تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الخطاب الجمالي في القرآن الكريم وأثره في بناء الحضارة والعمران

فريدة أولمو

الخطاب الجمالي في القرآن الكريم

وأثره في بناء الحضارة والعمران

الدكتورة فريدة أولمو*

* أستاذة باحثة في الفلسفة الإسلامية «القيم إسلامية»، قسم الفلسفة جامعة الجزائر (2). البريد الإلكتروني: farida0808@gmail.com

 

 

 

مقدمة

تتمحور هذه المطالعة حول طبيعة الخطاب الجمالي في القرآن الكريم وأثره الإيجابي في بناء الحضارة والعمران، وفق ما يتماشى ويتكامل مع النظرة التوحيدية الإيمانية ومقاصد الشريعة الإسلامية الساعية والهادفة لتحقيق المصالح والمنافع العامة للإنسان وإبعاد الضرر والفساد.

وترجع أهمية هذه الورقة البحثية إلى كونها محاولة لبيان النظرة الشمولية لهذ الدين العظيم، الذي لم يُغفل الجانب الجمالي في بِنْيَتِه وتشريعاته، وما أسداه الإسلام من توجيه عظيم للإنسانية لبناء الحياة ونظمها على نوع من الجمال يتَّفق مع روعة الخَلْقِ والكون، وما خلقه الله عليه من جمال تعجز أمامه عقول البشر وقدراتهم عن الإتيان بمثله، قال الله سبحانه وتعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ}[1].

وقال تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[2].

ونلمس في عديد السور والآيات القرآنية دعوة الله جلَّ جلاله إلى التأمُّل والتمعُّن والتدبُّر في هذا الكون العجيب، إن إدراك الجمال والانتباه إليه مطلب إسلامي، ونعمة تستحق الشكر، فلم تأتِ الأوامر الإلهية كلها بطلب العبادة والذكر وترك ما جُبل عليه الإنسان من أشواق روحية وتطلّعات نفسية ورغبات إنسانية، بل جاءت الأوامر كذلك بإمعان النظر للتمتع بالكون وجماله وربط ذلك بأعظم رباط وأوثقه وهو رباط العقيدة عندما جعل الجمال صفة للخالق يحبها، ويحب مَنْ يتمثَّلُهَا، وذلك في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله جميل يحب الجمال»[3].

ويتَّضح هذا الأمر في إشارة القرآن الكريم ولفته الانتباه إلى جمال الأنعام في منظرها البديع عندما ترجع إلى أصحابها من الرعي حاملة الخير لهم بسِمَنِها وألبانها، وعندما تنساح في الأرض راسمة أبدع الصور على ساحة واسعة من الأرض ساعة رعيها، إنه الجمال الذي يجذب النظر ويسلب اللب ويدهش الفكر، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}[4]، وفي تفسيرها وتوضيح معنى الجمال يقول الزمخشري: «مَنّ الله بالتَجَمُّل بها كما مَنّ بالانتفاع بها، لأنه من أغراض أصحاب المواشي، بل هو من معاظمها، لأن الرعيان إذا روّحوها بالعشي وسرّحوها بالغداة، فزينَّت بإراحتها وتسريحها الأفنية وتجاوب فيها الثُّغاء والرُّغاء آنست أهلها وفرَّحت أربابها، وأجلتهم في عيون الناظرين إليها، وأكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس»[5].

فجمال البيئة والمحيط مرهون بالمصلحة العامة للبلاد والعباد، وقد وصفها عز وجل بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}[6]، وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}[7].

وإذا لاحظنا تفسير هذه الآية وما شابههما نكتشف سر لفظة «الزينة» والتي ذكرت في القرآن الكريم 46 مرة، كما فصل فيها القرآن الكريم حيث بلغت عددها إلى خمسة وعشرين موضعًا في القرآن استدلالًا على القضايا والمعاني المادية في الكون والوجود، تسعة عشر منها في الاستعمال الاسمي وستة في الاستعمال الفعلي فهل هذا التكرار وهذه المواضع الكثيرة جاءت هكذا صدفة أم عبثًا؟، أم ذكرت هذه الأسماء والأفعال لغاية أرادها الله وتنبيهًا للعباد وللعبرة والاعتبار؟

لكن الإشكال الذي يُطرح هو: إلى أي مدى يتوافق الخطاب الجمالي ومقاصد الشريعة الإسلامية في النص القرآني؟

وهل يتحقَّق هذا التوافق عمليًّا وماديًّا ممَّا يؤدّي إلى التطوُّر العمراني والحضاري؟

وهل يمكن أن يكون للنص الجمالي تأثير فعلي وإيجابي في ضبط السلوك البشري والحفاظ على الكرامة الإنسانية الإسلامية؟

إن حديث الإسلام عن الجمال ليس حديث الترف الفكري، ولكنه حديث عن طبيعة البناء والتصميم، وعندما يُصَنِّفُ علماء الإسلام الجمال ضمن الكماليات من حيث الاحتياج للمسلم، فإن هذا لا يتأتَّى إلَّا بعد استكمال الضرورات والحاجيات، وهذه هي النظرة الشاملة لهذا الدين.

ومن الأمثلة على أن الجمال موجود في بِنْيَة هذا الدين النظر إلى العلاقة بين الخالق والمخلوق، بين المسَخِّرِ والمُسَخَّرِ والمُسَخَّرِ له، وكيف يبدو التناغم بين الإرادة الإلهية العليا، والإرادة الكسبية للإنسان؛ لتُخرج لنا الإنسان المكلَّف في صورة مشرقة تُظهر قدرة الله وسطوته، وتكريم الإنسان وإرادته، والكون البديع وروعته، وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا البحث المتواضع.

وعليه تهدف هذه الورقة إلى الجمع بين النظرة الجمالية في القرآن الكريم وبين مقاصد الشريعة من حيث الممارسة والتطبيق العملي في مجال البيئة والعمران، والسعي إلى تحقيق الذوق والحس الجمالي الذوقي في البناء والتشييد والرقي العمراني، توافقًا مع أحكام الشريعة التي جاءت لتحقيق مصالح العباد؛ إذ تكمن غايتها في تحقيق الكليات الضروريات الخمس: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ العرض، حفظ المال، وتحقيق هذه الضروريات يُحدث أثرًا مهمًّا في خلق بيئة سليمة تحقّق الخلافة التي خلق الله الإنسان لأجلها.

فإذا اتَّفقت النظرة الجمالية التي تتأسَّس في الإسلام عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا مع مقاصد القرآن في حفظ كرامة الإنسان تحقّق الرقي الحضاري والعمراني في البلاد الإسلامية؛ فمن جمال المعتقد أَلَّا ينحطَّ ذوق الإنسان فيخضع لمخلوق عاجز بدلًا من أن يؤمن برب قوي ظاهر، ففي هذا الاتجاه فساد الفكر وانحطاط التصوُّر، وتلك بشاعة تأباها الفطرة النقية والذوق السليم في تأمُّلنا وتدبُّرنا وسعينا لتحقيق الرخاء، والتمدُّن والتحضُّر.

كما تهدف إلى الدفاع عن الشريعة الإسلامية وإلى لفت الأنظار إلى جمال الصنعة الإلهية وإبداعها مدعاةٌ للفكر فيها، وإرشادٌ إلى مبدعها، والحث على الاعتراف به وبقدرته، وقد ضرب القرآن الكريم أمثلة كثيرة من أجل تحقيق هذا الهدف السامي ومنها قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}[8].

يُعد الارتقاء بإنسانية الإنسان وذوقه من أهداف الجمال في الإسلام، ويتأتَّى ذلك بتربية المسلم تربية جمالية تعمل على «تكوين الإنسان العابد الصالح من جميع جوانبه ومنها الجانب الجمالي، وإدراك العلاقات بين الكائنات أو الخلائق بعضها بعضًا، والتمييز بين الأشكال والأحجام والألوان والطعوم والروائح والمسموعات، واستغلال الإمكانيات البشرية في الإنسان لكي تجعل منه إنسانًا متميزًا عن طريق تنمية تذوقه، وإنماء عاطفة الجمال الكامنة في نفسه، وتنمية قدرته على تقدير الجمال، فتنشئة الفرد على التذوق والجمال ضرورة عصرية تسعى الأمم المتقدمة لتثقيف أبنائها عليها من أجل الأخذ بأسباب الحضارة»[9].

ومن جهة المنهجية فقد اعتمدنا على القراءة التحليلية الاستقرائية للآيات القرآنية الداعية إلى التأمُّل الجمالي الهادف إلى نشر رسالة التوحيد، وبهذا فقد اعتمدنا على المنهج التحليلي الوصفي، وعلى تقنية تحليل المضمون والمنهج المقارن للاستئناس والاستدلال أحيانًا أخرى؛ كما حاولنا جاهدين ربط الجانب الروحي القيمي بالواقع الدولي للعالم الإسلامي وبالراهن الميداني.

أولًا: الخطاب الجمالي في القرآن الكريم.. مفهومه وغاياته

إن القرآن الكريم حين يعرض ماهية الإنسان وأهم خصائصه الفطرية، وحينما يؤكِّد مبدأ الحرية والمسؤولية لهذا المخلوق المكرَّم فهو يعمل على «بعث الحياة في الإنسان والمجتمع والبشرية، وذلك بإحياء العلاقة بين الإنسان وذاته، وبين الإنسان وبيئته الطبيعية والاجتماعية، وذلك بجعلها علاقة جمالية بحيث يصبح الإنسان ذاتًا وجودية وعيها هو الإحساس بالجمال، وعقلها هو التفكير في آيات الجمال»[10].

ويرى نذير حمدان أن «الظاهرة القرآنية... ربانية المصدر تتوّج الإعجاز البياني الذي تحدَّى العرب بيانًا، وتحدَّى الناس شريعة ونظامًا، وهي تتحدَّى الجماليين في روائعه وجمالياته وجلالياته...»[11].

كما أن المعرفة بجماليات القرآن لها أثر فاعل في تطبيق كلام الله في الحياة اليومية، وتثقف القارئ وتقربه من القرآن ومفاهيمه مهما كان مستواه العلمي والفكري ومدی تخصُّصه القرآني.

ودراسة الجمالية في القرآن الكريم حسبه ذات جوانب متشابكة[12]:

* فهي منطلق ووجود حضاري لأقدس وأعظم سجل حضاري في الوجود.

* وهي اتجاه أدبي وفني رائد يُغني الموضوعات الكونية والإلهية بأبهى الصور الأدبية والفنية الرائعة.

* وهي منحى تربوي يُلبِّي حاجات الإنسان الجمالية ويصبغه بالشخصية المسلمة على نمط فريد متميّز.

وإن أعظم مقصد لهذه الجمالات المبثوثة في هذا الكون، هو لفت النظر إلى أن خالق هذا الجمال له من المحاسن والجمال ما يسوق النفس إليه رضا ومحبة «فيحسُّ بالصلة بين المبدع وما أبدع فيزيد شعوره بجمال ما يرى وما يحسّ؛ لأنه يرى حينئذٍ من ورائه جمال االله وجلاله»[13].

ويشاهد كذلك أن «في كل شيء صنعة متقنة وحكمة دقيقة وزينة رفيعة وترتيبًا ذا شفقة ووضعًا حلوًا، لاستجلاب الإعجاب إلى الصنعة ولفت الأنظار إليها وإرضاء المشاهدين مما يفهم بداهة أن وراء حجاب الغيب صانعًا بديعًا يريد أن يعرف نفسه إلى ذوي الشعور، ويُحبِّب نفسه إليهم ويسوقهم إلى الثناء عليه بإبراز كثير من إبداعاته وكمالاته في كل صنعة من مصنوعاته»[14].

ومن الألفاظ الجمالية التي تُنبِّهنا وتشدُّنا إلى الجانب المادي والحضاري وكذا العمراني، بعض ما جاء في الآيات القرآنية كلفظتي الزينة والزخرف، وقد جاء ذكر الزينة في ست وأربعين مرة في كتاب الله تعالى، منها قوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}[15]، ويلاحظ أيضًا أن الزينة هنا منها المعنوي مثل تزيين القلب بالإيمان، ومنها الحسي مثل تزيين السماء بالكواكب.

إلَّا أن للزينة دلالةً تختلف عن كلمة الجمال، فالزينة حُسْنٌ زائد على أصل الشيء لم يكن موجودًا قبل ذلك، وأما الجمال فهو حُسْنٌ قائم بذات الشيء وأصله، أو مضافًا إليه. وعليه فتزيين الشيء تجميله وتحسينه بمواد إضافية زائدة عن الفطرة والأصل كتزيين البيت بالزرابي والأواني والأثاث، وتزيين المرأة بالحُلي والمجوهرات وما شابه ذلك.

ومثل الزينة في قربها من كلمة الجمال كلمة الزخرف، وقد وردت في أربعة مواضع في كتاب الله تعالى، وكانت دليل اهتمام المسلمين والخطاطين والمهندسين الأوائل في الحضارة الإسلامية في بناء القصور وتعميرها بالزينة والزخرف من النقوش والمعادن النفيسة، وكذلك بناء المساجد التي تجتمع فيها مقاصد الشريعة من حفظ للدين والتمتع بالجمال الفني من زخارف نباتية وخطوط عربية متداخلة ومتناظرة.

كما أن التنوُّع في مظاهر الكون مدعاة للتربية الجمالية والذوقية مصداقًا لما جاء في سورة الأنعام {وَهُوَ الَّذِيْ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُوْنَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوْا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِيْ ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُوْنَ}[16]. ويقول سبحانه: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ}[17].

وأحيانًا تشير الآيات إلى زينة النباتات دون تصريح مباشر كقوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[18].

فبساتين العنب وأنواع الزروع والنخيل والرطب في قطع متجاورات وتفضيل بعضها على بعض في الطعم واللون مع أن الكل يُسقى بماء واحد وتربة واحدة وعملية التمثيل الضوئي الواحد دلالة ضمنية على تمام الانبهار والإعجاب والروعة في الجمال؛ وكلها آيات للتمعُّن والتدبُّر والتعلُّم.

يقول سيد قطب: «إن عنصر الجمال يبدو مقصودًا قصدًا في تصميم هذا الكون وتنسيقه، ومن كمال هذا الجمال أن وظائف الأشياء تؤدِّي عن طريق جمالها، هذه الألوان الجميلة العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح، وظيفة النحل والفراش بالقياس إلى الزهرة هي القيام بنقل اللقاح لتنشأ الثمار، وهكذا تؤدِّي الزهرة وظيفتها عن طريق جمالها... والجمال في الجنس هو الوسيلة لجذب الجنس الآخر إليه، وهكذا تتم الطريقة عن طريق الجمال...»[19].

وإن آيات كثيرة كانت مصدر إلهام في التصميم الأولي للحدائق الإسلامية في الأندلس وفي البلاد الإسلامية التي شُيِّدت القصور وعُمِّرت فيها المباني والمساجد والطرقات والأحياء التي كان البعد الإيماني والعقدي فيها واضحًا جليًّا.

وهنا التساؤل: لماذا هذا التراجع في مجال العمران؟ لماذا تخلَّينا عن التصميم الإسلامي وسعينا ركضًا وراء التقليد الأوربي؟ لماذا التقليد الهدَّام الذي يُفقدنا الأصالة والهوية والثوابت؟ لماذا التخلِّي عن القيم الدينية في حياتنا اليومية والبحث عن قيم غربية بديلة نسميها قيمًا حضارية؟ وهي في الحقيقة قيم تدميرية تغريبية.

ومن موارد الجمال حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حرم»[20].

يقول الأنصاري (رحمه الله): والحقيقة الجمالية نفسها التي نراها في الطبيعة والجبال والبحار والنجوم؛ ما هي -رغم التصريح القرآني بجماليتها في مقاصد الخلق- إلَّا مخلوقات تؤدِّي وظائف في سياق التدبير الإلهي للكون؛ خلقًا وتقديرًا ورعايةً.

ومن ذلك قوله تعالى على سبيل المثال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[21]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}[22].

مشيرًا بذلك إلى أن وظيفة الأقمار والأفلاك إنما هي إنتاج مفهوم الزمان؛ لتنظيم الحياة الكونية والإنسانية في أمور المعاش والمعاد معًا، أي مجال العادات والعبادات على السواء. وكذلك ما ذكره الله من الوظيفة الجيولوجية والتسخيرية للجبال والأنهار والمسالك، في مثل قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[23].

وقوله سبحانه: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}[24]، وقال سبحانه: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}[25].

يقول القرطبي F: الزخرف هنا الذهب، قاله ابن عباس وغيره. وقال ابن زيد: هو ما يتَّخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث. وقال الحسن: النقوش، وأصله الزينة. يقال: زخرفت الدار، أي: زيَّنتها. وتزخرف فلان، أي: تزيَّن»[26].

وهي بذلك تفترق عن كلمة الجمال في كونها معبِّرة عن معدن ونحوه أو نقوش زائدة على أصل الشيء للتزيُّن. والنباتات بأشكالها وأنواعها وأصنافها هي مظهر من مظاهر الجمال الذي يبعث في النفس الفرح والأمن والكمال لخالقها والتكريم لمخلوقها[27].

وتدل هذه الآيات دلالة صريحة في زينة النباتات: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[28].

وقد ذُكرت الزينة المادية في القرآن الكريم للاستدلال بها في السلوك العملي وفي الحياة المدنية والحضرية وهي عبارة عن زينة ظاهرة يدل مدلولها على القضايا المادية وبلغت عددها إلى خمس وعشرين موضعًا في القرآن، تسعة عشر منها في الاستعمال الاسمي وستة في الاستعمال الفعلي.

الصيغ التي جاءت في الاستعمال الاسمي للدلالة المادية مع عدد تكرارها في القرآن هي:

-       الزينة أو زينة؛ 11 مرة: النحل 8، الكهف 7، طه 59، النور 60، الصافات 6، يونس 88، الكهف 28، طه 87، الحديد 20، الكهف 46، الأعراف 32.

-       زينتها؛ 3 مرات: هود 15-16، القصص 60، الأحزاب 28-29.

-       زينتهن؛ 3 مرات في آية واحدة: النور 31.

-       زينتكم؛ مرة واحدة: الأعراف 31.

-       زينته؛ مرة واحدة: القصص 79.

والصيغ التي جاءت في الاستعمال الفعلي للدلالة المادية هي:

-       زيّنّا؛ 3 مرات: الصافات 6، فصلت 12، الملك 5.

-       زيّنّاها؛ مرتين: الحجر 16، ق 6.

-       ازّيّنت؛ مرة واحدة: يونس 24.

ثانيًا: أسس الخطاب الجمالي القرآني في الحضارة والعمران

في سياق الحديث عن الزينة في الكون يبدأ حديثنا عن العمران وعن البناء والتشييد وعن الحضارة، فنظرة «واحدة إلى السماء كافية لرؤية هذه الزينة؛ ولإدراك أن الجمال عنصر مقصود في بناء هذا الكون؛ وأن صنعة الصانع فيه بديعة التكوين جميلة التنسيق؛ وأن الجمال فيه فطرة عميقة لا عرض سطحي؛ وأن تصميمه قائم على جمال التكوين كما هو قائم على كمال الوظيفة سواء بسواء. فكل شيء فيه بقدر، وكل شيء فيه يُؤدِّي وظيفته بدقة؛ وهو في مجموعه جميل. والسماء وتناثر الكواكب فيها، أجمل مشهد تقع عليه العين، ولا تمل طول النظر إليه. وكل نجمة توصوص بضوئها وكل كوكب يوصوص بنوره؛ وكأنه عين محبة تخالسك النظر؛ فإذا أنت حدَّقت فيها أغمضت وتوارت؛ وإذا أنت التفت عنها أبرقت ولمعت، وتتبع مواقعها وتغيّر منازلها ليلة بعد ليلة وآنًا بعد آن متعة نفسية لا تملها النفس أبدًا»[29].

فالطبيعة بجمالياتها والكون بروعته، والوجود بتناسقه وتناغمه والعبد المؤمن بتعقُّله وتدبُّره وحكمته، هذه هي كنوز الحضارة الإسلامية وسر تميُّزها وتفرُّدها بين مختلف الحضارات.

ومن مظاهر قوة حضارتنا الإسلامية، التي تعتبر الثقافة الإسلامية أحد روافدها، أنها امتزجت بحضارات وثقافات الأقدمين ممن سبقوها إلى الوجود، فأخذت منها ما يتلاءم مع مبادئها، وكوّنت من جماع ما أخذت ومما أبدعت حضارة سامية متميزة أثبتت مقدرتها على الصمود أمام الحضارات الأخرى على اختلاف مشاربها، والتأثير فيها عبر القرون الطويلة.

يقول المستشرق قرابار: «ليس الرقش العربي مجرَّد زخرفة، بل كان له وظيفة رمزية، ففي جميع أشكال الرقش في قصر الحير الشرقي والغربي أو في قصر المشتى أو خربة المفجر، يتبيَّن أن هذا سواء أكان هندسيًّا أو نباتيًّا قد أُخضع كليًّا لمبادئ تجريدية هي في قمة جميع مراتب التعبير الجمالي الإسلامي، وهذا يعني أننا نقف أمام بنية متحرِّكة وليست ساكنة، وأمام قالب يولد جملة تكوينات متآلفة، فالعناصر الزخرفية لا يمكن وصفها كوحدات منفصلة أو كيانات طبيعية خافية على أبصارنا»[30].

وجاء في كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وموجز عن الحضارات السابقة» للمفكر السوري شوقي أبو خليل أن: «الحضارة: هي محاولات الإنسان؛ الاستكشاف، والاختراع، والتفكير، والتنظيم، والعمل على استغلال الطبيعة؛ للوصول إلى مستوى حياة أفضل، وهي حصيلة جهود الأمم كلِّها»[31].

أما ابن خلدون فقد اعتبر العمران لونًا من ألوان الحضارة، وهو تابع للترف الذي يأتي منها، حسب قوله: «البناء، واختطاط المنازل إنما هو من منازع الحضارة التي يدعو إليها الترف، والدّعة.»

وفضَّل باحثون آخرون وصف الحضارة بـ«الصورة الحاضرة التي يبدعها الإنسان لما يعتقده في الكون، والحياة»، وما آثارنا في هذا التعريف هو لفظتا (إبداع واعتقاد)، فما هو الإبداع؟ ولماذا قُورن بالاعتقاد؟ وكيف يمكننا الانتقال من الحالة الإيمانية الوجدانية إلى الإبداع الميداني؟

جاء في القرآن الكريم الوصف الجمالي تحبيبًا وتهذيبًا بشأن الزخارف والفرش والمباني، وتعتبر سورة الرحمن من أبدع وأروع ما صوَّر القرآن تصويرًا ماديًّا وحسيًّا، كذلك الحدائق والساحات الترفيهية مصداقًا لقوله: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ}، ووجود الجنان، وهي الحدائق والمزروعات بعد البيوت، وذلك لتوفير المأكل لأهل البلدة وسهولة نقلها لِقِصَر المسافة بين البلدة والحدائق، وهذا الأساس مأخوذ من أن الله جعل من نعمه على أهل سبأ وجود الحدائق بعد بيوتهم قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}[32].

وقد سمَّى الله البيت سكنًا للدلالة على أنه بعيد عن كل ما يُسبِّب للإنسان الضرر والأذى مثل الضوضاء والحشرات، وللدلالة على تواجد وسائل الراحة له من مأكل ومشرب ومخدع للنوم، وقد وردت في القرآن مكوّنات البيت البنائية والفرشية، «ومن المعلوم عند الأطباء أن الضوء والشمس ضروريان للسكن الصحي، وقد تنبه السادة الفقهاء لذلك قديمًا وأجازوا إحداث الكُوَّات والنوافذ في المنازل لدخول الضوء والشمس بشرط عدم الإضرار بالجيران»[33].

وقد استلهم منها الفنانون والبناؤون والمهندسون رسوماتهم وتصاميمهم، يقول روجيه غارودي في كتابه (وعود الإسلام): «إن الفن في الإسلام ليس القصد والغاية منه العمل والهروب من الواقع، بقدر ما هو الإشارة إلى الواقع الوحيد، المتعال، وليس بالتأكيد إسقاطًا فردانيًّا؛ لأن الفرد لا يعيش إلَّا في الجماعة، ولا الوصول إلى مستوى من الواقع، بل استدعاء الواقع الوحيد الذي لا يمكن الوصول إليه اعتمادًا على الإدراك الحسي، إن الغاية من الفن الإسلامي هو الشهادة على وجود الله...»، ويتجلَّى في استلهام فن تنسيق الحدائق والبساتين من النموذج القرآني لتصور الجنة ووصفها، وقد كشفت عن هذه الحقيقة دراسة للمفكرة الألمانية الشهيرة عاشقة الجماليات الإسلامية آن ماري شيمل بعنوان: «جنة الآخرة في الإسلام»، بقولها: تتحدَّث الدراسة المهمة والجميلة عن فن تنسيق الحدائق، وكيف أنه يحتذي النموذج القرآني لتصوُّر الجنة وأنهارها الأربعة، التي ألهمت المهندسين فيما بعد في تصوُّر القنوات المائية التي نشهدها في حدائق فارس والهند الإسلامية. وتمتلئ الدراسة بالتفسيرات الصوفية للرموز المرئية في الحديقة مثل دورة الحياة حيث تعود الأرض مع الربيع للإنبات من بعد موتها، وكيف أنها دليل على البعث والنشور، ومثل رمز الوردة الأحمر القاني المماثل للهب، وكيف يمكن ربطه بنار إبراهيم التي كانت بردًا وسلامًا على الخليل. وتتجوَّل بنا ماري شيمل عبر هذه الرموز وتفسيراتها وتاريخها في رؤية تاريخية فلسفية لغوية ذات عبق تصوفي، لتُوضِّح كيف أدرك المسلمون الجمال كطريق نحو العبادة وكمفهوم متجاوز يقود لمعرفة جلال الله سبحانه وتعالى[34].

وقد استطاع الإسلام أن يُخرج الفن من دور العبادة إلى الطبيعة الرحبة والكون الفسيح، وحوَّله من خدمة الآلهة إلى خدمة الإله الواحد، إن الكائنات في نظر المسلم كلها موجودة بالنسبة لله، لأنها من صنعه وتقديره وخلقه وليس وجودها قائمًا بالنسبة للإنسان، فالمشاهد والأشياء كلها ترى من خلال عين الله المطلقة التي لا تحدُّها زاوية بصر ضيقة، على عكس المفهوم الغربي الذي جعل الإنسان هو المركز الذي ترى من خلاله الأشياء والمشاهد.

قال أبو حامد الغزالي: «كل شيء جماله وحسنه في أن يحضر كماله اللائق به، الممكن له، فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة، فهو في غاية الجمال، وإذا كان الحاضر بعضها، فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر؛ فالفَرَسُ الحسن هو الذي جمع كل ما يليق بالفرس من هيئة وشكل ولون وحسن عدو وتيسر كرٍّ وفرٍّ عليه، والخَطُّ الحسن كل ما جمع ما يليق بالخط من تناسب الحروف وتوازنها واستقامة ترتيبها وحسن انتظامها، ولكل شيء كمال يليق به، فحُسْن كل شيء في كماله الذي يليق به، فلا يحسن الإنسان بما يحسن به الفرس، ولا يحسن الخط بما يحسن به الصوت، ولا تحسن الأواني بما تحسن به الثياب، وكذلك في سائر الأشياء»[35].

وفي موضع آخر يقول الغزالي: «واعلم أن الحسن والقبح موجود في غير المحسوسات إذ يقال: هذا خلق حسن، وهذا علم حسن، وهذه سيرة حسنة، وهذه أخلاق جميلة. وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار»[36].

فالإسلام غرس في نفوس أتباعه الدافع إلى الإتقان والإحسان في كل شيء، وجعل من أهداف المسلم أن يُجَمِّل كل ما يصنعه؛ ليبدو على أحسن ما يكون، وضرب الله المثل في ذلك للإنسان بالإنسان ذاته فقال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ}[37]. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[38].

قال الطبري: «أحكمه وأتقن صنعته»[39]، فمن أمارات الإتقان التي تميَّز بها الجمال خلق الإنسان في أحسن صورة، فكما خلق الإنسان في أحسن صورة وكما سوَّاه الله في أحسن تسوية عليه إتقان عمله وتحسينه وتجميله ليصل إلى مرضاة الله جلَّ وعلا.

وعن السماء قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}[40]، وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}[41].

قال القرطبي: «ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين، بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها، وإن اختلفت صوره وصفاته»[42] وهذه دعوة مُلحَّة إلى الإتقان وعدم الغشّ في الأعمال.

ومن ذلك أيضًا حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا، فَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ، فَيَقُولُونَ: أَلا وُضِعَتْ هَاهُنَا لَبِنَةٌ فَتَمَّ بِنَاؤُهُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم): فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ الْنَّبِيِّين»[43].

يقول ابن حجر: «وفي الحديث ضرب للأمثال للتقريب للإفهام، وفضل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على سائر النبيين، وأن الله ختم به المرسلين وأكمل به شرائع الدين»[44].

فالبعد عن النقص والعيوب من معايير الجمال في الإسلام، ومن معايير تطبيق هذا الجمال على المباني والعمران في عصور ازدهار المباني الإسلامية.

ومن معايير الجمال في الإسلام أيضًا، عدم تمييز الجماليات الإسلامية بين الديني والدنيوي، وقيامها على المزاوجة الدائمة بين الأبعاد المادية والروحية للجمال، لذلك «لا ريب في أن حافزًا لا واعيًا نحو دمج السماوات دمجًا رمزيًّا في بيت العبادة، هو الذي قاد المسلمين إلى تبني القبة وإلى إتقانها حتى الكمال؛ فقبة المسجد هنا رغم جمالها الظاهر، وتناسق شكلها، إلَّا أنها نداء إلى جميع البرية بأن دين الإسلام يرفض فصل الروح عن الجسد، والسماء عن الأرض، والدين عن الدولة؛ ترفع بصرك عاليًا تتأمَّل جمالها فتجد روحك تُحلِّق في ملكوت الله الواسع»[45].

ثالثًا: الخطاب الجمالي والعمران البشري تطبيقًا وعملًا

يعتبر الفن عمومًا، والمعماري منه خصوصًا، من أصدق أنباء التاريخ، وهو واحد من أهم علوم هندسة الروح والجسد وأكثرها سموًّا ورقيًّا؛ ذلك لأنه قادر، كموسوعة وقوة خازنة لخيال الأمم، على تحقيق التواصل والتفاعل الحضاري، والفن المعماري أقدر من غيره على التواصل مع الآخر، وقد لعب الفن المعماري الإسلامي دورًا كبيرًا في خلق حوار فني حضاري متميز؛ لأنه انطلق من هويته، وحافظ على خصوصيته الثقافية، فاستطاع من خلال جمالية إبداعه الفني تقديم الوجه الحقيقي لحضارته[46].

لقد أصبحت عمارة التراث الإسلامي والمتعارف عليها بالعمارة الإسلامية هي المرجع ومصدر الإلهام عند بعض المعماريين لربط الأصالة بالمعاصرة، وقد فرضت مفرداتها المعمارية على النسق المعماري لتحقيق هذه الغاية مثل استعمال المشربيات والعقود والقباب.

مع ذلك لا ينبغي حصر عمارة المسلمين في هذه القوالب التقليدية، مع أن هذه المفردات المعمارية هي إفرازات محليه لمواجهة عوامل مناخية أو أغراض إنشائية أو حرفية أو ثقافية لم يعد لها وجود في الحياة المعاصرة، بعد أن توصلت علوم البناء الحديثة إلى بدائل عنها يمكن إنتاجها محليًّا.

كما لا ينبغي حصر الفكر المعماري في الطابع الشكلي المستمد نصًّا من التراث الذي ظهر بإبداعاته وابتكاراته في فترات تاريخية محدَّدة عُرفت بالعصور الإسلامية، وفى أقاليم محددة تقع ما بين المشرق والمغرب العربي والإسلامي. وفي خضم هذا الطرح تناسينا إشكالية العمارة في الإسلام، فالإسلام لا يحدُّه زمان أو يحصره مكان سواء كان هذا الإسلام في الصين أو في أفريقيا أو في الصحراء؛ إذ إن تعاليمه وقيمه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن الشكل هو الذي يتغير بتغير المكان والزمان، الأمر الذي يجعل من المضمون الفكري للعمارة في الإسلام النظرية العالمية التي تستوعب الإقليمية والمحلية، ومنه يستوجب ربطه بمفهوم البيئة الذي ذكر ما يرادفه ويقوم مقامه ومقام العمارة والمسكن في القرآن الكريم.

إن مصطلح البيئة هو مصطلح إسلامي نظرًا لذكر اشتقاقاته في عدة سور من القرآن الكريم، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا}[47]، أي اتخذ لهم بيوتًا للصلاة والعبادة.

فكلمة البيئة لم يرد ذكرها لفظًا في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، إلَّا إذا أخذ مفهوم البيئة بأنها الأرض وما تتضمنه من مكونات غير حية متمثلة في مظاهر سطح الأرض من جبال وهضاب وسهول وصخور ومعادن وتربة... إلخ، ومكونات حية متمثلة في الإنسان والنبات والحيوان سواء أكانت على اليابسة أو في الماء.

تجد أن البيئة بهذا المفهوم قد وردت في القرآن في 199 آية في سور مختلفة، يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه (رعاية البيئة في شريعة الإسلام): «البيئة هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويبوء إليه إذا سافر واغترب بعيدًا عنه فهو مرجعه في النهاية»[48].

قال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[49].

ولفظة القصر هنا دلالة على العمران والبناء وصبغة الجمالية والمتعة فيها، ومن هذه الآية نستخلص أن العمارة جزء من البيئة التي ذكرت بكل محتوياتها الكونية والوجودية حية وجامدة تكرارًا ومرارًا مثل قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[50]، وقوله سبحانه: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[51].

كلها إشارات إلى البيئة والعمران، والمطلوب من الإنسان العدل والاعتدال في معاملته مع البيئة وعناصرها، ويدخل في هذا الإطار المحافظة على التنوُّع الحيوي الذي يوفر القاعدة الأساسية للحياة على الأرض، كما أن الحياة الفطرية تعدُّ المصدر الرئيسي لتزويد الإنسان بالغذاء والمواد الخام اللازمة لصناعة ملابسه، وتتيح له المجال لممارسة هواياته في الصيد أو الترويح عن النفس.

ولعل ما هو أهم من ذلك أن لكثير من الأنواع الحية دورًا أساسيًّا في استقرار المناخ وحماية موارد المياه والتربة. كما أن كثرة الأنواع الحية توفّر مخزونًا للمعلومات عن السمات الوراثية التي ترشد إلى اختيار محاصيل جديدة وتساعد على تحسين الأنواع الموجودة حاليًّا.

وهذا لن يتم إلَّا باجتهاد الإنسان وبوعيه الكبير في ضرورة النهوض الحضاري الإسلامي وعليه لا بد لنا كمسلمين العناية بما يلي:

1- الاهتمام والتأسيس لعلم بيئة إسلامي، فعلم البيئة هو العلم الذي يدرس الأنظمة والطرائق والأدوات التي تساعد على رصد المشكلات البيئية وتحليلها، وتقصّي تبعاتها الاجتماعية والصحية والجمالية والاقتصادية والاستراتيجية وغيرها، ومن ثم إيجاد الحلول المناسبة لمواجهتها وتترأس القوانين الوعي البيئي إذا ما حوَّلت إلى برامج تطبيقية سارية المفعول لا مجرد اتِّفاقيات مخزنة في أرشيف المصالح الخاصة، لذا يكاد يتَّفق الأكاديميون على أن الوعي البيئي: «هو الإدراك القائم على الإحساس بالعلاقات والمشكلات البيئية، من حيث أسبابها وآثارها ووسائل حلها، إدراك الفرد لدوره في مواجهة البيئة»[52].

2- تأسيس مدارس ونوادي لتوعية وتدريس الجماليات البيئية: إن الجمال شيء ملازم للشعور الإنساني إلى درجة أنه غدا علمًا يراد به الإدراك الحسي للأشياء أو علم المعرفة الحسية أو علم الحساسية، وغير ذلك. وإن الذوق، الملكة أو الحاسة المركزية لتذوق الجمال وإنتاجه، تتفاعل في تكوينه عوامل متعدِّدة: لغوية واجتماعية وفكرية ونفسية وتربوية وغيرها وعليه، لم يكن غريبًا أن ألفينا المساهمات الجمالية لأسلافنا تتوزَّع الكثير من المجالات المعرفية لتراثنا الثقافي كالفلسفة والبلاغة وعلم الكلام والطب والموسيقى، وقد توجَّهت المدارس الجمالية المعاصرة في القرن الماضي ليشمل علم الجمال: الجماليات البيئية[53] (Environnement Aesthetics)، ويقصد بها توجيه الحكم الجمالي في اتجاه البيئة بما تحمله من خصائص ذكرناها في البداية.

ولأن مفهوم الجماليات البيئية في الإسلام يتجاوز الأبعاد الزمانية والمكانية والإنسانية، فهو شامل لكل الموارد الكونية والتي تنتظم في إطار العلاقة التي حدَّدتها الشريعة الإسلامية لتنظيم أصول التعامل الإنساني مع المكونات البيئية ومع الخالق، وكيف يترقَّى الذوق الجمالي من الذوق الحسي الفردي إلى التذوُّق الجمالي الجماعي فينصهر في بوتقة الأخلاقيات التطبيقية ومنظومة القيم العملية التي تحدّد سلوكيات الأفراد اتجاه البيئة وتقرب الإنسان من الله، من الخالق الحق.

فقد ذكرت الأرض في القرآن الكريم (390) مرة في مناسبات مختلفة، ركَّز فيها على مجموعة من الحِكَم والغايات، وأن الله سخَّرها للإنسان، لينتفع بها، ويصلحها، ولذلك نهى فيها عن الإفساد فيها، والإضرار بها، وأن الله تعالى خلقها في أبهى صور جمالها وكمالها وصلاحها، وهيَّأها للإنسان ليعمرها بكل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم.

أما السماء، والسماوات، ذكرها القرآن الكريم (311) مرة نبَّه فيها على أهمية السماء، وما تنزل منها من الخيرات، والغيث والبركات، وأن الله تعالى جعل ما فيها وسخَّرها مع الأرض وما بينهما لينتفع بها الإنسان، ويشكره تعالى عليها، وإلَّا فإن الله تعالى قادر على أن ينزل من السماء بدل الخيرات العذاب والرجز، وأن يمطرهم الأحجار، والآيات العجيبة، وغير ذلك.

3- عدم الإفساد في الأرض: إن حماية البيئة في الشريعة الإسلامية أمانة ومسؤولية يتطلبها الإيمان، وتقتضيها عقيدة الاستخلاف في الأرض، وإذا كان من ثمرات الإيمان الصادق وآثاره الإخبات لله تعالى، وإخلاص العبادة إليه، فإن من ثمراتها أيضًا القيام بالتكاليف الشرعية كما أمر الله تعالى ورعاية البيئة والمحافظة عليها كما خلقها الله رحمة بالمخلوقات[54].

واعتبار مظاهر البيئة من دلائل وجود الله وقدرته على الخلق، فالقرآن يعدّد مكونات البيئة من أرض وسماء ورياح وماء وبحار ونبات، فالله سبحانه وتعالى يمتن على الإنسان بهذه المكونات البيئية، ويرشده إلى الالتفات إلى خالقها، كما ينّبهه إلى التوازن الكوني الموجود فيها، وهو من النعم الكبرى التي تستوجب الشكر، ومن الشكر أن يحافظ الإنسان على هذا التوازن، فلا يتدخل بالفساد والإفساد.

إشارة القرآن إلى قضية الفساد في الكون، هذا الفساد الذي يؤدي إلى الاختلال الكوني والبيئي، وقد يمتد هذا الفساد ليشمل هلاك الحرث والنسل ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾[55]؛ أي يهلك الزرع وما تناسل من الإنسان والحيوان، ومعناه أن فساده عام يشمل الحاضر والبادي، فالحرث محل نماء الزروع والثمار، والنسل هو نتاج الحيوانات التي لا قوام للناس إلَّا بها، فإفسادها تدمير[56].

أما في مجال المباني والمنشآت والمساكن فعلينا اتِّباع الدراسات الإسلامية العلمية، فالتراث الإسلامي يزخر بمؤلّفات عديدة حول البيئة وسلامتها من جوانب مختلفة، فعلى سبيل المثال ألّف الكندي «رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء، ورسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية»، ووضع ابن المبرد كتابًا أسماه «فنون المنون في الوباء والطاعون»، وتكلَّم ابن سينا بالتفصيل في كتابه «القانون» عن تلوّث المياه بشكل عام وكيفية معالجة هذا التلوّث لتصبح المياه صالحة للاستعمال، كما أنه وضع شروطا تتعلق بطبيعة الماء والهواء المؤثرين في المكان عند اختيار موقع ما للسكنى.

أما الرازي فقد نشد سلامة البيئة عندما استشاره عضد الدولة في اختيار موقع لمستشفى ببغداد، فاختار الناحية التي لم يفسد فيها اللحم بسرعة. وكانت المستشفيات بصورة عامة تتمتع بموقع تتوافر فيه كل شروط الصحة والجمال، فعندما أراد السلطان صلاح الدين أن ينشئ مستشفى في القاهرة اختار له أحد قصوره الفخمة البعيدة عن الضوضاء وحوله إلى مستشفى ضخم كبير هو المستشفى الناصري.

وقد ألف الرازي «رسالة في تأثير فصل الربيع وتغيُّر الهواء تبعا لذلك»، بينما تحدث أبو مروان الأندلسي في كتابه «التيسير في المداواة والتدبير» عن فساد الهواء الذي يهب من المستنقعات والبرك ذات الماء الراكد. وجاء في كتاب «بستان الأطباء وروضة الألباء» لابن المطران الدمشقي، ما يؤكد ضرورة مراعاة تأثير البيئة عند تشخيص المرض، فقال: «ينبغي للطبيب إذا قدم على مداواة قوم في بلد، أن ينظر في وضع المدينة، ومزاج الهواء المحيط بها، والمياه الجارية فيها، والتدبير الخاص الذي يستعمله قوم دون قوم، فإن هذه هي الأصول، ثم بعدها النظر في سائر الشرائط»[57]، وهذه رؤية متقدمة في «علم الطب البيئي»[58].

وكتب ابن قيم الجوزية في كتابه «الطب النبوي» فصلًا عن الأوبئة التي تنتشر بسبب التلوّث الهوائي، والاحتراز منها، وقد لخص ذلك الفصل بقوله: «والمقصود أن فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام والعلة الفاعلة للطاعون، وأن فساد جوهر الهواء هو الموجب لحدوث الوباء، وفساده يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة، لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه، كالعفونة والنتن والسمية، في أي وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوثه في أواخر فصل الصيف، وفى الخريف غالبًا، لكثرة اجتماع الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف، وعدم تحللها في آخره. وفي الخريف لبرد الجوّ وردغة الأبخرة والفضلات التي كانت تتحلل في فصل الصيف، فتنحصر فتسخن وتتعفن، فتحدث الأمراض العفنة، ولا سيما إذا صادفت البدن مستعدًا قابلًا، رهلًا، قليل الحركة، كثير المواد، فهذا لا يكاد يفلت من العطب»[59].

وقد تناول علماء الحضارة الإسلامية المشكلات البيئية في أجزاء أو فصول من مؤلفاتهم. ولم يقف الأمر عن هذا الحد، حيث نجد من بين علماء المسلمين من رأى ضرورة معالجة الموضوع في كتاب مستقل ليؤكد أهميته في حياة الناس على مر العصور، فقد صنف محمَّد بن أحمد التميمي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كتابًا كاملًا عن التلوّث البيئي وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه، وفصل الحديث فيه عن ثلاثية الهواء والماء والتربة، وتبادل التلوّث بين عناصرها، وجعل عنوانه: «مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء»، وأوضح في مقدمته الغرض من تأليفه بقوله: «وكان الباعث لي على تأليف هذا الكتاب والعناية بهذا الأمر، أني نظرت حال علماء الأطباء، الساكنين بالأمصار الفاسدة الأهويه والبلدان المشهورة بالأوبئة، الكثيرة الأمراض، التي يحدث بها عند انقلابات فصول السنة الأمراض القاتلة والطواعين المهلكة لأجل فساد أهويتها بمجاورة الأنهار الكثيرة المدود، والمدائن التي تحدق بها الغدران، ومناقع المياه الآسنة، والمشارب الكدرة، التي تتصاعد أبخرتها إلى الجو فتفسده وتغلظه، مع ما يعضد ذلك ويقويه من أبخرة الزبول ومجاري مياه الحمامات بها، وأبخرة الجيف من الحيوانات الميتة الملقاة في أقنيتها وظواهرها وعلى ممر سالك طرقاتها، كأرض مصر ودمشق، والمدن التي تلي سواحل البحار ويعظم بها مدود الأنهار، مثل بغداد، والبصرة، والأهواز، وفارس، وسواحل بحر الهند، وسيراف، وعدن، وما جرى مجرى هذه الأمصار العظام التي تجاور البحار، وتخترقها الأنهار، وتحدق بها مناقع المياه الراكدة والجارية، وبخاص ما كان منها منكشفا لمهب ريح الجنوب مكتفلًا بالجبال، وبأقوار الرمال عن مهب ريح الشمال، فكان الأولى بالذين يتولون منهم علاج ملوكها، وخاصة رؤسائها، وعامة أهلها، أن تكون عنايتهم بمداواة الهواء الفاسد، المحدث لوقوع الأوبئة بها، الجالب الطواعين على سكانها، أولى وأوجب من عنايتهم بمداواة ما يتحصل بذلك من الأمراض المخوفة في أجساد أهلها. وأن يصرفوا همهم إلى ذلك ويفرغوا له نفوسهم...[60].

ولم يستعرض التميمي في كتابه أسباب ملوثات الهواء فقط بل طرح حلولًا لكيفية معالجة فساد الهواء، وذلك عن طريق إيقاد النيران وإحراق المواد ذات الروائح العطرية، فالنار تُولد تيارًا هوائيًّا يسمح بتبديل الهواء يصاحبه طرد الهواء الملوث وإيصال هواء جديد، والنار بدرجة الحرارة العالية التي تسببها في الجو كفيلة بقتل الجراثيم الموجودة في هذا الجو المحيط بها، ويرى أن من طرق الوقاية إعطاء الأصدقاء بعض الأدوية التي تقوي المناعة لمنع إصابتهم بالأمراض. واتّخاذ تدابير خاصة بمراقبة أماكن انتقال العدوى كالحمامات العامة[61].

ونخلص إلى ضرورة دخول الفنون في مقاصد التشريع وانسجامه مع شمولها، فالفن تأكيد لحفظ النفس ومشاعرها وكرامتها وتهذيب الوجدان من القبح والقلق والأخلاق الفاسدة، والفن ينبغي أن يعود على بقية المقاصد بالحفظ وليس بالنقص أو العدوان، وخير تجسيد لهذا مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة أراد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتوسط المسجد المدينة لكي يكون نواة العاصمة والحاضرة الجديدة للدولة العربية الإسلامية، وأن يكون بمثابة القلب للمدينة المنورة، وجاء المسجد بسيطًا في تخطيطه، عبارة عن مساحة مستطيلة مكشوفة تحدها أربعة جدران تتمثل في جدار القبلة الذي يمتد الشرق إلى الغرب في اتجاه بيت المقدس، يقابله ويوازيه جدار أخر يماثله أما الجداران الشرقي والغربي فيمتدان من الجنوب إلى الشمال بهيئة متعامدة على طرفي جدار القبلة.

لقد حقّقت عمارة المسجد النبوي ذلك التوازن الدقيق والصعب بين كونه محيطًا ومؤولًا للذاكرة أي بين وجوده المعماري والفعلي ووجوده المعنوي والإيماني والرمزي، وقد عرف، بسبب من بساطة وعمق عمارته على آفاق للمعنى تسمح لكل فرد يتعامل معه أن ينسج علاقته الخاصة به من خلال تركيب ذكرى صلته عن بيته ومأواه هو بالدرجة الأولى وهما بالتالي قد سمحا لكل فرد بحكم صلته الحمية من دون أن يفقد ولو ذرة من قوة إيحائهما المعنوية والعقائدية وكان معبرًا معماريًّا، لأنه يسمح بكرم وتواضع لكل إنسان بان يجعل منه فضاء ينتقل فيه ببصره بين الذاكرة الجمعية التي تعطيه الإحساس بالانتماء بالأمة وبين الذاكرة الفردية التي تجعل علاقته بالعمارة علاقة خاصة[62].

وليكتمل حفظ المقاصد لا بد وأن يتوفَّر في العمارة والعمران ثلاثة عناصر أساسية:

1- المتانة في البناء: لا غش ولا تدليس ولا تلاعب في معايير ومواد البناء وأن يكون التصميم ملائمًا للبيئة والمناخ والعادات والقيم المتعارف عليها.

2- المنفعة: وهو شرط أساسي في كل منشأة أو مبنى، يجب أن تتسم بالخصوصية التي أنشأت لأجلها، فالسكن يتحلَّى بجمالية وكماليات ومساحة خاصة مغايرة تمامًا للمبنى الإداري أو الحدائق أو أماكن العبادة؛ إذ لا بد من مراعاة جهة الرطوبة وإشراقة الشمس وتمازج الألوان وغيرها مما ذكر وصفًا لحدائق الجنات وللأرائك والأنهار والمساجد والمساكن والبيوت التي تكرر ذكرها في القرآن الكريم وبمواصفات مختلفة.

3- الجمالية: وهو الشرط الأساسي وقد ذكرنا في المباحث السابقة كيف أن الله سبحانه وتعالى وصف لنا بناء السماوات والأرض، ووصف لنا الجنان وكل موجودات هذا الكون بألفاظ جمالية كالزينة والحسن والجمال والبهجة وغيرها، وشرط هذه الأوصاف والسمات أنها تسر وتبهج الناظرين وتطرب الحواس سمعًا ورؤية وهمسًا مباركًا في النفوس.

رابعًا: النتائج والتوصيات

الجمال جزء أصيل في منظومة الأوامر الربانية كما هو جزء أصيل في إبداع الكون ونشأته ونظامه وحركته، فالقرآن الكريم لم يشترط الإسلام أو الإيمان في إدراك الجمال، بل اشترط سلامة الآلة قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[63]، فالأعمى لا يحكم على الألوان، والجاهل لا يحكم على قيمة العالم، والأصم لا يحكم على الألحان، والكافر لا يحكم على الإيمان. وفي تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}[64] مصداق لذلك؛ فالحكم بجمال البقرة جمع بين جمال البقرة بلونها الأصفر، وهذا جمال ذاتي فيها، وبين صحة النظر؛ لأن هذا الجمال لا يراه الأعمى، فسلامة الآلة هنا -وهي النظر- أهَّلت للحكم عليها بالجمال.

وعلى ضوء ذلك نحرج بالنتائج والتوصيات الآتية:

1- وضعت السنة النبوية معايير للجمال تمثَّلت في ثلاثة هي: شمائل النبي (عليه السلام) باعتباره أكمل الناس خَلقًا وخُلقًا، الأحكام الشرعية وجوبًا أو ندبًا أو نهيًا، عقيدة الإنسان واستقامة نيته، وهو المعبر عنه بالجمال الباطني.

2- بين البحث أن الجمال في الشرع نوعان ظاهري وباطني، وأن الظاهري لا تكون له قيمة إلَّا إذا اجتمع إليه الجمال الباطني، بخلاف جمال الباطن الذي لا يؤثر فيه غياب جمال الظاهر من حيث الديانة والشرع.

3- قصدت السنة النبوية من خلال الأمر بالتجمل إلى تحقيق حكم عظيمة تمثَّلت في حفظ مقاصد الشرع لا سيما الدين، والعرض، وحث المسلم على القيام بالتكاليف الشرعية من خلال تزيين صورتها في نفسه وذهنه، وإظهار محاسن الإسلام وفضله على غيره، إظهار نعمة الله تعالى على عباده.

وفي مجال الحضارة والعمران لا بد من لفت الانتباه إلى العنصر الأخلاقي والروحي فهو الذي تخلد به الحضارات، وتؤدي به رسالتها وتواصل به النهوض، فالمادة بلا روح بناء بلا أسس، وأسس حضارة المسلمين تمثّلت بالإسلام إجمالًا وتفصيلًا.

وهنا نستشهد برأي توينبي الذي رأى في السمة الدينية أهم صفة يمكن أن توصف بها الحضارة؛ لذلك نجده يسمي الحضارة باسم الدين الذي نشأت في ظلاله أو بالأحرى كانت إحدى ثمراته؛ لأن الدين برأيه يشكل الاستجابة الناجحة للروح على تحدٍّ خارجي، ينتقل بفضلها مجتمع ما من حالة الركود إلى حالة الحركة.

إن للحضارة الإسلامية ركائز ودعامات ومقوّمات كثيرة ساهمت في بلوغها هذه المرتبة العظيمة بين حضارات العالم. ولعل أهم ما يُميِّز مقوّمات الحضارة الإسلامية أنها عالمية وذات بعد إنساني، ولن يتجدَّد رقيُّها إلَّا بالعودة إلى الله والتمسُّك بالقرآن الكريم وبمبادئ الدين الإسلامي الأخلاقية والروحية.

 

 

 



[1] سورة ق، آية 06-11.

[2] سورة عبس، آية 24-32.

[3] أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1411هـ/ 1990م، ج1، ص87.

[4] سورة النحل، آية 6.

[5] أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، بيروت: دار الكتاب العربي، ط 3، 1407هـ، ج 2، ص594.

[6] سورة فاطر الآية: 27 – 28

[7] سورة الحجر، آية 16.

[8] سورة لقمان، آية 10.

[9] زياد علي الجرجاوي، معايير قيم التربية الجمالية في الفكر الإسلامي والفكر الغربي دراسة مقارنة، برنامج التربية ومدير منطقة غزة التعليمية بجامعة القدس المفتوحة 2011م.

[10] محمد عبد الواحد حجازي، الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم، مصر: دار الوفاء، ط1، 2007م، ص29.

[11] نذير حمدان. الظاهرة الجمالية في القرآن الكريم، السعودية - جدة: دار المنابرة، ط1، 1991م، ص6.

[12] المصدر السابق، ص6.

[13] سيد قطب، في ظلال القرآن، مصر: دار الشروق، ط 34، 1425هـ/ 2004، ج4، ص2808.

[14] بديع الزمان النورسي، الشعاعات، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، القاهرة: دار النيل، ط1، 1430هـ/ 2009م، ص87.

[15] سورة الصافات، آية 6.

[16] سورة الأنعام، آية 99.

[17] سورة يونس، آية 24.

[18] سورة الرعد، آية 4.

[19] سيد قطب، في ظلال القرآن، بيروت – القاهرة: دار الشروق، الطبعة السابعة عشر، 1412هـ، ج5، ص2943.

[20] القزويني، محمد بن يزيد أبو عبد الله، سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار الفكر، د ت.كتاب التجارات، باب الاقتصاد في طلب المعيشة، رقم 2144: 2/ 725. وصححه الألباني.

[21] سورة البقرة، آية 189.

[22] سورة يونس، آية 5.

[23] سورة النحل، آية 15-16.

[24] سورة الإسراء، آية 93.

[25] سورة الزخرف، آية 34-35.

[26]- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش ط 2، 1384هـ- 1964م، ج 16، ص 87،

[27] وفاء محمد عزت شريف، الزينة مفهومها وأحكامها الدنيوية في القرآن الكريم، ص121.

[28] سورة الكهف، آية 7.

[29] عوض محمد يوسف أبو عليان، موارد الزينة في القرآن الكريم وبيان معناها وأقسامها والفرق بين تزيين الله -عز وجل- وتزيين الشيطان الرجيم. https://forum.islamacademy.net/showthread.php?t=54839

[30] عفيف بهنسي، الفن العربي الإسلامي، ط1، دار الفكر، ص119.

[31] انظر: شوقي أبو خليل، الحضارة العربية الإسلامية وموجز عن الحضارات السابقة، بيروت: دار الفكر المعاصر- دمشـق: دار الفكر، ط2، 1417هـ/ 1996م، مج1.

[32] سورة سبأ، آية 15.

[33] عيسى بن موسى التطيلي، القضاء بالمرفق في المباني ونفي الضرر، تحقيق: محمد النمينج، منشورات المنظمة الإسلامية إسيسكو، 1999م، ص108.

[34] يرى الأستاذ علي القضاة أن الفنون غير الإسلامية قامت: «على التعبير عن التصوُّرات الوثنية والانفعالات الخاطئة وأخذت تصوُّر الآلهة على اللوحات أو تمثّلها في التمثيليات أو تخاطبها في لحن موسيقي وكلام غنائي، وكذلك تُنصب تلك المبادئ عبر فنونها أبطالًا يصارعون الآلهة مع وضعها آلهة لكل شيء في حياتنا؛ فللخمرة إله، وللشر إله، وللخير إله، وللخصب إله، وهكذا. ثم إن القصة أو التمثيلية أو اللوحة المصوَّرة في تصوُّرهم يجب أن تترجم الصراع بين الإنسان والقضاء والقدر. والفنان إنما هو إله أو نصف إله لأنه يكمل في فنه ما خفي من الكون» الشريعة الإسلامية والفنون، ص 34 و 35.

[35] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، ج4،ص 396.

[36] المرجع نفسه، ج 4، ص 299.

[37] سورة السجدة، آية 7.

[38] سورة المؤمنون، آية 14.

[39] تفسير الطبري، ج 20، ص 171.

[40] سورة الملك، آية 3-4.

[41] سورة ق، آية 6 - 8.

[42] القرطبي، ج 18، ص 208. مرجع سابق.

[43] رواه البخاري في صحيحه، المناقب، باب خاتم النبيين K، ج 4، ص 186.

[44] أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار المعرفة، ج 6، ص 559.

[45] هذا القول نسبه الباحث الموريتاني محمد المهدي ولد محمد البشير، لعالم غربي اسمه: روم لاندو؛ في مقاله حول: «الفن والجمال في الإسلام»، نشره بالموقع الإلكتروني الذي يحمل اسمه mohamedelmehdi، يوم الخميس 15 نوفمبر، 2007.

[46] مريم آيت أحمد، فن المعمار الإسلامي جسر للتواصل الحضاري الإنساني، مجلة حراء، العدد: 21، أكتوبر - ديسمبر 2010، ص 40.

[47] سورة يونس، آية 87.

[48] يوسف القرضاوي، رعاية البيئة في شريعة الإسلام، دار الشروق، ص12.

[49] سورة الأعراف، آية 74.

[50] سورة الفرقان، آية 2.

[51] سورة الرحمن، آية 5 - 9.

[52] عبد الهادي النجار، الإسلام والاقتصاد، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون، ط1، ص666.

[53] شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي دراسة في سيكولوجية التذوق الجمالي، الكويت: مطابع الوطن، سلسلة عالم المعرفة، عدد 267، 2001، ص59 - 72. بتصرف.

[54] محمَّد مرسي، الإسلام والبيئة، الرياض، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، 1420هـ/ 1999م، ص64 - 65.

[55] سورة البقرة، آية 203.

[56] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير بعد تجريده من البيان، تجريد الشيخ عبد الله إبراهيم الأنصاري، ج: 1، دار الصابوني 15 صفر 1400هـ/ 3 يناير 1980)، ص68.

[57] راجع مقال: عصام الدين مصطفى الشعار، البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية، على الموقع الإلكتروني: http://www.startimes.com/?t=32344961

[58] المرجع نفسه.

[59] المرجع نفسه.

[60] المرجع نفسه.

[61] عصام الدين مصطفى الشعار، المرجع السابق.

[62] ناصر الرباط، ثقافة البناء وبناء الثفافة، بحوث ومقالات في نقد وتاريخ العمارة، رياض الريس للكتب والنشر، ط1، 2002، ص24.

[63] سورة الأحقاف، آية 37.

[64] سورة البقرة، آية 69.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة