تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

سؤال العنف والدين عند كارين أرمسترونغ : أزمة فهم أم أزمة علاقة ؟

بن هلال وليد

سؤال العنف والدين عند كارين آرمسترونغ

أزمة فهم أم أزمة علاقة؟

 بن هلال وليد*

*       باحث أكاديمي في الفلسفة المعاصرة، وطالب دكتوراه في فلسفة القيم وإبستمولوجية العلوم الإنسانية بجامعة سطيف 2 - الجزائر.

 

 

 

استهلال

نتطرق في هذه المطالعة إلى أحد أهم الأسئلة الراهنة والمقلقة في الوقت ذاته، إنه سؤال العنف بما هو سؤال أنثروبولوجي معقَّد يخص الإنسان وحده، كونه مصدر العنف ومنبعه، وبوصفه الضحية والمتعرض الأول والأخير؛ ولذلك يبقى «العنف وصفًا أخلاقيًّا يخص الإنسان، ولا يقوم بالحيوان على توحشه، ولا الطبيعة على قوتها التدميرية»[1].

ولأن مفهوم العنف هو مفهوم متعدد الأبعاد، ومتقلب بشكل كبير عبر تجلياته، ومثقل باختلاف دلالاته المتنوعة و المتراكمة عبر مساره التاريخي، بات من الضروري الوعي والانتباه إلى حضوره وتهديده لحياة البشرية برمتها وعلى مدى تاريخها.

لا يوجد أي مجتمع أو شعب في التاريخ لم يرافقه العنف ويصاحبه في تطوره الزمني والحضاري؛ إذ غدت ظاهرة العنف ملازمة ومصاحبة لتاريخ الأمم والشعوب.

ليست هذه الدراسة قبضًا لمفهوم العنف والإحاطة بمستوياته وأشكاله، نظرًا للتشعب الكثيف في محتوى العنف وتركيبه، عند الباحثة الأنثروبولوجية كارين آرمسترونغ (karen Armstrong)[2]، بقدر ما هي جهد متواضع يبحث عن كيفية إيجاد طريقة سليمة للوصول للفهم الإبستمولوجي التركيبي لموضوعة العنف من جهة، وتبيان مدى هشاشة الأطروحة الاختزالية التقليدية العلمانية، التي لا زلت بذورها تسري إلى اليوم، والقائلة بأن مصدر كل الشّرور (كل عنف) يعود بالأساس إلى المنبع الديني وحده.

والسؤال أو الأسئلة: كيف تستعيد كارين آرمسترونغ مقاربتها لأسئلة العنف، والتاريخ، والدين؟ وهل بات لنا من الضروري الاستناد إلى رؤية تاريخية وفلسفية معمقة لتفسير ظاهرة العنف المركبة؟ وما علاقة العنف بالدين؟ ما هي أهم التحولات المفاهيمية التي طرأت على الرؤية الغربية الحديثة في تصورها لمفهوم الدين؟

إذا كان الزحف المتصاعد والخطير للعنف يبدو كبيرًا في القرن العشرين، ألا يجعلنا ندق ناقوس الخطر؟ وهل يقتضي منا البحث في تجليات العنف، النظر إليه بما هو واقع مركب تلفه وتحكمه عدة أسباب ودوافع مختلفة ومعقدة في الآن ذاته؟

أولًا: وجهة العنف.. رؤية تاريخية مغايرة

تعود كارين آرمسترونغ بدرجة كبيرة إلى حركة التاريخ الإنساني أو تاريخ الشعوب لفهم منحى ومسار العنف وتوجهاته، إذ يبقى تتبع السياق التاريخي للعنف عاملًا أساسيًّا في فك شفرة العنف ذاته، على اعتبار أن تحليل وسرد رحلة الإنسان منذ بداياتها الأولى مع مراحل الصيد والزراعة إلى العصور الوسطى ووصولًا إلى عصر الحداثة والعولمة، قد يمدنا بدعامة فكرية ومنهجية في التعامل مع الارتباك الموجود في محاولة تفسير و فهم تعقيد العنف وملابساته.

ولذلك جاء كتابها «حقول الدم»[3] بمثابة القصة التاريخية والأنثربولوجية التي ترمي إلى البحث في التعاقب الزمني لتاريخ وجود العنف الأول ابتداء من اللحظة الفاصلة في تاريخ الإنسانية، أي لحظة «قتل قابيل لأخيه هابيل»[4] والذي مثل حقيقة العنف الأولى.

كما تقف آرمسترونغ على تحليل العديد من الوقائع التطبيقية للعنف ورصدها من الحملات الصليبية ومحاكم التفتيش والحروب الدينية في أوربا إلى هجمات تنظيم القاعدة، بغية الكشف عن مدى التركيب الذي يخضع له موضوع العنف والبحث في مدى التحولات التي طرأت على مفهوم الدين.

لقد اتسع نطاق استعمال مفردة العنف بشكل كبير، وقد زاد في اتساعه تناول النظريات القانونية والسياسية والاجتماعية والتاريخية له بالتحليل والتنظير، فضلًا عن حرص وسائل الإعلام المختلفة على تعقب مظاهره في كل مكان من العالم، فصار العنف أشكالًا كادت لا تنعدّ وأقدارًا كادت لا تنحدّ[5]، ليصبح من العسير الوصول إلى معنى واحد لمفهوم العنف ورصد تطوراته وتغيراته عبر التاريخ، ولو أن كارين آرمسترونغ تنبهنا إلى مرور حياة البشر بثلاث مراحل وأطوار أساسية مر به العنف عبر تقلباته مع العصور والأزمنة وهي كالأتي:

أ- ظهور العنف البنيوي أو المؤسسي عبر تاريخ المجتمعات القديمة

 العنف البنيوي أو المشروع[6] -حسب آرمسترونغ- هو عنفُ كان يمارسه المجتمع، ليجبر أفراده على العيش في حالة من اليأس والتعاسة، ويجعلهم خاضعين بشكل كبير للعيش في حياة ليس في مقدورهم تغييرها، ولا تغيير نمط التعامل معها[7].

إنه الشكل الأكثر نعومة و رقة من أنواع العنف؛ إذ أضحى واقع أساسيًّا مشروعًا في المجتمع الإنساني، ابتدءًا من الحضارات الزراعية الأولى، في إمبراطوريات الشرق الأوسط القديم أو في الصين وفي الهند وأوربا، إن هذه المجتمعات البدائية قد جعلت منه أمرًا أساسيًّا ومتجذرًا فيها، لتصبغ عليه صفة الواقعية، وهذا العنف بالذات أملته الضرورة والحاجة الاقتصادية في طبيعة الإنسان الزراعية الأولى، لقد ظل أسير حياة البشر كوجود محايث أينما وجدوا، وفي كامل أطوار البشرية المتلاحقة.

إن ميلاد اللحظة الأولى للعنف كان وليد وجود تفاوت طبقي في المجتمع، فرضته معطيات اقتصادية بحتة، فبعد أن كان المجتمع الأصلي الأول أو مجتمع الصيد والزراعة يعيش في حالة من الاستقرار والمساواة بسبب التشارك الموجود بينهم في المأكل والطعام، ما فتئ الحال أن تغير بشكل معاكس؛ إذ إن حاجة هذه المجتمعات في زيادة من إنتاجها ودخلها الزراعي، قد أثر وبشكل سلبي على طريقة تعاملها مع أفرادها، لتصنع نوعًا من الطبقية، استغلته مجموعات صغيرة لتفرض هيمنتها وقوتها، انطلاقًا من استعمال فائض الإنتاج كقوة لزيادة ثرائها وبسط نفوذها، وكذا احتكار العنف في ضمان هذه الطبقية[8].

ب- اجتياح العنف للمجتمعات الما قبل حديثة

لقد اجتاح العنف بنية الحضارات الزراعية الأولى بسبب اختلال توزيع الموارد والمنتجات؛ إذ ظَّفرت بها قلة من المجتمع، استعملته في زيادة ميزان قوتها والتسلط على باقي طبقات المجتمع الأخرى، ليظهر العنف هنا وكأنه الضامن والرادع لأي رد فعل ثوري اتجاه هذا السلم الطبقي أو اتجاه القلة الحاكمة من أي طرف آخر؛ ولذلك يصبح العنف مؤسسًا وبنيويًّا بقدر ما يكون مرادفًا وخاضعًا للسلطة، ليغدو أداة في إمرتها ووسيلة طيِّعة في يدها.

يتجلى العنف في المجتمعات الما قبل الحديثة أساسًا في الحروب؛ إذ أخذت هذه المجتمعات محاولة الاستمرار والحفاظ على بقائها من استمدادها بالقوة العسكرية، واستخدام هذه القوة في احتلال أقاليم أخرى من شأنها زيادة دخل الدولة و المساهمة في رفع نتاجها الاقتصادي[9]؛ لذلك فإن هذا العنف بالذات مَثَّل شرطًا ضروريًّا لقيام الدول والإمبراطوريات العظمى، ولا ضير أن يعتبر المؤرخون النزعة العسكرية على أنها العلامة التي تميز الحضارة، فمن دون الانضباط والجيوش المطيعة للقانون، تبقى المجتمعات البشرية في حالة من البدائية؛ ولذلك أصبحت الحروب في نظر آرمسترونغ إحدى الحقائق الراسخة في الحياة الإنسانية، وأضحت مركزية للديناميكيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وكما هو الحال مع كافة الأنشطة الإنسانية في المجتمعات القديمة، حملت الحروب في ثناياها -عبر التاريخ- دوافع دينية، بل احتاجت الدولة دائمًا وفي كثير من الأوقات إلى عناصر مقدسة كي تبرر حروبها؛ ولذلك قد نصل مع كارين آرمسترونغ عبر قراءتنا لأحداث ومجريات التاريخ، إلى القول بأن الدين يمكن أن يفعل أشياء عديدة ومختلفة في حياة البشر، والادِّعاء بأن الدين جوهر واحد، ثابت، عنيف بطبيعته غير دقيق؛ لأننا وببساطة سنقف –خصوصًا في هذه الفترة- على تقاليد دينية صنعت في خضم كيانات وشؤون سياسية بحتة؛ إذ لا يوجد تقليد ديني أصبح «دينًا عالميًّا» من دون رعاية من قوة عسكرية إمبراطورية، وكل تقليد ديني كان عليه أن يطور أيديولوجية للإمبراطورية[10].

ج- النمط الجديد للعنف في العصور الحديثة

تُنبِّهنا كارين آرمسترونغ إلى أن الدين –في المجتمعات الما قبل الحديثة- لم يكن منفصلًا عن جميع جوانب مناحي الحياة، حتى السياسية والحرب، ليس بسبب وجود خلط في نشاطين مختلفين ومنفصلين، بل لأن البشر أرادوا أن يمنحوا وجودهم وأفعالهم القيمة والمعنى، ومن ثم كانت أيديولوجيا الدولة دينية بحتة وعامة، كما دعت كل إمبراطورية ناجحة بأنها تحمل مهمّة إلهية، وبأن أعداءها أشرار، ضَّالون وطغاة، وبأنها ستجلب النفع للإنسانية، ولأن جميع هذه الدول والإمبراطوريات كانت قد أنشئت واستمرت بالقوة فإن الدين كان متورطًا في عنفها[11].

لقد ظل الدين حاضرًا في كامل أطوار الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمع الغربي، حتى القرنين السابع والثامن عشر؛ إذ عرف العالم تحولًا جذريًّا في نمط التفكير، بأن ادَّعى البشر أن الدين كان المسؤول الأكبر عن الاضطهاد والمعاناة من بين سائر المؤسسات البشرية، وبأنه هو الموصل والمؤدي الكبير لانبعاث العنف وصدوره، وبالتالي تمت الدعوة من قبل الفلاسفة[12] والمفكرين إلى ضرورة الفصل بين الكنيسة بوصفها الراعي الأسمى للدين وبين الدولة كونها الحامي القانوني للعَلمانية.

لكن ما لم يكن في الحسبان –حسب آرمسترونغ - أن العنف الحديث لم يرتبط فقط بالدين، بل وُلد من رحم الدولة القومية التي ادَّعت حفظ الإنسان وحمايته، وما الحربين الأولى والثانية إلا أكبر دليل على تصاعد عنف جديد صنعته النزعة القومية في الدول، فبدل أن يخرج البشر من حالة العدوانية الأولى عن طريق المخرج العلماني للدولة سقطوا في بربرية وهمجية أخطر من الأولى و أقصاها شدة.

وبدل أن يتم احتواء العنف عن طريق الدولة و أجهزتها، أضحت المشكلة معقدة، بأن أصبحت الدولة في ذاتها تبحث عن الكيفية المثلى لكيفية إطلاقه (العنف) خدمة لمصالحها وتحقيقًا لمآربها، «إن كان بإمكاننا أن نعرف المقدس على أنه ذلك الشيء الذي يقبل البشر التضحية بحياتهم من أجله، فإن الأمة القومية، قد أصبحت بكل تأكيد تجسيدًا لهذا المقدس والقيمة العليا له»[13].

ولو أن هذه المسلمة المعروفة في الفلسفة السياسية والتي تتبناها آرمسترونغ في تسليطها الضوء على الدولة بالمفهوم الحديث باعتبارها تجمعًا سياسيًّا يحق لها الاستئثار بالعنف المشروع خدمة لمصالحها ودفعا للضرر عنها[14]، تبقى محصورة وغير دقيقة -في نظر طه عبد الرحمن- من الناحية العملية؛ لأن الدولة هاهنا ليست كيانًا معصومًا، إذ إن استخدامها للقوة (وليس العنف) في ضبط الأمن أو حفظ النظام سيكون تحت دافع القيام بالعدل ودفع الظلم.

ثانيًا: إشكالية العلاقة بين العنف والدين.. في نقد العلمانية الاختزالية

تركز آرمسترونغ بشكل أساسي في فحصها للعلاقة بين العنف والدين، انطلاقًا من زاوية الديانات الإبراهيمية أي السماوية، وبالتحديد اليهودية والمسيحية والإسلام، نظرًا لمدى شيوعها وامتداداتها في العالم من جهة، ولكثرة الحديث عن وجود أفكار شائعة مفادها أن هذه الديانات التوحيدية والمؤمنة بإله واحد هي ديانات في أصلها عنيفة وغير متسامحة من جهة أخرى.

ولذلك جاءت حاجة آرمسترونغ إلى البحث في الأسس التاريخية التي تحوي علاقة العنف والدين، أو أن الدين هو المسبب الأساسي والرئيسي للعنف، ومن ثم حاولت تفكيك هذه المتتالية وفق منطق الرد على رؤى العلمانية التي تختزل العنف في بعد واحد، كما أنها لا تعطينا رؤية واضحة حول الدين.

أ- تحميل خطايا العنف في القرن العشرين للعامل الديني

يرى الأنثروبولوجي الفرنسي رونيه جيرار في أطروحته «العنف والمقدس»[15]، أن القضاء على العنف الأعمى والمدمر بين المجتمعات البدائية القديمة لا يتحقق فعليًّا إلَّا في حالة واحدة هي وجود أضحية بديلة في شكل قربان من حيوانات، لتقدم كبدائل للأضحية الأولى (الإنسان) ولتكفر عن خطايا المجتمع وذنوبه، فيتم تحميل هذا الحيوان كل المسؤولية، ولذلك يتعين على رئيس الكهنة أو ملك القبيلة إرسال هذا الحيوان الضحية محملًا بكل خطاياه خارج المدينة، هكذا وفقط تُحَّل معضلة العنف حسب –جيرار- وتنتفي حالة من السلام في القبيلة[16].

من المفارقة العجيبة أن يغدو الدين في القرن العشرين، تلك الضحية البديلة التي تمارس وظيفتها في هذا العالم بتحميلها كل الخطايا والادعاءات، أن تتحول إلى مجرد ضرب من الاعتقاد المتطرف الحامل لكل شرور.

لقد أضحت الفكرة القائلة بأن الدين عنيف في طبيعته فكرة رائجة ومقولة مشهورة، بل وفي الكثير من الأحيان غدت متداولة على نطاق واسع وشاسع بين العديد من المنظرين والكتاب، وحتى الأشخاص العاديين؛ إذ ظهر لهم «أن الدين هو السبب الحقيقي في جميع الحروب الكبرى في التاريخ».

قد يقول قائل منهم: أَوَليست «الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والحروب الدينية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والتصاعد الحالي للإرهاب المرتبط بالدين خصوصا الإسلام»، سوى أمارات تطبيقية للعلاقة الحميمية بين العنف والدين؟ ألا يكفينا هذا لإثبات القول بأن هناك جذورًا عدوانية وعنيفة في الدين؟ هل العنف كائنًا ما كان متأصلًا في الدين، يستمد دعمه المعنوي وقوته منه؟

يرى الأنثروبولوجي طلال أسد أن الأشكال والظروف الاجتماعية لما عرف بالدين في العصور الوسطى، كانت تختلف لا محالة عن الأشكال والظروف والآثار الاجتماعية للدين في المجتمع الحديث، كما كانت القوة الدينية موزعة على نحو مختلف ونحو هدف مختلف، وتحت طرق مختلفة منشأة بذاتها مؤسسات قانونية وأصنافًا من المعرفة أجازتها وأتاحت تداولها، ومع ذلك فإن ما يعرقل الباحث في أثر الدين، ولو أنه أمام تراكم معرفي من العناصر والعمليات التي يصدق أن نضعها تحت مسمى «الدين»، من الصعب بما كان أن نتوصل إلى تعريف شمولي دقيق للدين، ليس لأن مكوناته وعلاقاته معينة تاريخيًّا فقط، بل لأن التعريف ذاته ناتجُ تاريخي لطُرق مُعينة في الخطاب.[17]

ب- الطابع الاختزالي التبسيطي في محاولة القبض على مفهوم الدين

ماذا بقي للدين إذن، هل نحمله كل خطايا العنف الذي تمر به البشرية، ومن ثم نتجه إلى استبعاده من المدينة (الفضاء العمومي)؟ تجيب آرمسترونغ عن هذا السؤال: بنعم، هذا ما حولت الرؤية العلمانية الاختزالية في طَّبعها السياسي تمريره عن طريق خطاباتها، وتصوير الدين بصورة سلبية.

إن المشكل حسب –مؤلفة حقول الدم- لا يعود بالأساس للدين في جوهره بقدر ما يعود لكيفية فهمنا وتمثلنا ورؤيتنا لمفهوم الدين، إنه لمن الطبيعي، بل من المفروض أن تحدد أي نظرية تطبيقية وتفسيرية لأي ظاهرة إنسانية مفاهيمها وإلَّا أضحت تشويهًا ورفضًا لأي قيمة من الموضوعية فيها، إننا أمام غياب واضح لوجود رؤية عامة وكونية متفق عليها لتحديد مفهوم الدين.

لم تدرك المؤسسات الأكاديمية وما تفرزه من دراسات علمية حول موضوع الدين، خصوصًا في الخمسين سنة الأخيرة انعدام تعريف دقيق وجامع للدين، بل من الغرابة أن نشهد في التعريفات المتعددة والمقدمة له (الدين) نوعًا من الاختزال والتحيز والتبسيط.

كما أننا قد نقف على مدى اختلاف فهم الرؤية الغربية للدين مع الرؤى الأخرى المختلفة؛ إذ إن الكلمة العربية «دين» بكونها طريقة شاملة للحياة ونمط خاصِّ من العيش، ويدل الدين على شبكة شاملة من المقاصد الكلية لحفظ أصوله وحفظ النفس والنسل والعقل والمال. كما أن المفردة السنسكريتية «دارما» (Dharma) تعني هي الأخرى «فكرة كلية» لتغطي مساحات القانون والعدالة والقيم الأخلاقية والحياة الاجتماعية، كان الدين في العلم ما قبل الحديث يتخلل كل جوانب الحياة[18]، فجميع الأنشطة التي ننظر إليها الآن على أنها أنشطة دنيوية كانت تُعاش على أنها تجارب مقدسة.

لقد استحال على القدماء أن يجدوا الخط الفاصل بين نهاية «الدين» وبداية «السياسة»، ليس لأنهم لم يدركوا بعد الخط الفاصل نظرًا لزمانهم التاريخي القديم، وإنما لأن نظرتهم أو رؤيتهم للعالم كانت تحمل في طياتها مفهومًا شاملًا للدين لا يكاد ينفصل عن جميع جوانب الحياة.

إن درس التاريخ قد يفرض علينا الانتباه إلى مسألة ضرورية، وهي أن إنسان ما قبل الحداثة كان يمارس السياسة وهو يفكر بمفاهيم دينية، كما أن إيمانه الديني كان يملأ صراعه ليعطي معنى ومغزى للعالم بطريقة تبدو غريبة اليوم، لأننا –حسب كارين آرمسترونغ- «بتنا نفكر وفق نموذج علماني لا يشتغل إلَّا بمنطق الفصل والقطع؛ إذ أضحت فكرة «الدين» مجرد وعي شخصي وسعي فردي»[19]، نحن اليوم أمام مأزق منهجي في قراءتنا الرجعية للتاريخ الذي يمكن من خلاله فهم أطوار الدين وتشكلاته.

إنه لمن غير المنطقي –حسب خوسيه كازانوفا- دراسة أثر الدين وتشكله في بنية العالم الحديث نظريًّا وتحليليًّا وعمليًّا من دون إعادة التفكير بشكل منهجي ونقدي للنموذج العلماني ونظرته لتفسير الدين من جهة، وبين الأنماط المحتملة لنموذج العلمنة في النطاق العام للمجتمعات الحديثة، والتي قد تتألف في الواقع عبر ثلاث مستويات أو اقتراحات أساسية: أولاها العلمنة بمعنى تمايز النطاقات العلمانية عن المؤسسات والمعايير الدينية، والعلمنة بمعنى أفول المعتقدات والممارسات الدينية، وكذا العلمنة بمعنى تهميش الدين وتحجيمه في نطاق مخصوص أو مخصخص[20].

هذه المستويات الخاصة بالنموذج العلماني قد تتعامل مع الدين في العالم الحديث انطلاقا من تفسيرين اثنين، فمن جهة، ثمة التفسيرات التي تختزل الظاهرة إما كتعبئة وسائلية ذرائعية للمقدرات الدينية المتاحة من أجل أغراض غير دينية، وإما إلى تكييف وسائلي للمؤسسات الدينية مع المحيط العلماني الجديد.

ومن جهة أخرى ثمة التفسيرات العلمانية ذات النزعة الإنسانوية التي تميل إلى تأويل التعبئة الدينية على أنها استجابات أصولية مضادة للحداثة، أو كتعبئة رجعية لجماعات تقليدية تقاوم التحديث وتلجأ للعنف المؤسس والمقدس لتمرير خطابها ورسائلها[21].

ثالثًا: موضوع العنف بما هو واقع مركب

إن فرضية أن الدولة لا تحافظ على قوتها واستقرارها، إلَّا متى استعملت العنف والقوة والإكراه في بث سلطتها، قد ألقت بظلالها على الفلسفات السياسية والاجتماعية في القرن العشرين، إننا اليوم أمام زحف للدولة، ليس على المقدّس الديني فقط –على حد تعبير سيف الدين عبد الفتاح- «بل أمام تأميمِ لكل جوانب الحياة لتصبح عَلمانية»، إن هذه الحقيقة المؤسفة لطبيعة الاجتماع البشري والسياسي هي من طوعت الدين الداعي إلى قيم الرحمة والعدل إلى حالة من النبذ والتطرف والتشدد، إذ لوثته في كثير من الأحيان بمظاهر العنف وتجلياته[22].

أ- الاستناد إلى رؤية تفسيرية وتركيبية لتفسير ظاهرة العنف في تمظهراتها السياسية والاجتماعية

تؤكد آرمسترونغ على أن هناك العديد من الدوافع المركبة من عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية قد تتشابك فيما بينها مؤسسة بذلك حالة من القابلية للعنف[23]، التي كنا نعتقد في البدء أن مصدرها ديني.

وتبرر آرمسترونغ هذه الرؤية عبر العودة الكثيفة لمجريات التاريخ، ابتداء من تاريخ الصين القديمة ووصولًا لأحداث 11 سبتمبر 2001 أو أيلول الأسود، وما تبعه من ظهور نمط جديد من العنف المسمى بالإرهاب المقدس، الذي يصعب تعريفه، ويصعب تطويقه وحصره –كما هو الحال نفسه مع العنف-؛ إذ لا يمكن رده إلى سبب جوهري واحد، بل قد تلتقي فيه العديد من الدوافع الاقتصادية والاجتماعية والدينية، كما قد تجتمع تحت ناظم واحد هو الانطواء السياسي (الإرهاب سياسي بطبيعته وليس ديني)، على اعتبار أن الإرهاب يتعلق بمسألة الحصول على السلطة السياسية أو الحفاظ عليها[24].

لقد أضحى العنف المتمثل في الإرهاب الهاجس الأكبر الذي يهدد البشرية جمعاء، تقول آرمسترونغ: «نحن اليوم نعيش المشكل ذاته في عالم مترابط أصبحنا مسؤولين وبشكل غير مألوف عن مآسي الآخرين وتاريخهم، فكما نُدين الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء، علينا أيضًا أن نجد طريقًا نحو الاعتراف بمسؤوليتنا.... [إزاء] الآلاف من المدنيين الذين قتلوا أو شوهوا في حروبنا الحديثة فقط لأنهم لم يفعلوا شيئًا سوى أنهم كانوا في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ»[25].

ب- تهافت أسطورة العنف الديني

تعتمد أي دولة من دول العالم، على أساطير تبرر وجودها وتحفظ نزوعها، إن الأساطير حسب –كارين- تعبّر عن حقائق أبدية تكمن في وجودنا اليومي بدلًا من الحقائق التاريخية المؤقتة، وتقدم مخططًا لما يجب عمله في الحاضر[26].

إن أسطورة العنف الديني -على سبيل المثال- التي تدعي أن «الدين كان هو السبب في جميع الحروب الكبرى في التاريخ» تكاد تكون أسطورة مؤسسة ترتفع مقام العلمية في نظر المحللين والسوسيولوجيين اليوم في مجال الدراسات الاجتماعية والدينية، إننا أمام مقاربة سطحية لأثر الدين وجوهره اختزلته الرؤى العَلمانية السياسية في بعد سلبي، مع إهمال مساهمة الدين في حفظ مقاصد الإنسان وقيمته، عبر محطات تاريخية عدة كان فيها (الدين) موجه أساسي وفاعل هام في نبذ العنف وتقويضه.

يقول ريتشارد دوكينز (Richard Dawkins): «إن الإيمان الديني وحده من يمتلك القوى الكافية ليكون دافعًا لمثل هذا الجنون المطلق حتى لدى البشر العقلاء والمهذبين»[27].

هذا التبسيط الاختزالي الخطير للتعقيد الموجود في موضوع العنف وربطه أساسًا بالدين -حسب آرمسترونغ- قد تحول إلى عائق إبستمولوجي يحول دون فهم جوهر الدين وكنهه، وقد يحجبنا عن تفسير ظاهرة العنف الإرهابي.

إن هذه الصيغة هي تعبير مشابه على مدى الانحياز العلماني الحديث، الذي ينظر إلى الدين كقوة عنيفة وغير عقلانية ينبغي استبعادها من دائرة السياسة في الأمم المتحضرة، فبطريقة أو أخرى قد تفشل هذه الرؤية في إدراك المضامين الحقيقة للتقاليد الدينية في العالم، كون الدين يتمركز على خاصية إنسانية حقيقية هي معاملة الآخرين كما نحب أن نعامل أنفسنا[28].

قد تقتضي مواجهة العنف -ليس باستئصاله نهائيا عن هذا العالم، لأن هذا الأمر مستحيل، بل بإبقائه في حدوده الدنيا القصوى- البحث عن طرق جديدة للتفكر في الحقائق المؤلمة للحياة الحديثة، وبشكل ما علينا أن نجد طريقة لفعل ما كان الدين يفعله عبر قرون ممتدة، ومساهمته في بناء شعور بالمجتمع الإنساني ومكافحته لأنواع العنف وتشكلاته.

خاتمة

قد نصل في الختام إلى ضرورة القول بأن موضوع العنف -على حد تعبير حنة أرندت- يبقى عصيًّا على الطرح عبر التاريخ؛ إذ نادرًا ما كان موضع تحليل أو دراسة خاصة، بل بقي مستبعدًا لا يلقى رواجًا للبحث فيه، وتقديم الأسئلة حوله، وحتى الذين بحثوا في فعل العنف وأطواره عبر مسار الفلسفة الحديثة (الحديث هنا عن فريدرك إنجلز بالتحديد[29]) لم ينظروا له سوى باعتباره مجرد ظاهرة هامشية أو أداة وسيلة في يد البنية الاقتصادية المسيطرة.

يقول إنجلز: «في كل مكان تتناقض فيه بنية السلطة لبلد ما، مع النمو الاقتصادي لهذا البلد، تكون الهزيمة من نصيب السلطة وأدوات العنف التي تلجأ إليها»[30].

ومن هنا نرى إلى مدى بقي العنف، والتعسف المرتبط به، أمرًا عاديًّا، بحيث لا يلقى أية أهمية ولا عناية في نظر المفكرين، ولذلك لا يتم طرح أسئلة جوهرية إزائه، بل يبدو العنف وكأنه مشروع بل بديهي للجميع.

لقد جعلت الرؤية السياسية العَلمانية الحديثة -حسب آرمسترونغ- من الدين كبش فداء لكل خطايا الدولة القومية اليوم، إن هذه المعضلة بالذات قد أفرزت لنا مشكلتين واقعيتين: الأولى أن هذا الخلل في الرؤية، قد أدى إلى خلل مفاهيمي لموضوع الدين، بعد أن كان مفهومًا تفسيريًّا شاملًا لكل جوانب الحياة في المجتمعات الما قبل حديثة، أضحى بعدًا أفقيًّا فرديًّا بين الله والإنسان في المجتمعات الحديثة، وأدى اختزاله في هذا التصور إلى استبعاده من منظومة الحياة.

أما من الناحية الثانية فهي مبثوثة في الرؤية التبسيطية المباشرة من زاوية التعاطي مع موضوع العنف باختزاله في بعد واحد هو البعد الديني، والذي ظل من المعتذر القبض عليه مفهوميًّا في الدراسات الحديثة، ولذلك وقعنا -حسب آرمسترونغ- كضحايا لهذا الخلط والخلل في الفهم والتفسير، ولينعكس هذا الخلط على جوهر فهمنا للعلاقة الموجودة والمتباينة بين العنف والدين.

تعود آرمسترونغ إلى التاريخ الإنساني للبحث في المفارقة الموجودة بين الدين والعنف؛ إذ كيف للدين أن يكون باعثًا ومصدرًا للعنف اليوم وهو الذي كان عبر تاريخ الشعوب ولفترات متلاحقة حافظًا للسلام ورادعًا للعنف، قد تقودنا الإجابة عن أصل هذه المفارقة إلى البحث عن مستوى التعقيد الذي يلف ظواهر العنف في الحياة الاجتماعية، من ناحية أولى، نظرًا لتعدد أشكال العنف ومستوياته وتداخل عوامل تكونها، ومن ناحية أخرى، في أن كل محاولة لتفسير ظاهرة العنف بإرجاعها إلى سبب واحد هو مجرد تعميم و تحليل زائف بلغة ماركس، لا يروم البحث عن الحقيقة بقدر الانزياح والانحراف عنها.

من بين النتائج التي قد نظفر بها من خلال دراستنا لمحاولة آرمسترونغ الجادة في تكوين زاوية نظر ومقاربة فكرية لجوهر العنف ولفهم العلاقة الموجودة بينه وبين الدين من جهة، وبين تكوّن المجتمع عبر التاريخ من جهة أخرى، قد نصل إلى تبيان النقاط التالية:

1- لم يكن العنف البنيوي المشروع الملازم للدولة مفهومًا جديدًا ولا مبتكرًا في الأزمنة الحديثة، بل ظل مصاحبًا للإنسان عبر تاريخه المتواصل؛ إذ جعلت من الحضارات الزراعية واقعًا مؤسسًا ومشروعًا مسلمًا به في تاريخ البشرية.

2- إن البحث في الأسس التاريخية التي تحتوي علاقة العنف بالدين هو أمر ضروري وهام من أجل تفكيك المتتالية التي تقر وتعتقد بأن الدين هو المسبب الأول في العنف، وبالتالي فنحن لا نجد أي حرج في القول بأن موقف آرمسترونغ كان موقفًا مناهضًا لرؤية العديد من الباحثين ممن يرون بأن الدين هو سبب المآسي والحروب.

3- لقد أدى الطابع الاختزالي والتحيزي لمفهوم الدين الضيق في الرؤية العلمانية الغربية الحديثة، والتي لا تشتغل إلَّا بمنطق القطع والفصل إلى غياب طريقة عامة في تعريف الدين، مقارنة مع أغلب الرؤى الكونية الأخرى.

4- الاستناد إلى رؤية معمقة لتفسير ظاهرة العنف في تمظهراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، قد يجعلنا أمام حتمية القول بأن سؤال العنف قد أضحى واقع مركب تحكمه العديد من الأسباب والعوامل المركبة والمعقدة التي ما فتئت من حال إلى حال؛ ولذلك لا يمكن للباحث أن يرد أصل العنف في بعد واحد هو البعد الدين.

 

 



[1] طه عبد الرحمن، سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، الطبعة الأولى (2017)، ص 33.

[2] مؤلفة وباحثة بريطانية متخصصة في الأنثروبولوجيا الدينية، كما تشتغل في مجال مقارنة الأديان وأنظمة الاعتقاد في العالم، ولدت في 14 نوفمبر 1944م في ولاية وايلدمور ناحية وسترشير بإنجلترا، من أهم مؤلفاتها المترجمة للعربية: سيرة النبي محمد (ترجمة: فاطمة نصر ومحمد عناني، 1998)، تاريخ الأسطورة (ترجمة: وجيه قانصو، 2008)، حقول الدم الدين وتاريخ والعنف - (ترجمة: أسامة غاوجي، 2016).

[3] الكتاب في طبعته الإنجليزية الأصلية جاء تحت عنوان:

FIELDS OF blood Religion and of Violence، وله ترجمتين باللغة العربية: الأولى لأسامة غاوجي والصادرة عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر (وهي الترجمة التي تعاملنا معها في هذا المقال)، كما توجد ترجمة أخرى للباحثة فاطمة نصر جاءت تحت عنوان: حقول من الدماء.. الدين وتاريخ العنف، دار سطور للبحث والنشر.

[4] يتفق العديد من الباحثين والمشتغلين بظاهرة العنف في حقول الأنثروبولوجيا والتحليل النفسي والفلسفة أن القصة الدينية «قصة قتل قابيل لأخيه هابيل» تعد بمثابة المنطلق والمبعث الأول لوجود العنف في تاريخ الإنسان، وهو ما نجده حاضرًا في مفتتح كتاب «حقول الدم، الدين وتاريخ العنف»، لكارين آرمسترونغ في الصفحة 07، كما نجده أيضًا عند طه عبدالرحمن في بداية حواره حول مسألة العنف وتضاده مع الفلسفة الائتمانية، انظر: سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، الصفحة 34.

[5] طه عبد الرحمن، سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، مرجع السابق، ص35.

[6] ما يلاحظ في دراسة مفهوم العنف أننا نقف على حالة اللاتعريف التي تشوبه، وهي الحالة التي تورق العديد من المنظرين كون أن نطاق استعمال مفهوم العنف اتسع مجاله وتعددت أشكاله، ليغدو من الصعب على المرء إيجاد وصف جامع له، ولذلك وعند حدود دراستنا قد نقف على تمييز أصناف مختلفة للعنف، تتباين فيما بينها على حسب المجال الواقع فيه، فمثلًا هناك «العنف الديني» كما هناك «العنف القانوني» و«العنف السياسي» و«العنف الاجتماعي»، كما أننا قد نصل إلى التمييز بين صنفين أساسين للعنف وهما: العنف المشروع أو المؤسس أي المقبول والمعقول (عنف الدولة اتجاه الدفاع عن مصالحها)، وهنالك العنف غير المشروع أي غير المقبول (عنف الإنسان تجاه أخيه الإنسان). انظر: طه عبد الرحمن، سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، ص35-36 (بتصرف).

[7] كارين آرمسترونغ، حقول الدم، الدين وتاريخ العنف، ترجمة: أسامة غاوجي، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2016م، ص43.

[8] كارين آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، مرجع سابق، ص35.

[9] المرجع السابق، ص38.

[10] كارين آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، مرجع سابق، ص587.

[11] المرجع سابق، ص588.

[12] تأخذ كارين مثالها البارز من دعوة جون لوك عبر كتابه رسالة في التسامح وتوماس هوبز من خلال كتابه اللفياثان.. الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة الصريحة إلى الفصل بين الكنيسة والدولة، على اعتبار أن هذا الفصل هو مفتاح السلام وأكثر الأشياء ضرورة لخلق انسجام بين فئات المجتمع، وأن الخلط بينهما قد يؤدي إلى انحراف كبير، لقد مثلت هذه الدعوى إلى الفصل ميلاد «أسطورة العنف الديني» التي ستصبح في ما بعد متأصلة في الروح الأوروبية. للاستزادة انظر: آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، من ص390 إلى ص394.

[13] كارين آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، مرجع سابق، ص454.

[14] تعد الدعوى القائلة بأن «الدولة بوصفها تجمعًا سياسيًّا يحق لها الاستئثار بالاستعمال المشروع على أرضها» إحدى المسلمات الأساسية في الفلسفة السياسية وفلسفة القانون، والتي أوردها ماكس فيبر ضمن كتابه «العالم والسياسي» إلَّا أن طه عبد الرحمن يرى أن تفسير ماكس فيبر يبدوا قاصرًا من عدة أوجه: أولًا من جهة عدم تمييز فيبر بين قوة الدولة الذي يبقى أمرًا محفوظًا وإيجابيًّا وبين استخدامه للعنف الذي يحمل معنى مقدوحًا وسلبيًّا من الناحية الأخلاقية ولو أضيف إليه صفة المشروعية؛ ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نضع القوة كمرادف للعنف، ثانيًا: من ناحية أن نسبة العنف للدولة قد يفضي إلى تشريع العنف و تقنينه، وهو ما لا يمكن حدوثه؛ إذ لا يمكن لأي دولة أن يجتمع فيه العدل والظلم دون ترجيح كفة الظلم، ثالثًا: إن استعمال لفظ «العنف» في حق الدولة له ضرر أكبر من نفعه، فسلطة الدولة في قوتها لا في عنفها. انظر: طه عبد الرحمن، سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، مرجع سابق ص38-39.

[15] يشير رونيه جيرار في كتابه «العنف والمقدس» إلى أن الطبيعة الإنسانية هي عبارة عن رغبة محاكتية، أي إن «الإنسان هو عبارة عن كائن راغب أو يرغب» في شيء قصد امتلاكه، لكن هذه الرغبة ليس مطلوبة في ذاتها، بل لأن هناك إنسان آخر يرغب فيها، و هذه الرغبة المشتركة بالذات بيني وبين الآخر هي من تصنع العداوة والصراع والعنف، وهذا الصراع هو من يؤدي إلى عنف مؤسسي بين مجتمعين يقوم بينهما نوع من الثأر نتيجة الصراع والتناطح حول شيء مرغوب (مال، أرض، سلاح)، وخوفًا من نهاية هذه العداوة إلى نهاية هذه الجماعات أو ما يعرف عنده بـ«الأزمة التضحوية» تتفق العشائر فيما بينها على تقديم حيوانات على شكل طقوس تقوم مهام الضحية البديلة، حفظًا للسلم ودفعًا للحرب. (من كتاب رونيه جيرار: العنف والمقدس، ترجمة: سمير ريشا، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، 2009، بتصرف).

[16] رونيه جيرار، العنف والمقدس، المرجع السابق، (ص25-26).

[17] طلال أسد، جينيالوجيا الدين الضبط وأسباب القوة في المسيحية والإسلام، ترجمة: محمد عصفور، طرابلس - ليبيا: دار المدار الإسلامي، الطبعة الأولى 2017، ص53-54.

[18] كارين آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، مرجع سابق، ص19-20.

[19] كارين آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، مرجع سابق، ص21.

[20] خوسيه كازانوفا، الأديان العامة في العالم الحديث، ترجمة: قسم اللغات الحية والترجمة في جامعة البلمند، مراجعة: الأب بولس وهبة، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى (2005)، ص 322.

[21] المرجع السابق، ص 324.

[22] سيف الدين الفتاح، الزحف غير المقدس: تأميم الدولة للدِّين، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى (2016)، ص37.

[23] نستخدم مصطلح –وهو من ابتداع طه عبد الرحمن- «القابلية للعنف» هنا للدلالة على الحالة المنتشرة وسط الفئات الشبابية المتدينة والتي أضحت وقودا لحركة الإرهاب المعاصر اليوم في كامل أرجاء المعمورة، وهذه القابلية هي التي يجب التخطيط لمواجهتها والعمل على اجتثاثها من النفوس. انظر: طه عبد الرحمن، سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، ص128.

[24] كارين آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، مرجع سابق، ص514-515.

[25] المرجع السابق، ص585.

[26] كارين آرمسترونغ، تاريخ الأسطورة، ترجمة: وجيه قانصو، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى (2008)، ص11-12.

[27] نقلًا عن: كارين آرمسترونغ، حقول الدم الدين وتاريخ العنف، مرجع سابق، ص516.

[28] المرجع السابق، ص517.

[29] للاستزادة انظر كتاب: فريدريك إنجلز، دور العنف في التاريخ، ترجمه للغة العربية: فؤاد أيوب، دمشق: دار دمشق للطباعة والنشر، 1997م.

[30] حنة أرندت، في العنف، ترجمة: إبراهيم العريس، بيروت: دار الساقي، الطبعة الثانية، 2015م، ص10.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة