تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

المفكر المغربي محمد بريش: قطيعتنا مع القرآن أدت إلى ضياع المستقبل!

إدريس الكنبوري

 مفكر مغربي معروف، متخصص في علوم دراسات المستقبل، عضو الجمعية المغربية للدراسات المستقبلية، وعمل سابقاً خبيراً في السوق الأوروبية المشتركة. له دراسات وأبحاث عدة في علوم المستقبل وحوار الثقافات والحضارات. حصل على عدة جوائز دولية في مجال تخصصه. التقيناه وأجرينا معه الحوار الهام التالي:

? بداية، كيف تُعرِّفون علم المستقبليات أو >المستقبلية<؟

المستقبلية هي فن من الفنون، يظن عديد من الناس أنه مجرد التفكير في القادم من الزمن، وما هو الشيء المحتمل أن يظهر فيه. فنبدأ في الحديث عن مستقبل منطقة الخليج مثلاً، ومستقبل العالم الإسلامي، ومستقبل منطقة المغرب العربي. وهذا لا يعدو أن يكون جزءاً من اهتمامات المستقبلية، ولكنه لا يدخل في صميم الفن المستقبلي.

الفن المستقبلي هو أن تحدد أهدافاً وتسعى إلى تحقيقها، وما هي الاحتمالات التي تحول دون الإنجاز أو تساعد في الإنجاز. فالذي يحمل الهم المستقبلي لديه مشروع تغيير، أما الجالس القابع يفكر خلف الآفاق فهذا يريد أن يتنبأ بالغيب، وهو الشيء المستحيل. إذن مسألة المستقبلية ليست أن تعرف ما في الغد، المستقبلية هي أن تخطط بشكل جيد للغد، ولهذا نجد أن الإسلام يتجانس مع المستقبلية، لأننا قوم مأمورون بالإعداد للغد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(1)، فالتقوى مطلوبة في البداية والنهاية. إنك تريد أن تنجز شيئاً فتتقي بعض المزالق والمهالك التي تؤدي إليه. قد يقول بعض الناس: إن المراد هنا هو العالم الأخروي، وأن الغد المشار إليه في هذه الآية هو الغد الأخروي، هذا شيء أكيد، لكن الغد الأخروي كنتيجة وكحصيلة ينظر إليه، فأنت حينما تنظر إلى الغد القادم كمقدمة للآخرة بأن يكون غدك على نهج مستقيم تكون قد حققت مقصداً، وهو أن تكون عند الله من المحسنين، وبناء على ذلك يتحدد ما ستفعله غداً. كذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات، والدول الكبرى هي التي تعرف فن المستقبليات؛ لأنها أولاً تحدد الأهداف ثم تسير على ضوئها، حتى عندما تريد أن تسيء فهي تحدد الجريمة أولاً ثم تبحث عن المجرم المنفذ، ولهذا كثير من أدبياتها تكون مفزعة ثم يتطبع معها الناس، ثم يصبحون يدافعون عنها كأنها شيء مألوف من فلسفات الإنسانية، مع أن عدداً من القضايا في الاستراتيجيا المعاصرة مبنية على العنف وعلى القمع والإيمان أو التسليم بسلطة الآخر. فحينما نتكلم عن المستقبلية كفن فهذا معناه: أن لديك مشروع تغيير تريده أن يتحقق.

? ما هو الفرق بين فن المستقبلية وعلم المستقبلية، هل هو فرق في التسمية فقط؟

هي علوم المستقبل إذا ما أضيفت إلى علوم أخرى، لأنها كأداة من الأدوات لا تعتبر علماً بحد ذاتها إلا أن يراد من العلم فناً يدرس؛ لأن العلم ينبغي أن يحمل في طياته ما يُمَكِّنه من إضفاء كلمة العلم عليه، إذا تعلق الأمر بجدلية الانطلاق من مسببات ثم الوصول إلى نتائج.

فلا يمكن أن نقارنها مثلاً بعلم الفقه، لكن حينما أصبحت الرياضيات علماً والفيزياء علماً وأصبح يُسلم بذلك أصبحت الدراسات المستقبلية كذلك علماً، هذه كلها أدوات وفنون تُكتسب ولكنها تبقى دائماً أدوات تُفعَّل في الواقع لكي تعطي أُكُلها. أنا أتحاشى دائماً أن أشير إلى علم المستقبل؛ لأن كلمة علم تعني الإحاطة، ولا يمكن الإحاطة بالمستقبل، حتى علم التاريخ حين تشير إليه فأنت تشير إلى نظريات في التعامل مع التاريخ ونظريات استيعابه، لكن لا يمكن أن تعرف الماضي بشكل يمكنك من الإحاطة به؛ لأن عديداً من وقائعه غائب، ولهذا فالدراسات المستقبلية لا تفيد فقط في القادم من الزمن بل تفيد كذلك في السالف من الأزمان، فأنت مثلاً حينما تضع نفسك في بداية القرن الهجري الأول أو أواسطه وتنظر إلى الإمام مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام الشاطبي أو أحمد بن حنبل أو أي علم من الأعلام في الإسلام وتتصور عدم وجوده فسترى ماذا ينمحي من الآثار وما ينبغي على الأمة أن تستدرك في حال غيابه، فالمستقبلية تفيد كمنهج في كل هذا. الكثيرون يظنون أنها تتعلق فقط بالقادم من الزمن بأن نجلس ونتوقع ماذا سيقع في أمريكا، وما هي المخططات التي ستقع، إذا لم يكن لديك مشروع:

فدع المكارم لا تذهب لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

 

ولكن الطعام والكساء هنا يعني أنه سيتم التخطيط لك وأن آخرين هم الذين سيحددون >مستقبلك<.

? ما هو دور المستقبلية في التحديات الحضارية الراهنة المطروحة علينا كمسلمين وكأمة؟

أولاً نحن مطروح علينا كأمة إسلامية أن نخطط لغدنا، ما رأيت مهتماً بالمستقبلية يشتغل في جهاز للتخطيط لا يتجاوز أمره بعض التقنيات المحدودة. نحن نتكلم عن التخطيط المستقبلي كتنظير فلسفي، فأنا أنظر إلى الدرس المستقبلي بمفهومه الواسع، أي رجل الدراسة الباحث الدارس الذي يستطيع أن يستخلص من خلال ما يلاحظه بعض الآفاق وبعض الحدس الذي أوتي ككل فنان؛ له من أدوات المنهج حظ وله من الفقه حظ ومن اللغة حظ ومن الفلسفة حظ ومن الأدب حظ. وأنا أرى أن الدراسات المستقبلية لواقعنا المعاصر تفيد الذين يريدون أن يُعمِلوا التغيير، وتفيد خاصة الذين لهم يد في المساهمة في القرار أو في منع التغيير مثلاً، فالساحة تَدَافُع.

? من هذه الزاوية، هل تعتقدون أن المستقبلية يمكن أن تفيدنا في الإقلاع الحضاري والنهضة المنشودة واستدراك التأخر الحاصل؟

نعم هي تفيدنا في الإقلاع الحضاري على أساس أنها تدفعنا إلى الإيمان، فحينما تقرأ القرآن الكريم: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}(2)، فهذا درس مستقبلي كبير جداً، يعني: لا تفقدوا الأمل في الله عز وجل. فالذي له هذا الإيمان لا يمكن إلاّ أن يخطط لغده، لا يهمه أن يكون في قعر البئر من حيث الحضارة، ولا في القعر من حيث الانحطاط، لكن له ذلك الأمل في أن يسترجع القوة ويتجاوز الوضع الذي هو عليه، أما الذي هو فعلاً يُسَلِّم؛ يُسَلِّم بالأمر لأنه ليس بيده شيء فهذا لا يمكن أن يصنع المستقبل. إذن الدراسات المستقبلية إذا ما نحن آمنا بها استطعنا أن نحقق العديد من الأشياء، أولاً هي تفيد من حيث تشخيص ومعرفة العوامل الفاعلة في الساحة؛ لأن العديد من العوامل تتحرك في الساحة، لكن الفاعل منها شيء والظرفي العابر منها شيء آخر. ومن الكوارث التي عندنا أننا نهتم بالعوامل الظرفية ونترك العوامل الفاعلة، ونُقيم الدنيا ولا نُقعدها من أجل عامل عابر، وقلَّما نهتم بالعوامل الفاعلة التي قد تهدد الأمة وتضع >المستقبلات< التي لا نريدها وتُراد لنا، وهذا يدخل طبعاً في فقه الأولويات.

العوامل الفاعلة هي التي يهتم بها الدارس المستقبلي، سواء أكانت فاعلة من حيث التأثير السلبي أو من حيث التأثير الإيجابي، ثم هذه العوامل الفاعلة، أي تلك الحاملة أو المبشرة بالمستقبل، قد تكون فاعلة إلى أمد معلوم ولكنها لا تفضي، بل تكون مساندة لمستقبل ما إذا ما أحسن التفاعل معها.

المستقبلية تختص بالجانب المقاولاتي، والجانب الإداري، ونحن نريد دراسات المستقبلية كعامل أولي في التخطيط للمشاريع وإنجازها، سواء كانت مشاريع تقنية أم مشاريع سياسية، نريد للفن المستقبلي أن يفعل فعله كبعد من أبعاد التفاعل الحضاري، كبعد من أبعاد التعامل الدولي والعلاقات الدولية. المستقبلية فكر وثقافة، والناس يجب أن يقتنعوا بأن بإمكانهم التغيير، وأن يؤمنوا بأن الغد لهم، إذا لم يكن لديك هذا الإيمان فلا حاجة لك بالفن المستقبلي، لا يهم أن يتأخر التغيير جيلاً أو جيلين، المهم أن يتحقق. نحن كثيراً ما نتكلم وقليلاً ما نعمل، بسبب غياب الحس المستقبلي هذا، ولهذا كانت المستقبلية مرتبطة بالاستراتيجية، لأنها مرتبطة بفن المعاودة أو فن المراجعة، تُراجع ما قمت به، لكن الأهداف ينبغي أن تكون من النبل بحيث لا تتغير، لكن استراتيجية تحقيق تلك الأهداف يجب أن تتغير، وما جعلنا نحن ننهزم هو أن الآخرين لديهم هذا الحس المستقبلي المبني على الدراسات الاستراتيجية، ويحققون في ذاتك نوعاً من الانهزام النفسي والتسليم بأن الواقع لا يمكن أن يكون إلا على هذه الشاكلة، وأن الغد لا يبشر بخير كبير، إلا أن تُلقي عليه الأماني، لكن المستقبل عندما ينظر إليه؛ ينظر إليه كهدف مراد لكن الآن، وليس >سوف أعمل غداً<، لأن >سوف< ليست من الدراسات المستقبلية في شيء.

طبعاً ستجد أن المتاح أمامك قليل، ولكن كيف تطور هذا القليل ليصبح قليلاً نوعاً ما، إلى أن يصبح أكثر من قليل، إلى أن يصبح كثيراً، فهذا إيجابي جداً، وبطبيعة الحال الآخر لا يدخر جهداً لأن يضغط عليك، لأن هذا نوع من التفاعل لا يرضيه، ولهذا سبق أن قلت في مقابلة أخرى: إن الدارس المستقبلي يحتاج إلى عناصر ثلاثة: مخبر وخبير وصاحب قرار، المخبر معناه الذي يأتيك بالخبر، بالمعلومات، قد يكون المخبر هنا أجهزة تقنية أو إدارة، دوره تشخيص الواقع ومعرفة العوامل الغالبة والعناصر المبشرة بالمستقبل والعناصر المهددة له، وهنا يأتي دور الخبير ودور صاحب القرار. لكن الشورى هنا وتعدد الخبرات أمر ضروري، الشورى في اختيار البدائل، لأن كثيراً من مشكلاتنا نابعة من كوننا لا نعرف اختيار البدائل ولا نتشاور في اختيارها، أما حينما يُراد اتخاذ القرار فهذا ينبغي فيه الحسم والعزم.

? ما العلاقة إذن بين مبدأ الشورى والاستشارة وبين الدراسات المستقبلية؟

الشورى في المبدأ الإسلامي هي طبعاً أوسع من هذا، بطبيعة الحال حينما تأخذ مجموعة من الناس لكي يكونوا هم أهل الحل والعقد كما نقول في فقهنا الإسلامي فهذا نوع من الدراسات المستقبلية لأنه لصيق بها، فالدراسات السياسية والدراسات الاستراتيجية والدراسات المستقبلية أصناف بعضها يصب في بعض.

والدراسات المستقبلية تحتاج إلى تعدد الخبرات وإلى مشورات مع أهل الفن والعارفين بالأمور، وتحتاج إلى >استخبار< المعلومات والتمييز بينها، وإلى عرض بدائل. وعادة ما تكون البدائل ثلاثة: وضع يشابه ما نحن فيه، أو وضع أسوأ مما نحن فيه، أو وضع أحسن مما نحن فيه. ولهذا يسمونها بـ>المستقبلات الممكنة<، وهي عند الدارسين تكون حينما تتوفر الظروف لإخراج مستقبل معين للوجود. مثلاً صناعة الطائرات كانت شيئاً من المستقبلات التي يفكر فيها الإنسان، منذ قديم الزمان وهو يريد الطيران ويقلد الطيور، وتفنن في ذلك، واجتاز العديد من التجارب لكي يحقق ذلك، لكن هذا لم يصبح مستقبلاً ممكناً إلا حينما بدأت تتحول إلى صناعة، ولهذا لا ينبغي أن تكون المستقبلات عبارة عن أماني أو مستحيلات، بل تكون مقرونة بالإيمان مصحوباً بالفعل.

? يقال: إن الذي لا يعرف ماضيه عاجز عن التحكم بمستقبله، انطلاقاً من هذه المقولة هل تعتقدون أننا عاجزون عن صناعة مستقبلنا كأمة لأننا اغتربنا عن ماضينا ووضعناه خلفنا؟

ما ينبغي أن نفهمه هو أن الزمن لا ينقسم إلى أجزاء ثلاثة: ماض وحاضر ومستقبل، الزمن هو الحاضر، فأنت تمشي على سكة الزمن، لك ما تملك منها وهو حاضرك، لأن الزمن سكة ممتدة من الماضي البعيد إلى القادم من الأزمان إلى ما شاء الله، لكن وعيك بحركتك يقتضي منك أن تنظر إلى الحركة السالفة وإلى المقاصد التي تصبو إليها، فأنت تنطلق من أصول وتريد أن تحقق مقاصد، ولهذا فالوعي بالزمن وبحركتك الزمنية يحتاج منك إلى فن الاستيعاب، لا ينبغي أن تعيد دائماً تجارب الآخرين، كما أنك في مجال الفيزياء والكيمياء لا تعيد تجارب الآخرين، نحن لا نعود إلى اكتشاف العجلة مثلاً، بل ننطلق من وجود العجلة ونطور إلى ما فوقها، وكذلك في الفنون والعلوم الأخرى. وإذا لم يكن لديك وعي بالتاريخ ووعي بالماضي لا تستطيع فعل شيء، والماضي ليس هو الضروري ولكن وعيك بالماضي هو الضروري، وخاصة الماضي القريب، لأنك لابد أن تبحث عن >الجينات< المولِّدة للمستقبل، وأنت حينما تدرس المستقبل فأنت تدرس مستقبلاً مشهوداً، لأنه سيمتد في الأزمنة القليلة القادمة.

إخراج الأمة الفاعلة، وإخراج الرجال الفاعلين هو الذي توقف في الأمة، وهذا ما أتقنه المستعمر وأتقنه العديد ممن أرادوا أن يبقوا على عروشهم، وهو إخراج رجال التغيير، والأمة ينبغي أن تخرج هؤلاء الذين لهم ذلك الإيمان بأن بإمكانهم التغيير، وقد أخرجنا العديد من هؤلاء في الميدان التجاري وفي غيره، فترى الناس يسعون إلى دنياهم بشكل كبير جداً، واستطاعوا أن يحققوا في ذلك ما لم يحققه آخرون، لكن الأمة ينبغي أن تخرج الذين يحملون هَمَّ تغييرها وتطويرها. وأنا كباحث مستقبلي مسلم أقول: إن قطيعتنا مع القرآن الكريم هي التي أدت إلى هذا؛ لأن القرآن الكريم وحي يصنع المستقبل، والغد يحتل في الإسلام موقعاً كبيراً جداً، حتى عندما يتحدث القرآن عن قصص الأولين فهو يختصرها ولا يعطيك إلا الضروري لبناء الغد، أما ما مضى فتلك أمة قد خلت، ولكنه يعطيك الذكرى لتصوغ مستقبلك، ولك الغد الفسيح؛ لأن الغد إرادة، الغد فسحة، والماضي شيء مضى لا يمكنك أن تغيره، الغد هو الذي بإمكانك أن تغيره. وبإمكانك أن تغير لأن المغير هو الله عز وجل، وعليك أن تعرف كيف تستنجد به، وكيف تخضع لسننه. لكن حينما غابت هذه الفكرة ما نفعنا لا حضور القرآن الكريم ولا حضور السنة النبوية التي بقيت في مجلداتها لغياب هذه النظرة وهي أن بإمكانك أن تغير.

? لديكم مشروع حول >توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة<، ما هي معالم هذا المشروع؟

أولاً معدلات العلمنة ترتفع بشكل كبير، لها مبادئها ولها ثقافتها، فمثلاً هي تركز على ثقافة حقوق الإنسان وثقافة الديمقراطية، وهي لها إيجابيات، لكن أنت ينبغي أن تركز على أن هذه المقولات، بحكم أنك لم تصغها وصيغت في أماكن أخرى، فهي تحمل بذرتها وتربتها الأولى وفيها ما يرفع من معدلات العلمنة، والذي يستفيد منها أكثر هو المعلمن وليس المسلم؛ لأنه لم يصغها كمستقبلات تراد ولكن فرضت عليه. ولهذا أكرر دائماً ذلك المثال وهو أن مثلنا ومثل هذا الفكر أو التعامل مع الغرب كمثل ابن آدم الأول مع الغراب {فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ}(3)، ونحن يبعث الله لنا غراباً دائماً ليرينا كيف نواري سوآتنا، غراب العولمة وغراب الديمقراطية وغراب الحرية وغراب حقوق الإنسان، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}(4) هناك ينتهي درس الغراب ويتوب الله على من تاب، أما ونحن على ما نحن فيه فسيأتي دائماً من يلقننا، فالمسألة أن الأشياء لم تصغها أنت، ودائماً ستتأثر برحمها وبالتربة التي أنجبتها شئت أم أبيت. ولهذا قلت: إن هناك أسلمة في وجه هذه العولمة، وارتفاعاً للأسلمة في الأوساط المعلمنة.

 

الهوامش:

?* كاتب وصحفي من المغرب.

?(1) سورة الحشر، آية: 18 - 19.

(2) سورة آل عمران، الآية 139 - 141.

(3) سورة المائدة، آية: 31.

(4) سورة الأنبياء، آية: 18.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة