شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مؤتمر: دور الجامعات في الوقاية من الإرهاب
الرياض، عقد في 11-12 أبريل 2017م
محمد تهامي دكير
«إنّ التّناول العلمي المُجرد لأيِّ ظاهرة، هو الطّـريقُ الصّحـيح لسَبْرِ أغـوارها، والتّعـامُل معـها..».
د. جعفر عبد السلام
مقدمة: ظاهرةُ الإرهاب، مُفارقاتُ التعريف والمواجهة
مباشرة بعد حادثة بُرجي التجارة في الحادي عشر من سبتمبر 2001م، أصبحت ظاهرة الإرهاب، محلَّ اهتمام العالم بشكل كثيف ومتواصل، مئات الندوات والمؤتمرات والملتقيات نُظِّمت وعُقدت لمناقشة هذه الظاهرة وآثارها السلبية على السلم العالمي، والكشف عن أسبابها وسُبل مواجهتها، و قد شارك في تنظيم هذه الفعاليات الفكرية والسياسية، دول ووزارات مختصة في الشؤون الأمنية، ومراكز بحث وجامعات ومؤسسات حكومية وأهلية عبر العالم، بحيث نستطيع القول: إن ظاهرة الإرهاب، هي الظاهرة التي استحوذت على تفكير النُّخب السياسية والفكرية خلال العقدين الماضين ولا تزال كذلك، والسبب أن حادثة تفجير البُرجين في الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن آخر العمليات الإرهابية التي نُفّذت، وإنما كانت فاتحة لعمليات أخرى في أكثر من دولة، عبر العالم، كما كانت محطة لانتشار الحركات الإرهابية في العراق بعد الغزو الأمريكي له، وانتشار أوسع في معظم الدول العربية، بعد انفجار ثورات ما سُمي بـ«الربيع العربي»!؟
ورغم الجهود الفكرية والبحثية التي بُذلت لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، والكشف عن أسبابها الفكرية والدينية، ومحاولات تقديم الحلول لمعالجتها والقضاء عليها، إلَّا أن أهم ما ميّز هذه الجهود هو التخبط الكبير والسقوط في المُفارقات الغريبة! فعلى سبيل المثال، إلى الآن لم يتم الاتفاق عالميًّا على تعريف مُوحد للإرهاب.
لقد وُضعت العشرات من التعاريف لهذه الظاهرة، من طرف حُكومات ودول ومؤسسات دولية وعالمية، وهذه التعاريف وإن كانت تلتقي في بعض الجوانب، إلَّا أنها تظل مفتوحة على تأويلات مختلفة ومتناقضة، يتم استغلالها سياسيًّا. من طرف البعض، فعلى سبيل المثال، أغلب التعاريف أكدت على أن «أي عملية قتل أو ترويع للمواطنين الأبرياء لأهداف سياسية تُعتبر جريمة إرهابية»، لكن عند الممارسة، نجد أن دُولًا وحكومات تمارس مثل هذه الجرائم، بحُجج ومُبررات شتّى.
هذا بالإضافة إلى المفارقة الأهم، فهناك قوى مُستعمرة تُمارس الإرهاب بشتى أنواعه على شعوب ومجتمعات مستضعفة ومغلوب على أمرها، لكنها تعتبر تصدِّي ومُقاومة هذه الشعوب لاستعمارها وظُلمها إرهابًا..!؟ ويزداد الأمر تعقيدًا ومفارقة، عندما يتم الحديث عن استغلال الإرهاب والحركات الإرهابية، لتحقيق مشاريع استعمارية على المستوى العالمي، ومن طرف القوى السياسية والعسكرية الكبرى، كما هو حاصل اليوم، في العالم العربي، فالقوى الاستعمارية الغربية من جهة، تدّعي محاربة الإرهاب، وفي الوقت نفسه تعترف بأنها وراء «صناعة» بعض الحركات الإرهابية، للاستفادة منها في تحقيق «مشروع الشرق الأوسط الكبير»، الذي يسعى لإعادة تقسيم العالم العربي على أُسس عرقية ودينية وطائفية!؟
هذه المفارقات تجعل ضباب الشك والريبة يزداد كثافة، حول جهود مكافحة ومواجهة الإرهاب، الأمنية منها والفكرية، لهذا فإنّ جهود المفكرين في البحث عن جذور الإرهاب واقتراح الحلول لمعالجته، تُصبح لا معنى لها!!
بل يُمكن اعتبارها جزءًا لا يتجزأ من التضليل الإعلامي، الذي يخدم الأهداف التي من أجلها وُجد هذا الإرهاب، ومن أجلها يُحارب؟!
دور الجامعات في الوقاية من الإرهاب
للتعرف على دور الجامعات وما يمكن أن تقدّمه للوقاية من الظاهرة الإرهابية ومكافحتها جرائمها التي تجتاح العالم والعالم الإسلامي على وجه الخصوص، نظّمت كلية العلوم الاجتماعية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، المُلتقى العلمي: «دور الجامعات في الوقاية من الإرهاب» خلال الفترة ما بين 14-15 رجب 1438هـ الموافق 11-12 أبريل 2017م.
وقد شارك في فعاليات الملتقى عدد من الجهات المختصة بقضايا الأمن الفكري، من أكاديميين وشخصيات أمنية ورؤساء جامعات ومفكرين ومهتمين بقضايا الإرهاب في العالمين العربي والإسلامي.
وقد ناقش الملتقى خلال يومين مجموعة من المحاور، هي: الوقاية من الإرهاب.. المفاهيم والمنطلقات، والمداخل العلمية المختلفة للوقاية من الإرهاب، ودور الجامعات العربية والإسلامية في الوقاية من الإرهاب.
فيما يلي قراءة في عدد من الأوراق التي قدّمت في هذا الملتقى:
المحور الأول: الوقاية من الإرهاب.. المفاهيم والمنطلقات
ومن الأوراق التي قُدِّمت في هذا المحور: «تجربة الجامعة الجزائرية في التصدّي للإرهاب الأعمى»، قدَّمها د. عبد الله بوخلخال (رئيس جامعة الأمير عبد القادر سابقًا – الجزائر)، في البداية أشار الباحث إلى أن معظم الدول العربية والإسلامية قد نالت النصيب الأكبر من الإرهاب، ثم شرع في تعريف الإرهاب وتحديد أسبابه وبواعثه والأضرار الناجمة عنه، فإذا كان الإرهاب حسب تعريف المجمع الفقهي الإسلامي: «هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات، أو دول بغيًا على الإنسان، في دينه، ودمه وعقله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتّصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكافة صور الفساد والإضرار بالأملاك العامة والخاصة»، فإنّ الجامعات –حسب الباحث– ومراكز البحث العلمي المتخصّص هي الجهات التي يمكنها أن تتصدّى للإرهاب، عن طريق الاهتمام بالتكوين العلمي للإنسان، وتقديم الفكر الإسلامي المعتدل والثقافة الإنسانية، وكذلك عن طريق تشجيع البحث العلمي السليم، الذي يُنمّي القدرات، ويساعد على إيجاد تكوين علمي وثقافي لدى شريحه واسعة من أبناء المجتمع، ممّن سيتحمل مسؤولية إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وهذا الدور والعمل ستكون له آثار إيجابية وواقعية في معالجة ظاهرة الإرهاب واقتلاع جذوره الفكرية، وهذا ما قامت به الجامعات الجزائرية منذ أكثر من عشرين سنة وما زالت تقوم به إلى يومنا هذا، كما يقول الباحث.
إنّ الفتنة التي عاشتها الجزائر تركت آثارًا عميقةً في نفوس الجميع، وآلامًا وأحزانًا وتدمير لمقدرات البلاد، كما فكّكت عرى العلاقات الاجتماعية، وقد نالت الجامعات في الجزائر نصيبها كذلك من العنف الذي تعرّض له الكثير من الأساتذة والطلبة الذين رفضوا التطرّف الفكري والعنف والإرهاب. لكن نخبة من العلماء والمثقفين والطلبة رفضت الخضوع والانصياع لهذا الواقع، وعملت على التصدي له برفع شعارات «الصلح خير»، ورفض دعوات الكراهية ونبذ الاختلاف، كما دعت إلى إصلاح ذات البين بين جميع مكونات المجتمع، على تعدّد وتنوّع تفاعلاتها السياسية والفكرية، وتقديم مصلحة المجتمع على غيرها من المصالح، وقد تحوّلت هذه الدعوات إلى ندوات ومؤتمرات وبحوث، كلها كانت تصبّ في محاولات دراسة ظاهرة الإرهاب وأسبابها وكيف نعالجها، وقد تُوّجت هذه النشاطات الجامعية -كما يقول الباحث- باحتضان الجامعة لقانون الرحمة سنة 1995م، وقانون الوئام المدني سنة 1999م، وقانون المصالحة الوطنية سنة 2005م، وقد ساهمت هذه القوانين في استرجاع الجزائر لأمنها واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي.
وانطلاقًا من هذه التجربة دعا الباحث الجامعات العربية والاسلامية لتحمل مسؤوليتها في التصدّي لظاهرة التطرّف الفكري، بتشجيع البحث العلمي الجامعي الذي يدرس هذه الظاهرة ويحلّلها ويقترح الحلول الناجعة لمعالجتها والتصدّي لها، وكذلك وضع برامج تعليمية وقائية تحمي الشباب من الوقوع في براثن ثقافة الإرهاب والتطرّف.
«ظاهرة الإرهاب والعوامل المؤدّية لها»، عنوان الورقة التي قدّمها د. جعفر عبدالسلام (الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية – مصر)، في البداية أشار الباحث إلى أن القرن الحادي والعشرين شهد نشاط الإرهاب من جديد وهو الآن في توسّع، وقد ضرب الإرهاب الكثير من عواصم العالم وكانت له ضحايا بالآلاف من المدنيين، وقد اتّهم الإسلام بأنه يقف وراء هذا الإرهاب، لأنه يشجّع الكراهية والعنف ضد الآخر المخالف الديني.
ثم شرع الباحث بعد ذلك في دراسة الجوانب القانونية لجريمة الإرهاب وأركانها والبواعث عليها والعقوبة المقرّرة لها، وهذا ما تركّز عليه كذلك مناهج كلية الشريعة والقانون. حيث يتمّ دراسة هذه الجريمة بأسلوب علمي يشخّص بدقة أسباب هذه الظاهرة الشاذة، و يقدّم الحلول الكفيلة لمعالجتها. وقد قسّم الباحث ورقته إلى قسمين: القسم الأول، تحدّث فيه عن خصائص جريمة الإرهاب، فيما خصّص القسم الثاني لعرض موقف الإسلام من جرائم الإرهاب.
فمن خصائص جريمة الإرهاب آثارها السلبية على الأبرياء من المدنيين وعالميتها، وأن من يقوم بها هم في سن الشباب، الذين يعتقدون أن ما يقومون به هو ما يُمليه عليهم التزامهم الديني، وهذا ما جعل المحلّلين السياسيين في الغرب يربطون بين الأصولية الإسلامية والإرهاب، كما أشار الباحث إلى أن ما يميّز الإرهاب اليوم، هو صراعه مع الداخل، مع السلطات أو المكونات الدينية والمذهبية التي يختلف معها من يقوم بالعمليات الإرهابية، وهذا تطوّر مهمّ بعد أن كانت العمليات موجهة إلى العدو الإسرائيلي. ويزداد الأمر تعقيدًا والتباسًا عندما تمارس بعض الدول نفسها الإرهاب ضد مواطنيها أو تصف من يقاوم الاستعمار بأنه إرهابي..!؟ وقد أشار الباحث إلى أن الإرهاب قد صار «محور نشاط مخابرات الدول الكبرى والصغرى على السواء..».
أما بخصوص موقف الإسلام من الإرهاب، فقد أكد الباحث أن الفقه الإسلامي لم يستخدم كلمة الإرهاب ولكنه يطلق على جريمة الاعتداء على الأبرياء وتخويفهم وإرعابهم اسم «الحرابة»، وهي من جرائم الحدود المعروفة التي شرّعت لها عقوبات ردعية قاسية، أما تعريف مجمع الفقه الإسلامي بجدة فقد عرّف الإرهاب بأنه «العدوان أو التخويف أو التهديد ماديًّا أو معنويًّا، الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد، على الإنسان: دينه أو نفسه أو عرضه أو ماله بغير حق، وبشتّى صنوف الإفساد في الأرض وصوره..»، وهذا التعريف يشبه إلى حدٍّ كبير مضمون جريمة الحرابة في الفقه الإسلامي، وقد قام الباحث بعقد مقارنة بينهما مؤكدًا تماشي الحرابة مع فكرة الإرهاب بشكل عام.
وفي الأخير، ردّ الباحث على محاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، مؤكدًا أن الإسلام يحرص على التعارف والحوار مع الآخر واحترام كرامة الإنسان، وأن الدعوة يجب أن تكون باللين والرفق والرحمة، والجدال بالتي هي أحسن، وبنبذ جميع أشكال العنف، لذلك فقد فرض أشد العقوبات على جرائم الاعتداء على الأبرياء بالقتل والترويع أو الاعتداء على الممتلكات.
المحور الثاني: المداخل العلمية المختلفة للوقاية من الإرهاب
ومن دراسات هذا المحور: «تجارب الجامعات السودانية في الوقاية من الإرهاب.. جامعة الخرطوم والعلوم والتكنولوجيا نموذجًا» للدكتور عبد الباقي دفع الله أحمد (أمين الشؤون العلمية بجامعة الخرطوم – السودان)، في هذه الورقة حاول الباحث الكشف عن الأسباب التي تدفع طلاب الجامعات السودانية إلى اعتناق الأفكار المتطرفة والشاذة، وتجعلهم ينضمون إلى التنظيمات المتطرفة.. وبعدها استعرض أهم الخطط والبرامج المستخدمة للحدّ من انتشار الإرهاب وسط الجامعة.
ومن أهم ما توصّلت إليه الدراسة بخصوص الأسباب الدافعة إلى تبنِّي الأفكار المتطرّفة، «وجود جهات تعمل بتخطيط مُحكم لاستغلال العاطفة الدينية والسياسية والتهميش الاقتصادي وسط طلاب الجامعات، مستفيدة من المجمعات السكنية للطلاب وسهولة التواصل معهم.
أما التدابير التي قامت بها إدارات الجامعات لخفض مستوى العنف لدى الطلاب، فتمثّل في زيادة الأنشطة اللاصفية لتنفيس الطاقات العدائية لهؤلاء الطلبة، وزيادة فرصة الحوار والتعارف بينهم، وحثّهم للانخراط في التنظير السياسي داخل الحرم الجامعي، وفي هذا المجال دأبت الجامعات على تنظيم الكثير من المؤتمرات والندوات الفكرية التي تعالج وتناقش الكثير من المواضيع المهمة والحساسة، كما شجّعت الطلبة على تكوين الأندية الثقافية والرياضية.. كما قامت وزارة الداخلية برصد الجماعات المتطرّفة التي تعمل على تجنيد الطلبة، والتنسيق مع أولياء أمورهم للوقاية من سقوطهم في براثن هذه الجماعات. كما عملت على معالجة الكثير من الاضطرابات السياسية في بعض المناطق.
وأخيرًا، أشار الباحث إلى أن معالجة الإرهاب تحتاج إلى معالجة شاملة للقضايا المختلفة فيها، وتتعلّق بتقاسم السلطة والثروة وطريقة الحكم على المستوى الداخلي وتحسين العلاقات الخارجية.
«من ملامح تجربة الجامعات السعودية في مواجهة جرائم الإرهاب»، عنوان الورقة التي قدمها في هذا المحور د. صالح بن علي أبو عراد (أستاذ أصول التربية الإسلامية ومدير مركز البحوث التربوي في كلية التربية بجامعة الملك خالد في أبها). قدّمت هذه الورقة مجموعة من الأسئلة وأجابت عنها، وتحدثت عن أبرز الجهود والتجارب الحالية للجامعات السعودية في مواجهة جرائم الإرهاب، كما تحدّثت الورقة عن إنشاء الكراسي العلمية البحثية، وإدارات متخصّصة للأمن الفكري، بالإضافة إلى إقامة الندوات العلمية والمعارض النوعية.
أما بخصوص ملامح وأبعاد القراءة التحليلية لجهود وتجارب الجامعات السعودية في مواجهة جرائم الإرهاب، فقد أشارت الورقة إلى تشابه الكثير من جهود الجامعات السعودية في مواجهة الجرائم الإرهابية، وتماثلها في النوعية والكيفية، وعدم انفتاح الجامعات السعودية على هيئات ومؤسّسات المجتمع المحلي في محيط كل جامعة بالقدر المطلوب، وعدم انفتاح الجامعات السعودية على هيئات ومؤسّسات المجتمع المحلي في محيط كل جامعة بالقدر المطلوب، وعدم وجود خطط مستقبلية لمواجهة الجرائم الإرهابية.
أما الإجابة عن السؤال الثالث الذي طرحته هذه الورقة، وهو: ما هي الأدوار المتوقعة مستقبلًا من الجامعات لخدمة المجتمع؟، فقد دعا الباحث إلى الاهتمام بتنمية الوعي الفكري والثقافي للطاقات البشرية داخل الجامعة، والتوظيف الأمثل لمسار البحث العلمي الجامعي.
وأخيرًا، تحدّث عن الرؤية العلمية المقترحة لتطوير جهود الجامعات السعودية في مواجهة الجرائم الإرهابية، حيث أشار إلى مجموعة من الأبعاد، البعد الفكري والأيديولوجي، أي ضرورة إعداد خريطة مفاهيمية وتحديد المفاهيم والتصوّرات الذهنية الإيجابية والسلبية، وتبنّي استراتيجية واضحة المعالم لتصويب وتصحيح المفاهيم، بالإضافة إلى البعدين التنظيمي والتنفيذي الإجرائي.
«دور الجامعات الأردنية في الوقاية من الإرهاب.. التجربة الأردنية» عنوان الورقة التي قدّمها في هذا المحور كذلك د. محمد محمود أحمد طلافحة (رئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة في جامعة اليرموك – الأردن)، في البداية أشار الباحث إلى أن الجامعات الأردنية وبتوجيه من وزارة التعليم العالمي والبحث العلمي، تقوم بإدخال مادة إجبارية باسم (الإسلام والحياة) تدرس فيها «جملة من المفردات والقضايا المعاصرة تحصّن الطلبة من بذور الفكر الظلامي المنحرف الذي يشكّل الإرهاب»، بالإضافة إلى عقد الندوات وإقامة المحاضرات لطلبة الجامعات لتعريفهم بخطر الإرهاب على الأسرة والمجتمع والأمة جمعاء.
ومن خلال دراسته كشف الباحث عمَّا يُمكن أن يُطلق عليه بالخطة الاستراتيجية المتكاملة، يعني بها الاهتمام بالجامعة والتوجيه العلمي الجامعي بما يخدم سياسة الوقاية من الإرهاب، وتجفيف منابعه الفكرية، خطة تنطلق من التوجيه نحو طلب العلم الشرعي الصحيح، والتشجيع على فتح الحوار والمناقشة لجميع القضايا الحساسة داخل الجامعة، وكذلك العمل على إصلاح التعليم بما يخدم هذه الأهداف، والاهتمام وتشجيع الدعوات التجديدية والطرق العملية والتطبيقية التي تجعل الطلبة فعلًا يستوعبون مدى خطورة ظاهرة الإرهاب، وضرورة الابتعاد عنها، ومن هذه الطرق إعلان عن مسابقة أفضل بحث عن الوقاية من الإرهاب، وإقامة المناظرات لمناقشة بعض القضايا الحساسة التي قد تُساهم في دعم الإرهاب أو الترويج له.
المحور الثالث: دور الجامعات العربية والإسلامية في الوقاية من الإرهاب
ومن الأوراق التي قدّمت في هذا المحور: «دور البحث العلمي في مكافحة الإرهاب والجريمة»، للدكتور أسعد السحمراني (أستاذ العقائد والأديان المقارنة في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية – بيروت). في البداية أكد الباحث أن أي محاولة لتنميط الاجتماعات البشرية والتكوينات المجتمعية، وفق نمط واحد يخالف سنة التنوّع والتعدّد، تُعتبر محاولات عقيمة، وهي من أبرز مسببات الانقسام والتعصّب ومنها ينشأ الإرهاب.
أما ما علاقة هذه المحاولات التنميطية وكذلك البحث العلمي بصناعة الإرهاب، فلأن عددًا من الكُتّاب والباحثين -حسب الباحث– لا ينطلق في عمله البحثي من مشكلات واقعية، وإنما يعمد إلى الغوص في لجج الموروثات الميتة، يُحبّرها قلمه ليملأ الصفحات بها، أو إلى وافدات من الأفكار محقونة بسموم قاتمة، وهي ضد انتمائه ومنظومة أمته القيمية، وبالتالي فهذا النوع من العلم لا فائدة منه وسيتمّ استخدامه لخدمة الأهواء والمشاريع التآمرية على الأمة.
وبعدها استعرض الباحث شروط ومُحدّدات البحث العلمي الجاد والنافع، كما سلّط الضوء على مصطلحات الإرهاب والأصولية.
أما أسس ومقومات البحث العلمي المنشود، فقد حدّدها الباحث في مجموعة من المصطلحات والمفاهيم مثل: الحرية، المأسسة وهجر الشخصانية، الإقرار بالتنوّع وحق الاختلاف، قاعدة قبول الآخر، الشورى وتبادل الخبرات، احترام الاختصاص.
أما كيف يُساهم البحث العلمي في مواجهة الإرهاب، فإنّ ذلك يتمُّ عبر الاستثمار في التربية، ومحاربة الجهل، عن طريق محو الأمية ونشر ثقافة القيم، واحترام الحقوق الأساسية، بوضع الخطط للتنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تحقّق الحياة الكريمة للأفراد، وكذلك تأصيل البحث في مسألة المواطنة والانتماء، وأن يعمل الباحثون على مخالطة الناس، وهجر الأبراج العاجية، والوقوف على آراء الناس وما يعانونه من مشاكل، لأن عددًا كبيرًا من الحركات الإرهابية إنما ظهرت كردّ فعل على الظلم والفقر وغياب الديموقراطية والشورى وضياع الحقوق.
«دور الجامعات في التصدي للإرهاب»، عنوان الورقة التي قدّمها د. مصطفى البشير (الأمين العام المساعد لاتحاد الجامعات العربية)، في البداية أكد الباحث على أن التصدي للإرهاب هو عمل شاق وصعب في ظل انتشار وتنامي هذه الظاهرة، وأن التصدّي يحتاج إلى جهود كافة مؤسّسات المجتمع والدولة، وعلى رأسها الجامعات التي يمكن أن تُساهم في دراسة هذ الظاهرة بشكل علمي، واقتراح الحلول للمعالجة والتصدي.
أما ما تحتاجه الجامعات للقيام بهذا الدور، فهو -حسب الباحث- يكمن في «استخدام المفاهيم الأساسية الراسخة للبحث العلمي الجاد، وعلى رأسها حرية التفكير، وحرية البحث العلمي، وحرية النقاش الأكاديمي البنّاء حول هذه الظاهرة ودراستها وتحليل أبعادها، خصوصًا أن عددًا من المتورطين في الأعمال الإرهابية أو المنتسبين إلى الجماعات الإرهابية هم من خريجي الجامعات كذلك».
وبالنسبة للباحث، فإنّ أول ما نحتاجه لفهم هذه الظاهرة والتعرّف على أسبابها هو تعريفها علميًّا دقيقًا، كما أشار إلى التداعيات السلبية التي تركتها نظرية صراع الحضارات والثقافات التي روّج لها الإعلام الغربي، وكذلك الآثار السلبية لاستعمار بعض الدول العربية والإسلامية من طرف الغرب، بالإضافة إلى ردود الفعل تجاه القهر والاستبداد والقمع الذي تعيشه الشعوب وغياب الحريات والشفافية وسيادة القانون.
وهذه القضايا التي يُمكن أن تكون من أسباب ظاهرة الإرهاب، يمكن معالجتها –في نظر الباحث- عن طريق فتح الحوار بين الحاكم والمحكوم، بأسلوب عصري، وهنا يمكن للجامعات أن تقوم بدور الإشراف على هذا الحوار وتشجيعه.
وفي الأخير، أكد الباحث على ضرورة فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، ليتمكّن العقل الإسلامي من مناقشة جميع القضايا والمشكلات التي تعاني منها الأمة، بعلمية وموضوعية، تُمكن من اجتراح الحلول الواقعية.
المحور الرابع: تجارب الجامعات العربية والإسلامية في الوقاية من الإرهاب
ومن الأوراق التي قدّمت في هذا المحور: «دور الجامعات والكليات الأهلية السعودية في نشر الفكر المعتدل.. الواقع والتطلعات»، وقد قدمها د. عبد الرحمن بن سليمان الشلاش (أستاذ مساعد بكلية العلوم الإدارية والإنسانية – كليات عنيزة الأهلية).
في البداية أشار الباحث إلى أهمية الجامعات ودورها في تحصين الطلبة وفئات الشباب ضد الغلو والتطرّف، والتشجيع على الالتزام بمنهج الاعتدال، لكن -في نظره- مواجهة الفكر المتطرّف لا يمكن أن تتمّ بالطرق التقليدية، أو اللجوء إلى الأساليب الدفاعية، وإنما يتطلّب الأمر تطبيق استراتيجيات طويلة المدى تكون جزءًا أساسيًّا من خطط الجامعات عمومًا والجامعات الأهلية على وجه الخصوص.
وقد حاول الباحث تقديم رؤية متكاملة لمواجهة الإرهاب عن طريق تسليط الضوء على مفاهيم الفكر المعتدل، وكيفية نشره، مع الكشف عن خصائص وصفات المتطرفين، كما تحدّث عن واقع ودور الجامعات السعودية في نشر الفكر المعتدل وتعزيز الأمن الفكري.
ومن وسائل نشر الفكر المعتدل -في نظره- التركيز على دور الفاعلين الإسلاميين في جميع المؤسسات، فهم الأقدر على مواجهة ظاهرة التكفير ونشر الكراهية للمخالفين، على أن يتجاوز دورهم ساحات المساجد والجامعات ليشمل ساحات المجتمع كافة.
أما بالنسبة للجامعات فقد دعا الباحث إلى ضرورة تطوير المناهج والمقررات لجعلها «تُغذي الفكر السليم، وتُعزّز من القيم الاجتماعية الإيجابية، وتسمو بتعليم الدين السمح، وتُبعد عن مواطن الشبهات، وتوضح حرمة إزهاق الأرواح بغير حق. .إلخ».
وفي الأخير، خلصت الدراسة إلى أن الفكر الضال، لا يتمّ مواجهته إلَّا بفكر أقوى وأعمق وأشمل، يرتكز على قيم الوسطية والاعتدال، مع العمل على حجب القنوات الإعلامية التي تُغذي التطرّف والتشدّد، وإصلاح المناهج التعليمية وتقديم مقرّرات أكثر اعتدالًا، وخالية من كل ما يشجّع على التشدّد أو الغلو والتطرّف.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.