شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
الحضارات بين الحوار والتصادم والتعارف
وهران (الجزائر)، عقدت في 26 يونيو 2013م
الدكتور صايم عبد الحكيم*
* جامعة وهران، الجزائر.
نظم مشروع البحث (قيم السلم في الفلسفة المعاصرة)، المعتمد في برامج البحث الوطنية وبمساهمة مخبر (التراث والفكر المعاصر) بقسم الفلسفة، جامعة وهران يوم 26 يونيو 2013 ندوة بعنوان: «الحضارات بين الحوار والتصادم والتعارف»، شارك فيها مجموعة من الأساتذة والباحثين الجزائريين لمناقشة ثقافة السلم باعتبارها مسألة حضارية، البعض يناصرها باسم الحوار والتعايش والتثاقف، والبعض الآخر يعارضها بحجة التناحر والانغلاق الفكري، ومنهم من حاول تجاوز هذا التجاذب بالتعارف باعتباره أساس العلاقات الانسانية.
لقد كان هاجس المفكر منذ الأكاديمية واللقيون، إلى بيت الحكمة، إلى حلقات التفلسف الحديثة والمعاصرة مثل فيينا وفرانكفورت ونادي الميتافيزيقيين، هو اقتراح مخططات حضارية تهتم بالمجتمع والجنس البشري والإنسانية كافة، وحتى لا يصبح الفكر غريباً عن العالم، وتتحوّل الفلسفة إلى علم يستخلص النتائج التي وصلت إليها العلوم الطبيعية والعلوم التاريخية فقط، فمن واجب المشتغل بالفكر عموماً والفلسفة خصوصاً التفكير في مشكلة الحضارة لأن قوة الفكر أو الفلسفة تقاس بقدرتهما أو عجزهما أن يتحوّلا إلى فلسفة حيّة للإنسان.
* جلسة: حوار الحضارات
ترأس جلسة «حوار الحضارات» الأستاذ الدكتور عبد اللاوي محمد من جامعة وهران، موضحاً حيوية الموضوع الذي انتقل من دعوة فكرية إلى مؤسسات بحث وطنية ودولية، ليحيل الكلمة للدكتور قوعيش جمال الدين من جامعة الجزائر (2)، الذي تحدث عن «الحوار العربي - الغربي»، معتبراً أنّ الاعتراف بالحقائق الوجودية والقيم الموضوعية لكلا الطرفين يشكل باباً مهمًّا في نجاح جهود الحوار؛ لأن الإنسانية كافة غير مجزأة أصلاً، وحسب قوله: «فالتواصل الإنساني بين الطرفين يستوجب نجاحه أكثر من محض الاشتراك في لغة يفهمها الطرفان، التواصل الناجح يحتاج إلى معارف مشتركة، حول رؤية كل طرف للعالم، وحول القيم التي يتبناها كل طرف، وحول موقف كل طرف من الطرف الآخر، والتواصل لا يتناقض مع استمرار الاختلاف، وعدم الوصول لاتفاق في كل القضايا».
فالجهود التي بذلت في مسار الحوار بين الغرب والشرق لازالت متواصلة وحثيثة، وقد وجد البعض من الناشطين في هذه الحوارات في الثقافة معلماً بارزاً بين أدوات التوصل، وخلق مناخ ملائم لمواجهة أزمات الإنسان المعاصر، وأزمة العلاقة بين الشرق والغرب، وعلى حدّ قول السيد محمد خاتمي الرئيس الإيراني السابق: «إن الثقافة قادرة على أن تصلح ما تفسده السياسة»، في حين ينتصر السيد عمر موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية أكثر من ذلك إذ يقول: «إن خلاصة ما أعتقده واقترحه هو أن الأمور المتعلقة بالعلاقة بين الحضارات، وبصفة محورية العلاقة بين الغرب والإسلام، قد تداخلت عناصرها إلى درجة خطيرة، ولم تصبح مجرد مشكلة ثقافية أو حضارية فحسب، وإنما أصبحت مشكلة سياسية وأمنية أيضاً، وتشكل تهديداً حقيقيًّا للسلام والأمن الدوليين».
ثم تناول الكلمة الأستاذ دحماني الحاج من جامعة معسكر، ليشرح مشروع حوار الحضارات من خلال ورقة عنوانها: «غارودي وحوار الشرق والغرب»، شارحاً هذا الحوار من خلال فكرتي المساواة والاعتبار، أولاً: أن يكون الحوار من كلا الطرفين، بمعنى على الغرب أن يغيّر من منحى سياسته التي تتصف بالهيمنة والاحتكار، وعلى الغرب ذاته تقع مسؤولية إعادة الاعتبار للقيم الشرقية عموماً والإسلامية على وجه الخصوص والتي تم تشويهها، وفي المقابل «على الشرق أن يتخطى دور المتلقي السلبي». فليس من الطبيعي أن يجري الحوار بين قوي وضعيف، فالتكافؤ والمساواة في دائرة الحوار هما الطريقة المناسبة لبناء مقومات التفاهم مع الآخر، بحيث يفهم كل طرف غيره وينفتح على آرائه وأفكاره، فيتمكن من إزالة الأحكام المسبقة والأفكار غير الصحيحة.
وثانياً: الاحترام المتبادل، فالاحترام المتبادل عنصر أساسي في حوار الحضارات، فبه يتم الانتباه إلى القيم المشتركة بوصفها العنصر الجامع بين البشر. فالاختلاف سنة كونية وضرورة إنسانية، وعلى الغرب أن يعي «أن هذا الاختلاف هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد». فالحوار القائم على هذا العنصر سيتغلب على المعوقات والصعوبات التي تحول دون قيام التفاهم الدولي.
أما الأستاذة حفيان مليكة من جامعة سيدي بعباس، فقد وقفت عند «دور الفلسفة في الحضارة عند الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز» لأنه منذ البداية يجب أن ندرك حسب قولها: تمام الإدراك أن من دلالات الحرية أو نشاطها الفعلي يظهر في الاختلاف (différence)حيث أن الآخر (l’autre) يختلف عني وأنا بدوري أختلف عنه، ولسنا نتشابه أو نتماثل، ففي التشابه والمماثلة نكران للهوية وتجسيد للميوعة.
وهذا هو الموضوع الهام الذي بحث فيه جيل دولوز (GillesDeleuze) بعمق وتمثلت جدته في التفكير حيث أراد بناء ما هو جديد، والمجيء بفكر مختلف مبدع له صلة بالراهنية (actualité) ويتجلى هذا من خلال طريقته الخاصة في التفكير، إذ لا يبحث عن الأصول والماهيات والمبادئ والغايات والكليات... إلخ، وإنما يركز اهتمامه على الأحداث (événements) والفرادات في صيرورة، لذلك صدق من قال عنه: «إنه عند دولوز يغدو الفكر رحلة غير مستقرة».
وبالفعل لا يستقر الفكر لديه وإنما يتواصل في الترحال (nomaderie) من فيلسوف لآخر، من فلاسفة الفعل (lesphilosophesdel’action) كسبينوزا ونيتشه وبرغسون إلى أدباء الفعل، أدباء الرفض والتمرد (lesécrivainsrévoltés) مثل كافكا (Kafka)، لاورنس(Lawrence)، كرواك (Kerouak).
إن قضايا مثل: الحرية، الاختلاف،التربية،الحضارة،الاعتراف... إلخ هي قضايا الراهن عالجها دولوز وفق منهجه النومادولوجي (méthodenomadologique). فهو لا يتساءل حول الـ«أنا» «leje» بالمعنى الديكارتي، بل يتساءل حول الـ«نحن» «lenous» بالمعنى النيتشوي، وهذا هو سؤال الراهن: ما الذي نحن بصدد أن نصير عليه؟
بينما الباحث مزرعي سمير من جامعة تلمسان، فقد بحث في مداخلته «الحضارة عند ول ديورانت»، مذكراً بأنّ في طرحه للحضارة لم يجعل لها مركزاً معيّناً في منطقة ما أو صقع معيّن أو فترة زمنية دون أخرى، فيمكن للوهلة الأولى أن نستشفّ من خلال تعبيراته، عندما يقسّم كتابه إلى عدّة مضامين، كلّ مضمون يتناول فيه تراث حضارة معيّنة، إذ إنّه بدأ بحضارات الشّرق وانتقل إلى تاريخ الحضارات الأخرى، فهو بذلك لا يفرّق بين تاريخ حضارة وأخرى، ولم يُخرج أي حضارة من دائرة الحضارة السّابقة لها، فينسب كلّ واحدة منها إلى تراث الحضارة السّابقة لها، بحيث يستعمل مصطلح «تراثنا الشّرقي، تراثها الكلاسيكي، تراثنا الوسيط، تراثنا الأوروبي، تراثنا الحديث».
في حين تناول الباحث كحلي محمد من جامعة وهران، موضوع «الحضارة عند ألبرت شفيستير» موضحاً أن الحضارة أساسها أخلاقي، لكن الوضع الاقتصادي ساعد على تحويل الإنسان من إنسان تملكه مشاعر أخلاقية حضارية إلى فرد في مجموع فقد إنسانيته، وضاع في معتقدات جماعية بلا معاني أصيلة.
ثم تحدث الباحث العيد معروفي من جامعة معسكر، عن «الحوار والحضارة عند المفكر الإيراني شيغان داريوش»، مثيراً التساؤلات التالية: ما موقف داريوش شيغان من الحضارات التقليدية؟ وهل انهارت هاته الحضارات التقليدية في مواجهة التحدي الغربي؟ وما طبيعة هذا التحدي؟ وما هي أسباب هذا الغياب والانهيار الفكري؟ وما هي أفاق التحاور بينهما؟
* جلسة: صدام الحضارات
بعد فترة نقاش واستراحة قصيرة، استمرت أشغال الندوة برئاسة الدكتورة بوسيف ليلى من جامعة وهران للجلسة الثانية، وعنوانها: (صدام الحضارات) الذي يستغل لتبرير سلوكيات غير حضارية حسب المتحدثين، وأحالت الكلمة للأستاذ بن يمينة محمد كريم من جامعة سعيدة، ليتحدث عن: «اللغة والحضارة، بين سلطة النص وعنف الخطاب»، لأن اللغة حسب قول الباحث: تخضع لسلطة الحضارة، مثلما تستسلم الحضارة لعنف اللغة، فعلاقة اللغة بالحضارة تتجاوز الحقول الدلائلية المعتادة عند الألسنيين والسيميائيين، وتتعداها إلى تلك الروابط التواصلية والاجتماعية التي تجمع بين بني البشر، وتؤسس لأناسة تقوم على تبيين سلوك الأفراد وتقاليد المجتمعات، فلا يمكن حصر اللغة في وظائفها أو نحوها أو بلاغيتها، فاللغة كائن يكبر مع الإنسان، ويتفاعل معه في كل كلياته وجزئياته.
وسقوط حضارة ما أو استمرارها يحدث نتيجة تفاعل الناس مع لغتهم، فالحوار بين الشعوب يكون باللغة، وكذلك التعارف والتعاون بين الناس، وحتى الصدام والصراع يحصلان نتيجة سوء تقدير أو استخدام لسلطة اللغة وعنفها، كما أنّ للحضارة وثائقها ونصوصها، وخطاباته، وكتاباتها التي تنقل بحرص أو خيانة كل تجليات المعنى ومستويات الوعي، بدءاً من علاقة الفكر باللغة، ووصولاً إلى العلم والإبداع والآداب والفنون، ومختلف التعبيرات التي تبدأ من تعابير الوجه وحركات الجسم، وتنتهي عند أنساق العلوم وأدوات المعرفة، فاللغة بذلك قياس لكل قول إنساني وإرادة فعلية تمد الحضارة بالأصالة والمعاصرة، وتجنبها الانهيار والأفول والاستلاب.
ثم تناول الباحث محمد علي زيدي من جامعة وهران، الكلمة ليشرح «آليات الصراع عند بييربورديو وجان بودريار»، وهذين في نظر الباحث يمثلان نموذجين يجمعان بين المعرفة السوسيولوجية والفلسفية، الكشف عن تلك الآليات المعقدة التي تنتج صراعاً أصبح جزءاً من الواقع ومن اليومي، نتلقاه من خلال ذلك «العنف الرمزي» الذي أصبحت تمرره «الصورة» و«اللغة» و«الإعلام»، وعبر كل «الفضاء المؤسساتي» الذي أصبح الحاضن «الرسمي» و«الشرعي» لسلوك الهيمنة. هذا الواقع الذي يجعل من مطلب الحوار وهما، إن لم يكن مستحيلاً.
ومن ثم قدم الباحث زنفور قدور من جامعة وهران، ورقة بعنوان: «قراءة في صدام الحضارات»، موضحاً بأن هذه النظرية أخذت شهرتها تتجلى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990 وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى أولى ووحيدة في العالم، فالصراع بين الدول والجماعات دائماً ما يتولد نتيجة الرغبة في السيطرة على شيء ما كالناس، الأرض، الثروة، القوة، أو القدرة على فرض الرأي والثقافة الخاصة بدولة أو شخص ما على جماعة أو دولة أخرى. وأشار إلى مفهوم الحرب الحضارية الأولى للمفكر المغربي المهدي المنجرة، ومفهوم قطيعة الحضارات عند المفكر البريطاني برنار لويس ثم إلى صدام الحضارات عند المفكر الأمريكي صموئيل هنتنغتون الذي رأى بأن دعاوى العالمية أو الإنسانية التي يطرحها الغرب تضعه بشكل متزايد في صراع مع الحضارات الأخرى، وبشكل أكثر خطورة مع الإسلام والصين. وتوقف عند أولوية السياسة على الحضارة عند هذا المفكر وعند الردود الصينية والإسلامية على هذه الأطروحة التي تستند على مغالطات في ذكر تاريخ الحروب والنزاعات بين الدول.
ثم تناولت الكلمة الباحثة طاب رحال عباسية من جامعة وهران، لتتحدث عن «قلق الحضارة عند عالم النفس فرويد» الذي وضع قيمة الحضارة بصفتها مصدرا للسعادة موضع تشكيك، فهو يشير إلى مأزقها في ظل الشمولية والتوتاليتارية التي بلغت أوجها في فترة الحربين العالميتين، أي بعد صعود النازية وما حل بألمانيا في تلك الفترة من خراب مادي ومعنوي. وأكدت على ازدواجية معايير لدى النموذج الحضاري الغربي، لأن العقل المنتج لقيم الحق والمساواة والقانون هو نفسه صانع أدوات الإبادة الجماعيّة للشعوب وللأمم: عار فرنسا في الجزائر، عار فرنسا وأمريكا في الفيتنام وعار أمريكا في اليابان...
أما الباحث بن ترار عبد القادر من جامعة وهران، فتحدث عن «الحضارة عند الفيلسوف الألماني شبينغلر» من خلال كتابه (تدهور الحضارة الغربية) الذي عبر عن رسالة البؤس والحزن والتشاؤم للفرد الغربي، الذي طالما استهوته فكرة تقدم الإنسانية نحو السعادة التامة والازدهار المتكامل، وقد طرح مجموعة من الأسئلة:
ما مفهوم الحضارة عند شبنغلر؟ وما علاقتها بالمدنية والدولة ؟ وهل الحضارة إنتاج الجميع أم النخبة؟ هل يمكن اعتبار الحضارات الإنسانية كائنات عضوية تنمو وتنضج ثم تضمحل؟ وهل الحضارة مهما كانت قوّتها كائن عضوي محكوم عليها بالزوال؟
بينما الباحثة عشاب نادية اختارت موضوع «نهاية التاريخ عند فوكومايا» لتبين بأن الصيرورة التاريخية تجعل الأحداث تقوم على الصراع، لأن التطور نحو الليبرالية ليس مسألة حتمية بدليل التفاوت الحضاري بين الشعوب والأمم.
أما الأستاذة لغرس جميلة من جامعة معسكر، فقد قدمت ورقة بعنوان «قراءة في التدافع الحضاري» لأن جوهر الحضارة حسب الأنثروبولوجي إدوارد سابير يكمن في تفاعلات بين أفراد معينين وأن كل فرد هو ممثل لحضارته، وهذا المفهوم القرآني هو صيرورة دائمة وحيوية لا تعرف التوقف وهو حالة طبيعية وأحد سنن الله في خلقه، كما جاء في سورة البقرة، الآية: 251 {وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
* جلسة: تعارف الحضارات
أما الجلسة الأخيرة فكانت بإشراف الأستاذة بلحنافي جوهر من جامعة معسكر، والأستاذ بن دوبة شريف من جامعة سعيدة، وعنوانها: (تعارف الحضارات)، فقدمت الباحثة بنت الشريف حبوشي من جامعة وهران، مداخلة موضوعها: «الحضارة عند توينبي»، المفكر البريطاني الذي كتب مسيرة الحضارة (من مولدها وحتى انحلالها)، مستفيداً من كل ما توفر لديه من دراسات أنثروبولوجية وتاريخية وجغرافية، ودراسات مقارنة بين المجتمعات الإنسانية البدائية. فصاغ من ذلك كله، قصة متكاملة للحضارة، قدم من خلالها شرحاً وتعليلاً لكل مرحلة من مراحلها. وفي الختام أكدت الباحثة على اقتراحات توينبي لإنقاذ الحضارة بالابتعاد عن الحرب والعودة إلى الدين.
بينما الباحثة زينب الهتاك من جامعة وهران، فقد تحدثت عن موضوع «تصنيف الحضارات» من خلال التساؤل التالي: هل من الممكن أن نقارن حضارة بأخرى بحيث نحكم عليها بأنها أعلى أو أقل؟ وانتهت صاحبة البحث الى الإقرار بأن الحضارة في حد ذاتها تستبطن التصنيف، فكثيراً ما هو متداول أن حضارة ما متقدمة وأخرى متأخرة أو نسمع أن هذه حضارة سامية وأخرى لا حضارة لها، فنثبت حضارة عن واحدة وننفى عن أخرى.
في حين قامت الباحثة شرقي ميمونة من جامعة وهران، في ورقتها بإثارة «تساؤلات حول الحضارات بين الحوار والصدام»، لتشرح قيمة الاعتراف بالآخر، وإنكار وجوده، وإمكانية تجاوز هذه الثنائية بالتحدي وإبداع مفاهيم جديدة.
ثم تحدث الباحث المسعود بن علية من جامعة وهران، عن «الحضارة عند ابن خلدون» موضحاً قيمة مساهمته في نظرية المراحل الثلاث للدول: من البداوة إلى التحضر إلى التدهور.
وحاضر الباحث بن سطاعلي محمد الأمين من جامعة وهران، عن «الحضارة عند مالك بن نبي»، ووقف عند الحضارة كمشكلة جوهرية من مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي لأنها هي العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه جميع الضمانات اللازمة لتطوره. وشرح أطوار الحضارة من الروح إلى العقل إلى الغريزة لأنها تسير كما تسير الشمس، وكأنها تدور حول الأرض مشرقة في أفق هذا الشعب، ثم متحولة إلى أفق شعب آخر.
وبعد ذلك تحدث الباحث بن حليلم شوقي من جامعة وهران، عن «تعارف الحضارات عند زكي الميلاد» باعتبار أن التعارف يمثل القيمة والفعالية وما تحتاج إليه الأمة أن تتعرف على الحضارات الأخرى بلا هيمنة ولا تدمير، والتعارف هو الذي يحقق وجود الآخر، ولا يلغيه ويؤسس العلاقة والشراكة والتواصل لا أن يقطعها أو يمنعها أو يقاومها. ووقف شارحاً قيمة سؤال زكي الميلاد: هل يسمح الغرب لنفسه أن يدخل في حوار مع حضارات لا يجد فيها التكافؤ معه وهو في الوقت نفسه محكوم بتوازنات مادية؟ وهل أن الحضارات الأخرى بإمكانها الحوار مع الحضارات الكبرى كالحضارة الإسلامية والإفريقية في صورة متكافئة؟
بينما الأستاذ الدكتور صايم عبد الحكيم فقد أقترح تفكيراً في «تعارف الحضارات كمرجعية لأفق فلسفي جديد»، موضحاً مسؤولية المثقف في تداول المفاهيم التي قد لا تنتمي لوجوده الفكري، وأسباب إثارة هذا الموضوع الذي يعود إلى المفكر السعودي زكي الميلاد الذي أشرف على تحرير كتاب «تعارف الحضارات»، وهو ثمرة ملتقى دولي انعقد بمكتبة الإسكندرية في مايو 2011، وكأن روح المكان لا تناصر نظرية المعرفة الإسلامية فقط التي جعلت الأستاذ محمد تقي المدرسي يحصي «واحداً إلى عشرين جزء من القرآن هو في التشريع بما يدعى بالأحكام، أما الأجزاء التسعة عشر الأخرى، فهي في مناهج الفكر وفلسفة الحياة وبناء الشخصية»، بل تمتد الى تنظيم الجمعية الفلسفية المصرية بنفس المكتبة الملتقى الدولي «الإسكندرية ملتقى الحضارات» عام 2008، وفسر المحاضر قيمة هذا الإنجاز بالرغم ملاحظاته على المشروع الذي شارك فيه علماء وخبراء وباحثين من تخصصات فقهية وحقوقية وفكرية، ومع ذلك مازال في حاجة إلى متخصصين في الفكر الحضاري والعلوم الاجتماعية والإنسانية لإثرائه وتطويره.
وفي الأخير، قدم الأستاذ بن بوهة أحمد من جامعة سيدي بلعباس الكلمة الختامية منوهاً بقيمة الموضوع وراهنيته، ومتمنياً تطويره إلى ملتقى دولي في المستقبل.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.