شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مجلة الكلمة
عقدان من التجديد والإبداع والدعوة للحوار والوحدة
محمد تهامي ذكير
قد يقال: إن الشهادة للنفس أو للمقربين مجروحة أو غير مقبولة في ميزان العدالة أو كشف الحقيقة؛ لأن الإنسان مجبول على مدح نفسه وتزكيتها ومراعاة مصلحة المقربين منه أو من يُحب.
لذلك قد تكون شهادت من ساهم منذ البداية -مع كلٍّ من رئيس ومدير التحرير وهيئة التحرير- في زرع بذرة (الكلمة) وسقاها بمشاركاته ومتابعاته وسهره على صفها وتصحيح وتدقيق مواضيعها وإخراجها ومتابعة طباعتها وتوزيعها، والانتظار بشوق مدى انتشارها في العالم العربي، وتفاعل القراء معها.. إلخ، قد تكون شهادته مجروحة أو قد تُتَّهم بالمدح والمبالغة والإفراط والتزكية غير المرغوب فيها. لكن عندما تصبح الشهادة تأريخاً لمسيرة فكرية للذات وللمجلة معاً، فإن الأمر يختلف تماماً؛ لأن من حق أيٍّ منا أن يكتب سيرته الفكرية والعلمية والكتابية، وهنا يصبح المرء مطالباً بالصدق والمصداقية مع نفسه أولاً واتجاه القارئ ثانياً، واتجاه التاريخ ثالثاً؛ لأن أي تأريخ للذات هو تأريخ لواقع ومرحلة زمنية في مجتمع وأمة ما، وأي شهادة أو تأريخ لتجربة ما، كتجربة مجلة الكلمة، هي كذلك تأريخ لفترة زمانية مهمة ومليئة بالأحداث والتطوُّرات على جميع المستويات السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية... إلخ، من حياة هذه الأمة.
وهذا ما يظهر بوضوح في تتبع الملفات الفكرية والدراسات والمواضيع والمؤتمرات والإصدارت التي كُتب عنها في مجلة الكلمة منذ انطلاقها.
عندما تأسست المجلة سنة 1993م كنت قد بدأت قبلها بسنوات قليلة بالاهتمام بالكتابة بشكل متقطع وغير متنظم، لكن مع صدور العدد الأول أوالثاني والتزامي بالمشاركة فيها كتابة وتحريراً، بدأت أنتقل تدريجيًّا من الهواية الى احتراف الكتابة، حيث طرقت باب مجمل أنواع الكتابة الصحفية، من المقالة إلى الدراسة الأكاديمية المحكمة، إلى القراءة في كتاب أو تغطية مؤتمر أو ندوة، وصولاً إلى الكتابة عن الإصدارات الحديثة والحوارات.
واليوم وبعد عقدين من الكتابة في المجلة، أستطيع أن أتتبع مسيرة تطور الكتابة لديَّ من أول مقالة أو قراءة في كتاب أو تغطية لمؤتمر، كتبتها في العدد الأول أو الثاني، إلى هذا العدد الأخير. وقد فعلت ذلك يوماً عندما قارنت بين ما كتبته سنة 1993 م وما كتبته سنة 2003م، لقد كان الاختلاف واضحاً، في الصياغة والأسلوب، وفي الأخطاء المرتكبة، وفي طريقة تناول القضايا والإشكاليات المكتوب عنها، وعمق المعالجة والمنهجية، والقدرة على إيصال الفكرة التي أريد إيصالها الى القارئ بعبارة سلسة لا تخلو من محسنات بلاغية، تكشف عن حجم المعجم اللغوي والبلاغي المكتسب عبر عقد من القراءة والكتابة، كما تكشف المتابعة لأعداد المجلة القضايا التي كتبت عنها وفيها، والمواقف التي اتخذتها لحظة الكتابة، وهذا بدوره يكشف مدى تطور الوعي الشخصي بالقضايا والإشكاليات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية التي طرحت أو تمت مناقشتها في هذه المرحلة الزمنية.
أكتفي بهذا الحديث المقتضب عن علاقة المجلة بالتأريخ للسيرة الفكرية والكتابية، لأنتقل الى مجلة الكلمة وأنطلق من الشعار الذي رفعته المجلة هدفاً استراتيجيًّا لم تحد عنه قيد أنملة، وهو الاهتمام والعناية بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدُّد الحضاري. وقد ترجم هذا الشعار والهدف:
أولاً: في الملفات الفكرية التي أنجزتها المجلة، والتي ركزت على تجديد الفكر والخطاب الإسلامي في جميع المجالات والأصعدة..، وهنا نشير الى عدد من الملفات والدراسات الكثيرة التي نشرتها المجلة عن تطور الفكر الإسلامي المعاصر، وحقوق الإنسان في المنظومة الحقوقية الإسلامية، وقضايا الاجتهاد والتجديد والنهضة، والأصالة والمعاصرة، والتغطية لمؤتمرات وندوات خاصة بهذه القضايا والمواضيع.
ثانياً: المساهمة في علاج ومناقشة جميع القضايا والأزمات التي تتخبط فيها الأمة، مثل الحوار الإسلامي - الإسلامي، وقضايا الوحدة والتقريب بين المذاهب، والصراع المذهبي والطائفي والسياسي داخل الأمة، والثورات العربية ومستقبل الربيع العربي.. إلخ. وهنا لا بد من الإشارة الى نقطة مهمة جدًّا، وهي شهادة تستحق الإشارة إليها والإشادة بها، وهي الحيادية التي اتَّصفت بها المجلة، فخلال عقدين من الزمن لم تنخرط أبداً -عبر دراساتها وملفاتها الفكرية ومتابعتها الثقافية- في أي صراع أيديولوجي أو سياسي أو مذهبي أوطائفي يجتاح الساحة العربية والإسلامية.. إلخ.
بل بقيت وفيًّة وملتزمة بمفهوم الأمة الواحدة، و الخطاب العقلاني وضرورة التركيز على نشر قيم الحوار والتعارف والتقارب والتسامح والتعايش بين جميع مكونات الأمة الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية.
وأن تنصب جهود الجميع في إيجاد أفضل السبل لإدارة مظاهر وأشكال التعدد والتنوع والاختلاف التي يموج بها بحر هذه الأمة، كي يساهم الجميع ودون استثناء في التجدد الحضاري وبناء النهضة من جديد.
ثالثاً: أولت المجلة اهتمامها الخاص بتجديد الفكر الإسلامي، عبر التركيز على التشجيع على النقد البنَّاء، والمراجعات الفكرية، وفتح باب الاجتهاد وإعادة النظر في جميع القضايا المطروحة قديمها وحديثها، والتشجيع على المبادرات الجديدة، كل ذلك في محاولة منها لتفعيل العقل الإسلامي عله ينخرط بجد في اجتراح الحلول الجادة لأزمات الأمة المستعصية. وقد أنجزت المجلة ونشرت الكثيرمن الدراسات والبحوث في هذه المجالات المهمة والحساسة.
رابعاً: إلى جانب الاهتمام بالداخل الإسلامي وبكل ما يموج فيه من تيارات فكرية وسجالات أيديولوجية، واكبت المجلة التيارات الفكرية والفلسفية والأيديولوجيات الوافدة من الخارج، وما أحدثته من تأثير وكيف تفاعل العقل الإسلامي معها وما كانت ردود الفعل تجاهها، مثل قضايا: العولمة الثقافية والغزو الثقافي، صدام الحضارات، نهاية التاريخ، حوار الحضارات.. إلخ.
خامساً: واكبت المجلة أيضاً جميع الأحداث الكبرى التي غيَّرت وجه العالم والتي كان لها الأثر الكبير في صناعة الرأي العام العالمي وتوجيهه، مثل العولمة وثورة الاتصالات.
وبشكل عام، كانت مجلة الكلمة خلال هذه العقدين من عمرها، حاضرة في الساحة العربية والإسلامية، تستجيب –من خلال كُتَّابها وقرَّائها– للواقع المحلي والعالمي وما يطرحه من قضايا فكرية ودينية وأيديولوجية، متفاعلة بإيجابية معه، وهذا هو الذي يبرر بقاءها واستمراريتها وتفاعل القراء معها إلى الآن، وإلَّا كلنا يعلم مقدار التحديات التي تواجه المشاريع الفكرية والثقافية في العالم العربي، ومجلة الكلمة ليست استثناء من هذه القاعدة، فلولا الجهود الشخصية الكبيرة التي يبذلها الطاقم المشرف على إدارتها وتحريرها، وأخص بالذكر رئيس تحريرها الأستاذ زكي الميلاد ومدير التحرير الأستاذ محمد المحفوظ، لما كتب لها أن تستمر في العطاء إلى الآن.
وكما تحدثت في البداية عن مساهمت المجلة في التأريخ لمسيرتي الشخصية في مجال الكتابة، أستطيع أن أدَّعي وأقول: إن مجلة الكلمة قد أرَّخت ولا تزال تؤرخ لمرحلة فكرية وفترة زمنية من حياة هذه الأمة، ومن يتتبع أعدادها سيكتشف ذلك بسهولة، سيتمكن من التعرُّف إلى جميع التيارات الفكرية التي ماج بها واقع الأمة في هذه الفترة الزمنية، وما كان ردّ فعل العقل الإسلامي تجاه هذه الأحداث ومقدار مساهمته وتفاعله معها، ويمكن من خلال ذلك أن يستشرف المستقبل.
لقدعملت المجلة ممثلة في طاقمها التحريري بالمثل القائل: بدل أن تسب الظلام أوقد شمعة أو أصلح المصباح، وهذا ما فعلته المجلة ولا تزال –ليست لوحدها طبعاً وإنما بقرائها وكتَّابها الذين هم في تزايد وتكاثر.. فأوقدت (81) شمعة وسط هذا الليل الدامس من الجمود والتقليد والتبعية، والجهل واللاعقلانية والتعصب الذي تحوَّل إلى حفلة جنون وصراع دموي سيقضي –لا محالة إن استمر- على ما تبقى من تماسك وتواصل اجتماعي بين مكونات هذه الأمة، وما أُنجز من تنمية وتقدم ونهضة...
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.