تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

تفكيك مقولات التطرف الديني .. الجهاد القتالي

محمد الناصري

 

تفكيك مقولات التطرُّف الديني..

الجهاد القتالي

الدكتور محمد الناصري*

 

* أستاذ التعليم العالي، جامعة السلطان مولاي سليمان، المغرب. البريد الإلكتروني:

mohammedennassiri@gmail.com

 

 

 

مقدمة

لا شك أن أهم مشكلة تواجه العالم الإسلامي اليوم هي ظاهرة التطرُّف الديني التي تستعين بأحكام الجهاد سلاحًا لمواجهة الأعداء مسلمين وغير مسلمين. يتحوَّل الجهاد معها من مفهوم سامٍ يتَّسع لكل دلالات الخير العام للأفراد والجماعات، إلى أداة ضغط ومادة مساومة تتحكّم بها الحركات المتطرِّفة والجماعات الأصولية ضد خصومها المحليين والدوليين.

المشكلة أن الكثير من الباحثين يقاربون التطرُّف الديني بمنظورات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية؛ ظانين أن الأسباب الحقيقية وراء انتشار أعمال العنف والتطرُّف والإرهاب تعود لأشكال القهر والتسلُّط السياسيين أو للركود والأزمة الاقتصاديين أو للمشاكل الاجتماعية التي باتت المجتمعات الإسلامية مرتعًا لها، في غياب شبه تام للمقاربة المعرفية القاضية بمحاولة التعرُّف على المنظومة المفاهيمية والتأويلية التي تنتج التطرُّف والعنف وتقويمها في الفضاء الإسلامي.

إن غياب مقاربة من هذا النوع مكَّنت قوى التطرف الديني من إنشاء إيديولوجيا جهادية ذات طبيعة «خلاصية» تهدف إلى استعادة صفاء المجتمع المسلم أولًا والعالم تاليًا من الشرك والكفر. وتتغيَّا هذه المقالة تفكيك مقولات الجهاد القتالي بنفس معرفي أملًا في تجاوز مشكلات خطاب التطرف الديني.

أولًا: في العلاقة بين مفهومي «الجهاد» و«القتال»

الجهاد اسم شرعي، ورد ذكره في مواطن عديدة من القرآن الكريم، تعلَّقت به الأوامر والنواهي، أمر به الله عز وجل نبيه من حين بعثه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[1]، وقوله تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[2]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[3] {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[4] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[5] {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[6] {يا أيها الذين ءامنوا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[7].

إن منطوق هذه الآيات؛ يشير إلى أن الجهاد المقصود فيها، جهاد النفس، وذلك بتقويمها، وكفِّها عن الانحراف. وهذا النوع من الجهاد يُعدُّ أعظم جهاد، وبه عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المجاهد، فقال: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله»[8].

وقد جاءت عبارات السلف في الجهاد منسجمة وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عبد الله بن المبارك الجهاد هو: «مجاهدة النفس والهوى»[9].

ويعتبر ابن القيم الجوزية هذا النوع من الجهاد –أي جهاد النفس- «مقدّمًا عن جهاد العدو في الخارج، وأصلًا له، فإن لم يجاهد نفسه أولًا، لتفعل ما أُمرت به، وتترك ما نُهيت عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج. فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له، مُتسلِّط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج»[10].

وبهذا نرى أن كلمة «الجهاد» أوسع؛ تشمل عمل القلب بالنية والعزم، وعمل اللسان بالدعوة والبيان، وعمل العقل بالرأي والتدبير، فالجهاد مفهوم سام يقصد به استفراغ الوسع واستنفاذ كل الإمكانات المتاحة للتفاعل مع الإسلام فهما وتطبيقًا، نشرًا وتعليمًا[11].

هنا نتساءل: ما علاقة مفهوم الجهاد بمصطلح القتال؟ أليس «قتال العدو» من الجهاد في سبيل الله؟

تجدر الإشارة إلى تكرُّر ورود لفظ «القتال» في القرآن الكريم، في مواطن كثيرة، وأن آيات القرآن الكريم قد تناولته من زوايا مختلفة:

1- من جهة التأكيد عليه ووجوبه ووعد المقاتلين بالجزاء العظيم، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}[12] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}[13] {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[14] {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[15].

2- من جهة التحذير من عاقبة رفضه وتوعد المقصرين والمتخاذلين عنه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[16] {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[17].

3- من جهة بيان أهدافه والغاية من وجوبه، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[18] {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}[19] {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[20].

وبهذا فلقد شغل موضوع «القتال» حيِّزًا كبيرًا من القرآن الكريم؛ إذ ذكرت كلمة «القتال» ومشتقاتها في القرآن حوالي سبع وستين مرة، مما يدل على أهميته في الخطاب القرآني.

لكن رغم أهمية «القتال» في الإسلام إلِّا أنه لا يُعبِّر عن حقيقة مفهوم «الجهاد» الذي يشمل الجهاد بالقلب والدعوة والبيان، وما القتال إلَّا الشعبة الأخيرة من شعبه وليس هو كله. لكن مع الأسف فالشائع عند الفقهاء هو تفسير الجهاد بهذا المعنى، معنى قتال العدو[21]، إلى أن صار هذا التفسير الفقهي هو المتبادر إلى الأذهان، والشائع في استعمالات الناس، حتى دخل لفظ «جهاد» في المعاجم غير العربية مفسِّرًا به.

«القتال هو الشعبة الأخيرة من شعب الجهاد، وهو القتال بالسيف، أي استخدام السلاح في مواجهة الأعداء»[22]. «أعداء الأمة الذين يعتدون على دينها، وعلى أرضها، وعلى أهلها، ويلزم الأمة أن ترد عدوانهم، مدافعة عن حرماتها ومقدساتها»[23].

ومن تم فلا عبرة بالقتال شرعًا إلَّا إذا كان في سبيل الله، وهو قتال المؤمنين، كما أشار إلى ذلك القرآن: {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[24]. وكما جاء في الحديث المتفق عليه: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله»[25]. فهل كل قتال هو «في سبيل الله»؟.

ثانيًا: طبيعة القتال في الإسلام

اتَّضح لنا مما سبق أن «القتال» ما هو سوى نوع من أنواع الجهاد في الإسلام، إلَّا أنه من الأنواع التي حظيت بالعناية قرآنًا وسنةً. الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة «القتال» في القرآن الكريم، هل «القتال» ابتدائي هجومي؟ أم إنه «قتال» دفاعي احترازي؟.

لقد ناقش فقهاؤنا[26]، هذه الإشكالية تحت عنوان: «جهاد الدفع» و«جهاد الطلب»، فكان جهاد الدفع عندهم: مقاومة العدو إذا دخل أرض الإسلام، واحتل منها مساحة ولو قليلة، أو اعتدى على أنفس المسلمين أو أموالهم وممتلكاتهم أو حرماتهم، وإن لم يدخل أرضهم، ويحتلها بالفعل، أو اضطهد المسلمين من أجل عقيدتهم، وفتنتهم في دينهم، يريد أن يسلبهم حقهم في اختيار دينهم، وأن يكرههم على تركه بالأذى والعذاب، أو يكون قد تمكن من بعض المستضعفين من المسلمين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، فسامهم سوء العذاب، وأمسوا يستغيثون ويدعون ربهم، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}[27]. فمقاومة مثل هذا العدو الظالم المتجبِّر، والوقوف في وجهه بالسلاح، ومقابلة القوة بالقوة، هو ما يسمى: جهاد الدفع.

أما جهاد الطلب فهو أن يكون العدو في عقر داره، ولكننا نحن الذين نطلبه، ونتعقَّبه..، أو نبادئه نحن قبل أن يبادئنا هو..، المهم أن هؤلاء الأعداء أو الكفار مقيمون في أرضهم، ولم يبدؤونا بعدوان ظاهر، ولكن نحن الذين نتعقَّبهم ونطلبهم، ولهذا سُمِّي هذا النوع من الجهاد، جهاد الطلب[28]»[29].

 لقد اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا أي النوعين مقصود في الإسلام. ومما يسعفنا في تحديد «القتال» المراد في الإسلام، تحديد مقاصد وأهداف «القتال»، من خلال النصوص القرآنية والنبوية المحكمة، فعلى ضوء هذه الأهداف المعلنة البينة، نعرف حقيقة هذا «القتال»، أهو «القتال الهجومي» أم «القتال الدفاعي»؟.

من الأهداف التي ذكرت للقتال في القرآن الكريم

1- الدفاع عن المسلمين، وردّ الاعتداءات والظلم الذي يلحق بهم: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[30] {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ}[31].

2- نصرة المظلومين والمستضعفين: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا}[32]. فجعل القتال في سبيل المستضعفين قرينًا بالقتال في سبيل الله، إذ عطف عليه الواو بلا فصل. بل هو عند التأمُّل جزء من القتال في سبيل الله؛ لأن القتال يكون في سبيل الله إذا كانت الغاية: أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله هي كلمة الحق الذي يواجه الباطل، والعدل الذي يقاوم الظلم، وإنقاذ المستضعفين إنما هو لإقامة عدل الله في الأرض.

3- منع الفساد في الأرض: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[33].

4- الحرص على تطبيق بنود المعاهدات السليمة ومنع نقضها أو الإخلال بشرائطها أو تأليب الأعداء على المسلمين: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}[34].

لقد جاءت آيات القتال في القرآن الكريم في كثير من السور المكية والمدنية مبينة السبب الذي من أجله أذن في القتال وهو يرجع إما إلى دفع ظلم، أو قطع فتنة، أو حماية الدعوة الإسلامية، أو منع فساد في الأرض، أو الحرص على تطبيق بنود المعاهدات السلمية ومنع نقضها. فأين هذه الأهداف من القتال الهجومي؟.

إن اعتبار «الجهاد القتالي» مبادأة للناس بالقتال، وأسلوبًا لفرض الإسلام بالقوة والإكراه غير صحيح البتة. القتال في الإسلام حماية للدعوة والدعاة عندما تفرض الظروف تحديات على المسلمين، ومعلوم من الدين بالضرورة أن الدعوة تتحقق بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تتحقق بشيء غيره. لا نجد في القرآن الكريم ما يؤيد اعتبار القتال ابتداء، واعتباره وسيلة من وسائل قسر الناس على الإسلام، بل كل ما هناك -كما بيَّنَّا- أن القتال خيار أخير لحماية الدعوة من كل التحديات التي تواجهها، فالقتال وسيلة للحماية وللدفاع وليس هدفًا بحد ذاته.

فمن الخطأ والحال هذه اعتبار «الجهاد القتالي» في الإسلام حربًا ابتدائية؛ ذلك أن المسلم لا يخوض حربًا إلى إذا بادأه عدوه بالأذى والضرر، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}[35].

ويقول المفسرون في شرح هذه الآية: إنها أول آية نزلت لتشريع الحرب وتقنين شروطها، فالمسلمون في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما خاضوا حروبًا دفاعية عن حق مشروع، ولمقاومة الأذى الذي أوقعه بهم المشركون بطردهم من ديارهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم بمكة، وحرمانهم من مصادر عيشهم، ومحاولة قتل بعضهم، والتآمر على رسولهم بإعطاء الأمر باغتياله وتعذيب أنصاره ومعتنقي دينه.

وقد قال الله عز وجل في آية جامعة تشرع شروط الحرب وتلخصها في صد العدوان {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}[36]. فالمعتدي على غيره عدو الله السلام»[37]. فالله سبحانه يأمر بالقتال في سبيله لرد العدوان ولا يسمح بمتابعة الهجوم بعد صد العدوان، {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}[38].

إن علة «القتال» في الإسلام هي الدفاع، فالدفاع عن ديار المسلمين ومعتقداتهم وأحوالهم ودمائهم وأعراضهم، هو الذي يبرِّر الجهاد القتالي، أما القول بتقسيم الجهاد إلى جهاد طلب «ابتدائي» و«جهاد دفع»، فإنه لا ينسجم والتصور القرآني لمجال علاقات المسلمين بغيرهم القائم على السلام والتعايش السلمي مع مختلف مكوِّنات المجتمع الإنساني.

ونجد في سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يؤيد القول ويدعمه، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبدأ أحدًا من الكفار بقتال، ولو كان الله أمره بقتل كل كافر لكان يبتدئهم بالقتال.

والأدلة التاريخية تشهد أن غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ كانت دفاعية. فغزوة بدر، وهي أولى المعارك، لم يبدأ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيها بقتال، بل تعرض لقافلة قريش التجارية، وهي عمل لاسترداد حقوق مالية من أهل مكة، فقد استولى زعماء مكة على أموال المهاجرين وصادروها، وحين علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروج قافلة مكة التجارية إلى الشام بقيادة أبي سفيان. خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاعتراض القافلة، والاستيلاء عليها، غير أن القافلة تمكَّنت من الإفلات. فجمعت قريش جيشها وقامت بالهجوم على المسلمين، وكانت المعركة عند ماء بدر قرب المدينة المنورة، في السنة الثانية للهجرة، في السابع عشر من رمضان المبارك، فنصر الله المسلمين وهزمت قريش شر هزيمة.

ومثلها معركة أحد، فقد كان مشركو مكة هم المهاجمين، وكان موقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دفاعيًّا؛ إذ جمع المشركون ثلاثة آلاف مقاتل واتجهوا من مكة إلى المدينة للقضاء على الرسول والدعوة والدولة هناك، فتصدَّى لهم المسلمون على مقربة من المدينة فوقعت المعركة.

وأما معارك الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع اليهود فلم يبدأ بقتال حتى نقضوا العهود والمواثيق، واعتدوا على حرمة إحدى النساء المسلمات وقتلوا أحد المسلمين عندما دافع عنها، ثم تحوَّل إلى معركة محلية في سوق بني قينقاع، بين المسلمين واليهود، مما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى محاربتهم.

ومثلها معركة الأحزاب، فقد كانت معركة دفاعية؛ إذ هاجمت قريش وحلفاؤها المسلمين في المدينة المنورة.. وتؤكِّد الوثائق التاريخية أن غزوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليهود بني النضير لم تقع إلَّا بعد نقضهم للعهد وتآمرهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقتله بإلقاء صخرة عليه من أعلى سطح منزل من منازلهم، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسًا بجواره، حين ذهب إلى قريتهم يطلب منهم المشاركة في أداء ديةٍ لقتيل حسب الاتفاق معهم، مما دعا إلى مقاتلتهم.

أما غزوة مؤتة فسببها أن ملكًا في بلاد الروم كان قد قتل المبعوث الذي بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه، سنة ثمانٍ من الهجرة ليدعوهم إلى الإسلام، وينقل إليهم رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلَّا أنهم كشفوا عن موقفهم الحربي والعدواني من الدعوة والدولة الإسلامية.. مما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن يغزوهم ليردَّ عليهم عدوانهم ويشعرهم بقوة الدولة والدعوة كعملية دفاع وردع.

وأما غزوة هوازن وثقيف، فإن هاتين القبيلتين كانوا قد أعدُّوا العدَّة معًا للهجوم على المسلمين، فبدأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجوم عليهم دفاعًا عن الإسلام والأمة والدعوة، ومثلها غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة لبلاد الروم؛ ذلك أن رسول الله بلغته معلومات وأنباء عن تهيُّؤ الروم لغزو المدينة، والقضاء على الدعوة الإسلامية.. مما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى غزوهم كمبادرة دفاعية، وعمل وقائي، وقد انتهى الموقف بعد وصول جيش المسلمين إلى تبوك من أرض الشام بالصلح...[39].

يتبيَّن من خلال تتبعنا هذا، لغزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن الأمر بالقتال أمر دفاعي، وأن السبب الذي كان يحرّك رسول الله في جميع غزواته، هو الدفاع؛ لذا فإن المسالم الذي لا يقاتل المسلمين ولا يبدأ بمقاتلتهم لا يقاتل، وليس مقصودا بالقتال.

يقول ابن القيم في هذا الصدد: «كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقاتل من يحاربه ويقاتله، وأما من سالمه وهادنه، فلم يقاتله مادام مقيمًا على هدنته، لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له، كما قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ} [40]. ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرَّهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، وكذلك لما هادن قريشًا عشر سنين لم يبدأهم بقتال حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم. وكانوا هم يغزونه قبل ذلك، كما قصدوه يوم أحد، ويوم الخندق، ويوم بدر أيضًا هم جاؤوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم»[41].

والمقصود -حسب ابن القيم- أن القتال في الإسلام إنما كان دفاعًا لصدِّ عدوان عن الدين أو كفِّ أذى عن المؤمنين، وأن الإسلام يسالم من يسالمه، ولا يقاتل إلَّا من قاتله.

ومن قبله أكد الشيخ ابن تيمية هذا الرأي؛ بقوله: «إن القتال هو لمن يقاتلنا كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}[42]. مستندًا في ذلك بما جاء في السنن عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه قد وقف عليها الناس، فقال: ما كانت هذه لتقاتل، وقال لأحدهم: «الحق خالدا»، فقل له: «لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا»[43].

ومن خلال كل ما سبق نستطيع القول: إن «الجهاد القتالي» في الإسلام لم يشرع ابتداء، كما لم يشرع للانتقام والتسلط والعدوان، بل شرع للدفاع ومواجهة الظلم والطاغوت ونصرة الحق والمستضعفين؛ فهو بهذا حق مشروع للمسلمين لاسترداد حقوقهم وكرامتهم.

ثالثًا: هل الكفر في ذاته سبب لمقاتلة أهله؟
هل القتال لعلة الكفر يكون «في سبيل الله»؟

اختلف العلماء في سبب قتال الكفار: هل سببه مقاتلتهم للمسلمين وصدهم لهم عن الدين، ودفع شرهم وضرهم عن الموحدين؟ أو سببه مجرَّد كفرهم، سواء خيف ضرهم وشرهم أو لا؟.

ذهب فريق من العلماء إلى أن الكفر في ذاته سبب لمقاتلة أهله، واعتبروا الكفر مبيحًا لقتل الكافر، ومن تمَّ فأهل الشرك والكفر مخيرون بين خيارين لا ثالث لهما: الإسلام أو السيف (القتال)، وأما أهل الكتاب ومعهم المجوس، فإنهم مخيرون بين ثلاثة خيارات: الإسلام أو الجزية أو القتال.

بمعنى آخر -وحسب رأي أصحاب هذا الاتجاه- فإن المشركين في حال بلوغ دعوة الإسلام إليهم فامتنعوا عنها، تعيَّن قتالهم حتى يكون ذلك إما سببًا في هلاكهم أو في دخولهم الإسلام[44]. وعليه؛ فلا مجال للحديث عن موادعة أو سلم أو أمان يقوم بين المسلمين وغير المسلمين، وأنه كما يكون متعينا على المسلمين أن يدفعوا العدو عن بلادهم، فإن عليهم أيضًا أن يُداهموه في بلاده ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، لا فرق في ذلك بين أن يكون العدو قد اكتسب وصف العداوة بارتكابه عدوانا ماديًّا على المسلمين أو بالتحضير والإعداد لشنِّ هذا العدوان، وبين أن يكون قد اكتسب هذا الوصف بغير ذلك، ولو كان لمجرَّد رفضه الخضوع لدولة الإسلام، وبقائه على غير دين الإسلام.

من أبرز من يمثل هذا الرأي من الفقهاء والمفسرين المتقدمين، الإمام الشافعي؛ إذ يذهب إلى أن المبيح للقتل هو الكفر، وأن لا سبيل أمام الكفار لحقن دمائهم وحماية أموالهم إلَّا الإيمان بالله وبرسوله، واستثنى أهل الكتاب إذا حصل لهم عهد من المؤمنين.

يقول الإمام الشافعي: «حقن الله الدماء ومنع الأموال إلَّا بحقها، بالإيمان بالله وبرسوله، أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لأهل الكتاب، وأباح دماء البالغين من الرجال بالامتناع عن الإيمان، إذا لم يكن لهم عهد... والذي أراد الله عز وجل أن يقتلوا حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة أهل الأوثان من العرب وغيرهم الذين لا كتاب لهم. فإن قال قائل: ما دل على ذلك، قيل له: قال الله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[45]. فمن لم يزل على الشرك مقيمًا لم يحول عنه إلى الإسلام فالقتل على الرجال دون النساء منهم[46]»[47].

وإلى الرأي نفسه يذهب بعض أصحاب الإمام أحمد؛ إذ يقول ابن قدامة الحنبلي: «ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يُسلموا»[48]. ويدعم هذا الرأي الإمام الشوكاني بقوله: « أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر، وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية ولأجله بعث الله رسله وأنزل كتبه. وما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ بعثه الله سبحانه إلى أن قبضه إليه جاعلًا لهذا الأمر من أعظم مقاصده ومن أهم شؤونه، وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها»[49].

ويعتبر الجصَّاص مُبادأة المشركين القتال من الأمور المجمع عليها غير المختلف فيها إذ يقول: «ولا نعلم أحد من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين، إنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره»[50].

نجد هذا الرأي عند بعض المفسرين أيضًا، إذ يؤكد ابن جرير الطبري، تخيير المشركين بين الإسلام أو القتل، ففي تفسيره لقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[51]. يقول الطبري: «فاقتلوهم حيث لقيتموهم من الأرض، في الحرم وغير الحرم في الأشهر الحرم وغير الأشهر الحرم»[52].

وعن قوله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} يقول الطبري: «واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو أسرهم كل طريق ومرقب»[53]. وأنه «لا يُخلَّى سبيلهم -أي المشركين والكفار- إلَّا برجوعهم عمَّا نهاهم عنه الله من الشرك بالله وجحود نبوة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة»[54]، أي بعد إسلامهم.

والرأي نفسه نجده عند الحافظ ابن كثير، حيث يقول: «إنه إذا بلغت المشركين دعوة الإسلام فامتنعوا عنها، مع غلبة المسلمين وقدرتهم عليهم، تعين قتالهم حتى يكون ذلك سببا إما في هلاكهم أو في دخولهم الإسلام»[55].

وليس هناك اختلاف بين ما ذهب إليه الطبري وابن كثير وما ذهب إليه القرطبي بعدهما، فقوله تعالى: {وقاتلوهم} معناه عند القرطبي أنه: «أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع، وهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار، ويستدل القرطبي بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [56]، وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»[57]. فدلَّت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكفر، لأنه قال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي كفر فجعل الغاية عدم الكفر»[58].

ويشير أصحاب هذا الاتجاه –فقهاء ومفسرين– إلى أنه إذا كان ظاهر قوله تعالى في سورة براءة: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[59]، يدل على أن مقاتلة أهل الكتاب ومعهم المجوس، عملًا بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن المجوس: «سنّوا بهم سنة أهل الكتاب»[60]. تكون على الإسلام أو دفع الجزية أو القتال؛ فإن الكفار والمشركين لا يكون لهم بصريح القرآن إلَّا الإسلام أو القتل»[61].

وإنما أسَّس أصحاب الرأي رأيهم وقواعدهم على أساس أن غير المسلمين إذا دعوا إلى الإسلام، وأقيمت لهم دلائله الحقة، وأبليت معاذيرهم برفع الشبهات وإيضاح الآيات، كان إصرارهم على خلافهم وإعراضهم عن الإسلام وآياته، ورفضهم إجابة دعاته بمثابة إيذان المسلمين بالحرب، فيجب على المسلمين أن يسوقوهم إلى الحق قسرًا ما داموا لم يذعنوا له بالحكمة والموعظة الحسنة»[62]؛ «حتى إذا لم تُفلح وسائل القهر بعد أن لم تفلح سبل الحكمة لم يكن بد من قتلهم، وقطع دابر شرهم وقاية للمجتمع من ضلالهم، كالعضو المصاب إذا تعذَّر علاجه تكون مصلحة الجسم في بتره»[63].

إجمالًا فإن أصحاب هذا الاتجاه -وفي سعيهم التأكيد أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو القتال لعلة الكفر- يجمعون على أن هذا الأصل يتمتَّع بأوصاف الإطلاق والعموم والثبات، باستنادهم إلى مقولة النسخ، وأن آية السيف مستندهم في القول بهذا الأصل، قد نسخت آية {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} حتى صار قتال أهل الشرك بوصفهم هذا شرعًا عامًا لا يملكون حياله إلا الإسلام أو الهلاك»[64].

ويرى ابن العربي المالكي، أن آيات القرآن الكريم المتعلِّقة بالقتال، تُشير إلى نوع من التدرج في الأحكام وبيان ذلك: «أنه حين كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة، على ضراوة العدو وقلة النصير، لم يكن القتال مأمورًا به ولا حتى مأذونًا فيه، وإنما هو الصفح والإعراض، إعمالًا لقوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}[65]. حتى إذا هاجر الرسول وقويت بالمدينة شوكته أذن في القتال، متى كانت المبادأة من المشركين. مصداقًا لقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}[66].

فلما ازداد الإسلام قوة إلى قوة، فرض قتال من قاتل دون من لم يقاتل مصداقًا لقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}[67]. حتى إذا بلغ الغاية بعد بدر وأصر الناس مع ذلك على فسادهم. فرض القتال فرضًا عامًّا كما جاء في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}[68]، وقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}[69]»[70].

وبحسب ابن العربي؛ فإن التدرج في تشريع القتال والأمر به قد تمَّ على أربع مراحل نسخ اللاحق منها السابق. واستقر الأمر على مبادأة الناس بالقتال من أجل الدخول في الإسلام حيث قال: «فكل خطوة من الخطوات الأربع نسخت التي قبلها حتى أصبح القتال يساق به الناس إلى الإيمان رغم أنوفهم»[71].

فالقول بآية السيف يعطل العمل بآيات قرآنية هي من القواعد الكلية والمبادئ العامة في الدين الإسلامي، من ذلك قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[72]، وقوله سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[73]، وقوله عز و جل: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}[74]، وقوله سبحانه: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[75]، وغيرها كثير...

حيث لم يترك أصحاب القول بالنسخ، وخاصة الموسعين فيه آية من الآيات القرآنية الداعية إلى الصفح والعفو والتسامح والصبر والمعاملة بالحسنى والدفع بالتي هي أحسن وغير ذلك، مما هو من أصول مكارم الأخلاق وأمهات الفضائل إلا قالوا نسختها آية السيف.

قال ابن العربي: «كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار، والتولي والإعراض والكف عنهم، فهو منسوخ بآية السيف، وهي: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}[76]. نسخت مائة وأربعا وعشرين آية»[77].

إن القول بآية السيف كان سببا في إفقار روح التسامح التي اتسم بها الخطاب القرآني، الأمر الذي يدفع الباحث -وتأكيدا منه أن القتال في الإسلام سببه مقاتلة الكفار للمسلمين، ومن ثم تفنيد ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول من أن الكفر في ذاته سبب لمقاتلة أهله- إلى دراسة آيات القتال الواردة في سورة التوبة[78] بما فيها آية السيف، محاولين تتبع سياق ورودها[79] واستنباط علة القتال فيها، وتحديد العلاقة بين الجهاد القتالي الداعية إليه، وسبب مقاتلة الكفار.

افتتح الله عز وجل سوره براءة بقوله سبحانه: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[80].

تتضمن هذه الآيات أهم ما نزل في شأن الجهاد القتالي، فضمنها ما سمي بآية السيف، {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}[81] والتي ادعي أنها ناسخة لما عداها من آيات القتال حيث فهم منها أن العلة في قتال المشركين هي الكفر إذ جعلت انتهاء القتال بتوبتهم وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

إلَّا أن قراءة السياق تشير إلى أن الآية ليست كما فهمت: فالموضوع والسياق يدوران حول مشركي قريش الذين نقضوا صلح الحديبية الذي عقده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معهم مما أعاد حالة الحرب التي كانت قائمة قبل الصلح.

فالحديث في الآيات يدور حول فريق خاص من المشركين كان بينهم وبين رسول الله عهد فنكثوه وظاهروا على المؤمنين، وقد تضمَّنت الآيات عدة إشارات تؤكد ذلك، كما تؤكد أن آية السيف لا تتضمن علة الكفر في القتال وهي:

* الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ}[82]، فقد استثنت الآية من المشركين طائفة لم يغدروا وبقوا على عهودهم.

* الأمر بإجارة المشركين إذا طلبوا ذلك، ثم إبلاغهم أماكن أمنهم.. ولو كان الكفر هو سبب القتال لما كانت هذه الحماية والرعاية للمستأمنين.

* أوردت الآيات استثناء آخر بعد الحديث عن حكم الناكثين في آية السيف وهو: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ}[83]، ففي هذه الآية تأكيد وأمر بالاستقامة على العهود ورفض نبذها مع من كان وفيا بها.

* ذكرت الآيات العلة التي من أجلها استنكر القرآن أن يكون للمشركين عهد عند الله ورسوله: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}[84]. {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[85]. {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}[86]. {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}[87]. {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[88]. فلو كان الكفر هو العلة فما مكان هذه القرائن التي ذكرتها الآيات والتي تجعل القتال لأسباب غير الكفر.

يبقى من الإشكالات التي يمكن أن تكون موهمة قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[89]، فقد جعلت الآيتان التوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة سببًا في تخلية سبيل المشركين والكف عنهم مما يوهم الإلجاء إلى الإسلام والإكراه عليه.

لكن بعد أن عرفنا القرائن التي أشارت إليها الآيات، نتبين أن هاتين الآيتين ليستا مورد تعليل، إنما تتحدثان عن حالة من حالات انتهاء الحرب، ومآل هؤلاء الناكثين الغادرين إذا تابوا ورجعوا عن الاعتداء فماذا يكون حالهم؟.

فقررت الآيات أن الله يغفر لهم ما قد سلف، ويصبحوا إخوة للمؤمنين بقطع النظر عن كل ما قدموه من إيذاء واعتداء قبل إسلامهم، ولو كان القتال لأجل إسلام الكفار وتوبتهم لناقض ذلك ما ذكرته الآيات من إشارات إلى أسباب القتال. فالآيات واضحة الدلالة على أن الكفر ليس في القتال، إنما للقتال أسباب أخرى ترتبط بالاعتداء والظلم والخيانة ونكث العهد[90].

يأتي بعد ذلك من سورة التوبة أيضًا: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[91].

هذه هي أول آية نزلت في قتال أهل الكتاب، وقد توافق نزولها مع اتجاه المسلمين إلى لقاء الروم في غزوة تبوك لرد عدوان القبائل العربية النصرانية على رسول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوافل المسلمين.

وقد حصرت الآية الذين يقاتلون بطائفة من أهل الكتاب، وذلك من خلال حرف التبعيض، {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وبالتالي يغدو الأمر بالقتال مقصورًا على طائفة منهم اتَّصفت بما ذكرته الآية من صفات، وليس من لوازم هذه الصفات انتفاء صفة أهل الكتاب عن أصحابها، كما أن هذه الصفات لا تشمل جميع أهل الكتاب، وكأن الآية تشير إلى أن من أهل الكتاب من بغى واعتدى ولم يخف الله واليوم الآخر واستحلَّ الحرام ولم يقبل الحق، وقد أكَّدت ذلك الآيات التالية التي أوضحت سابقة العدوان والصد عن سبيل الله من قبل هؤلاء: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[92]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[93]. وفي هذا إشارة إلى مواقف العدوان والبغي التي يقفها بعض أهل الكتاب، مما يعتبر سببًا للأمر بقتالهم في الآية 29؛ لذلك جاءت الآيات التالية تستنفر المسلمين لغزوة تبوك وتندِّد بالمتقاعس عنها، {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[94].

هذا ولو كان الكفر هو السبب في القتال لجعلت الآية الإسلام هو الغاية التي ينتهي عندها القتال، لكن الآية جعلت الجزية هي الغاية.

نخلص من هذا إلى أنه لا تعارض بين الآية ومبدأ سلمية العلاقة مع الآخر المخالف دينيا ما لم يبدأ بالهجوم على المسلمين[95].

آية أخرى من سورة التوبة: {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}[96].

وردت هذه الآية في سياق تحريم القتال في الأشهر الحرم، وهي صريحة في أن القتال مشروع على سبيل المقابلة، {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ}، أي كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضًا إذا حاربتموهم وقاتلوهم بالمثل، فكلمة (كافة) لا تشمل غير المقاتلين، والآية شبيهة بآية سورة التوبة: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[97]»[98].

وتزيد هنا بيان جزئية من القاعدة في القتال وهي أن القتال لمن قاتلنا، وكأنها تقول: «إن وصف من أمرناكم بقتالهم متحقق في هؤلاء المشركين لأنهم يقاتلونكم كافة فقاتلوهم بثمل صنيعهم»[99].

أخيرًا تأتي هذه الآية من سورة التوبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}[100].

لا تتضمن هذه الآية بيان سبب القتال فهي آية مطلقة تقيد بالآيات الأخرى المقيدة، أما قوله: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}، فهي في سياق الإرشاد إلى خطة حربية تطبق عند نشوء القتال المشروع، وذلك بأن يبدأ بقتال العدو الأقرب فالأقرب عند تعدُّد الأعداء، ولا يمكن أن يفهم من الآية أن القائد الحربي المسلم يخطط طريقة لغزو العالم فيبدأ بالأقرب فالأقرب؛ ذلك لأن المراد بكلمة الكفار ونظائرها إذا أطلقت في القتال هم المحاربون المعتدون[101].

من خلال تتبُّعنا لسياق ورود آيات القتال في سورة التوبة، بما فيها آية السيف، نتبيَّن أنه لا توجد أي آية في القرآن تشير إلى أن القتال في الإسلام ابتدائي، وأنه شرع لحمل الناس على الإسلام بإخراجهم من الكفر. بل إن آيات القتال في القرآن –جميعها- تؤكِّد إنما شرع القتال لرفع الظلم وصد العدوان، والدفاع عن الأرض والنفس، وإنقاذ المستضعفين، ونشر السلم والسلام.

إن تتبُّع دلالات آيات القتال الواردة في سورة التوبة بما فيها آية السيف، يبين أنه لا تعارض حاصل بينها وبين الآيات القرآنية الداعية إلى السلم والموادعة والمهادنة والصفح والتسامح مع الآخر المخالف دينيًّا والاعتراف به وبحقه في الاختلاف. وإنما لآيات القتال مقاصد سامية لا علاقة بها بالقتال الابتدائي.

مما يدل دلالة صريحة وقاطعة أن آية السيف ليست عامة وإنما نزلت في خاص من المشركين «كان بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبينهم عهد فنقضوه وظاهروا عليه أعداءه، وقد برئ الله ورسوله منهم، وآذنهم بالحرب إن لم يتوبوا عن كفرهم ويؤمنوا بالله ربًّا ومحمدًا نبيًّا ورسولًا، وهؤلاء المشركون أعداء الإسلام ونبيه ليسوا هم كل المشركين بدليل قوله جل ثناؤه قبل آية السيف: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ}[102]»[103].

بعد هذا كله نستطيع القول بكل طمأنينة أن دعوى النسخ بآية السيف لا تستند إلى دليل واحد قطعي الدلالة، مما يجعلنا نقرّر بكل هدوء أن آيات القرآن الكريم وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ تؤكد أن الكفر في حد ذاته ليس سببًا لمقاتلة أهله.

يقول ابن تيمية: «فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلَّا على نفسه»[104]. أي فلا يقاتل، فالكفر في ذاته ليس سببا في قتل أهله... إذ لا يبيح مجرَّد المخالفة في الدين العداوة والبغضاء، ولا تمنع المخالفة مسالمة المخالفين والتعاون معهم، وبالأحرى تبرر الدخول في الحرب ضد المخالفين في الدين، {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[105].

إن هاتين الآيتين تعتبران قاعدة في تعامل المسلمين مع غيرهم، فالإسلام يرغب في اعتماد السلم لتحقيق أهدافه وغاياته، ويفضل السلام على الحرب متى جنح إليه الأعداء، {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[106].

وأن القتال لا يعدو أن يكون «حالة استثنائية»، لا يصار إليه إلا لأسباب يقتضيها، وكلها أسباب ودواع لا تنطوي على ما يفيد أو يجيز مقاتلة «غير المسلمين» لمجرد بقائهم على غير ديانة الإسلام[107].

رابعًا: أخلاقيات[108] القتال في الإسلام

إذا تعيَّن القتال سبيلًا، وفرض على المسلمين بأحد أسبابه المشروعة، فهل أباح الإسلام للمسلمين نهج سياسة الأرض المحروقة؟ هل «القتال» في الإسلام حرب شاملة مطلقة لا تتقيد بمبادئ الإنسانية؟ بتعبير آخر ما هي خصوصيات «القتال» في الإسلام؟.

لقد وضع الإسلام دستورًا أخلاقيًّا للقتال فأوجب على المسلمين التحلي بالفضيلة والمبادئ الإنسانية في القتال، وبين الأخلاق التي على المسلمين مراعاتها قبل القتال وبعد انتهائه[109]، ووضع من الأحكام ما يؤدِّي إلى تجنب الإيذاء والإضرار، فكان القتال في الإسلام قاصرًا على المقاتلين في الميدان، فلم يبح الإسلام قتال من لا يقاتل كالأطفال والشيوخ والنساء[110]، والرهبان والعمال والفلاحين[111] كما نهى عن الإفساد بقتل الحيوان وقطع الأشجار والثمار وتخريب العمران[112].

كما حرم الإسلام التعذيب، والإسراف في القتل[113]، ونهى عن المثلة ودعا إلى احترام جثث قتلى المشركين[114]. في مقابل ذلك أوجب الإسلام معاملة المهزوم بالعدل والمساواة، كما أوجب حسن معاملة الأسرى[115].

فالقتال في الإسلام ليس حربًا انتقامية، وإنما يستهدف الخير للجميع، وإحقاق الحق ونشر العدل وتوفير المناخ السليم –الذي هو مناخ السلم والسلام- لنشر دعوة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.

ونجد جماع ما أشرنا إليه من أخلاقيات للقتال في الإسلام، في وصايا رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمراء جيشه قبل توجهه لأية معركة، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما)، قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا بعث سرية بعث إلى أميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه، ثم قال: سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدًا»[116].

وبهذا أخذ أصحابه، إذ نجد أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) في وصيته لجيشه يقول: «لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثِّلوا بعدوكم، ولا تقتلوا طفلًا ولا شيخًا، ولا تعقروا نخلًا، ولا تحرقوه، ولا تقلعوا شجرة مثمرة، وسوف تمرُّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له»[117].

مما قدَّمناه من أحكام الإسلام في القتال، يتبيَّن أن الإسلام شرع من الأحكام في حال القتال ما يكفل تجنب الغدر والتعذيب والمثلة والإتلاف، وهو ما يدل على أنه إنما أراد هداية الناس وحسم شرهم لا إبادتهم وسحقهم.

إن تقيد القتال في الإسلام بهذه الضوابط الأخلاقية يجعله حربًا غير مطلقة وغير شاملة، عكس الحرب في العهد القديم التي تأتي على الأخضر واليابس؛ إذ نقرأ في الإصحاح 13 الفقرة 15-16 من سفر التثنية، «فضربًا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرقها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك، فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد»[118]. إنها سياسة الأرض المحروقة التي نجد تجلياتها التطبيقية المعاصرة في حرب الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين.

بهذا يتميَّز القتال في القرآن عن الحرب في العهد القديم، بكونها حربا دفاعية ليست مطلقة؛ وإنما هي مقيدة بحدود الضرورة التي تقدر بقدرها، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[119] بل يغلب القرآن خيار الصبر والاحتساب والعفو عند المقدرة ويأمر أتباعه بذلك في نكران تام للذات وتسامح ملائكي مع الآخر المعتدي {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[120].

كما تتميَّز عن الحرب العادلة[121] كما سمَّاها الغرب في حربه ضد الإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أو لنقل حربه «من أجل الهيمنة على الثروة واستغلال الشعوب والدول، واعتماد نظام رأسمالي متوحش يزيد من ثروة الأغنياء وفقر الفقراء ويعتمد على القوة والحرب في الحرب على العدالة»[122] فكانت من نتائج الحرب العادلة: الموت والخراب والدمار والآلام والمعاناة والإبادة والفوضى وعدم الاستقرار في خرق سافر للشرعية الدولية وحقوق الإنسان.

ففشلت هذه الحرب فشلًا ذريعًا وأتت نتائجها ضدًّا على العدالة والسلام. ليمضي القرآن في طريقه مع الكرامة الإنسانية والأخلاق الفاضلة ويقف موقف الشرف الحازم من كل هذه الحروب التي يخوضها أصحابها «ضد الإنسانية جريا وراء الربح المادي والاستعباد العنصري والتعصب الديني [لتكون] هي الحرب التي تخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، الحرب التي تحمل معها المساواة والعدالة والكرامة لكل كائن بشري على سطح هذه الأرض، وتحققها في عالم الواقع وعالم المثال... تحقّقها للأبيض والأسود... تحققها في صورة واحدة وبأداة واحدة وفي مستوى واحد للجميع... فهي إذن حرب إنسانية لا يقصد فيها إلى التنكيل والتقتيل والتدمير، وما يجوز أن تمسَّ الأبرياء والضعفاء ولا أن تتجاوز غايتها الأولى من إزالة قوى الشر والظلم، أو إخضاعها لتأمن الإنسانية شرَّها، وليست هناك من نية للإبادة أو التشفي أو الاستذلال»[123].

من خلال كل ما سبق وبناء عليه، نستطيع القول: إن علة مشروعية القتال في الإسلام محصورة في «سبيل الله» وكلمة في «سبيل الله» تسع كل القيم السامية التي لا يتأتى معها ظلم أو جور أو تعسُّف أو غدر أو عدوان بغير حق أو تضييع لحرية التدين والاعتقاد، أو حرمان من الحق في الاختلاف.

 

 


 

 



[1] سورة الفرقان، الآيتان 51-52.

[2] سورة العنكبوت، الآية 6.

[3] سورة العنكبوت، الآية 69.

[4] سورة الحج، الآية 78.

[5] سورة المائدة، الآية 35.

[6] سورة الحجرات، الآية 15.

[7] سورة الصف، الآيتان 10- 11.

[8] أخرجه الترمذي، كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، باب ما جاء في فضل من مات مرابطًا، رقم الحديث 1621. وقال: حديث حسن صحيح. وفي حديث فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع: «ألا أخبركم بالمؤمن؟. من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب».

[9] ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، القاهرة: مكتبة الصفا، طبعة 1426هـ/ 2004م، ج3، ص 8.

[10] نفسه، ج3، ص 6.

[11] يوسف القرضاوي، فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، القاهرة: مكتبة وهبة، ط الأولى، 1431هـ/ 2010 م، ج1، ص 68.

[12] سورة الأنفال، الآية 65.

[13] سورة البقرة، الآية 216.

[14] سورة الحديد، الآية 10.

[15] سورة الصف، الآية 4.

[16] سورة التوبة، الآيتان 38-39.

[17] سورة التوبة، الآية 24.

[18] سورة الحج، الآية 93.

[19] سورة البقرة، الآية 193.

[20] سورة البقرة، الآية 251.

[21] فقد خصّ عند الفقهاء شرعًا بأنه: قتال الكفار. وقال بعض الفقهاء: بذل الجهد في قتال الكفار أو البغاة. انظر: القرضاوي، فقه الجهاد، م.س، ج1، ص 67.

[22] نفسه، ج1،ص55.

[23] نفسه، ج1، ص241.

[24] سورة النساء، الآية 76.

[25] متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري، رواه البخاري في كتاب العلم، ومسلم في الإمارة.

[26] انظر: القرضاوي، فقه الجهاد، م.س، ج1، ص 77 وما بعدها، إذ أورد القرضاوي العديد من أقوال وآراء أئمة الجمهور في الموضوع.

[27] سورة النساء، الآية 75.

[28] انظر: يوسف القرضاوي، فقه الجهاد، م.س، ج1، ص 68-69.

[29] وقد استند القائلون بجهاد الطلب، ومن ثم شرعية القتال للناس كافة، من حاربنا، ومن سالمنا، بجملة أدلة من القرآن الكريم، ومن الحديث النبوي، ومن السيرة النبوية، ومن التاريخ، ومن أقوال الفقهاء. ونذكر هذه الأدلة إجمالًا:

* قوله في سورة البقرة: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}الآية 193، وفي سورة الأنفال: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} الآية 39. ومعنى: {لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} في رأيهم: أي: لا يكون شرك.

* آية السيف التي نسخت نحو مائة وأربع عشرة آية أو أكثر من ذلك، وهي توجب قتال الكفار كافة، {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} سورة التوبة، الآية5.

* حديث: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف» أخرجه أحمد في مسنده. وهو يوحي باستخدام القوة في مواجهة الجميع.

* غزوات الرسول كانت مبادأة بالهجوم. كما في فتح مكة، وغزوة تبوك.

* فتوح الخلفاء الراشدين والصحابة –وهم الذين يقتدى بهم فيهتدى- كانت ابتداء وطلبًا.

* إجماع الفقهاء على أن الجهاد فرض كفاية على الأمة، ومعناه: وجوب الغزو لأرض الكفار كل سنة مرة على الأقل.

* علة القتال هي الكفر فهو وحده علة تامة، وإن وجدت علل أو أسباب أخرى، مثل العدوان على الإسلام وأهله، فهي تقوي سبب الكفر.

* فلسفة إخضاع السلطات الطاغية، والأنظمة الظالمة، لنظام الإسلام، وحكم الإسلام، حتى ترى الشعوب الإسلام بأعينها: عملًا وتطبيقًا وأخلاقًا، فتتأثر به وتدخل فيه. انظر: يوسف القرضاوي، فقه الجهاد، م.س،ج1،ص275.

هذا مجمل أدلة القائلين بالجهاد الهجومي، وقد أعفانا يوسف القرضاوي الرد عليها، في كتابه، فقه الجهاد؛ حيث ناقشها وفندها جميعها، بالمنطق العلمي الرصين، وبالأدلة الشرعية الناصعة، المعتمدة على صريح كتاب الله، وعلى صحيح سنة رسول الله. مؤكدًا شرعية القول بجهاد الدفع وقوة استناده إلى مصادر الإسلام وأدلته الأصيلة.

[30] سورة البقرة، الآية 190.

[31] سورة الحج، الآية 39.

[32] سورة النساء، الآية 75.

[33] سورة البقرة، الآية251.

[34] سورة التوبة، الآية 12.

[35] سورة الحج، الآيتان 39-40.

[36] سورة البقرة، الآية 190.

[37] عبد الهادي بوطالب، الإسلام والإرهاب ضمن كتاب، الديانات السماوية وموقفها من العنف، الرباط: منشورات الزمن، ع32، سنة 2002م، ص 102-103.

[38] سورة البقرة، الآية 190.

[39] انظر تفاصيل كل ذلك في:

- ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: سيد بن رجب، مراجعة: مصطفى العدوي، القاهرة: مكتبة الصفا، ط الأولى، 1423هـ/ 2003م.

- ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، م.س.

[40] سورة التوبة، الآية 7.

[41] ابن القيم الجوزية، هداية الحيارى من اليهود والنصارى، مكة المكرمة: مؤسسة مكة للطباعة، ط الأولى، 1396هـ، ج1، ص 12.

[42] سورة البقرة، الآية 190.

[43] أخرجه مالك، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل النساء والوالدان، رقم الحديث 965.

[44] انظر: عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية، جمعها وشرحها وقدم لها: محمد عمارة، مجلة الأزهر، شهر ذي القعدة 1432هـ، ص86 وما بعدها.

[45] سورة التوبة، الآية: 29.

[46] محمد بن إدريس الشافعي، الأم، تحقيق: محمد زهري النجار، بيروت: دار المعرفة، ط الثانية،1393هـ/ 1973م، ج4، ص 161 وما بعدها.

[47] ومقتضى الدليل عندهم قتل كل كافر، سواء كان رجلًا أو امرأة وسواء كان قادرًا على القتال أو عاجزًا عنه، وسواء سالمنا أو حاربنا. لكن شرط العقوبة بالقتل أن يكون بالغًا، فالصبيان لا يقتلون لذلك. أما النساء، فمقتضى الدليل قتلهم، لكن لم يقتلن لأنهن يصرن سبيًا بنفس الاستيلاء عليهن، فلم يقتلن لكونهن مالًا للمسلمين، كما لا تهدم المساكن إذا ملكت. وعلى هذا القول: يقتل الرهبان وغير الرهبان لوجود الكفر وذلك أن الله علق القتل لكونه مشركًا بقوله: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ} فيجب قتل كل مشرك، كما تحرم ذبيحته ومناكحته لمجرد الشرك. الشيخ ابن تيمية، قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله آل حمد، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، ط. الأولى، 1425هـ / 2004م، ص 88. وسياق كلام الشيخ رد هذه الدعوى وإبطالها.

[48] عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: محمود عبدالوهاب، م.س، ج9، ص173.

[49] محمد بن علي الشوكاني، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، تحقيق: قاسم غالب أحمد ومحمود أمين النواوي، بيروت: دارالكتب العلمية، 1405هـ، ج4، ص518-519.

[50] أحمد الرازي الجصاص، أحكام القرآن، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1405هـ، ج3، ص191.

[51] سورة التوبة، الآية 5.

[52] وهو هنا يحكم بأن قوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} منسوخة وليست محكمة. فيخالف من يقول بأنه لا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل. وبه قال مجاهد وطاوس وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وهو ما رجَّحه القرطبي مستدلًا بحديث ابن عباس حيث قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام كلها بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وإن لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلَّا ساعة من نهار فهو حرام حرمه الله إلى يوم القيامة»، أخرجه مسلم في كتاب الحج. انظر: القرطبي أحكام القرآن، القاهرة: دار الحديث، طبعة 1413هـ/ 2002م، ج1، ص721-722.

[53] ابن جرير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: هاني الحاج وعماد زكي البارودي وخيري سعيد، القاهرة: المكتبة التوفيقية، طبعة 2004م، ج 10، ص83.

[54] نفسه، ج 10، ص83.

[55] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، بيروت: دار المعرفة، 1403هـ/1983م، ج2، ص 308-310-331-337.

[56] سورة البقرة، الآية 193.

[57] أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، رقم الحديث 124.

[58] القرطبي، الجامع لأحكام القرآ ن، م.س، ج1، ص723.

[59] سورة التوبة، الآية 29.

[60] أخرجه مالك، كتاب الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس، برقم544.

[61] راجع القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، م.س، ج2، ص452.

[62] عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية، في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية، م.س، ص 94.

[63] نفسه، ص 90.

[64] راجع، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، م.س، ج4، ص17.

[65] سورة البقرة، الآية 109.

[66] سورة الحج، الآيتان، 38-39.

[67] سورة البقرة،الآية 190.

[68] سورة التوبة، الآية 36.

[69] سورة التوبة، الآية 5.

[70] ابن العربي، أحكام القرآن، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، ط الأولى، 1957م، ج1، ص102-109-110.

[71] نفسه، ج1، ص110.

[72] سورة البقرة، الآية 256.

[73] سورة يونس، الآية 99.

[74] سورة الحجر، الآية 85.

[75] سورة فصلت، الآية 34.

[76] سورة التوبة، الآية 5.

[77] انظر: جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، دار الكتاب العربي، طبعة 1425هـ/2004م، ص527.

[78] اقتصرنا على دراسة آيات القتال الواردة في سورة التوبة دون غيرها، لأن سورة براءة هي آخر ما نزل من القرآن بخصوص آيات القتال. وعليه فإذا استطعنا تفنيد دعوى نسخها لآيات المهادنة والموادعة والمسالمة، أعفنا ذلك من دراسة آيات القتال الواردة في سور قرآنية أخرى متقدمة عنها في النزول.

[79] فالسياق يشكل مدخلًا منهاجيًّا رئيسيًّا للوصول إلى دراسة المعنى وتحديد واستخراج قدرات النص على استيعاب الوقائع... بل إن اعتبار السياق أضحى من أبرز وأهم محددات دلالة النص في المجالات التشريعية وغيرها، وقد ساعد اعتماد اعتبار السياق منهجًا أصوليًّا وضابطًا مرجعيًّا، على التخفيف من حدة التنافر الذي يحصل عادة بين اللفظ والمعنى. كما ساعد على تلاقي آفة تحميل النصوص ما لا قبل لها به. انظر: فاطمة بوسلامة، السياق عند الأصوليين: المصطلح والمفهوم، مجلة الإحياء، الرابطة المحمدية للعلماء،الرباط، ع. الخامس والعشرون، جمادى الثانية 1428هـ/ يوليوز 2007م، ص 39.

[80] سورة التوبة، الآيات1 - 15.

[81] سورة التوبة، الآية 5.

[82] سورة التوبة، الآية 4.

[83] سورة التوبة، الآية 7.

[84] سورة التوبة، الآية 8.

[85] سورة التوبة، الآية 9.

[86] سورة التوبة، الآية 10

[87] سورة التوبة، الآية 12

[88] سورة التوبة، الآية 13

[89] سورة التوبة، الآية 11.

[90] انظر:

- محمد سعيد رمضان البوطي، الجهاد في الإسلام، كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟ دمشق: دار الفكر، ط الأولى، 1993م، ص ص56- 98-101.

- مصطفى زيد، النسخ في القرآن الكريم، دراسة تشريعية تاريخية نقدية، المنصورة: دار الوفاء، ط الثالثة، 1408هـ/1987م، ج2، ص6 وما بعدها.

[91] سورة التوبة، الآية 29.

[92] سورة التوبة، الآية 32.

[93] سورة التوبة، الآية 34.

[94] سورة التوبة، الآية42.

[95] انظر:

- محمد سعيد رمضان البوطي، م.س، ص ص 58-60.

- مصطفى زيد، م.س. ج2، ص6 وما بعدها.

- عبد الرحمن حللي، حرية الاعتقاد في القرآن الكريم: دراسة في إشكاليات الردة والجهاد والجزية، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط الأولى، 2001م. وقد اعتمدنا على هذا الكتاب في هذه القضية بشكل كبير جدًّا.

[96] سورة التوبة، الآية 36.

[97] سورة التوبة، الآية 5.

[98] انظر، محمد سعيد رمضان، م.س، ص 59-101-102.

[99] نفسه، ص 95.

[100] سورة التوبة، الآية 123.

[101] انظر: وهبة الزحيلي، آثار الحرب دراسة فقهية مقارنة، دمشق: دار الفكر، ط الرابعة، 1430هـ/ 2009م، ص 225.

[102] سورة التوبة، الآية 4.

[103] مصطفى زيد، م.س، ج2، ص 13.

[104] ابن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، الجزائر: الشركة الجزائرية اللبنانية، ط الأولى، 1427هـ/2006م، ص 103-104.

[105] سورة الممتحنة، الآيتان 8-9.

[106] سورة الأنفال، الآية 61.

[107] وهبة الزحيلي، آثار الحرب، م.س، ص 230.

[108] هل للحرب أخلاق أو مرجعية قيمية؟ هل للحرب مضمون أخلاقي يجعل منها عمل خير وحق، وتارة أخرى إلى جعلها عمل جبار أو حرب عادلة وحرب ظالمة؟. إن الحرب في الإسلام: حرب أخلاقية مثل السياسة والاقتصاد والعلم والعمل فكلها لا تتفضل عن الأخلاق على خلاف النظرة السائدة في الحضارة الغربية، فالأخلاق فيها منفصلة تمامًا عن الحرب انفصالها عن العلم والسياسة والاقتصاد.

[109] انظر: يوسف القرضاوي، فقه الجهاد، م.س،ج2، ص 745.

[110] عن عبد الله أن امرأة وجدت مقتولة في بعض مغازي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، «فأنكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قتل النساء والصبيان» أخرجه البخاري ومسلم، ومما يؤكِّد التزام الصحابة بالنهي عن قتل النساء، حديث عبد الرحمن بن كعب أنه قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان قال: فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكف ولولا ذلك استرحنا منها». أخرجه مالك في الموطأ. 

[111] وقد ألحق بالنساء والشيوخ والصبيان الرهبان، ومن ذلك ما جاء في وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام:» إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له..» أخرجه مالك في الموطأ.

[112] وقد أشارت السنة النبوية إلى ذلك في موضوع القتال في وصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جيش مؤتة، فأمرهم فيما أمرهم به ألَّا يقطعوا شجرًا، ولا يهدموا بناء. ويظهر ذلك أيضًا في وصية أبي بكر (رضي الله عنه)، لقائد جيشه حين بعثه إلى الشام، حيث قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل لا تعصوا، ولا تغلوا، ولا تجبنوا، ولا تهدموا بيعة، ولا تعقروا نخلًا، ولا تحرقوا زرعًا، ولا تحبسوا بهيمة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة» موطأ مالك.

[113] ويدخل في النهي عن التعذيب عدم التعرض للجرحى والفارين من القتال. فلقد أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة مناديه أن ينادي في أصحابه: «ألا لا يجهزن على جريح، ولا يتبعن مدبر، ولا يقتلن أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن» أخرجه مسلم.

[114] لقد كان من سننه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه، لا يسأل عنه مؤمنًا كان أم كافرًا. فقد اعتنى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بجثث القتلى. فكان يأمر بدفن قتلى المشركين حتى يحافظ على الكرامة الإنسانية، ومن ذلك: «دفنه عليه الصلاة والسلام، قتلى بدر في بئر جافة يطلق عليها القليب». أخرجه البخاري.

[115] إن أحكام الشرع الإسلامي في الأسرى تتنوَّع بين المن والفداء والمبادلة، وتتأسَّس هذه الأحكام على قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} سورةمحمد، الآية 4. كما أن الرحمة الإنسانية تطبع المعاملة التي ينبغي أن يحظى بها الأسير في الشرع الإسلامي. فقد ورد الحث على حسن معاملة الأسير وغيره من أهل الحاجة من الناس، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} سورة الإنسان، الآية 8.

[116] أخرجه ابن ماجة، كتاب الجهاد، باب وصية الأحكام، رقم الحديث 2857.

[117] أخرجه مالك، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل النساء والوالدان، رقم الحديث 965.

[118] العهد القديم سفر التثنية، الإصحاح 13، الفقرة 15-16.

[119] سورة النحل، الآية 126.

[120] سورة النحل، الآيتان 126-127.

[121] الحرب العادلة مقولة باتت مستعملة في الفكر السياسي المعاصر من أجل تبرير الحرب ضد الإرهاب، وقد وظفها مثقفون أمريكون في مخاطبتهم للمسلمين بشأن الحرب على المتطرّفين، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. في رسالة بعنوان: من أجل ماذا نحارب؟ رسالة من أمريكا. وهي رسالة مفتوحة نشرها أكاديميون أميريكيون تتعلَّق بالحرب على الإرهاب، ولماذا هي عادلة وضرورية. وقد وقَّعها ستون مثقفًا أمريكيًّا كبيرًا معظمهم من الأساتذة المعروفين وذوي النفوذ في الدراسات الأخلاقية والدين والسياسات العامة، في الجامعات الأمريكية ومراكز البحوث والتفكير بتاريخ 12 فبراير 2002م.

وقد أثارت ردود أفعال كبيرة، بحيث رد على الرسالة: مثقفون سعوديون في رسالة بعنوان: على أي أساس نتعايش؟ وبعض المثقفين العرب والألمان في ردود فردية. انظر: مجلة الاجتهاد، ع54، السنة 14 ربيع العام 2002م/1423هـ.

[122] أنطوان ضو، الحرب العادلة، كتاب الإسلام والمسيحية، بحوث في نظام القيم المعاصر، دار الهادي، ط الأولى، 1424هـ/2003م، ص 198.

[123] سيد قطب، السلام العالمي والإسلام، القاهرة: دار الشروق، ط الرابعة عشرة، 1427هـ/2006م، ص 197.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة