شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
العرب والوعي الأنطولوجي
الدكتور رسول محمَّد رسول*
* كاتب وباحث من العراق.
الكتاب: هايدغر والفكر العربي.
المؤلف: مشير عون.
ترجمة: إيلي أنيس نجم.
عدد الصفحات: 190 قطع كبير.
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة.
الطبعة الأولى: 2015م.
في غضون عقود طويلة مرَّ بها القرن الماضي (القرن العشرون)، وتلا ذلك في عقود القرن الجديد اليافعة، بقي التلقّي العربي لفلسفة مارتن هيدغر مدار إشكال في محاولة قول هيدغر عربيًّا عبر ترجمة مصطلحاته ومتونه الفلسفية ودراستها على نحو تأريخي سوى مداخلات تفاعلية أولية، أما محاولة التفاعل العقلي معها، وبما يجعلها ممكنة الاقتبال والتواصل وفق رؤية عربية خلَّاقة، فلم يحدث حتى الآن إلَّا مع كتاب ظهر باللغة الفرنسية عام 2011 بقلم الفيلسوف اللبناني الدكتور مشير باسيل عون، الذي أقدم على خطوة هي الأولى من نوعها بصدد تأصيل فلسفة مارتن هيدغر في الوعي الفلسفي العربي، وهو يطالبه بمزيد من الاقتبال الحقيقي لفلسفة مارتن هيدغر[1]، من دون أن يعدّ مشروعه بشيء سوى أنه محاولة للمقاربة؛ محاولة لفتح طريق جديدة أمام الفلاسفة العرب في قراءة فلسفة الآخر، ومنها فلسفة هيدغر. فما هي رؤية هذا الفيلسوف اللبناني كما تبدّت من كتابه (هايدغر والفكر العربي)، الذي ترجمه إيلي أنيس نجم (لبناني)، ونشره بالدوحة (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) في عام 2015؟.
* * *
كنت أتمنى على الدكتور عون أن يضع كتابه هذا باللغة العربية لطالما كان موضوعه هيدغر والفكر العربي، لكن هذا الخيار يخصُّه ولا نعلم السبب، ربما تخصّصه فرض عليه ذلك، ربما وجد أن الكتابة بالفرنسية عن علاقة بينية تدور رحاها بين فيلسوف ألماني كبير وفكر عربي تتوافر على فسحة من الحرية في التفسير والتأويل وتركيب الأفكار، رغم أني أجد في لغته الفرنسية متسعًا من اقتبال أوروبي على القضية التي يشتغل بها هذا الكتاب الفريد في موضوعه عربيًا حتى الساعة.
- 1 -
منذ بداية الكتاب، يوكّد عون بأن مارتن هيدغر «لم يُثر في العالم العربي على الإطلاق أي شغف عقلي، كما لم يُمارس البتة أي إغواء أيديولوجي»[2]. في وقت يفترض كتابه هذا وجود «فائدة كبيرة للفكر العربي الحالي في أن يُنعم النظر في الإسهام الإيجابي لمشروع هيدغر بغضّ النظر عن توترات هذا الفكر الداخلية»[3]، من دون تحديد دلالة ما يقصده بـ«الشغف العقلي»، فيما إذا كان هو مُساءلة أم استدخال أم استيعاب أم مجرّد اقتبال شكلي؟ لكن مدارات البحث فيه ربما تجيب عن ذلك.
أجد أن الفكر الفلسفي العربي خلال القرن العشرين فعل ذلك كله منذ نهاية ثلاثينات القرن الماضي، ولكن دون العمق وروح المغامرة كما هما لدى تجربة عون؛ فعل ذلك منذ تجربة عبد الرحمن بدوي ورفقاء له من الفلاسفة المصريين لاحقًا، وانتقل ذلك تاليًا إلى المغرب العربي فبقية الحواضر العربية الأخرى كما سيتناوله عون لاحقًا في الفصل الأول من القسم الأول. إلَّا أن كل هؤلاء قرؤوا هيدغر بحسب منظور كل واحد منهم، وما قراءة عون سوى واحدة منها، لكنّها القراءة الأكثر إمعانًا في دروب التواصل المطلوب تفعيلها بشأن فلسفة مارتن هيدغر؛ فهي قراءة لا تقبل بفلسفة هيدغر كليًّا ولا ترفضها كليًّا، إذ يوجد شق أول إيجابي فيها تدعو الفكر العربي إلى تمثيله، وشق سلبي لا بد من إدخاله في خانة النقد، وذلك لا يتمّ مادام الفكر العربي ما زال يخزن معارف غيره دون مُساءلة، ولهذا يتمنّى عون على الفكر العربي أن «يوجّه تقصياته ويصوّبها عوضًا عن أن ينهم بتخزين أكبر عدد من المعارف التقنية والوصفات الفلسفية من دون أي تمييز»[4].
وفي هذا السياق، يعتقد عون أن الدفع العربي نحو مُساءلة هيدغر «ستضمنُ للفكر العربي الحالي حيوية نقدية استثنائية»[5]، كما أن ذلك الدفع سيوفر للعقل العربي نفسه الكيفية التي «يُعيد بها تحديد مكانته، ويؤثر تصورًا جديدًا لدوره»[6]، ما من شأنه إزالة جملة ممَّا علق بفهم العرب للعقل الذي ليس هو «مجرّد أداة معرفية ينتظم بموجبها كامل الواقع الذي تمَّ قياسه»[7]، مثلما أنه «ليس مستودعًا للمقولات التي قُررت مُسبقًا لترسم جوهر الواقع»[8]. بدلًا من ذلك، ومع هيدغر «سنكتشف أن العقل ليس سوى الفكر الذي يُعطى بصفته حيّزًا تنبسط فيه دينامية الوجود التاريخية، تلك التي تُقبل فيها وبها حقيقة الكون[9] إقبالًا لا يعرف الانقطاع، ولا يمكننا التنبؤ بمجراه، وهو أيضًا الإقبال الذي يتم في المجالات المختلفة لتأصله الزمني والعلائقي»[10].
وبذلك، يدعو عون إلى التلازم بين الكينونة والعقل، فإذا كانت الكينونة أو الوجود أو (الكون)، -بحسب ترجمة مصطلح (Sein) من جانب إيلي نجم[11]– إذا كان «يُقال بطرائق شتى فليس من سبب لئلَّا يُقال العقل هو أيضًا بطرائق شتى»[12]، وتلك تعددية العقل المفتوحة على الكون = الكينونة = الوجود؛ «فما من ثقافة قادرة بموجب نظامها العقلي على استنفاد غنى الوجود وهو الغنى الذي لا يحدّه حد»[13]. إن هذا التلازم بين الفكر العقلي والفكر الكينوني أو بين فكر العقل وفكر الكينونة أو الوجود أو الكون، وبالجملة التلازم بين العقل والأنطولوجيا، يفتح أفقًا يسعى إليه كتاب (هايدغر والفكر العربي)، وذلك عبر اللجوء إلى الخط الثالث بين خطين؛ الخط الماركسي والخط الوجودي في الفكر العربي انتصارًا للخط الأنطولوجي الذي يُفضي، بقدر ما يتطلَّب، إلى أن نتدرَّب على «مُساءلة الذات في ضوء مسألة الكون، وعلى مُساءلة الكون في ضوء مُساءلة الكون نفسه؛ ففي حركتي المساءلة هذه، ينبغي أن نسمع، على أفضل وجه، رَجْع كلمة العربي من أجل أن نتيح للعالم العربي أن يتقبَّل هيدغر اقتبالًا أصيلًا»[14].
لكي تأخذ هذه المنطلقات طريقها إلى حيثيات ما يجري بشأنها، يُقسِّم المؤلِّف كتابه إلى قسمين؛ في الأول يدرس هيدغر وإشكالية اقتبال العرب لخطابه، أما في الثاني فيدرس الرؤية الهيدغرية للإنسان في وجه الرؤية العربية للإنسان، وفي كلا القسمين فصول ومباحث فيها الجديد المغامر على نحوِ خلَّاق.
- 2 -
على نحو مباشر، يدخل عون إلى صور «اقتبال» العرب لفلسفة هيدغر، وهنا يضع جوهر المشكلة بأن «ما اقتبسه الفكر العربي من أعمال هيدغر، اقتباسًا جزئيًّا ومتقطعًا، لا ينمّ كثيرًا عن قيام هذا الفكر باقتبال هيدغر اقتبالًا كثيفًا مطلقًا»[15]. ويذكر، في هذا السياق، تجارب (عبد الرحمن بدوي) و(يحيى هويدي) فقط، لكنّ عون يبتعد عن أية أرخنة، لأنه بصدد مشكل إبستمولوجي فينومينولوجي أنطولوجي وليس مشكلًا تأريخيًّا يُعيد «طرح إشكالية الاقتبال، ويبيّن الصعوبات العائدة إلى إدراك هذه الإشكالية كما إلى معالجتها»[16]، منطلقًا من رؤية فلسفية إصلاحية «تقترح بعض الإمكانات الخاصّة بمواضيع الاقتبال في إطار مشروع فلسفي يهدف إلى ترميم الفكر العربي وتخصيبه وتجديده من طريق بسط أوجه التقارب والتباعد التي قد تبرز في المجال المشترك لأي تقريب نظري»[17].
وفي ضوء ذلك، يُؤكِّد عون أن الشروط الثقافية الخاصّة بالعالمين العربي والفارسي هي شروط قوامها الاختلاف؛ أكّد ذلك بعد أن تطرّق إلى المقاربة الهيدغرية - الفارسية على يد المفكِّر الإيراني الهيدغري ذائع الصيت (أحمد فرديد)، لكن العبور السريع على هذه التجربة جعل تناولها، من جانب المؤلِّف، تُحاط بالغموض، خصوصًا في ظل تعدّد التأويلات التي حاقت بالفكر الهيدغري، وألمّت بصعوبات هذا الفكر الإبستمولوجية، وهو تعدُّد يتناسب مع تعدُّد الفكر العربي بكل نزاعاته الأيديولوجية واللاهوتية والكلامية، ما جعل «إمكانية انبثاق فكر عربي موحَّد ومتجانس ومتناغم أمرًا محال»[18]. لكن عون، ورغم تعقّد الأمر، يُشخِّص ثلاثة اتجاهات[19] يظهر بموجبها الفكر العربي، هي: الاتجاه الفلسفي التراثي ذو النمط الإسلامي، والاتجاه الفلسفي الحداثي ذو النمط الغربي، والاتجاه الفلسفي التوفيقي الذي يُعبِّر عن استعداد للانفتاح والمرونة، وهو استعداد خاص بالفكر العربي.
إلى هذه الاتجاهات مدَّ عون بصيرته ليستطلع مشروعات المفكِّرين العرب التي خاضت غمار التأويل في قراءتها للتراث العربي، وهنا بدأت ملامح الأثر الهيدغري تينع، ولهذا قال عون: «الواقع أنه بإمكاننا أن نعتبر العودة إلى التراث واعتماد المنهج الفكري التأويلي هما بمثابة الحيزين المفضلين بالنسبة إلى هذا الأثر المحتمل وغير المباشر لهيدغر في الفكر العربي»[20]. والواقع أن مسألة العودة إلى التراث تتعدّى الأسماء المذكورة إلى غيرهم، وهي كثيرة؛ تلك التي توجّهت بتأمّلاتها إلى التراث وتأويله بما يتناسب واقع الحال؛ تتعدّى ذلك إلى أدونيس، وميشيل عفلق، وحسين مروة، وياسين خليل، وطيب تيزيني، وحسام الآلوسي، فضلًا عن الأسماء المذكورة.
وهنا يمكن القول: إن عودة هؤلاء إلى تراثهم العربي والإسلامي تشبه عودة هيدغر ذاته إلى التراث الفلسفي الإغريقي، ومحاولة بعثه منذ محاضرات عام 1923، وربما قبل ذلك، تلك التي توافر فيها هيدغر، بقدر ما وفر، على ممكنات القراءة التأويلية للتراث اليوناني قبل سقراط بوصفه واقعًا غير بعيد عن بعده الأنطولوجي، وهو أمر غير مدروس حتى الآن بنحو مفصَّل، وكنت أتمنى على عون لو تولَّج عوالم ذلك؛ عون الذي برَّر ضعف الاقتبال العربي على هيدغر بأسباب عدة، منها: «هزال الترجمات، وجدة الاصطلاحات الهيدغرية التي تكاد تكون عصية على الفهم، والتجريد المفهومي المفرط فيما يخص الاستدلالات والتحليلات الهيدغرية، وغرابة القضية أو غرابة القصد الرئيس للمشروع الهيدغري بالنسبة إلى الأنظمة الفلسفية الأخرى»[21].
اعتقد أن كلامًا من هذا القبيل فيه إجحاف كبير بحق العقل العربي التأويلي، فمشروع هيدغر الفلسفي واضح المعالم لمن يقرؤه بعناية واقتبال جاد وأصيل، مثلما قرأه الدكتور عون نفسه، كما أن ضميمة مُصطلحات هيدغر ليست عصية على القراءة والفهم والتمثل لكن غياب الجدة في ذلك يؤدّي حتمًا إلى رؤية كهذه، كما أن مفاهيمه لا تتضمَّن ذلك التجريد المفهومي غائر الانفلات من الفهم مقارنة بمفاهيم إيمانويل كانط مثلًا وغيره من الفلاسفة. إن ما يجري هو عدم جدية الفيلسوف العربي في اقتباله على قراءة المتون الفلسفية، على مصاحبة تلك المتون والتعايش معها معرفيًّا ووجوديًّا وأنطولوجيًّا كما يريد ذلك هيدغر نفسه، بل أي فيلسوف آخر. ولعل محاولة الدكتور عون نفسها ستمثّل بداية لفكّ الاشتباك في هذا السياق، كما بدأ ذلك فتحي المسكيني وهو يترجم (الكينونة والزمان)[22]، وكذلك كما بدأت فوزية ضيف الله في كتابها (كلمات نيتشه الأساسية)[23] بفكّ الغموض عن القراءة الهيدغرية لفلسفة نيتشه، وقبلها الجزائري عمارة الناصر بترجمة محاضرات هيدغر[24] لعام 1923، وهي محاولات تمتدّ إلى نهاية أربعينات القرن العشرين مع عبد الرحمن بدوي، وإلى بدايات ترجمة نصوص هيدغر الفلسفية التي ظهرت منذ عام 1963 بالقاهرة على يد الدكتور عثمان أمين وليس إلى عام 1977 كما يؤرّخ لذلك الدكتور عون[25] دونما حصر وقد فلَّ عنه منوهًا، في الوقت نفسه، إلى ضرورة أن يكون هناك مسردًا يفي بغرضه، لكنّه بدا واقعيًّا عندما تنبّه إلى عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم لترجمة متون هيدغر الفلسفية، وهي الاستراتيجية الغائبة نفسها التي يمكن تعميمها على تجارب ترجمة متون الكثير من الفلاسفة غير هيدغر إلى لغة الضاد!
مع ذلك، راح عون يركِّز نظره في خارطة الحضور الهيدغري في العالم العربي، المغاربي منه على نحو خاص، دون الرجوع إلى الوراء، إلى تمثيلات المصريين في هذا الاتجاه، والتي كانت ريادية، فهو يعتقد أن ارتباط المغاربة «ارتباطًا مباشرًا بالثقافة الفرنسية قد سهّل اندفاعهم في هذا المجال»[26]، بينما يعزو للمشارقة تحفّظهم الحذر في التعامل مع المعجم الفلسفي الهيدغري، وتلك مزية رائقة، ويتغافل عن جهود عراقية مثلًا في هذا السبيل، منها أطروحات جامعية ظهرت في بغداد لكريم الجاف وفاتن كاظم مريوش[27]، وله العذر في ذلك بسبب العزلة التي يعيشها البحث الفلسفي العراقي منذ سنوات بسبب الحروب المتألبة على العراق، خصوصًا وهو القائل بأنه «لعل بإمكان إحصاء مستقبلي، مفصَّل وكامل، أن يحدِّد التأثير الفعلي لفكر هيدغر في الوعي الفلسفي العربي المعاصر»[28].
من الاقتبال المباشر إلى عمق التجربتين الفكريتين، العربية والهيدغرية، يذهب بنا عون صوب سمات التفرُّد والتباعد؛ فالفكر العربي هو فكر لاهوتي كلامي تسكنه القضية الإلهية، بينما الفكر الهيدغري أنطولوجي تسكنه أهمية البحث في الوجود والكون والكينونة. ولذلك، وبحماس أصيل، يعتبر هيدغر التاريخ محكومًا بحركية الوجود فهو ينكشف عبر الوجود، بينما الفكر العربي نجده مهمومًا برؤية أخرى لا تراعي الاختلاف الأنطولوجي بقدر ما تسعى إلى توافق مثالي بينهما؛ إذ وبينما يعاني الفكر الهيدغري من «السكون العطوف»[29]، نلاحظ أن الفكر العربي يختفي بطرق من «التعبئة الواعية والعازمة لكل طاقات العالم العربي الذاتية والموضوعية»[30]، وهو ما ينعكس على أصل مرجعية الفكرين؛ فهايدغر يرجع إلى مرحلة ما قبل سقراط، بينما الفكر العربي وجد في المرحلة التالية على سقراط أكثر توافقًا مع اللسان الخاص بها، ما يعني أن الفكرين «يتمثلان الأصل الإغريقي المشترك على نحو مختلف، ويتبنيانه انتقائيًّا، ويوظفانه على التتالي، بحسب الطبيعة الخاصَّة بكل فكر»[31]. أخيرًا، وبينما ينصرف الفكر الهيدغري إلى «إعادة النظر في نسيان الكون، والنقد الراديكالي لمقولات الوعي الذاتي في الأزمنة الحديثة، والتنقيب شبه الأركيولوجي في الأسس الخفية لتاريخ الميتافيزيقا..، يبدو الفكر العربي أقل تورطًا في مشاريع التفكيك المفهومي أو الهدم النقدي، فإنه يميل بالأحرى إلى إيثار استراتيجيات التوفيق والتكييف، وتقنيات التصالح والتناسق، وإجراءات التنظيم، بمقتضى ما يلازم الطبيعة المسالمة لهذا الفكر من تقريب وتأليف»[32].
يتلمّس الدكتور عون طريقًا تعينه على ريادة الفوارق والمشتركات بين الفكرين؛ فكلاهما افتتن بالغرب لكنّهما معًا همَّا بنقد الفكر الغربي، وكلاهما أيضًا يشترك في الاهتمام باللغة واللسان بالتأويل كمخرج لتوليد المعاني، وكذلك يشتركان بمفهوم الأمة بوصفها نقطة الجذب لهما معًا، والماهية المشتركة التي يسعيان إلى إبرازها مع فوارق الاختلافات ذات الخصوصية لهما. ولكن، وإذا كان هذا الجهد المعرفي من قبيل تشخيص سمات التباعد بين البنى ومواضع التقارب بين الموضوعات في الكون الأنطولوجي لكلا الفكرين، فإن عون لا يترك الحبل على الغارب، بل يمضي مجتهدًا في سبيل تشييد إسهامات هيدغرية محتملة في الفكر العربي المعاصر أو قُل: استكشاف إمكانات الاقتبال العربي وفق تواصلية الاقتباس والإضافة عبر توسيع علاقة الانفتاح والاختراق المثمر ضمن أربعة محاور يشتغل بها الفكر العربي، هي: هوية الفكر، وهوية الإنسان، والأمر السياسي، ومسألة الله[33]. ولما كان المشروع الهيدغري يقوم على ثلاثية رئيسة قوامها: 1. التخلي عن السعي الفلسفي الحثيث القائم، في أساسه، على الاحتساب العقلاني والتلاعب المفهومي. 2. الهمّ القاضي بالانفتاح على كامل البُعد الأنطولوجي للواقع. 3. إعمال الفكر من طريق الاستذكار والمساءلة بوصف المساءلة هي تقوى الفكر[34]، فإن عون يعتقد بضرورة أن «يُدعى الفكر العربي، وتبعًا لحركة الاستجواب الهيدغري، إلى العمل بمقتضى موقف ثلاثي يقوم على التقوى والتهيب، وعلى الصبر الواثق، وعلى التبصُّر المتضع»[35].
في ضوء ذلك، نجد أنفسنا بصدد خارطة طريق فلسفية مُشيرية تجمع الفكرين العربي والهيدغري؛ خارطة تُعيد تأسيس علاقة الوعي الفلسفي العربي مع واحدة من أمهات خرائط الوعي الفلسفي الأوروبي؛ فالدكتور عون يعتقد:
1. إن الفكر العربي لا يصير أصيلًا وخلاصيًّا إلَّا بعد أن يكتشف أن بُعدًا ينفتح وراء التجليات المجزأة للواقع التاريخي للإنسان، وهو البُعد الذي لا ينضب، بل يُستجوب بفعل الكثافة الأنطولوجية العصية على أي استرجاع عقلاني.
2. على الفكر العربي، ربما، أن يتدرَّب، من جديد، بأن يتيح للكائنات أن تتأسَّس في التربة المناسبة لانبساطها الأنطولوجي.
3. إعادة وضع البشر، والأشياء، والأغراض، والظاهرات، والواقعات والأحداث والأنشطة والاقتسامات، ليس في فلك تبرير عقلاني نفعي أيديولوجي، بل في تأتٍّ تملُّكي عفوي خاص بالجود الأصلي والمجاني من شأنه جعل الفكر العربي أكثر تيقظًا حيال ظهور مفاجئ لواقعٍ بشري يفيض بالوعود والإمكانات.
4. إن الفكر العربي مدعو إلى ابتعاث أصوله وماضيه وتراثه من أجل أن يستذكرها ويُسائلها ويمتلكها في إجراء يقوم على النقد وإعادة التصديق، وعلى التفكيك وإعادة البناء، وعلى التفتيت وإعادة الدمج، وعلى نزع الملكية وإعادة التوظيف.
5. إن البُعد الاستجوابي هو الذي سيتمكَّن من إرساء الدينامية القادرة على ترميم الفكر العربي الحالي، ومن تنشيطها وتوجيهها[36].
هكذا تمثّل هذه المنعطفات مداخل لتبيئة الفكر الهيدغري في المجال العربي لخلق إنسان يعي مكانته في العالم والزمان والتاريخ وفق رؤية أنثروبولوجية - أنطولوجية يمكن من خلالها اكتساب هوية الإنسان مكانته في العوالم الثلاثة المذكورة، بل وإخضاع منطق السياسية إلى منطق أنطولوجي يقضي بإرجاع البُعد الأنطولوجي إلى الفكر السياسي العربي.
- 3 -
بوازع من رؤيته الأنطولوجية التي يؤمن بها، يعتقد الدكتور عون بأن أنموذجًا فلسفيًّا واحد الاتجاه لا يغني الحاضرة البشرية، بل لا بدَّ من تعدُّد؛ إذ من الممكن أن تكون «كامل التراثات الفلسفية نسبية وتحثُّ مختلف الثقافات البشرية على توافق عقلي أفضل قائم على التقاسم والتعاون. وفي هذا الاتجاه بالضبط، نصوب، هذه المحاولة، التي تقوم على تسهيل إدماج ما اكتسبناه من هيدغر في التركيب الحي العائد إلى الفكر العربي الحالي، من طريق إرساء أسس هذا الاندماج»[37]. ولكن ذلك لا يعني أن بقية النماذج خالية من أي قصور، ولذلك سيعمل المؤلِّف على استكشاف الخلل في المشروع الهيدغري، مندفعًا بفكرة مفادها أن أفضل موقف فلسفي يليق بمهمة العالم العربي العقلية يقوم على امتداح هيدغر وانتقاده»[38].
في هذه الرؤية، يشرع عون، وفي القسم الثاني من الكتاب، بتحليل مكانة الأنثروبولوجيا في المشروع الهيدغري، فهيدغر نأى بنفسه عن استخدام مفردة «الإنسان»، بدلًا من ذلك لجأ إلى تعبير «الموجود الإنساني، من أجل أن يبرز بالضبط أولية مسألة الكون»[39] أو الكينونة أو الوجود، وهو ما يدلُّ على ما ينبغي اختباره قبل كل شيء على أنه حيّز؛ على أنه الحقل العائد إلى حقيقة الكون[40]. ولذلك يصح وصف الأنثروبولوجيا الهيدغرية بأنها «أنثروبولوجيا أنطولوجية»[41]؛ كونها «تهدف إلى إعادة إدراج ما هو بشري في الانبساط الزمني للكون»[42] في زمن أصبح فيه الإنسان متواريًا عن وطنه؛ الكون والوجود والكينونة بوصفها وطن الموجود الإنساني.
في هذا القسم، سيقدم عون تحليلًا فهيمًا لنص هيدغر (رسالة في النزعة الإنسانية) الذي كتبه وطوَّره بين عامي 1946 – 1947، وهو نص حجاجي، بإزاء تصورات النزعة الوجودية لدى جان بول سارتر وموقف هذا الفيلسوف من النزعة الإنسانية، وبإزاء مفهوم الذاتية العقلية والأنا المركزية الديكارتية وبإزاء المعنى الحقيقي للوجودية، كذلك الرد على استفهام (جان بوفريه) المتسائلة عن الكيفية التي يمكن من خلالها أن نضفي على مفردة «النزعة الإنسانية» معانيَ جديدةً، وضرورة خروج الإنسان عن ذاته منخرطًا بوعي الوجود أو الكينونة عبر إدراك الفرق الأنطولوجي بين الموجود والوجود، فهذه الرسالة «ترسم حدود المشروع الهيدغري من جديد من طريق إدراج التفكُّر في إنسانية الإنسان في قلب الأنطولوجيا الأساسية بالذات»[43]؛ أنطولوجيا «تستلهم الإنسان التي غمرها نور الكون»[44] أو نور الكينونة والوجود، تلك الأنطولوجيا البديلة التي دعا إليها هيدغر بعيدًا عن أية تكريسات ميتافيزيقية، تلك التكريسات التي لا تثمن وزنًا لإقامة الإنسان في الكينونة والوجود، والتي طالب هيدغر بتصحيح مسارها عبر نزعة إنسانية مغايرة «تتناول إنسانية الإنسان بالتفكُّر انطلاقًا من مجاورة الكون»[45] أو الكينونة أو الوجود.
تاليًا، ينصرف عون إلى استبصار مأزق الأنثروبولوجية الهيدغرية ونوافذها، مستعرضًا صعوبات النص الهيدغري، المعجمية والشعرية[46]، وهو أول نقد بنيوي أسلوبي عربي بإزاء أنطولوجيا النص الهيدغري يقدمه مفكِّر عربي ليس بعيدًا عن استكشاف هوية الكائن البشري الجديدة التي يريدها هيدغر؛ تلك الهوية التي تعرَّضت إلى نقدٍ حادٍّ أبداه عدد من الفلاسفة الفرنسيين الذين أتى عون على ذكرهم وهو يهمّ بتلمُّس الخطوط العريضة لملامح الإنسان الجديدة عند هيدغر مثل بول ريكور، ولوك فيري، وألان رينو، الذين نقدوا المنحى الشعري والتعمية والحذلقة اللغوية لدى فيلسوف الغابة السوداء.
يبدو لي أن جهدًا فكريًّا لافت البحث بذله عون عندما همَّ بحفرياته المعرفية في أوجه التباعد بين الرؤيتين الأنثروبولوجيتين: العربية - الإسلامية والهيدغرية، رؤيتيهما إلى (الإنسان) وهما في تباعد من حيث الأصل «الله والكون»[47] أو الله والكينونة أو الله والوجود، فراح يبحث منقّبًا في صميم الأساس القرآني للأنثروبولوجيا العربية، وهو أساس من شأنه لا يمنح الإنسان «أي قوام مستقل في ذاته»[48]، فليس «للوجود البشري معنى إلاّ بالقدر الذي يستسلم فيه للتعالي الإلهي، ويخضع لمشيئة الله التي خلقته»[49]، ما يعني أن «الأنثروبولوجيا الإسلامية تعتق الإنسان من مجمل الحتميات التاريخية لتربطه حصرًا بإلهه وخالقه الأوحد»[50]. وبذلك، وبحسب قول عون، فإن «الرؤية العربية الشاملة للإنسان تنتسب إلى هذه الخلفية الدينية حيث تحكم فضائل ثلاث أساسية الموقف الأصلي للإنسان العربي، أعني بها التسليم والوثوق والبر»[51]. ومن هنا نتبيّن بأن «وضعية الإنسان عند هيدغر تُشبه، إلى حدٍّ ما، هذه الحالة الأساسية القائمة على التسليم والاستسلام؛ يسلم راعي الكون بما تقتضيه الحقيقة، ويستسلم إلى الصوت الذي يصدر عنها»[52]، ولذلك «فإن مسؤولية الكائن البشري تعود إلى الكون نفسه بحيث نشتبه بأن كل فعل تقوم به الإرادة البشرية، متعمدةً، هو فعل متواطئ مع إرادة مقتدرة مُنهمَّة بمضاعفة سلطانها على الأشياء والكائنات»[53]. وهذا يعني أن «الأنثروبولوجية الأنطولوجية عند هيدغر تصبُّ في روحانية قائمة على السكينة والترقّب، أضف أن الخلاص الأنطولوجي يتمّ بموجب حكم يقدر للكون/ للكينونة وحده أن يصدره. ينبسط الحيز الذي يتم فيه هذا الخلاص في التاريخانية العائدة إلى الإنسان بما كان خارجًا عن ذاته، أي في الحدود التي ألزم بها التناهي العائد إلى الزمانية»[54]. وفي ضوء ذلك، يتوصَّل عون إلى الآتي:
1. تنظر الأنثروبولوجيا الهيدغرية إلى (الإنسان) من زاوية العلاقة التي تكونه وتربطه بالعالم/ العالمية، وبالزمان/ الزمانية، وبالتاريخ/ التاريخية، وتدرجه في حركة الكون/ الكينونة القائمة على الكر والفر. وتكتنف هذه الأنثروبولوجيا الريبة، وتدفع الموجود الإنساني باتجاه الفسحة العائدة إلى درب لا يفضي به إلى أي مكان، وذلك بموجب تأتي الكون/ الكينونة تأتيًا تملكيًّا ملغزًا، ما يعني أن حالة الحصر البنيوي الملازمة لتركيبة الإنسان الأنطولوجية فيها، والتي تصيب وضعية الموجود الإنساني، تتفاقم إلى حدٍّ بعيد بالنظر إلى الإمكان الفعلي الأوحد الخاص بالتناهي الإنساني، أي الموت.
2. تربط الأنثروبولوجية الدينية الإسلامية (الإنسان) بمشيئة كائن الهي يقيم خارج العالم والزمن والتاريخ، وخارج الكون/ الكينونة في نهاية الأمر، وترتسم قائمةً على الوثوق بحيث تقيم الإنسان في علاقة أمانة وتسليم في حضرة تعالٍ إلهيٍّ هو مصدر ما يُرى وما لا يُرى. وتتجرأ بوصفها الأنثروبولوجيا القائمة على الريبة، لتخترق سرّ التناهي الذي نعاينه في مواجهة الموت أو بالأحرى في حضرة الموت، وبالتالي تقوم هذه السكينة العائدة إلى فعل إيمان يكوّن إنسانية الإنسان بامتصاص حالة القلق الوجودي، حتى تجازف بانفتاح على الأبدية التي ترتسم في ما وراء الموت[55].
مع وضوح هذه الاختلافات التي تبدو صارخة، يعتقد عون بأن غياب التقارب، وحضور العزلة والتباعد، لا ينفي «التلاقي والتواجه والتبادل، لأنه بوسع الغرباء من دون سواهم أن يتلاقوا حقًّا وفي العمق»[56] رغم «الارتباك وعدم المواءمة»[57] بين الاتجاهين، ورغم أنهما «يعبّران عن قُطبين متناقضين؛ حيث الأنثروبولوجيا العربية تقيم الإنسان في محور علاقة شخصانية قائمة على التسليم في حين أن الأنثروبولوجيا الهيدغرية تجعله يدور في فلك الغفل الملغز العائد إلى الحكم الذي يبرمه الكون/ الكينونة، والذي لا نستطيع سبر أغواره»[58].
ما هو مؤسف، أن الدكتور عون، وهو يختم كتابه في نهاية القسم الثاني، يضعنا عند إشكال ما يريده، فهو يتحدَّث عن وحدانية الكون/ الكينونة وتنوُّع الاختبارات، ويمر على ما أسماه بـ«التكثيف التركيبي»[59]. وتاليًا مفهوم «الاختبارات» حتى إنه يعدّ «الكائن البشري نفسه هو الحيز الذي نجري فيه كل الاختبارات والغرض الذي تنعقد حوله كل التنقيبات»[60]. ويعرج على توطين العلاقة مع الآخر، ومن ثم يدعو إلى قيام «جمالية روحانية»[61]، وكل ذلك تكثيف مختزل كنت أتمنى تفصيل القول فيه.
* * *
أخيرًا، في كتابه هذا، أبان الدكتور مشير باسيل عون أكثر ممّا أخفى، وأوضح أكثر ممّا دسّ، وأبدع أكثر ممّا عقم، ليقدِّم لنا ليس مجرَّد كتاب بل مشروع فكري مغامر وجريء في زمن صار استهلاك الفكر فيه عادة وطبع، وصار البحث جناية مخادعة أكثر ممّا هو عمل معرفي دؤوب ومخلص لروح البحث العلمي ورسالة الفكر والفلسفة.
لقد أمضيت ربع قرن من الزمان أتعايش مع نصوص الفكر الهيدغري، العصية والصعبة في بداية أمري معها وأمرها معي، ودرست جملة من المفاهيم الهيدغرية في غير كتاب صدر لي[62] بعد توفّري على ترجمات لأمهات الفكر الهيدغري. وفي خلال رحلتي تلك لم أجد باحثًا عربيًّا، حتى أولئك الذين أتى على ذكرهم عون، في المشرق والمغرب العربي، غامر بفتح أفق الخطاب الهيدغري على الفكر العربي فتحًا تواصليًّا حقيقًا كما هو شأن الدكتور عون، وهي مغامرة معرفية أجدها تمثّل منعطفًا عربيًّا رائق الوجود منذ نهاية أربعينات القرن العشرين حتى تأريخ صدور كتابه موضوع مناقشتنا هنا (هايدغر والفكر العربي) عام 2011 باللغة الفرنسية، وعام 2015 باللغة العربية، وهو كتاب صبّه كاتبه بلغة بحث وتحليل وتركيب تشعّ منها بلاغة القول الفلسفي رزينة الوجود؛ لغة ارتقى بمصافّها مترجم الكتاب إيلي أنيس نجم إلى روح ما يريد قوله الدكتور عون، فطوبى لك أيها الفيلسوف العربي (مُشير باسيل عون) على صنيعك المعرفي والفكري الفريد.
[1] يستعمل المترجم (إيلي أنيس نجم) اسم (مارتن هيدغر) هكذا (هايدغر)، وفي كتابتنا هنا سنفضِّل الرسم (هيدغر) كما هو شأننا في بقية بحوثنا عن مارتن هيدغر.
[2] مشير عون، هايدغر والفكر العربي، ترجمة: إيلي أنيس نجم، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص 15.
[3] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 15.
[4] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 17.
[5] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 19.
[6] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 18.
[7] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 18.
[8] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 19.
[9] يعمد المترجم الأستاذ (إيلي أنيس نجم) إلى ترجمة مصطلح (Sein) الألماني إلى الكون (انظر: ص 10)، بينما آثر غيره ترجمته إلى (الكينونة) وإلى (الوجود)، ونحن ترانا سنحافظ على ترجمة المصطلح كما أراده المترجم في النصوص المقتبسة، بينما في غير ذلك نلجأ إلى الترجمات الأخرى الكينونة أو الوجود التي نفضلها بحسب سياق التحليل.
[10] مشير عون، هايدغر والفكر العربي، ص 19.
[11] مشير عون، المصدر السابق نفسه، انظر: ص 11.
[12] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 18.
[13] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 18.
[14] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 20.
[15] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 23.
[16] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 24.
[17] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 24.
[18] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 27.
[19] انظر: مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 27 – 28.
[20] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 29.
[21] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 31.
[22] صدر عن دار الكتاب الجديد، بيروت، 2012.
[23] صدر عام 2015 عن منشورات ضفاف في بيروت، ودار الأمان في الرباط، ومنشورات الاختلاف في الجزائر، وكلمة للنشر والتوزيع في تونس بعنوان (كلمات نيتشه الأساسية ضمن القراءة الهيدغرية).
[24] مارتن هيدغر، هرمينوطيقا الواقعانية، ترجمة: د. عمارة الناصر، بيروت - بغداد: دار الجمل، 2015.
[25] انظر: مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 32.
[26] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 34. ومنهم: عبد السلام بنعبد العالي، عبد الرزاق الدواي، محمَّد الشيخ، علي الحبيب الفريوي، إبراهيم أحمد، فتحي المسكيني، ومن المشارقة مثلًا: موسى وهبة، علي حرب، إيلي نجم، وهو مترجم الكتاب.
[27] على صعيد البحث الفلسفي الأكاديمي العراقي تأخر الاهتمام بدراسة مارتن هيدغر سوى مقالات وبحوث متناثرة هنا وهناك، (وفي ذلك ريادة أولى) كتبها الدكتور قيس هادي أحمد والدكتور يوسف حبي (1934 - 2010)، ولكن في عام 2000 كان الدكتور كريم الجاف قد تحصَّل على درجة الماجستير في الفلسفة المعاصرة بأطروحة عنوانها (مسألة الوجود في فلسفة مارتن هيدغر)، وفي عام 2007 ناقشت الدكتورة فاتن كاظم مريوش أطروحة ماجستير بعنوان (مفهوم الحقيقة عند مارتن هيدغر)، وبعد سبع سنوات (2014) ناقشت أطروحة دكتوراه عنوانها (التأويل في فلسفة مارتن هيدغر) ليصبح الدكتور الجاف رائدًا للدراسات الجامعية الخاصَّة بفلسفة هيدغر، بينما ستصبح زميلته الدكتورة مريوش المتخصِّصة العراقية الأولى كامرأة في فلسفة هيدغر حتى عُدَّت تلك الأطاريح الثلاث من أولى المساهمات الجامعية العراقية الريادية (على صعيد الأطروحات الأكاديمية) في قراءة تراث هيدغر الفلسفي، تبعها صدور كتابنا: (د. رسول محمَّد رسول: العلامة.. الجسد.. الاختلاف: تأمُّلات في فلسفة مارتن هيدغر، بغداد: دار عدنان، 2015). وهو أول كتاب يصدر في العراق عن فلسفة هيدغر. انظر: (مقالنا: مارتن هيدغر في بغداد: عندما تكون الترجمة تفسيرًا فينومينولوجيًا، الملحق الثقافي - جريدة الصباح، عدد (3421)، بغداد، الأربعاء الموافق 17 حزيران 2015).
[28] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 38.
[29] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 44.
[30] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 45.
[31] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 47.
[32] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 48.
[33] انظر: مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 67.
[34] انظر: مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 67
[35] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 67.
[36] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 65 – 70.
[37] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 88.
[38] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 88.
[39] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 94.
[40] انظر: مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 94، هامش رقم 11.
[41] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 94.
[42] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 94، هامش رقم 10.
[43] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 100.
[44] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 118.
[45] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 116.
[46] انظر: مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 122 - 125، الهوامش رقم: 3 - 14.
[47] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 158.
[48] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 150.
[49] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 151.
[50] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 151.
[51] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 154.
[52] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 156.
[53] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 157.
[54] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 157.
[55] انظر: مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 154 - 159. لقد تصرّفنا في تلخيص ما ورد في هذه الصفحات بغية تحديدها في شقين، شق إسلامي - عربي، وشق هيدغري.
[56] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 159.
[57] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 161.
[58] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 161.
[59] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 161.
[60] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 162.
[61] مشير عون، المصدر السابق نفسه، ص 164.
[62] منها كتابنا: (د. رسول محمَّد رسول: العلامة.. الجسد.. الاختلاف: تأمُّلات في فلسفة مارتن هيدغر، دار عدنان، بغداد، 2015). وكذلك كتابنا: (د. رسول محمد رسول: فلسفة العلامة: من جون سانت توماس إلى جيل دولوز، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2015). ناهيك عن دراسات ومقالات أخرى منشورة في صحف يومية ومجلات دورية، ورقية وإلكترونية، عن فلسفة مارتن هيدغر.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.