تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الصور الثقافية المتبادلة بين العالم الإسلامي والعالم النصراني زمن الحروب الصليبية

سارة حكيمي

*

* باحثة، تونس.

- جامعة تونس، المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي.

- رسالة دكتوراه في العلوم الثقافية.

- إعداد الباحثة: سارة حكيمي.

- إشراف: الدكتور إبراهيم جدلة.

- نوقشت بتاريخ: 6 ديسمبر 2011م.

مقدمة

تستهويني مسألة الآخروية وتناول صورة الآخر، كما ساعدني الدكتور حفناوي عمايرية في بلورة مسألة صورة الآخر في فكري، وتحديداً من خلال مدِّي بكتاب شمس الدين الكيلاني: «صورة أوربا عند العرب في العصر الوسيط، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق، 2004»، هذا الكتاب جعلني أتساءل: كيف هي صورة العرب عند أوروبا؟

زد على ذلك أنه من خلال مشاركتي في ملتقيات متعددة على مستويات وطنية ودولية لجنسيات مختلفة لاحظت أن الصورة العامة التي يحملها كل طرف عن الآخر هي صورة مغلوطة، وأنها سرعان ما تتجدد باللقاء والتعارف. ومع ما شهده العالم وما يشهده من صدامات بين أمم مختلفة، وتدافع بين حضارات متعددة، رأيت ضرورة مساهمة الباحث من موقعه في البحث عن العلاج العلمي للمشاكل بين الشعوب والحضارات، وإيقاد ولو شمعة سلام في ظلام التشنجات والحروب.

كانت هذه بدايات نشأة الموضوع والانطلاق في جعله موضوع الأطروحة الخاصة بدكتوراه العلوم الثقافية.

-1-
تقديم عام

أرغب في أن نعيش سويًّا موضوع البحث، الذي سنفصل فيه لاحقاً، من خلال منطلقين:

1- المنطلق الأول: وهو عملية إحصائية قام بها المؤرخ والفيلسوف الأمريكي (ول ديورانت Will Durant) متوصلاً إلى أن عدد سنوات الحرب التي خاضتها البشرية فوق هذه الأرض فوجدها 3421 سنة. بينما لم تزد سنوات السلام والهدنة عن 268 عاماً. إذن لم تتمتع الإنسانية إلا بعام واحد سلاماً كل اثني عشر سنة حرباً وصراعاً.

لنا أن نتصور مدى معاناة الإنسانية من الحروب التي تعتبر أحد أشكال غياب التواصل ولفظ الآخر: إنه لقاء عدائي تصادمي مع الآخر، وفي الواقع تتسع دائرة العداء بين الأنا والآخر لتصبح مرآة الشعوب تجاه بعضها، وهو ما يجعل العلاقة بين الإنسانية باختلافاتها موضع خطر ويجعل صورة الأنا والآخر موضع مساءلة.

2- المنطلق الثاني: وهو واقعة حدثت في إحدى مدارس أوروبا عندما زيّن مدير المدرسة الغربي جدران الفصول بصور الجمال والصحراء تعبيراً منه عن التواصل مع التلاميذ العرب في مدرسته، وعندما سئل عن ذلك قال: إن تلك الصورة هي ما يتبادر إلى ذهنه آليًّا عندما يتم ذكر العرب.

وهو ما جعلني أتساءل ما الذي يتبادر آليًّا إلى فكر الغربي لو قيل: عربي؟ وما الذي يتبادر إلى ذهنه لو قيل: مسلم؟ ما الذي يتبادر إلى ذهن المسلم إذا قيل: له أوروبي؟ وما الذي يتبادر إلى ذهنه لو قيل له: غربي؟

لا شك أن هناك انطباعاً ظل راسخاً وأصبح يرتبط بمجرد الذكر. إنه الحديث عن الصورة الآلية التي هي في الواقع نمطية. ولكن هل كل عربي هو راكب الجمل المسافر في الصحراء؟ وهل كل مسلم إرهابي؟ وهل كل أوروبي منحل أخلاقيًّا مادي؟ وهل كل غربي مستعمر لا محالة؟

إنها مسألة التواصل بين الاختلافات، بين شقين من الجدلية بين الأنا والآخر في إطار الصورة الثقافية.

من خلال هذين المنطلقين يمكن الربط بين مسألة اللقاء التصادمي والصورة الثقافية، لأعبر عن موضوع الأطروحة كما يلي: تناول أحد جوانب مسألة التواصل مع الآخر: «الصورة الثقافية» كمعطى متجذر في السياق التاريخي الثقافي، يحدد درجة ومستوى التواصل والبحث في كيفية بناء أو تغيير أو تعديل الصورة الثقافية السلبية بأخرى إيجابية مجدية في ملاقاة المتعدد.

تم اختيار دراسة الصورة الثقافية كأحد معطيات التواصل للأسباب التالية:

1- الصورة الثقافية هي المفتاح لعلاقة الثقافات بعضها ببعض.

2- هي من يسم هذه العلاقات بالعدائية أو الحوار ومن يتحكم في درجاتهما.

3- هي تعبير عن تمثّل الآخر ورسم صورته في المخيال العام للثقافات.

4- دراسة أصول ومنابع الصور الثقافية وكيفية تشكلها يفيد في فهم خلفيات الصراع النصراني الإسلامي/ الغربي الإسلامي، وهي الخلفيات التي حكمت الصراع قديماً وحديثاً.

5- هي المسؤول عن الفهم النمطي للآخر.

وللبحث في الصور الثقافية الآنية يجب العودة إلى أصل نشأة هذه الصور وما ارتبط بها من أحداث، يستوجب دراسة في جذور هذه الصور الثقافية وكيفية تشكلها، لأنها نتاج لتفاعلات تاريخية وظرفيات معينة ساهمت في صياغتها وامتد تأثيرها حتى العصر الحاضر. «فماضينا يسيطر بكل ثقله على حاضرنا ويحركه. ومخيالنا المعاصر في آليات اشتغاله ليس إلا امتداداً واجتراراً للمخيال العربي الإسلامي الوسيط». ومن هنا كان اختيار فترة الحروب الصليبية للأسباب التالية:

1- أطول فترة احتكاك بين العالم الإسلامي والعالم النصراني ولها تأثير حاسم في شكل العلاقات المعاصرة بين أوروبا والعالم الإسلامي، فما ظل في الذاكرة من تلك الحروب أثر في كيفية تمثل كل طرف للآخر، فقد كانت فترة تلاقٍ بين ثقافتين على امتداد زمن طويل واحتكاك بين حضارتين لما يقارب مائتي عام، إنها لقاء لأكثر من مائتي سنة، أي ما يمثِّل 1/7 التاريخ الإسلامي، ويندر أن نجد في تاريخ الإنسانية ظاهرة كان نصيبها من الخيال والدراسة معاً مماثلاً لنصيب «الحركة الصليبية». وكذلك الأمر بالنسبة للعالم الغربي «فبالنسبة لخمسة عشر جيلاً من أبناء الغرب الأوروبي كانت الحروب الصليبية تشكل جزءاً حيًّا وحيويًّا من عالمهم»، حتى أن المؤرخ الكندي نورمان كانتور Norman Cantor وجد، في دراسة قام بها، أن الحادث الوحيد الذي يعرفه الخريج العادي من الجامعات الأمريكية فيما يتعلق بتاريخ العصور الوسطى هو الحملة الصليبية الأولى، ووجد أيضًا أن انطباعات هؤلاء الخريجين عن هذه الحملة إيجابية جدًّا.

2- «الحروب الصليبية وثيقة الارتباط وإن بصورة غير مباشرة بالعهد المعاصر، ولاسيما بالصراع الأيديولوجي والسياسي الجاري على الصعيد العالمي، وهذا ما يفسر الاهتمام المتواصل بالحروب الدينية التي وقعت في القرون الوسطى.. وليس من قبيل الصدفة أن ظهر في السنوات الأخيرة عدد كبير من البحوث في هذا الموضوع.. إن تاريخ الحروب الصليبية يشغل العقول كثيراً وليس فقط في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فعنه يكتب أيضاً في آسيا وإفريقيا وحتى في أستراليا».

3- فترة الحروب الصليبية لعبت دوراً رياديًّا في تكوين المتخيل الإسلامي والنصراني في تلك الفترة، وامتد أثرها إلى العصر الحديث.

4- الصورة الثقافية معطى ثقافي ولكنه كذلك تاريخي؛ ذلك أن الصورة تنشأ في التاريخ وترافقه لحقبات طويلة، وتدلي بتأثيرها على المدى القريب وخاصة البعيد.

5- السياق التاريخي هو الذي يفك لنا رموز الثقافات من نشأتها إلى تطورها، وصورة الآخر -كما تشير الباحثة التونسية أسماء العريف بياتريس- «تشيد على ميدان التاريخ، ولكن انطلاقاً من أنماط أصلية عابرة للتاريخ».

وبالتالي يصبح منطلقنا مسألة التواصل بين العالم الإسلامي والعالم النصراني/الغربي عموماً وبأكثر تحديد تناولنا في هذه الأطروحة الصورة الثقافية وأثرها على العلاقات الحضارية بين الطرفين وما تولّد عن ذلك من صور مشوهة عن الآخر أدت إلى التصادم والصراع، وساهمت في الأحداث الآنية بما رسخته في الضمير الجمعي لأفراد كل ثقافة عن الأخرى، فالمتعدد هنا يصبح عدوًّا بفعل تمثلنا له مع الاحتكام إلى مجموعة من الأحكام المسبقة وإنتاج صور ثقافية بناء على هذه الأحكام وبعيداً عن الواقع. وهو ما حرّك الترسبات التاريخية في الذاكرة الجمعية وأنتج فهماً سيِّئاً، أدى بدوره إلى انعدام التفاهم بين الذات والآخر ورفض كل أشكال التواصل والحوار مع الخارج، فأصبح الحديث عن عدم اعتراف وإقصاء وتنازع ترجم ذلك ميدانيًّا في المشاحنات والمصادمات والحروب.

كل ذلك تم تناوله من خلال الإشكالية التالية: أي وقع للصورة الثقافية للآخر (الإسلامي والنصراني)، الناشئة زمن الحروب الصليبية، في العلاقات الحضارية؟ وأيهما أجدى في الاختلاف: ملاقاة المتعدد أو الحرب معه؟

-2-
ملخص مدخل الدراسة

سنتناول بعض النقاط الواردة في مدخل الدراسة الذي احتوى محددات منهجية وإطار مفاهيمي وإطار تاريخي.

أما المحددات المنهجية فتناولت فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره وإشكالية البحث، ثم أهداف البحث ومنهجيته لنصل إلى قراءة في الدراسات السابقة المتناولة لجوانب من الموضوع. وفي هذه الدراسة ليس الهدف تكرار ما تم استعراضه في مؤلفات ودراسات الآخرين وإنما مهمتنا الوقوف على موضوع مهم يرتبط بفترة الحروب الصليبية من خلال البحث في الصورة الثقافية للآخر الإسلامي والنصراني في تلك الفترة. إنه بحث حضاري ثقافي وإن كان ميدانه التاريخ، ففي اعتمادي على المصادر إحاطة بالمجال الزمني للبحث، أما المراجع فلقد كانت السبيل الذي اهتديت من خلاله، بعد تنقيب وانتقاء، إلى الإجابة عن إشكالية البحث التي تم طرحها، هذه الإشكالية التي تناولت المراجع جانباً منها إلا أننا لم نجد بحثاً خُصّص بالذات لتناول الصورة الثقافية المتبادلة للآخر من جميع جوانبها السلبية والإيجابية بين العالمين الإسلامي والنصراني.

أما الجانب المفاهيمي فأهميته في أنه يجعل الدراسة بيّنة المقاصد، واضحة الأبعاد، خالية من اللبس والغموض؛ فقد سأل أحد ملوك الصين القدماء الفيلسوف الحكيم كونفوشيوس Confucius قائلاً: «أريد أن أصلح الدولة فبماذا أبدأ»؟ فأجابه كونفوشيوس: «إبدأ بإصلاح اللغة وتحديد المصطلحات».

أما الإطار التاريخي للدراسة فيتمثل في الأطر الزمانية والمكانية والأطراف المقصودة في البحث، أي السياق التاريخي الذي هيأ السياق الثقافي. ذلك أن تناول الصور الثقافية خلال فترة العصر الوسيط يختلف عن تناولها في العصر الحديث ويختلف عن تناولها في زمن ما بعد الحداثة أو غيره. فلكل زمان خصوصياته.

-3-
آليات صنع صورة الآخر

ننتقل الآن إلى الباب الأول من الأطروحة الذي أوليته موضوع آليات صنع الصورة الثقافية للآخر، وهو حديث عن طريقة تكوّن هذه الصورة، كيفية صياغتها، وما يرتبط بها من حيثيات زمانية ومكانية تؤثر في طريقة تشكلها. ويكمن دور الآليات في أنها الرحم التي تبلور العلاقات بين الثقافات والحضارات، نظراً للدور الريادي الذي تلعبه في صياغة متمثّلنا عن الآخر وتوجيه هذا التمثل.

فالخطاب بين الثقافات أو الحضارات يشتغل وفقاً لآليات تبرر الأبعاد المتخيلة عن الآخر لأنها من تنتجها. وبقدر أهمية البحث في طبيعة الصورة الثقافية نرى أهمية البحث في ما كان وراء هذه الصورة الثقافية وكيفية تكونها على هذا النحو أو ذاك.

-4-
طبيعة الصورة الثقافية

في قراءة لما كان بين يدي من مصادر ومراجع بدت لي صورتان أساسيان وسمتا المتخيل الإسلامي والنصراني زمن الحروب الصليبية: إحداهما كانت سلبية والأخرى إيجابية على النحو التالي:

الصورة النمطية: عند البحث عن صورة المتخيل أثناء الحروب الصليبية واستنطاق الأحداث التاريخية ووضعها في سياقها الثقافي، تتجلى ملامح النمطية التي تحكم الصور الثقافية بين العالم الإسلامي والعالم النصراني، نمطية تتراوح بين سمتين ميزتا تمثل كل ثقافة لدى الأخرى وهما: العدائية والمركزية.

فقد صيغت سيكولوجية العداء وفقاً لما نسجه المخيال وما أنتجه من تمثلات للآخر، كان خلفية لمذابح صورت بفظاعة شديدة في المؤلفات الشرقية والغربية، خاصة مع المجازر التي وقعت أثناء الحملة الصليبية الأولى. فشحن الذاكرة بصفة جماعية بصور نمطية سلبية يشوه التاريخ بأحداث مثل هذه تظل نابضة، يعبر عنها ألكسي جورافسكي في عبارة تأليفية بقوله: «إن التصورات الغربية المعاصرة حول دين المسلمين لم تتكون وترتسم في صفحة بيضاء خالية وإنما انعكست في مرآة قديمة مشوهة».

أما المركزية فنقصد بها عموماً:

- نظرة معيارية تفاضلية للأنا التي من حقها القيادة والريادة باعتبارها ذات نفوذ، ومسرح للسيطرة.

- المركزية الثقافية هي النظر للثقافات غير ثقافة الأنا من منطلق الفوقية، إنها إنتاج لذهنية نمطية ينظر منها الأنا المركزي إلى العالم، نظرة يحكمها الاستعلاء المتخيل.

وقد تجلت المركزية الإسلامية في تلك الفترة في:

- تفوق حضاري لدار الإسلام.

- مركز العالم يتغير بتغير دار الإسلام.

- صورة دونية للآخر طالما أن معرفته لا تضيف شيئاً برأي رحالة تلك الفترة، وهو ما جعل المقدسي ينظر باستخفاف إلى الاستقصاء المعرفي عن أوروبا طالما «لا يجد ما يفيده من تلك المعرفة ولا يغنيه».

وكذلك فعل ابن حوقل الذي جعل دار الإسلام في قلب الأرض، وأكّد على أن التعرف على دار الإسلام والتفصيل فيه يعتبر من الأهمية بمكان، بينما تكون الأقاليم الأخرى مهملة وفقاً للمعيار الديني والحضاري. «فكل من لا يتنفس رحيق العقيدة الإسلامية يعتبر مهملاً وفاقداً للخصال الأساسية التي تجعله مقبولاً في «أرض» ابن حوقل».

أما المركزية النصرانية فتجلت كالآتي:

- مركزية كنسية بالأساس خاصة مع الوحدة الأيديولوجية التي نشأت مع تنصر أوروبا بالكامل.

- تدعمت بإصلاحات دير كلوني.

- خطاب البابا أوربان الثاني أسبغ جميع صفات الإيجابية على شعب الرب ونزع جميعها عن المسلمين مما دعم الشعور بالتفوق العقدي لدى النصراني الغازي.

الصورة النفعية: أما الصورة الثقافية السلبية الثانية فتمثلت في الجانب النفعي في رؤية الآخر، فالحرب أغراض ونفعيات تراها الأنا في الآخر.

- نظرة الأنا تتحدد في زاوية ما سأنتفع به من الآخر.

- نفعية من جهة المهاجم دون اعتبار المدافع وإن أفرزت آثاراً دموية لتحقيق نفعيتها.

- تغييب الجانب الإنساني للآخر وحصره في النفعية المطلقة.

- نفعية مرتبطة بضرر الآخر.

وفي الحديث عن الحروب الصليبية، نتحدث عن صورة ثقافية نفعية من الآخر الإسلامي، رسمت ملامحها الكنيسة النصرانية اللاتينية، وتراوحت بين النفعية المادية (نفعية اقتصادية، نفعية سياسية..) والنفعية المعنوية (نفعية دينية، نفعية اجتماعية..). وقد أدرجت هذه الصورة الثقافية ضمن الصور السلبية لأنها كانت نفعية من جهة واحدة دون اعتبار الطرف الثاني، وأفرزت آثاراً دموية لتحقيق نفعيتها. زد على ذلك أن مجرد رؤية الآخر من زاوية ذرائعية يعتبر في حد ذاته أمراً سلبيًّا يحصر النظرة للآخر في قمقم الاستفادة فحسب دون النظر إلى جوانب إنسانية.

إن اللقاء الحربي بين معسكرين هو في الحقيقة لقاء بين ثقافتين، فشل بينهما التواصل وساد الصراع للفصل، وبغض النظر عن الدوافع والأغراض لكلى الطرفين، لا يمكن القول: إن زمن الحرب يكون كله حرباً، لأنه يتلوّن بالجانب الاجتماعي الإنساني، فلا يمكن حصر الثقافات في قمقم الأسلحة والمواجهات، بل تتفاعل فيما بينهما ولو كان ذلك لاشعوريًّا.

وقد قام الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش بدراسة في موضوع التعايش بين المسلمين والنصارى زمن الحروب الصليبية أطلق عليها عنوان: (مجتمع الصليبيين في بلاد الشام من خلال الإسطوغرافيا الإسلامية المعاصرة للحروب الصليبية: رؤية الآخر، التعارف والتعايش)، تناولت العديد من جوانب التعارف بين الثقافتين، وتعرضت للجانب الاجتماعي الثقافي من الحروب الصليبية.

ويبرز التعايش بين المسلمين والنصارى على عديد المستويات (الاجتماعية، الاقتصادية، القضائية، السياسية..)، ومن خلال العديد من التصريحات والملاحظات، منها ما يبين الإعجاب بالثقافة الأخرى والثناء عليها في بعض خصالها أو الاهتمام بأنماطها الثقافية وخصوصيات الثقافة الآخروية، ومنها ما يبرز التعاون بين المسلمين والنصارى، ومنها كذلك بعض المواقف التي أبرزت إمكانية الحوار والتفاهم بين الثقافتين، ومنها الصلات التي ربطت الصليبيين بالمسلمين.

كل هذه الإشراقات الحضارية أضفت على قتامة الحرب والقتال، كثيراً من فترات الهدنة والسلام، ومما يذكره أسامة بن منقذ في مذكراته، أنه كانت تربطه بالصليبيين صداقة وودّ حتى أنهم ينادونه بعبارة «يا أخي». ويقول أيضاً: «فكنت إذا دخلت المسجد الأقصى وفيه (الداوية) وهم أصدقائي».

ويذكر ابن شداد أنه عندما طال أمد القتال بين الصليبين والمسلمين أمام مدينة عكا عام 1190م، «أنس البعض بالبعض بحيث إن الطائفتين كانتا تتحدثان وتتركان القتال. وربما غنّى البعض ورقص البعض لطول المعاشرة، ثم يرجعون للقتال بعد ساعة». وعندما طالت أيام المعركة أراد الجنود أن يستريحوا ويصنعوا معركة رمزية. فاقترحوا إيقاف القتال وإيجاد مبارزة بين صبي مسلم وآخر صليبي، ونجح الصبي المسلم في أسر الصبي المسيحي، ليسترده الصليبيون بدينارين دفعوهما للصبي المسلم.

من خلال ما سبق، لا يمكن القول: إن الحرب كلها قتامة ولا كلها إشراقة، إنها مراوحة بين هذه وتلك، فعند تعرضنا للصورة السلبية الثقافية لكل طرف عن الآخر، يظن القارئ أنه من الصعب تغييرها، وإذ بنا في الفصل الأخير من هذا الباب نجد أن الصور النمطية والمركزية والعداء وغيرها من أشكال الكره والتفريق تتهشم أمام العلاقات الإنسانية والتفاعلات البشرية، فرغم أن السيف فرّق المسلمين والنصارى وجدنا أن الحكمة والمناظرات جمعتهما، وكما فرقتها وجهة النظر وجدناهما تصادقا وإن اختلفت الرؤية، وحتى التطرف هوّنه التعايش والتقارب.

قدم الصليبيون النصارى إلى الشرق الإسلامي لتنصيره أو أوربته فتمشرقوا. فرغم الصراع القاتم لمدة قرنين من الزمن، تنجح العلاقات الإنسانية، التي تتجاوز الحدود والصراعات، في البرهنة على أن الإنسان ميّال بطبعه للتعارف والتقارب، وأن ما جعل ثقافة جديدة تنتج عن هذه الحروب الصليبية هو الإنسان الذي برهن في أقسى الظروف عن إمكانية التعارف والتعايش والتعاون والتفاعل.

-5-
ما بعد الصورة

ونقصد بها مدى تأثير الصور الثقافية المنتجة إبان الصراع الصليبي على طريقة إدراك الآخر فيما بعد، ودور تلك النتائج في صياغة متخيل جديد للآخر سواء ماثل أو اختلف مع ذلك المتخيل لما قبل وأثناء الحملات الصليبية.

وبكل صدق كانت مفاجأتي في هذا الباب أكبر من أي باب سابق أو لاحق، ذلك أن مدى تأثير الصور المنتجة إبان الصراع الصليبي ما كنت لأتصور أنها بيننا الآن وتعيش معنا بعد قرون طويلة، فأن تظل نابضة بعد انتهاء الحروب الصليبية لزمن طويل فذلك منطقي، ولكن بعد أن شهد العالم حديثاً ما شهده من تطور سريع نجدها ظلًّا خفيًّا يحرك المشاعر فهذا ما يثير الاستغراب والدهشة. ولكن إذا ما استحضرنا المفهوم التراكمي للثقافة الذي أشار إليه كوينسي رايت Quincy Wright باعتبارها نموًّا تراكميًّا للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب، يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية، فإنه يمكننا تفهم الأمر، والمعطى التراكمي للثقافة يؤثر بدوره في الصورة الثقافية للآخر من خلال ما يترسب في المخيال وما يدركه الوعي الجماعي في فترات زمنية متتابعة وإن كانت متباعدة.

سأختصر أهم ما توصلت إليه في هذا الباب في عنوانين أساسين هما: صورة الآخر الإسلامي، وصورة الآخر النصراني:

أهم النتائج على مستوى المتخيل الإسلامي

- صورة ثقافية سلبية متراكمة بمعطياتها نفسها منذ الحروب الصليبية إلى حدود القرن العشرين في الإساءة إلى الإسلام ونبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم).

- كتابات مهاجمة للإسلام وقاموس داحض للآخر الإسلامي.

- سيطرة الوتيرة القروسطية في نظرة الآخر الإسلامي.

- الإسلاموفوبيا كمصطلح حديث ولكن كحالة قديمة، باعتبار أن ذكر الإسلام في الذاكرة الجماعية للأفراد الأوروبيين ارتبطت بالإساءة والعداء وتصويره على أساس أنه تيار يريد احتواءهم وتدمير هويتهم.

- الإسلاموفوبيا صورة ثقافية تراكمية عن الآخر الإسلامي، ناتجة عن الصراعات التاريخية للمسلمين مع أوروبا.

إن مسألة الخوف من الإسلام مسألة نفسية، تمس الجانب الانفعالي من الإنسان. ونتجت بناء على تاريخ مطول من الصدامات وأحداث دعمت هذا الخوف، فأصبح الترابط بين الآخر الإسلامي والرهاب آليًّا في نفسية الفرد الغربي. فقد اقترنت في المخيال العام الغربي أن الإسلام والمسلمين معطيات سلبية ذات تسلسل تاريخي دموي يرتبط بالعنف والحرب.

وفي عديد المؤلفات الغربية الحديثة نجد هذه الصورة السلبية للآخر الإسلامي منذ العصور الوسطى حتى العصر الحديث، ومنها كتابات جون فلوري Jean Flori الذي صوّر الرؤية الغربية للإسلام في كتابه: (Guerre Sainte، Jihad، Croisade: Violence et Religion dans le Christianisme et l’Islam، حرب مقدسة، جهاد، حروب صليبية: عنف ودين في النصرانية والإسلام). وبحث عن الجذور التاريخية للرهاب من الإسلام، مشيراً إلى أن أول لقاء للإسلام بالنصرانية كان حربيًّا ودمويًّا مما جعل أول انطباع يبنى عليه أنه دين العنف في المتخيل الأوروبي.

- احتواء المناهج المدرسية الغربية الحالية على محتوى الصورة القروسطية بوصف القرآن بالتناقض وأنه مزيف مأخوذ من الكتب السالفة:

* يصور المسلمون في كتب التاريخ والجغرافيا على أنهم برابرة ووحوش، سفاكي دماء.

* القرآن مجرد كلام يحتوي على تعاليم محمد ولا يعتبر وحياً إلهيًّا.

- ترسيخ الشعور بالمركزية الغربية وبث الاحتقار للعالم الإسلامي.

- تبرير الحروب الصليبية وإنشاء الأيديولوجية الصليبية التي أصبحت تعبر عن كل حملة ضد الشر ومن أجل هدف نبيل.

ففي الحرب العالمية الأولى استغلت الكتلتين المتحاربتين الستار الديني لتعلنا حرباً من أجل القيم العليا وللأخلاق المسيحية. وفي الحرب العالمية الثانية اعتمد القاموس الصليبي من جديد حتى أن النازيين سموا خطتهم للهجوم على الاتحاد السوفياتي بخطة بربروسا، وعلى بكلات أحزمة الجنود الهتلريين كان يظهر الشعار «الله معنا».

وفي القرن الواحد والعشرين يستعمل الرئيس السابق للولايات المتحدة جورش بوش الابن مصطلح الحملة الصليبية في خطابه ليوم 16 سبتمبر 2001 قائلاً: إنها حرب صليبية.

أهم النتائج على مستوى المتخيل النصراني

- صورة ثقافية مشوشة بين الاجترار للفضل الحضاري للأمة الإسلامية وقبول الآخر والتعاون معه أو رفضه والقطع معه.

- صورة نمطية عن الآخر الغربي وكأن الغرب واحد.

- تحويل الغرب من ذات دارسة الى ذات مدروسة، والبحث عن صورة الغرب في فكر الشرقي، وهو ما يسمى بالاستغراب.

- ترسيخ الصورة العدائية بين الشرق والغرب.

- تناول المناهج الإسلامية للآخر الغربي من وجهة النظر الإسلامية مما يكون تفكيراً أحاديًّا لدى التلميذ.

- لا يحضر الآخر النصراني إلا مفاجأة في الحروب، وهو ما يرسخ صورة الآخر العدو.

- مناهج مدرسية تحث على الكراهية.

- مناهج مدرسية تعميمية تساهم في نمطية الصورة الثقافية عن الآخر.

وهنا نستحضر البحث الذي قامت به الدكتورة فوزية العشماوي، حول صورة الآخر في المناهج الغربية والإسلامية. وتوصلت فيما يخص تناول المناهج الدراسية الإسلامية لمسألة الآخر الغربي والنصراني إلى أن:

- تتناول المناهج الإسلامية موضوع النصرانية من وجهة النظر الإسلامية فحسب، رغم أن الأجدى تناولها من وجهة نظر إسلامية ووجهة نظر نصرانية، فمن الضرورة بمكان تعليم الناشئة عرض وجهات النظر المختلفة لتهيئتها لقبول الآخر وليس السكوت عنها مما يكوّن شخصية أحادية الجانب في المواقف والتنوع.

- لا يحضر الآخر النصراني في كتب التاريخ الإسلامية إلا مفاجأة عندما يكون عدوًّا في الفتوحات الإسلامية الأولى وخاصة فتح مصر والشام وفلسطين، فيتم ذكر الروم البيزنطيين الذين كانوا يحتلون هذه البلاد ويسيئون معاملة أهلها قبل دخولها الإسلام. ومن ثم يتعرف التلميذ المسلم لأول مرة على النصراني الظالم، ثم مع تقدم منهج التاريخ يصبح الآخر هو الأوروبي المستعمر حيث يتم تقديم الأوروبيين على أنهم المستعمرون والمحتلون الذين جاؤوا من أوروبا في القرن التاسع عشر. وهكذا يرتبط في فكر النشء المسلم العداء بأوروبا النصرانية، هذا الدين النصراني لا يعرف عنه التلميذ المسلم إلا ما يراه في وسائل الإعلام. ففي معظم الدول الإسلامية تعطي المناهج الدراسية اهتماماً كبيراً للتاريخ الإسلامي، وعادة ما يبدأ منهج التاريخ بتاريخ البشرية أو بتاريخ آدم (عليه السلام) ثم تاريخ إبراهيم (عليه السلام) ثم ظهور وانتشار الإسلام متجاوزين اليهودية والنصرانية.

وهو ما يجعل صياغة الصورة الثقافية للآخر/ النصراني/ الأوروبي/ الغربي صورة نمطية في الكتب المدرسية، تصور الأوروبيين بصورة سلبية إما عدائية أو نفعية أو مادية، باعتبارهم يعيشون في فراغ روحي وديني، ومجتمعاتهم يتفشى فيها الفساد والانحلال والتفكك الأسرى والاجتماعي.

وفي إبراز الأنا الإسلامية في التاريخ الإسلامي، مصر نموذجاً، تقول الدكتورة فوزية العشماوي: «ما نأخذه على الكتاب المصري هو المبالغة في التفخيم وحث التلاميذ على كراهية الآخر، المسيحي الأوروبي، عدو الأمس والأخذ بثأرهم منه، فالأجدر بنا أن نبدأ في تعليم أولادنا أن تدريس التاريخ إنما هو الهدف منه الاستفادة من دروس الماضي وعدم تكرار الأخطاء التاريخية، وتحاشي الصدام مع الآخر، والعمل على التعايش السلمي بروح من التسامح والتآخي».

-6-
البديل: نظرية تعارف الحضارات

لعل حجم الإشكال في العلاقات القائمة بين الشعوب والأمم قد أصبح جليًّا مما يستوجب تكاثف الجهود، كلٌّ من موقعه في إدراك الحلول المجدية للخروج من دائرة الصراع والحروب إلى رحاب السلام والتعايش.

بعد تنقيب طويل لا أخفيكم أن الحل الذي تراءى لي بداية كان في حوار الحضارات كبديل حضاري، يجلس الآنا والآخر على طاولة للنقاش والتحاور، إلا أني وجدت نقائص في هذه الأطروحة، فما كان مني إلا إعادة السعي والبحث في حل آخر يمكنه تقريب الرؤى؛ فأن أتحاور مع آخر لا يعني ضرورة أن أغير صورتي النمطية عنه، أو أن يغير صورته النمطية عني، بل بالعكس قد يؤدي ذلك إلى التصميم أكثر على المواقف وتبنيها للإقناع بما لديّ أو الإقناع بما لديك.

شعرت بوجود حلقة منقوصة في المسألة، عشتها قبل أن أدرك ماهيتها في لقاء دولي أورومتوسطي بفرنسا خلال سنة 2009، جمع شباب عرب وأوروبيين، وتمكنَّا من التعايش والتناغم إلى أقصى الدرجات، رغم أن كل طرف كان حاملاً لإطاره الثقافي معه وقَدِمَ بأحكام مسبقة عن الآخر. وجدت رغبة قوية من الفرنسيين والنمساويين والأوروبيين عموماً في معرفتنا، وكانت الأسئلة تنهال علينا من كل حدب وصوب في ماهيتنا، قناعاتنا، ثقافتنا، دراستنا، معيشتنا، أكلنا.. كل شي وكذلك فعلنا نحن متسائلين عن الكثير من الأشياء، وبصدق اكتشفت إنسانية عميقة على الأقل في من تعرفت إليهم هناك، واكتشفت أموراً عن أوروبا والغرب لم أكن أتصورها، مما جعلني أعيد التساؤل عن هذا الآخر: من يكون؟

وفي الواقع عندما تأملت الأمر، وجدت أن الحوار لم يكن أداتنا الفعلية، ولم نتناول فكراً نناقشه، بل تناولنا معلومة يشرحها كلٌّ حسب معرفته، فنتقبلها منه لأننا كنا عطشى للمعرفة وليس للحوار، ثم أتى الحوار في مرحلة لاحقة بالحجة والإقناع، إلا أن المعرفة والتعارف كانتا قناة يسرت الحوار بدرجة كبيرة وجنبتنا الصدام، بل بنت فينا -رغم قصر المدة- تقبّل الآخر.

هذه التجربة التي عشتها جعلتني أعاود التفكير فيما كان لدي من رصيد معلوماتي عن الآخر، وبنى عندي صورة جديدة عنه، ووعيت كيف أن اللقاء التلقائي جعلني أعرفه (أي هذا الآخر)، وأعيد تمثله، فأعيد إنتاج صورته في متخيلتي من جديد.

وسط هذه التساءلات أعدت البحث من جديد الى أن وجدت ضالتي وردت على حاجتي باطّلاعي وتواصلي مع الأستاذ زكي الميلاد، الذي أسس لنظرية جديدة في التفاعلات الحضارية وهي نظرية (تعارف الحضارات) رآها بديلاً إسلاميًّا في علاقات الأممم والحضارات منطلقاً من الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

ورأيتها حلَّا مجدياً في ملاقاة المتعدد في هذا البحث، وبديلاً في صياغة أو إعادة صياغة متمثلنا عن الآخر.

وأمر الآن إلى التعريف بالنظرية، مع العلم أنه تم إدراجها في المقرر الدراسي في كتب التاريخ في دولة الإمارات العربية المتحدة.

- عبّر عنها لأول مرة المفكر السعودي، الأستاذ زكي الميلاد، عام 1997م.

- تم تبنيها في المقرر الدراسي لكتاب التاريخ الصف الحادي عشر في دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 2009/ 2010.

- نظرية تأسيسية لإنشاء شكل العلاقات الحضارية المفترض بين الأمم مستمدة من القران الكريم.

- التعارف يسبق الحوار ويؤسس له أرضياته ومناخاته.

- التعارف هو الذي ينشئ صوراً ثقافية قريبة من الواقع أو مطابقة له.

- التعارف يجنب الخطأ والتراكم.

- إطلالة واعية عن الآخر بالهوية الثقافية.

- ارتباط مفهوم التعارف بالتواصل والقبول الأولي بين الأنا والآخر في إطار تبادل المعلومات.

خطوات تعارف الحضارات

1- الإقرار بالغيرية: لا يمكن التعرف إلى الآخر ونحن لا نؤمن بوجود آخر، فالإقرار الذاتي بأن أي آخر يمكن أن يوجد وله الحق في أن يوجد يجنب الصدام ويهيئ الأرضية للتقارب والتعارف.

2- احترام الاختلاف والتنوع الإنساني: يفترض في الآخر أن يكون مختلفاً حتى نتعرف إليه. ويفترض أن نكون نحن مختلفين عنه حتى يتعرف إلينا. ومن دون هذا الاختلاف ما كانت هناك حاجة للمعرفة وما كان للتعارف أساساً أن يكون. إن الغيرية هي اختلاف بين (نحن) و(هم)، وبالتالي فالتعرف إلى (هم) يسبقه الوعي بأن (هم) لا تماثل (نحن)، ولا يجب إجبارها على التماثل، بل من الضروري احترام هذا الاختلاف والإقرار به في الوعي الذاتي.

3- الإيمان بالنسبية الثقافية: من أهم ركائز التعرف إلى الآخر عدم إصدار أحكام قيمية على ثقافته؛ لأن المعايير تختلف باختلاف الثقافة.

4- الإقرار بفكرة التكامل الإنساني بين الحضارات: طالما أن الإنسانية سلسلة من الحضارات المتفاعلة وأن موقع حضارة (نحن) يأتي ضمن سلسلة من مواقع حضارات (هم) ولا يلغيها.

5- غائيات التعارف: اعتماد طرق سلمية في التعرف إلى الآخر دون أيديولوجيات ولا غائيات براغماتية.

ولتفعيل نظرية تعارف الثقافات كبديل إطاري لصياغة الصور الثقافية عن الذات والآخر أقترح الآتي:

* البحث عن قواسم مشتركة بين الحضارات لجعلها أرضية الانطلاق.

* اعتماد الأخلاق (في قواسمها العالمية) بما هي مسلمات وجوامع مشتركة بين الحضارات.

* اعتماد وسائل تعريفية بالحضارات.

* تصحيح المناهج التربوية الدراسية بما يخدم مفهوم قبول الآخر وإبراز الجوانب الإيجابية فيه (إدراج محاور حول الآخر بمعطيات إيجابية، التعريف بالإسلام بما هو الإسلام، التعريف بالنصرانية واليهودية كأديان سماوية وعدم تجاوزها).

* قيام وسائل الإعلام بالتعريف (برامج تعريفية بالآخر) والابتعاد عن التشويه.

* سعي المفكرين للقيام بدور التقريب وليس الإبعاد.

* إنشاء برامج تبادلات ثقافية وتوعوية عن الآخر للأطفال والشباب والكهول والشيوخ، أي أنها تمس جميع الشرائح العمرية للتقريب بين وجهات النظر على جميع المستويات وفي إطار تكاملي.

 

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة