حاله إن لم يزدَدْ». وأيضاً «ما حكى الجيهاني في كتاب المسالك والممالك من أمر الاسطُوانتين اللتين في الجامع بقيروان، ولا يُدرى جوهرهما ما هو، فزعم أنهما ترشحان ماء كل يوم جمعة قبل طلوع الشمس»، يعلق البيروني على ذلك: «موضع العجب من كونه يوم الجمعة، فلو قيل: يوم من الأسبوع مطلقاً يُحمل على بلوغ القمر موضعاً من الشمس مفروضاً وما يشبه ذلك، ولكن يوم الجمعة مشترط لا يَحْتَمِل ذلك»، وأنها من تخاريف العامة التي تقف عند المحسوس ولا تروم التدقيق عكس الخاصة التي تنازع المعقول وتقصد التحقيق، على ما يقول البيروني. ولكن ما الذي يلزم حتى تكون للمقارنة بالاستدلال والقياس قيمة علمية؟

ذلك -حسب البيروني- مشروط بتوفر روح علمية تبتعد بموجبها الذات عن التعصب، وتطرح الأهواء جانباً، وتلتزم بالنزاهة والاستقامة. فيقول: «بعد تنزيه النفس عن العوارض المردية لأكثر الخلق والأسباب المعمية لصاحبها عن الحق، وهي كالعادة المألوفـة والتعصب والتضافر واتِّباع الهوى والتغالب بالرئاسة وأشباه ذلك؛ فإن الذي ذكرته أولى سبيل يسلك بأن يؤدي إلى حاق المقصود وأقوى معين على إزالة ما يشوبه من شوائب الشبه والشكوك».

وبهذا يكون البيروني قد حدد الآليات التي تؤدي إلى نيل المطلوب، «فبغير ذلك لا يتأتّى نيل المطلوب ولو بعد العناء الشديد والجهد الجهيد».

بناء على ما سبق نستخلص أن البيروني خطا بالتاريخ خطوة هامة حولته من مستوى الخبر الذي لا يعتمد أي تفسير إلى مستوى النظر، أو «تثبيت الصلة السببية بين حادثتين أو أكثر»، إلى التحليل والتمحيص والتحقق، وهذا بالعودة إلى المصادر الأصلية اليونانية والهندية والعربية الإسلامية، وهو ما يعبر بصفة قطعية عن رفض البيروني لطريقة الإسناد والعنعنة، بعدما كان قد رفض الخبر.

فما الذي يبرزه هذا التحول؟ إنه يؤكد إقحام الفلسفة في مجال التاريخ. ولكن هل يُعتبر البيروني فيلسوفاً؟

حين نتصفح كتابه «تحقيق ما للهند» نجده يدرس فلسفة الهند ويقارنها بفلسفة اليونان من بين ذلك مثلاً (في ذكر اعتقادهم في الله سبحانه – في سبب الفعل وتعلق النفس بالمادة - في حال الأرواح وترديدها بالتناسخ في العالم..)، مما يعني أن المادة الفلسفية موجودة.

«إذن فهو فيلسوف ولكنّه عالم في الآن نفسه، وهو ما جعله يُخضع التفكير الفلسفي إلى العلم، فدرس القواعد العلمية وأصولها الفلسفية وشروط إمكاناتها الاجتماعية في الوقت نفسه». هذه الازدواجية (الجمع بين الفلسفة والعلم ) جعلت الأستاذ فتحي التريكي يتساءل: «عن إمكانية قيام تاريخ الأفكار من خلال هذا المزج بين المعطى التاريخي والمعطى الفلسفي عند البيروني».

2- العقل الاستقرائي

لاحظنا أن الروح الوثائقية التي اعتمدها البيروني هي التي تكمن وراء نقده للخبر والمخبرين. لكن هل يعني ذلك أن فلسفة التاريخ عنده تستند على العقل الاستنباطي فقط؟ «إنّ الروح السابقة لم تكن هي الوحيدة، بل أيضاً طريقة التعامل العلمي مع المعرفة بصفة عامّة التي تفرض المشاهدة والعَيان والتجربة والقياس». بهذا يكون البيروني قد استحدث آلية ثانية في مجال المنهج، ذلك -حسبه- أنّ ما يحصله المرء عياناً أهم بكثير ممّا يعرفه سماعاً. فـ«ليس الخبر كالعيان، لأن العيان هو إدراك عين الناظر عين المنظور في زمان وجوده وفي مكان حصوله، ولولا لواحق آفات بالخبر لكانت فضيلته تبين على العيان والناظر لقصورهما على الوجود الذي لا يتعدى آنات الزمان وتناول الخبر إياها وما قبلها من ماضي الأزمنة وبعدهـا من مقتبلها حتى يعم الخبر لذلك الموجود والمعدوم معاً»، ولكن ما الذي يجعل المشاهدة والعيان أهم من السماع؟

إنّها تضعنا أمام الحدث التاريخي بكلّ تفاصيله الدقيقة.

ومِن ثمّة كانت «المشاهدة ضرورية بل أساسية لكل تاريخ اجتماعي حضاري»، الأمر الذي يجعل «التجربة المعيشية حيوية لفهم نمط عيش الأفراد والمجموعات في الحضارات المدروسة أو في القبائل والمجتمعات، كان البيروني كالعالم الأنثروبولوجي قبل الاعتماد على الخبر والرواية والمصادر المكتوبة كان يقدم صورة دقيقة وموضوعية للحضارة الهندية التي شاهدها وتفاعل معها ونقدها وحفظ لغتها».

إن مكوث البيروني في الهند جعله يدرس المجتمع الهندي وتاريخه، ويجادل علماءه وأدباءه، ويقف على أساليب حياته وحكمه، وعلى مناهجه في الفلسفة والتفكير والعلم. فمما يحكيه مثلاً عن الهنود أنهم «لا يظنون أن في الأرض غير بلدانهم، وفي الناس غير سكانها، وأن للخلق غيرهم علماً، حتى إنهم إن حُدِّثوا بعلم أو عالم في خرسان وفارس استجهلوا المخبر ولم يصدقوه للآفة المذكورة، ولو أنهم سافروا وخالطوا غيرهم لرجعوا عن رأيهم»، فهو يؤكد هنا على دور المشاهدة بحيث تنفتح من خلالها آفاق المعرفة، ذلك أن الذي لم يشاهد ولم يعايش سيظل منغلقاً، مما يؤدي إلى الابتعاد الكلي عن التفسير العلمي لا محالة. غير «أن البيروني لا يكتفي باستعمال العقل واستنباط القوانين، كما أشرنا سابقاً، أو يقتصر على تسجيل المشاهدات، بل يحاول دائماً التحقق منها بالتجربة». ولكن «التجربة» في حد ذاتها لا تعني أن البيروني وصل بالعلم إلى أساسه التجريبي.

فهناك فرق بين «التجربة والتجريبية، فالتجريبية منهجية متطورة تطلب ثورة إبستمولوجية هائلة وتطوراً تقنيًّا في الكم والكيف».

إذن فلا يقصد بالتجربة حمل الحادثة إلى المخبر وصنعها باستخدام الآلات كما هو الشأن بالنسبة للظواهر الطبيعية، إنما المقصود بها المقارنة والقياس.

يقول البيروني: «والطريق الذي مهدته ليس بقريب المأخذ، بل كأنه من بُعده وصعوبته يشبه أن يكون غير موصول إليه لكثرة الأباطيل التي تدخل جل الأخبار والأحاديث، وليست كلها داخلة حد الاقتناع، فتُميِّز وتُهذَّب. لكن ما كان منها في حد الإمكان وجرى مجرى الخبر، ألحق إذا لم يشهد ببطلانه شواهد أخرى، بل قد يُشاهد وشُوهد من الأحوال الطبيعية ما لو حُكي مثلها من زمان بعيد عهدنا به لثبتنا الحكم على امتناعها». يضيف قائلاً: «.. ثم المشاهدة فقط والقياس عليها لا يخرج طول الأعمار وعظم الأشخاص وأكثر ما أخبر عنه عن الإمكان، فإن ما يشبه هذه الأشياء يجيء في الأزمنة على ضروب كثيرة، فمنها ما لها أوقات معلومة تدور فيها متعاقبة وتغاير عند كونها ممكنة، فإذا لم يشاهدها المشاهد أوقات كونها استبعدها وربما يسارع إلى نفيها».

هكذا ينتقل البيروني من مستوى الوصف للحوادث ومشاهدتها إلى مستوى التعليل والتفسير والفهم العلمي لها، وذلك من خلال النظر العقلي بالعودة إلى المصادر الموثوقة.

يقول: «أفلا ينظرون في كتب الطب، ولا يسمعون من أقاويل من يحكي عنهم الفاضل «جالينوس» في كتبه من المتقدمين». الكلام هنا موجه لفرقة من النصارى، لكن هو في حقيقته موجه لكل الذين لا يحللون ولا يتأملون، ويكتفون بالنظرة السطحية الساذجة للعلم.

والحاصل: أن المنهج العلمي البيروني «مفتوح يعتمد النقد والمناقشة فيسجل المشاهدات ويصنفها، ويضع لها الضوابط والقوانين، رافضاً كل تقليد وانغلاق».

وفي الختام نقول: «إن السمة الغالبة على منهجية البيروني هي:

1- نبذ الدوغمائية

إن القول بامتلاك الحقيقة المطلقة وبلوغها وهم وخيال، ولا يجد له أي سند يقوم عليه، ذلك «أن عمر الإنسان لا يفي بعلم أخبار أمة واحدة من الأمم الكثيرة علماً ثاقباً. فكيف يفي بعلم أخبار جميعها ؟ هذا غير ممكن». ولذلك يقترح البيروني خطة منهجية تساعد على التحصيل: «وإذا كان الأمر جارياً على هذا السبيل فالواجب علينا أن نأخذ الأقرب من ذلك فالأقرب، فالأشهر فالأشهر، ونحصلها من أربابها ونصلح منها ما يمكننا إصلاحه»، وما لا نستطيع بلوغه نتركه على وجهه، «ليكون ما نعلمه من ذلك معيناً لطالب الحق، ومحب الحكمة على التصرف في غيرها، ومرشداً إلى نيل ما لم يتهيأ لنا».

إذن، التحلي بالروح الدوغمائية يضر أكثر مما ينفع العلم حسب البيروني، ولذلك وجب نبذ هذا الوثن والتخلي عنه خدمة للعلوم وطريقاً للعقول، «وأظن أن فيما صححته من الأصول كفاية لتلقيح العقول وهداية إلى تهذيب النظر في أوائل أحوال البشر».

2- النزعة العلمية والفلسفية

حيث ظلّت هذه السمة ملازمة لكتاباته التاريخية، فنجده دوماً يشير إلى المنطق الداخلي للحدث الذي تحركه العوامل الاجتماعية المتوارثـة التي يسميها الرسوم والعادات، ثم يستخلص من الحدث التاريخي بعض القواعد التي تؤكده أو تدحضه.

وبذلك جاء التاريخ عنده عرضاً منظماً للأحداث المتعاقبة، ومكتوباً بأسلوب يمكن وصفه بما يلي:

أ- الصعوبة

كل من يبحث في البيروني يكتشف صعوبة أسلوبه، لكن الغريب في الأمر أن ذلك لم يكن صدفة، فقد كان على وعي تام، فما الحكمة من ذلك؟

«إني أخلي تصانيفي العلمية عن المثالات ليجتهد الناظر فيها، لمن كانت له دراية ومحبة للعلم، وأما من كان من الناس بغير هذه الصفة فلست أبالي به، فَهِمَ أم لم يفهم فعندي سواء».

ب- الأسلوب الرياضي

لقد اعتبر البيروني الرياضيات نموذجاً يحتذى به في تحقيق الدقة، ولا غرابة في ذلك بما أنه كان رياضيًّا، ومن ثمة جاءت تواريخه «مثبتة في جداول تسهيلاً منه للإحاطة وتخفيفاً للتفوّه بها».

وعقب هذه الإحاطة المختصرة بمسألة المنهج لدى البيروني، نخلص إلى أنه ابتدع منهجية علمية في قراءة الحوادث التاريخية تكون ركيزتها الأساسية الرؤية التجريبية التي تعزل الظواهر الاجتماعية والحضارية، ثم تتبعها مجزأة لتصل بها في الأخير إلى الاستقراء.

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة