تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الرؤية الاسلامية لمشكلة الحضارة .. زكي الميلاد أنموذجاً

احم علال ورشيد بن السني

الرؤية الإسلامية لمشكلة الحضارة..

زكي الميلاد أنموذجا

إعداد: أحمد علال ورشيد بن السني*

* باحثان من الجزائر.

 

 

 

 

- رسالة ماستر في الفلسفة

- جامعة محمد بوضياف، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية قسم الفلسفة، مدينة المسيلة

- إشراف: الأستاذ علي ارفيس

- تاريخ المناقشة: 10 شوال 1439هـ/ 24 يونيو 2018م

 

في ظل التغيّرات التي شهدها العالم خصوصًا بعد مرحلة الحرب الباردة، وما حصل بعدها من تحوّلات سياسية واقتصادية وتقنية وغيرها من مجالات أخرى، برزت نظريات وأطروحات متعدّدة ومختلفة، في محاولة منها بأن تضع الصورة المثلى التي ينبغي أن تكون عليها العلاقة بين الحضارات.

ولعل من أبرز هذه الأطروحات التي أثارت جدلًا واسعًا، تلك الدعوة التي نادى بها الأمريكي صامويل هنتنغتون، والتي أسماها «صدام الحضارات»، فهي دعوة ترمي في جوهرها إلى أن يسود العالم حضارة واحدة مهيمنة في التاريخ الحضاري للإنسانية، كونها تكرس التبعية الحضارية بسعيها إلى صهر الحضارات الإنسانية المختلة في قالب الحضارة الغربية.

لم يقف الأمر عند هذه الدعوة التصادمية فقط، فقد برزت دعوة أخرى ناقدة لها، وهي دعوة غربية في مرحلة، وإسلامية في مرحلة أخرى، تدعو إلى الحوار بين الحضارات كنهج بديل عن التصادم، والتي أراد منها صاحبها المفكر الفرنسي روجيه غارودي تجسيد مشروع كوني يعيد الأمل للإنسانية، إلَّا أن هذه المقولة على جماليتها لم تتخلّص -على ما يبدو- من تلك الخصوصية الغربية.

وفي خضم هذه الدعوات حاول المفكّر السعودي زكي الميلاد التصدي لهذا الحقل الحضاري، في محاولة منه لإبراز ما فيها من ثغرات وما انطوت عليه من مغالطات، ليقدّم مساهمة فكرية تجلّت في جملة دراسات، تكلّلت بطرح جديد جاء معبّرًا عن رؤية إسلامية جديدة لمستقبل العلاقة بين الحضارات، تحدّد في أطروحة أسماها «تعارف الحضارات».

حاول الأستاذ الميلاد من وراء هذه الأطروحة، إيجاد مخرج تتجسد فيه قيم التقارب والتسامح، وتجاوز عقيدة الصدام والصراع، وتكريس احترام الخصوصيات الحضارية، انطلاقًا من روح الحضارة الإسلامية، ومن هنا جاءت نظرية تعارف الحضارات المستنبطة من القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

لقد انفرد زكي الميلاد بطرح إسلامي جدير بالدراسة والتحليل والاهتمام، وهو ما نحاول القيام به في بحثنا هذا الموسوم بعنوان: «الرؤية الإسلامية لمشكلة الحضارة.. زكي الميلاد أنموذجًا»، وغرضنا من هذه الدراسة توضيح نظرية زكي الميلاد الحضارية انطلاقًا من الإشكالية التالية: هل تمتلك مقولة تعارف الحضارات الخصائص والمؤهلات التي تؤهّلها بأن تكون بديلًا فعليًّا عن مقولتي الصدام والحوار؟

وتتفرع إشكاليتنا إلى أسئلة أخرى منها: ما هي الخلفية التي قامت عليها نظرية تعارف الحضارات؟ وما هي التحديات والصعوبات التي تعترض تحقيقها في الواقع الفعلي؟ وإذا كان الصراع هو منطق الأقوياء وأحد أهم دعائم المنظومة الغربية فهل يتاح لهذه النظرية أن تُحقّق ما تهدف إليه؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية بهذه التفريعات، ارتأينا تقسيم بحثنا وفق خطة منهجية محدّدة، تكوّنت في أطرها العامة من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.

في المقدمة وضعنا مدخلًا لدراسة مشكلة الحضارة التي باتت تشغل الفكر الفلسفي المعاصر بشكل كبير، وتطرقنا إلى إشكالية هذا البحث، ثم بحثنا أسباب ودواعي اختيار الموضوع، وأشرنا إلى الدراسات التي سبقتنا في دراسة نظرية تعارف الحضارات، وألمحنا إلى أهم الصعوبات التي واجهتنا في إنجاز البحث.

الفصل الأول حمل عنوان: «مدخل لمشكلة الحضارة»، تناولنا فيه ثلاثة مباحث هي: المبحث الأول جاء بعنوان: «مفهوم الحضارة» عرفنا فيه الحضارة من الجانب اللغوي والاصطلاحي، وجاء المبحث الثاني بعنوان: «مشكلة الحضارة في الفكر العربي»، والمبحث الثالث جاء بعنوان: «مشكلة الحضارة في الفكر الغربي» وذلك من خلال تقديم نماذج تناولت الفكر الحضاري في الفكرين العربي والغربي.

أما الفصل الثاني فقد حمل عنوان: «الرؤية المستقبلية للعلاقة بين الحضارات من مبدأ الصدام والحوار إلى مبدأ التعارف»، ويندرج ضمنه ثلاثة مباحث هي: المبحث الأول جاء بعنوان: «هنتنغتون وصدام الحضارات»، وجاء المبحث الثاني بعنوان: «حوار الحضارات.. الفكرة والمشروع»، عرضنا فيهما الأفكار المتعلقة بالمقولتين، وصولًا إلى المبحث الثالث والذي جاء بعنوان: «تعارف الحضارات كبديل»، تناولنا فيه نقد الميلاد لمقولتي صدام الحضارات وحوار الحضارات، وما طرحه من مقولة جديدة في مقابلهما وهي تعارف الحضارات.

أما الفصل الثالث فكان فصلًا خاصًّا بنظرية تعارف الحضارات عند المفكر زكي الميلاد، وضمَّ هذا الفصل ثلاثة مباحث هي: المبحث الأول جاء بعنوان: «مفهوم تعارف الحضارات ومقوماته»، تطرق لتعريف فكرة تعارف الحضارات والأسس التي قامت عليها هذه النظرية وخلفياتها الدينية. وجاء المبحث الثاني بعنوان: «شمولية الرؤية في نظرية التعارف وأبعادها الإنسانية»، تطرق إلى المرامي الإنسانية والحضارية في نظرية تعارف الحضارات. أما المبحث الثالث فجاء بعنوان: «تعارف الحضارات.. رؤية وواقع»، تطرق إلى واقع هذه النظرية وعلاقتها بالأنساق المعرفية الأخرى المشابه لها كنظرية التواصل عند المفكر الألماني يورغن هابرماس، مع الإشارة لأهم التحديات والصعوبات التي تواجه تحقيق نظرية تعارف الحضارات في الواقع الفعلي.

أما الخاتمة فتم فيها عرض لأهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، وذلك في سياق الإجابة عن الإشكالية الرئيسة المعالجة في هذا البحث.

منهج البحث

تحدد منهج البحث المعتمد تبعًا لطبيعة الموضوع المعالج، ومن هذا المنطلق فقد اعتمدنا إجمالًا على المنهج التحليلي لتوضيح الخلفيات الفكرية التي ساهمت في بروز نظرية تعارف الحضارات، وذلك من خلال تحليل جملة من المفاهيم بغية معرفة ما هو مركب لتتضح أجزاء هذا المركب وعناصره الأساسية حتى يتاح لنا معرفة جميع أبعاده، ولمعرفة شبكة المفاهيم الرئيسة في مشروع زكي الميلاد.

وبالإضافة إلى ذلك اعتمدنا المنهج التاريخي من خلال تقصّي نشأة فكرتي الصدام بين الحضارات الحوار بين الحضارات، واستعملنا كذلك المنهج المقارن لإيضاح التمايز بين النظرية التواصلية عند هابرماس، ونظرية التعارف عند زكي الميلاد.

أهمية الموضوع

إن موضوع العلاقة بين الحضارات من القضايا الحساسة والمعقدة، التي يتداخل فيها الجانب العقائدي مع الجانب حضاري، ويعدّ من القضايا الراهنة التي ما تزال تثير نقاشات واسعة في الأوساط الفكرية والدينية على الصعيدين الغربي والعربي، والتي لم يتم الفصل فيها بشكل نهائي.

كما أن فكرة تعارف الحضارات تعدّ بحثًا مهمًّا، فهي تمثّل رؤية جديدة للموضوعات السائدة في العصر الحديث، كونها تدور حول الحضارة بنية وشكلًا ومستقبلًا، وقد لاقت اهتمام المفكرين والباحثين نقدًا وتحليلًا، بالإضافة لكونها تعبّر عن رؤية إسلامية منهجًا ومضمونًا باعتبارها المستنبطة من القرآن الكريم.

أهداف الدراسة

على ضوء ما طرح من أفكار وتحليل فقد تبلورت أهداف الدراسة وتحددت في الآتي:

1- إضافة هذه الدراسة إلى مجال البحوث الأكاديمية، كي تسهم في إثراء جانب من الجوانب القيمة المتعلقة بالفلسفة عمومًا وبمجال فلسفة الحضارة خصوصًا.

2- تحقيق قراءة علمية حول مسيرة زكي الميلاد الفكرية، والعمل على تنظيم أفكاره المتعلّقة بمجال المسألة الحضارية حتى يتبين وجه تمييزها عن غيرها.

3- الكشف عن مدى مراعاة الطرح الإسلامي للخصوصيات الثقافية لدى الحضارات الأخرى، في إطار الدعوة للتعارف الحضاري ذي الخلفية الدينية المستنبطة من القرآن الكريم، لتحقيق مستقبل ذي وجه إنساني عالمي، عبر نشر الوعي بقيم التعارف لترميم التصدع الذي أصاب العلاقات الحضارية.

4- التأكيد على إمكانية تحقيق التعايش السلمي دون نزاع في ظل التنوع والتعدد الثقافي لتعميم تبادل المنافع والإبداعات، لأن الإبداع ليس حكرًا على أمة دون أخرى، ولأن الحضارة هي ثمرة نتاج بشري مشترك.

أسباب اختيار الموضوع

عن اختيار الموضوع هناك دواع وأسباب بعضها ذاتية وبعضها موضوعية، من الأسباب الذاتية:

1- الرغبة في استكشاف الفكر العربي.

2- الرغبة في تجاوز البحوث الكلاسيكية إن صح التعبير نحو التجديد.

ومن الأسباب الموضوعية:

1- الرغبة في تجاوز ثنائية الصدام والحوار، والحد من تراكم السجال الفكري حولهما، للانتقال إلى رؤية ثالثة مغايرة تجنّبًا لسلبيات الصدام، وتعزيزًا لإيجابيات الحوار، عبر قيم التعارف الذي يعدّ موضوعًا قائمًا على النظرة الإسلامية، وباعتباره مستمدًا من القرآن الكريم، وبما أن القرآن الكريم يتّسم بشمولية الرؤية فهو لا يميز فئة دون الأخرى، إذ يمتاز بطابع الإنسانية التي لم تحققها النظريات السابقة.

2- فضلًا عن ذلك ما تزخر به أقطارنا العربية من نماذج فكرية فذة جديرة بالدراسة أمثال المفكر زكي الميلاد.

المصادر والمراجع

أما عن المصادر والمراجع التي اعتمدناها في هذا البحث، فقد تم توظيف أغلب مؤلفات زكي الميلاد وفي مقدمتها: كتاب «تعارف الحضارات»، وكتاب «المسألة الحضارية..»..، بالإضافة إلى بعض المراجع الأخرى التي تخدم الموضوع، أهمها كتاب: «التغيير الحضاري وتنمية المجتمع» لمؤلفه محي الدين صابر، وكتاب «حوارات من أجل المستقبل» لمؤلفه الدكتور طه عبدالرحمن.

الدراسات السابقة

من أهم الدراسات السابقة التي تعرفنا عليها حول الموضوع، منها الدراستان الآتيتان:

الدراسة الأولى: رسالة ماجستير في فلسفة الحضارة بعنوان: «إشكالية مستقبل العلاقة بين الحضارات.. زكي الميلاد نموذجًا» من إعداد الباحثة شبلي هجيرة، إشراف: الدكتور عمراني عبد المجيد، جامعة الحاج لخضر، كلية العلوم الإنسانية شعبة الفلسفة، عالجت هذه الدراسة إشكالية العلاقة بين الحضارات القضية التي اختلفت المواقف على وضع تصور واقعي يرصد طبيعة هذه العلاقة في أعقاب جملة التغيرات التي شهدها العالم برمته في نهاية القرن العشرين، نوقشت الدراسة بتاريخ 19 يونيو 2013م.

الدراسة الثانية: رسالة ماستر في فلسفة الحضارة بعنوان: «البعد الإنساني لفكرة تعارف الحضارات عند المفكر زكي الميلاد»، من إعداد الطالبتين: سمية غريب وحنان بن صغير، إشراف: الدكتور قويدري الأخضر، جامعة عمار ثلجي بالأغواط، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، شعبة الفلسفة تخصص فلسفة الحضارة، نوقشت بتاريخ 3 يونيو 2015م، فقد بيّنت الدراسة أن لفكرة تعارف الحضارات بُعدًا إنسانيًّا يهدف إلى حماية حقوق الشعوب واحترامها وحفظ كرامتها.

ونحن بدورنا نحاول من وراء هذه الدراسة تكملة الجهود العلمية السابقة، لفتح آفاق مجال البحث حول نظرية التعارف للاستفادة منها. ونطمح لإيضاح القيمة الفكرية والحضارية لهذه النظرية في ظل تضافر مختلف النخب الفكرية لوضع الآليات التي يفتقر إليها التعارف حتى يتسنى لنا تفعيله والانتقال به من حيز التنظير الفكري إلى حيز التطبيق العملي.

صعوبات الدراسة

لا شك أن محاولة البحث في مثل هذا الموضوع لا تخلو من الصعوبات، لا سيما وأن الموضوع يندرج ضمن القضايا الجديدة والمتجددة باستمرار، والذي بات يطرح نفسه بقوة، وكذلك بحكم حداثة النموذج الفكري الذي يمثله زكي الميلاد.

ويمكن حصر هذه الصعوبات بشكل أساسي في غياب الدراسات السابقة والكتب المتخصصة حول زكي الميلاد ونظرية التعارف بين الحضارات، باستثناء بعض البحوث والمقالات المنشورة على الإنترنت، والتي تكرّر المضامين تقريبًا نفسها.

ولكن لم يمنعنا هذا من الاتصال عبر البريد الإلكتروني مع المفكر زكي الميلاد والتواصل معه، فلم يبخل علينا بإرسال كتبه القيمة التي ساعدتنا في إنجاز هذا البحث، وتحديد الموضوع بدقة أكثر، وقدّم لنا الدعم المتواصل في سبيل إنجاز البحث.

إلى أن قدمنا المذكرة على الشكل التي هي عليه، ولا ندّعي من وراء ذلك أننا قد أحطنا إحاطة شاملة بنظرية تعارف الحضارات، لكننا حاولنا قدر الإمكان من الاجتهاد في تقديم بحث يساهم في تسليط الضوء على جانب من جوانب الفكر الفلسفي عمومًا، والمتعلق منه بفلسفة الحضارة الإسلامية خصوصًا.

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة