تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

ثورة المعلومات وأفق المستقبل في حوار مع الدكتور المهدي المنجرة

إدريس الكنبوري

الحديث عن المستقبليات يضعنا أمام حيرة بالغة، فلا أعم ولا أشمل من المستقبليات ونحن نعيش في عالم يشهد تسارعاً تاريخياً هائلاً ويخشى مخاوف من جيل جديد: الثورة المعلوماتية وشقيقتها الجينية، التحولات البيئية الهائلة والمفاجئة، تداخل الأحداث الدولية بشكل جعل العالم يعيش في وحدة ممزقة، الأستاذ المهدي المنجرة أبدأ الحوار بسؤال: كيف سيؤرخ المستقبل لحقبتنا هاته؟

أظن أنه سيؤرخها مثلما أرَّخ من قبلنا للحقب التي سبقتهم. ثم إن هذا التقسيم بين الحاضر والماضي والمستقبل مصطنع ولم يبلور الأمور على حقيقتها؛ لأننا دون الماضي وتفهمه لا يمكن أن نتعرف على وضعنا الحاضر، وإذا لم ندرك وضعنا الراهن فكيف يمكننا معرفة إلى أين سنذهب؟! إننا أمام حقيقة الارتباط بين الزمان والمكان. وسبق أن قلت في دراسة مقدَّمة لـ(نادي روما) عن التربية والتعليم: إن الابتكار الحقيقي -وليس الفراغ- هو ما تعنيه الحداثة.

لقد تعرفت -متأخراً- على الحداثة عندما كنت طالباً في أوربا، في حين أن بداياتها تعود إلى عهد الإسلام المبكر، فالإمام الشافعي (ت204هـ) أدرك أن الأسلوب الجديد للشعر تالٍ لفترة الجاهلية ومغايرٌ لها في الأسلوب والقيم التي يحملها؛ لأن الشاعر الإسلامي هو الذي وظف التطور الذي جاء في الدين وقيمه وصاغه في قالب جديد؛ فيما يخص الشعر والأدب والقيادة... إلخ.

إن مفهوم الحداثة محدود، والمهم فيه هو الدينامية والحركة، وللأسف في العالم الثالث الكل يتكلم عن الحداثة ويعني بها الاستقرار، وهذا تناقض؛ لأننا درسنا البيولوجيا وتعلمنا أن الاستقرار يعني الموت، ويمكنني القول وأنا لست عالم دين: إن الاستقرار هو كفر، وكل دين من الأديان جاء بالاجتهاد الذي هو ضد الاستقرار.

إن الإعلام هو الروح التي تسكن جسد الحداثة، وللإعلام جانبان. سياسي وثقافي، والحال أن 70% من المعلومات التي يبثها الإعلام تسيطر عليها جرائد أو وكالات أنباء أو ما يسمى بـ(المونوبول)، إضافة إلى ذلك هناك البحث العلمي الذي يتجه لمواكبة التطور التكنولوجي، في حين أصبح العالم الثالث يعتمد على الغرب في ذلك، ومع الأمركة حتى لا أقول العولمةأسست لنوع جديد من الاستعمار، وعندما تقرأ في الجرائد مثلاً لا تجد أية علامة تشير إلى مصدر الخبر.

? هناك حديث عن النظام العالمي للاتصالات في أفق الإعداد للمؤتمر القادم بجنيف عن مجتمع المعلومات، ماذا تتوقعون لسير هذا المؤتمر ووقعه على المشهد المعلوماتي العربي؟

أنا لا أومن بشيء اسمه مؤتمر يعقد حول كلمة ثم نقول: إن المشكل قد حل ببرنامج عالمي، أحياناً يعتبر هذا الحل اعترافاً ضمنياً بالضعف وبالإفلاس، لأن الأفكار المستوردة تفرض نفسها علينا. إذن هذه المؤتمرات تهدف إلى تغذية الرأي العام بالفراغ، فالعمل الحقيقي هو في المؤتمرات والكليات ومعاهد التواصل، وهذا لا يمنع من تبادل التجارب والمعلومات، ومؤتمرات مثل هاته المهم فيها الوثائق والدراسات المنجزة، أما الباقي فهو سياسي ستتحكم فيه المصالح، ويجب ألَّا ننسى أن القطاع الإعلامي لا يمكن النهوض به بأقل من 20 و 30 مليار دولار أي المدخول القومي لبلد كالمغرب، ونحن لا نتوفر حتى الآن على خطة وطنية.. كيف الحديث إذن عن خطة جهوية أو إقليمية؟

? ماذا عن وعود شبكة الإنترنت بمشاعية المعرفة المستقبلية؟

 إن مفهوم مجتمع المعرفة يعني الثورة على نظام اقتصادي كان يقوم على الصناعة والمواد الخام والتحويل وأهمية الرأسمال، وجاء ريتشارد نايت الذي استخدم المفهوم الأول مرة فحصل تحول على مستوى ميزانية الولايات المتحدة وظهور قطاع بين 76 و 78 Wowtedye Sector تبين أن الرأسمال العادي تدنت مردوديته إلى 1% و2% إلا إذا كان احتكارياً، لكن يجب رؤية ما وراء هذا المجتمع المعرفي من خلال رؤية تقوم على البحث العلمي الحقيقي، أما إشكال الفجوة المعرفية فتعود إلى سيطرة أصحاب الشركات والقرارات السياسية وعامة الشعب، ولهذا فأنا لا أدافع عن مجتمع المعرفة كدعاية أو أيديولوجية، لأن السؤال لا زال مطروحاً فيما يخص المردودية الاجتماعية على مستوى المعيشة. فالله الذي خلق الزمن لم يجعل الدقيقة تشبه التي تليها، وإذا رجعت إلى سؤالك وقد كتبت من مدة وقلت: إن الأزمة في العالم وفي العالم الثالث خاصة، هي عدم وجود رؤية، فهذا الأخير عندما كان مستعمراً كانت له رؤية واضحة، ونفس الشيء لدى عامة الشعب، والكل يفكر في التحرير، الآن بالإضافة إلى عدم وجود الرؤية، فنحن لا ندري أين سنذهب أي ليست هناك رؤية جماعية، وشروطها: المشاركة الجماعية والتضامن في المكان والزمان الذي يعني التوقع، ولا يعني ذلك توقع نفس الشيء فقط، وإنما الحلم الحقيقي المشترك كحلم باندونغ 1954 الذي عشناه. وهذه الأزمة ليست مقتصرة على العالم الإسلامي، وإنما هي أزمة عالمية، ونرى اليوم كيف تتصرف أمريكا كقوة همجية برؤية آنية عسكرية من أجل الهيمنة على العالم، ثم تأتي أزمة الأخلاق حيث لا وجود للحد الأدنى من التعامل، وحل محلها نوع من الانتهازية، ثم عدم الاهتمام بالقيم وبالبحث العلمي والارتشاء.. إذن نحن نعيش قنبلة موقوتة، والآن أنا أستغرب من شيء واحد هو أني أستغرب لمن يستغرب.

?  بعد إلفن توفلر في الولايات المتحدة، كنتم في العالم العربي أول من تحدث عن ثورة المعلومات والموجة الثالثة ترى ما هي آفاق هذه الثورة؟

نعم تعرفت على توفلر في الولايات المتحدة، وكان قد صدر كتابه >صدمة المستقبل< في بداية السبعينات وداخل نادي روما عندما كنت رئيساً لجمعية الدراسات المستقبلية وكان بارزاً مع زوجته، وكان من الذين أعطوا أهمية للمعرفة ببعدها الاقتصادي، وكان له تأثير عليَّ فدرست التواصل وتكلفت بالإعلاميات في ميدان المعرفة، هناك جانب معرفي وجانب اقتصادي اجتماعي، وأول من انتبه إلى أهمية الإعلام هي الحركة الصهيونية سنة 1948، عندما ذهب بن غوريون إلى الولايات المتحدة، والتقى مجموعة من الأثرياء اليهود فقال لهم: أنا لم آت إلى هنا قصد الحصول على أموالكم بل أرجو أن توظفوا أموالكم في شراء محطات الإذاعة والجرائد والاستوديوهات ووكالات الأنباء.

? أود الأستاذ المنجرة أن أسائلكم عن مستقبل هذه المعرفة وطبيعتها في ظل تطور الوسائط المستخدمة لنقلها، وذلك باستخدام الومضة الضوئية التي سيكون لها تأثير على حجم المعلومات المنقولة، ثم هل ستصدق نبوءة فرينو ليوكار عن حرب معلومات مستقبلية؟

انظر إلى الحرب على العراق الآن وقارنها بتلك السابقة، فستجد أن المعلومات الميدانية قد تضاعفت مائة مرة، و 90% منها إعلامي بالمفهوم الاستخباري، وتم توظيف المعلومات في المخابرات لشراء الذمم ولشراء سياسات معينة وزراء ورؤساء دول، وتم تخصيص مليار دلاور ونصف لتغيير موقف كل من كان له موقف عدائي ضد أمريكا، وعلى الأقل هناك 50% من الصحفيين العرب تم شراؤهم من طرف السفارات الأمريكية. وقد وصل الأمر بالبنتاغون أن يبيح الكذب في خدمة السياسة الأمريكية، ويجب ألاَّ ننسى قدرة الإنسان المتوازن والذوق السليم، فبلدان مثل الصين والهند، ستساهم تدريجياً على المدى الطويل في تغيير الوضع لأن الولايات المتحدة استنفذت وسائلها.

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة