شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
بالتعاون بين سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان وبعثة الحج الإيرانية وتجمع العلماء المسلمين في لبنان والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، نُظِّم المؤتمر الدولي الأول بعنوان: «الحج والصحوة الإسلامية».
وذلك في بيروت بين 20 - 21 حزيران 2012م، بحضور عدد كبير من العلماء والمفكرين وممثلين للحركات والجمعيات الإسلامية ولفيف من السياسيين من لبنان والعالم العربي وإيران ودول أوروبية وآسيوية.
انطلقت أعمال المؤتمر بالجلسة الافتتاحية حيث أُلقيت مجموعة من الكلمات..
كلمة رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية ألقاها رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية د. محمد باقر خرّمشاد، ومما جاء في كلمته: أود أن أخصص كلامي في هذا الوقت القصير والمحدد حول موضوع هذا المؤتمر العظيم، حول الحج والصحوة الإسلامية، وأشير إلى عدة نقاط:
النقطة الأولى: في البداية أحب أن أركز على أول شيء يمكن أن يتبادر إلى الأذهان في هذا المجال، وهو لماذا الحج والصحوة الإسلامية؟.. وبعبارة أخرى: ما العلاقة بين الحج والصحوة الإسلامية؟ وهل يمكن لفريضة الحج أن تدعم الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي وعالمنا اليوم؟ وكيف؟ ثم لماذا يجب علينا أن نساند الصحوة الإسلامية في يومنا هذا، لتصل إلى الأهداف السامية التي دعا إليها أوائل المصلحون أمثال السيد جمال الدين الأسد آبادي، وحسن البنا، ومحمد إقبال اللاهوري، والسيد موسى الصدر، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، وأبو الأعلى المودودي، والإمام الخميني الراحل؟
وأضاف: لنا أن نسأل في هذا المجال: الصحوة الإسلامية اليوم هي ضد من؟ ولأجل من؟ ضد ماذا؟ ولأجل ماذا؟ أي ضد «من» و«ماذا» ولأجل «من» و«ماذا»؟ ثم كيف يمكن للحج أن يكون عنصراً داعماً لتعيين الأهداف السليمة والصحيحة، وبالتالي عاملاً لتوعية الجماعات المسلمة من أجل التوصل إلى هذه الأهداف والغايات؟
النقطة الثانية: مع الأخذ بعين الاعتبار الأهمية الاستراتيجية لما يحدث اليوم في العالم الإسلامي، فإن مسألة دعم هذه الصحوة وإبقائها على خطِّها الصحيح في تحقيق أهدافها، هي من الأمور والمسؤوليات الخطيرة والمهمة، التي تقع على عاتق أبناء الأمة الإسلامية... من هذا المنطلق تصبح مسألة دعم وتعزيز حركة الصحوة الإسلامية ومساندتها من الواجبات الأساسية المهمة الملقاة على عاتق جميع الأفراد والجماعات، سواء اتَّخذت هذه الواجبات شكلاً عباديًّا فرديًّا، أو تجسَّدت بأعمال أخرى كالاشتراك في ميادين المبارزة والجهاد والشهادة... إن الحج مؤتمر مليوني لجميع المسلمين الملتزمين من جميع أصقاع العالم الإسلامي وأرجائه. وليومنا هذا لم يتم استثمار هذه الفرصة العظيمة حيث يلتقي الملايين من الفئات والطبقات المختلفة من مسلمي العالم. لذا نرى انطلاقاً من دلالة هذه الفرصة العظيمة، ونظراً للأخطار العظمى التي تعصف بالعالم الإسلامي اليوم، أنه من الواجب علينا أن نُفكِّر في كيفية وضع البرامج والاستراتيجيات المناسبة للاستفادة من هذه الفرصة العالمية الكبرى...
بعده ألقى رئيس مجلس أمناء تجمع العلماء المسلمين في لبنان القاضي الشيخ أحمد الزين كلمة التجمع، ومما جاء فيها: إننا بحاجة ماسة لأن نلتقي ونُؤدِّي فريضة الحج كأمة إسلامية، إننا بصدق وجدارة نُؤدِّي فريضة الحج كأفراد نلتقي نُؤدِّي مناسك واحدة وافدين من جميع أصقاع العالم. كل منا نُؤدِّي ما فُرض عليه، نُؤدِّي المناسك كما فُرض علينا على اختلاف أجناسنا. أين هي قضايا الأمة الإسلامية؟ أين هي القضية الفلسطينية؟.. القضية الأم؟ قضية فلسطين هي القضية الأولى. وقد مضى عليها ستة عقود ونيف، أين هي القضية الأم اليوم؟ أين هي القضية الإسلامية من الصحوة الإسلامية، نطرح هذا الأمر قبل بدء موسم الحج حيث ينتشر المسلمون في سائر أنحاء أقطار الدنيا. وأخص بالذكر المفكرين والعلماء علماء الأمة الإسلامية التي وصل تعداد هذه الأمة إلى مليار ومائة مليون مسلم، أين هي قياداتها، قيادات وطنية وحزبية متوفرة ولكن أين القيادة الإسلامية الجامعة؟ أين مجلس الشورى، أين الوحدة في التعاون بالإعلام وبالأمن وبالاقتصاد ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92).. القيادة هي العنصر الأول فلا وجود لأمة دون قيادة...
وختم كلمته قائلاً: نحن نرفض قيام الدولة العنصرية دولة إسرائيل الدولة العنصرية، نرفض هذا وندعو العرب والمسلمين لمواجهتها.
ثم تحدَّث بعده ممثل السيد علي خامنئي لشؤون الحج السيد قاضي عسكر، ومما جاء في كلمته: الحج هو زيارة بيت الله الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً وقبلةً يتوجَّه نحوها جميع المسلمينَ في عباداتهم، والطريق المؤدي إلى غفرانِ الرحمنِ إلى جنّةِ الرضوان، وتعتبر عبادة الحجِ من أهم العباداتِ الإسلامية، وتَذكُر بعض النصوص أنها تأتي بالدرجةِ الثانيةِ بعد الصلاةِ في الأهميةِ والأفضلية، وأنه أحدُ الجهادين.. كما أن الحج عماد الدين وقوام وجودهِ؛ فقد ورد في الحديث: «لا يزالُ الدين قائماً ما قامت الكعبة» (وسائل الشيعة ج 8/14). ولا يجوز تعطيل الكعبة والحج، ويجب على إمام المسلمين إلزامُ المسلمين أن يقوموا بأداء هذا الواجب والإنفاق عليه إذا لم يتحقق ذلك بشكل اعتيادي (جواهر الكلام 214:17)،.. وهذه العبادة بهذه الأوصاف، لا يمكن أن تكون مجرد شعيرة ظاهرية بحته، فلا شك أنها تمتلك روحاً وفلسفةً عميقةً، ولها أسرار وحكم وأهداف وفوائد، ألقت بظلالها على حياة الإنسان في البُعدين المادي والمعنوي. قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ (الحج 27 و 28)، مناسك الحج ومراسيمه ما هي إلَّا دورة تدريبية، تربوية للنفس والروح والبدن على السواء، لصنع الإنسان الحر في فكره وإرادته، غير منقادٍ لأعداء الله.
إن في الحج يتعوَّد المسلم الألفة والتعارف عن طريق السفر والاختلاط، فتنموا لديه الروح الاجتماعية، وتتهذَّب ملكاته الأخلاقية، عن طريق هذه الممارسة التربوية، والتفاعل البشري الرائع، الذي يشهده في الحج بأرقى درجات الالتزام والاستقامة السلوكية من خلال المناسك والمراسم الشرعية.
وأضاف: لقد أكَّد الإمام الخميني (قدس سره) قائد الثورة الإسلامية في إيران مراراً، أن سفر الحج هو سفر إلهي، وليس سفراً عاديًّا ماديًّا مجرداً. ويقول: اعلموا جميعاً أن البُعد السياسي والاجتماعي للحج لا يتحقق إلَّا بعد أن يتحقق البُعد المعنوي. وقد وجَّه السيد الخامنئي –دام ظله– خطابات عديدة في هذا المجال، ليُبيِّن أن على الحاج أن يُطهّر نفسه ويُخلِّي قلبه من كل شيء إلَّا حب الله والطاعة، والخضوع له، وأنه يجب عليه أن يربط روحه بمعبوده الواحد الأحد...
إنّ الحج ليس مجرَّدَ فريضةٍ تُهذِّبُ النَّفسَ، بل هو أيضاً عنوان للأخوة الإنسانية العامة عبر التاريخ حول مسألتي العبودية لله، واجتنابِ الطاغوت. وقد تابعتِ الثورةُ الإسلاميةُ في إيران هذا الخط وأكَّدت على لزوم إعادةِ الدورِ الحقيقي للشعائر الإسلامية كصلاةِ الجمعةِ والحج باعتبارهما من أكبرِ المجالاتِ المحققة للإحساسِ بضرورةِ الوحدةِ في هذه الأمة...
وفي الأخير أكَّد السيد قاضي عسكر أنَّ الحج أحد القواعدِ المهمةِ في تغيير الذاتِ وإحداثِ التحولِ الروحي والأخلاقي للفرد المسلم، وأنَّ مناسك الحج هي في الحقيقة مناسك الحياةِ الإسلامية الصحيحة ففي الحج تتمثلُ الحياة الدنيا والآخرة جنباً إلى جنب.. وهو مجمع لتوحيد الآراء والقلوب في مجالاتٍ مختلفةٍ ومتعددةٍ، وهو محورٌ للقرب من الخالق والزُّلفى لديه تعالى، ولكل ذلك وغيره جعل الله تعالى الحج مركزاً لاجتماع المسلمين ليشهدوا منافع لهم.
كلمة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني ألقاها نيابة عنه القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي، قال فيها: إن الله تعالى مَنّ علينا بالإسلام وتفضَّل علينا بالإسلام، وفرض علينا الصلاة والصيام وباقي الأركان وأخصها الحج إلى بيت الله الحرام، ولقد جعل الله في الحج مآثر عظيمة وفوائد جمة من أبرزها وأهمها تحقيق الوحدة الإسلامية التي تنتفي فيها الأعراق والأجناس واللغات والأفكار والمذاهب، فالحجاج وفد الله وزوّار بيته، وهذه الوحدة التي أمرنا الله بها تدعونا إلى الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحبة جميع أصحابه وأهل بيته وأنصاره وجميع قراباته، واعتبارهم جميعاً القدوة الصالحة لكل المؤمنين.
والحج هو أكبر أثر لتحقيق الصحوة الإسلامية التي ينتج عنها العودة إلى هذا الدين الذي يجمع ولا يُفرِّق، والذي أرسله الله تعالى ليكون هو دينه وشريعته رحمة للعالمين، فيرفع عنهم الجور والظلم والقهر والاستبداد، ويمنحهم الكرامة الإنسانية والحرية التي تحفظ حرية الآخرين، بحيث لا يعتدي أحد على أحد، ولا يظلم أحد أحداً.
ثم تحدَّث بعده الشيخ خضر شحرور مدير أوقاف ريف دمشق ممثلاً رئيس اتِّحاد علماء بلاد الشام العلامة د. محمد سعيد البوطي، عن معاني الحج وأهدافه والدور الذي يحققه في نهضة الأمة، وقال: إن رسول الله أوصى المسلمين في الحج بأن يحفظوا دماءهم وأعراضهم، وكأنه يقول: إن المقصود الأسمى هو أن الإنسان مُكرَّم في الحياة فلا يباح ماله ولا دمه ولا عرضه. وأنا لا أقرأ في كتاب الله إلَّا دعوة لحقن الدماء وعدم قتل النفس التي حرم الله إلَّا بالحق، فالقصاص في الإسلام هو عقاب الجاني على جريمته ونيل لحق المظلوم.
كما نقل تمنيات الدكتور البوطي للمؤتمر بالنجاح في أعماله.
ثم أُلقيت كلمة ضيوف المؤتمر، وألقاها الدكتور محمد علي الهرفي من السعودية، ركز فيها على أهمية المسؤولية التي يُلقي بها الحج علينا؛ إذ ليس من الحكمة أن نضع مصائبنا على الآخرين دائماً، فالحج يُعلِّمنا أن المسؤولية فردية، والله يحاسبنا فرداً فرداً، والإجابة تكون فردية، لذلك إذا أردنا أن ننتصر وتتقدَّم بلادنا فلا بد من أن نسأل أنفسنا: ماذا عملنا لأنفسنا ولأهلنا؟ ولاسيما أننا أمة واحدة وجسد واحد، والحج يجسد هذه الوحدة في المناسك والعبادات والعمال، فلنعمل ليكون العمل متكاملاً يُرضي الله سبحانه وتعالى.
كذلك تحدَّث في هذه الجلسة الشيخ محمد علي التسخيري أمين عام مجمع التقريب بين المذاهب في إيران، فأكَّد أن الحج يرتبط بمسيرة الأنبياء الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى نعمة للبشرية، ويرتبط بالنبي إبراهيم وكل الأنبياء الذين حجّوا إلى بيت الله في روايات كثيرة، فالحج يُعبِّر أن حياة الأرض تطوف حول الكعبة، ورمي الجمرات تعبير عن رمي كل الجبروت والطاغوت؛ لذلك فعملية الحج تربِّي الإنسانية على خط الأنبياء...
تحدَّث في هذه الجلسة كذلك الشيخ نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله، ومما جاء في كلمته:
أولاً: الحج قصد والقصد هدف الحج، والحج إلى بيت الله الحرام وهو طواف حول الكعبة الشريفة، حول توحيد الخالق عز وجل ولا قيمة لحج بلا قصد ولا لحركة من دون هدف.
ثانياً: الحج قيام كما قال الله تعالى في كتابه العزيز، فما لم يكن هناك قيام فالقصد مختل، أما إذا ما تحقق القيام فالحركة نحو العلى أي نحو الأفضل، والقيام في كل أعمالها حاضر ومأمورون به قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للَّهِ قَانِتِينَ﴾ (البقرة: 238).. لأن قيامهم هو الحركة نحو الأفضل، كونوا جماعة إضافة إلى قيامكم بأنفسكم عندها يتحقق القصد.
ثالثاً: الحج اجتماع في زمان واحد ومكان واحد لإلغاء الفوارق، والأدوار التي يقوم بها كي يشعر الجميع بحاجة إلى اجتماعنا، وهذه الشعائر التي يقيمها الحاج تُعبِّر عن الهدف بحيث تكون القيمة للإنسان بمدى اقترابه من الهدف، فإن وصل إلى القيام وإلى القصد إلى الله حقَّق شعائر عظيمة، أما من بقي في إطار القشور فقد خسر خسراناً كثيراً.
رابعاً: الحج توحيد وإخلاص ومحور حركة الحجيج أن يعملوا لإقامة الدين وتشييد معالم الإسلام وحديث الزهراء
D في خطبتها: «جعل الله الحج تشييداً للدين»، والتشييد للدين إقامته على حقيقته التي تحقق الجمع والقصد والقوة والدور، لهذا نحن بحاجة إلى توعية الناس بهذه الأبعاد العظيمة للحج، وفي الحج إخلاص لله تعالى ينعكس في حياتنا.خامساً: الحج براءة من المشركين، وسبيل لإيجاد صحوة إسلامية واسعة وفاعلة قابلة لاستيعاب المعاني الواسعة للحج، وبذلك استطاع الحج من خلال البراءة من المشركين أن يبرز دور تحديد الأعداء المركزيين الذين يجب أن تتوجَّه ضدهم هذه الأمة، وهم المستكبرون بأعمالهم وتسلطهم ومشاريعهم وعدوانهم على ديننا، قال الإمام الخميني: «إعلان البراءة في الحج تجديد البيعة على الكفاح وتمرين لتكتل المجاهدين لمواصلة مقارعة الكفر والشرك، ولا يقتصر ذلك على الشعار فقط، بل هو تمهيد لإماطة اللثام عن ميثاق الكفاح ورص صفوف جنود الله تعالى حيال جنود إبليس وأنصاره يعد من المباني الرئيسة للتوحيد، فإن لم يظهر المسلمون البراءة من أعداء الله في بيت الناس وبيت الله تعالى فأين يفعلون ذلك..؟ وإن لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب خندقاً وسنداً لجند الله والمدافعين عن حرم وحرمة الأنبياء فأين يكون مأمنهم وملاذهم...؟
وأضاف الشيخ نعيم.. إن أمريكا تعبث بمقدرات العالم لمصالحها، وتزرع الفتن بين المسلمين، وتتدخَّل بأنظمة الحكم، وتدعم إسرائيل الغاصبة بلا حساب، وهي تستنزف أموال الخليج للتسلح من دون أن تنعكس هذه الأموال خيرات على شعوب هذه المنطقة التي هي أحوج ما تكون إليها، أمريكا هي أكبر خطر على الحراك العربي الذي برز فيما اصطلح عليه بالربيع العربي، وهي تحاول إطفاء الصحوة الإسلامية والحيوية التي برزت من خلال هذه الشعوب الحرة التي انتفضت على مستبديها وعلى ظلمتها، وهم صنائع هذا الاستعمار الذي حماهم طويلاً وحرم الشعوب من الخيرات الكثيرة. إن أمريكا مكشوفة في عدوانها على العراق وسوريا ولبنان وإيران وفلسطين والبحرين واليمن ومصر وتونس وكل بلد من بلداننا بأساليب مختلفة.
لسنا بحاجة لدروس الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تُشكِّل اليوم غطاءً استعماريًّا جديداً وتدليساً على الشعوب وتمريراً للأفكار الهدامة، نحن نعلم أن أمريكا ظالمة بأبعادها ولا تصلح لا نموذجاً ولا قدوة، وهي ساقطة في عيون الأحرار الذين يرونها على حقيقتها...
وفي الأخير أكّد الشيخ نعيم قاسم أن الصراع اليوم في العالم العربي والإسلامي هو صراع سياسي يتلبس بلبوس مذهبي.
وأخيراً ألقى المفتي الممتاز الشيخ أحمد قبلان كلمة الشيخ عبد الأمير قبلان راعي المؤتمر، ومما جاء في كلمته: إنَّ الحجَّ جهةٌ واحدةٌ دونَ الجهات، وتخصيصٌ للبيتِ دون البُيُوتات، فقد أكَّدَ اللهُ نخبةَ الأرض بوحدةِ طالبها على شرطِ قاصدها فقال: ﴿وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾. ليَحسُم بذلك أنَّهُ لن يقبل مِنَ الأرض لهذا النُّسك إلَّا بيتَهُ الحرام، لكن بـشرط آخر أثبته على البَابيَّة، فذكر بلسانِ نَبيِّهِ الخليل قائلاً: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾، ليُقَرِّر بذلك أنَّ اللهَ تعالى أسكنَ تلك الذُّريَّةَ المنتخبة عند بيتِه الحرام المُنتَخَب، لِتَهوِي الأفئدةُ إلى ذريَّة عيّنها بقوله: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾. فأكَّدَ بذلك أنَّ الطريقَ إليهِ موقوفٌ عليهم.
وأضاف: ولأنَّ اللهَ تعالى قال: ﴿ولله على النَّاسِ حِجُّ البيتْ﴾، فهذا يعني أنَّ الحجَّ فريضةُ أمَّة بتمامِ ما للأمَّة مِن شرطٍ في هذا الخطاب.!!
وهذا يلزم منه أنَّ شَكْلَ هذه العبادة لا بدَّ أن يتجسَّد بهذا الحدِّ مِن لونِ الأمَّة التي خلعَ اللهُ عنها ألوان فرديَّتها، وألبسها ثوبَ وحدتها، لتبدوَ لوناً واحداً، بـتلبيةٍ واحدة، بـبيتٍ واحد، على مَطَافٍ واحد، لربٍّ واحد، لا يصحُّ منها حَجُّها إلَّا بإثبات عبوديَّتها لله، وذلك لا يصحُّ إلَّا بخلع الوَثَن، ورجم الشَّيطانِ، شيطانِ فُرقتِها، فقال: واعتَصِمُوا بحبْلِ الله جَمِيْعَاً﴾، وشيطانِ تنازعها، فقال: ﴿ولا تَنَازَعُوا﴾، وشيطانِ فُسُوقِهَا وخُصُومَةِ جَدَلِهَا، فقال: ﴿ولا فُسُوقَ ولا جِدَالَ في الحَجّ﴾، ليُؤكِّد إلفةَ الأمَّة بتمام ما للأمَّة من لونِ أُخوَّتها الواحد فقال: ﴿إنَّمَا المؤمنونَ إخْوَة﴾.. وهو يُقَرِّر بذلك، إثباتَ أخوَّةِ المُؤمِن على المؤمن، بما يلزم للمؤمنِ على المؤمن، أينما كان: في سوريا والبحرين وليبيا، وأفغانستان والعراق، بعدما تحوَّلت هذه البلادُ المسلمة إلى مادَّة مصالح بين الرُّوسي والأمريكي، على خلفيَّة عَدَاوتها وقطيعتها، وسط مذابح وفظاعات ما أنزل اللهُ بها مِن سلطان.!!! فيما ربُّهم واحد، وقرآنُهم واحد، وكعبتهم واحدة، ونبيُّهم واحد.!!.
مِن هنا، ولأنَّنا وسطَ بحرٍ مِن فوضى حُرُوبِ الأنظمةِ والاستخبارات، ولأنَّ المحلِّي اختلطَ بـالإقليمي والدَّولي.!! ولأنَّ الأطلسي استطاع أن يتزعَّم مذابحَ الدّم في بلادِنَا، فإنَّنا نُنَبِّه بشدَّةٍ مِن لعبة الزَّوَارِيب..
أخيراً أكد الشيخ قبلان: أن الأمَّة التي أثبتها اللهُ على نُسُكٍ واحد، شَرَطَ لقبولِ تلبيتِها أنْ ترجُمَ شيطانَ معصيتها بحجر توبتها وثوبِ وحدتها، فإنْ هي أقرَّت شرطها على شرطِ الله، فقد حجَّت وسعت وأطاعتْ.. وإلَّا فما دخلت البيت، ولا طافت ولا لبَّتْ.
انطلقت أعمال المؤتمر بالجلسة الأولى التي ناقشت المحور الأول: البعد المعنوي للحج وأثره على الصحوة الإسلامية.
حيث تحدَّث فيها في البداية الدكتور محمد علي الهرفي (السعودية) عن: «وحدة المناسك وأثرها على المسلمين»، أشار فيها إلى كيفية الاستفادة من أداء فريضة الحج والعمل وفق مناسكها ليكون لها الأثر الطيب في التوحيد بين المسلمين، مؤكداً أن الخلاف بين المسلمين ليس خلافاً دينيًّا بل هو خلافٌ سياسي يتمُّ استخدامه وتوظيفه للفرقة بين المسلمين.
الكلمة الثانية كانت بعنوان: «التلبية لله والتبرؤ من الشيطان وأثرهما» للشيخ الدكتور خالد الملا (العراق)، وقد تحدَّث عن تأثير كل منسك من مناسك الحج على المسلمين وعلاقته بالوحدة. ومن الأمور المستفادة من الحج:
أ - الاستعانة بالله.
ب- إتمام الأعمال بالحلال.
ج- لكلِّ شيءٍ وقتُه ومكانُه.
د- تذكيرٌ بواجب الدَّعوة إلى الله.
هـ- مسؤوليَّة الكُلِّ عن البيت الحرام.
و- مركزُ الأرض.
ز - الطّاعة لله والثِّقة بنصرِه.
ح- كلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلق له.
ط- الثَّواب على قَدْرِ المشقَّة.
ي- الأمن والأمان.
ك- تدريبٌ على ضبط الأعصاب.
ل - منافعُ سياسيَّة.
م - منافعُ اقتصاديَّة.
ن– مؤتمرٌ عالَمِيٌّ سنويّ.
س- تكرار الحج والتراحم بين المسلمين.
وفي الأخير أكَّد الشيخ الملا أن المسلمين أمة واحدة، وعليهم تطبيق هذه الوحدة عمليًّا، للانطلاق إلى العمل بما طلبه الله عزَّ وجلَّ من كل فرد في الأمة وهو: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ليُخرجوا الناس من عبادة غير الله، إلحاداً وشركاً، إلى عبادة الله الواحد القهار.
الورقة الثالثة كانت بعنوان: «تنوع المذاهب ووحدة العبادة»، وقدَّمها الشيخ الدكتور أحمد قباني من سوريا، أكد فيها ضرورة وجود التنوُّع في المذاهب الإسلامية وليس الاختلاف بمعنى أن نتفرَّق ونتشتت في كل أصقاع الدنيا. وأن التنوع المذهبي كان واقعاً زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أقر الكثير من أفعال الصحابة على اختلاف اجتهاداتهم العملية.
وأضاف: بين كل الأئمة الخلافات جزئية في هذه العبادة لا تؤثر على صحة هذه العبادة، بل نحن مدعوون دائماً إلى أن نلتمس العذر إذا لم يكن هناك قول، فكيف إذا كان هناك قول يصبح التماس العذر أكبر. لذلك لا يمكن أبداً لهذا التنوع المذهبي أن يصبح في يوم من الأيام أداةً تفريق بل يجب أن يكون أداة جمع لأنه وجد رحمة بالأمة.. عبادتنا واحدة، صلاتنا وحجنا وصومنا وزكاتنا واحد. ما نحتاجه هو أن ننظر في هؤلاء، هؤلاء أهل الزيف والفتن، هم مطلبنا لأنهم هم الذين يريدون أن يجعلوا في هذه الأمة الاختلاف وليس الخلاف الذي سيؤدي بهذه الأمة إلى وأد نهضتها وصحوتها.
الكلمة الرابعة في هذه الجلسة ألقاها الدكتور طلال عتريسي (لبنان)، وجاءت تحت عنوان: «الحج والصحوة الإسلامية في عالمنا المعاصر»، ومما قاله: هناك مسألتان ينبغي الالتفات إليهما:
المسألة الأولى: وهو أن هناكَ مدرستين في النظر إلى الحج:
1- المدرسة التي تعتبر الحج عبادة ومناسك، لا يجب تعكير صفوه بالسياسة لأن السياسة ليست من أهداف الحج. ترتبط هذه المدرسة بشكلٍ أو بآخر بالرؤية الفقهية التي ترفض أو تتحفظ على القيام على الحاكم حتى لو كان ظالماً، خوفاً من الفتنة لأن درء الفتنة أولى من جلب المصلحة.
2- المدرسة التي تعتبر الحج عبادة وسياسة، هذه المدرسة في عالمنا المعاصر أكّد عليها الإمام الخميني باعتبار الحج مناسبة للقاء المسلمين والبراءة من المشركين (المشركون هم طغاة العصر - وليس فقط من يشرك بالله تعالى).
المسألة الثانية: ما يجري هو صحوة، ولكن ما يريده الغرب، هو تفكيك هذه الصحوة وعدم توحدها.
الحج هو أهم فرصة اليوم لوحدة وتطلعات الصحوة وتبادل التعاون والتجارب، أي إن الصحوة يُفترض أن تعزز الدور السياسي الاجتماعي للحج، خلافاً للرأي السابق التقليدي الذي كان يريد من المسلمين أن يجتمعوا بالملايين وأن يبقوا فرادى. في حين أن الحج بعد الصحوة الإسلامية يمكن أن يكون نواة لقاء المسلمين العالمي في مواجهة القوى الدولية الطامعة.
الكلمة الأخيرة في هذه الجلسة كانت تحت عنوان: «الدعاء والصحوة الإسلامية»، وقدمها الدكتور الشيخ خالد محرم (لبنان).
الجلسة الثانية ناقشت المحور الثاني: البعد الدنيوي للحج وأثره على المسلمين.
وتحدث فيها كل من: الشيخ الدكتور خضر شحرور (من سوريا) عن: «فلسطين والأقصى والتوعية الإعلامية في الحج»، والشيخ علي خازم (لبنان) عن: «الصحوة الإسلامية وطريقة التغيير»، و الشيخ غدير أكاراس من تركيا عن: «الحج مكانٌ لحلِّ مشاكل المسلمين ومحاربة الفقر»، والشيخ مصطفى ملص (من لبنان) عن: «الحج ومقاومة الهيمنة والاستبداد»، والشيخ حسان عبد الله (من لبنان) عن: «الحج وسبل النهوض بالمسلمين».
المحور الثالث ناقش موضوع: الأمة الواحدة والصحوة الإسلامية.
وتحدَّث فيه كل من: الدكتور محمد هشام سلطان (الأردن) عن: «وحدة الأمة وتجلياتها في الحج» والشيخ حسن تريكي (الكويت) عن: «علماء الإسلام ودورهم في وحدة الأمة»، والشيخ الدكتور كمال هلباوي (مصر)، عن: «موارد الوحدة ومجالات الاختلاف في الأمة»، وسماحة الشيخ حسن قناعتلي (تركيا) عن: «الحج ووحدة قضايا المسلمين»، وسيد محمد حسين رئيس زاده (المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان) عن: «الحج مؤتمر عالمي وفقه الضرورات والأولويات».
وبعد المداخلات لعدد من الحاضرين اختتمت أعمال المؤتمر بتلاوة البيان الختامي للمؤتمر.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.