شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مؤتمر: الفقه والقانون والواقع الاجتماعي
قُم: ما بين 28 فبراير و 1 مارس 2018م
محمد تهامي دكير
من أجل بحث العلاقة بين الفقه والقانون والواقع الاجتماعي، وإمكانية تعزيز دور الفقه لمساندة القانون في تحقيق أهداف التشريع، ومعالجة القضايا المعاصرة، وتقنين الأحكام الشرعية بما ينسجم مع متطلبات الواقع المتغيِّر، ومن أجل البحث في سُبل التعاون والتكافل بين رجال القانون الوضعي وفقهاء الشريعة، بما يخدم تقدم المجتمعات العربية والإسلامية..، نظّم مركز التحقيقات الإسلامي التابع لمجلسي الشورى الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المؤتمر الدولي الثالث للفقه والقانون، تحت عنوان: «الفقه والقانون والواقع الاجتماعي»، بين 28 شباط و1 آذار 2018م.
شارك في فعاليات المؤتمر عدد كبير من الفقهاء والعلماء ورجال القانون والأكاديميين من إيران والعالمين العربي والإسلامي، حيث عُقدت أربع جلسات علمية بالإضافة إلى جلستي الافتتاح والختام، قدمت فيها قرابة 40 ورقة وكلمة ومداخلة.
في الجلسة الافتتاحية، وبعد قراءة لآيات من الذكر الحكيم، قُرئت رسالة المرجع الديني آية الله مكارم الشيرازي للمؤتمر، بعدها عرض الأمين العلمي للمؤتمر تقريرًا خاصًّا عن المؤتمر، ثم تحدث بعده رئيس المؤتمر الشيخ الدكتور أحمد مبلغي، تلته كلمات كل من د. عبد الله بن راشد السيابي (رئيس المحكمة العليا في سلطنة عمان)، ود. أكرم كليش (رئيس المجلس الأعلى للشؤون الدينية في تركيا)، ود. يوسف محمود الصديقي (عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر)، ود. آناتولي كفلر (رئيس مركز القوانين الحقوقية الأجنبية والقانون المقارن من روسيا الاتحادية)، والشيخ د. مصطفى ملص( عضو تجمع علماء المسلمين في لبنان)، ود. جابر القفصي (أستاذ علم الاجتماع من تونس).
وقد أجمعت الكلمات والمداخلات على أهمية موضوع المؤتمر، والآثار الإيجابية التي يُمكن أن تتحقق نتيجة التعاون والتفاعل بين الفقه والقانون، مع الدعوة إلى تحويل نتائج البحوث المقدمة في المؤتمر الى توصيات وبنود يُعمل على تطبيقها على أرض الواقع.
فيما يلي قراءة سريعة في عدد من الأوراق المقدمة لهذا المؤتمر.
الجلسة الأولى
لمناقشة المحور الأول: «الفقه والقانون والواقع الاجتماعي»، تحدث في هذه الجلسة عدد من الباحثين، د. عبد الله بن راشد السيابي (نائب رئيس المحكمة العليا بسلطنة عمان) عن: «أزمة الهوية وبيان دور الفقه تجاهها»، حيث كشف عن أهمية ما يمكن أن يقوم به الاجتهاد الفقهي المعاصر لمعالجة القضايا المرتبطة بالهوية باعتبارها من القضايا المطروحة عالميًّا من حيث التشخيص وتحدي الإشكالية وتداعياتها على مستوى تحدي المواطنة في الدولة الإسلامية وما يترتب عليها، ومن ثمّ إعطاء الرأي الفقهي المنسجم مع تطور المفاهيم المعاصرة المتعلقة بالدولة والهوية وكيفية الدفاع عنها والحرص عليها في ظل العولمة.
الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت للباحث الشيخ عليدوست بعنوان: «من الفقه إلى القانون: الواقع والأضرار»، وقد ركز فيها على أهمية تحويل كتب الفقه وموسوعاته إلى كتابات قانونية مقننة من حيث الصياغة والتبويب واللغة القانونية، كي يتم الاستفادة منها من طرف رجال القانون والحكم، لكن هذه العملية ليست سهلة بل دونها الكثير من المصاعب والتحديات، وقد كشفت الورقة عن بعض من هذه الصعوبات وكذلك إيجابيات المحاولة وما يمكن أن ينجم عنها من تقدم باتجاه توطيد العلاقة بين الفقه والواقع، والفقه والقانون الدولي.
من الأوراق المقدمة في هذا المحور كذلك ورقة الباحثين د. الشيخ خالد الغفوري ود. مصطفى الغفوري، وجاءت تحت عنوان: «حقائق الحياة المعاصرة ومستلزمات التقنين»، وقد أكد فيها الباحثان على أهمية وضرورة أن يواكب التشريع -في أي دولة أو أمة- التطورات الحضارية والمتغيرات الاجتماعية؛ لأن وظيفة القانون هي ضمان الاستقرار النفسي والأمن الاجتماعي، لذلك فأي تأخر عن مواكبة هذه المتغيرات قانونيًّا وتشريعيًّا فسينعكس سلبًا على الوظيفة الأساسية للقانون، من هنا تأتي أهمية وضرورة تقنين الشريعة وأحكامها بما ينسجم مع أساليب الحياة المعاصرة والأوضاع العالمية، وبذلك يتحقق التعايش بين المحيط الاجتماعي لأي أمة والمحيط العالمي ويجنبها الصدمة الحضارية ويمكنها من صيانة أصولها الثقافية والاجتماعية.
ومن الأوراق المقدمة أيضًا في هذه الجلسة ولمناقشة المحور الأول، ورقة بعنوان: «العلاقة بين القيم، القواعد والواقع» في عملية الحصول على القاعدة الحقوقية، الدكتور حامد كهوند (إيران)، في البداية أشار الباحث إلى أن «التقعيد» في عملية إنتاج القواعد الحقوقية، يعد من نتائج الرؤية الوضعية للقانون، ومن مقدمات (الشكلية) الحقوقية، كما أن الواقعية الحقوقية، تعتبر من ضمن الأساليب النقدية للقانون حيث تنتقد التقعيد والشكلية الوضعية الحقوقية المتطرفة. وفي هذا المجال لا تكتفي النظرية الحديثة للوضعية الحقوقية بإنكار دور القيم والقواعد العليا في عملية إنتاج القاعدة الحقوقية، بل تعتبر الحقوق الاجتماعية. من هنا يؤكد الباحث على أن القانون المستند إلى الشريعة هو نظام من القواعد القيمية الذي لا يقبل التقعيد المحض من جهة، ومن جهة أخرى لا يتمحور حول الواقع الاجتماعي فحسب، بل نعتمد مسيرة إنتاج القاعدة الحقوقية في هذا النظام الحقوقي على العلاقة بين القيم والقواعد والواقع.
ومن الأوراق التي قُدِّمت في هذه الجلسة أيضًا، «بحث مدى إمكان قياس الأولويات في استنباط أحكام الواقع الاجتماعي» للدكتور جابر القفصي من تونس، و«التجربة الشامية وأثرها في الواقع الاجتماعي» للدكتور جواد محمود يونس من الأردن.
الجلسة الثانية
ولمناقشة محور: «الحلول المنهجية لتقوية دعم الفقه للقانون تجاه الواقع الاجتماعي» قدَّمت مجموعة من البحوث والدراسات منها: ورقة للباحثين د. جليل محبّي ود. إحسان رفيعي علوي (من إيران) بعنوان: «جدل الواقع والفقه: دراسة قواعد الثابت والمتغير كنموذج بناء نظام في الأمر الاجتماعي»، في البداية أكد الباحثان على أهمية الالتفات إلى قاعدة الثابت والمتغير باعتبارها من القواعد الفقهية والأصولية التي تجري فيها اتجاهات كلامية واجتماعية استثنائية، ثم شرعا في الحديث عن كيفية بناء نظام من داخل هذه القاعدة على ضوء الواقع الاجتماعي بوصفه متغيرًا، والاجتهاد المرتكز على الأصول والدائر حول محور الغايات بوصفه ثابتًا، وفي هذه الهندسة يُعد الواقع الاجتماعي دائمًا موضوعًا لأحكام وأعمال المكلفين في حال التعاطي مع المصادر والتراث الفقهي في إطار الزمان والمكان. وفي حال تكريس هذه العملية على نحو صحيح ستكون ثمرة هذا التعاطي فقهًا متحركًا وتوثبًا فاعلًا من معظم الأنظمة القانونية، ولبناء هذه النظرية طرحت الورقة مجموعة من الأسئلة على هذه القاعدة، بحيث تشكل الإجابة عنها، الكشف عن نظام الثابت والمتغير في كل من الفقة والقانون.
كما تحدث في هذه الجلسة د. حسين مهربور (أستاذ بكلية القانون في جامعة الشهيد بهشتي - إيران) عن «الفقه الواقعي والتمهيد لسن قوانين أكثر عصرية»، وفيها أكد الباحث في البداية أهمية أن تكون الأحكام الفقهية المستنبطة منسجمة مع احتياجات المجتمع ومتطلباته، لذلك لا بدّ من إعادة النظر في عدد من المباحث الفقهية وطرق الاجتهاد والتصدي للقضايا المعاصرة مثل: المعاملات الإلكترونية، والعقود التي تبرم في الفضاء الافتراضي، وكذلك طالب الاجتهاد الفقهي بالخوض في قضايا المعاملات والمعاهدات على المستويين الداخلي والدولي، وبالتالي فكلما أبدى الفقه حراكًا أكثر وتفهمًا للواقع ولاحتياجاته، استنبط أحكامًا منسجمة ومتناسبة مع العصر، وبالتالي سنّ قوانين أكثر تقدمية وعصرية وفائدة.
«القانون الوضعي والفقه الإسلامي: تكامل الاجتهاد للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة «التدابير الاحترازية نموذجًا»، هو عنوان ورقة الباحث المغربي الأستاذ محمد دكير، وفيها حاول تقديم نموذج التدابير الاحترازية كموضوع للتكامل والتعاون بين الفقه والقانون، فالتدابير الاحترازية أو الوقائية، أصبحت من صور الجزاء الجنائي المعتمدة في القوانين العقابية الوضعية، لكنها تعاين من قصور، في المقابل نجد أن النظام العقابي الإسلامي يستند إلى منظومة من التدابير الوقائية أصبحت معها العقوبة تدبيرًا أخيرًا؛ لذلك طالب الباحث بضرورة النظر الاجتهادي لإدخال التدابير الاحترازية القضائية ضمن نظام العقوبات الإسلامية و تقنينها، وفي المقابل أن يستفيد القانون من شمولية التدابير الإسلامية لاجتثاث الجريمة من جذورها، وبذلك يتحقق التعاون والتكامل بين رجال القانون وفقهاء الشريعة بما يخدم مشروع الدفاع الاجتماعي ضد ظاهرة الجريمة الجريمة المستفحلة في العالم.
الدكتور يوسف الصديقي (عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر)، قدم ورقة بعنوان: «أهمية استنباط أحكام الواقع من خلال القواعد الفكرية القائمة على قياس الأولوية والارتكاز العقلاني وأحكام العقل العملي والنظري»، وفيها أكد الباحث على ضرورة وأهمية الاستفادة من المنهج العقلي في قراءة الواقع العربي والإسلامي، ومن ثم الوصول إلى وضع الحلول المناسبة له، وقد تحدثت الورقة على إشكالية نهوض الأمة العربية والإسلامية، وكيف تتحقق النهضة من خلال قياس الأولوية والارتكاز العقلاني وأحكام العقل.
ومن الأوراق التي قدمت في هذه الجلسة كذلك، «إمكانية استنباط أحكام الواقع الاجتماعي في ضوء القواعد» للدكتور محمد هادي مفتح (أستاذ علوم القرآن والحديث بجامعات مدينة قم – إيران)، و«سيادة القانون ضمان للاستقرار والتوازن الاجتماعي» للدكتور منير بن الحبيب القبطني (من تونس)، ود. السيد جواد ورعي (من إيران) عن: «العلاقة بين الفقه والقانون من وجهة نظر علماء الدين».
الجلسة الثالثة
ولمناقشة محور: «معالجعة فقهية وحقوقية للمشاكل الاجتماعية» عُقدت الجلسة الأولى في اليوم الثاني، وقد تحدث فيها عدد من الباحثين منهم: د. عبد الله بن مبارك العبري (أستاذ الاقتصاد الإسلامي بكلية الحقوق - جامعة السلطان قابوس في عُمان) عن: «الضرورة الاقتصادية وتطبيقاتها المعاصرة»، وقد أكد فيها في البداية على ما يتميز به الفقه الإسلامي من تجدُّد وحياة وتفاعل مع متطلبات الحياة الاجتماعية، وفقًا لمقاصد الشريعة الغراء، وهذا ما جسَّده الفقهاء والمجتهدون عبر التاريخ. بعد ذلك كشف عن المرونة التي تتميز بها الشريعة الإسلامية في باب الضرورات، وخصوصًا في المباحث المتعلقة بالاقتصاد باعتباره عصب الحياة، الأمر الذي يجعل العقل الاجتهادي اليوم مطالب بالاطلاع على هذا الجانب المعرفي والواقعي المهم بشكل شامل، كي يتمكن من الجواب عن الكثير من الأسئلة التي تطرح في هذا المجال، خصوصًا أمام ما تعانيه البشرية من معضلات تواجهها الأنظمة الاقتصادية الوضعية، وبذلك يقدم الفقه الإسلامي مساهمته في إثراء البحث في هذا المجال وتقديم الحلول التي تنتظرها البشرية.
أما الدكتور أحمد مؤمني راد (أستاذ مساعد في كلية القانون بجامعة طهران) فقد قدم ورقة بعنوان: «تبرير نقض المعاهدات الدولية بحجة الاضطرار من منظاري قوانين مسؤولية الدولة وفقه الشيعة»، وقد تحدث فيها في البداية عن عامل الاضطرار في الالتزامات الدولية والقانون الدولي، ثم كشف عن رأي الفقه الشيعي وما تستند إليه الدولة الإسلامية في موقفها من هذه المسألة، ليصل بعد المقارنة إلى تأكيد أن الدولة الإسلامية هي الأخرى يمكنها أن تستند إلى هذا العامل -أي الاضطرار- لتبرير عدم التزامها بتعهداتها وبالتالي تتجرَّد من مسؤوليتها، لكن ضمن تفصيلات فقهية وتشريعية باعتبار الاضطرار أحد المستثنيات في مباحث المسؤولية.
من جهته تحدث الباحث التركي المتخصص في الفقه والقانون الإسلامي، عن «القانون العثماني للأحوال الشخصية سنة 1917م، وعلاقته بالواقع الاجتماعي»، حيث أكد أن تأثير الواقع ظهر في عدم الاكتفاء بالمذهب الحنفي عند تقنين الأحوال الشخصية في الدولة العثمانية، وإنما تم الانفتاح والاستفادة من جميع المذاهب والأقوال بالإضافة إلى مراعاة المتغيرات الاجتماعية والحضارية، وبذلك ظهر تأثير الواقع على هذا التقنين الحديث في الفقه الإسلامي بداية القرن الماضي.
أيضًا قدم في هذا المحور الأستاذ المشارك في كلية القانون بجامعة المفيد (إيران) محمد مهدي مقدادي ورقة بعنوان: «دور الفقه في مواجهة المشاكل الاجتماعية»، وفيها أشار في البداية إلى أن المشاكل والمعضلات التي تهدد الحياة الاجتماعية مثل الفقر والبطالة والفساد والإدمان والانحرافات السلوكية... إلخ، إنما تظهر عند وجود الخلل في علاقات الإنسان الأربع، علاقته بالله، وببني جنسه، ومع الطبيعة من حوله ومع نفسه، وهنا يمكن للفقه الإسلامي أن يلعب دورًا مهمًّا في تشخيص هذه المشاكل، وتقديم العلاجات والحلول لها بل منع وقوعها من الأساس. من هنا تبرز أهمية الفقه في الحفاظ على المجتمع، ودور الاجتهاد الفقهي في تقنين الأحكام الخاصة بهذه المشاكل، ونشر الوعي بها وبمخاطرها وكيفية معالجتها. وهذه من أهم مسؤوليات الفقه تجاه الواقع.
ومن الأوراق التي قدمت في هذه الجلسة كذلك، ورقة د. مجيد كافي (إيران) عن «الوظائف الاجتماعية للفقه والقانون»، و«الفهم الاجتماعي للنص وعملية الاجتهاد: رؤية الشهيد الصدر» للدكتور السيد علي الموسوي (لبنان)، و«دراسة فقهية قانونية عن الآثار المخربة للفساد الإداري على المجتمع» للدكتور محمد إبراهيم شمس ناتري (إيران).
الجلسة الرابعة
عقدت هذا الجلسة لمناقشة محور: «معالجة فقهية وحقوقية للمشاكل الاجتماعية»، وقد ترأسها د. سالم بن هلال الخروصي (من سلطنة عُمان)، وقدمت فيها مجموعة من الأوراق والكلمات، منها:
الدكتور سيد محمود ميرخليلي (إيران) قدم ورقة بعنوان: «السياسة الجنائية المبتنية على الفقه المتحرك ودورها في أداء القوانين على أساس الواقعيات الاجتماعية»، وفيها حاول التأكيد على شمولية السياسة الجنائية الإسلامية في مواجهة الجرائم، من خلال تجاوز الفعل ورد الفعل عليه، وإنما التأكيد فقهيًّا على النواحي الفاعلة وغير الجزائية في مختلف الأبواب الفقهية مثل العقود، والنكاح والطلاق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزكاة والخمس، والحجاب والعفاف، وقواعد مثل «لا ضرر ولا ضرار»، وبذلك يساهم ما يصفه بالفقه المتحرك والمتوثب، في الاهتمام بالأسباب والمقتضيات والظروف الداخلية والخارجية، ما يؤدي إلى سعة في الأحكام المراعية للواقع والمتفاعلة معه إيجابًا، كما وقع في السيرة زمن الحكم النبوي الشريف. والنتيجة -حسب الباحث- ستتمثل في إيجاد سياسة جنائية كفوءة وقادرة على حفظ المجتمع من جميع الآفات والاختلالات.
من جهته تحدث عضو الهيئة العلمية في المعهد العالي للثقافة والفكر الإسلامي (إيران) عن: «التحديات التي تجابه مبدأ محورية العائلة في الفقه ونظام التقنين الإيراني»، حيث استعرض في البداية مجموعة من النصوص القانونية التي تؤكد أهمية ومحورية العائلة في قوانين الجمهورية الإسلامية، والمستلزمات القانونية الضرورية لتحقيق هذا المبدأ، وكيفية تدعيم وترسيخ كيان العائلة على المستوى القانوني والحقوقي، وأثناء تشريع القوانين والبرامج والسياسات التنفيذية، وكافة الأنظمة التعليمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ونظام الإسكان والتخطيط العمراني... إلخ. من هنا تطالب الورقة بضرورة التركيز -في أي عملية تقنين- على المصالح العليا للعائلة وحقوق أفرادها، وأن تتناغم جميع التشريعات مع احتياجات العائلة ومصالحها الأساسية. وبما أن التقنين في الجمهورية الإسلامية يستند إلى الشريعة، فإن من مسؤولية الفقه والاجتهاد الفقهي أن ينخرط في عملية التقنين بما ينسجم مع الأصول العامة للشريعة، وفي الوقت نفسه يراعي مصلحة محورية العائلة في ظل المتغيرات الاجتماعية والتحديات المعاصرة التي تواجه الأسرة وبناء العائلة اليوم.
أما الباحثان أحمد حبيب نجاد وعلي بكدلي (من جامعة طهران) فقد قدَّما ورقة مشتركة بعنوان: «القضاء على الفقر في إطار نظرية التمييز الإيجابي في النظام القانوني الإسلامي»، يرى الباحثان أن الخطط الوطنية للتنمية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي وُضعت بهدف القضاء على الفقر والتوزيع العادل للثروة -على أهميتها- لم تتمكن من القضاء على ظاهرة الفقر في المجتمعات؛ لأن هذه السياسيات تفتقر إلى الأهداف المحددة والمتناسبة مع الأوضاع المختلفة للأشخاص في كل مجتمع. ثم شرعا في عرض واحدة من الأهداف العادلة والمعتمدة بصورة واسعة في الأنظمة الحقوقية المتعارفة، أي سياسة التمييز الإيجابي في سياق المباني الفقهية والحقوقية، بغية الاستفادة من هذا العامل المهم في محاربة الفقر والقضاء عليه، وهو ما يسهم في تحديد المفهوم ضمن المؤشرات المفهومية للتمييز الإيجابي في النظام الفقهي والحقوقي: (إثبات الحقوق، تكافؤ الفرص، التعويض عن الحرمان) فضلًا عن إمكان كسب بعض الامتيازات لنظام الفقه الإسلامي في عدد من هذه المؤشرات المفهومية نحو رعاية الاختلافات والفوارق. وفي الأخير دعا الباحثان للاستفادة من هذه الورقة لتدوين سياسات التمييز الإيجابي في منظومة الحقوق الإسلامية والاعتماد عليها لمواجهة ظاهرة الفقر.
ومن الأوراق والكلمات في هذه الجلسة، كلمة للدكتور يوسف حوري من الجزائر، وكلمة للدكتور أوغوزخان تان من تركيا، ود. ولاديسلاف أرتموف من روسيا الاتحادية.
وقد انتهت فعاليات المؤتمر بجلسة ختامية تُليت فيها مجموعة من الكلمات والتوصيات، شدَّدت جميعها على ضرورة أن تتم الاستفادة من الدراسات والبحوث المهمة التي ألقيت في هذا المؤتمر، لتفعيل التعاون والتكامل بين رجال القانون والفقهاء لمعالجة القضايا الاجتماعية، بما يخدم أمن واستقرار ورفاهية المجتمعات الإسلامية.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.