شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
«بيان» للتأمّل والفهم والاستشراف
مصطفى محسن*
* كاتب وباحث من المغرب.
(
I)في البدء كان النداء: هذا زمنكم أيها السوسيولوجيون فانتفضوا!
يعيش جل مجتمعات الوطن العربي، وفي الشروط الراهنة تحديداً، تحت وطأة إيقاع متواتر لـ«حراك اجتماعي» قوي جارف، مما تم نعته بأنه «ثورة»، أو «انتفاضة عربية كبرى»، أو «حركات اجتماعية احتجاجية»... لم تقف عند حدّ زعزعة أركان بعض الأنظمة السياسية القائمة في العالم العربي بل أسقطت بعض رؤوسها من حرّاس استبدادها العتاة. مما أعطى لهذه التحولات زخماً سياسيًّا وفكريًّا بالغ الدلالة والخطورة، ليس فقط على مستوى سياقه السوسيوحضاري الخاص، وإنما على المستوى الكوني بشكل أعم وأشمل.
وهكذا أصبح الشرط العربي الراهن، لدى العديد من المثقفين والمفكرين والساسة والمهتمين والباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية...، موضوعاً أثيراً بامتياز لتطارح الكثير من الأسئلة والتساؤلات والقضايا... مما كان البعض يُراهن من ورائه إما على انخراط ما في دعم أفكار وشعارات وتحركات هذا المد الانتفاضي العارم، وإما على نقده أو نقضه وتفنيد طروحاته، وإما على محاولة تتبعه ومساءلته. وذلك بإنتاج «معرفة علمية» عنه، متسمة بأوفر قدر ممكن من الموضوعية والصلاحية والثبات، قادرة على المساهمة في تحليل وتشريح وتفسير مكونات ومستجدات هذا الواقع الاجتماعي الجديد، والفهم العقلاني لأبعاده ودلالاته، ورفد ما أصبح يُدعى بـ«التغيير المخطط أو الموجّه أو المتحكم فيه» ميكانيزمات وسيرورات ومآلات متعددة...
ولا ريب في أن قراءة متتبعة، بشكل خاص، لتاريخ السوسيولوجيا بما هي علم حديث النشأة، سوف تكشف لنا مدى اهتمام علماء الاجتماع بالمواكبة المتواصلة لمجمل تحولات المجتمعات الغربية بالذات، ولاسيما في بعض محطاتها وعلاماتها السوسيوتاريخية المعبرة. فمن الثورة الروسية سنة 1917، إلى سوابق ولواحق الحربين العالميتين أوائل وأواسط القرن الماضي، إلى مسيرة الطلاب الحاشدة في ميدان جروفنر بلندن في 17 مارس سنة 1968، إلى «ربيع براغ» في تشيكوسلوفاكيا، إلى انتفاضة ماي 1968 بباريس، حيث «فجأة اشتعل العالم بالحلم. وكان الطلاب هم النار والنور، التحموا بالشارع فانطلق صوت جيل جديد يعلن رفضه لكل شيء: الاستبداد، القهر، والاستبعاد، وتوحش رأس المال، والنفاق الاجتماعي، والجمود العقائدي. ومن ميكسيكو سيتي وبوينس إيرس إلى براغ، مروراً بباريس، دفعت فكرة البحث عن الغد الأفضل الأجيال للحلم...»، أقول: عبر هذه الوقائع والأحداث الثورية كلها ظلت السوسيولوجيا
–وإلى جانبها جل العلوم الاجتماعية والإنسانية في الغرب– ممتلكة لحضورها الوازن المستمر على صُعُد ومستويات معرفية ومنهجية مختلفة، مسائلة هذه الظواهر الثورية بحثاً وتحليلاً وتفسيراً، وإنتاجاً لفهوم وتصورات وخطابات نقدية عنها: عوامل ومضامين ونتائج وامتدادات فكرية، وآثاراً اقتصادية وسياسية وثقافية وقيمية واجتماعية وحضارية متداخلة...وهنا تشمخ، في ذاكرة القراءة الآنفة لتاريخ هذا العلم، أسماء رائدة مُؤَسِّسَة نذكر منها، تمثيلاً لا حصراً: ماركس، ودوركايم، ومانهايم، ولوكاش، وميرطون، وبارسونز، وباريتو، وسوروكين، وصولاً إلى ماركوز، والتوسير، وغوديليي، وبولانتزاس، وكاستورياديس، ثم ألان تورين، وبودون، وبورديو...
واهتم بعض هؤلاء ممن عايشوا بزوغ عصر العولمة الجديد بما أفضت إليه هذه العولمة الكاسحة من «ثورة هادئة أو ناعمة» هائلة، تولّد عنها «مجتمع المعرفة والمعلوميات والإعلام والاتصال والتواصل الجديد» في ظل «النظام الدولي الراهن». وذلك بكل ما يطرحه على كافة المجتمعات البشرية من فرص ورهانات ومصاعب وتحديات وأحلام وأزمات مختلفة ومخاوف وأوهام... وقد كان إسهام السوسيولوجيا في تحليل وتفسير وفهم متغيرات ودلالات وأبعاد هذا الزمن الكوني المعولم دالًّا قوي الأثر والحضور. غير أنه، إذا كانت «الحالة الثورية العربية الراهنة» أدعى الآن إلى ركوب مغامرة البحث السوسيولوجي، فإن ممّا يمكن تسجيله من ملاحظات نقدية في هذا المجال هو أن الكثير من هموم واهتمامات علماء الاجتماع في مجتمعنا قد ظلت في مجملها، ولعقود مضت، متوارية خلف أسوار ما يمكن توصيفه بـ«مهنية أو حرفية تبسيطية» غالباً ما اختزلت مهمة أو «حرفة عالم الاجتماع» إما في ممارسات تدريسية أو مسؤوليات أكاديمية نظرية ومنهجية معينة داخل المؤسسة الجامعية أو خارجها، وإما بقيت منشغلة بمهام تقديم «خبرة أو معرفة تحت الطلب» لفائدة بعض مكاتب الدراسات أو مراكز البحوث الرسمية والخاصة، من معطيات وبيانات واستقصاءات واستطلاعات للرأي... مما يخدُم مصالح وحاجات وأهداف بعض الدوائر البيروقراطية والمؤسسات الخدمية والمقاولات الإنتاجية وغيرها... أكثر مما يستجيب لشروط ومعايير وأعراف وتقاليد وأهداف البحث العلمي الجاد. وذلك دون أن نلغي البتة ما للاهتمامات والبحوث الآنفة من آثار إيجابية مفيدة. وخاصة فيما يتعلق بالمساهمة، بقدر ما، في توجيه وترشيد بعض برامج ومخططات و«مشاريع» التنمية والتحديث، وتطوير بعض قطاعات ومجالات ومؤسسات المجتمع بشكل عام.
ويستخلص من أوضاع علم الاجتماع هذه في بلداننا العربية
–وحتى بعض الغربية معاً– أن هذا العلم لا يواكب، إلَّا بشكل باهت وخجول وغير ممنهج ولا مخطط، مختلف أنماط «الطلب الاجتماعي» المتجدد والمتغير للتعليم والتكوين في ميادين علم الاجتماع وفروعه التخصصية المتطورة. وذلك تبعاً لتحولات الاقتصاد وأزمات أسواق المال، واختلالات سوق الشغل، ومشكلات إدماج الطاقات الشبابية المؤهلة... وما يتواشج مع كل ذلك مما أصبح يعرفه مجتمعنا من تحولات مذهلة ومتسارعة في أنساق القيم الثقافية، وفي كافة المؤسسات والمجالات والعلاقات الاجتماعية والتبادلات المادية والرمزية المعقدة، وبما لكل هذه المتغيرات من أبعاد وارتباطات ودلالات محلية وإقليمية وكونية عديدة متشابكة. ويصدق هذا على وضعية العلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام.ونعتقد أن بعض عوامل إنتاج وإعادة إنتاج هذه «القطيعة» القائمة في مجتمعنا
–بقدر ما وبشكل معين– بين السوسيولوجيا ومتغيرات ومطالب الواقع الاجتماعي تشكل، في تقديرنا، بعض مظاهر «أزمة علم الاجتماع» في مجتمع هو ذاته متوعك «مأزوم» على أكثر من صعيد، مجتمع ما يزال لم يوفق بعد في بلورة «مشروع مجتمعي» متكامل المكونات واضح الأهداف والمعالم والرهانات... مشروع قادر على أن يشكل «مرجعية فكرية واجتماعية» موجهة بدورها لـ«مشروع/ مشاريع علمية مطابقة Adéquates» متفاعلة بشكل إيجابي منتج مع شروطها المعرفية والسوسيوحضارية المتغيرة وفقاً لخصوصيات وظرفيات الزمان والمكان...إلَّا أن هذه الأزمة المتنامية لعلم الاجتماع عندنا، والتي كان من بين مستتبعاتها تركه لـ«فراغ بحثي معرفي» بادرت إلى سده
–ضمن بعض الحدود والمواضعات النظرية والمنهجية– علوم اجتماعية مجاورة مثل الاقتصاد، والعلوم السياسية، والجغرافيا البشرية، والتاريخ...، لا تعفي، في تصورنا، هذا العلم من ضرورة إعادة النظر في ذاته، في مشكلاته، وفي عوائقه الإبستمولوجية والاجتماعية، أي في كل جوانب ومظاهر وعوامل وأبعاد وتبعات أزمته الحالية. وهكذا فإن «سوسيولوجيا نقدية للممارسة السوسيولوجية» في مجتمعنا: مجالاً بحثيًّا وتوجهات ومؤسسات وأطراً فكرية واجتماعية وفاعلين ورهانات وآليات اشتغال... إلخ، قد غدت مطلباً علميًّا وتربويًّا واجتماعيًّا وحضاريًّا، يستوجب على كل علماء الاجتماع في مجتمعاتنا العربية، الآن وأكثر من أي وقت مضى، مضاعفة الجهود وتحفيز الأفراد والمؤسسات والتقريب ما بين غاياتها ومشاريعها ورهاناتها ومرجعياتها وأساليب عملها، وتوفير ما يستلزمه كل ذلك من عتاد لوجيستيكي وإمكانات مادية وبشرية وتدبيرية وحكامية... مما يُفترض أن يمكنها من تحقيق «نهوض علمي تشاركي» تتكامل فيه وتترافد المرجعيات والإمكانات وعناصر ومقومات التجديد والإبداع في إطار سياسات مندمجة للبحث العلمي والتربوي، ورهانات معرفية واجتماعية واضحة متناغمة، تشكل المدخل السليم لذلك «المشروع العلمي والاجتماعي - الحضاري» المفتقد، وبما هو سيرورة ديناميكية متواصلة لا تنتهي من التجدد والتطور والخلق والإبداع والتجاوز والبناء المستديم....في إطار هذه الحيثيات والشروط السوسيومعرفية المنوه بها فيما سبق، تبدو لنا ملحاحية وأهمية المساءلة التحليلية النقدية لما وصف بأنه «ثورة عربية كبرى» تفجرت أمواجاً عاتية من الاحتجاج والانتفاض والغضب الشبابي والشعبي في بؤر عديدة على امتداد خريطة الوطن العربي. وذلك من أجل المجابهة الجذرية للاستبداد والفساد والقهر والتخلف ومصادرة الحقوق... ورفع شعارات الصبو إلى عالم أفضل تسود فيه الحرية والعدالة وكرامة الإنسان... وتبقى الغاية من هذه المساءلة النقدية المذكورة متمثلة، أساساً، في فهم طبيعة ما جرى ويجري في حمأة هذا المد الثوري الهادر، ومعرفة أهم مسبباته وبواعثه في سياقاتها المحلية وأبعادها الإنسانية، ثم استثمار كل ذلك في محاولة استشراف هادئ وهادف وموضوعي ما أمكن لما يتوقع أن ينجم عن تفاعلات هذا الحراك الثوري في بلداننا العربية وفي العالم من مآلات ومصائر ونتائج سواء في المستقبل المنظور أو البعيد....
لا شك في أن مجالات أو مستويات مساءلة هذا الواقع العربي المستجد كثيرة ومتعددة الرؤى والجوانب وأنماط المقاربات والمناهج ونماذج التحليل ومداخل التخصص والاهتمام... ولذا، فإني لا أدّعي أبداً، في هذه المساهمة الأولية، أي قدرة على الإلمام الحصري بها. كما أني، وبكل ما يتطلبه الموقف من أعراف وأخلاقيات وقيم المعرفة العلمية نظراً وممارسة، لا أستطيع التنطع لأساتذتي وزملائي من علماء الاجتماع، فأزعم أني أستطيع هنا أن أعرض كل جوانب ومحاور الاهتمام المشار إليها، أو أني سأقدم عنها كل ما يكفي من المقاربة والتحليل والمساءلة والنقد والاستشراف... إن أقصى ما تطمح إليه هذه الورقة، ضمن هذه المحدوديات كلها، هو أن تشكل «بياناً دعويًّا» أو ما يشبه ذلك. هو في مقصديته الفكرية والسياسية والاجتماعية «نداء استنهاضي» لكل مكونات وفعاليات وفاعلي «الجماعة العلمية» المنتمية إلى حقل السوسيولوجيا خاصة وكافة العلوم الاجتماعية والإنسانية عموماً. وذلك تذكيراً بجسام المسؤوليات والأدوار.
هكذا أجدني محفزاً للمجاهرة بالنداء: هذه فرصتكم أيها السوسيولوجيون الأفذاذ في مجتمعنا، وهذا زمن «قومتكم الفكرية» المنتظرة لنبذ الصمت وكل «قومات» التخلف والتطرف والرداءة الثقافية والقيمية والسياسية السائدة في سياقنا العربي، ولاستعادة مبادرتكم المأمولة المفتقدة.
غير أني، وأنا ألهج بدعوتكم إلى هذا النهوض المنشود، أتمنى صادقاً لو يتخلى بعضنا عن بعض العُدد النظرية والمنهجية المتقادمة، التي غدت أشبه ما يكون بعتاد الأسلحة الفاسدة المخزّنة في ترسانات الجيوش العربية. كما أسعى إلى أن نتحصَّنَ جميعاً، في هذه «الانتفاضة العلمية» الموازية لانتفاضات الشارع العربي، بالقواعد الأصلية والمتجددة للممارسة العلمية، وتعزيز ذلك بما دعاه رايت ميلز بـ«خيال سوسيولوجي». بمعناه العلمي، أي امتلاك الباحث لكل المقومات والقدرات التي تمكّنه من الاجتراح المبدع الخلّاق لأسئلة وأفكار التحليل والنقد والحدس والتوقع والتأويل والاستباق وفتح الممكن من الآفاق الرحبة للتأمل والنظر والعمل وتوسيع دوائر وآليات وفضاءات الإدراك والتصور وإصدار الأحكام واتخاذ المواقف والقرارات.... وذلك بشكل ينتظر منه «تجاوز» المعارف المباشرة والتبسيطية الضيقة، والاختزال المُسف، واعتماد «تجريبية فجة وساذجة» غالباً ما تقود الباحث، حسب رايت ميلز نفسه، إلى الوقوع في منزلقات عوائق وعواقب ما يسميه بـ«كبح منهجي:
Inhibition méthodologique »، لا يساعد على بلورة معرفة علمية دقيقة مؤصلة ومنفتحة في آن، بقدر ما يفضي إلى إنتاج وموالاة إنتاج ما لا يُستهان به من الأوهام والأضاليل «المعرفية» المسهمة بدورها في تشكيل «وعي زائف» بالواقع موضوع النظر، سواء على مستوى التفكير أو على مستوى الممارسة المتعينة في آن.هكذا إذن، وبناءً على توجه ومضمون «البيان» هذا، يمكن للفكر السوسيولوجي خاصة، وللعلوم الاجتماعية بشكل عام، القيام بمهام المعالجة النقدية التفكيكية المنوه بها قبلاً للعديد من القضايا والإشكالات الفكرية والسوسيوسياسية والحضارية التي يثيرها «ربيع الثورة العربي» هنا والآن. وذلك من قبيل بحث ومساءلة: أبعاد ودلالات مفاهيم الثورة أو الاحتجاج أو الانتفاض...، والعوامل الذاتية والموضوعية لهذا الحراك الثوري العربي، وفاعليه من الشباب وبقية الشرائح والمؤسسات والفعاليات السياسية والاجتماعية...، ثم ما دروس وعبر هذا الحراك ونتائجه المركزية...؟ وما هواجسه ومطالبه وبدائله وآماله ورهاناته الحالية والمستقبلية...؟ ثم ما أهم انعكاساته وتداعياته على «مشروع النهوض الحضاري العربي» وعلى مجمل آفاق ومسارات التنمية والتحديث والإصلاح الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية...؟
إن هذه القضايا الإشكالية المعقدة المتعددة الامتدادات والجوانب والأبعاد...، والمستلزمة لاعتماد منظورات تخصصية ومقاربية متنوعة ومتكاملة في آن، هي وغيرها كثير، من أهم ما يشغلنا الآن، ومما سنحاول تجريب مساءلته والتفكير النقدي فيه في مباحث لاحقة على هذه المساهمة التمهيدية التي لم نكن نريد منها أن تشكل سوى «نداء أو دعوة» للسوسيولوجيين تحديداً، ولكل الباحثين في العلوم الاجتماعية عموماً. وذلك من أجل الانخراط الإيجابي الفاعل والمسؤول في معترك «ثورات الربيع العربي» المتأججة الآن، بحثاً عن الدلالة والمعنى، ورفداً لتنضيج التفكير النقدي والمساءلة والفهم والاستشراف... وتأكيداً لقيمة ومكانة المعرفة العلمية وضرورتها وإمكانات نجاعتها التاريخية في هذا الشرط العربي الراهن والاستثنائي بامتياز، وتثمينا لالتزامها بقضايا الوطن والأمة، بل وبكل الهموم والتطلعات والقيم الإنسانية النبيلة بشكل أوسع وأشمل: قيم الحق والخير والجمال...! وهل تسعى الجماهير العربية الثائرة من المحيط إلى الخليج سوى إلى تحقيق هذه المطامح والقيم الأصلية؟ ألا تصدع حناجرها وهتافاتها وشعاراتها في حشودها الهادرة، إلَّا بمطالبها المشروعة في الحرية ورفض الاستبداد والفساد والاستبعاد... وإلَّا بأحلامها بفجر العدالة والمساواة ونيل الحقوق وصون كرامة الإنسان المهدورة في مجتمعاتنا...؟ بلى، ذلك ما نعتقده، وما نرى أنه يفترض في العلوم الاجتماعية أن تنهض، في حدود مجالاتها ومهامها المعرفية والتاريخية، ببعض مسؤوليات مساندته ودعمه خدمة لأهداف ورهانات الحاضر والمستقبل، ومساهمة في تأهيل مجتمعاتنا لبلوغ الجدارة المطلوبة وكسب استحقاقات لحظتها الحضارية الراهنة!
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.